في مبادرة تعد الأولى من نوعها بثت قناة الشروق الفضائية - التي تعد
من القنوات
الجديدة و الخاصة الفتية النشأة - وثائقي بعنوان ''فدائيات''
للمخرجة و الإعلامية
''لمياء قاسمي بوسكين'' مديرة شركة الرؤيا للإعلام، وهي خطوة
استحسنها الكثير سواء
مخرجين أو مشاهدين، كما تعتزم ذات المخرجة
القيام بعروض متتالية لفيلمها الوثائقي
عبر عدة ولايات، و خلال هذا الحوار الذي
جمعها بالجزيرة الوثائقية تتحدث المخرجة عن
مضمون وثائقي ''فدائيات'' و عن تجربتها في الإخراج و التي ارتكزت كثيرا على
تاريخ
الجزائر في مختلف المراحل.
·
''فدائيات''
تمكن من إماطة اللثام عن الانجازات والتضحيات التي قدمتها
المرأة الجزائرية إبان الثورة هل لنا أن نتحدث عن حيثيات الفيلم و ظروف
العمل؟
وثائقي ''فدائيات'' يرصد في 52 دقيقة الدور البارز الذي قامت به
المرأة في ثورة
الفاتح نوفمبر، حيث أردت أن أبرز أهمية
انتقالها من مجرد ناقلة للأخبار لإخوانها
المجاهدين و موافاتهم بأخر المستجدات إلى تحدي أكبر و هو إلتحاقها بجبهات
القتال ضد
المستعر الفرنسي و حملها للسلاح مثلها مثل الرجل، فمن خلال هذا العمل أردت
أن أبرز
عظمة مجاهدات هذا الوطن كجميلة بوحيرد و شهيداته أمثال البطلة حسيبة بن
بوعلي،
وريدة مداد، مليكة قايد و غيرهن من حوريات الجزائر، فحاولت أن أكرمهن على
طريقتي
رغم أن هذا ليس سوى القليل نظير تضحياتهن، إذن "فدائيات" هو نتاج فكرة
راودتني منذ
الصغر و تكونت لديها ملامحها عندما كنت أصغي و بتمعن لبعض نساء
العائلة و هن يسردن
الأعمال البطولية التي كن يقمن بها لما
يقتحم الجنود الفرنسيين بيوتهن، و كيفية
الإعداد الطعام للمجاهدين أو تمرير الوثائق السرية وأحيانا الأسلحة، طبعا
كنا نساء
عاديات يعني غير مجندات في جيش التحرير الوطني وليس لهن وعيا سياسيا رغم
مستواهن
التعليمي المتواضع
جدا نتيجة ظروف الاستعمار الذي كان من أهدافه طمس الهوية
الوطنية و التعليم جزء من ذلك، فحاولت انتقاء الصور المتعددة التي ظهرت بها
المرأة
المناضلة أثناء الثورة آن ذاك و قمت بتوظيفها بشكل يخدم العمل، بالاستعانة
بالذاكرة
الحية لبعض المجاهدات و المجاهدين الذين لا زالوا على قيد الحياة، فهناك
بعض
الحكايات والوقائع تبدو بسيطة جدا لكنها في الجوهر هي تضحيات كبرى لا تختصر
في
دقائق و لا ساعات، وهذا ما حاولت إبرازه أيضا، و هذا جعلني أفتخر أنني
سليلتهن ولكن
عندي في قلبي تقدير خاص للشهيدة "حسيبة بن بوعلي" في حياتها ما يدعو
للتقدير حقا،
هي فتاة اختارت توجها معينا في الحياة، مختلف تماما عن من هن
في سنها، فرغم ما كانت
تعيشه من رفاهية و تحصيل علمي جيد إلا أنها
اختارت الكفاح المسلح، فقد كانت تشبه
الأوربيات تماما حتى في شكلها لكن قلبها كان جزائريا، وروت لنا المجاهدة
"زهرة ظريف
بيطاط" أن أحد قادة فرقة المظليين الفرنسيين الذي حاصروا المنزل الذي كانت
مختبئة
فيه في القصبة قال لها : "حسيبة أنت منا ولست منهم وفرنسا دائما تعفو عن
أبنائها"،
هذه العبارات
كانت لاستمالتها فهذا دليل على أنها كانت تتمتع بحياة مريحة
مثل
الفرنسيين على عكس غالبية الشعب الجزائري لكن حبها لوطنها
جعلها ترفض كل العروض
المغرية و تتخذ قرارا يضمن لها الخلود
والتقدير في قلوبنا باختيارها الشهادة، و من
هذا المنطلق ازداد إيماني بأنه علينا كجيل الاستقلال أن نحفظ ذكرى كل من
ضحى
لأجلنا، تطبيقا و عملا بمقولة الشهيد ديدوش مراد '' إذا استشهدنا فدافعوا
على
ذاكرتنا '' هذه المقولة هي بمثابة وصية وجب علينا تنفيذها.
