على غير عادة الندوات الثقافية، جاءت ندوة ملتقى «طالب الرفاعي»
الثقافي ساخنة وصاخبة بالآراء الصريحة. وكما يقال عن صيد عصفورين بحجر
واحد، احتفى الملتقى بالمخرج القدير خالد الصديق وفي الوقت نفسه أثيرت قضية
«السينما الكويتية.. الواقع والطموح». في البداية رحب الروائي طالب الرفاعي
بالمخرج خالد الصديق ووصفه بأنه «شيخ
السينمائيين الكويتيين».. كما رحب بحضور
الإعلامي رضا الفيلي نائب رئيس تحرير «النهار» وكذلك بوجود أجيال مختلفة من
السينمائيين. وبدأ الصديق كلامه الذي استغرق حوالي 20 دقيقة بالإشارة إلى
تكريمه في مهرجان دبي السينمائي والتقائه بأكثر من 40 من شباب السينما
الخليجية وقول أحدهم له بأنهم «نتائج أعمالك».
الدعم
وأكد على حاجة هؤلاء الشباب إلى الدعم بدلاً من اضطرارهم لإخراج
إعلانات للإنفاق على أعمالهم. لكنه رفض أن يتم ذلك من خلال هيئة حكومية
تقوم بتوجيه الشباب وفرض رقابة عليهم.. مشيراً إلى أنه اعتمد دائما على
الدعم الذاتي، وعندما أنتج على حسابه «بس يا بحر» سأله المغفور له الشيخ
صباح السالم لماذا لم تطلب من الحكومة أن تنتجه، فرد عليه قائلاً بأن
إنتاجه للفيلم سيجعله يقاتل لعرضه في كل مكان في العالم حتى لا يخسر
وساعتها يربح وتربح معه الكويت.. أما لو أنتجته الحكومة فسيموت بعد العرض
الأول. وفي هذا السياق أشاد الصديق بدعم وكيل الإعلام سعدون الجاسم للفيلم
وشراء حق عرضه تلفزيونيا مقابل دفع أجور الممثلين.
الصناعة
أكد الصديق أن عملية الإنتاج ليست سوى 2 في المئة من صناعة الفيلم
والـ 98 في المئة تتعلق بعمليات التمويل والتوزيع ووجود صالات عرض وكل هذا
تفتقر إليه الكويت رغم وجود المواهب والإمكانات البشرية.
لكنه أشار أيضاً إلى التطور التقني الذي أتاح للشباب إنتاج افلام
قصيرة بكل سهولة، ومن خلال كاميرا واحدة يحملها المخرج ولا يتطلب الأمر
التنسيق مع عشرات الجهات ولا دفع أجور فريق عمل لا يقل عن 15 شخصا كما كان
الحال في السابق.. عدا السفر إلى لندن للتحميض.
المهرجانات
تحفظ المخرج القدير على كثرة المهرجانات السينمائية الدولية التي تقام
في معظم العواصم الخليجية، لأنه لا يفهم وجود تلك المهرجانات دون وجود
إنتاج سينمائي.
كما تحفظ على سياسة تلك المهرجانات في تقسيم المسابقات إلى دول الشمال
ودول الجنوب، مشيراً إلى أنه شارك بفيلمه «بس يا بحر» في أهم المسابقات
الدولية إلى جانب كبار المخرجين من شتى دول العالم.
شن الصديق أيضاً هجوماً لاذعاً على الرقابة التي عطلت له العديد من
المشاريع، فبعد «بس يا بحر» قدم مشروعاً عن انتشار «الهيبية» في الكويت لكن
المسؤول رفضه إلا بعد موافقة الرقابة، وكذلك عندما أخرج «عرس الزين» رفض في
دول كثيرة بزعم أنه «ضد الإسلام» وحاول أن يخبرهم أنه ليس «ضد الإسلام» بل
«ضد استغلال الإسلام لمصالح شخصية» ولم يفلح في تمريره إلا بعد أن وضع آية
قرآنية في مقدمة الفيلم!
ورغم ذلك رأى مخرج «عرس الزين» أن الرقابة في الماضي كانت أكثر تفهماً
من الرقابة الآن، فمثلا في فيلمه «وجوه الليل» تظهر زجاجات خمور لن يسمح
بها رقيب اليوم. وأضاف: رقابة الحكومة أسهل من رقابة مجلس الأمة الآن..
فهؤلاء الذين انتخبناهم ديمقراطياً يريدون أن يفرضوا علينا قواعد
ديكتاتورية! ودعا الشباب إلى الذكاء والمرونة في التعامل مع الرقابة.
عقب كلمة خالد الصديق تنوعت المداخلات وبدأها الإعلامي رضا الفيلي
نائب رئيس تحرير «النهار» الذي أكد على حضور الفن منذ بدايات البشرية من
خلال الرسم والنحت وصولاً إلى السينما. فيما يتعلق بالرقابة رأى الفيلي أن
الحكومات تضحك على نفسها وتتوهم أنها تحصن المجتمع في ظل ثورة التكنولوجيا
والعصر الرقمي وانتشار الإنترنت والقنوات الفضائية ومع ذلك يتوهم بعض
النواب في البرلمان إمكانية إغلاق «الهوت بيرد» مثلاً!
كذلك تناول الفيلي في مداخلته قضية بالغة الأهمية تتعلق بأرشيف
السينما الكويتية التي تعرض لمشاكل كثيرة بدءاً من محنة الغزو، وتدهور حال
الأشرطة، ورغم تخصيص المغفور له الشيخ جابر الأحمد مبلغاً مالياً لجمع
وترميم هذا الأرشيف لكن الأمور لم تمض في مسارها الصحيح. واختتم الفيلي
كلامه بأن الوضع الثقافي أقرب إلى «البكائية» فهناك تضييق على المبدعين
وعدم رعاية لهم، والافتقار إلى الخطط لعلاج كل هذا ووضع رؤية للمستقبل.
