انتبهت أخيرا فقط إلى ما كتبه الناقد السينمائي الكبير سمير فريد في
جريدة "المصري اليوم" (بتاريخ 26 يناير) تحت عنوان "فيلم الأوسكار الناطق
بالعربية ولماذا لم يعرض في المهرجانات العربية"؟
والفيلم المقصود هو فيلم "خمس كاميرات محطمة"من إخراج المخرج
الفلسطيني عماد برناط بالاشتراك مع الإسرائيلي جى دافيد. ويقول سمير فريد
في مقاله المشار إليه، إنه أول فيلم تسجيلي في تاريخ السينماناطق بالعربية
يرشح لأوسكار أحسن فيلم تسجيلى طويل.
ولأنني كنت مسؤولا بالكامل عن خريطة وبرامج الدورة الخامسة عشرة من
مهرجان الإسماعيلية السينمائي للأفلام التسجيلية والقصيرة كمدير له (يونيو
2012) فقد وجدت من الضروري أن أكشف للقراء (وللأستاذ سمير فريد أيضا) ما هو
غير معلوم من أمر هذا الفيلم، فمقال سمير في "المصري اليوم" يبدو كما لو
كان ينتقد إهمال مديري المهرجانات السينمائية العربية للفيلم أو عدم
معرفتهم بأهميته وتجاهلهم إياه (خصوصا مهرجانات السينما التسجيلية التي هي
أولى بالطبع بعرض هذا الفيلم). وهو قد يكون محقا تماما في هذا، لكنه لا
يعلم الحقيقة.
الحصول على الفيلم
عرض فيلم "خمس كاميرات محطمة" في مهرجان سينما الواقع في باريس في شهر
أبريل 2012 بعد أن كان قد عرض في مهرجان أو أكثر. وبهذه المناسبة كتب عن
الفيلم الصديق صلاح هاشم في موقع "عين على السينما" وأشاد به في مقال طويل
بديع. وليس مهما هنا من الذي كتب قبل من، ومن الذي نشر عن الفيلم أولا،
فليست هذه هي المشكلة. فقط أريد القول إنه كان هناك "اهتمام" من جانب أكثر
من ناقد بالكتابة عن الفيلم، وأكثر من جهة بالنشر عنه والتنويه به، رغم ما
يقوله سمير فريد عن تلك "الجهة الوحيدة" التي نشرت عن الفيلم بالعربية،
وللأسف من الواضح أن سمير لا يقرأ المواقع الالكترونية حتى ما هو متخصص
منها في السينما، وهو حر تماما في ذلك بالطبع!
وقد اتصلت بصلاح هاشم مباشرة بعد نشر مقاله، وطلبت منه أن يعمل على
إرسال الفيلم إلى إدارة مهرجان الإسماعيلية السينمائي لأنني كنت أرغب في أن
يشارك في المسابقة الرسمية للمهرجان.
وقد اتصل صلاح هاشم باعتباره مندوبا للمهرجان في باريس، بالشركة
الموزعة للفيلم مع غيره من أفلام. وأرسلت لنا الشركة ثلاثة أفلام كنت قد
طلبتها منها، وطلبت مقابلا ماديا مقابل عرضها بالمهرجان وهو ما اعتذرت عن
عدم القدرة على الوفاء به لأنه خارج سياسة مهرجاننا فقبلت الشركة مشكورة.
وقد فاز أحد هذه الأفلام الثلاثة وهو فيلم "كوكب القواقع" بجائزة لجنة
التحكيم الخاصة في مسابقة الأفلام التسجيلية الطويلة بالمهرجان (2000
دولار).
وكان اهتمامي بفيلم "خمس كاميرات محطمة" كبيرا بعد أن تلقيت نسخته،
وقدمته بنفسي إلى أعضاء لجنة المشاهدة وترشيح الأفلام برجاء أن يولوه
اهتماما خاصا، وشاهدته مع أعضائها. وكانت اللجنة مكونة في ذلك الوقت من كل
من الشخصيات المرموقة التالية: محمد خان وسعيد شيمي ود. مجدي عبد الرحمن
ود. ناجي فوزي وهالة خليل ومحمود عبد الشكور وليلى مكين.
توصية اللجنة
وقد أبدى الجميع إعجابهم بمستوى الفيلم لكنهم أوصوا بالأغلبية (6
مقابل 1) بعدم عرضه بالمهرجان نظرا لما يمكن أن يثيره من ردود فعل عنيفة من
طرف الإعلام المصري الذي أصحبت تهمة التطبيع جاهزة لديه تصم أي نشاط فيه أي
شبهة للاقتراب من الطرف الإسرائيلي حتى دعاة السلام ونبذ الصهيونية، وفي
حالة هذا الفيلم كان هناك أيضا مخرج "إسرائيلي يهودي" يشترك مع المخرج
الفلسطيني صاحب الفكرة والموضوع والقضية عماد برناط، وكانت شركة الإنتاج
أيضا إسرائيلية مما يجعل الفيلم بالضرورة (حسب تصنيف سمير فريد نفسه الذي
يرفض إعتماد مبدأ جنسية المخرج ويفضل نسبة الفيلم إلى ما يطلق عليه "بلد
المننشأ" باعتبار الفيلم منتجا تجاريا مثل أي منتج آخر).
ورغم إعجابي الشخصي بموضوغ الفيلم وقوته وأسلوبه الرائع وإدانته التي
لاشك فيها للسياسات الإسرائيلية في الأرض المحتلة، فقد اقتنعت بعدم عرضه
بالمهرجان لأن الواقع الذي أعرفه جيدا، لايزال لم يصل بعد إلى هذه الدرجة
من الوعي بأنه ليس المهم جنسية هذا الطرف أو ذاك بل المهم هل الفيلم مع
القضية الفلسطينية أم لا، هل يناهض السياسات الإسرائيلية ويدينها بقوة أم
يؤيدها؟ وكنت قد فشلت قبل نحو سبع سنوات في نشر مقال حول بارانويا التطبيع
التي يعاني منها المثقفون المصريون تجاه كل ما يصدر من داخل إسرائيل حتى لو
كان في صف القضية العربية مائة في المائة، غاضين النظر حتى عن الاتجاهات
الصهيونية "العربية" وهي موجودة ولكننا ندفن رؤوسنا في الرمال. فلم تقبل
جهات عدة منها صحف عربية ومصرية نشر المقال ولم يقبل بنشره في النهاية سوى
موقع "الحوار المتمدن". وبعد أن نشر بالموقع المترم فوجئت بأن صحفية تونسية
كتبت تتهمني بالانحياز إلى السادات والدعوة إلى التطبيع مع إسرائيل، وهو ما
يعتبر أبعد ما يكون عن تكويني ومواقفي وأفكاري منذ نشأتي حتى اليوم!
