يعتقد البعض أن الكتابة بالسالب، أي عن الأفلام التي لم يعجب بها الناقد
السينمائي، هي كتابة لا ضرورة لها، أي غير مفيدة، أو لا تساهم في تطوير
النقد والسينما، وأن من الأفضل الاكتفاء فقط بالكتابة عن الأفلام التي
يحبها الناقد، أي الكتابة بالموجب أو النقد الإيجابي، أي الاكتفاء بالتعبير
عن جوانب التميز والجودة في العمل السينمائي.
هذه الدعوة (ذات الطابع الأخلاقي) يتلاقى فيها بعض السينمائيين (وهذا
طبيعي) مع بعض "النقاد" الذين يؤثرون السلامة ويفضلون أن ينالوا رضا صناع
الأفلام من منتجين ومخرجين وغيرهم، وبالتالي الابتعاد عن كل ما من شأنه أن
يزعج هؤلاء، أي الكف عن النقد السلبي، أي النقد الذي يبرز ويركز على
الجوانب السلبية في الفيلم التي يرى الناقد أنها تسببت في ضعف العمل
السينمائي وفشله في التعبير عن موضوعه من النواحي الفنية.
ويزعم البعض أن الكتابة بالموجب عن الأفلام أفضل لأنها تجعل الناقد
يتألق، ويأتي بأحسن ما عنده، ويضعه في القطعة النقدية التي يكتبها، مما
يجعلها أقرب إلى القاريء وإلى السينمائي.
صحيح أن الكتابة الإيجابية أسهل، وأجمل وأكثر سلاسة وأقرب إلى القاريء،
وأكثر متعة للسينمائي صاحب الفيلم. ولكن الكف عن الكتابة بغرض إبراز
الجوانب السلبية في عمل سينمائي (غير ناجح) جزء أساسي من وظيفة الناقد
السينمائي. فليس بالإشادة بالأفلام الجيدة تتغير السينما وترقى، بل وأيضا
بالكشف عن الجوانب السلبية في الأفلام التي لم تنجح، يتعلم القاريء
والمشاهد والسينمائي، لأن المفترض أن يكشف النقد السينمائي عن جوانب خفية
في سياق العمل السينمائي وفي عمق بنائه واستخدام السينمائي لأدواته
استخداما خاطئا او مراهقا أو مبالغا فيه. أليس من حق القاريء أن يعرف رأي
الناقد في أفلام بارزة ليس من الممكن تجاهلها ربما أيضا تحصل على جوائز
كبرى في المهرجانات الدولية؟ ماذا لو جاءت هذه الأفلام رديئة؟ هل نتغاضى
عنها ونصمت؟ وماذا لو جاء فيلم لمخرج أحببنا أفلامه السابقة ضعيفا مفككا،
هل من دور الناقد أن يكتب عنه ويقومه أم يتجاهله تماما كأنه لم يوجد؟! .
ويعتقد بعض من يقرأون النقد بل وبعض الذين يكتبونه أيضا، أن التعبير
عن رفض الفيلم بكلمات قوية تخرج عن المعتاد، ليس من النقد، وأنه يتعين على
الناقد أن يخفف من لهجته ويستعين بالألفاظ والكلمات الناعمة حتى لو كان
الفيلم السينمائي نفسه استفزازيا أي كانت إدعاءات مخرجه أو مخرجته أكثر من
أن يمكن التغاضي عنها، فبعض الأفلام التي تظهر بل وتعرض على شاشات بعض
مهرجانات السينما وربما تحصل أيضا على جوائر، لا تستحق أن يطلق عليها
"أفلاما سينمائية" بل هي أقرب إلى العبث بالكاميرا. وليس كل من أمسك كاميرا
أو أجلس أشخاصا فوق مقاعد وقام بتصويرهم وإجراء مقابلات مطولة معهم،
سينمائيا أو مخرجا أو فنانا، مهما كانت عظمة وأهمية القضية التي يبرزها أو
يتبناها فيلمه أو يدافع عنها، فهذه أعمال لا يجب أن تندرج في إطار ما يعرف
بـ"الإبداع الفني" أو السينمائي، بل مجرد تراكم استهلاكي إعلامي للتنويه
بقضية ما وليس للتعبير عن "رؤية" مدروسة مسبقا ومخططا لها من طرف الشخص
الذي يقدمها.
الغريب ان بعض هؤلاء الذين يستهجنون النقد السلبي ويصفونه أحيانا
بـ"القسوة" لا يلتفتون إلى ما يكتب في النقد السينمائي الأجنبي أو الغربي
تحديدا (الذي يعتبرونه عادة مقياسيا عبقريا لكل ما نكتبه!!). وقد يكون
الأكثر قربا من الحقيقة أن هؤلاء لا يقرأون النقد السينمائي بلغات أخرى غير
العربية، أو ربما أنهم يقرأونه ويرفضونه، باعتبار أن اللغة العربية التي هي
جزء من الثقافة العربية، لغة محافظة ضمن ثقافة محافظة، لا يجب أن "تتجرأ"
على إعلان الرفض بكلمات قاسية حتى لا تصبح "كتابة استفزازية، بل وحتى لو
كانت القسوة "المزعومة" مبررة تماما في سياق التحليل والنقد العلمي وليس
كيل الاتهامات والشتائم والتعامي العمدي عن رؤية الفيلم بتفاصيله وبنائه
والتدليل عمليا على ما يخلص إليه الناقد من أحكام.
وكثيرا ما يسأل البعض: هل يجنح النقاد الغربيون إلى مثل ما نكتبه من
كتابات هجائية قاسية؟ وقد وجه السؤال إلى كاتب هذه السطور شخصيا أكثر من
مرة. والغريب أن الكتابات المنشورة يوميا والتي أصبح الكثير منها متاحا عبر
شبكة الانترنت هي أبلغ رد على هؤلاء غذا كلفوا أنفسهم بالبحث والقراءة.
وإلى هؤلاء أسوق المثال التالي:
كان فيلم "الاشتراكية" للمخرج الفرنسي الكبير جان لوك جودار (81 سنة)
هو آخر ما قدمه وعرض في مهرجان كان قبل عامين. ورغم سمعة جودار الفنية
الراسخة، وتردد الكثير من النقاد (في الغرب والشرق أيضا، ومنهم من يكتبون
بالعربية!) في "الاجتراء" على انتقاد أفلامه خشية أن يتهموا بالجهل، أو
بالأحرى، رغبة منهم في الالتحاق بصفوف أولئك الغربيين الذين يشيدون بـ"العبقرية
الفنية" والفلسفة العميقة، و"البناء السيمفوني، ورغم هذا كله، فقد كان هناك
الكثير من النقاد الغربيين البارزين الذين وجهوا انتقادات شديدة لفيلم
جودار، بل ووصفه بعضهم بأنه عمل غير مفهوم ولا معنى له، دون أن يخشوا
الاتهام بالجهل.
