بدءاً من مساء غد
الجمعة، تُقدِّم «جمعية متروبوليس» مختارات سينمائية وثائقية وروائية
متعلّقة
بمغنّين أو بفرق غنائية موسيقية. تعاونت الجمعية مع «أم. سي. برودكشن»
و«المجلس
الثقافي البريطاني» في تنظيم «شيء ما يجب أن يتكسّر» (صالة سينما «متروبوليس»
في «مركز
صوفيل» في الأشرفية). هذا عنوان أغنية للفرقة الإنكليزية «جوي ديفيزون»،
نواة
أحد الأفلام المختارة للتظاهرة نفسها:
«Control» (2007)
للهولندي أنطون كوربان.
تتضمّن التظاهرة سبعة أفلام أُنجزت في العشرية الأولى من القرن الجديد.
أجدّها «مارلي»
للاسكتلنديّ كيفن ماكدونالد (يُتوقّع إطلاق عرضه في الثاني من آب المقبل في
الصالة نفسها). تنوّعت أساليب المخرجين، كتنوّع الفرق والمغنّين أيضاً.
فبالإضافة
إلى فرقة «جوي ديفيزون» وبوب مارلي، هناك جورج هاريسون (أحد أبرز أعضاء
فريق
الـ«بيتلز») في «جورج هاريسون: العيش في العالم المادي» (2011) لمارتن
سكورسيزي،
وفرقة Sex Pistols
في
The Filth And The Fury (2000)
لجوليان تامبل، وبوب ديلان في
«أنا لستُ هناك»
(I’m Not There،
2007)
لتود هاينز، وفرقة «بينك فلويد» في «بينك
فلويد وقصّة سِدْ باريت» (2003) لجون
أدجنتن. أخيراً، هناك الفيلم البديع للإيراني
بهمن غوبادي «لا أحد يعرف شيئاً عن القطط الفارسية» (2009)، الذي ذهب
بعيداً في
قراءة المجتمع الإيراني، من خلال فرق موسيقية شبابية متنوّعة.
التنويع الوثائقي
والروائي في مقاربة الغناء والموسيقى، أو في تناول أحوال العيش اليومي
لمغنين
وموسيقيين، جعل التظاهرة أغنى. جعلها مرآة تعكس نماذج من الاشتغالات
السينمائية،
والعوالم الفنية الأخرى. الفيلم الإيرانيّ مثلاً لا يقف عند حدود العالم
الموسيقيّ
الشبابيّ، لأنه يخترق ما أرادت السلطة حجبه، ويتجاوز الممنوع رسميّاً،
وينفتح على
أحوال البلد وناسه، فنياً واجتماعياً ونفسياً وسياسياً. «أنا لستُ هناك»
إسقاط
متخيَّل على واقع معيش. «حيوات» بوب ديلان متمثّلة بشخصيات عديدة رافقت
سيرته
وانقلاباته. بل رافقت سيرة الفنان، وانقلابات العالم والمجتمعات. المتخيَّل
هنا
حكرٌ على البناء الدرامي للحكاية. على الشكل الفني المعتَمَد في قراءة سيرة
الفنان
وانقلاباته. سيرة العالم وانقلاباته. الفرق الموسيقية الشبابية الإيرانية
جزءٌ
أساسيّ من حكاية البلد ومتاهاته السياسية وانسداد الأفق الاجتماعي
والحياتي. جزءٌ
من معاينة الإبداع الفني الشبابي، في لحظة تاريخية تعيشها إيران راهناً.
بوب ديلان
ايقونة انقلابات وتمرّد. مرآة واقع وحياة. تاريخ محليّ ودولي معاً.
هذه حال
آخرين. الفرق المنتقاة أو الأفراد المختارون مفاصل أساسية في المسار
التاريخي
للموسيقى والغناء، كما للمجتمع والسياسة والثقافة والإعلام، وللمفاهيم
العصرية
للحريات العامّة والفردية. مفاصل أساسية في كيفية جعل النصّ الفني (شعراً
ولحناً
وأداءً) صُوَراً حيّة عن مآزق وهواجس ورؤى. فرقتا «بينك فلويد» والـ«بيتلز»
راسختان
في الوجدان الفردي والمخيّلة العامّة، لغاية الآن. مارتن سكورسيزي مولع
بالموسيقى،
كما بالسينما. قبل «جورج هاريسون: العيش في العالم المادي»، حقّق «لمعان
ضياء» (Shine A Light،
2008):
تصوير حفلة نيويوركية لفرقة الـ«رولينغ ستونز»، والذهاب
برفقة مايك جاغر إلى أقصى الحدود الممكنة.