تهديدات وأجواء محمومة
كان العضو الوحيد في لجنة المشاهدة الذي وقف مع الفيلم من الزاوية
الفنية والسياسية أيضا، هو الناقد الصديق محمود عبد الشكور، وكان رأيه أننا
يجب أن نواجه الجمهور والإعلام بالحقيقة وإلا فلن يكون هناك تقدم. وكنت في
الواقع مقتنعا تماما بهذا الرأي، لكني كنت أعلم جيدا أن المهرجان يقام في
ظروف هدد فيها التيار "الإسلامي" (أو بالأحرى المتأسلم) بحرق مصر إذا لم
يعلن فوز مرشحه للرئاسة محمد مرسي، وكانت مدينة الإسماعيلية تحديدا (التي
سيقام فيها المهرجان) تقف على سطح من صفيح ساخن، وقد وصلتنا تهديدات عديدة
بنسف المهرجان نفسه لأسباب عديدة منها أن البعض يعتبر السينما حراما
ومخالفة للشريعة والدين ويستنكرون أن تكون البلد في ثورة ونحن نحتفل
بالسينما ونستضيف ضيوفا أجانب.. إلى آخر تلك الترهات. وكان في مصر اتقان
كبير وأجواء ارتباك وإثارة وتوتر وتربص من هنا وهناك، وكان يتربص بالمهرجان
وقتها أيضا بعض العناصر. ولهذا فضلت ألا أمنح هؤلاء أي فرصة للهجوم بادعاء
الوطنية والمزايدة علينا، وقررت عدم عرض الفيلم خصوصا وأن القرار يحترم
أصلا قرار لجنة المشاهدة والترشيح.
وكنت أعتقد أن سمير فريد يعلم جيدا طبيعة الواقع الذي نعيش ونعمل فيه،
خاصة بعد أن كانت ضغوط وانتقادات حادة مشابهة (بالتطبيع) وجهت إليه شخصيا
قبل سنوات وتسببت في إغلاق مؤسسة كان قد كونها وكانت تقيم مهرجانا في
الإسكندرية تحت شعار الدعوة إلى السلام في العالم ونبذ العنف والإرهاب،
وذلك بعد أن عرض المهرجان فيلما حول "11 سبتمبر" شارك في إخراج جزء منه
المخرج الإسرائيلي آموس جيتاي، ووصل الأمر إلى أن خاطبت صحفية ناصرية تعمل
في جريدة "العربي الناصري" وزير الثقافة آنذاك فارق حسني، بالتدخل لمنع عرض
الفيلم. وقد فعل فاروق حسني بالضبط ما طلبته منه رغم أن سمير ربما كان يرى
أن الفيلم يخدم القضية التي تدعمها المؤسسة التي أنشأها والمهرجان الذي كان
يرأسه. وقد توقف المهرجان ونشر سمير بيانا صحفيا وقتها يعرب فيه عن خيبة
أمله. لكنه عاد بعد سنوات لدهشتي الشديدة، لكي ينعى على المهرجانات العربية
عدم عرض فيلم "خمس كاميرات محطمة". فهل يعتقد سمير أن الجمهور قد أصبح أكثر
وعيا، وأن المثقفين وأشباههم في مصر والعالم العربي أصبحوا أخيرا، يدركون
الفرق بين الصهيونية واليهودية، وأن الجنسية غير الولاء للعقيدة.. وهو أمر
يكذبه الواقع يوميا خاصة مع سيطرة الفاشية الدينية على مصر حاليا!
احتجاج
أود فقط أن أضيف انني تلقيت رسالة طويلة (يمكن نشرها فيما بعد) موقعة
من طرف مخرجي الفيلم: الفلسطيني والإسرائيلي، يعترضان فيها بشدة على ما
أطلقوا عليه "منع" عرض الفيلم، وقالا إنهما علما من صلاح هاشم بأن الفيلم
منع من العرض بمهرجان الإسماعيلية. وقد اضطررت للكتابة لهما (ولصلاح هاشم
أيضا) موضحا أن الفيلم لم يمنع من العرض، وأنني لم أعرض أي فيلم من أفلام
المهرجان أصلا على الرقابة ولا يمكنني كمثقف أساسا قبل أي شيء آخر، أن أعرض
الأفلام على الرقابة التي أرفضها وأرفض منطقها، بل إن لجنة المشاهدة هي
التي أوصت بعدم عرضه بالمهرجان وأنني قبلت التوصية مراعاة لظروف كثيرة يجب
أن يعلمها الإثنان جيدا. وقد تقبل المخرجان هذا التوضيح وانتهى الأمر عند
هذا الحد.
أما قصة المهرجان مع الرقابة والرقيب وما حدث وقت الإعداد للدورة
السابقة من مهرجان الإسماعيلية فيجب أن تروى في مقال آخر لعلها تكون أيضا
درسا مفيدا لمن يود أن يعرف!
عين على السينما في
03/02/2013
"جانجو طليقا"..
تارنتينو محرر السينما والعبيد (1)
أمير
العمري
لاشك أن فيلم "جانجو طليقا"
Django Unchained
ليس
فقط أفضل أفلام مخرجه كوينتين تارانتينو منذ فيلمه ذائع الصيت "خيال رخيص" Pulp Fiction
كما يرى كثيرون، بل إنه أفضل افلام تارينتينو على الإطلاق.
والسبب أن
تارنتينو هنا لا يلعب بالشكل ويتلاعب به فقط، كما كان دأبه دائما في سائر
أفلامه،
بل يتجرأ أيضا ويقترب كثيرا، ربما كما لم يحدث من قبل في فيلم "هوليوودي"
تقليدي،
من موضوع شديد الحساسية في التاريخ الأمريكي المعاصر هو موضوع العبودية
واستعباد
السود في الجنوب الأمريكي تحديدا.
يقول تارانتينو في حوار صحفي نشر قبل عرض
الفيلم، إن فكرة الفيلم جاءته بينما كان يؤلف كتابا عن المخرج
الإيطالي سيرجيو
كوربوتشي Sergio Corbucci .
ولاشك أن تارنتينو شاهد فيلم كوربوتشي الشهير "جانجو"
(1966)
وهو أحد أكثر أفلام الويسترن الاسباجيتي تحقيقا للنجاح الجماهيري،
وتأثر به
كثيرا بل واقتبس منه أيضا بعض الأفكار.
