عندما يحل موعد عرض “رجل الفولاذ” في الرابع عشر من يونيو/حزيران
المقبل يكون الفيلم السادس في سلسلة “سوبرمان” أكمل سبع سنوات من التحضير،
فالنية لإنتاجه بدأت حالما شهد الفيلم السابق “عودة سوبرمان” نجاحاً جيّداً
تجسّد في إيراداته العالمية التي بلغت 390 مليون دولار . شركة “وورنر”
أوعزت إلى مجموعة من الكتّاب بتقديم مقترحاتهم لإطلاق حلقة جديدة من ذلك
العمل، وبالفعل تجاوب عدد كبير من الكتّاب قبل أن تقرر الشركة إغلاق ملف
“سوبرمان” حتى يتسنّى لها مراجعة نفسها .
في العام 2009 فتحت الملف مجدداً وقبلت قصّة وضعها ديفيد غوير
وكريستوفر نولان (مخرج سلسلة “باتمان”) وأعلن عن أن نولان سيخرج الفيلم
الجديد، لكنه كان منشغلاً ب”الرجل الوطواط” ما فتح الباب أمام الاحتمالات
المتعددة . وطوال عامي، 2010 و2011 تمّت مقابلة العديد من المخرجين
لاستطلاع آرائهم وأفكارهم حول المشروع إذا ما اختارهم الإنتاج لهذه
المهمّة، من بينهم توني سكوت ومات ريفز ودانكان جونز ودارين أرونوفسكي وبن
أفلك . والأخير اعتذر سريعاً مبرراً ذلك بأنه لا يفهم كثيراً في شغل
المؤثرات الحديثة، لكنه قال في وقت لاحق: “تعلّمت أن عليّ اختيار أعمالي من
دون الاهتمام بالميزانية ولا بالمؤثرات . القصّة هي الأهم” .
في النهاية استقر الرأي على زاك سنايدر الذي أقنع الشركة برؤيته
للفيلم وبطله وكيفية إعادة سوبرمان إلى العلن بنجاح .
وكما الحال بالنسبة لعملية البحث عن المخرج، تعرّض تعيين ممثل جديد
للدور إلى عقبات . في الجزء الخامس من المسلسل تم تقديم ممثل باسم براندون
راوث للدور، لكنه لم ينجز المهمّة الموكلة إليه بنجاح، ولم يأت الفيلم على
نحو جيّد على كل حال . النيّة هذه المرّة كانت استبدال براندون بسواه،
وبالفعل عوين عدد من الممثلين المحتملين من بينهم أرمي هامر وزاك إفرون
وماثيو غود، قبل اختيار هنري كافيل للدور الطائر .
ما يكشفه كل ذلك البحث والتنقيب هو بنية معقّدة لإنتاج الأفلام في
هوليوود كما في سواها ولو أنها تبقى الأكثر تعقيداً، مفادها أن توفير 200
مليون دولار لأي فيلم يجب أن يمر بعملية طويلة يتم فيها تصفية الأسماء
وتحليل القدرات ودراسة الأسواق وتخطيط الحملات الإعلامية على نحو صحيح .
الإنتاج الناجح في “هوليوود” اليوم، هو ذلك الذي يستطيع أن يقرأ المستحيل
وهو: كيف سيتصرّف الجمهور حيال الفيلم حين عرضه وتبعاً لأي معطيات وعناصر .
والحقيقة أن هذه المصاعب ليست حكراً على الأفلام المكلفة وحدها، لكن
ما تتمتّع به الأعمال الصغيرة والمستقلّة عموماً هو أنها تستطيع بسهولة
استرداد تكلفتها، فميزانية الفيلم من هذه النماذج الفذة لا تتجاوز العشرين
مليون دولار وأحياناً مع ممثلين يقبضون مبالغ كبيرة لكنهم يرضون بالعمل
لقاء نسبة أرباح أو بأسعار خاصّة حبّاً في أفلام مختلفة عما تقدّمه الشركات
الكبرى .
والملاحظ أنه كلّما ارتفعت ميزانية الفيلم استغرق العمل عليه وقتاً
أطول في محاولة للتغلّب على أي عقبة قد ينتج عنها فشله حين يُطرح في
الأسواق .