العمل أثناء
التصوير ومن خلال اللقاءات كان فرصة لنا
للسفر عبر الزمن فالتصوير في القصبة يكفل
لك ذلك دون عناء لأنها متحف مفتوح وحي وبكل بيت قصة وكل من جدرانه يروي
حكاية، فقد
صورنا في بيت كان مخبأ للفدائيين وشعرنا حقيقة بحضورهم في المنزل الذي
كانوا يأكلون
وينامون ويخططون وينطلقون منه أيضا للقيام بالعمليات الفدائية، كما زرنا
أحد
المخابئ السرية التي كانت ملجأ للفدائيين في حال حدوث اقتحام من طرف فرقة
للمظليين،
دون أن أنسى وقوفنا على الطريقة التي كان يتم بها قبول الأعضاء الجدد في
منطقة
الجزائر المستقلة التي كانت تقوم بالأعمال الفدائية في قلب العاصمة وفي
معاقل
المعمرين، و بالتالي أتمنى بحق أن نكون وفقنا ولو بقليل في تقديم عمل يوثق
لكفاح
ونضال المرأة الجزائرية.
·
''فدائيات''
هل هو أول وثائقي تشرفين على إخراجه و ما هو تقييمك للعمل
بشكل عام ؟
لا هذا رابع عمل لي، أول عمل قمت بانجازه كان حول مظاهرات 11 ديسمبر
1960 التي
شهدتها العاصمة الجزائر وتحديدا بلدية محمد بلوزداد، ''بلكور''
سابقا، و جاء ذلك
العمل لتخليد حادثة تاريخية هامة شكلت
منعطفا حاسما في تاريخ الثورة الجزائرية
وعجلت باستقلال الجزائر بعد أقل من سنتين، بعدما شكلت صورة من صور تلاحم
الجزائريين، الذين مارست ضدهم القوات الفرنسة كل أشكال العنف والقمع، أما
ثاني عمل
لي كان بعنوان "معركة الجزائر حكاية فيلم ... حكاية شعب"، عن الفيلم
الجزائري
الشهير ّمعركة الجزائر" الذي أنتج سنة 1963 وكان توثيقا لأطوار
معركة الجزائر، و قد
تضمن هذا الشريط صور لمعركة الجزائر تعرض
لأول مرة على الجمهور من أرشيف المجاهد
ياسف سعدي رئيس منظمة الفدائيين في العاصمة
منذ 1956 لغاية اعتقاله في سبتمبر 1957،
كما يقدم شهادات تبث أيضا لأول مرة من طرف "ياسف سعدي" عن فكرة الفيلم و
إنتاجه
وأماكن التصوير وحتى الصعوبات التي واجهت فريق العمل وعلى رأسه المخرج
الإيطالي ''جيلو
ّبونتيكورفو"، الذي أثرى الرصيد السينمائي بفيلم صنف كأحد أحسن الأفلام
السياسية في
القرن العشرين، أما ثالث أفلامي فكان حول ''القصبة'' المعلم
السياحي و
الأثري للجزائر المصنف عالميا، الرمز التاريخي الذي شهد أحداث
هامة خلال الحقبة
الكولونيالية، و فدائيات يعد العمل الرابع
لي.