في هذا الفيلم نرى بطلا غامضا لا اسم له
(على
غرار كلينت إيستوود بطل سيرجيو ليوني في "حفنة دولارات" ثم "مزيد من
الدولارات") ينزل بلدة تتصارع فيها جماعتان: عصابة مكسيكية تقتل من أجل
الحصول على
الذهب، وعصابة من البيض الذي يرتدون القلنسوات الحمراء على غرار الكوكلوكس
كلان..
يريدون القضاء على عصابة المكسيكيين. والبطل الذي يسعى للانتقام من عصابة
البيض
الذين قتلوا زوجته،
يجر خلفه من البداية كفنا أي صندوقا خشبيا كبيرا، وسرعان ما
يحاول تأليب الجماعتين ضد بعضهما البعض لتحقيق هدفه وهو ينجح
في إنقاذ امرأة بيضاء
من فتك عصابة أغطية الرأس الحمراء، ثم يكشف في النهاية عن كنزه المخفي داحل
الكفن
الخشبي لنكتشف أنه مدفع رشاش ضخم يطلق مئات الرصاصات في الدقيقة!
كان بطل كوربوتشي رجلا أبيض، فيه من الغموض
بقدر ما فيه من النبل، فهو ينحاز لجانب الحق ضد الشر، ويبدو
أيضا كما لو كان مدفوعا
بالانتقام لما تعرضت له زوجته على أيدي عصبة الأشرار. وقد اسند كوربوتشي
دور
البطولة في فيلمه هذا إلى فرانكو نيرو، ذلك الممثل الناشيء ذو العينين
الزرقاوين
الجامدتين على نحو غامض، الذي أصبح فيما بعد أحد كبارالنجوم في
السينما
الإيطالية.
امتدت سلسلة أفلام "جانجو" واستمرت في أفلام رخيصة التكاليف لسنوات
طويلة (حتى 1987) وبلغت 30 فيلما تدور حول نفس الفكرة، أي البطل الخارق
الذي لا
يقهر، نصير البؤساء، وإن لم يكرر دي نيرو الدور سوى مرة واحدة في "جانجو
يعود"
إخراج نيللو روساتي، وهو عمليا خاتمة أفلام السلسلة.
تيمنا بجانجو القديم يستعين
تارينتينو بفرانكو نيرو في دور ثانوي كضيف شرف في الفيلم، في إطلالة مدهشة
بعد أن
أصبح كهلا في الثانية والسبعين من عمره حاليا!
جانجو الأسود
إلا أن تارنتينو
على العكس من كوربوتشي جعل بطله "جانجو" عبدا أسود في الجنوب الأمريكي،
يخوض مغامرة
ضخمة مع رفيقه (الدكتور شولتز) طبيب الأسنان الألماني الأصل، الذي هجر
مهنته وأصبح
يطارد المطلوبين للعدالة الفيدرالية الأمريكية، لكي يقتلهم ويعود بجثثهم
لمبادلتها
بالمال!
بعد أن يساعد جانجو شولتز في الكشف عن ثلاثة أشقياء
وقتلهم، يمنح شولتز جانجو حريته ومبلغ 75 دولارا – كما وعده، ثم يعقد معه
اتفاقا
على أن يصبح شريكا له في عمله، وينتقل الاثنان من ولاية إلى
أخرى، يحققان النجاح
ويجنيان الثروة، وأخيرا يقرر شولتز أن يساعد رفيقه الذي يطلق عليه "جانجو
فريمان"
أي جانجو الحر، في تحرير زوجته من العبودية بعد أن يعرف أنها في ضيعة
الأرستقراطي
الإقطاعي "كاندي" (ليوناردو دي كابريو)
الذي يمتلك ضيعة ضخمة وعددا كبيرا من
العبيد والجواري. وهناك تقع الكثير من المفارقات والمواجهات العنيفة ويلقى
شولتز
حتفه بينما يتمكن جانجو من النجاة بصحبة زوجته برومهيلدا.
هذه هي الحبكة الرئيسية للفيلم. لكن الفيلم تفاصيل
وليس فقط حبكة عامة. وما يجعل من هذا الفيلم عملا كبيرا ليس سطحه الخارجي
اللامع
المثير، بل مكوناته وقدرة مخرجه وكاتبه (تارنتينو) في التلاعب
بالأسلوب، مسلطا
الأضواء على الكثير من الأفلام التي أحبها، مستخلصا منها ما يناسبه، فهو
أولا
يستعيد أجواء أفلام "الويسترن سباجيتي"، تلك النوعية من الأفلام التي أنتجت
في
إيطاليا وصوّر معظمها في إسبانيا، في الستينيات. وكانت هذه النوعية تختلف
تماما عن
أفلام الويسترن الأمريكي في اهتمام مخرجيها بالقضايا السياسية
بشكل مجازي، فقد كانت
تلك الفترة فترة الاهتمام الكبير بالماركسية والأفكار اليسارية وبزوغ دور
الحزب
الشيوعي الإيطالي (أكبر الأحزاب الشيوعية الأوروبية وقتها)، وكان معظم
السينمائيين
الإيطاليين البارزين من اليسار، وكانوا يهتمون بقضايا الفقراء
ونقد السيطرة
الرأسمالية حتى لو جعلوا المكسيكيين مثلا مرادفا للطبقة الفقيرة، وجعلوا
الرأسماليين المتوحشين هم "رعاة البقر" المغامرين الباحثين عن
الذهب أو عن استغلال
الفقراء وسرقتهم، ولكن "البطل" الأسطوري- الذي كان يحمل أيضا سمات المخلص
المسيحي،
كان يتمكن من تنظيمهم وقيادتهم للتصدي للأشرار أو يقضي هو عليهم بحنكته
وصبره وشدة
بأسه.
تارنتينو يستعيد ذلك التقليد في استخدام هذا "النوع" genre
للتعبير عن
أفكار سياسية (تقدمية). وفيلمه يمكن النظر إليه على أنه صراع بين المقهورين
(جانجو
وزملاؤه العبيد وزوجته المستعبدة) والأمريكيين البيض الأثرياء
الذي يراكمون الثروات
ويمتلكون الإقطاعيات باستغلالهم لجهد وعرق هؤلاء العبيد. إن "جانجو طليقا"
يمكن
النظر إليه على أنه فيلم عن ذلك التوحش الرأسمالي الذي يدفع أيضا إلى
ابتكار الكثير
من أشكال التسلية التي تعكس نزعات همجية متوحشة سادية مغرقة في
العنف: على السطح
هناك الرقة والعذوبة في الاستقبال عندما يحل شولتز وجانجو ضيفين على ضيعة
الرأسمالي (أو الإقطاعي) كاندي (دي كابريو)، حيث
تستقبلهما شقيقته "لارا" بكل رقة وترحيب
ونعومة، في اتساق مع ما هو معروف عن تقاليد الجنوب الجنوب
الأمريكي في الكرم
والحفاوة وحسن استقبال الضيوف، لكن تحت السطح هناك رغبة شرسة في انتهاز
الفرصة،
للحصول على أكبر المكاسب، في إنجاز صفقة ما تضمن تحقيق المال الذي هو الأهم.
