في سابقة لم يشهدها مشواره السينمائي، نجح الممثل رامز جلال في المنافسة
بقوة على إيرادات موسم الصيف السينمائي، على رغم شراسته ومشاركة أكثر من
نجم فيه. مع أن فيلمه الأخير «غش الزوجية» لحق به هجوم نقدي واسع، إلا أنه
لا يرى أن صانعي الفيلم «غشوا» الجمهور. عن أحدث تجاربه السينمائية «غش
الزوجية» كان اللقاء التالي.
·
هل ترى أن توقيت طرح الفيلم في
دور العرض كان مناسباً؟
بالتأكيد، جميعنا يعرف الظروف التي تمر بها مصر راهناً، وحتى الآن ما زال
كثر من صانعي السينما قلقين من الأوضاع ولا يعلمون مستقبل الصناعة، لذلك
تأجل عرض الفيلم أكثر من مرة. كان هذا القرار صعباً للغاية، لأن ميزانية
الفيلم مرتفعة، بالتالي من حق المنتج أن يحصل على أمواله التي دفعها، لذا
فكَّر كثيراً قبل أن طرح الفيلم في دور العرض. في النهاية هذا قراره هو
لأنه الأقدر على تحقيق المعادلة الصعبة، ومعرفة الطريقة التي يجني من
خلالها الربح، وأنا كأحد المشاركين في البطولة أتمنى أن يكون التوقيت
مناسباً فعلاً كي يحقق الفيلم ما يستحقه من نجاح.
·
ماذا عن ردود الأفعال التي
تلقيتها عقب عرض الفيلم؟
ردود الأفعال هذه المرة كانت طيبة للغاية وسعدت بها فعلاً، وإن كنت أتمنى
أن تترجم إلى مزيد من الإيرادات التي تدخل العمل منطقة الأمان قبل انتهاء
موسم الصيف السينمائي، خصوصاً مع دخول رمضان وانشغال الجمهور بالأعمال
الدرامية والمسلسلات.
·
في الفيلم تتعاون مع إيمي سمير
غانم ويتكرر تعاونك مع حسن حسني، فما هو شعورك؟
عموماً، احتاجت قصة الفيلم الانسجام بيننا جميعاً. إيمي سمير غانم نجمة
كبيرة ولها تجارب سينمائية سابقة، وارتأينا ضرورة تشكيل «دويتو» كوميدي من
خلال شخصيتين مختلفتين. أما حسن حسني فهو بمثابة الأب الروحي لي وتعاونا في
أكثر من عمل، لذلك كان لا بد أن يتواجد إلى جواري في الفيلم، خصوصاً أني
أتعلم منه الكثير، ويساعدني ويشد من أزري.
ولا ننسى إدوارد الذي قدم معي أفلاماً عدة سابقاً، وهو كوميديان متميز أسعد
بالتعاون معه، خصوصاً أننا أصدقاء على المستوى الشخصي، وبيننا تفاهم كبير
في الأعمال التي نقدمها.
·
جاء بعض المشاهد متشابهاً مع
فيلمي «أنت حبيبي» و{آه من حواء»، ماتعليقك؟
مع احترامي للفيلمين وهما لكبار صانعي السينما، لكن هذا غير صحيح أبداً،
والخلط يحدث عند الجمهور من خلال الفكرة، فهي دائماً ما تكون واحدة إنما
تُقدم بشكل مختلف في الأفلام. بناء عليه، لا عيب في إعادة استخدام «ثيمة»
معينة، لأن هذا شيء طبيعي وتكرر كثيراً عبر أكثر من عمل فني، والفيصل في
طريقة التناول التي تختلف من فيلم إلى آخر.
أرفض الحديث عن أن فيلمي مقتبس أو منقول من فيلم آخر، والصحيح أنه يتضمن
فكرة معينة تشابهت مع أفلام أخرى، وهو ما أتمنى من النقاد الاعتراف به كي
لا يؤثر ذلك على جمهوري الذي أحرص على أن أقدم له كل ما هو جديد ومختلف.
·
وصف البعض أداءك في الفيلم
بالمبالغ فيه، خصوصاً في المشاهد التي تتطلب انفعالاً؟
لم أسمع هذا التعليق على أدائي. أتصور أنني حاولت أن أبدو مختلفاً قدر
المستطاع وأن ابتعد عن المبالغة على رغم أن الكوميديا تعتمد عليها أحياناً،
على عكس الأعمال التراجيدية التي لو اتسم الأداء بالمبالغة لانتقدها
الجميع.