جوليان تمبل وجون أدجنتن التقيا أعضاء
فريقي «بينك فلويد» و«سكس بيستولز» جميعهم. هذا نمط أساسي في
معايشة داخلية للعالم
الموسيقي وللحياة الفردية والجماعية. لم
يبتعد هاينز عن هذا، وإن على المستوى
الروائي المتخيَّل. فالمتخيَّل معه انبثق
من الواقعيّ. والواقعيّ شكّل مفتاحاً
للإبداع. كيفن ماكدونالد «خبير» بصناعة
أفلام وثائقية خاصّة بسِيَر ذاتية وحياتية:
الممثل الأميركي إيريك كامبل («غولياث شابلن»، 1996)، والنحّات
الأميركي جورج ريكي
(«العالم المتحرّك لجورج ريكي»، 1997)، والمخرجان الأميركي هاورد
هوكس والاسكتلنديّ
دونالد كامِّل، وآخرين. تجربته الجديدة:
بوب مارلي. الأصداء النقدية مُشجِّعة.
مارلي ايقونة من نوع آخر. حضوره راسخ بعد 31 عاماً على وفاته.
الفيلم زيارة
لعالمه.
ن. ج.
البرنامج الكامل موجود على الموقع الإلكتروني لـ«جمعية
متروبوليس»:
www.metropoliscinema.net
السفير اللبنانية في
26/07/2012
شاشات «مهرجان كارلوفي فاري السينمائي» في تشيخيا
فيلمان لياغيزوس ولوند.. اللابطل في
وحدته
زياد الخزاعي
الخاسر في قوائم
تكريمات «مهرجان كارلوفي فاري السينمائي» السابع والأربعين في دولة تشيخيا
(29
حزيران ـ 7 تموز 2012)، هو درّة فنّية، خانتها حَصافة لجنة
التحكيم الدولية التي
ترأسها المنشط السينمائي الأميركي ريتشارد بينا. باكُورَة المخرج الإغريقي
أكتوراس
ياغيزوس، «فتى يأكل طعام الطّيور»، انْقلاب مَلْموم بأحداثه، ومُتقشِّف
بشخصياته
التي تمثل الوَحْشية الأوروبية المعاصرة. يصبّ لعْنَته على
القَهْر الحكومي، الذي
يرمي أحفاد أرسطوطاليس وأسخيليوس وسقراط في قلب العــَوَز والإقــصاء
المقنن. تجوال
البطل الشاب يورغوس (أداء مدهش ليانيس بابادوبولوس) في شوارع أثينا، طارداً
جوعـه
وبؤس يفاعته، هو الوجه الخفي للأزمة العاصِفة بالبلاد. لن نرى شيئاً من
المَوران
السياسي ومعارك الشوارع، إذ تلاحق كاميرا مدير التصوير ديمتيرس
كازيماتس الأيام
الثلاثة في حياة بطلنا، مستلفة أسلوب تيار «الدوغما» الدانماركي، ومرغِمَة
متفرّجها
على متابعة مَشاهد صاعِقة، كإشارة إلى الحَقَارات الشديدة، التي تدفع
كائناً حيوياً
إلى «أكل» سائله المنــويّ سعياً إلى سدّ رمَقه. نرى يورغوس يسْــرق طعام
رجل
هَرِم، مُلقى على أرضــية شقّته ميتاً. ذلك أن هذا اليافِع
كائن بلا ضمير. نراه
يُطارد صبيّة تقدِّم له طعاماً، قبل أن يفشل في مواقعتها إثر اكتشافها
تساقُطَ
شعره، فيعْتَصِم في ميـدان صارخاً بمرارَة الخاسر. إنه نتاج مِحْنة عامة،
تدفعه إلى
مُشاركة طــيره في طــعامه. في المقابل، هناك إقدامه غير المُفَسَّر على
بيع
ممتلكاته القليلة، والتبرّع بآخر «يوروين» اثنين إلى صندوق
كنيسة، حيث يعترف
بخَوائه ونكْبــَة معــركته مع معدته، حالماً بما في كيس إحدى المتعبّدات
التي
تبكـي إثر سمــاعها صوته الشَجِي مرتّلاً مقاطع إنجيلية. يبقى يوغوروس
عبداً
لتجوالاته، إذ لا خلاص في انتظاره عند نواصي الشوارع الفارغة،
ولا من قائد يدلّه
إلى الفوز بشبع دائم.
بدا جلياً أن ياغيزوس (1976) يشتم الساسة ونفاقهــم،
مُحــوِّلاً ابن الوطن إلى كائن مقَهور، يصرخ بوحشية، ويُدفع إلى ابتكار
لصُوصِيته.
هذا العمل القاسي، المباشر والشجاع، كان
الأجدر بالفوز بـ«الكرة البلّورية»، التي
لو كُرِّم بها لأُعلِن عن تاريخ مغاير يضـرب في عمق اكتشافات
كارلوفي فاري. بدلاً
منه، ذَهَب التكريم الأكبر (25 ألف دولار أميركي) إلى نصّ زميله المخرج
النرويجي
مارتن لوند، الذي صَاغ كوميديا سوداوية حول شاب ثلاثيني ينتظر وليده الأول.