بدوره تحدث عامر التميمي عن أهمية المبادرات الفردية في صناعة
السينما، وعاب على الدولة عدم توفير بنية تحتية وقانونية ومناخ ثقافي يسمح
بتطور السينما في ظل هيمنة الفكر المتخلف الذي يحارب الإبداع الحقيقي.
سليم الشيخلي أشار إلى أن وجود الرقابة لم يمنع السينمائيين في دولة
مثل إيران من إنتاج أفلام مميزة، ووافقه خالد الصديق على ذلك لأن هؤلاء
السينمائيين احتالوا على الرقابة فأعطوا بطولة معظم هذه الأفلام للأطفال.
ورداً على سؤال حول مهرجان الكويت السينمائي قال المخرج عامر الزهير
أحد أعضاء اللجنة التحضيرية بأن الفكرة عرضها نادي الكويت للسينما على
المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب ورحب بها الأمين العام م. علي
اليوحة، وسيخصص المهرجان للأفلام القصيرة الروائية والوثائقية ومن المقرر
إقامته في أكتوبر.
حلم
بدورها عبرت الروائية ليلى العثمان عن تعاطفها الشديد مع الشباب وما
يواجهونه من صعوبات لكنها دعتهم إلى التمسك بالأمل والإصرار وأضافت: منذ أن
بدأت الكتابة كان مبدأي أن «حلمي غير قابل للكسر».. كما تمنت أن يكون هؤلاء
الشباب هم أساس هذا المهرجان السينمائي. المخرج صادق بهبهاني تمنى أن تكون
مهرجانات السينما في الخليج دون رقابة أسوة بالمهرجانات العالمية وأكد أن
الفنان يقوم بالرقابة الذاتية على نفسه.. كما اشاد بدعم الفنانين الكبار
لهم وعلى رأسهم منصور المنصور، جاسم النبهان، داود حسين وزهرة الخرجي. وهو
ما كان أكد عليه الصديق بالفعل.
فيما رأى شاكر أبل أن المشكلة الأساسية التي تواجه الشباب هي غياب
«التمويل». أما فهد الهندال فرأى أن الرقابة أصبحت فكرة متهافتة في ظل
العالم الرقمي وجود قنوات على اليوتيوب كل شيء فيها متاح. ودعا الشباب إلى
عدم اتخاذ الرقابة ذريعة وايضاً ألا يعولوا على الدولة لأن من يعتمد على
الدولة من المهد إلى اللحد ليس مبدعاً على حد قوله.
تمويل
عبد الله بوشهري وصف تجارب الشباب بأنها مبادرات فردية تنتمي إلى ما
يسمى «السينما المستقلة» وأشار إلى غياب الهيئة التي يلجأ إليها المخرج
لتنفيذ فيلمه هل هي وزارة الداخلية أم الإعلام؟ ولفت إلى أنه ذهب إلى
الإعلام وطرح مشاريع عدة كلها رفضت رغم حصوله على جوائز في مهرجانات دولية
وعربية. وأكد أن لديه مشروعا لتأسيس صناعة سينمائية تساهم فعلا في جعل
الكويت مركزا ماليا عالميا كما فعلت دبي، فقط أن تكون هناك هيئة سينمائية
ترعى صناعة الأفلام دون رقابة أو توجيه وتتكفل بـ 30 في المئة من كلفة
الإنتاج. وفي الختام تحدث الفنان القدير محمد المنصور بنبرة متفائلة وأكد
أن هناك مسؤولين الآن لديهم الحماس لدعم الشباب وصناعة السينما على رأسهم
وزير الإعلام الشيخ سلمان الحمود وعلينا كفنانين استغلال الفرصة مشيراً إلى
أنه قدم بالفعل مشروعاً سينمائياً وأنه على كامل الاستعداد للوقوف مع
الشباب وتشكيل وفد سينمائي لزيارة الوزير ووضع النقاط على الحروف فيما
يتعلق بمستقبل صناعة السينما.
Sherifsaleh2000@gmail.com
من توقيع المخرج روبن فلايشر
«فرقة
العصابات» يوثق عالم المافيا في أميركا
توقفنا في هذه المحطة منذ اسابيع مع عرض لفيلم «فرقة العصابات» ونعود
مجددا الى الفيلم بعد ان اجتاح صالات العرض حاصدا الملايين حيث يبدو أن
هوليوود قد بدأت تصطحبنا في الآونة الأخيرة نحو اتجاه سينمائي جديد، من
خلال تقديمها مجموعة أفلام يكاد أن يكون التاريخ الأميركي قاسمها المشترك،
ومن بينها فيلم «فرقة العصابات» الذي يعد ثالث أفلام المخرج الأميركي روبن
صاموئيل فلايشر صاحب فيلم الرعب «أرض الزومبي» (2009) والفيلم الكوميدي «30
دقيقه أو أقل» (2011). في فيلمه هذا، والذي جمع حتى الآن 87 مليون دولار،
ينقلنا فلايشر إلى عالم عصابات المافيا الذي تشكل في بعض المدن الأميركية
غداة انتهاء الحرب العالمية الثانية، لنشهد من خلاله حرباً ضروساً بين
«خير» مدفوع إلى استخدام العنف المطلق، و«شرّ» يجب أن يخسر في النهاية أمام
«خير» تحوّل «شرّاً» لشدّة عنفه ودمويته. من تابع فيلم فليشر «أرض الزومبي»،
وشهد أسلوبه الناجح في الإخراج السينمائي، سيتوقع منه فيلماً ذا حبكة
متينة، تعيد إليه الحنين إلى حقبة الخمسينيات، وقد نجح فلايشر إلى حد ما في
ذلك، خاصة وأنه حاول هنا تتبع مسار مجموعة من الأفلام الكلاسيكية مثل
الفرنسي «المنبوذون» للمخرجين إريك توليدانو وأوليفيه نقاش، و«أل آي
كونفيدنشل» للمخرج كورتيس هانسون، ولذلك نجده قد سلح الفيلم بعناصر ساعدت
على ابتكار قصة جذابة، من بينها إشراكه نخبة من نجوم هوليوود أبرزهم شون
بين، جوش برولين، إيما ستون وريان غوسلينغ، وعناصر أخرى تتعلق بالإخراج
وتقديم صورة جميلة حاول من خلالها الابتعاد عن الأسلوب المستهلك نحو ابتكار
نسخة خاصة به.