وبعض الأفلام التي تكبّدت مشاق طويلة وسنوات عدّة من التحضير المضني
قبل إطلاقها ومنها مثلاً مشروع مستوحى من كتب “البالب فيكشن” و”الكوميكس”
عنوانه
R .I .P .D
الذي بوشر تحضيره سنة 2002 وكاد أن ينطلق تصويره سنة 2004 لكنه توقّف وألغي
قبل العودة إليه . وفي خريف العام 2011 عاد المشروع إلى الأولوية بين
مشاريع “يونيفرسال” وبوشر بتصويره في العام 2012 وسيكون حاضراً للعروض في
منتصف هذا العام .
فيلم آخر تعرّض للتأخير هو “غاتسبي العظيم” الذي افتتح مهرجان “كان”
المقبل، ففي العام 2009 أخذ المخرج الأسترالي باز لورمن يتحدّث عن الفيلم
. لكن سقوط فيلمه السابق “أستراليا” أدّى إلى عرقلة المشروع . في العام
2010 جدد المخرج المحاولة وعقد اجتماعات عدّة مع شركات أمريكية قبل أن
تستجيب شركة “يونيفرسال” وتقتنع بمنح لورمن فرصة جديدة . في الثامن
والعشرين من أغسطس/آب 2011 بوشر تصوير الفيلم الذي يقود بطولته ليوناردو دي
كابريو .
وفي العشرين من الشهر الأول من هذا العام، انتهى حقبة ما بعد التصوير
ليصبح الفيلم جاهزاً للعروض .
وكثيرة هي الأفلام التي بدأت على الورق قبل خمس سنوات ولم تتحقق حتى
الآن إذ يتم محص المشروع وفحصه مليّاً قبل إعطائه الضوء الأخضر . من بينها
“آل كرودز” وهو فيلم أنيماشن ينطلق للعرض هذا الأسبوع كان شهد عرضه العالمي
الأول في إطار مهرجان برلين . و”ذ لون رانجر” وهو و”سترن” من بطولة جوني
دَب وآرمي هامر و”47 محارب” مع كيانو ريفز ومجموعة من الممثلين اليابانيين
.
وأحد أكثر الأفلام ترقّباً هذا العام كان فكرة انطلقت سنة 2006 ولم
يتح لها أن تُنجز قبل الآن . الفيلم هو “الحرب العالمية
Z” والحرف اللاتيني هو للدلالة على “الزومبيز” (آكلي لحوم البشر) في
حكاية تصوّر نضال أهل الأرض للوقوف ضد الزومبيز بعدما قوي ساعد هؤلاء ما
أدّى إلى نشوب حرب كونية لابد أن ينتصر فيها فريق على آخر . براد بت هو بطل
هذا الفيلم وهو وقف وراءه منذ البداية حتى حين فكّرت شركة باراماونت
بالعدول عنه .
ما يكشف عنه كل ذلك لجانب أن التأني يجلب الإحباط للعاملين على مشروع
يودّون إنجازه اليوم وتلقّف سواه يوم غد، هو أن الفيلم الجيّد لا يتأثر
بطول مدّة إنتاجه . ربما على العكس، فتداوله في الإعلام قد يساعد في إشاعة
حالة ترقّب . صحيح أنه لا يُعول عليها دائماً، لكنها في معظم الأحيان تنجح
في تجييش الجمهور الذي يعد السنوات ثم الأشهر ثم الأسابيع والأيام .
أسماء في تاريخ الفن السابع
ميشيل خليفي
سبق ميشيل خليفي سواه من المخرجين الفلسطينيين حين قرر تحقيق أفلام لا
تعمل على منوال سينما البطولات والتضحيات وتستمد من النكبة والهزيمة
والغارات “الإسرائيلية” ضد الآمنين حكاياتها . فكّر بأن الوقت حان لتقديم
حكايات فلسطينية الهويّة والجوهر والحياة وتعيد المواضيع إلى حقيقتها
المجرّدة: كيف سلبت العصابات الصهيونية الأرض والإنسان .