عن العنف
والملكية
الغرب عند تارينتينو متوحش، قاس، فظ، يمتلئ بالعنف
والاستغلال في أبشع صوره. وهناك تناقض هائل بين تلك الصورة الرائعة الجذابة
للمناظر
الطبيعية، للحقول، للجبال، وبين ما يكمن هناك من عنف هدفه
الحصول على المال وتراكم
رأس المال. فالسيد الاقطاعي "كاندي" غليظ، متشكك، فظ في البداية، ولكنه
يتحول إلى
كائن مضياف رقيق مجامل بعد ان يقول له شولتزز إنهما جاءا لعقد صفقة معه.
ومن
ضمن أشكال التسلية التي ابتدعها كاندي دفع عدد من العبيد على قتال بعضهم
البعض حتى
الموت. ويطلق تارنتينو على هذا النوع من العبيد "ماندينجو"
Mandingo
في استعادة
واستلهام لفيلم بالعنوان نفسه ظهر عام 1975 من إخراج ريتشارد فليشر وبطولة
جيمس
ماسون وسوزان جورج وكان من أكثر الأفلام عنفا لدرجة أنه منع في الكثير من
البلدان
وظل ممنوعا في بريطانيا مثلا لخمسة وعشرين عاما!
العنف الذي يستمتع به كاندي
يظهر في أبشع صوره عندما يطلق كلابه المتوحشة لتنهش لحم عبد
كان يرغب في التراجع عن
المصارعة حتى الموت خشية من المصير الذي ينتظره.
يدخل شولتز وجانجو في روع
مضيفهما أنهما يرغبان في شراء عبد مقاتل من نوع الماندينجو
مقابل أكبر مبلغ يخطر
على البال في ذلك الوقت، أي 12 ألف دولار في حين أن ثمن العبد في أفضل
الحالات لم
يكن يتجاوز- كما يقال في الفيلم- 300 دولار!
والهدف هو تدبير خدعة لإنقاذ
برومهيلدا – زوجة جانجو- التي تتكلم الألمانية بعد أن تعلمتها
على أيدي الأسرة التي
اشترتها من قبل. ويعرض شولتز الرغبة في الحصول عليها بالثمن المعتاد، بدعوى
أنها "
تجعله يشعر بالألفة مع لغته الأصلية التي يحن إليها كثيرا"!
يعمل لدى كاندي
الإقطاعي زنجي يدعى ستيفن، هو رئيس الخدم في المنزل الكبير في الضيعة
الإقطاعية
التي تمتلئ بالحقول الشاسعة، هذا الزنجي رسم تارنتينو ملامح شخصيته على
غرار شخصية "العم
توم"، أي ذلك الأسود الذي يوظف بكل صدق وإخلاص، خدماته للسيد ويقدم له كل
عون
ويقف معه رغم كل ما يراه من ظلم وقسوة شديدة، لكنه على العكس من العم توم
الطيب،
يبدو ستيفن أكثر قسوة من السيد نفسه في تعامله مع عبيد وإمات
القصر كما نرى. لكن
ستيفن هو أيضا الذي يكشف "الخدعة" وبالتالي يفشل الرجلان في الحصول على ما
يبغيان
إلا بعد أن يوافق شولتز على دفع 12 ألف دولار مقابل برمهيلدا تحت التهديد
بالسلاح.
لكن الأمر لا ينتهي سوى بحمام من الدم حيث يموت شولتز ويلقى كاندي مصرعه،
وينجح
البطل في الفرار مع زوجته بعد أن يفجر المنزل.
الجزيرة الوثائقية في
03/02/2013
وثائقيات غوتنبرغ.. أفغانستان والهجرة لقطة مقربة
الجزائري "فدائي" والمغربي "الشاي أم
الكهرباء" من بينها
قيس قاسم ـ غوتنبرغ
لكونه
المهرجان الأكبر في سكندنافيا تكتسب المشاركة فيه والتنافس للحصول على
جوائز
مسابقاته أهمية كبيرة للمشتغلين في حقل السينما وبخاصة للناشطين في هذا
الجزء من
القارة الأوربية، وبتحديد أكبر للمعنيين بالفيلم الوثائقي
فكثير من الأسماء
الكبيرة، خلال أكثر من ثلاثة عقود، كانت بداية صعودها من غوتنبرغ، الذي
عُرف عنه
داعماً لكثير من المشاريع، وقد حصل عدد لا بأس به من السينمائيين العرب على
معنوات
مالية من صندوقه. وعلى مستوى مشاركة الأفلام الوثائقية في الدورة ال36 يمكن
دون
تردد وصفها بالنوعية كون كميتها وعلى طول الأعوام في إزدياد
دائم والمشاركة العربية
فيه متيمزة ومتباينة، فالدورة السابقة كانت الغلبة فيها للوثائقي وجلها كان
عن
الربيع العربي أما هذة السنة فمالت للروائي. من بين الأفلام الوثائقية
العربية
المشاركة الجزائري "فدائي" لداميان أونوري، الذي عاد لقراءة
جزء مهم من تاريخ نضال
بلاده ضد الاستعمار الفرنسي ولنيل استقلاله، من زاوية مختلفة غير مشبعة
بحثاً
تسجيلياً على عكس الثيمة نفسها التي اغتنت بكم كبير من الأفلام، وثائقية
كانت أم
روائية، وربما في هذا الصدد يحضر فيلم "خارجون عن القانون"
لرشيد بوشارب لقرب
موضوعه وليس تشابهه مع "فدائي". فيلم الشاب أونوري عن المنسيين، عن تجاهل
التاريخ
لرجال ميزتهم البساطة والتواضع لا يتزاحمون للوقوف أمامه استجداءاً لشهرة
أو
امتياز، هم رجال جُبلوا على الفعل دون انتظار مردوده، يمضون في طريقهم بعده
وكأن ما
قاموا به واجباً أخلاقياً من العيب التباهي به لا تكبراً بل
تساوقاً مع طبيعة
فلاحية متجذرة غير مدعية مثل بطله محمد الهادي بن عدودوة، الخارج أمامنا
للتو من
متون الصفحات غير المقرؤة لنضالات غاية في الشجاعة وبقيّم عالية النبل.