لكنه
يُصرِّ على ارتكاب حماقات تتلاءم مع عنوان الفيلم «شبه رجل».
هنريك (أدّاء لمّاح
لهنريك رافلسون، كُرِّم بجائزة التمثيل) ابن ذوات وحفيد طبقة نافذة، يمارس
حياة
مليئة بالمتع، ويحيط نفسه بخلاّن جشعين. بيد أن خللاً يضرب أخلاقيته وردود
أفعاله
وتعاطيه مع محيطه وبَشَره. إنه كائن مستوحش. يرى الآخرون أن
ملاحاته تكمن في قِلَّة
عقله، وهو لن يفتعل هذه الأخيرة، بل يمارسها أستكمالاً لهَبَلٍ غامض ونقص
في إدارة
يومياته التي يتركها إلى زوجته الحامل تون.
يرتكب هنريك هَفَوات لا تنتهي ولا
تغُتفْر، كأنه بها يرفض الرجولة واحتكاماتها. لعلّ أبلغ دليل عليها يتمثّل
في مشهد
تبوّله على نسخة من حكاية «بيتر بان» المخصّصة بالفتيان. يسرد المخرج لوند
جملة
الأفعال الخَرْقاء لبطله كيافطات اجتماعية مسيّسة لحال ابن
الذوات، والأب المرتقب،
الذي يغفل استحقاقات وليده المقبل. يناكف زوجته، ويهين والدته، ويهرب من
زملاء عمله
الجديد. يمثّل هنريك هوساً حداثياً بسوء التدبير والإصرار على ارتكاب ما هو
مُخالف
للأعراف.
إنها أخلاقية تَكبّر أوروبي، تسعى إلى الخروج عن القَيْد الجماعي
(ضربه
الجار، صراخه بكلمات نابية وشعارات جنسية مع زوجته في المتجر، تحت دهشة
المتبـضّعين، إلخ.). لن يربح هنريك رهانه. فالتغيير الذاتي قادم وحاسم، وهو
ما
يمثّله المشهد الختامي، حيث يكون اللابطل وحيداً وسط بيته
الصغير. أي أن الوحش
المعاصر يستكين في عَرِينه الحضري مُنتظراً قصاصه.
السفير اللبنانية في
26/07/2012
المؤسسة العامة للسينما: تصفية (الرأي) الآخر؟
فصل
ثلاثة مخرجين سوريين معارضين
أنس زرزر / دمشق
أسامة محمد، نضال حسن، ونضال الدبس ثلاثة سينمائيين اشتهروا بوقوفهم إلى
جانب الحراك الشعبي، ومناهضتهم للنظام، فكان مصيرهم الفصل من الصرح الثقافي
الرسمي بدعاوى شتّى
تعدّ المؤسسة العامة للسينما إحدى أكثر الدوائر الثقافية في سوريا التي
تشهد سجالات وخلافات، تلخص إلى حد ما، علاقة المؤسسة الثقافية الرسمية
بصناع الفن السابع. هؤلاء يتهمون أصحاب القرار في مؤسستهم، على رأسهم
مديرها العام محمد الأحمد «بالفساد والمحسوبيات، وإعطاء الفرص والمنح لبعض
الأصدقاء والمقربين دون غيرهم». وكل عام، تبلغ الخلافات ذروتها مع اقتراب
«مهرجان دمشق السينمائي» الذي غاب هذا العام بسبب الأحداث الدامية.
آخر فصول مهاترات المؤسسة أثارها قرار فصل المخرجين أسامة محمد، نضال
الدبس، ونضال حسن. أحدث القرار ردود فعل في الوسط، باعتبار المخرجين
الثلاثة وقفوا إلى جانب الحراك الشعبي، وأعلنوا مناهضتهم للنظام، ولممارسات
أجهزته الأمنية. يومها، وقف أسامة محمد في مهرجانات سينمائية عالمية،
حاملاً صور شباب مثقفين سوريين، اعتقلوا في أقبية الأمن، كما اعتقل نضال
حسن في تظاهرة المثقفين الشهيرة في دمشق، وقدم للمحاكمة بتهم مختلفة.