من هذا المنطلق حقق “الذاكرة الخصبة” سنة 1980 ثم “عرس الجليل” بعد
ذلك بسبع سنوات . لم يعمد المخرج إلى تكرار ذاته ولا إلى العمل المتسارع بل
دائماً ما أخذ وقته . وبعد خمس سنوات على فيلمه التسجيلي الجيّد “الطريق
181” عاد قبل عامين لسرد حكاية فلسطينية أخرى مختلفة بعنوان “زنديق” . رغم
النقد الذي ووجه به من بعض النقاد، إلا أن ميشيل برهن على التزام كبير
بالقضية والابتعاد عن المتاجرة بها .
شاشة الناقد
مجموعة أفلام في واحد
***
Olympus Has Fallen
فكرة “أولمبوس سقط” تجدها في “داي هارد”: الرجل المحبوس في مكان ما
الذي ينطلق لإنقاذ رهائن مسجونين في طابق أو قسم آخر من المكان نفسه . في
العام 2008 عندما قدم جون مكتيرنان هذا الفيلم عن رواية نيّرة لرودريك ثورب،
شاهدنا بروس ويليس يقوم بهذه المهمّة شبه المستحيلة: احتل إرهابيون مبنى
بأكمله يقع في مدينة لوس أنجلس ولم ينتبهوا إلى أن التحري ويليس موجود في
المبنى وهو وحده سوف يقاتل الجميع ويخلّص الرهائن .
بعده في المضمار جاء أندرو ديفيز بفكرة مماثلة في الجوهر: طبّاخ في
سلاح البحرية (ستيفن سيغال) يواجه إرهابيين احتلوا المدمّرة التي يعمل فيها
ويؤول الأمر إليه لتخليصها والرهائن فوقها من هؤلاء الأشرار .
“أولمبوس سقط” لا يبتعد عن الحبكة: هنا حارس أمن موكل بحماية رئيس
الجمهورية اسمه مايك (جيرارد باتلر) . ذات مرّة في خلفيات القصّة تعرّضت
سيارة الرئيس إلى حادثة وكان على مايك أن يتصرّف سريعاً لإنقاذ حياة الرئيس
وعائلته، لكنه لم يستطع سوى إنقاذ حياة الرئيس قبل أن تهوى السيارة بزوجته
وتموت . نتيجة ذلك نُقل مايك إلى مصلحة أخرى، لكن عندما يتعرّض الرئيس إلى
هجوم إرهابي ينتج عنه حجزه في البيت الأبيض، ينطلق مايك للانتقام من
الحادثة السابقة ونتائجها . عليه أن يخطط ويجابه ويقاتل وينجح في النهاية
في إنقاذ حياة الرئيس مرّة ثانية .
مايك في البيت الأبيض وحده بعد الإجهاز على زملائه السابقين من حراس
الرئيس، والإرهابيون (كوريون شماليون) تمكنوا من احتجاز الرئيس في موقع من
الصعب إخراجه منه . لكن لا شيء صعب على مايك وباقي المواقف معهودة باستثناء
أنه يتم هنا حشر احتمال اندلاع حرب نووية . المخرج أنطوان فوكوا دائماً ما
أنجز حرفية عالية لأفلامه التي من بينها “يوم التدريب” وآخرها “أفضل
بروكلين”، وهو يفعل ذلك هنا ويقدّم استعراض قوّة ومشاهد حركة في نجاح
يتجاوز ثغرات الحكاية التي تكاد تصوّر رجال أمن الرئيس كما لو كانوا هواة
وسذّجاً يستطيع أي شخص إشغالهم والتغلّب عليهم . آرون إكهارت في دور الرئيس
وهناك وجوه عديدة تشارك في الأدوار المساندة من بينها ديلان مكدرموت
ومورغان فريمن وأنجيلا باسيت وميليسا ليو .
أوراق ومشاهد
لحم البشر
****
Solyent Green (1973)
في العام ،2022 سيتم حسم المستقبل: القلّة ستستطيع العيش في منازل
كبيرة وتحصل على ميزات خاصّة مثل اللحوم والثمار والمشروبات والعطور
والمفروشات، بينما الأغلبية الكاسحة ستعيش في شقق وضيعة أو على السلالم
المؤدية إليها . إنه عالم قاتم تنبّأ به فيلم أُنتج سنة 1973 بعنوان
“سوليانت غرين” .
في ذلك العالم ليست هناك طبقة متوسّطة بالمرّة . الأغلبية فقيرة
والأقلية بالغة الثراء . البيئة ملوّثة . الموت مبكر . التظاهرات ممنوعة .