ورغم توغله في عالم المافيا الأميركية، إلا أنه لم يحاول خلال سياق
الحوار طرح أي أسئلة أخلاقية حول ثنائية الخير والشر، بقدر ما يقترب من
شخصيات العمل ومدى رغبتها في التحرر من الشر المحيط بها، كما حدث مع شخصية
جون أومارا (جوش برولن) العائد أصلاً من الحرب، والتي أصابته بالتمزق
الروحي إزاء وحشية الموت والقتل والعنف.
يتضمن الفيلم عدداً من المشاهد التي تغلب عليها الإضاءة الكثيفة، في
حين يفتقر بعضها إلى ذلك، وهو ما يذكرنا بفيلم سين سيتي الذي أخرجه روبرت
رودريغز وفرانك ميلر ولعب بطولته بروس ويلس. فضلاً عن أن استخدام المخرج
لأخبار الصحف، تذكرنا أيضاً بأسلوب إخراجي قديم، حيث كانت هذه الطريقة
تستخدم لتقديم أجزاء أساسية من قصة الفيلم. ونخلص الى ان الفيلم يحمل متعة
المشاهدة والمغامرة من خلال التوثيق المتميز للمافيا في الولايات المتحدة
في اربعينيات وخمسينيات القرن الماضي .
النهار الكويتية في
19/02/2013
تقوم بعرض أفلامٍ لم يمر على عرضها سينمائياً سوى أسابيع
قليلة
منتجون يلجأون للقضاء لوقف قنوات فضائية قرصنت أفلامهم
القاهرة - سامي خليفة
حالة من الاستهجان الشديد يعيشها القائمون على صناعة السينما في مصر
بعد أن ظهر في الأفق عدد كبير من القنوات الفضائية تعرض أفلاماً جديدة بطرق
غير قانونية وغير مشروعة ودون إثبات ملكيتها لعرضها.
وقال منيب شافعي، رئيس غرفة صناعة السينما، لـ"العربية نت" إنه اجتمع
مع أعضاء الغرفة وعدد كبير من القائمين على صناعة السينما في مصر لمناقشة
ما تفعله القنوات الفضائية التي ظهرت مؤخراً وتحمل أسماء غريبة مثل: "توك
توك" و"إل سي دي" وغيرهما، وتعمل هذه القنوات على عرض أفلام لم يمر على
عرضها سينمائياً سوى أسابيع قليلة، دون أن تمتلك تنازلاً من الشركة المنتجة
عن حق عرضه لديها، وهو ما يعني أننا أصبحنا نعيش وسط مافيا قرصنة الأفلام
في مصر، وأوضح أنه بصدد عمل إجراءات قانونية ضد 15 قناة فضائية.
تحت بند السرقة
ومن جانبه وصف المنتج مدحت العدل هذه القنوات بـ"البجاحة" في السرقة،
وتساءل: كيف يسمح لأنفسهم أصحاب هذه القنوات إجهاض مجهود عمال وفنيين
وفنانين شهور طويلة في إنجاز فيلم ليعرضوه على قناتهم دون أي مقابل ودون أن
يفكروا في أن ما يفعلونه يُوضع قانوناً تحت بند السرقة.
وأشار أحمد السبكي إلى أن أمر القرصنة بدأ يتطوّر بشكل ملحوظ وسريع،
فبعد أن كان الفيلم يسرق بكاميرا في السينما ويعرض على مواقع الإنترنت
أصبحت الآن هناك قنوات فضائية منوطة بهذه القرصنة، وهذا يهدد بشكل كبير
صناعة السينما؛ لأن السينما دخل قومي يُدر لمصر سنوياً الملايين، وناشد
ضرورة التصدي لهذه الظاهرة عن طريق سرعة التوصل إلى أصحاب مثل هذه القنوات
المجهولة ومعاقبتهم جراء ما ارتكبوه من إضرار بالآخرين.
وكشف المنتج محمد حسن رمزي أنه وبالتعاون مع المنتجة إسعاد يونس التي
عُرضت أفلامها على بعض هذه القنوات، قد تقدما بدعوى قضائية ضد عدد كبير من
القنوات الفضائية غير المشروعة.
وأوضح رمزي أن هناك خسائر أخرى تعود على المنتج ألا وهي أن القنوات
الفضائية أصبحت تمتنع الآن في الكثير من الأحيان عن شراء حقوق عرض أيٍّ من
الأفلام لديهم؛ لإيمانهم بأن الجمهور ليس بانتظارهم، بل إنه شاهد الفيلم في
القنوات غير المشروعة.