للاستفسار عن قرار الفصل، اتصلت «الأخبار» بالمدير العام للمؤسسة محمد
الأحمد، الذي أكد «أنّ القرار إجراء قانوني، جاء تنفيذاً لأحد بنود قانون
العاملين الموحد، الذي يقرّ فصل الموظف في حال تغيبه أكثر من 15 يوماً عن
الدوام الرسمي من دون تقديم عذر». وأضاف إنّ القرار جاء تنفيذاً لتوصية من
رئاسة مجلس الوزراء بعد مراسلات طويلة. وتوقع أيضاً أن يثير القرار
الاستهجان في الأوساط التي اعتبر أنّها تكنّ العداء للمؤسسة: «لقد تعودنا
ردات فعل مماثلة، لكن عليهم أن يعرفوا أنه لا أحد فوق القانون». وبالفعل،
انتشرت ردود الفعل على فايسبوك. تناقل روّاد الموقع الأزرق تعليقات وصوراً،
ظهر فيها الأحمد برفقة مخرجين مقربين منه في تشكيلات تبدو كأنها ملصقات
دعائية لأفلام من بطولة الأحمد ورفاقه، حملت أسماءً تهكمية ساخرة.
على صفحات الفايسبوك نفسها، تواصلنا مع أسامة محمد المقيم في باريس منذ
بداية الأحداث. قال «إذا قال لك (الأحمد) إنّ قرار الفصل صادر عن مجلس
الوزراء فهو «كَذَّاب» وفقاً لأغنية ابراهيم القاشوش الشهيرة، وإذا قال لك
إن السبب تغيبٌ عن الدوام، فهو «كذّاب» وفقَ الأغنيّة نفسها». وأكّد
السينمائي السوري أنّ القوانين الناظمة لعمل الفنانين في سوريا تعفيهم من
الدوام «بدلاً من ذلك، يطالب القانون بحجم عمل سنوي. لذا، فقرار الفصل
سياسي أمني». واعتبر صاحب «نجوم النهار» أنّ فصله مع اثنين من السينمائيين
المعارضين «بداية لعملية تطهير ثقافي للرأي الآخر، وقوننة القتل والاعتقال
والتعذيب». بدوره، أكد المخرج الشاب نضال حسن في اتصال مع «الأخبار» أنّ
قرار فصله مع زميليه «وقّعه محمد الأحمد بنفسه كمدير عام للمؤسسة، وهذا ما
يعتبر مخالفة قانونية صريحة لمرسوم رئاسي صادر عام 1973 يعفي الفنانين من
الدوام الرسمي، ما لم يتم تكليف الفنان بعمل اداري يستوجب حضوره اليومي».
وشرح صاحب «جبال الصوان» وجود مخالفة قانونية ثانية تضمنها القرار: «لا يحق
لمحمد الأحمد توقيع قرار بفصلي، فالأمر منوط برئيس مجلس الوزراء باعتباري
موظفاً من الفئة الأولى، وهذا مخالف للمرسوم الذي صدر عن الرئيس بشار الأسد
عام 2001».
تضامن «فايسبوكي»
على صفحاتهم في فايسبوك، تناول عدد من المثقفين السوريين قضية «المفصولين»
من المؤسسة العامة للسينما. من بين هؤلاء الكاتب ياسين الحاج صالح الذي
علّق على بيان أسامة محمد التضامني مع زملائه المخرجين، بالقول: «أسامة
محمد جميعه يترك مؤسسة السينما وحدها». من جهتها، كتبت الشاعرة والمخرجة
هالا محمد على صفحتها: «فصلوا أسامة من مؤسسة السينما. من فصله؟ ولمن هي
المؤسسة؟ أليست للدولة السورية؟». أما الممثل فارس حلو فكتب: «لتسقط سينما
البعث الكاذبة... تلك السينما التي تختبئ بالمحظورات السياسية والاجتماعية
المتخلفة، ولتحيَ سينما الحرية... تحيا السينما».
الأخبار اللبنانية في
26/07/2012
شهادة | السينما التي حاولت
أسامة محمد
إنّ موقفي العلني من الثورة لا ينفصل عن السينما التي حاولت. وأنا مدين
للشعب السوري حقاً وفقط. لقد صنعت أفلامي بأمواله، بالضرائب التي اقتطعت من
مواطنين استشهدوا بالآلاف. لقد طردتُ السلطة السينمائية والسياسية من
مخيّلتي منذ أبد، ولم أقم حساباً إلا لإنسانيتي ولضميري المهني. ولم أخش
إلا السينما التي تلفظك إذ تخونها. لم تكن السينما وظيفةً يوماً.
كانت حُباً وخوفاً بلا حدود. كانت البحث بلا حدود عن اللقطة والتكوين
والضوء والحكاية والشخصيات والمناخ والبنية التي تحاول تلمس خلايا اللحظة
الانسانية السورية، فتكون سينما وتمنح صاحبها الحق بأن يكون مواطناً في بلد
الأبجدية وتعدد الحضارات. لم يكن يعنيني شيء ولا أحد إلا ضميري السينمائي
الذي يحقق ويصحح الضمير الإنساني.