ميزة
العمل أنه يعيد قراءة تاريخ شخصي شديد التماس بالعام، ويركز، لا على الحيف
الذي لحق
به، بقدر التعبير عن رغبة الجيل الجديد في التواصل بين ذاك الماضي ووجودهم
الحياتي،
وهنا يقترح صانعه نفسه ممثلاً عنهم دون ادعاء، مثل بطله المبهرة عفويته
الصادق
المشاعر والذي أحالنا مصيره مرة أخرى الى تثبيت الخلاصة
التاريخية المؤلمة مع شيء
من الإستثناء: إذا كانت الثورات تأكل أبناءها فأنها وقبل ذلك تترك أبطالها
المتواضعين يواجهون الحياة وحدهم بعد أن تُفْقدهم الكثير من القوة على
مواجهتها،
إلا تلك الداخلية التي يصعب عليها وعلى غيرها تحطيمها فيهم،
مثل تلك التي يملكها "فدائي"
أونوري. بساطة حياة الناس في جبال الأطلس المغربية ودخول "العصرنة" اليها،
وجدناها عند وثائقي البلجيكي جيروم لومار "الشاي أو الكهرباء" (كتب عنه
الزميل حسن
مرزوقي في هذة الصفحة) ومن سوريا أختارت الدورة فيلم
"كما لو أننا نمسك كوبرا"
لهالة العبد الله والذي سبق وأن عرض في الدورة الأخيرة لمهرجان أبو ظبي
السينمائي.
مسابقة "التنين" لأفضل فيلم وثائقي من دول الشمال أوربي ضمت مجموعة
مهمة من بينها منجز السويدية ليندا فيستريك "راقصوا غابة الأرواح" وفيه
أختارت
اسلوباً مغايراً للدخول في عوالم غابات الكونغو الأفريقية، عبر معايشة
حياتية
لقبائل "البيجما" البدائية متجاوزة تقليد تصويرهم بمنظور غربي
يُسقط في غالب
الأحيان نظرته المسبقة عليهم الى محاولة الإلمام بالعلاقات الروحية التي
تنظم
حياتهم وتناغمها مع الوسط الذي تتراقص فيه: الغابة. عايشتهم وكسبت حبهم
فراحت تسجل
بكاميرا 8 ملم الجديدة، لتعطي عمقاً قوياً لخضرة الوسط وتماهي حياة الناس
في شدة
صبغته، وتسجل كل ما يمر في حياتهم من آلام وفقدان من فرح وحزن،
جوع وبحث عن السعادة
بمولد أطفال جدد تُغْنون ويبررون استمرار حياتهم البسيطة والعفوية. فيلم
فيستريك،
الحداثوي، يطرح علينا أفكاراً من نوع؛ ما هي الصلة التي تربط البشر في داخل
الغابة
وأبناء المدن الصناعة مثل صاحبة الوثائقي، وكيف ينبغي النظر
والتعامل مع الحيوات
البدائية المتناغمة مع وسطها "الأرض الأم"، ومقدار ابتعاد الحضارة عنها بل
ومدى ما
تشكله من خطر عليها؟. الى جانبه يعالج الوثائقي النرويجي "بلا وطن" ما
يعانيه أطفال
من الأرض نفسها، دون سبب واضح، سوى لكونهم قد اضطروا لترك تلك البقاع
المسماة
أوطاناً الى أخرى تجردهم منها ومعها صفاتهم الإنسانية. في
وثائقيها المصنوع بجهد
كبير تعايش المخرجة مارغريتا أولين مجموعة من الأطفال المهاجرين تركتهم
دوائر
الهجرة النرويجية دون أدنى اهتمام في معسكرات لا تتوافق مع المستوى
الاقتصادي
المتطور الذي تتمتع به البلاد الغنية، في انتظار بلوغهم سن
الرشد حتى يتمكنوا، وهنا
تكمن المفارقة المخجلة، لا الحصول على حق الاقامة بل كي توفر لنفسها
المسوغات
القانونية لإبعادهم واعادتهم الى أماكن ما عادوا يعرفونها، لأنهم وببساطة
تركوها
منذ سنوات طويلة والكثير منها يشكل الذهاب اليها خطراً على
حياة أطفال اضطرتهم
الظروف لتركها نحو المجهول.
مثل
الهجرة ظل الموضوع الأفغاني ملهماً للغربيين من صناع الأفلام الوثائقية
وشدة
اهتمامهم به خلال السنوات التي أعقبت وصول طلبان الى الحكم. من بين ما
اختارته
الدورة الجديدة لمهرجان غوتنبرغ السينمائي فيلم بعنوان "أفغانستان الجديدة
ـ العيش
في المنطقة الممنوعة" يحاكي الحياة
الحقيقة للناس المقيمين في المناطق الأكثر
خطراً فيها. لقد مل السينمائي والصحفي المقيم في الدنمرك نجيب خاجة الطريقة
التي
يتناول فيها الاعلاميون الغربيون الأحداث الأفغانية وابتعادهم عن تجسيد
المناطق
الخطرة بصورة واقعية لهذا اختار طريقة أكثر عملية يتمكن من خلالها نقل واقع
تلك
المناطق تمثلت في توزيعه
تلفونات نقالة مزودة بكاميرات على عدد من سكانها وطلب
منهم تصوير حياتهم اليومية. النتيجة فيلم وثائقي مدهش لا يقل جودة وإثارة
عن فيلم
المخرجة نيما سارفستاني "لا برقع خلف القضبان" التي سمح لكاميرتها ولأول
مرة بتسجيل
تفاصيل حياة نساء أفغانيات داخل سجن خاص بهن في كابول. أغلبية سجيناته دخلن
اليه
لإرتكابهن جرائم تتعلق بهروبهن من بيوت أزواجهن. حياتهن خلف القضبان وبدون
برقع
سجلتها الكاميرا بحرية منحت الوثائقي صدقية وجودة ميزته عن أفلام أخرى
عالجت موضوع
السجينات الأفغانيات من قبل. تميز وجودة مثل التي في أغلب وثائقيات غوتنبرغ
لهذا
العام.
الجزيرة الوثائقية في
03/02/2013
يحمل في ذاكرته
تاريخ السينما اللبنانية
حمزة نصر الله فنان في الظل شارك كبار المخرجين
بيروت – الجزيرة دوك
"واقع السينما اللبنانية مبكٍ، اليوم"، يصف المتخصص
في الإدارة الفنية، والممثل، حمزة نصر الله حال السينما في لبنان. فهو عايش
مرحلة
الازدهار اللبناني العام اواخر الستينات وأوائل السبعينات، وانعكاس
الازدهار على
مختلف قطاعات الحياة، وتخضرم حتى المرحلة الراهنة، مختبرا
الكثير من الأعمال الفنية
السينمائية، والمسرحية، ومعايشا تطوراتها، ازدهارها وانتكاسها، ومشاركا في
العديد
منها على مستوى الإدارة الفنية Art Director، وفي الديكور، والتمثيل، إلى جانب كبار
المخرجين والمنتجين في السينما والمسرح والتلفزيون.