·
من الصعوبات التي تواجه أي مخرج
يريد تصوير عمل تاريخي هو نقص الأرشيف،
هل تكرر نفس الشيء مع ''فدائيات'' أم أنكم سجلتكم مشاكل أخرى ربما أثرت
سلبا على
العمل ؟
تناول التاريخ سينمائيا في ظل النقص الكبير للمراجع و الأرشيف لم يكن
سهلا أبدا
بالنسبة إلي أو بالنسبة لكل زملائي المخرجين، إلا أننا لم نرد
إعطاء الأمر أهمية
تقلل من عزيمتنا طبعا، و بالتالي هناك
صعوبات كبيرة تواجهنا في عملنا وليس في هذا
العمل فحسب، أبرزها طبعا الجانب المادي أي مشكل التمويل، لأنه لحد الآن لم
تدعمنا
أيه هيئة في الجزائر رسمية أو غير رسمية وكل ما قمنا به هو من تمويلنا
الخاص و
الشخصي، يبقى هناك مشكل آخر يؤثر بشكل كبير على العمل، و هو رفض الكثير من
المجاهدين الحديث إلينا والإدلاء بشهاداتهم، فأحيانا نصطدم بالرفض مباشرة،
وأحيانا
أخرى برفض مؤجل كالانتظار لفترة طويلة دون الحصول على أي رد، فقد حدث مرة
أن بقينا
ننتظر أكثر من سنة للحصول على قبول بالتصوير من مجاهدتين و في النهاية لم
نسجل معهن
و هذا بطبيعة الحال يؤثر سلبا على العمل و يؤخره، و المشكل الآخر وهو
الأعمق كما
تفضلتي و قلتي هو ندرة الأرشيف الذي يؤرخ لحادثة معينة كالوثائق أو الصور،
وهذا
يعود لطبيعة ثورتنا فالتعامل بين المجاهدين كان يتسم بالسرية في تداول
الأخبار حتى
وإن وجدت هذه الوثائق يسرع المجاهدون لإتلافها كي لا تقع في أيدي السلطات
الاستعمارية آن ذاك، فحتى الأسماء لم تكن حقيقية وإنما مستعارة.
·
ألم تتخوفي من تناول التاريخ في
ظل الاتهام المتبادل بين مجاهد و ذاك و
تزوير بعض الحقائق و في خضم المطالبة الدائمة لكتابة التاريخ و تأريخ
الأحداث بعيدا
عن كل تغليط ؟
الخوف الحقيقي هو أن لا يرتقي العمل الذي نقدم إلى مقام أبطال الثورة
التي اعترف
العالم و زعماءه بعظمتها، نحن جيل ينعم بالحرية نتيجة تضحية من
سبقونا وجيل رغم
اختلاف الأفكار والتوجهات اجتمع على حب
الجزائر و لن يتفرق إلا على ذلك الحب، هو ذا
انتماءنا فمبادئنا استقيناها من ثورة نوفمبر 1954، ففي عملي هذا مزجت بين
دراستي
للإعلام، وحبي وافتخاري بتاريخ بلدي الذي أريد أن يطلع عليه العالم أجمع،
فأنا
شخصيا كنت أقضي نهاية الأسبوع متجولة بين متاحف الجزائر، و بشكل خاص المتحف
الوطني
للمجاهد والمتحف المركزي للجيش، و يمكنني القول أن هذا هو سر توجهي اليوم
إلى
التاريخ، و ما زاد من عزيمتي للغوص في تاريخنا المليء بالأحداث و البطولات
هو
احتكاكي المتكرر بعديد الشخصيات الثورية، التي تجديني في كل مرة أصغي و
بتمعن لما
تروي ألسنتهم من حقائق و أتناقش معهم، و أسعد حقا بذلك بل وأفتخر وأحيانا
لا أصدق
نفسي مثلا أني قد قابلت في يوم من الأيام "بن يوسف بن خدة" أو "يوسف الخطيب"،
الأديب الراحل و المجاهد "الطاهر وطار"،
"جوهرة أكرور"، "زهرة ظريف بيطاط"، ''ياسف
سعدي" و آخرون، و بهذه الطريقة نحن نساعد على كتابة التاريخ سينمائيا لتصل
الرسالة
إلى الأجيال التي تأتي بعدنا، رغم كل المضاربات و الاتهامات و من جهتنا
نتمنى أن
يؤرخ كل في مجاله لثورتنا المجيدة لمحاربة أي تشكيك في تاريخنا من قبل
المزورين
للحقائق.