وفي سياق متصل قال المكتب الإعلامي لشركة الماسة للإنتاج السينمائي إن
الشركة أقامت دعاوى قضائية على هذه القنوات، مؤكداً أن الأفلام التي تم
عرضها عليها دون حصول على إذن بالعرض هي: "كلاشينكوف" لمحمد رجب، و"إبراهيم
الأبيض" لأحمد السقا، و"فاصل ونعود" لكريم عبدالعزيز، و"سامي أوكسيد
الكربون" لهاني رمزي ودرة، و"المصلحة" لأحمد عز وأحمد السقا، و"بوبوس"
و"حسن ومرقص" لعادل إمام، و"نقطة رجوع" لشريف منير.
العربية نت في
19/02/2013
خالد الصديق:
الرقابة تقتل السينما وأنصح المخرجين الشباب بتجاهلها
كتب الخبر
: أحمد
عبدالمحسن
عبّر المخرج خالد الصديق عن أسفه لما تعانيه السينما في الكويت، من
غياب للدعم، وتزايد للرقابة، في وقت يشهد العالم كله تطوراً في «الفن
السابع»، داعياً المخرجين الشباب إلى الاعتماد على الوعي والرقابة الذاتية
في عملية الإنتاج.
استضاف الملتقى الثقافي مساء أمس الأول المخرج خالد الصديق للحديث حول
السينما في الكويت، وأدار الملتقى الروائي الزميل طالب الرفاعي الذي رحب
بالحضور، وبالمخرج الصديق، واصفا إياه بشيخ المخرجين الكويتيين، إذ إنه لم
يكتف بالوصول إلى السينما العربية فحسب، بل تخطاها إلى السينما العالمية
بعد حصده للعديد من الجوائز في المهرجانات العالمية.
واستذكر المخرج الصديق، في بداية حديثه، واقعة حدثت قبل عدة سنوات
عندما تم تكريمه في مهرجان دبي للسينما الذي حضره آنذاك أكثر من أربعين
مخرجا من الشباب، وذكر هؤلاء المخرجون أنهم نتاج عمله المتواصل، ففرح
الصديق وحزن في الوقت ذاته، وقال: «فرحت كثيراً لأن هناك شبابا يحاربون من
أجل استمرار السينما الكويتية، ويقومون بإنتاج الأعمال الراقية والمتميزة،
ولكنني حزنت في نفس الوقت لأن هؤلاء الشباب لا يتلقون الدعم نهائياً
ويقومون بإنتاج الأعمال على حسابهم الخاص والدول الخليجية هي التي تفتح
أبوبها للمخرجين الكويتيين الشباب مثل قطر والإمارات».
وأوضح أن «دولة الإمارات على سبيل المثال خصصت مليار دولار للسينما
وكانت بادرة رائعة منها، حتى ترتقي بالسينما رغم عدم موافقتي لطريقة صرف
هذه المبالغ، ولكن على أي حال فإن المخرجين الشباب في الكويت يعانون كثيراً
رغم أن أعمالهم السينمائية راقية ومتميزة».
مساندة
وأشاد الصديق بدور الفنانين الكبار في مساندة الشباب بصورة أو بأخرى
مبيناً أن «هناك العديد من الفنانين الكبار يساندون الشباب بصورة كبيرة،
فعلى سبيل المثال الفنان داود حسين ومحمد المنصور يعملان بالمجان من أجل
تخفيف بعض معاناة الشباب».
ورفض أن تكون هناك هيئة لدعم السينما والمخرجين الشباب في الكويت
مبيناً أسباب رفضه، بأن من شأن مثل هذه الهيئة أن «تقوم بتوجيه الشباب
بشروط معينة وتوجيه أفلامهم وفق ما تريد، بحيث لا يستطيع المخرج أن يكون
حراً في إخراج فيلمه، وستكون هناك عقبات كثيرة جراء فرض الرقابة وأمور
معقدة أخرى»، لافتاً إلى أن «الشباب يمتلكون طاقات فنية رائعة جداً
ويحتاجون إلى دعم الدولة، والرقابة التي تفرضها علينا الحكومة أصبحت الآن
أفضل بكثير من الرقابة التي يفرضها علينا مجلس الأمة، فقد أصبحت الرقابة
دكتاتورية رغم انتخاب المجلس ديمقراطياً وهذا أمر غير معقول».
وأكد الصديق أن أعماله لا يرجع فيها إلى الرقابة، مقدما نصحه للمخرجين
بـ «عدم الالتفات إلى الرقابة لأنها ستكون عثرة أمام الأفلام، مثل ما حدث
معي عندما قدمت سيناريو (واو) وتم رفضه، فأصبحت أغلب أعمالي تخضع لرقابة
ذاتية مني شخصياً، ولا ألتفت للرقابة أبداً وأتمنى أن يكون الشباب أذكى من
الرقابة في محورة أعمالهم السينمائية، لأن الرقابة أصبحت تضيق على السينما
بصورة كبيرة خصوصاً في دولة الكويت».
وبيَّن أنه «بعد مشكلة الرقابة ستكون هناك مشكلة أخرى سيواجهها الشباب
وهي مشكلة التوزيع رغم أنني متفائل بتحسنها مستقبلاً، ولكن إلى الآن توجد
هناك فرص للشباب وأتمنى أن يفتح المجال للمواهب الشابة لأن التوزيع أصبح
أهم بكثير من الإنتاج».
المعدات السينمائية
وذكر الصديق أن هناك شيئا يتميز به الشباب في الوقت الراهن وهو تطور
المعدات السينمائية بشكل كبير، وسيكون ذلك أهم عامل مساعد للشباب، مستغربا
المعاملة التي يتلقاها الكويتيون في الخارج قائلاً: «في الخارج أستغرب
كثيراً، فعند معرفتهم بأنني كويتي يرفعون الأسعار كثيراً ويجعلون الأمور
أصعب على المخرجين ولا يستطيع المخرج أن يقوم بإنتاج عمله إلا بتكلفة باهظة
جداً، ولا أعرف لماذا كل هذه الأمر، رغم أننا نقوم بالتصوير بدول لها
مكانتها العالمية في السينما، والحل ربما هو التنكر لتفادي هذا الأمر».