·
بمناسبة حديثك عن النقد، هل ترى
أن النقاد يهاجمون أفلامك باعتبارها لا تقدم فناً هادفاً؟
لا يمكن اعتبار ذلك هجومًا، لكن علينا أن نفرق بين نوعين من النقد: نقد
بناء ونقد آخر لمجرد النقد والهجوم على شخصي. أحترم من ينتقدني ويوجهني إلى
أخطاء قمت بها فعلاً كي أصححها. أما من ينتقد لمجرد أنه لا يريد أن يرى
رامز جلال على الشاشة، فهذا لا أهتم به ولا أقرأ ما يكتبه، وأعتقد أن
القارئ يشعر بمن ينتقد لتصحيح الأخطاء ومن ينتقد للهجوم، وهو فعلاً يقتنع
بالرأي الأول ولا يكمل قراءة الرأي الثاني. عموماً، لا أهتم بالخروج للدفاع
عن نفسي ضد من يهاجمني، وأترك الأمر في النهاية للجمهور، الذي يقرر من
يختار ويعرف نجمه المفضل ومدى حبه له وهو من يدافع عني.
·
ينتقد البعض أدوارك لكونها
متشابهة؟
على العكس، يحدث هذا الخلط عند البعض بسبب تقديمي الكوميديا، ما يجعله يشعر
بأنني مكرر. في الواقع، أحرص في كل فيلم على أن أكون مختلفاً عن دوري
السابق، كي لا يشعر الجمهور بالملل أو ينصرف عني، وأعتقد أن كثر سيغيرون
رأيهم لو قدمت أدواراً تراجيدية وسيشعر أنني أقدم زوايا وأدواراً مختلفة.
الجريدة الكويتية في
22/07/2012
التطاول على الذات الإلهية في ميزان السينما المصرية
كتب: القاهرة - الجريدة
تعرّض فيلم «حلم عزيز» لانتقادات شديدة بسبب تعرضه للذات الإلهية و{التطاول
عليها»، وفق وصف المحامين الذين تقدموا بدعاوى قضائية ضده يتهمونه فيها
بكسر تابوهات ممنوع على صانعي الأفلام الاقتراب منها. هنا ترتسم علامة
استفهام حول أسباب هذا الهجوم الخفي في وقت أجازت الرقابة عرضه؟
يتضمّن فيلم «حلم عزيز» (إخراج عمرو عرفة وبطولة بطولة أحمد عز وشريف منير)
مشاهد لجهنم، ويصور، من وجهة نظر صانعيه، من كتب لهم العذاب في الآخرة مثل
القذافي وهتلر وصدام حسين، ما شكل محور اعتراض البعض باعتبار أن هذه الرؤية
ليست من حقّ أحد إلا الله سبحانه وتعالى، فهو وحده يعلم من سيكون مصيره
جهنم، وهذه أمور تدخل في الغيبيات ولا يحق للمخرج الخوض فيها.
سبق أن تعرّض فيلم «بالألوان الطبيعية» لانتقادات من علماء الأزهر، الذين
اتهموا صانعيه بالتطاول على الذات الإلهية، إذ يتحدث البطل مع الله سبحانه
تعالى بطريقة رأى فيها علماء الأزهر أنها لا تحمل من الأدب ما يكفي، خصوصاً
في المشهد الذي يتساءل فيه البطل (كريم قاسم): «أنا عدوك يارب»؟ كاد أن يصل
الأمر إلى منعه من العرض، إضافة إلى رفض كلية الفنون الجميلة فتح أبوابها
أمام أسرة الفيلم للتصوير داخل أسوارها، لأن السيناريو لا يحمل أدباً
كافياً في الحديث مع الذات الإلهية، ما يشوه صورة الفنانين التشكيليين
ويضعهم في خانة الملحدين.
بدوره، تعرّض فيلم «بحب السيما» لمحمود حميدة وليلى علوي ومنة شلبي
للانتقادات نفسها بعد عرضه بسبب المشهد الذي يوجه فيه البطل (محمود حميدة)
حديثه إلى الله عز وجل قائلا: «أنا مابحبكش… لكن بخاف منك ومن عذابك، كان
نفسي أحبك زي ما تكون أبويا بس مش قادر»، فاعتبره البعض تطاولاً غير مسموح
به، وتجاوزاً لأدب الحديث مع الله عز وجل، وارتفعت مطالبات بمنع عرضه.
كذلك تعرّض الفيلم لانتقادات من الكنيسة بتهمة تشويه القيم المسيحية،
خصوصاً أن أبطاله من الأقباط وبعض صانعيه، إلا أن الانتقاد الأكبر كان بسبب
مشهد محمود حميدة وحديثه مع الله عز وجل الذي أدخله ضمن قائمة الأفلام التي
تتطاول على الذات الإلهية.