·
سبق و أن حضر عرض ''فدائيات''
عدد من الشخصيات التاريخية كيف كانت ردة
فعل الأسرة الثورية عقب عرض الفيلم ؟
صحيح و في مقدمتهم المجاهد ''ياسف
سعدي'' الذي غمرنا بكرم كبير و أمدنا يد العون، كما ساعدنا كثيرا في تجسيد
هذا العمل و انجاز أعمال أخرى، فهو لا يتأخر أبدا في حال طلبنا منه شهادات
أو
معلومات، بل و أكثر من ذلك في كل مرة يضع تحت تصرفنا أرشيفه الخاص، وسمح
لنا
باستغلال لقطات من فيلم ''معركة الجزائر'' الذي شارك في بطولته، فهو حريص
دائما على
أن تزويدنا بما نريد من معلومات وتوجيهات لكتابة التاريخ على طريقتنا و
بلغة
سينمائية، و لهذا و عرفنا و تقديرا منا قمنا بتكريمه مرتين، وبالمناسبة
نوجه شكرنا
له لثقته في الشباب و لإيمانه الكبير بنا، وتقديره للعمل الذي نقوم به في
سبيل
البحث والتنقيب في تاريخ ثورتنا المجيدة
الجزيرة الوثائقية في
24/08/2012
محمد السبكي:
لن أتوقف عن الإنتاج السينمائي
كتب: القاهرة – رولا عسران
رغم اتجاه معظم المنتجين إلى الحظر وتقليل إنتاجهم السينمائي بسبب
الظروف السياسية، إلا أن المنتج محمد السبكي لم يتأثر بالظروف الصعبة
وفضَّل مواصلة إدارة عجلة الإنتاج.
في لقائه مع «الجريدة» يتحدث السبكي عن مستقبل صناعة السينما في ظل
المتغيرات الجديدة وصعود الإخوان إلى الحكم.
·
كيف ترى حال صناعة السينما في
مصر؟
سمعت أخيراً أقاويل كثيرة تؤكد أن صناعة السينما المصرية في خطر وأنها
تعود إلى الخلف، لكن الواقع يبين غير ذلك تماماً. صحيح أننا كنا نواجه بعض
الصعوبات، خصوصاً في عملية التصوير عقب الثورة المصرية، كما أن البعض قرر
عدم خوض تجارب إنتاجية، لكن الواقع يقول بوجود أفلام يتم إنتاجها وتعرض في
الصالات، ويقبل عليها المشاهد وتحقق إيرادات عالية للغاية، ما يعني أن
الجمهور المصري لديه القدرة على الفصل بين الواقع السياسي وبين متابعة
السينما، ما يؤكد أن صناعة السينما ليست في محنة كما يدعي البعض ولكنها
توقفت قليلاً على رغم قابليتها للدفع إلى الأمام وتحقيق نتائج مرضية
للمنتجين كلهم.
·
لكن ما هو تفسيرك لتحدّث البعض
عن وجود أزمة سينمائية؟
أعتقد أن الأزمة حدثت في الفترة التي أعقبت ثورة 25 يناير مباشرة،
حينما كان الجميع منشغلاً بالأحداث السياسية، وحينها كان الانفلات الأمني
يمنع تصوير بعض الأفلام في الشوارع والميادين، ما دعا البعض إلى القول
بوجود أزمة على مستوى الصناعة. لكن ثمة من استطاع من خلال الخبرة التغلب
على هذه الظروف وإيجاد سوق قوي للسينما، وهو ما يعتمد على متطلبات كثيرة
يجب أن تتوافر لدى المنتج ليستطيع من خلالها تحقيق المعادلة الصعبة، فحقق
بعض الأفلام إيرادات مرتفعة.
·
هل يعني ذلك أن على المنتجين أن
يتبعوا شروطاً خاصة؟
لا يمكن القول بأنها شروط خاصة، فللجميع الحق في إنتاج ما يراه
مناسباً له، لكن بالطبع لا بد من أن يراعي المنتج الناجح الكثير من الظروف،
من بينها على سبيل المثال كيفية اختيار الفيلم الذي ينوي تقديمه للجمهور،
وهل هو صالح في هذا التوقيت أم أنه قد يكون مناسباً في توقيت آخر؟ أعتقد أن
هذه هي أطراف المعادلة، وقد رأينا أن الأفلام الكوميدية هي صاحبة النصيب
الأكبر من النجاح في الفترة الماضية.