من مارون بغدادي مخرجا، إلى رفيق علي أحمد ممثلا،
فحسن بدر الدين منتجا، وكثيرين من لبنانيين وعرب وأجانب، يكتنز نصر الله
حيزا هاما
من ذاكرة الفن اللبناني، وبعضا من أسراره، خصوصا في السينما
والمسرح، وصولا إلى
تدريس المواد المتعلقة بالقطاعين في الجامعة اللبنانية بعد نيله دبلوم
الدراسات
العليا قي هندسة الديكور والفنون الزخرفية عام 1994.
من خلال تجربته، نقف على الكثير من أرشيف السينما
اللبنانية، ويعرض تجربته في مقابلة، استهلها بالتعريف عن بداياته: "في
طفولتي، وبعد
دخولي المدرسة، كنت أتمتع بموهبة الرسم، ونمت معي الموهبة وتحولت إلى
مجالات أخرى،
وعندما كبرت، تخصصت في هندسةالديكور في الجامعة اللبنانية، وكنت مجليا في
هذا
الاختصاص، وأنهيت السنة الرابعة في الجامعة اللبنانية-ما قبل
الدبلوم- وتوقفت بسبب
السفر، وكان ذلك أواسط الثمانينات، ولدى عودتي سنة 1993، تابعت وأخذت
الدبلوم 1994”.
خلال دراسته، لم يقتصر نشاط نصر الله على متابعة
الصفوف، بل انخرط في تجارب متنوعة عندما كان يطلب بعض معارفه منه العمل
معهم لأنهم
يعرفون قدراته وخبرته الفنية، ويتوقف عند ما يرغب باعتباره ما قبل بدايته
الفعلية
في السينما، وذلك مع المخرج اللبناني الراحل مارون بغدادي عام
1987، وكان لا يزال
متابعا لدراسته الجامعية. يقول:
"شاركت في مسلسل وثائقي عن العرب
(The Arabs)
في
كافة الأقطار العربية، لمخرج بريطاني اسمه جف دانلوب، وهو مخرج تلفزيوني
ويهتم
بالعمل الوثائقي. وكان عملي في هذا الوثائقي متركزا في الجزء المتعلق
بلبنان، وكنت
من ضمن فريق لشركة انتاج أسمها "كاميرا مان أوفيسز"، صاحبها
حسن بدر الدين، وكانت
التجربة أول معرفة لي بما يسمى سينما وكاميرا.. التجربة كانت
بسيطة، ومدخلا، ولم
يكن لي منصب حقيقي في العمل، إنما كنت واحدا من ال
Runners
الذين يهتمون بالتفاصيل،
والإضافات. كانت التجربة ممتعة، وفتحت أعيني على شيء أحبه”.
ويتابع: "طلبتني شركة "كاميرا مان أوفيسز"، فصاحبها
كان صديقي، ويعرف قدراتي، وابتكاراتي المتواضعة في أوائل عمري. لاحقا تعرفت
على
مارون بغدادي، ولم أشترك في فيلمه "حروب صغيرة"، لكن تجربتي الفعلية
أعتبرها بدأت
مع مارون بغدادي في اليونان في
تيلي-فيلم "لبنان بلد العسل والبخور"، وطلب مني
المشاركة تحديدا لأنني أرسم، ولأنني أتقن الديكور، لكن لم أكن
ال Art Director
للفيلم. لكن السينوغراف التي أعتمدت لهذا الفيلم بريطانية، والفيلم كناية
عن عرض
لأحداث جرت مع صحافي فرنسي، هو جاك دودييه، خطف في بيروت أثناء
الحرب، ويظهر
معاناته، ومشاهداته.
وروى أن عمله كرسام كان أن يحول المطارح اليونانية
حيث جرى تصوير الفيلم، إلى مطارح لبنانية، ذاكرا أنه "مع تطور العمل صار
العمل
الفني قائما علي، فأنا أعرف القهوة، والساحة اللبنانية،
والشارع الذي هو خط تماس.
قلبت الأشياء، ونال عملي إعجاب منتجي الفيلم، وتعمقت بسببه علاقتي بمارون
لما ظهر
من تجانس بيننا، كما أن مديرة الانتاج الفرنسية منحتني جائزة مالية بقيمة
عشرة آلاف
فرنك فرنسي لشدة إعجابها بما حققته”.
وتابع: "كان فيلم "لبنان بلد العسل والبخور"
أول
ممارسة سينمائية لي. وشكل الفيلم دفعة كبيرة لي عام 1987، ولقي نجاحا في
محطات
التلفزة الفرنسية، والأوروبية عامة، ونتيجة لذلك، قرر المنتج
جاك باران بالتشاور مع
مارون إنتاج نسخة سينمائية عن موضوع الفيلم تحت عنوان "خارج الحياة"
(Hor la Vie)
مع الاحتفاظ بمضمونه، لكن بتقنيات محدثة ومتطورة. وتم تصوير الفيلم
سنة 1990 في
فرنسا وإيطاليا،
بأسلوب تقني متقدم، ويمكن وصفه بالهوليوودي، وكان عملا ضخما، ولا
يزال يعرض في فرنسا، وكندا، ودول أخرى على مستوى التلفزيون.
ثم نال الفيلم جائزة
لجنة التحكيم في مهرجان كان عام 1991.
وفي "خارج الحياة"
(Hor la Vie)،
لعب نصر الله
دور
شخصية رئيسية هي شخصية أحد الخاطفين المولعين بروبرت دانيرو . ويتحدث عن
ذلك:
"تميزت لأنني أجيد الانكليزية، ولأنني، أيضا، كنت متيما بروبرت دانيرو
، وصرت أقلده
بشكل كوميدي لطيف، وتعاملت مع المخطوف الفرنسي-موضوع الفيلم- بطريقة مختلفة
عن كل
الذين تعاملوا معه، والشخصيات التي تعاملت معه أثناء الخطف”.
ثم يعود للحديث عن لبنان، فيذكر أن "المديرين
الفنيين" في لبنان نادرون، حتى أنه في بداية التسعينات لم يكن هناك مديرين
فنيين،
ولذلك كان يطلب مني دائما المشاركة في صناعة الأفلام، وأعتبر أنني استطعت
تحمل
مسؤوليتي بشكل جيد”.