فالضمير السينمائي يعلم الحرية والانتماء للإنسان، والسخرية من السلطة
ورثائها وهجائها، ومعرفتها ومواجهتها، مواجهة هدرها للزمن والوطن والجمال.
قبيل «نجوم النهار» (1988) لم أكن أطلب من الحياة إلا أن أنجزه وفقط. وفي
«صندوق الدنيا» (2002)، لم أكن أفكر في أكثر من تحقيقه. الفيلمان هويتي،
ومبرر حياتي، وهما بحث في العنف والبنيّة النفسية للعنف والسلطة والتعصب
وعبادة الفرد.
بعد «نجوم النهار»، انتظرت قرار الفصل العنصري، فجاء البارحة.
الغياب عن الدوام مبرر مسخرة يشبه اتهام أهل درعا بالعصابات المسلحة. فهنا
وهناك، سلطة يأمرها «الأمن» بخرق القانون ويعفيها مؤقتاً من أن يمسها
القانون، مثلما خرقت قوات الأمن كذبة السماح بالتظاهر السلمي.
وهو سليل (قوانين) همجيّة أبدعها النظام سابقاً مثل «قانون الأمن
الاقتصادي». اقرأها فتجد أنّها إرهابٌ وقح، وأن كل مواطن متهم ومُدان مع
وقف التنفيذ، وأنه عليك أن تختار بينك مخبراً أو بينك مُجرماً.
هذا هو منطق النظام اليوم أيضاً. أما عن السلطات التنفيذية التي ذكرت سواءٌ
أكانت رئاسة مجلس الوزراء أم إدارة المؤسسة، فكلتاهما ليست السلطة. وأستعير
من أميرالاي تعريفه الديناميكي الدرامي: هؤلاء «عبيد السلطة». عبيدٌ يشعرون
بأنهم مقصرون في عبوديتهم فيتطوعون لـ «الدوام في الجريمة» وكشف «جريمة
التغيب عن الدوام»، ولا يجرؤون على الحداد على رمز سوري حديث هو «شهيد
الطائفة السينمائية باسل شحادة (الصورة)». من المؤكد أنهم أقاموا «حفلة سمر
من أجل الهزء من لقطاته». منذ سنوات خمس، لم تطأ قَدَماي عتبة المؤسسة
العامة للسينما ولا مهرجانها «الدولي» احتجاجاً على تلوثها الأمني وفسادها
الفني. خسرتُ راضياً لأربح بعض نفسي. فما بالك اليوم، أو البارحة مثلاً، إذ
يؤلف «الإصلاح» القاتل قانوناً يخول عبيدَه طردَكَ لأنك تستنكر قصف حمص، أو
تسمّي المجزرة مجزرة.
* سينمائي سوري
الأخبار اللبنانية في
26/07/2012
التجربة الثالثة للإسباني رودريغو كورتيس
«الأضواء الحمراء» يسقط أقنعة العرافين
دبي ـ غسان خروب
بلا شك أن هناك فرقا كبيرا بين الحقيقة العلمية التي تعتمد على
المنطق، والشعوذة التي عادة ما تصاحب العراف أو المنجم، وتعتمد على القوة
الخارقة، التي تجعل حدوث بعض الأشياء في إطار غير منطقي لا يقبل التصديق،
وهو ما يجعل العرافين يحيطون أنفسهم بهالة من السحر والغرابة والخوف حتى لا
يتمكن أحد من كشف حقيقتهم، فضلاً عن أنهم يحاولون دائماً استهداف ضعفاء
النفس والفقراء من البشر.
التجربة الثالثة
هذا الفرق يبدو واضحاً في فيلم "الأضواء الحمراء" الذي يعرض حالياً في دور
السينما المحلية، وهو يعد الفيلم الروائي الطويل الثالث للمخرج الإسباني
رودريغو كورتيس بعد أفلام (Concursante) في 2007 و(Buried) في 2010، والذي يأتي فيه على عكس مجموعة الأفلام التي قدمتها
هوليوود في السنوات الماضية، والتي اعتمدت فيها على توجهات العرافين
واكتشافاتهم وقدراتهم الخاصة، ومعاكسة فيلم كورتيس لهذا التيار قد تجعل منه
مميزاً، خاصة وأن فيه محاولة لدحض أقوال العرافين وإنجازاتهم من خلال تبيان
حقيقتها بشكل علمي واضح وبسيط، ليسقط بذلك الأقنعة التي طالما حاول
العرافون والمنجمون التخفي وراءها.
طقوس غريبة
أحداث الفيلم تحكي قصة الدكتور مارغريت ماتيسون وصديقها توم باكلي، واللذين
يسعيان بكل جهد للتحقيق في بعض الطقوس الغريبة التي يمارسها بعض العرافين
والأشخاص للبحث عن الأشباح أو معالجة المرضى بفضل بعض القدرات التي يدعون
أنهم يمتلكونها.