من جانب آخر، استغرب الصديق عدم عثوره على أرشيف السينما الكويتية منذ
عام 1961، وقال: «في بداية مرحلة التحرير طلب مني الشيخ فيصل السعود كمية
من الأعمال التي تتعلق (بالقنص) وأكد لي أن فيلم (الصقر) كان هو الأفضل
بمجموعة هذه الأفلام، وأراد نسخة صافية من هذا الفيلم فكتب كتاباً لوزارة
الإعلام، وبحثنا كثيراً عن أرشيف الأفلام السينمائية التي كانت قبل مرحلة
الغزو، ولم نجد أي شيء حتى هذه اللحظة، ويبدو أن أرشيف الأفلام السينمائية
ضائع في مكان ما في وزارة الإعلام».
صناعة الأفلام المستقلة في مصر
كتب الخبر: كريستين
ألين
في مهرجان برلين السينمائي الدولي هذا العام، فيلم يتيم من مصر، البلد
الذي يشهد اضطراباً شديداً يطرح تحديات كثيرة أمام صانعي الأفلام. لم تفلح
المخرجة هالة لطفي، في قطف ثمار النجاح وحسب، بل ساعدت أيضاً غيرها من
الفنانين على تذوّق طعم النجاح وفق مقالة حول الموضوع من شبيغل الألمانية.
في الوقت الذي أحيت فيه مصر الذكرى الثانية للثورة التي أطاحت بالرئيس
حسني مبارك، اكتظت شوارع القاهرة بالمتظاهرين المطالبين بالتغيير مرة أخرى.
بصفتها الممثلة الوحيدة للسينما المستقلة المصرية في مهرجان برلين
السينمائي الدولي، قدّمت المخرجة هالة لطفي العرض الأول لفيلمها «الخروج
إلى النهار» الذي يروي الشقاء اليومي الذي تواجهه امرأة شابة ترعى،
بالتعاون مع والدتها، أباً أقعده المرض في الفراش. ومع أن الفيلم يتناول
قضية الهوية في ما يتعلق بالأسرة والمجتمع، إلا أن الرسالة التي يوجهها لا
تتعلّق بالسياسة إطلاقاً، وفق لطفي.
وتقول الأخيرة معلّقةً: «صناعة الفيلم أشبه بفعل مقاومة، لأنّ
المصريين يواجهون صعوبات في صنع اسمٍ لنفسهم نظراً للمشهد السينمائي السائد
في البلاد، وفي ذلك دليلٌ واضحٌ على افتقار البلاد للديمقراطية. فإذا لم
تكن تملك المال والعلاقات مع الكبار لا يُسمح لك بالتعبير عن نفسك. ولكن إن
عنت الديمقراطية شيئاً فهي تعني أنّ للجميع حقاً في التعبير عن نفسه، بغض
النظر عن الأدوات والطرق التي تستخدمها تنفيذاً لذلك».
نظام سينمائي مرعب
هالة لطفي مخرجة مصرية تبلغ من العمر 39 عاماً تخرجت من معهد القاهرة
السينمائي عام 1999 وعملت في مجال صناعة الإعلانات التلفزيونية والأفلام
لمدة عامين قبل أن تُصدم بنظامٍ سينمائي مرعب يتطلّب ميزانيات ضخمة ويخضع
لرقابٍة شديدة ولشروط ترخيصٍ معقدة، فانتقلت إلى إعداد الأفلام الوثائقية
لصالح قناة «الجزيرة». في العام 2007، بدأت العمل على فيلمها الأول «الخروج
إلى النهار» معتمدةً في البداية على تمويل شخصي قبل أن تحصل على هبة صغيرة.
نقل صورة الثورة
يصوّر الفيلم الموجع البطلة سعاد ووالدتها متعبتين وتعيستين وقد
أثكلتهما الأعباء الجسدية والعاطفية والمالية الناجمة عن رعاية ربّ المنزل
المريض الذي أصابه العجز على أثر إصابته بسكتة دماغية. ولكن حين تحصل سعاد
على فرصة للمغامرة بمفردها خارج القاهرة، تواجه عوامل تُثبط معنوياتها. وفي
حين يفسّر البعض رسالة الفيلم على أنه انتقاد غير مباشر لدور المرأة الخانع
في المجتمع المصري، تعتبر لطفي التفسير هذا مجحفاً بحقّ الفيلم. وتعلق
قائلةً: «إنّ شخصيات الفيلم متعبة ومصابة بإحباطٍ يمنعها من التواصل مع
العالم الخارجي، وما هذا سوى انعكاس للحياة المصرية المعاصرة. الفرح لا
يعرف إلى قلوب المصريين سبيلاً، فهم يعيشون كل يوم بيومه بسبب الأزمة
الاقتصادية التي تشل البلاد. نحن شعب يسيطر عليه شعور قاتم بفقدان الأمل
واليأس التام، إنه شعور لا أستطيع التعبير عنه كما يجب لكنّه موجود حتى في
الهواء الذي نتنفس».