هناك مثلا الأمريكي روجر إيبرت، وهو المناسبة، ناقد سينمائي وصحفي
وكاتب سيناريو لامع يكتب بانتظام عمودا في النقد السينمائي في صحيفة
"شيكاغو صن تايمز" منذ عام 1967 وهو أول ناقد سينمائي يفوز بجائزة بوليتزر.
كتب إيبرت عن فيلم "الاشتراكية" في مقال نشره بالصحيفة المذكورة
(بتاريخ 8 يونيو 2011)، فماذا قال في مقاله؟ لنقرأ بعض المقتطفات البسيطة
من مقاله:
"مع فيلم "الاشتراكية" الذي أخرجه وهو في في
التاسعة والسبعين، انجرف رائد الموجة الجديدة الفرنسية إلى البحر. هذا
الفيلم هو إهانة. إنه عمل غير متماسك، يثير الحنق، مبهم عمدا، ينحرف تماما
عن الطرق التي يشاهد الناس من خلالها الأفلام.
أعلم أن هذا كله جزء من أسلوب جودار، لكني أرى أن من المهم تحقيق
معادلة ما. نحن ندخل السينما بعقول مفتوحة وحسن نية، ونتوقع أن يشركنا
جودار معه على الأقل، ممكن أن يكون هناك غموض ولكن قابل للفهم. أما في
فيلم "الاشتراكية"، فهو يتوقع منا أن نتحمل العبء كله.
عندما عرض الفيلم لاول مرة في مهرجان كان 2010، استقبل بخليط معتاد من
صيحات الاستهجان والترحيب. وكتب المدافعون عن جودار مطولا عن مضمون الفيلم
ومراميه، في حين شعر الكثيرون بصراحة أن الفيلم إهانة لهم.
في الفيلم مشاهد مجزأة مما يدور على ظهر سفينة في عرض البحر المتوسط،
وأيضا لقطات تنتقل عبر التاريخ البشري، والتي لأغراض الفيلم، تشمل مصر،
اليونان، فلسطين، أوديسا (وخاصة سلالمها الشهيرة)، نابولي وبرشلونة وتونس
وموانئ أخرى. ثم نرى أجزاء من قصة تنطوي على امرأتين (واحدة منهما تصور
بكاميرا تليفزيونية، وأسرة تعيش في مرآب لتصليح السيارات على جانب الطريق.
يعيش في المآب أيضا بغل ولاما. وهناك لقطات لقطط، ترتبط بشكل غامض
بالمصريين، وكذلك ببغاوات. وربما تكون الباخرة تعبيرا مجازيا عن رحلة
الإنسان عبر الزمن. أما المرآب فهو متروك للتخمين.
هناك حديث في الفيلم متقطع في كلمات منفصلة حول الاشتراكية، والقمار،
والقومية، هتلر، ستالين، والفن، الإسلام، النساء، اليهود، هوليوود، فلسطين،
الحرب وموضوعات كبيرة اخرى. كلها تبدو سياسية بشكل رائع، ولكن لا أستطيع أن
أقول ما إذا كان لدى الفيلم أي شيء يقوله عن الاشتراكية".
انتهت المقتطفات وأظنها لن تعجب عشاق جودار ولا أصحاب الذوق الرفيع في
الكتابة عن السينما.
أما فيلم "راقصة في الظلام" (2000) للارس فون ترايير فقد حصل على
السعفة الذهبية في كان لأحسن فيلم ثم جائزة الأوسكار، وأشاد به الكثير من
النقاد واعتبروه تحفة فنية عظيمة. ولكن كان هناك أيضا من كبار النقاد، من
أهالوا عليه التراب بأقسى الكلمات أحد كبار نقاد السينما البريطانيين وهو
أيضا مؤرخ مرمق ومؤلف لعدد من الكتب السينمائية ويكتب النقد السينمائي منذ
خمسين عاما، كتب عن الفيلم في صحيفة الجارديان البريطانية (بتاريخ 17
سبتمبر 2000) يقول:
"
عندما بدأ نزول العناوين النهائية لفيلم "راقصة في الظلام" في
مهرجان كان تصورت في البداية أن صيحات الاستحسان والتصفيقلهذا الفيلم
الموسيقي الاسكندنافي ليست إلا على سبيل السخرية، فكيف يمكن لأي شخص أن
يعجب أو يتأثر بهذا الفيلم التافه الممل العقيم؟ وقد ذهلت عندما حصل مخرجه
ومؤلفه (الذي أعجبت بالكثير من أفلامه السابقة) على السعفة الذهبية وحصلت
بطلته بروك على جائزة أحسن ممثلة. وعندما قرأت أن جهاز العرض تعطل أو انقطع
التيار الكهربائي عند عرض الفيلم فيما بعد في مهرجان إدنبره السينمائي، قلت
لنفسي: نعم.. ربما كان الله في السماء، أو عامل الكهرباء في الأرض، يقول
كفانا هذا العبث"!
وفي "الجارديان" أيضا، وهي من أكثر الصحف البريطانية رصانة وجدية نقرأ
ما كتبه ناقد آخر بارز هو بيتر برادشو (بتاريخ 15 سبتمبر 2000) عن الفيلم
نفسه. وقد بدأ مقاله على النحو التالي:
"بسبب وقاحته المطلقة وميلودراميته الزاعقة وتراجيديته الزائفة،
يجب أن يكون فيلم "راقصة في الظلام" للارس فون ترايير أسخف فيلم لهذا
العام، وأيضا أكثر الأفلام سطحية وفجاجة في تلاعبه بالمشاعر. إن كل شيء في
هذا الفيلم سخيف، إبتداء من ظاهره بالسذاجة وحبكته المستحيلة، إلى تلك
الابتسامة البلهاء الصغيرة المتعالمة الغامضة على وجه بطلته الضحية، التي
أدت دورها "بورك" وهي نجمة غناء صادحة تملك القدرة على إفساد علب الحليب
على مدى عشرة كيلومترا"!
وللقاريء أن يتخيل كيف يمضي المقال الطويل التفصيلي بعد ذلك. ولعل هذا
يكون كافيا في الوقت الحالي لمن يريد أن يعرف ويتأكد، كما يمكنه بكل تأكيد،
العودة إلى المقالات الأصلية!