المخابرات منتشرة . والتحري ثورن (شارلتون هستون) موظف في قسم الشرطة يحقق
في جريمة قتل تعرّض إليها أحد الأثرياء . يفاجأ بمستوى معيشته . يضع بعض
الأطعمة في جيبه قبل أن يخرج ويعطيها لصديقه العجوز الذي يشاركه البيت
القديم الذي يعيشان فيه . إنها ليلة فريدة لا تتكرر . العجوز يبكي إذ لم
يشاهد اللحم منذ سنوات، لكنه كان في الأصل غارقاً في التشاؤم وعاش طويلاً
ليرى انحدار الحياة نحو الأسوأ وصولاً إلى تلك الفترة .
خلال تحريات ثورن يتعرّف أيضاً إلى فتاة تعيش في المنزل الثري .
العادة في المستقبل اعتبار النساء كقطع المفروشات بالنسبة للأثرياء .
يشترون المنزل ومفروشاته والمرأة التي تبقى في البيت وديعة يمكن تغييرها أو
تجديدها إذا ما أحب صاحب البيت . أما القاتل فهو تشاك نوريس الذي يعمل
لحساب الحكومة .
يدرك ثورن أن المسألة فيها لعبة خفية فينطلق لمعرفتها ليكتشف أن
الطعام الموزع على الناس على شكل قطع خضراء اللون مصنوعة لدى شركة اسمها
“صويلنت غرين” ماهي إلا لحم بشري تدعى الشركة أنه مادة سمكية من أعماق
المحيط .
أخرجه رتشارد فلايشر الذي تتدرّجت أعماله من الرديء إلى الجيّد وهذا
من بين أفضل أعماله في السبعينات من القرن المضي رغم أنه لا يشق طريقاً نحو
التميّز، لكن الموضوع مهم والنظرة ملؤها التحذير من المستقبل الداكن . إنه
ليس أفضل من نظرة “أوديسا الفضاء” فنياً ولا عميق سياسياً كما حال “1984” .
وهو ثاني فيلم أمريكي تحدّث عن وضع يتم فيه تقديم حكاية التجارة بلحوم
البشر، إذ سبقه بعام واحد فيلم بعنوان “قطعة أولى” لمايكل ريتشي .
م .ر
Merci4404@earthlink.net
الخليج الإماراتية في
24/03/2013
المسرح والسينما في بغداد
(1939 - 1958)
د. عباس فرحان الزاملي
تميزت الحركة المسرحية في بغداد منذ نشأتها بارتباطها الوثيق بالحياة
الاجتماعية والاقتصادية لابناء المجتمع ، وتعبيرها عن النضال الوطني
والقومي الذي قادته الاحزاب والنوادي والجمعيات ، اذ كانت اهدافها المطالبة
باصلاح الاوضاع العامة ورغبتها بالتحرر والاستقلال التام.
ويمكن القول ان المسرح البغدادي ، كان قد حمل رسالة انسانية لا تقل شأناً
عن الوسائل التثقيفية الاخرى ، في طروحاته ومعالجاته لمشكلات المجتمع
الاساس لاسيما الفقر والجهل والتخلف والعادات والتقاليد البالية. فضلا عن
المؤثرات الغربية المستجدة التي انعكست اثارها السلبية على العلاقات
الاجتماعية والنواحي الاخلاقية ، التي تأثرت الى حد كبير باختلاف توزيع
الثروة وانعدام العدالة الاجتماعية، وحاجة ابناء البلاد الى الخدمات
الضرورية والتطلع نحو التطور المستمر على غرار الدول المتقدمة.
ان الحركة المسرحية قد جوبهت بعقبات ومصاعب جمة تمثل اهمها بقلة الدعم
الحكومي المادي والمعنوي ، فقد كان المسرحيون ينفقون على اعداد مسرحياتهم
وانشاء المسارح من اموالهم الخاصة القليلة. وانعدام العنصر النسوي المؤهل
لأداء الادوار المطلوبة في العرض المسرحي. فضلا عن النظرة الاجتماعية
القاصرة للنشاط المسرحي انذاك فقد عد (ضرباً من التهتك والانحلال الخلقي)
مما جعل الاباء يحجمون عن ادخال ابنائهم في تلك الفنون.