ويتمكنان خلال الفيلم من تبيان حقيقة بعض العرافين والسحرة والطرق التي
يعملون بها لإقناع الآخرين، ويحاولون في أحد المشاهد توضيح بعض الطرق التي
يعتمدها بعض المشعوذين من خلال الصور والتطبيق العملي. ويلعب بطولة الفيلم
كل من سيليان مورفي (في دور توم باكلي)، وسيجورني ويفر (في دور مارغريت
ماتسون)، وروبرت دي نيرو (في دور سايمون سيلفر).
خيوط سيناريو
ورغم أن الفيلم يناقش فكرة جديدة تدور حول إدراك المخ البشري والحدود التي
تفصل بين العلم الواقعي والمعتقدات المتعارف عليها، وضمه لمجموعة من نجوم
الصف الأول في هوليوود، الا أنه لم يتمكن من الحصول على أكثر من 6.50 درجات
في معظم المواقع الإلكترونية المهتمة بالسينما، ولعل السبب يعود إلى أن
المخرج كورتيس لم يتمكن من جمع كافة خيوط سيناريو الفيلم وتفاصيله بيده،
الأمر الذي أفقده التحكم في بعض المشاهد التي يجب أن تضم الكثير من
المؤثرات حتى تكون أكثر إقناعاً للجمهور.
كما أن متابع الفيلم يشعر في بعض اللحظات أن المخرج يتقلب بين مشاهد الفيلم
بسرعة كبيرة رغم إضافته لمجموعة من المؤثرات النفسية المشوقة على الفيلم،
وهو ما قد يفقد الجمهور التركيز في بعض الأحيان، ولا يبقيهم على تواصل دائم
مع الفيلم، ولذلك يجد متابع الفيلم نفسه أحياناً أنه بحاجة إلى بذل جهد
مضاعف للبقاء على تواصل مع مشاهد الفيلم.
وقد بدا المخرج غامضاً في بعض المشاهد؛ مثل مشهد وفاة مارغريت ومشهد لقائها
مع ولدها القابع في المستشفى منذ صغره، كما أنه لم يتطرق أبداً إلى مشهد
مقابلتها مع سايمون سلفر إلا من خلال حديث بسيط غير واضح المعالم، وكان
الأجدر به أن يستعرض المشهد سريعاً بطريقة الفلاش باك.
مشاهد نهائية
لم يكن المخرج موفقاً في المشاهد النهائية للفيلم والتي يفترض أن تكون
مؤثرة جداً، لأنها تلخص سيناريو الفيلم، فالمواجهة التي حدثت بين "سايمون
سيلفر" وهو عراف وساحر مشهور، وفريق مارغريت ماتسون كان يجدر بها أن تكون
أكثر حدة وتأثيراً، وأن تبين صدق المنطق العلمي وتغلبه على منطق الشعوذة،
كما كان من المفترض أيضاً أن يتم الكشف مباشرة أمام الجمهور عن النتائج
التي توصل إليها فريق مارغريت بعد إخضاع سلفر للفحص العلمي.
انتقادات سلبية
لم يتمكن الفيلم الذي يصل طوله إلى 153 دقيقة من تحقيق إيرادات عالية جداً
حول العالم، حيث وصلت إلى 3 ملايين و300 ألف دولار فقط، كما حصل الفيلم على
مجموعة من الانتقادات السلبية خاصة على موقع "روتن تميتوز" الإلكتروني،
ومنها ما قاله مارك اولسن من لوس انجليس تايمز: "الفيلم ليس أكثر من عملية
سرد وخفة يد والإيحاءات، وأعتقد أنه كان بالإمكان أن يكون فيلماً أفضل من
ذلك بكثير".
البيان الإماراتية في
25/07/2012
فجر يوم جديد:
الألماني العشوائي !
مجدي الطيب
يصنع المخرج فيلمه لأنه يحب العالم الذي ينتمي إليه أبطاله، وغالباً ينظر
إليهم بوصفهم ضحايا يستحقون تعاطفه ورحمته، في وجه مجتمع قاس نكل بهم وأجهض
أحلامهم!
هكذا فعل المخرج كمال الشيخ في فيلم «اللص والكلاب» وصلاح أبو سيف في
«الأسطى حسن» و{القاهرة 30» وغالبية أفلامه، كذلك يوسف شاهين في «باب
الحديد» و{الأرض» وغيرهما، وهو ما فعله معظم مخرجي الواقعية الجديدة في
السينما المصرية مثل: عاطف الطيب (الهروب) و{داود عبد السيد» (الصعاليك
والكيت كات) ومحمد خان (طائر على الطريق،الحريف)، بل إنه لم يخف تعاطفه مع
«كليفتي»، أي النصاب، مثلما تعاطف خيري بشارة مع العاهرة في فيلم «أمريكا
شيكا بيكا»!