في رأي المخرجة لم يتغيّر إلا القليل منذ اندلاع الثورة التي أرغمتها
على وقف التصوير لمدة خمسة أشهر. ولطفي من ملايين الشباب الذين خرجوا إلى
شوارع القاهرة للاحتجاج على النظام، كما أنها عملت مع كثير من المخرجين على
توثيق المظاهرات ونشر أشرطة الفيديو على الـ»يوتيوب». وتؤمن لطفي أن العمل
الفعال لا ينحصر في الاحتجاج فحسب. وتشرح: « كان الخطر يحيط بنا من كلّ جهة
في الشارع «. ثم توضح أنّ أفراد طاقم العمل تعرضوا غير مرة للاعتقال في تلك
الفترة. وتقول: «شعرنا كلّنا آنذاك بالحاجة الى بذل مزيد من المجهود بحيث
ننقل مشاعر الثورة وما نشعر به من شغف تجاهها في عملنا».
انطلاقاً من هذا المبدأ، استأنفت لطفي العمل على فيلمها الذي حاز
مجموعة من الجوائز في العالم العربي، وتعاونت مع مجموعة من الفنانين
المستقلين لتأسيس شركة «حصالة للإنتاج» التي توفر المعدات وتجمع الأموال
والمشورة لصانعي الأفلام الشباب، وتنظم حلقات عمل في القرى النائية، وتسعى
لإنشاء نقابة بهدف كسر ما وصفته بـ «احتكار صناعة السينما في مصر».
«إننا نحاول تصوير الأفلام التي يتّسم محتواها بنفحةٍ ثورية،
وفي الأمر مخاطرة كبرى ومغامرة لأنّ الأفلام تُعد بميزانيات منخفضة، لكنها
الطريقة الوحيدة التي يمكننا من خلالها أن نصنع التغيير».
الأزمة الاقتصادية تُخرِج أفلاماً يونانية
كتب الخبر: كريستين
ألين
فيما تمرّ اليونان بأوقاتٍ صعبة جداً، قدّمت ثلاثة أفلام يونانية
عرضها الأول في مهرجان برلين السينمائي الدولي لتعكس واقعاً مريراً. أفلام
مظلمة وسريالية ومرعبة تركز على المجتمع الذي يرزح تحت ضغطٍ هائل. شبيغل
نقلت الواقع كما هو.
من الخارج، يتم التقليل من شأن الأزمة اليونانية المالية وحصرها
بسلسلة مرهقة من الكفالات المالية والمواعيد الصارمة والاحتجاجات، إلا أن
الناس الذين يرزحون تحت ثقل التداعيات اليومية، باتوا يرون في الأزمة هذه
تهديداً وجودياً يثير تساؤلات جوهرية حول هويتهم كيونانيين.
تؤدي الأسئلة والأزمة نفسها دوراً أساسياً في ثلاثة أفلام يونانية
قدّمت عرضها الأول في مهرجان برلين السينمائي الدولي، وكلّها أفلام تستكشف
آثار الأزمة الثقافية والنفسية والشخصية مع أن كلّ فيلم يتبّع نهجاً
مختلفاً لطرح الموضوع ومناقشته. من فيلم الخيال العلمي الوثائقي
«To the Wolf» (الى الذئب)، مروراً بالفيلم السوريالي
« The Eternal Return of Antonis Paraskevas» (عودة
انطونيس باراسكيفاس)، وصولاً إلى فيلم
«The Daughter» (الابنة)، موضوع واحد يطرح نفسه بإلحاح: الأزمة الاقتصادية
والواقع المرير الذي يعصف باليونان.
لا شكّ في أن فيلم
To the Wolf
يطرح صورةً قاتمةً أكثر من الفيلمين الآخرين إذ يروي قصة حقيقية لحياة
عائلتين من الرعاة يعيش أفرادهما في جبال منطقة نافباكتيا الغربية المحرومة.
تسمع الراعي المسنّ الواهن آدم باكسنيكس يغمغم في بداية الفيلم:
«انتهت بلاد اليونان. لقد ماتت. الكلّ يعاني. إنهم يحاربون من أجل قضية
خاسرة». لا تتحسن الأمور كثيراً في ما بعد في الفيلم الذي يستعمله المخرجان
كريستينا كوتسسبيرو وأران هوغز لوصف «حكاية اليونان العصرية المشوشة» على
حدّ قولهما.
في خلفيات بائسة تنقل صور ريف قاسٍ لا جدوى من العيش فيه، أو منازل
قذرة مظلمة، استهلكت الأسرتان، اللتان اعتادتا على الحياة الفقيرة، ما
لديهما من مدخرات وبدأ أفرادها يعانون من حاجات المواشي المتناقصة ومن قلة
الموارد. توثّق المشاهد حوارات عن الديون والحيرة بين ادخار ما بقي من مال
أو إنفاقه على التدخين والمتعة. تتطور الأحداث المأساوية نحو مزيد من
المعاناة فتعجز الأسرتان حتى عن شراء الطحين.
منذ بدأ المخرجان تصوير الفيلم في العام 2010 وحتى نهاية العمل في
2012، زاد وقع الأزمة على العائلتين ليبلغ حدّه الأقصى وتؤكد مساعدة المخرج
كوتسو سبيرو أن الشخصيات جميعها خسرت وزناً.
لم يقتصر الكفاح على تلبية الحاجات الأساسية تقول كوتسو سبيرو: «ثمة
عوامل نفسية وراء الأزمة وقد حاولنا أن ننقل المشاعر الدفينة فيها، أي أن
نعكس بفيلمنا دوامة الهبوط جسدياً ونفسياً على السواء»، وتضيف أن مشاعر
اليأس تسود في البلاد كلّها بشكلٍ عام.