تبجح وسخرية
تعرّض عادل إمام للهجوم نفسه بسبب مناجاة مع الله في أحد مشاهد فيلم «عمارة
يعقوبيان» وجه فيه حديثه إلى الله عز وجل وخاطبه بشكل مباشر، رأى فيه البعض
تطاولا على الذات الإلهية وتبجحاً في الحديث مع الله عز وجل، مستشهدين بجمل
من نوعية: «تفتكري ربنا هيحاسبني برحمة كبيرة؟ هيعملي أكبر نسبة خصم 20 في
المية 30… 50 في المية ماتخليهم 100 في المية ده أنت غفور رحيم»، فاتهمه
البعض بالسخرية من تعاليم الله عز وجل وطالب بوقف عرض الفيلم.
يؤكد هاني فوزي كاتب سيناريو فيلمي «بالألوان الطبيعية» و{بحب السيما» أن
أفلامه لم تتعرض للذات الإلهية بأي تطاول أو سخرية كما تردد، بل لكل شيء
مبرر درامي، فالبطل إما يكون مخموراً فيناجي ربه بحديث يراه البعض جريئاً،
أو منفعلاً فيتحدث بكلام لا يحمل تجاوزاً إنما حقيقة مشاعره. يرفض فوزي
فكرة الرقابة على الأفلام بهذه الطريقة ويطالب برقابة عمرية كما هو متبع في
دول العالم المتحضرة.
يوضح شريف منير بدوره أن صانعي السينما لا يقصدون التطاول على الذات
الإلهية، لذا يفاجأون بمزايدات تنهال عليهم من كل جانب لمجرد تقديمهم
فيلماً خارج الصندوق، كما في «حلم عزيز» الذي يؤدي فيه دور رجل يظهر لابنه
في الحلم ويحدّثه عن الآخرة وينقله إليها.
يضيف منير أن الفيلم لم يحمل أي تطاول على الذات الإلهية وأن الرقابة وافقت
على عرضه. بالتالي، فهو ليس خارجاً عن السياق.
أما عادل إمام فيتساءل: «طالما الرقابة وافقت على عرض هذه الأفلام لماذا
تُقدّم دعاوى قضائية ضد صانعيها؟ إذا كان ثمة خطأ فهو ليس خطأ المنتج أو
المؤلف أو المخرج أو الأبطال لأنهم لم يقدموا أفلامهم إلا بعد حصولهم على
الموافقة».
يضيف أنه اعتاد مثل هذه الدعاوى القضائية التي تهاجم أفلامه وتتهمها
باتهامات متنوعة من بينها: التعرض للذات الإلهية والتطاول على الإسلاميين
وازدراء الأديان وغيرها.
الجريدة الكويتية في
22/07/2012
كلام فارغ!
مجدي الطيب
في عدد الاثنين الموافق 18 يونيو الماضي، وتحت عنوان «قطع العلاقات مع
الوطن»، انتقدنا في هذه الزاوية ظاهرة «مدير أعمال النجم» الذي يتجاوز دوره
ويتقمص شخصية النجم ويتحدث بلسانه، وربما يستعير غروره، وبجهل شديد يُقيم
الحواجز والسدود بين «النجم» وجمهوره بعد ما تصل به الجرأة، أو الصفاقة،
إلى حد أن يُنحي «النجم» جانباً ويتحدث للصحافة والإعلام باسمه.
في السياق نفسه، أشرنا إلى إيناس بكر المتحدثة الإعلامية في مصر، باسم
النجم العالمي عمر الشريف التي تختلط الأمور لديها، وتلتبس لدرجة أن أحداً
لا يعرف إن كان ما يسمعه أو يقرأه من تصريحات في الصحف والمحطات تعكس أفكار
عمر الشريف نفسه أم تعبر عن وجهة نظرها الشخصية، لكنها اختارت أن تضعها على
لسانه .
وقتها توقفنا عند التصريح الخطير الذي أوردته إيناس على لسان الشريف، وأكدت
من خلاله أنه يتابع من فرنسا تطورات الأوضاع الراهنة في مصر، وأنه يراقب عن
كثب نتائج جولة الإعادة في الانتخابات الرئاسية، بين د. محمد مرسي ممثل
جماعة «الإخوان المسلمين»، والفريق أحمد شفيق ممثل «النظام القديم»، وأنه
هدد، كما قالت إيناس، بقطع علاقته ومصر بشكل نهائي في حال فوز
د. محمد مرسي، بينما سيعود إلى مصر في حال فوز أحمد شفيق. بالطبع لم يكن
بمقدورنا الصمت على تلك التصريحات، التي وصفناها بأنها غير مسؤولة، لكننا
استغربنا صدورها عن نجم عاش عمره في الغرب «المتحضر»، وأقام ردحاً من الزمن
في فرنسا عاصمة «النور»؛ حيث التعددية واحترام الحريات وقبول الآخر، ومن ثم
كان عليه أن ينحاز إلى التجربة الديمقراطية التي يعيشها الوطن، بدلاً من أن
يُصادر ويُهدد ويتوعد ويُظهر للكافة أنه يُخفي في طياته «ديكتاتوراً»
كبيراً يضيق ذرعاً بالرأي الآخر، ولا يرى بديلاً عن الفكر الذي يؤمن به.