الجزيرة الوثائقية في
14/01/2013
تسجيلي أم وثائقي
?
عدنان مدانات
تسجيلي أم وثائقي؟ هذا هو السؤال الذي غالبا ما يتجادل بشأنه زملاء، حيث
أنه بدأ منذ فترة يثير إشكالية إيجاد تسمية عربية تصف النوع الأخر من
السينما الموازي للسينما الروائية. وفي حين أن هذه الإشكالية مرتبطة في
واقع الأمر بمجرد اختلاف في الاجتهاد في الترجمة للعربية عن التسمية
الانكليزية الأصلية(
Documentary)، فإن هذه الإشكالية في واقع الأمر تتعلق بمسألة
أكثر تعقيدا تنجم عن وجود أكثر من جنس داخل هذا النوع الذي لا يتأسس على
إعادة خلق الواقع، كما هو الحال بالنسبة للسينما الروائية، بل يتأسس
اعتمادا على تصوير مواد الواقع الفعلية وتنظيمها في صيغة جديدة.
في الماضي لم تكن هذه الازدواجية في استخدام أي من التسميتين تثير
الجدال في الأوساط السينمائية العربية، وكان الأمر لا يعني أكثر من مجرد
شيوع استخدام مصطلح" التسجيلي" من قبل السينمائيين في بعض الدول العربية،
خاصة مصر، فيما كان سينمائيون في دول أخرى، مثل سوريا، قد اعتادوا استخدام
مصطلح" الوثائقي"، لكن الجدال نشأ في السنوات الأخيرة بعد أن اتسعت حركة
إنتاج الأفلام التسجيلية وتنوعت مواضيع ومواد الأفلام و تعددت وسائط عرضها
والجهات المهتمة بها، مما جعل البعض يعتبر أن من الضروري اللجوء إلى تحديد
أكثر دقة للمصطلح يتناسب مع هذا التنوع في مجال إنتاج و استخدام هذا النوع
من السينما.
استند بعض المجادلين في البداية في محاولتهم لتحديد المصطلح إلى
الخلفية اللغوية بهدف التفريق في المعنى بين كلمتي" التسجيل" و" التوثيق"،
غير أن الرجوع إلى الأصل اللغوي لم يفد في الوصول إلى إجابة محددة متفق
عليها لأن الأصل اللغوي لا يسعف في تحديد الفرق بين" التسجيل" و "التوثيق"
سينمائيا و لا يأخذ بعين الاعتبار التنوع الحاصل في مجال هذا النوع، و
نتيجة لذلك سعى آخرون لتعميم مصطلح جديد مترجم بدوره عن مصطلح مستخدم في
اللغة الإنكليزية هو" الفيلم غير الخيالي"( Non fiction film)، لكن هذا المقترح الجديد خلافي ويفتح بابا جديدا للجدل بدوره حول
علاقة الفيلم التسجيلي/ الوثائقي بالخيال، كما أنه لا يجيب على الأسئلة
المتعلقة بواقع تنوع طرق إنتاج هذا النوع من السينما.
يجري تصوير مواد الواقع هذه إما خصيصا لصنع فيلم محدد الموضوع يصنف
ضمن النوع التسجيلي(الوثائقي)، أو يجري التصوير لمجرد التوثيق لموضوع أو
لوقائع معينة، وهذه المواد المصورة لمجرد التوثيق يمكن أن تصبح بدورها جزءا
مكملا من فيلم محدد يستفيد منها لخدمة الجانب التاريخي في الموضوع الذي
تجري معالجته في الفيلم، أو يمكن أن تصبح هذه المواد المصورة لغرض التوثيق
مادة لفيلم يتكون منها فقط و يكتفي بها. ثمة أيضا الفيلم المصنوع لغرض
إعلامي، أو تعليمي، آو سياحي، أو دعائي، أو حتى ترفيهي، هذا إضافة إلى
أمكانية صنع فيلم من نوع السيرة الذاتية مخصص لتقديم شخصية معينة. ولا ننسى
هنا إمكانية صنع فيلم فني شعري، أو حتى تجريبي، ينتمي إلى هذا النوع من
السينما الذي يقوم على إعادة تسجيل صور الواقع الحقيقي. كما نذكّر هنا
بالدور الذي لعبته الفضائيات التي ليس فقط فسحت المجال واسعا أمام عرض هذا
النوع من الأفلام، بل أضافت إلى هذا النوع وطورت صيغا جديدة بعضها أفلام
وبرامج مخصصة باتت تحميل تسمية تلفزيون، أو" أفلام الواقع"، وبعضها الآخر
ينتمي إلى برامج الكاميرا الخفية التي يتم من خلالها تصنيع الحدث الواقعي
بتدخل مباشر من معد البرنامج. و لا ننسى هنا الإشارة إلى الصيغة القديمة/
المتجددة التي تطورت أسلوبيا و باتت واسعة الانتشار في السنوات الأخيرة
والمرتبطة بصنع أفلام تخلط بين النوعين أو أفلام تستفيد من عناصر نوع روائي
في خدمة النوع المقابل والتي صار يطلق عليها تسمية" الدراما الوثائقية"( لم
لا الدراما التسجيلية؟).
هذا التنوع يستدعي الحاجة إلى إيجاد تسمية مختلفة تحدد وتميز بين
الأجناس المتنوعة المنتمية إلى هذا النوع من الأفلام. وفي الواقع يمكن لنا
الاستطراد كثيرا في وصف أشكال متنوعة من هذه الأفلام التي يحتاج كل منها
إلى تسمية تحدد خاصيته وتميزه. في هذا الحالة فقط يمكن التوافق على ما يمكن
وصفه بالتسجيلي و ما يمكن وصفه بالوثائقي.
بعيدا
عن هذه الإشكالية المرتبطة باختلاف التسمية بين" التسجيلي" و" الوثائقي"،
فإن الحاجة الحقيقية تتعلق بتحديد وظيفة وطبيعة كل جنس فني يدخل ضمن هذا
النوع من الأفلام و إيجاد تعريف خاص به، وذلك منعا للالتباس وإعطاء كل ذي
حق حقه، فلا نخلط، مثلا، بين الفيلم بما فيه من بنية وعناصر درامية وبين
الريبورتاج، أو بين الفيلم الدعائي وبين الفيلم الذي ينحو منحى شعريا فنيا،
وهو الخلط الذي يلاحظ في المهرجانات السينمائية التي تبرمج مسابقات خاصة
بهذا النوع من الأفلام.