ويعرض لبعض المحطات في هذه المرحلة: "اشتغلت مع
معظم المخرجين اللبنانيين المعروفين كروجيه عساف، وزياد دويري، وجان شمعون،
وجان
كلود قدسي، ورفيق علي أحمد، وسمير الغصيني، وحسن زبيب، وكريستين دبغي،
وإيلي خليفة
الذي اشتغلت معه فيلما قصيرا من إدارة ألكسندر مونييه (سويسري)
لعبت فيه دور
البطولة. أيضا المخرج مرزاق علواش، وغسان سلهب، وسمير درويش مخرج تلفزيوني،
وأنطوان
ريمي، واسماعيل عبد الحافظ (مخرج مصري)، ورندة شهال، ولا ننس المخرج المبدع
برهان
علوية.
يتوقف عند محطة مهمة في تجاربه وهي "مسرحية الجرس"
لرفيق علي أحمد، وهي من أعمال أحمد المنفردة (One Man Show)، ويرى أنها "كانت أفضل
مسرحياته، وقد أبدع بشكل رائع في هذه المسرحية. وأنا حضرت الديكور
للمسرحية. وكانت
أفكار الديكور رمزية تتناسب مع طابع المسرح التجريبي ل"الجرس".
ما قل ودل، لكن دل
بكل معنى الكلمة”.
من الأعمال التي شارك فيها من بداياته، مسرحيا،
"البداية" مع أسعد سلمان 1985، و"قطع وصل" لرفيق علي أحمد 1993،
و"الثعلب والناطور"
لأحمد الزين 1993، و"الفحل" لناصر تليلي 1995، و"حبس الرمل" مع ربيع مروة
وروجيه
عساف 1995.
وعلى الصعيد السينمائي، أفلام: "معركة" مع روجيه
عساف سنة 1982، و"آن الأوان" مع جان كلود قدسي 1993، و"نؤمن بالله" لحسن
زبيب 1994،
و"زينب والنهر" لكريستين دبغي 1995.
ويتوقف عند تجربة هامة بالنسبة له، وهي مع الألماني
هاينر شتدلر في فيلم "صور عن الحرب"، ويقول: "كانت أهميته أننا صورناه في
لبنان،
لكن الخلفية لم تكن لبنانية. لم يكن هم المخرج أن يظهر بلدا معينا، إنما
ركز على
المعنى، وكان دوري أن أبتكر شعارات ليست موجودة أصلا. أهميتها
فقط أنها ترمز لحزب
معين لكن الحزب غير موجود. التركيز كان على الفكرة. واستخدمنا قاعات معهد
الفنون في
فرن الشباك حيث المبنى قديم وفيه خراب، وطابع بنائه فرنسي، ولذلك كانت
اهميته أنه
لم يعط طابع الهوية اللبنانية، فمن هذا المنطلق كان شديد
الأهمية. كانت لذة العمل
أن لا هوية مباشرة له، ويوصل الفكرة المرجوة منه أي ماهية الحرب وأسبابها".
عن مشاركاته في الوثائقيات، يقول: "على المستوى
الوثائقي البحت لم أعمل، إنما عملت على مستوى الدوكيو -دراما مع المخرج
السوري
الراحل عمر أميرالاي في فيلمه تحية لميشال سورا، وكان صديقه
الحميم، وبمشاركة
المخرج السوري محمد ملص، وكان الفيلم تجربة مميزة جدا، أخذني بقوة، وقلت
للمخرج عمر
أنني أول مرة أشاهد من يرسم بالكاميرا”.
ويشرح الفكرة بقوله: "كان عمر يرسم المشهد عبر
الصورة، لكن أحيانا يأخذ الكاميرا ويصور بها بيده، ويدخل بتفاصيل المشهد
الذي
يصوره، والمشهد أحيانا كان يستغرقه من الساعة العاشرة حتى
الرابعة صباحا، من أجل
لقطة لا يتعدى طول خلفيتها ال 50 سنتمترا كحدود لمشهد الصورة (الكادر). كان
دقيقا
للغاية، وحريصا على أن يعطي الفكرة ما تستحق. كان مبدعا بشكل منقطع النظير”.
وينتقل للحديث عن السينما اللبنانية، فيصف واقعها
ب"المبكي"، ويقول: "هي بنظري في تراجع، فقد كانت في عزها حتى الثمانينات،
وبعدها لم
نعد نشاهد أفلاما كبيرة كأعمال المنتج شوقي متى، الذي أعطى دفعا للسينما
اللبنانية،
والآن لا نستطيع ان نأتي بفيلم من أفلامه اليوم ونضعه تحت
المشرحة، فالظروف مختلفة،
والانتقاد يفترض أن يتم في زمن انتاج الفيلم. إذا أخذنا فيلمه اليوم، فلا
نجد
التطور المعروف اليوم، فالزمن تغير، لكن إذا أخذنا على سبيل المثال فيلم
"حسناء
وعمالقة" فقد كان فيلما يمكن أن نسميه "عملاقا" في زمنه على ما أثبت شباك
التذاكر”.
ويتناول شيئا من بداية السينما اللبنانية، ويعود
بها إلى أواسط القرن الماضي حيث كانت الأفلام قليلة: "تعود بي الذاكرة لأول
فيلم
معاصر لبناني لجورج نصر، وهو "إلى أين؟" الذي شارك في مهرجان "كان" 1957،
ونال
جائزة، والفيلم لايزال منذ خمسين عاما، صالحا حتى اليوم، وفيما لو أعيد
السيناريو
الخاص به، وانتج اليوم، يمكن أن يحكي القصة ذاتها عن اللبناني،
وهي قصة
الهجرة”.
وبرأيه أنه "لا يمكن مقارنة الأفلام الحديثة
بالأفلام القديمة، فالشباب أفكارهم مختلفة، وبالتالي عينهم مختلفة،
وكاميرتهم
مختلفة. كل الأمور، من صوت وإضاءة ولون وخلافه، كلها أمور
مختلفة عن السابق. لكن لا
أنكر اليوم أن هناك إبداعات، منها على سبيل المثال وليس الحصر، فيلم جميل
"تحت
القصف" لفيليب عرقتنجي، ومن بطولة جورج خباز، وقد صور أواخر حرب تموز 2006،
مع دخول
قوات الطواريء وعودة الجنوبيين إلى منازلهم، حيث بدأ تصوير الفيلم في قلب
العودة،
وكانت فكرة ذكية، والفيلم راق، وعرف المخرج كيف يستفيد من
اللحظة، فصور الأمور على
حقيقتها”.