كتبنا هذا وسجلناه قبل أن يباغتنا النجم الكبير عمر الشريف يوم (الخميس)
الموافق 12 يوليو الجاري بتصريح لجريدة «الوطن» اليومية المصرية ينفي فيه
كل ما تردد عن عدم رغبته في العودة إلى مصر، في أعقاب إعلان فوز الدكتور
محمد مرسي بمنصب الرئيس، ووصف ما قيل على لسانه بإنه «كلام فارغ»،
وأضاف:{مصر بيتي الكبير، ولا أستطيع الابتعاد عنها، فعلى رغم تعدد سفرياتي
وطول الإقامة بالخارج، فإنني أحب مصر بجنون، وهي وطن النشأة والصبا
والنجومية». واختتم بقوله: «أندهش من الشائعات التي تطاردني، فأنا لم أهاجم
التيار الإسلامي، وأنا واحد من الناس التي تعرف قيمة الديمقراطية، وكنت
سعيداً بإجراء انتخابات رئاسية نزيهة، وتوقعت فوز الدكتور محمد مرسي نظراً
إلى شعبية «الإخوان المسلمين»، وأتمنى أن يستثمر التيار الإسلامي الفرصة
ويحاول تصحيح الأوضاع الخاطئة التي كشفت عنها الثورة».
هذا بالضبط ما قاله عمر الشريف، الذي بدا شديد الثقة بنفسه، ومؤمناً قوياً
بحرية الإبداع وقدرة المبدعين على صونها وحمايتها، عندما استبعد تماماً
وجود مخاوف لديه من سيطرة التيار الديني على الوسط الفني، واستغرب ما قيل
عن رعب المبدعين في المرحلة الراهنة، وقال: «نحن في زمن الحريات، وأي إنسان
يستطيع الدفاع عن نفسه وإقناع الآخر بوجهة نظره، بشرط أن نختلف من دون صدام
يدفع بنا إلى الانقسام». وتمنى على زملائه الفنانين أن يعملوا، وألا
يلتفتوا إلى مخاوف لا أساس لها.
وجهة نظر كافية لتبرئة الشريف من اتهامات «الدكتاتورية» و{التطرف»، وتؤكد
أنه استفاد كثيراً من حياته في الدول المتحضرة، واكتسب الكثير من أفكارها
«الليبرالية»، واعترافها بـ «التعددية»، لكنه يتحمل مسؤولية التصريحات التي
أدلت بها المتحدثة الإعلامية باسمه، وأساءت إلى صورته كثيراً، وعليه إذا
أراد ألا تتكرر الواقعة، وتصبح سبباً في عواقب وخيمة، أن يبادر بتصويب
العلاقة بينهما، بحيث توضع الأمور في نصابها الصحيح، ولا يتم الخلط بين
«المتحدث بلسان» و{مدير الأعمال»، ولا يتعرض «الأصل» للسحق بعبارات غير
مسؤولة تصدر عن «الصورة»، فالعلاقة ينبغي أن تتحول إلى التزام متبادل،
وحدود لا يمكن تخطيها، حتى لو أدى الأمر إلى توثيق ما تم الاتفاق عليه في
عقود قانونية، كما يحدث في دول العالم المتحضرة التي لا يمكن أن يتحول فيها
«اللبيس» إلى «دوبلير» للنجم.
magditayeb@yahoo.com
الجريدة الكويتية في
21/07/2012
فيلم للبناني دانيال جوزيف
«تاكسي البلد».. البحث عن بــيروت الضائعة
زياد عبداللة
يمكن اعتبار التاكسي معبراً لنبش المدن، وسائقه ليس على الدوام ترافيس
(روبرت دي نيرو) في «سائق التاكسي» ،1976 إنه أيضاً يوسف في الفيلم
اللبناني «تاكسي البلد» لدانيال جوزيف في أولى تجاربه الإخراجية، والأمر لا
يقتصر على حركية هذا التاكسي فقط، بل بالبلد أيضاً إن كنا نتتبع عنوان
الفيلم، ووفق ما سيرويه يوسف لامرأة أميركية اسمها جوردان (كارينا لوغ).