الجزيرة الوثائقية في
14/01/2013
أيام دوز للفيلم الوثائقي
وسيم القربي - تونس
احتضنت مدينة دوز، التي تعتبر بوابة الصحراء التونسية، الدورة الثانية من
أيام دوز للفيلم الوثائقي في الفترة الفاصلة بين 26 و30 ديسمبر. ويعتبر هذا
الحدث الثقافي مواصلة لسلسلة من المشروع الفكري والجمالي الذي يسعى لنشره
المخرج التونسي هشام بن عمار رفقة مجموعة من المبدعين. هم بالأساس
سينمائيون تحدوهم رغبة جامحة في نشر ثقافة الوثائقي داخل الجغرافيا
التونسية ومحاولة خلق لامركزية في النشاط السينمائي الذي اقتصر طيلة عقود
على مدينة تونس العاصمة.
القوافل السينمائية:
تعتبر أيام دوز للفيلم الوثائقي وليدة الحركة الثقافية التي تشهدها
تونس الثورة، حيث انطلقت القوافل الوثائقية في محاولة إرساء مشروع إبداعي
يختصّ بنشر الفيلم الوثائقي مما جعله مشروع مواطنة بامتياز. غاصت القوافل
السينمائية في اعماق الحقل الاجتماعي المهمّش سعيا إلى تكريس لامركزية
ثقافية من ناحية، ونشر الثقافة السينمائية في أعماق تونس المهمّشة. لقد شهد
النشاط السينمائي طيلة فترة النظام البائد اقتصارا على حركة ثقافية اتخذت
من العاصمة المركز مقابل تهميش الأعماق التونسية واقتصارها على دور تسييحي
وفولكلوري بالأساس. وبالتالي فإنّ القوافل السينمائية جاءت ضمن مشروع فكري
لنشر الثقافة السينمائية في كامل أرجاء تونس قصد خلق موازنة إبداعية وترسيخ
ثقافة الصورة وجعل الوثائقي منهجا للتربية والتغيير. كما أنّ هذه القوافل
سعت إلى اقتراح حلول بديلة قصد إحياء استهلاك الصورة السينمائية بعد اندثار
القاعات التي يبلغ عددها الفعلي حاليا 13 قاعة في كامل أنحاء البلاد.
تنظم القوافل السينمائية حدثا كلّ شهر يهتمّ أساسا بموضوع معيّن مثل
ذكرى تجارة الرقيق في شهر أوت وإحياء اليوم العالمي لأدب السجون في شهر
نوفمبر على سبيل المثال، وهي مبادرات أنتجت حركية في المدن والقرى التونسية
التي زارتها واسترجاع لاستراتيجية البداية الفعلية للسينما التونسية خلال
فترة الأربعينيات حيث كانت القوافل تجوب البلاد لعرض الأفلام الأمريكية
والأوروبية بالأساس قصد نشر السينما.
ولقد أنتجت حركية هذه القوافل تأسيس تظاهرة أيام دوز للفيلم الوثائقي
التي تعتبر محاولة رائدة لمزيد تأسيس بنيات إبداعية تساهم في تأمين
الاهتمام بهذا الجنس الإبداعي.
أيام الفيلم الوثائقي بدوز:
احتضنت مدينة دوز الدورة الثانية من هذا الحدث السينمائي وكانت فرصة
لعرض أحدث الإنتاجات من وثائقيات تونس. وقد أكّد المخرج هشام بن عمار
للجزيرة الوثائقية أنّ "هذا المهرجان هو بالأساس مشروع مواطنة، نرمي من
خلاله لتأطير وتشجيع المخرجين الذين يحملون آمال التجديد بالنسبة للسينما
التونسية" ويضيف في هذا الإطار أنّ "أيام الفيلم الوثائقي بدوز يقام على
مشارف الصحراء ويتجاوز الحدود بالمفهوم الجمالي، وهو تشجيع للسينما
الوثائقية وللإنتاج المستقل وشكل من أشكال المقاومة".
تكوّنت لجنة التحكيم من المخرج التونسي محمود بن محمود والشاعر آدم
فتحي والمخرج الإيطالي "كارلو داماسكو" و"آلاكس موسى سوادوقو" من بوركينا
فاسو والمخرجة الإسبانية "ماريا رويدو". توّج فيلم "يامن عاش" للمخرجة هند
بوجمعة بجائزة "الجمل الذهبي" لمسابقة الأفلام الطويلة، كما شهدت الأيام
موائد مستديرة جمعت السينمائيين لمناقشة واقع ومستقبل الوثائقي في تونس.
ولعلّ أهمّ ما ميّز هذه الأيام هي إقامة الحدث داخل خيام صحراوية أضفت
جمالية المكان من رونقها... هكذا يتخذ الوثائقي صيغة إنشائية في مدينة دوز
الصحراوية التي يكون فيها الشعر خاصية إبداعية.
الوثائقي التونسي والآفاق؟
لقد خلقت الثورة التونسية حركية في جميع المجالات غير أنّ القطاع
السينمائي، وبالرغم من بعض المحاولات، لازال يتخبّط في عشوائيته المعهودة.
يشهد الحقل السينمائي ترسّخا لنفس العقليات البائدة التي أبت أن تتغيّر أو
أن يتمّ تغييرها بعد الثورة، حيث لا تزال نفس الأسماء الإدارية الجامدة
ملتصقة بكراسيها الأبدية التي قد لا يفارقونها حتى بعد التقاعد باعتبار
أنّها منبع للجاه ومصدر لتكوين العلاقات وإقامة الرحلات السياحية المجانية.
ولعلّ الاعتداءات على الفنانيين وانطماس مفهوم الديمقراطية والتعبير الحرّ
والتعيينات الفوقية على رأس هياكل الثقافة هي من أبرز التحديات التي
يتداولها المثقفون هذه الأيام ويسعون من خلال اتحادهم لمقاومة هذه
الممارسات التي تساهم في تعطيل الثورة الثقافية التي طال انتظارها. غير أنّ
الرهانات تهمّ أيضا، بشكل آخر، مستقبل الفيلم الوثائقي الذي أصبح يمثل شكلا
من أشكال المقاومة من خلال نقل الواقع والوقائع، حاملا لسياقات دلالية
وجماليات خاصة من أجل نقل صورة الواقع الجديد. وبالتالي فإنّ العديد من
المخرجين الشبان والمستقلين اتجهوا نحو هذا الجنس الإبداعي الذي لا يتطلب
تكاليف باهظة مقارنة بالفيلم التخييلي، غير أنّ العديد منهم سقط في تكرار
ما أنتج عن الثورة التونسية طمعا في التسويق السينمائي نحو مهرجانات الغرب
بالأساس التي انبهرت بصورة تونس الجديدة. يبقى الفيلم الوثائقي وثيقة مهمّة
لطرح نظرة فنية عن الواقع، وتبقى الانتظارات آملة تغييرات جذرية في بلد
عُرف بصورته القيّمة.