·
هل يمكنك شرح هذه الظروف؟
الإجابة ببساطة أن المواطن والمشاهد المصري كان في حاجة إلى أن ينسى
هموم الواقع السياسي في مصر. بالتالي، كان يحتاج إلى مشاهدة الأفلام
الكوميدية، خصوصاً أنها قد تزيل همومه التي كان يمتلئ بها الواقع السياسي،
فالمواطن طوال اليوم يتحدث في السياسة وأزماتها وانتخاباتها، وهي الأمور
التي تعجب البعض وتزيد من مشاكل البعض الآخر، لذلك فدور العرض وما تحتوي
عليه من أفلام تكون الملاذ الأخير للجمهور، حيث يذهب لتمضية ساعات من الضحك
الممتع تساعده على نسيان مشاكل اليوم.
·
هل يعني ذلك أنك تحضر راهناً
لمشاريع سينمائية جديدة؟
أجهز منذ فترة لعملين سينمائيين، الأول من بطولة تامر حسني، والثاني
دويتو بين هيفا وهبي وتامر حسني أيضاً. عموماً، لن أتوقف عن إنتاج الأفلام
فهي مهنتي، لكني أراعي دائماً في اختياراتي الموضوع الذي يتناسب مع المشاهد
المصري والظروف التي يمر بها.
·
تردد أن عملاً يجمعك مع يسرا بعد
فيلمكما الأخير «جيم أوفر».
صحيح. بعد نجاح هذه التجربة وظهور يسرا بشكل مختلف، اتفقنا على
التحضير لعمل سينمائي جديد، لكننا لم نكتب تفاصيله بعد بل ما زلنا في إطار
التحضير.
·
ماذا عن قناة «تايم سبكي» التي
أطلقتها أخيراً، وهل تراها خطوة مفيدة؟
القناة حلم تحقق. تعرض «تايم سبكي» الأفلام التي أُنتجها عقب رفعها من
الصالات بشكل حصري في خطوة موفقة وجيدة للغاية، خصوصاً أنها بمنزلة دعاية
لأفلامي، وتوفر لمن لا يستطيع الذهاب إلى دور العرض مشاهدة الأفلام بعد وقت
قصير من انتهاء طرحها.
·
ألا تخشى ألا يذهب الجمهور إلى
السينما ويتابع أفلامك عبر القناة؟
مخطئ من يتصور ذلك، فمشاهد السينما معروف باستمتاعه بالذهاب إلى دور
العرض. بالتالي، لن يؤثر افتتاح القناة عليه وسيذهب إلى السينما شئنا أم
أبينا، ما يعني أن «تايم سبكي» ستضمن تواجد جمهور إضافي إلى جانب جمهور
السينما.
الجريدة الكويتية في
24/08/2012
أفلام البلطجية…
حلّ أزمة أم استغلال تجاري؟
كتب: هند موسى
أفلام بعد الموقعة، الألماني، إبراهيم الأبيض، البلطجي، طرف ثالث، ابن
موت، وغيرها من أفلام عرضت في الفترة الأخيرة وتمحورت حول ظاهرة البلطجة
التي انتشرت في أثناء ثورة 25 يناير.
إلى أي مدى نجحت هذه الأفلام في رصد هذه الظاهرة، وهل أرادت من خلال
مناقشتها إيجاد حلّ لها أم أنّها مجرّد استغلال للأحداث؟
يوضح مؤلف «الألماني» ومخرجه علاء الشريف أن الفيلم يرصد انتشار ظاهرة
البلطجة في مصر، بعدما شغلت تفكير المواطنين في فترة ثورة 25 يناير التي
شهدت انفلاتاً أمنياً، ذلك من خلال شخصية مواطن عادي تجبره الظروف وفقدانه
لطموحاته على أن يكون بلطجياً ليحصل على حقه في المجتمع والناس، وتكون
نهاية هذا المشوار مأساوية تحذيرية لكل من تسوّل له نفسه أن يكون مثل
البطل، لافتاً إلى أن السينما يقف دورها عند حد السرد والتوضيح من دون وضع
حلول للقضايا التي تعرضها.
يضيف الشريف أن السينما المصرية تزخر بأفلام من هذا النوع، من بينها
«الوحش»، تأليف نجيب محفوظ، إخراج صلاح أبو سيف، وبطولة محمود المليجي
وأنور وجدي.
مادة درامية
تؤكد الناقدة حنان شومان أن هذه الظاهرة لم تظهر في دراما ما بعد
الثورة فحسب، إنما هي قائمة منذ حوالى أربع سنوات؛ إذ دأب القيمون عليها
على استغلال خبر عادي في صفحة الحوادث لصنع عمل كبير من دون الاهتمام
بتأثيره أو عرض جوانبه المختلفة بموضوعية.