لكن الأمر يبدو مختلفاً مع المخرج علاء الشريف في فيلمه الأول «الألماني»،
الذي كتب قصته وبدا شديد القسوة على أبطاله وكارهاً عظيماً لعالمهم، لدرجة
أنه مثَل بجثثهم وأظهرهم في صورة شديد القبح والاستفزاز، كأنه يلعن اليوم
الذي أجبرته فيه الظروف على تقديمهم، ويود، في قرارة نفسه، لو أشعل النار
فيهم وأحرقهم ليتخلص منهم!
المفترض، كما تقول مواد الدعاية، بأن فيلم «الألماني» يروي «الأسرار الخفية
لحياة البلطجية»، لكن المتابع للأحداث يكتشف بسهولة شديدة أن «الألماني» لا
يمت بصلة إلى حياة «البلطجية»، بل يقدم «حالة مرضية» ليس أكثر لشاب أدمن
الانحراف، وألقى بنفسه في غياهبه لأسباب تخاصم المنطق، وبدلاً من أن يقدم
المخرج فيلماً عن العشوائيات والعشوائيين قدم لنا «فيلماً عشوائياً» بمعنى
الكلمة!
يبدأ فيلم «الألماني» ببث شريط مرئي عبر إحدى القنوات الفضائية لبلطجي،
محمد رمضان، يعتدي على شاب، بعد الاستيلاء على هاتفه، وفي حين تُصاب والدة
البلطجي (عايدة رياض) بهلع ورعب خوفاً على ابنها من الاعتقال، وتهرع
لإنقاذه، تسعى مذيعة المحطة الفضائية (رانيا الملاح) إلى استثمار الموقف
بأبشع ما يكون الاستثمار، وتُطالب المعد بإحضار «البلطجي» لتجري معه حواراً
«حصرياً»، فتحضر أمه عوضاً عنه بسبب هروبه!
محاولة ساذجة وسقيمة، لتبني موقف مناهض للإعلام الرخيص والمتهافت، الذي لا
يتورع عن إشعال الحرائق. لكن الأسوأ منها، الطريقة التي قدم بها الفيلم أم
«البلطجي»، وأسلوب الحوار المتدني بينها وبين زميلة المذيعة (إنجي علي)
التي نصبت نفسها «مُصلحة إعلامية» تحافظ على «الميثاق الإعلامي» و{شرف
المهنة»، وعلى رغم هذا تورطت في حوار أقل ما يوصف به بأنه متدن، ولا أظنه
يحدث في أقذر الحارات الشعبية والمناطق العشوائية؛ فالأم «الشرشوحة» تبدو
متحفزة وغاضبة بينما يستوجب الموقف أن تستعطف من حولها في محنتها،
و{المذيعة المُصلحة» وزميلتها تهاجماها وتصفاها بأنها «واطية»، ويتحول
الحوار بلا سبب إلى «وصلة ردح» تهدد فيه الأم الجميع بلا مبرر بأنها «ممكن
تولع المكان كله» وأن «الألماني» «حيرجع، وحييجي اليوم اللي يقعدكم في
بيوتكم»، ولحظتها لن تدري، أبداً، من تخاطب بوعيدها وتهديدها، وأغلب الظن
أن المخرج / المؤلف علاء الشريف لا يدري أيضاً!
كل شيء في فيلم «الألماني» يفتقر إلى المنطق، ويحتاج إلى مذكرة تفسيرية لفك
طلاسمه الدرامية، وتكراره للثيمات الدرامية المعروفة، بينما يُذكرك المخرج
علاء الشريف بالمخرج حسام الدين مصطفى في اختياره زوايا تصوير عجيبة، يضع
فيها الكاميرا تحت المائدة أو في أماكن لا تخطر على البال، وبالقدرة نفسها
على المباغتة تصدمك الموسيقى بتعليقها المباشر على المواقف وردود الأفعال،
واستعارتها ثيمات تتناقض مع الأجواء، فضلاً عن إقحام السياسة والجنس بشكل
مجاني، بالإضافة إلى «المسوخ البشرية» التي لا يمكن أن نُطلق عليها «شخوص
درامية» لفرط قبحها، وبذاءتها، وجرأة وقاحتها!