الجزيرة الوثائقية في
13/01/2013
أفلام الموسم:
تشويق وفانتازيا... وثورة مأزومة
محمد خير/ القاهرة
صحيح أنّ الظرف السياسي المضطرب حال مراراً دون طرح آخر الإنتاجات في
الصالات المصرية. إلا أنّ أحمد حلمي كسر القاعدة مع شريطه «على جثتي» فيما
تنتظر القاعات عدداً آخر من الأعمال التي ترصد مآلات الانتفاضة وتعثراتها
حتى لو كان «عدم الاستقرار السياسي» سبباً وجيهاً يرفعه صنّاع السينما
المصرية لتبرير تردّد الإنتاج والعرض، والتأجيل المتكرر لطرح الأفلام، فإنّ
أزمة السينمائيين مع السياسة لم تعد تتمثل في «انتشار التظاهرات
والإضرابات» التي اعتادها المصريون بقدر ما تكمن في «تراجع المزاج
السينمائي» الذي لا يعني فقط هيمنة النقاش السياسي على أي جدل آخر، بل
أيضاً أنّ شاشات الـ«توك شو» صارت الأكثر جذباً للمصريين، بينما يتخذ
الترفيه لوناً تلفزيونياً مع برنامج باسم يوسف «البرنامج» الذي يعد الأكثر
مشاهدة على الشاشات المصرية.
إذًا، في تحدّ لكل ما سبق، يحاول نجم الكوميديا أحمد حلمي إعادة بعض
الرونق إلى صالات العرض، إذ قررت شركة الإنتاج «نيوسنتشري» الدفع بشريطه
«على جثتي» بدءاً من غد بعدما كان التأجيل هو الاحتمال الأقرب تماشياً مع
ما قرره باقي نجوم الصف الأول الهاربين من موسم بداية العام (إجازة نصف
السنة الدراسية). قررت الشركة النزول بكامل قوتها عبر طرح 150 نسخة عرض
داخل مصر وخارجها (تفادياً للقرصنة)، مراهنة على جمهور قد يريد إجازة من
السياسة والتلفزيون، لا الدراسة فقط.
مع ذلك، فالتلفزيون هو الذي منح حلمي مخرج فيلمه محمد بكير. الأخير أخرج
المسلسل الناجح «طرف تالت» الذي عرض في رمضان الماضي. شكّل المسلسل التجربة
الدرامية الأولى لبكير الآتي من عالم الكليب والإعلان. كذلك، فإنّ «على
جثتي» هو أول أفلامه، كأنما يبدو حلمي (يشارك في الإنتاج عبر شركته «شادوز»)
حريصاً على تجريب طاقم فني جديد. الروائي تامر إبراهيم يقدم أيضاً فيلمه
الأول الذي يدور حول المهندس رؤوف الذي يتعرض لحادثة تضعه في حالة روحانية
بين الحياة والموت. من خلالها، يعيد التعرف إلى علاقاته وأصدقائه ليكتشف
آراءهم الحقيقية فيه. يمكن القول إذاً إنه رغم جدّة المخرج والمؤلف، فإنّ
الموضوع ليس جديداً، سواء في ما يخص الحكاية، أو أحمد حلمي الذي قدم فكرة
قريبة في شريطه «ألف مبروك».
أفلام قليلة سبقت فيلم حلمي إلى الصالات. في «حفلة منتصف الليل»
لمحمود كامل، نجد أيضاً معالجة لـ«ثيمة» قدمت مراراً في السينما. القصة
التي كتبها محمد عبد الخالق، تدور حول جريمة تقع أثناء احتفال ليلي تستضيفه
في فيلتها امرأة ثرية هي رانيا يوسف التي يشاركها البطولة درة، وعبير صبري،
وإدوارد، وحنان مطاوع وأحمد وفيق. وتنتظر رانيا يوسف خلال أيام عرض بطولتها
الأخرى ــ الرومانسية هذه المرة ــ عبر فيلم «تراللي» (الجنون بالمحكية
المصرية) الذي كتبه حسام موسى وأخرجه حسني صالح.
أما «مصوّر قتيل» للمخرج كريم العدل، فتدور قصته التي كتبها عمرو
سلامة، حول مصوّر صحافي (إياد نصار) يتورط في تصوير جريمة قتل تقلب حياته.
الفيلم الذي افتتح الموسم قبل أسابيع، لم يحقق الإيرادات المرجوة، وكذلك
الحال مع «سبّوبة» أول أفلام بيتر ميمي من بطولة رندا البحيري وعدد من
الوجوه الشابة، ويدور كسابقيه في إطار التشويق مع جرعة «أكشن» من خلال
عصابة للسطو المسلح.
وتنتظر الصالات «الشتا اللي فات» للمخرج إبراهيم البطوط الذي حاز
جوائز عدة عن فيلميه المستقلين «عين شمس» و«حاوي». فيلمه الجديد انتزع
جائزة أفضل ممثل في «مهرجان دبي» التي ذهبت لعمرو واكد الذي تشاركه البطولة
فرح يوسف. القصة التي شارك في كتابتها ياسر نعيم وحابي مسعود، ترصد تقاطع
ثلاث حكايات إنسانية أثناء «ثورة يناير». الثورة المتأزمة تظهر مجدداً في
صورة غير مباشرة عبر فيلم خالد صالح «فبراير الأسود» الذي يطرح في الصالات
في 23 الجاري. العمل الذي كتبه وأخرجه محمد أمين، يدور في أجواء الفانتازيا
من خلال عالم مصري مكتئب يقرر القيام بنوع خاص جداً من الهجرة!
على لائحة... الانتظار
أفلام مصرية شاركت في مهرجانات عربية ودولية تنتظر دورها للوصول إلى
صالات العرض ابتداءً من منتصف شباط (فبراير) المقبل، من بينها فيلم «هرج
ومرج» لنادين محمد خان (بطولة ايتن عامر ومحمد فراج وأسامة أبو العطا)،
وفيلم «عشم» للمخرج ماجي مرجان (بطولة مجموعة من الوجوه الجديدة إلى جانب
المخضرمين محمد خان وسلوى محمد علي ومحمود اللوزي). فيما من المتوقع أن
تنتظر الأفلام الكوميدية شهري أيار (مايو) وحزيران (يونيو) للحاق بما بقي
من أيام الصيف قبل دخول شهر الصوم، وفي مقدمتها فيلم «أبو النيل» لأحمد مكي
ونيكول سابا.