أمجاد الماضي
تشكّل «الأزمة الاجتماعية» جزءاً من العوامل التي ألهمت المخرجة إلينا
بسيكو لكتابة The Eternal Return of Antonis Paraskevas
وهي دراما تحكي قصة البطل التلفزيوني المسنّ
أنطونيس باراسكيفاس وكيف خطط شخصياً لخطفه بدافع التهرّب من ديونه ولزيادة
نسبة مشاهدة برنامجه التلفزيوني الصباحي.
من فندقٍ فخم تحول لاحق الى سجنٍ كبير يتابع البطل على الشاشات آخر
أخبار خطفه ويعيد كذلك مشاهدة أفضل إطلالاته التلفزيونية بما فيها إطلالة
ليلة رأس السنة في العام 2001 حين انضمت اليونان الى اليورو. ومن غرفته في
الفندق كذلك بدأ البطل يفقد صوابه.
تقول بسيكو: «كان هدفي في الفيلم التركيز على الأزمة الوجودية وعلى
افتقار البطل إلى الهوية. أعتقد أنّ المعضلة هذه باتت أمراً شائعاً في
أيامنا هذه. الكثير من الناس كانوا يملكون مبالغ ضخمة وخسروا أعمالهم
وتوقفت معاشاتهم أو فقدوا منازلهم. خسر هؤلاء كل شيء ففقدوا هويتهم تماماً
كما خسر وطني هويته».
ويشبه هوس باراسكيفا بأمجاد شخصيته الشهيرة تعلّق اليونان بأمجاد
ماضيها وتعظيم الأبطال فيها ونلاحظ الهوس هذا في كلّ شيء وليس في الشخصية
فحسب، بل في الحياة اليومية بأدّق تفاصيلها، على حدّ قول مخرجة الفيلم التي
تقول عن الفيلم إنه «فكاهة قاتمة يعكس هباء الجهود التي تبذل لتحقيق أمجادٍ
لن تعود».
تدابير يائسة
وقد تفقد الجهود الأمل، كما يُظهر المخرج تانوس أناستوبولوس في فيلمه The Daughter
الذي يروي قصة فتاة في الرابعة عشرة من عمرها تلوم شريك والدها على إفلاس
الأخير فتقرر خطف ابنه البالغ من العمر ثماني سنوات وتجبره على تسديد ديونه.
يصوّر الفيلم أزمة اليونان فينقل صور الاحتجاجات في شوارع أثينا والتي
ولّدت مشاعر متناقضة لدى عددٍ كبير من اليونانيين. أراد أناستوبولوس اكتشاف
أثر ما يحصل في الشارع على الشباب. ويقول: «بما أنني كنت أباً شاباً،
تحوّلت نظرتي إلى أثر العنف والتوتر على الأطفال وعلى العلاقة بين الأجيال.
الجيل الحالي يختبر العنف. ظروف اليوم أشدّ قساوةً، وفي الأوقات القاسية،
يميل الناس إلى اتخاذ خياراتٍ قصوى».
تحوّل الفيلم الذي يطرح موضوعي المسؤولية والخيانة إلى كابوسٍ يقلق
المخرج ويعكس هواجسه الدفينة.
لم يكن المخرجان يريدان التركيز على الأزمة الاقتصادية بهذا الشكل، ما
كانا ينويان إعطاء هذا الامر المساحة البارزة في الفيلم. فقد بدأ الأمر
بوصفٍ غير رومنسي لجيل الرعاة اليونانيين الأخير. يضيف المخرج المساعد أران
هوغو: «مع تقدّمنا في العمل، وجدنا نفسنا عاجزين عن تجنّب الأزمة». كان من
المفترض أن تصور مشاهد الفيلم في محيط مقهى محلي ولكن المقهى أقفل بعدما
أملت الإصلاحات الاقتصادية على مالكه المسنّ تقديم سجلات مفصلة عما يقدّمه
لزبائنه من بضاعة وخدمات.
يعلّق هوغز: «من حيث لا ندري شعرنا أننا في وسط المعمعة الاقتصادية
وأدركنا أننا نستطيع توثيق الأمر عبر فيلمنا».
ولعل المحن الاقتصادية تولّد مزيداً من الابداع لدى صانعي السينما
اليونانيين. وتقول بسيكو في هذا المجال: «ثمة تضامن اليوم بين صانعي
السينما والفنانين ونحن نلمس ذلك بشكل كبير. لا شكّ في أننا نريد نقل القصة
ولكننا نشعر كذلك برغبة في الاستمرار وعدم الاستسلام بكل بساطة!».
الجريدة الكويتية في
19/02/2013
فجر يوم جديد: قيد الإقامة الجبرية!
كتب الخبر:
مجدي الطيب
عندما يلازم المخرج الكبير كمال الشيخ بيته من دون عمل، مذ أنجز فيلمه
«قاهر الزمن» عام 1987 وحتى رحيله عام 2004، ثم يتكرر الأمر مع المخرج
والسيناريست رأفت الميهي، الذي انتهت علاقته بالسينما مذ قدم فيلمه «شرم
برم» (2001)، والمخرج سعيد مرزوق الذي لم يجد المنتج الذي يدعمه مذ أخرج
«قصاقيص العشاق» واستسلم للمرض يأساً وزهداً واستنكاراً للجحود الذي
استشعره. ولا تختلف الحال كثيراً مع كتاب ومخرجين وممثلين كُتب عليهم
الاعتزال، وصاروا «قيد الإقامة الجبرية»، فإن الأمر يعني أن السينما
المصرية تأكل أبناءها، أو كما يقولون في الأمثال الشعبية المصرية «تأخذهم
لحماً وترميهم عظماً»!