تضيف شومان أن الأحداث فرضت على صانعي السينما والتلفزيون استخدام
شخصية البلطجي كمادة درامية تصلح لأعمال ناجحة تجذب الجمهور، «الدليل على
ذلك نجاح مسلسلي «البلطجي» (إخراج خالد الحجر، بطولة آسر ياسين)، و{طرف
ثالث» من بطولة أمير كرارة ومحمود عبد المغني وعمرو يوسف، الذين جسدوا
أدوار بلطجية يستخدمهم رموز النظام السابق وبعض رجال الأعمال في تدمير
البلاد وتسخيرها لصالحهم.
تشير شومان إلى أن تناول ظاهرة معينة في السينما والتلفزيون في الوقت
عينه يعني أنها استولت على عقول المؤلفين في المجالات كافة، بعد تأثيرها
على الشعب طبعاً، «فالدراما الأخيرة استمدت أحداثها من الواقع الذي تسيطر
عليه البلطجة، وعالجها القيمون بشكل مختلف من عمل إلى آخر».
تضيف شومان: «ثمة أفلام حاولت تحديد الأسباب التي دعت البلطجي إلى
سلوك هذا الطريق على غرار «الألماني»، «بعد الموقعة»، «الطيب والشرس
والسياسي»، فيما أظهرت أفلام أخرى تأثير البلطجة على من ساروا في طريقها
وكيف انتهت حياتهم مبكراً وبأسوأ الطرق، من بينها «إبراهيم الأبيض».
وجوه متعددة
يعتبر الناقد نادر عدلي أن الأفلام التي تناولت البلطجة تختلف في ما
بينها بالمساحة التي أفردتها لهذه الظاهرة، موضحاً: «القضية الأساسية في
«الطيب والشرس والسياسي» هي العلاقة بين الشرطة والشعب ومراحل صعودها
وهبوطها، والبلطجية من ضمن العوامل المساعدة في تأرجح هذه العلاقة، كذلك
اعتمد «بعد الموقعة» بشكل أساس على ثورة 25 يناير التي كانت للبلطجية
مشاركة واضحة فيها، أما «الألماني» فهو الوحيد الذي عرض الظروف التي دفعت
أحد الأشخاص إلى أن يكون بلطجياً، وإن كنت أتحفظ على العمل نفسه لكونه
اختلط بين الفيلم التسجيلي والروائي وفقد التصور الحقيقي للأحداث».
يشيد عدلي بالدراما الرمضانية التي عرضت هذه الظاهرة، من بينها مسلسل
«الهروب» (بطولة كريم عبدالعزيز، تأليف بلال فضل، إخراج محمد علي)، لأنه
عرض نماذج أخرى للبلطجية الذين خرجوا من السجون خلال الثورة، راصداً
ممارساتهم المشينة من اعتداءات على الممتلكات وترويع المواطنين.
يذكر عدلي: «رصدت الأعمال الفنية الظاهرة في مجملها من دون وعي ورؤية
واضحة للأحداث؛ فهي تناولتها من بعيد، غافلة المرحلة التي اختفى فيها رجال
الشرطة من الشوارع ودور البلطجية آنذاك، كذلك دورهم قبل الثورة، وحضورهم
القوي في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، إما لحساب الشرطة أو لحساب
الأثرياء، ولعل حادث احتراق أبراج «نايل سيتي» يؤكد استمرارهم في عملهم،
وهو بحاجة إلى التوثيق السينمائي أيضاً».
يشير عدلي إلى أن الموروث السينمائي يأخذ من بعضه؛ فما إن تنجح قصة
على الشاشة حتى يكررها صانعو الدراما أكثر من مرة، مع بعض الإضافات.
انعكاس للواقع
يرى الناقد رفيق الصبان أن السينما هي انعكاس للواقع، تهتم به وتقترب
منه، باستثناء أفلام «فانتازية» قليلة، ويقول: «ما دامت هذه الظاهرة موجودة
في الواقع ولا يمكن تجاهلها، فبالتأكيد ستعرض على الشاشات وتُناقش مراراً
حتى تنتهي وتحل محلّها ظاهرة أخرى، تماماً كما سيطرت دراما رجال الأعمال
على الأفلام والمسلسلات سابقاً».