وكان للسلطة الحاكمة موقف من النشاط المسرحي ، بسبب تجسيده لواقع للمجتمع
المتخلف وانتقاده لجوانب الخلل فيه،لذلك تعرض بعض المسرحيين الوطنيين الى
الاعتقال. وسحبت اجازات فرقهم بسبب معاداتهم للسياسة البريطانية والنظام
الملكي الحاكم.
يمكن القول ان سنوات الثلاثينيات تمثل مرحلة جديدة في تاريخ الحركة
المسرحية في بغداد ، اتسمت بكونها اكثر ثباتاً واخصب انتاجاً واوسع قدرة
على مواجهة مشكلات العمل المسرحي من الحقب السابقة. فأنشئت بنايات جديدة
للمدارس منها ما استغل لعرض المسرحيات، وتوافرت مستلزمات العمل المسرحي
وبرز الكتاب العراقيون في مساهمتهم في التاليف ، فضلاً عن وفود الفرق
المسرحية العربية لاسيما المصرية منها. فكان لها تأثيرها الواضح في المسرح
العراقي وتشكيل الفرق المسرحية في بغداد التي افادت من الخبرة المصرية
وتأثرت بها.
لقد ادركت وزارة المعارف اهمية المسرح في الحياة الاجتماعية فقامت بأرسال
حقي الشبلي . عام 1935 في بعثة لدراسة التمثيل والاخراج المسرحي في باريس
، وبذلك كان اول طالب عراقي يدرس التمثيل والاخراج المسرحي.
وتعد نهاية الثلاثينيات وبداية الاربعينيات نقطة تحول في المسرح العراقي
فقد شهدت هذه الحقبة تطوراً ملموساً في النشاط المسرحي لاسيما بعد عودة حقي
الشبلي من باريس عام 1939 .وتعيينه مشرفاً على النشاط الفني المدرسي.فقام
حال تعيينه بتشكيل لجان عدة للنشاط الفني في مدارس بغداد .كانت بمثابة
النواة الاولى لمديرية النشاط المدرسي.ولم يمكث طويلاً فقد نقل الى المعهد
الموسيقي عام 1940.
قدّم حقي الشبلي بعد نقله اقتراحاً الى وزارة المعارف يقضي بتأسيس معهد
يكون جامعاً لكل الفنون ( المسرح والرسم والنحت الى جانب الموسيقى الشرقية
) . وبعد موافقة الوزارة على الاقتراح ، أسس فرع التمثيل ، فسمي المعهد
بأسم معهد الفنون الجميلة وتولى الشبلي ادارته فضلاً عن رئاسته لفرع
التمثيل. الذي كان له ابلغ الاثر في تخريج عدد كبير من الفنانين، ويذكر
احمد فياض المفرجي ان افتتاح فرع التمثيل في المعهد كان له صدى كبيراً في
تاريخ الحركة المسرحية ، لانه جاء اعترافاً بأهمية العمل المسرحي وضرورته
لحياة الانسان ، بوصفه ظاهرة حضارية لا يمكن الاستغناء عنها في شتى الاحوال.
اسهم في انحسار الفرق والجمعيات الاهلية غير الاكاديمية القائمة على
التقليد والارتجال.
نشطت الحركة المسرحية في بغداد في الاربعينيات وقد تجسد هذا النشاط بازدياد
عدد الجمعيات والفرق التمثيلية. التي كان من اشهرها :
1.جمعية
انوار الفـن:
اسست جمعية انوار الفن في 22 اب 1940. وتألفت هيأتها الادارية من توماس
حبيب رئيساً ، ورؤوف توفيق مديراً للادارة ، وسليم بطي سكرتيراً ، وجوزيف
عجاج محاسباً ، فضلاً عن الاعضاء : صلحي مصطفى واسماعيل حقي ولويس توماس
واسماعيل الامين ومجيب حسون واسماعيل ابراهيم الشيخلي. وقامت بتمثيل
مسرحيات عدة كان من اهمها مجنون ليلى ، عبد الرحمن الناصر ، الهارب البخيل
، انتقام المهارجا ، الروح الشريرة ، رصاصة في القلب وطعنة في القلب ، لم
تستمر طويلاً اذ حلت بعد سنتين من تأسيسها.