منتجون يتحدّون البرد... وتوتّر الشارع
محمد عبد الرحمن/ القاهرة
لن تبقى الصالات المصرية خالية من أفلام النجوم المصريين طويلاً، رغم
موجة البرد غير المعتادة التي تسيطر على القاهرة والمخاوف المعتادة مما قد
يجري في عيد الثورة المصرية الثاني يوم 25 كانون الثاني (يناير) الحالي.
لكنّ المنتجين قرروا طرح أفلام عدة، على أمل أن تلقى إقبالاً من الجمهور
الذي يبحث عن ساعتين من الدفء أمام الشاشة الفضية رغم التوترات السياسية في
الشارع.
كانت الأسابيع الأخيرة من العام الماضي قد شهدت انسحاباً شاملاً
للأفلام المصرية من الصالات واجتياحاً متوقعاً لمجموعة من الأفلام
الأميركية أبرزها «جاك ريتشير» لتوم كروز و
The Flight
لدينزل واشنطن و«أرغو» لبن أفليك، و«البؤساء» و«حياة باي». وللمرة
الأولى، لا تُطرح أفلام مصرية في «الكريسماس» ورأس السنة باستثناء فيلمين
بعيدين عن معادلة النجوم طُرحا في الصالات في 25 كانون الأول (ديسمبر) هما
«حفلة منتصف الليل» لرانيا يوسف و«سبوبة» لراندا البحيري وكلاهما فشل في
تحقيق أي ايرادات تذكر ليس فقط بسبب الظروف السياسية والمناخية لكن أيضاً
بسبب ضعف المستوى وفق معظم النقاد. لكنّ أحمد حلمي، النجم الأول في شباك
التذاكر المصري قبل الثورة وبعدها فاجأ الجميع بنيته عرض فيلمه «على جثتي»
غداً أي قبل أسبوع واحد من الاحتفال بالعيد الثاني لـ«ثورة يناير». بذلك،
أكّد حلمي على ثقته بجمهوره المتحمس لمتابعة جديده في كل الأوقات وأياً
كانت الظروف. وسيُعرض «على جثتي» في دول عربية وغربية في ذات التوقيت من
بينها الكويت ولبنان والإمارات والأردن وأميركا واستراليا، فيما تعود
المنتجة اسعاد يونس بفيلم «فبراير الأسود» من تأليف وإخراج محمد أمين.
يدور العمل حول عالم مصري يرفض الواقع الذي تعيش فيه البلاد ولا يتمسك
بالأمل الزائف، فيقرر العيش مع أسرته خارج الحدود لتبدأ رحلة فانتازيا
ينتقد من خلالها محمد أمين الواقع المصري قبل الثورة وبعدها، وهو الذي
تخصّص في تشريح مجتمع المحروسة في أفلامه خصوصاً «ليلة سقوط بغداد» و«بنتين
من مصر». فيما يتوقَع فريق عمل فيلم «الحفلة» لأحمد عز، وجومانة مراد ومحمد
رجب وروبي اللحاق بموسم أفلام هذا الشهر وعدم انتظار موسم «الفالنتاين» في
حال انتهاء المخرج أحمد علاء الديب من إعداد شريط الفيلم للعرض في الأسبوع
الأخير من هذا الشهر. ويدور الشريط حول زوجة تتعرض للاختطاف ويحاول زوجها
وضابط الشرطة الوصول إلى المجرمين. لكنّ التحقيق يكشف عن مفاجآت متتالية.
أما الممثل الكوميدي سامح حسين، فقد أوشك على الانتهاء من فيلمه الجديد
«كلبي دليلي» على أمل اللحاق أيضاً بموسم كانون البارد. ويدور «كلبي دليلي»
حول ضابط يعاني من اتهام رؤساء له بالتقصير فيُنقل إلى منتجع حيث يحاول أن
يثبت قدراته التحرّية في مجتمع الأثرياء.
الأخبار اللبنانية في
14/01/2013
زوم
لا تظلموا السينما فهي
براء من العنف والقتل...
بقلم محمد حجازي
«هذا
ترفيه.. وذاك مأساة».
إنّه الفرق بين ما تقدّمه السينما من ترفيه، وما يرتكبه بعض المجرمين
الخارجين على القانون من ممارسات وجرائم.
الشرح هو لـ آرنولد شوازينغر الذي ترك منصب العمدة لأكبر ولاية
أميركية كي يعود الى مربّعه السينما، ترك كاليفورنيا (١٥ مليون نسمة) وعاد
إلى جمهوره العالمي مع شريط جديد نشاهده خلال أسبوعين على شاشاتنا، وأيضاً
من نوع الأكشن الذي لطالما عُرِفَ به وجذب إليه ملايين المشاهدين أينما كان.
آرنولد يرفض مقولة إنّ السينما بما تقدّمه من مشاهد قتل وتدمير وعنف
نترع في نفوس المشاهدين الكثير من مشاعر العداء، لذا فإن الجرائم التي
تشهدها أميركا تحديداً وآخرها في إحدى المدارس لا علاقة للسينما بها، فالذي
يشاهد نعم يتأثّر، والذي يتابع نعم يعيش الأجواء، لكنه يظل مدركاً أنّه
يشاهد فيلماً للترفيه، وهو يرفض مبدأ أنّ الافلام دفعت بعض النفوس الضعيفة
الى ارتكاب جرائم متأثرين بأبطال أو مجرمي هذه الاعمال.
والواقع أنّ الأمر يحتمل الوجهين، فإنّ أحداً لا يستطيع إلغاء تأثير
السينما في الروّاد كباراً أو صغاراً، وهذا ينطبق على الحالات الأخرى،
خصوصاً العاطفي منها، وكم من شباب وصبايا يتبادلون القبلات على طريقة أبطال
الافلام، لا فرق أكانت عربية أو أجنبية، حتى طريقة الحب، وبعض العبارات
يستخدمها شبابنا استناداً إلى ما تكرّره السينما ويلوكه كتّاب السيناريو في
أعمالهم المتشابهة غالياً.