هناك حقيقة مفادها أن التعرف إلى المدينة، أي مدينة، يمكن تحقيقه من خلال
التاكسي وسائقه، كونه سيكون المراقب المتحرك للمدينة، القادر على الدوام
على رصد أي شيء يتغير، مضافاً إلى ذلك تنوع من يستقل هذا التاكسي، إذ يتاح
للسائق أن يعاين نماذج لا حصر لها من البشر، وبالتالي تناقضات هؤلاء البشر،
وجوههم، حكاياتهم وصولاً إلى مصائرهم المتخيلة أو الواقعية، ووفق ذلك هناك
الكثير من الأعمال الفنية والأدبية تمركزت حول هذه الحقيقة، والتي تجعل من
سائق التاكسي مراقباً وشاهداً على الحياة اليومية للمدينة، وكل ذلك في بناء
وسياق فنيين، مع التأكيد على أن الحياة اليومية هي المؤشر الأسطع للمتغير
التاريخي والفكري والاقتصادي لأي مدينة.
يمكن لكل ما تقدم أن يكون معبراً نحو مشاهدة فيلم «تاكسي البلد»، ويمكن في
الوقت نفسه ألا يعني ذلك أي شيء، لدى البحث عن رهانات الفيلم، والبناء الذي
تأسس عليه، بما يحول ما أسهبنا في توضيحه نوعاً من إيراد كل ما افتقده فيلم
«تاكسي البلد»، وما دام الحديث عن «تاكسي» فلكم أن تتوقعوا الكثير من
التصوير الخارجي، لكن بعيداً عن أن يكون الأمر في «تاكسي البلد» على اتصال
مع التفاصيل التي تقربنا من الحياة البيروتية، إذ يمكن للتصوير الخارجي أن
يكون معقماً تماماً، أقرب للاستديو إن كان المسعى هو تناوب أشخاص على
التاكسي الذي يقوده يوسف (طلال الجردي)، ولكل شخص عالمه الذي لن نعرف منه
إلا ما يطفو على السطح، في تحويل استقلاله التاكسي فرصة لتقديم مفارقة أو
شخصية علينا أن نعيدها إلى نموذج مسبق الصنع في الأذهان، فهذا بذيء وفهلوي
ويعلق على كل امرأة قد تمر بجانب التاكسي، وتلك عازفة موسيقية، وأخرى امرأة
عجوز يقرر يوسف أن ينزلها من التاكسي حين يعلق في ازدحام، وما بين ذلك
سيخضع الأمر إلى مزاجية يوسف والكيفية التي يتلقى فيها الأشخاص، وما يمثلون
بالنسبة إليه. ووفق ذلك سيكون يوسف مركز الفيلم الذي تلتقي عنده أشخاص كثر
مكرسين لتحقيق إدعاء الفيلم بأنه كوميدي، وحين يعود يوسف في الذاكرة في
استجابة لما تحرضه لديه جوردان، فإنه سيكون كذلك أيضاً، أي سننتقل من شخصية
إلى أخرى، ومن حدث مهضوم إلى آخر مهضوم أيضاً، الصفة التي يمكن اعتمادها
نقدياً متى كان الرهان هو العودة إلى القرية التي ولد فيها يوسف، وهو يجمع
مشاهداته الطفولية في تتبع لكل ما هو كوميدي في تلك المشاهدات: كارلو الذي
لا يهزم، والذي يأتيه متحدون من القرى والأماكن المجاورة، ومن ثم قصة حبه
ومصيره العجيب، وكل ما سنتعرف إليه من خلال تلصص يوسف الطفل الذي يبقى خارج
سياق الكوميديا سواء في صغره أو حين يكبر، وصولاً إلى حلم يوسف نفسه الذي
لن يكون إلا بأن يصير أفضل سائق تاكسي في بيروت.
لكن يوسف الذي لا يتحلى بأي صفة كوميدية، لن يكون إلا تحت رحمة مآزق كثيرة،
وهو متوتر، وسيعاني الفشل في الحب، وسوء فهم الآخرين لتطلعاته البسيطة التي
لا تتجاوز الجلوس خلف مقود التاكسي والتجوال في ليل بيروت، فهو ليس بحال من
الأحوال شخصية كوميدية مع أن بنية الفيلم تريد أن تفرض عليه ذلك، ومع البحث
عن الكوميديا، فإن «الفلاش باك» الطويل الذي يعيدنا إلى قرية وطفولة يوسف
ستختلف عن حاضر يوسف في بيروت بحيث تصبح الكوميديا مستعادة من خلال الإصرار
على تقديم كل من في قريته كشخصيات كوميدية بالاستعانة بالأجواء القروية في
السينما الإيطالية، وصيغة تجميع الأحداث من هنا وهناك، ومن ثم لتكون
المدينة نقطة التحول لدى يوسف. يتطلب الإطباق على منطق فيلم «تاكسي البلد»
تبني صفات مثل البساطة والكوميديا، ولتكون الصفة الأولى متحالفة مع ما
مفاده أن يوسف البسيط لا أحد يفهمه في بيروت إلا الأميركية مدربة الرياضة،
بينما يأتي التفاعل مع الكوميديا من باب الماضي حين كان أخطر حدث يمكن أن
يقع هو منازلة يخوضها كارلو.