يضيف الصبان أن هذه الأفلام، على رغم اتفاقها من ناحية الموضوع الذي
تناقشه، إلا أنها تختلف في ما بينها وفقاً لوجهات نظر كتابها ومؤلفيها،
«ومن المنطقي أن تبرز الأسباب التي تدفع الشخص إلى اختيار البلطجة لأن
الإنسان لا يولد مجرماً، لكن هنا يتوقف دور الفن الحقيقي، لأن مهمته هي
العرض والرصد للفت انتباه المسؤولين والطبقات الدنيا، كي لا يزداد عدد
البلطجية، إلا إذا كان المؤلف مبدعاً وكتب أحداثاً لم تقع أصلاً آملا في
التخلص منها قبل حدوثها، فالإبداع لا حدود له».
أخيراً، يلاحظ الناقد عصام زكريا أن الأحداث السياسية في البلاد فرضت
على الفنون تناول هذه الشخصية، خصوصاً أنها تنتمي إلى قطاع من الشعب لا
يستهان به، أي الطبقة الفقيرة التي أجبرتها الظروف على اتخاذ البلطجة وسيلة
للعيش، وربما هذا ما جعل الأعمال في غالبيتها تعتمد على فكرة «جعلوني
مجرماً»، في محاولة من صانعيها لإيجاد مبررات لسلوك البلطجي، ما قد يؤدي
إلى تعاطف الجمهور معه.
هنيدي تفوّق على السقا
تفوق فيلم «تيتة رهيبة» من بطولة محمد هنيدي على فيلم «بابا» من بطولة
أحمد السقا، خلال أيام عيد الفطر الثلاثة بفارق 100 ألف جنيه، فحقق الأول
350 ألف جنيه فيما اكتفى الثاني بـ250 ألف جنيه، علماً بأن «تيتة رهيبة»
عُرض ليلة العيد بكامل نسخه بينما تأخر توزيع بقية نسخ «بابا» إلى أول أيام
العيد.
الجريدة الكويتية في
24/08/2012
البوصلة و الأب الروحي
مجدي الطيب
في أميركا والدول المتحضرة لا يُترك النجم وحده في مهب الريح أو تحت
رحمة الظروف والأزمات والقرارات، بل يعمل في إطار منظومة صارمة لا تمثل
بالنسبة إليه «البوصلة» التي تُحدد اتجاهاته وتقود خطواته فحسب، وإنما
تتحول مع الأيام إلى «المطبخ» الذي يضع «استراتيجيته» ويرسم مستقبله
ويُحصنه ضد القرارات العشوائية التي تصدر عن الهوى.
في الأربعينيات والخمسينيات وحتى مطلع الستينيات عرفت مصر ظاهرة
«المطبخ» بطريقة أكثر تحضراً، عندما كانت تسوق الأقدار في طريق صاحب
الموهبة الواعدة من يصقل موهبته ويهذب شخصيته ويُخلصه من جهله، عبر «صالون
فكري» أو «منتدى مثقفين» أو حتى جماعة من «الحرافيش» تجتمع في مقهى أو
«كازينو» على النيل!
هكذا تتلمذ محمد عبد الوهاب، في فترة مبكرة للغاية، على يد أمير
الشعراء أحمد شوقي، ونشأت أم كلثوم في حضرة الشيخ أبو العلا محمد، لكن
الظاهرة اتخذت شكلاً أكثر عمقاً مع عبد الحليم حافظ الذي احتضنه الكتاب
والأدباء والمثقفون، وأصبح ضيفاً دائماً على جلسات الكبار: حسن فؤاد وصلاح
حافظ وفتحي غانم وجمال كامل ومنير عامر ومفيد فوزي والكاتب الصحافي محمود
عوض.