ولا نُذيع سراً إذا ما تذكّرنا فعلة أكثر من طفل عند ظهور شخصية
سوبرمان، حيث حاولوا القفز من طوابق عليا بقصد الطيران واضعين مناشف حمراء
على ظهورهم على أساس أنّها ستؤمِّن لهم التحليق حال رمي أنفسهم في الفضاء،
وحصل أنْ جرّب الطيران واحد على الاقل شُيّع في اليوم التالي.
إنّ التأثّر عامل طبيعي وعادي عند البشر، وما يحصل في هذا السياق ليس
سوى تفالعاً تستطيعه السينما، هذا الفن الساحر، لكن مسألة تحميل السينما
المسؤولية عن جرائم ترُتكب في حياتنا اليومية، لا نحبذه، فالشر موجود منذ
زمن وقبل السينما ثم واكبها، وربما أسهمت الافلام في تجميل صورة القتل
والتفنّن فيه بما يجعله عادياً وليس أمراً هائلاً مرعباً.
وفي واحدة من الندوات التي عُقِدَتْ على هامش مهرجان دبي السينمائي
الثامن، وليس الاخير، كان هناك حوار حول هذا الموضوع، وجاءت الحصيلة أن
أحداً لا يعلّم غيره الشر، فإمّا أنْ يكون كذلك ويتابع، أو لا يكون على هذه
الموجة فلا يتأثر إطلاقاً، وإلا لحصل فلتان أمني في كل مكان، وعلى نطاق
مذهل عالمياً.
إنّ الترفيه
Entertainment
هو هدف معظم شركات الإنتاج والتوزيع في هوليوود، وهذه حقيقة تستطيع من
خلالها هذه المنابر أن تفعل كل شيء من دون أنْ يحمّلها أحد مسؤولية ما يدور
من حولنا، فالشريط المنفّذ بدقة من نوع الاكشن، يؤمن مشاهدة تشحذ الهمة،
ولمن يريد اكثر فإن العديد من الافلام، ومنها آخر ما يُعرض لـ جاكي شان
Chinese Zodiac، فرغم كل البهلوانات والضربات التي يقوم
بها، إلا أن عدة لقطات حقيقية في الواقع تتم استعادتها، وتُظهِر ان اكثر من
قفزة قام بها شان ورّطته في إصابة مؤلمة في الظهر، بما يعني أنّه تُجرى
فبركة كل هذا كي يسعد المشاهد حيث هو بما يراه ويحرّكه.
يُفترض بنا عدم تحميل السينما وزر الأمور السلبية، وتبرئة الكثير من
العوامل التي تدفع بالناس الى الشذوذ، والعنف، وكره الدنيا، فلنبحث اكثر عن
الاسباب الحقيقية منعاً لتجهيل الفاعل والمسؤول، علماً بأنّ العديد من كبار
المجرمين اكدوا انهم لا يحبّون السينما ولا يجدون أبطالاً غيرهم في الصورة
الحاضرة، وما من طريق تأخذ الى نهاية مطمئنة سوى البقاء حيث يكون الشخص،
ومن دون حراك.
نحن مع رأي آرنولد، الذي لخّص المشكلة، وأوجد مساحة من الواقعية في
الكلام عن السينما المظلومة كلما تناولها بالحديث، وسط حال من اللاراحة
يسيطر على جمعيات ولجان ومراقبين خوفاً على المضاعفات الاجتماعية، التي
يعتبرون أنّها آتية لا محالة من هذا الممثل او تلك الممثلة، بينما حياتنا،
والوسط المعيشي، مثالي ولا شائبة تزعجه أو تقلّل من سلامه.
عروض
«آل
باتشينو» رجل عصابات متقاعد و«جاكي شان» يقدِّم فيلماً صنعه بنفسه
بلوغ الأربعين يحتاج إلى حذر بالغ مع الشريك وذويه.. ومع الأبناء
اخترنا ثلاثة أفلام جديدة باشرت عروضها على شاشاتنا وهي متنوّعة
الموضوعات وليس بينها شريط ضخم، لكنها كلها جماهيرية..
Chinese Zodiac
يحضر فيه النجم جاكي شان، أمام الكاميرا وخلفها ممثلاً ومخرجاً في آن،
ومساهماً في صياغة السيناريو (مع فرانكي شان، إدوارد تانغ، وستانلي تونغ)،
وفي المساعدة بإدارة التصوير، الإدارة الفنية، والإنتاج، ويتحدّث عن مجموعة
من التماثيل البرونزية الموروثة أبّاً عن جد، وتحظى باحترام وتقدير، إضافة
إلى قيمتها المادية الكبيرة.
وفي وقت تتكشف المعلومات عن وجود عصابات تستغل هذا الأمر كي تصنّع
نماذج رديفة لها في مصانع خاصة ودقيقة يكون على آسيان هاوك (شان) العمل على
تحديد مكان وجود هذه الثروة من الذاكرة الصينية للاستفادة منها في المتاحف
والمعارض الخاصة، حتى لا يظل التجار حاكمين ضاغطين، وقادرين على فرض
التماثيل المقلّدة للاستفادة من أسعارها في جني ارباح مرتفعة جداً.
يخوض المغامرة للعثور على خيط الى مكانها الحقيقي، ويكون بحث في غابة
مكتظة بالاشجار والصخور والاشكال التي تشكّلت على مر العصور، ومن خلالها
يصل مع مساعدين الى تحديد وجود ثروة داخل جذع شجرة عملاقة تبين ان فيها
سبائك ذهبية كثيرة، تُعتبر ثروة لا تقدر بثمن في مثل قدمها.
وتكون مواجهات مع العصابات المنظّمة، التي يتصدى لها بطلنا طبعاً،
ويلعب في مواجهتها الكونغ فو، ومع كل السحر الذي تقدمه المشاهد السينمائية،
إذا بالفيلم يفضح إخفاقات جاكي شان في النهاية، بحيث كان يقع عدة مرات وهو
ينفّذ مشاهد صعبة حساسة ودقيقة ثم يتجاوزها سريعاً.
مدة الشريط ساعتان، صوّره شان في منطقة
(Jelcava)
في لاتفيا، أما العروض في الصين فانطلقت في ٢١ كانون الاول/ ديسمبر
المنصرم، فيما تحضر عائلة شان في العديد من المهمات، ما بين الانتاج
والمؤثرات المشهدية (ماكس شان)، وحضر من الممثلين الغربيين: اوليفر بلات،
لورا ريسبايكر، كايتلن دورشال، علاء صافي، فيليب كلارك، وفنسنت سيز وراني
بهيموك.