بانتهاء متابعة أحداث «الألماني» لا تملك سوى أن تتمنى تطبيق قانون الطوارئ
على صانعيه لارتكابهم جريمة لا تغتفر في حق الجمهور، ونجاحهم في توصيله إلى
درجة «القرف» و{الاشمئزاز»، بسيناريو أقل ما يوصف به أنه «مهلهل»، وينتمي
إلى أفكار «الثورة الحمراء»، التي تدعو إلى العدالة الاجتماعية بالعنف
والقتل والدم وتأليب الطبقات على بعضها البعض، بحجة القانون الغائب، لكن
غاب على المؤلف / المخرج أن هذه الأفكار البالية لم يعد لها مكان في عالمنا
المتحضر، الذي يدعو إلى الحرية والديمقراطية كأساس، وسبيل إلى العدالة
الاجتماعية، وإعلاء شأن المواطن. أما «الألماني» ومن يقف وراءه فهو دعوة
صريحة إلى الفوضى، وتكريس «الدكتاتورية» باسم «الحرية»!
magditayeb@yahoo.com
الجريدة الكويتية في
25/07/2012
جديدنا في رمضان :
تعاشيق الفن الاسلامي
عمر مجاهد
المسجد في الاسلام هو الرابط الاساسي بين الارض والسماء، وخلال حضارة
الاسلام
تدرج المسجد حتى صار مكونا معماريا مهما للمدينة الإسلامية. بل هو في بعض
المدن
أصلها ومنشؤها.
على مر الزمن صارت المساجد مسرحا للفخامة والفن، ومكانا معماريا قائما
بذاته له
تفاصيله الفنية الخاصة به وطرق تزيينه وأساليب زخرفته وبناء معماره.
المئذنة
مثلا والقبة أيضا تعتبران شكلا معماريا قائما بذاته، حيث الأسلوب والشخصية
والحضور
الواثق.
شهدت الدولة الاموية ارتفاع المآذن على المساجد، وعلى منوالها
قامت مآذن مصر والشام والعراق والمغرب ، حيث استلهم الفن الاسلامي الطبيعة
وحوّلها
إلى زخارف، حيث احتفظت مآذن المغرب بشكل التضليع كما في الشام ولكنها توسعت
في
التربيع.
فيلم تعاشيق الفن الإسلامي مليء بالأوصاف المعمارية التي تم تتبعها في
جذورها
الأصلية ومعانيها الاساسية.
ويخبرنا هذا الفيلم أن القوس يشكل عنصرا فريدا في
العمارة الاسلامية، وتناسق الأقواس مع منحنيات القباب فيعطي فخامة معمارية
تميز
المعمار الاسلامي...
يورد الفيلم مسجد السلطان أحمد كمثال معماري وتحفة فنية
تنوعت فيها اساليب المعمار الاسلامي وتناسقت الخطط والتصاميم، انه تحفة لا
تضاهي في
العمارة. يرصد الفيلم هذا المسجد ويصوره لنا من جوانب مختلفة، ثم يتوسع
الفيلم في
الإلمام بمفردات المعمار الاسلامي الأخرى مثل المنبر والثريات
والقناديل ويقدمها
كوحدة متكاملة في داخل المسجد...
ويشرح لنا علاقة هذا المعمار بتكون السكينة
داخل المكان وكيف تتوحد هذه السكينة مع اندفاع الاضاءة داخل
المسجد وتوزيع الأشكال
الزخرفية هنا وهناك..
أيضا تلعب التفاصيل الصغيرة مثل الكوة والفتحات المتواجدة
في المسجد دورا هاما في احلال تلك السكينة واعطاء معاني معمارية مضافة
وفائدة
للمكان..
يزور الفيلم ضريح أبي العمارة التركية الاسلامية المهندس سنان، الذي
يقع في
المجمع السليماني بإسطنبول. وقد صمم سنان وأعطي الفن الاسلامي في العمارة
روحا
مميزة ومختلفة تميزت بالإصالة والتجذر والروح الخاصة التي تدل على صاحبها
ولا
تخطئها العين..
يحدثنا الفيلم أيضا عن الزاوية ويقدمها لنا باعتبارها مسجدا مضاف
اليه، حيث تؤدي الصلاة وبعدها الأذكار حسب الطريقة التي تنتمي اليها
الزاوية،
وللزاوية ايضا معمارها الخاص، الذي يرصده الفيلم ويبين فروقها
عن المسجد من حيث
التصميم والبناء والمهمة...
كما يسلط الفيلم الضوء على أصناف أخرى من المعمار
الاسلامي مثل الأسواق والقنوات المائية والحمامات العامة والمنازل الفخمة،
ويظهر في
كل هذا التنوع المعماري والاختلاف ضمن الوحدة الفنية، وتنافس الملوك وأيضا
المعماريين في اظهار القدرات والامكانيات مما يؤدي في نهاية
الامر الى فائدة في
خدمة العمل الفني بشكل اساسي..
فيلم تعاشيق الفن الاسلامي مختصر مكثف لما كان عليه هذا المعمار
الفني، ومرور
جميل على اهم معالمه وناسه، وفتح الباب امام رؤية مختلفة على هذا العالم
الجميل...
الجزيرة الوثائقية في
25/07/2012 |