لن يكون في النهاية رهان فيلم «تاكسي البلد» على الدراما، ولا حتى
الكوميديا إلا إن كان تعريف الكوميديا يتمثل في تجميع شخصيات بيئية
واعتبارها كوميدية في نقلها من موقف مفتعل إلى آخر، بينما تكون في بيروت
مختلفة تماماً، حيث الافتعال أكبر، فشخصية يوسف تحمل توصيف الشخصية
البسيطة، وهنا البساطة مرادف لرهانات عاجزة عن أن تكون حتى ميلودرامية،
وكما يقول انطونيويني «لابد من وجود سبب لكل فيلم»، الأمر الذي يصعب العثور
عليه مع «تاكسي البلد».
الإمارات اليوم في
22/07/2012
تنتج الكثير ولا تصدر إلا أفلام
السكاكين
السينما الصينية فروسية مزيفة
محمد رُضا
ذات مرّة قبل تسع عشرة سنة احتل المخرج الصيني كايغي تشن مكانه وسط أترابه
من المخرجين الذين حضروا دورة مهرجان “كان” سنة ،1993 هناك وقف جنباً إلى
جنب مع الأخوين الإيطاليين فيتوريو وباولو تافياني، والألماني فيم فندرز،
والفرنسي أندريه تاشيني، والبريطانيين كينيث براناه وكن لوتش ومايك لي
والأسترالية جين كامبيون .
لم لا؟ كايغي تشن كان لا يزال واحداً من مخرجيْن صينيين تتهافت المهرجانات
الكبرى على استقبال أفلامهما، والثاني زانغ ييمو . كلاهما من مدرسة ما يعرف
بالجيل الخامس . أمّا العمل بروح جديدة وحققا أفلاماً أغضبت السلطات وحملت-
في الوقت نفسه- ملامح فنية راقية على الرغم من تفاوت بعض أفلام كل منهما في
المستوى النهائي . فيلم ذلك العام بالنسبة لكايغي تشن كان “وداعاً يا
عشيقتي” ميلودراما عاطفية عن فناني مسرح وغناء يوظّف المخرج وجودهما الفني
ليسرد تاريخ الصين في مطلع القرن الماضي وحتى ما عُرف بالثورة الثقافية .
الألوان، المعايشة، السهولة في السرد والعناصر الإنتاجية جميعاً اجتمعت
لمنح الفيلم سعفة “كان” الذهبية . كايغي كان معقود اللسان من شدّة الفرح .
كان ذلك، كما ذكرنا قبل نحو عشرين سنة . الآن هذا الوعد الصيني الكبير
تمخّض عن مخرج يصنع أفلامه للجمهور . في الواقع كانت هذه آخر مرّة قدّم
فيها فيلماً طويلاً لمهرجان “كان” . بعده وبتدرّج سريع أخذ يواصل إنجاز
أفلام من بطولة خيول جامحة ومقاتلين شرسين في حكايات تاريخية فانتازية تقع
أحداثها في القرون السابقة . أحد هذه الأفلام عنوانه “تضحية” وهو الذي يعرض
على شاشاتنا خلال الأيام القليلة المقبلة . “تضحية” يدور في تلك الفترة
التي كانت لوردات الصين فيها تتنازع على المناطق المختلفة من البلاد وواحد
من تلك الأسر الكبيرة التي تتعرض لعملية فناء على أيدي رجال عصابة تنتمي
لأسرة معادية . الناجي الوحيد منها هو طفل صغير ولكي يدافع طبيب العائلة
عنه يضحّي بولده هو موهماً الأعداء بأنه ابن العائلة الحاكمة . بعد عشرين
سنة، ها هو الصبي شب وبات على شاكلة الممثل زاو ونهاو الذي يؤدي دور
البطولة . وهو الآن منصرف لمواجهة المتآمر الذي قتل والده وتسبب في انتحار
أمّه وتشتيت المملكة .