ارتبطت شادية أيضاً بعلاقة والكاتب الصحافي الكبير مصطفى أمين أسفرت
عن كتابته قصة فيلم «معبودة الجماهير» (1967)، الذي جمع بينها وبين عبد
الحليم حافظ. لكن تبقى علاقة سعاد حسني والمثقفين النموذج الأكبر للانقلاب
الذي يعتري الموهبة الشابة، ويطور من شخصيتها وثقافتها بمجرد أن تجد لنفسها
مكاناً بين زمرة المبدعين؛ فالفتاة التي حباها الله الموهبة، لكنها كانت
تجهل القراءة والكتابة، وتعلمتهما على يد الفنان إبراهيم سعفان، ثم تعلمت
فن الإلقاء على يد الفنانة إنعام سالوسة، صارت تتحدّث بلغتَين أجنبيتَين،
وتحولت إلى بؤرة الاهتمام عقب اكتشاف الشاعر والمخرج عبد الرحمن الخميسي
لها، وهي في السابعة عشرة من عمرها، لتقوم ببطولة فيلم «حسن ونعيمة»،
وبعدها أصبحت «أيقونة» المثقفين والأدباء والصحافيين، الذين أفسحوا لها
مكاناً في جلساتهم، وبشروا بموهبتها في كتاباتهم، وأدركت، بدورها، أهمية
الدور الكبير الذي أدته الثقافة في حياتها فلم تنكر فضل الإذاعي الكبير
محمد محمود شعبان «بابا شارو» والشاعر كامل الشنّاوي والأديب يوسف السباعي
والكاتب الكبير إحسان عبد القدوس، وظلت التلميذة المخلصة للشاعر الكبير
والفنان الشامل صلاح جاهين، الذي لم تتوقف عن النظر إليه بوصفه «الأب
الروحي» لها.
هذه العلاقة الفريدة بين الممثل والمثقف تراجعت كثيراً في الآونة
الأخيرة حتى يمكن القول إنها وصلت إلى درجة القطيعة، ليس فحسب على مستوى
العلاقات بين الجانبين، بمعنى أن الممثل لا يتواجد مطلقاً في جلسات تجمعه
والمثقفين، بل بلغت الحد الذي يندر معه أن تجد ممثلاً يُحدثك عن كتاب قرأه
أو أديباً التقاه، ومن ثم لن تلتقي أبداً الممثل الذي يرى في أديب أو مبدع
«الأب الروحي» له!
حالة النرجسية التي تملكت بعض الممثلين، وأدت ببعضهم إلى الشعور بأنه
ندُ للمثقف، وأكثر جماهيرية منه، كانت سبباً في الإصابة بغرور مُبكر انعكس
بصورة سلبية على وعي الممثل وثقافته وقراراته التي افتقدت الكثير من
الموضوعية، سواء في اختياراته لأعماله الفنية أو توجهاته المستقبلية؛
فالممثل الذي نجح في اللون الكوميدي لا يغير جلده، بل إنه يسجن نفسه في
الشخصية نفسها، والممثل الذي اعتاده الجمهور في «الأكشن» يكرر نفسه حتى
الثمالة، والثالث الذي انتهى للتو من المشاركة في بطولة مسلسل درامي عُرض
لمدة ثلاثين يوماً في شهر رمضان يُباغت الجمهور بفيلم سينمائي يُعرض في عيد
الفطر، وكأنه مكتوب على الناس ألا يُبعدوا أبصارهم عنه طوال 365 يوماًّ!
تخبط وعشوائية يصيبان الممثل في مقتل، وربما ينهيان مسيرته في وقت
مبكر من دون أن يعرف حقيقة الأسباب التي أدت إلى هذا المصير، بينما يستطيع
بقليل من الجهد أن يُدرك أن الهوة الواسعة بينه والثقافة، والعلاقة
المقطوعة بينه والمثقف، وتصرفه بنرجسية، هي السبب في ما ينتهي إليه؛
فالحصيلة الثقافية الفقيرة والخلفية السطحية والمحدودة، يقودان إلى تضاؤل
الطموح وتلاشي الحلم، قوام الإبداع، ومن ثم لا يبقى للفنان سوى تكرار نفسه
وابتذال موهبته والدوران في فلك «الدور الواحد» أو الشخصية التي يخشى
الخروج عنها، بينما كان يستطيع بقليل من الثقة واتساع الأفق والرؤية أن
يوثق العلاقة بينه وبين المثقف، ويحرص على تبادل العلاقة بينهما لمصالح
مشتركة تعود بالنفع على الطرفين، وعلى الجمهور الذي سيستفيد كثيراً عندما
يرى الدرر الأدبية على الشاشة، ويُصبح على قناعة أن الممثل خرج من القوقعة،
وتخلص من الأنانية المفرطة… وأصبح يملك «البوصلة» التي توجهه، و»الأب
الروحي» الذي يقتدي به!
magditayeb@yahoo.com
الجريدة الكويتية في
24/08/2012 |