Stand Up Guys
للمخرج فيشر ستيفنس عن نص لـ نواه هايدل، يُدير آل باتشينو الذي يبدو
أقرب الى العميل السري كولومبو، بقصر خامته، ومشيته المشتّتة، وهدوئه
اللافت جداً، لكنه هنا رجل عصابات عجوز، أو متقاعد في افضل الاحوال وكل ما
يفعله في السياق يعود فيلتقي في هذه السن برفاق الامس، الشباب، وقد اصبحوا
في حالة لا يُحسدون عليها، فلا قوة ولا سلطة ولا قدرة على فعل شيء.
دوك (كريستوفر والكن) وهيرش (آلن آركن) ينضمان الى فال (آل) ولكل منهم
صفات خاصة، الاول عقلاني جداً لكنه سريع الرمي حين الملمات ولا يعطي
لأخصامه اي فرصة للدفاع عن انفسهم، اما هيرش الذي يحتاج الى استعمال النفس
الاصطناعي كي يستمر في الحياة، فهوي يطلب من صديقته ان تحقق له امنية
لطالما حلم بها، وهي تتعلق بعاطفة واحدة مع امرأتين دفعة واحدة وحين تعذّر
توافر امرأتين تم إقناع المسؤولة في المربع، وإذا بكلتا الإمرأتين تُذهلان
من اداء هذا الرجل الخاص جداً.
يخرج الثلاثة الى الشارع ويستعيدون جانباً من ماضي الايام في الملاهي
والشوارع والصدامات مع البوليس وأنهوا استعراضهم بإطلاق الرصاص الغزير على
مقر احدى العصابات وقضوا على جميع الرجال في الداخل، ثم تابعوا سيرهم.
وفي الفريق من الممثلين: جوليان مارغوليس، لوس بانش، آديسون تيملن -
فانيسا فورليتو، كاترين وينموك، كما ان هناك خمسة مساعدي مخرج بينما
المؤثرات المشهدية يشرف على فريقها توماس دوفال.
This is 40
للمخرج جود آبتا، الذي كتب النص ورسم ملامح الشخصيات وأسهم في الانتاج،
وعمل الى جانبه ستة مساعدين، فيما قاد فريقَيْ المؤثرات الخاصة والمشهدية
كل من روبرت كول وسكوت إم دافيدز.
على مدى ساعتين وربع الساعة وبميزانية تقدّر بـ ٣٥ مليون دولار،
نتعرّف على عائلة بلغ الزوجان فيها سن الاربعين وهما بيتي (بول راد) وديبي
(ليسلي مان) ولهما ابنتان سادي (مود آباتاو) وشارلوت (ايريس اباتاو)، ويبدأ
الشريط بأن بيتي يحتاج لمنشطات جنسية في هذه السن، ما يزعج ديبي وتعتبر
الامر مهيناً لها على اعتبار انها ما عادت جاذبة ومغرية له.
ثم تكون العلاقة مع والدي الزوجين، والد الاول عاطل عن العمل، لكنه
تزوج للمرة الثانية وانجب ثلاثة اطفال انابيب من التوائم، ويضطر والدهم
لحلق شعرهم بطريقة مختلفة الواحد عن الآخر للتعرّف عليهم، ويستدين من ابنه
بيتي مبلغ ٨٠ الف دولار في العام، اما الثاني فهو اب أعطى عيّنة من سائله
المنوي لوالدة ديبي حتى انجبتها، وهو حالياً طبيب معروف وثري.
اما المشاكل مع الابنتين فتحل حين يسمح لـ سادي بأن تدعو الفتى الذي
ترتاح له الى منزلها، رغم ان والدتها مزعجة وصوتها عال، وتبحث عن المشاكل
بأي طريقة، لكن العائلة تستعيد توازنها في النهاية.
وفي التمثيل ايضاً: جايسون سيغل، آني ميمولو، روبرت سيمغل، شارلين بي،
غراهام باركر، آلبرت بروكس، جون لايتو، تاتوم اونيل اضافة الى الجمال
المبهر لـ ميغان فوكس.
ميلودراما
«المستحيل»
للإسباني «بايونا» جيّد الصياغة و«نعومي واتس» كما لم نعرفها من قبل
المخرج الإسباني الشاب خوان أنطونيو بايونا (٣٨ عاماً) رصد مأساة
عائلة أميركية مؤلّفة من خمسة أشخاص، كان موعدها مع قدر صعب واجهها في أحد
مرابع تايلاند السياحية، حيث كانت في إجازة عام ٢٠١٠، وإذا بأمواج
التسونامي المدمِّرة تتسبّب بكارثة كبيرة كادت أن تقضي على العائلة التي
تماسكت واستطاعت النجاة في النهاية وإنْ بدفع ثمن باهظ.
The Impossible ..
المستحيل، هو عنوان فيلم بايونا الذي اختار
للبطولة الإنكليزية نعومي واتس في دور ماريا، وزميلها الاسكوتلندي إيان
ماكريغور في شخصية زوجها هنري ومعهما ثلاثة أبناء صغار: لوكاس (توم هولاند)
توماس (صموئيل جوسلن) وسيمون (أواكلي بوندر غاست).. الخمسة وقعوا في
المصيبة الكبيرة، وحرفتهم المياه إلى نواحٍ مختلفة وعندما هدأ غضب الطبيعة
كانت العائلة شطرين: ماريا مع ابنها البكر الذي ساعدها في الوصول إلى أول
فريق إنقاذ وحملها إلى أقرب مستشفى حيث أُجريت لها عملية جراحية في صدرها
ورجلها.. وهنري الذي عثر على ولديه الصغيرين، وراح بأي طريقة يبحث
كالمجنون، إلى أنْ كان اللقاء الأول بين الاولاد، ثم بينهم وبين والدهم،
وتالياً ذهاب الأربعة إلى حيث الأم لا تستطيع الحراك، وتنتظر إجراء عملية
جراحية مهمة بحضور أبنائها، فكان أنْ هدأت الأمور، وبات ممكناً التحرّك
بشكل مريح ونُقِلَتْ ماريا إلى سنغافورة للعلاج ومن حولها عائلتها.
النص لـ سيرجيو ج. سانشيز عن قصة لـ ماريا بيلون، أما التصوير فتم في
إسبانيا (ذي اليكانتي وفالنسيا) بميزانية ٣٠ مليون يورو، وتولّى قيادة
فريقَيْ المؤثرات الخاصة والمشهدية: باني باستيدا، وفيليكس بيرجيس، وعاون
بايونا ١٠ مخرجين متدرّبين، ونعومي واتس كانت الممثّلة المضيئة في الشريط
بفعل ما أظهرته من قدرات.
اللواء اللبنانية في
14/01/2013 |