الفيلم ملحمي، لكنه ليس بالحجم الكبير الذي صاغه كايغي من قبل . وهو
بالتأكيد ليس بحجم أفلام تاريخية من النوع نفسه يؤمّها اليوم مخرجون صينيون
عديدون من بينهم زانغ ييمو الأكثر نشاطاً من كايغي تشن في هذا المضمار، فهو
أنجز “من بعد ما طلّق أيضاً حياة المهرجانات” سلسلة من الأفلام المثقلة
بفرسانها وبطولاتها وعناصرها الإنتاجية الكبيرة، كما بحكاياتها الهاربة من
مشكلات اليوم إلى الأمس البعيد . من بين أعماله “بطل” و”بيت الخناجر
الطائرة” و”لعنة الوردة الذهبية” و”إمرأة، مسدس ودكان نودل” وكلّها في خلال
السنوات العشر الأخيرة وحدها .
إنه ليس خفياً أن السينما الصينية باتت ترى هذا النوع من الأفلام طريقها
إلى العروض العالمية . أفلام هذا النوع هي التي تعرض في عواصمنا العربية،
وفي العواصم الأوروبية وفي المدن الأمريكية والكندية الرئيسة . قبل خمسة
أعوام حقق فيلم “سادة الحرب”The
Warlords
نجاحاً كبيراً داخل الصين وخارجها، (كما نال جوائز محليّة) وهو عبارة عن
ثلاثة رجال يتعاهدون على القتال معاً في فترة سلالة كينغ التي حكمت الصين
ما بين 1644 و،1912 مثله في هذا الاهتمام فيلم “سبع سيوف” الذي ينحو بنفسه
للحديث عن بداية حكم تلك السلالة واضطلاع قلّة من المحاربين بالوقوف في وجه
الحكّام المتسلّطين . ودائماً، في هذه الأفلام، هناك أسباب جوهرية،
فالمحاربون يريدون العدالة لهم ولمجتمعاتهم، بينما يحاول المسيطرون على
الحكم القضاء عليهم . بما أن البطولة للقلّة فإن الناتج هو معارك فادحة
ومستفيضة مع مشاهد من نوع فانتازي كأن يقفز المتحاربون في الفضاء مقاومين
نظرية الجاذبية بل ولاغينها من الوجود، فعلى علو بضع عشرات من الأمتار
يستطيعون الجمود في مكانهم، فلا يسقطون بينما يتبادلون القتال بالسيف .
أما استخدام الأسلحة بأنواعها فهو أيضاً جنوح شديد، إذ أن بعض تلك الأسلحة
له عقل يقرر بنفسه أين يتّجه وكيف يُصيب الهدف .
الحاصل أن هذه الأفلام المذكورة وفوقها “الفارسة وبحيرة المرآة” لهرمان يو
(إنتاج 2011) و”بلا خوف” لروني يو (2006) و”الصعلوك الملكي” لوونغ جينغ
(2008) استمرار لأفلام من هذا النوع كانت بدأت تسود من أواخر الثمانينات .
لكن حينها كان ميدان القتال أكثر تواضعاً، والمنجزات السحرية من قتال في
الهواء وقفز من الأعالي وإصابة أكثر من هدف بسرعة لا تُقاس ما زالت في
بداياتها تبعاً للتطوّر التقني الذي يفوق اليوم ما كان من الممكن إنجازه
قبل أقل من عشر سنوات .
وإذا كانت السينما الهندية عُرفت بميلودراميّاتها
الغنائية-الكوميدية-العاطفية مع خلطة من المغامرات، واليابانية عُرفت
بأفلام الساموراي، والأمريكية سابقاً بأفلام الغرب والبرازيلية بأفلام
المصارعين المقنّعين، فإن خروج هذا العدد الكبير من أفلام القتال الصينية
ليس مفاجئاً . كل ما هنالك هو أن الصين تنتج مئات الأفلام الأخرى، لكنها لا
تصدر إلى الخارج إلا أفلام السكاكين .
أوراق ومشاهد
ما خفي كان عظيماً
Hidden (Cashé) (2005) لا يزال فيلم ميشيل هنيكه “مخفي” محور ما حققه المخرج النمساوي من
أفلام إلى اليوم . كذلك هو محور اهتماماته التي واصلها من بعد هذا الفيلم
حتى نال سعفة “كان” في الربيع الماضي عن فيلمه الجديد “حب” .