وانتقد الميل الرائج في السينما اللبنانية المعاصرة
للابتذال، واستخدام الصالح والطالح لتحقيق صرعة، ويعلق بقوله: "هناك مخرجون
يتكاثرون ويدعون الحرية، والثقافة المزيفة، ويرون أن كل ما هو
موجود مباح. وهذه
كارثة السينما، فأنا لا أفهم معنى تصوير مشهد جنسي داخل كنيسة، أو مشهد
سيدة تنظف
جسدها من الشعر! هكذا مشاهد قد تسيء إلى الذوق العام، وهدفها لفت النظر ليس
إلا،
وليس فيها شيء من الإبداع، وهي سينما لا تعبر عن تطلعات
سينمائية راقية الرؤى.
السينما في مكان آخر، وللأسف ان هناك الكثير منها. اليوم، لم يعد هناك
سينما
لبنانية”.
وعن أسباب الاختلاف بين الماضي والحاضر، يعتقد أن
الذي توفر للسينما اللبنانية في الستينات، هو الصدفة الاقتصادية، فمنذ
اربعين عاما،
لم تقدم الحكومات المتعاقبة، ووزارة الثقافة، والإعلام شيئا للسينما. ولم
يقدم حكام
لبنان دون استثناء أي شيء للسينما. الصدفة الاقتصادية أواسط القرن الماضي
وحتى
منتصف السبعينات، وكان لبنان في تلك الفترة من أغنى دول
العالم،أدت إلى أن تكون
السينما من المظاهر التي نمت، خاصة بوجود أشخاص يهتمون بالسينما”.
ورأى أن "هناك كثيرين اليوم يهتمون بالسينما، وأكثر
من السابق، لكن الفارق أن ليس هناك اقتصاد، وليس هناك منتج يحب أن يضحي
ويغامر
بانتاج فيلم سينمائي. كان الفيلم يكلف سابقا 150-200 ألف ليرة،
وكان مبلغا كبيرا،
لكن الفيلم اليوم يكلف بما يناهز المليون دولار. فمن يمكن أن يغامر بمليون
دولار
وهو غير متأكد من استرجاعها”.
وتحدث عن فيلم "وست بيروت" لزياد دويري 1998 وهو "من
الأفلام التي نجحت، ذاكرا أنه كان
المدير الفني له، والانتاج فرنسي، وهو عن
الحرب اللبنانية، وهو فيلم ناجح، وكونه من انتاج فرنسي، لا يزال يعرض في
الدول
الفرنكوفونية، ومنها كندا. وعند عرضه في السوق اللبناني، كان مدخوله جيدا،
لكن لا
أذكر أفلاما حديثة العهد دخلت الكثير من المال”.
وانتهى إلى القول أن "وضع السينما هو انعكاس للوضع
العام للبلد. هناك مأساة كبرى للسينما اللبنانية، خصوصا أن السلطة
اللبنانية في كل
العهود لم تشجع السينما، مع أن السينما هي الصناعة الوحيدة
التي يمكن أن تدر أموالا
للدولة دون أن تكلفها. فعندما تشتغل السينما، تشغل معها كل القطاعات. وإذا
لم يكن
هناك دعم من الحكومات اللبنانية، لصناعة السينما، فلن يكون هناك سينما،
وسنظل على
المبادرات الشخصية الفردية، وللأسف لا تستوفي شروط السينما
المقبولة أكاديميا
وفنيا”.
ثمة 23 فيلما قام نصر الله بإدارتها الفنية، وشارك
في تمثيل بعضها، إلى العديد من البرامج التلفزيونية، والأفلام الإعلانية،
والفيديو
كليبات، وغالب الأفلام حازت على جوائز في مهرجانات عالمية.
ويمكن اختيار بعض الأفلام التي شارك بإدارتها
الفنية والتمثيل فيها: “صور من الحرب"، فيلم ميشال سورا لعمر
أميرالاي، تاكسي
درايفر، "إمرأة من زمن الحب" للمصري اسماعيل أبو حافظ، "الرغيف" لإيلي
أضاباشي، "طيف
المدينة" لجان شمعون، "أورغانزا" لجورج حمصي، "حدود الزمان" لدارين الخطيب،
"جيش من نمل" لوسام شرف.
حاليا، هو عضو نقابة السينمائيين، و عضو نقابة
ممثلي المسرح و السينما و التلفزيون في لبنان، وكان، سابقا،
أمين سر نقابة
السينمائيين في لبنان، وعضو مجلس نقابة السينمائيين في لبنان، وعضو مجلس
نقابة
ممثلي المسرح و السينما و التلفزيون في لبنان.
الجزيرة الوثائقية في
03/02/2013
إيرادات الموسم السينمائي تتأثر بالأوضاع السياسية..
أحمد حلمى الأفضل حظاً و"عبده موتة" يصل إلى 21 مليون جنيه
سارة نعمة الله
تشهد دور العرض السينمائية، إقبالاً محدوداً خلال هذه الأيام، خصوصاً
مع تصاعد الأحداث السياسية التى تشهدها البلاد حالياً، وهو الأمر الذى أثر
بطبيعته على إيرادات الموسم السينمائي، والذى شهد انخفاضاً ملحوظاً عما كان
متوقعا.
ولعل الفنان أحمد حلمى بفيلمه "على جثتى" يعتبر الأفضل حظاً في هذا
الموسم، خصوصاً وأن طرحه بدور العرض كان قد سبق الذكرى الثانية لثورة يناير
بأسبوع، مما ساهم في إقبال الجمهور على مشاهدة فيلمه خصوصاً أنه تغيب عن
السينما لمدة عامين.
وبحسب تقرير غرفة صناعة السينما، فقد حقق فيلم "على جثتى" إيرادات
وصلت إلى 8 ملايين جنيه و381 ألف جنيه، وذلك خلال أسبوعين من عرضه.
أما فيلم "الحفلة" لبطله الفنان أحمد عز، فقد عانى من سوء الحظ،
خصوصاً وأن موعد طرحه كان يوم 23 من يناير الماضي، فقد اقتربت إيرادته إلى
2 مليون جنيه.
ويأتى في المرتبة الثالثة "حفلة منتصف الليل" لـ درة، ورانيا يوسف فقد
حقق إيرادات وصلت إلى مليون و470 ألف جنيه.
وفي المرتبة الرابعة فيلم "ماما" لـ ياسمين عبد العزيز حيث وصلت
إيرادته إلى مليون جنيه و438 ألف جنيه.
أما المرتبة الخامسة فيأتى فيها فيلم "سبوبة" لـ أحمد هارون، وراندا
البحيري فقد حقق 218 ألف جنيه.
وكانت المفاجأة أن فيلم "عبده موتة" لبطله محمد رمضان، والذى طرح في
عيد الأضحى الماضي، فمازال يحقق إيراداته ضخمة، حتى أنه مازال يتربع على
قمة الإيرادات، والتى وصلت إلى 21 مليون و177 ألف جنيه.
بوابة الأهرام في
03/02/2013 |