ربما يرى البعض أن غالبية من أشرنا إليهم تقدم بهم العمر، ولم يعد
لديهم ما يقدمونه، ويواكب العصر في عالم متغير بسرعة هائلة، بكل ما في وجهة
النظر هذه من ازدراء للموهبة وتجاهل للتاريخ واستهانة بالخبرة الناتجة من
تراكم التجارب. لكن ما الذي يمكن قوله عن سينما تلفظ كاتباً في ريعان
شبابه، وأحد أهم مبدعيها، حتى إنها تجبره على أن يكتب السيناريو تلو الآخر،
وهو يعلم أن مصيره الأدراج!
أتحدث عن الكاتب ماهر عواد قائد قطار التجديد والابتكار في
السينما المصرية، مذ كتب أول أفلامه «الأقزام قادمون» (1986)، الذي مثل
اكتشافاً جديداً من حيث الشكل، وأظهر قدرته الفائقة على الاقتراب الحميمي
من هموم وقضايا المجتمع برؤية لا تخلو من سخرية لاذعة إذا كان الأمر يتعلق
بالسلطة والنخبة، وإصرار واضح على تثمين لحظة التنوير في حياة المواطن
البسيط، والتأكيد على مواطن القوة في داخله، وتحريضه ضد أشكال القبح والزيف
والظلم والعفن والفساد والاستغلال، وهي الرؤية التي دأب «عواد» على تقديمها
في أفلامه التالية: «الدرجة الثالثة» (1988)، «سمع هس» و»يامهلبية يا»
(1991) بلغة لا تخلو من الرمزية التي تنحو للرقي، والإسقاط الذي لا يعرف
الفجاجة، ما أتاح للمخرج شريف عرفة التعبير عن نفسه وموهبته وتقديم مستوى
تقني رائع، أدت فيه الصورة والتشكيل الجمالي دوراً كبيراً، بفضل سلاسة لغة
ماهر عواد وطزاجة أفكاره وفهمه المتطور لماهية الإيقاع ووظيفة الحوار.
نجح «الأقزام قادمون» في تأكيد لغة التفاهم الكبير والواضح بين ماهر
عواد ورفيق مسيرته المخرج شريف عرفة، والرؤية البصرية الجديدة التي تبنياها
في أفلامهما غير أن فشل فيلم «الدرجة الثالثة»، الذي قيل زوراً وبهتاناً
إنه أدى إلى اعتزال سعاد حسني، وهو الزعم الذي نفته «السندريلا» بشكل قاطع
في حوار أجريته معها، تسبب في ما يشبه القطيعة بين «عواد» و»عرفة»؛ فرغم
تعاونهما في فيلمي «سمع هس» و»يامهلبية يا» (1991) إلا أن شرخاً نفسانياً
تسلل إلى علاقتهما، فاختارا الفراق بغير رجعة، وخسرت السينما المصرية
بفراقهما أفلاماً ذات خصوصية، وأنموذجاً للسينما المتمردة والمختلفة.
غاب الموهوب ماهر عواد قرابة العامين، قبل أن يعود مع المخرج سعيد
حامد، الذي أدرك حجم موهبته المتفردة منذ أن كان يعمل كمساعد للمخرج شريف
عرفة، وقدما معاً فيلم «الحب في الثلاجة» (1993)، وبعده بدا وكأن «حامد»
الوحيد الذي لديه قناعة بأن ماهر عواد «عبقرية» لا يمكن التفريط فيها
بسهولة، وواحد من أفضل وأمهر كتاب السيناريو، وأكثرهم طزاجة وميلاً إلى
التجديد والابتكار والتطوير. من هنا، تعاونا في تجربتي «رشة جريئة» و»صاحب
صاحبه». وباستثناء هذين العملين اختفى اسم ماهر عواد من «تترات» الشاشة
الكبيرة، وباختفائه غابت اللمسة الإبداعية التي كانت تميز أفلامه، والفكرة
اللامعة التي تلمحها في موضوعاته، وسطور حواراته، والأهم نبرة السخرية
اللاذعة التي كانت تتسلل من بين ثنايا معالجاته ورؤيته الناضجة وقراءته
الرصينة لقضايانا وخصوصيته الفريدة في مراجعة التاريخ وقراءة أحداثه،
بعيداً عن المحاضر والروايات الرسمية، كما فعل، ببراعة فائقة في فيلم «يا
مهلبية يا»، الذي بلغت حماسة النجمة ليلى علوي له أن أسست شركة إنتاج
لتمويله.
اختفى «عواد»، الذي لا يجيد حرفة «العلاقات العامة»، وتوارى عن
الأنظار، بعدما أيقن أن المناخ لم يعد مواتياً، وأنه ظهر في الزمن الخطأ،
حتى تم الإعلان عام 2010 عن فوزه بالمركز الأول في فرع كبار الكتاب في مجال
السيناريو السينمائي بالدورة السادسة لمسابقة مؤسسة ساويرس للتنمية
الاجتماعية، عن سيناريو «حتى نفاد الكمية»، مناصفة مع الباحث والمخرج محمد
كامل القليوبي. ومع الإعلان عن اسمه، عادت الروح إلى جسد محبي إبداعه،
وتجدد الأمل في نفوس عاشقي سينماه، ممن افتقدوا قيمة ذلك المبدع الخلوق
ومكانته، لكن الفرحة لم تكتمل نظراً إلى أن «حتى نفاد الكمية»، بعنوانه
الذي لا يخلو من مغزى، لم ير النور، رغم مرور عامين على فوزه بالجائزة،
ورغم اعترافنا جميعاً، باستثناء الدخلاء والطفيليين من تجار السينما، بأن
عودة ماهر عواد تعني عودة الروح إلى الإبداع والابتكار والخيال الجميل، ما
يعني بكل أسف أن السينما المصرية تأكل أبناءها!
الجريدة الكويتية في
18/02/2013 |