والمشهد الطويل في بداية الفيلم يكاد يكون إنجازاً منفرداً بحد ذاته . لقطة
واحدة ثابتة لمنزل جميل من طابق واحد . الكاميرا موضوعة من الناحية
المقابلة والمنظر أمامها يكشف الشارع المقابل والشارع الذي تكمن فيه
الكاميرا . وهناك حوار . لوهلة يمكن الاعتقاد أن الحوار بين رجل وامرأة
يقوم به شخصان وراء الكاميرا، أي أن هناك من يصوّر ما نراه . لكن المخرج
هانيكه يأخذ وقته قبل أن ندرك أن الحوار ناتج عن شخصين يشاهدان الفيلم الذي
نشاهده: شريط فيديو تم تصويره وإرساله إليهما . ذلك البيت الجميل في مواجهة
الكاميرا هو بيتهما وقد تم تصويره من الخارج . الإدراك ليس سوى جزء مما
توحي به المقدّمة . جزء آخر يتبلور لاحقاً: هذا شريط مجهول المصدر يتم
إرساله إلى رجل معروف في الوسط الإعلامي (لديه برنامج تلفزيوني) ليحرك فيه
شيئا مخبوءاً قد يكون وقد لا يكون له علاقة بالموضوع بأسره . إنه كما لو
أنك ترى منظراً يقع أمامك على الطريق فينتقل بك إلى مشهد آخر مر معك في
ماضيك . الفارق هو أن ماضي جورج (كما قام به دانيال أوتييل) الذي استلم
الشريط يحتوي، كما العادة، سراً يؤرقه والشريط بالتدريج سيفتح له باباً
لذلك السر حتى وإن لم يكن له علاقة بالحالة التي تتمثل في الوقت الراهن .
يكاد الفيلم أن يكون لغزياً بكامله . شيء من سينما هيتشكوك لكنه شيء يسير
جداً . إنه فيلم يطرح أسئلة ولا يجيب إلا عن بعض منها، ويبقي السؤال
الرئيسي المتمثّل في: من هو الذي يرسل تلك الأشرطة إلى جورج؟ من غير جواب
لكن لماذا تلك الأشرطة التي لا تظهر ما يدور داخل البيت، فقط خارجه، مؤرقة؟
في البداية جورج وزوجته لوران (جولييت بينوش) مجرد فضوليين عاديين لمعرفة
من هو المرسل . لكن الفضول يختفي ليحل مكانه التفكير الذي يندثر ليحل مكانه
القلق ثم الخوف والغضب . معالجة المخرج مناسبة لفيلم تشويقي، و”مخفي” لا
يخلو مطلقاً من هذه الصفة، فهو تشويقي محكم بالفعل، لكنه ليس تشويقاً
بوليسياً . لا أحد يؤدي دور شرلوك هولمز أو فيليب مارلو ما يضفي على الفيلم
تميّزا بعد تميّز ما يبعده عن شكل الحكاية البوليسية تماماً .
م.ر
Merci4404@earthlink.net
الخليج الإماراتية في
22/07/2012
لا خوف بعد اليوم
محمد رضا
تونس : فيلم تسجيلي عن الثورة التونسية التي أطاحت بالرئيس
ونظامه ـ إخراج: مراد بن الشيخ
"البائع المتجوّل هو الذي أسقط بن علي"، يقول أحد الشبّان المتحمّـسين
الجالسين بين مجموعة تحرس الحي ليلاً، وهو بالفعل مصيب بالفعل في ملاحظته،
إذ كانت الحادثة الحزينة فعلاً وهي قيام الشاب محمد بوعزيزي بحرق نفسه
سبباً إلى خروج التونسيين إلى الشوارع بعدما نفذ صبرهم من حكم بوليسي
متعسّـف. هذا الفيلم هو عن عدّة شخصيات تتحدّث عن الحياة كما كانت في ظل
الحكم البائد وخلاله الثورة ضدّه، مع مشاهد كثيرة من الأحداث ذاتها:
المظاهرات، المواجهات، وآراء الناس التي تختلف كلماتها لكنها تتّـفق على أن
الثورة كانت في محلّها الصحيح وكان لابد منها.
بعد حين يبدأ الفيلم بالدوران حول نفسه على الرغم من إختلاف المشاهد. وهي،
نسبياً، مشاهدة جديدة كون التلفزيونات (العربية خصوصاً وبينها قناة
"الجزيرة" ذاتها التي ساهمت في إنتاج هذا الفيلم) حرصت على عدم التواجد في
الأيام الأولى من تلك الثورة. كذلك فإن السينما التونسية لم تنجز حتى الآن
أكثر من حفنة أشرطة هذا هو أكثرها انتشاراً. تصوير الفيلم (لا مانع من
الإعتقاد بأن المخرج هو الذي صوّره بنفسه) جيّد ومحترف. الرغبة في نقل
حقيقة الشارع وأسباب الثورة واضحة والفيلم ينجح في الإنتقال بين شخصياته في
مواقع شتّى.
فارييتي العربية في
21/07/2012 |