2.
فرقـة بغـداد:
تشكلت فرقة بغداد عام 1943. وكانت الهيأة الادارية التي قامت بأدراتها
تالفت من : فاضل عباس رئيساً،وعبد الله العزاوي مديراً فنياً،وكان من
اعضائها الاداريين صبري الذويبي ومحيي الدين محمد ،وقدمت مسرحيات عدة
منها:(عبد الستار افندي ،هارون الرشيد ،وحيدة،المجنون) وتوقفت عن العمل في
نهاية عام 1945.
3.
جمعية اخوان التمثيل والسينما :
اسست هذه الجمعية عام 1945،وكانت اول هيأة ادارية لها تألفت من :
محمد حسين البصام رئيساً ثم حل محله احمد حمدي،وعلي العزاوي
سكرتيراً،وعلي النعيمي اميناً للصندوق.وقد قدمت عدداً كبيراً من المسرحيات
التي نالت استحسان الجمهور منهاعلى سبيل المثال (لقيط الصحراء، الأب،جريمة
بلا عقاب،ملاك في الجحيم، الفاجعة،شهداء في سبيل التاج،ثريا،انتقام
الازبيريا)توقفت هذه الجمعية في العام نفسه.
4.
الجمعية الفنية للتمثيل والسينما :
اسست هذه الجمعية عام 1946 ، وتألفت هيأتها الادارية الاولى من الفنانين
(عباس العبيدي رئيساً ، وزكي السامرائي نائباً له وابراهيم شاكر سكرتيراً )
واتفق الاعضاء المؤسسون على عدم تمثيل المسرحيات في الملاهي ، بهدف اجتذاب
بعض البغداديين الذين يأنفون دخول الملاهي ترفعاً منهم ، لانطباعهم السيء
عنها. وقد اغنت هذه الجمعية الحركة المسرحية بأنتاجها الذي تناول موضوعات
متنوعة ، ومن اهم مسرحياتها ( رسول النبي الى هرقل ، الحجاج والفتية
الثلاثة ، شهداء الوطنية، يوم الجلاء في سوريا ، نهاية مجرم) واستمرت
بالعمل حتى عام 1954.
5.
جمعية النهضة الفنية:
لقد اسهم تخرج الدورة الاولى . من معهد الفنون الجميلة في انتعاش
الحركة الفنية ، وتأسيس جمعيات جديدة منها جمعية النهضة الفنية التي شكلت
في كانون الثاني 1946 ، وتألفت هيأتهـا الاداريـة مـن صائـب الجصانـي
رئيسـاً ،ومحسوب العزاوي سكرتيراً ، وعدنان القيسي اميناً للصندوق والاعضاء
هنري غنام ، ومحمد رشيد الزيدي. وامتازت هذه الجمعية بحسن تنظيمها ورقي
فنها الذي عالج موضوعات اجتماعية مختلفة ، ومن اهم مسرحياتها ( الزوجة
الخائنة ، الاعتراف ، جريمة الاباء ، دموع البائسة ، وحيدة ، قاتل اخيه
وجنفيات ، في سبيل التاج ، مصرع يوليوس قيصر ) ولم تكتف بعرض هذه المسرحيات
في بغداد وانما سافرت الى المدن العراقية الاخرى استمرت بالعمل حتى عام
1954.
6.
الفرقة الشعبية للتمثيل :
اسست هذه الفرقة في عام 1947 ، وكان تشكيلها يمثل انعطافاً جديداً في مسيرة
الحركة المسرحية في العراق ، وبداية انطلاقة جديدة في النشاط الفني ، فقد
تميز اعضاؤها بثقافة فنية عالية لا سيما خريجوا معهد الفنون الجميلة ، وكان
من ابرزهم ابراهيم جلال ، وعبد الجبار توفيق ولي ، وعبد الله العزاوي ،
وعبد القادر توفيق ، وعبد الستار فوزي وعبد الكريم هادي وخليل شوقي وصفاء
مصطفى ، وجعفر السعدي . ومن أهم اعمال هذه الفرقة تمثيلها مسرحية شهداء
الوطن في عام 1948 ، للكاتب الفرنسي فكتوريان ساردو التي قام باخراجها
ابراهيم جلال . ومثلها ( عبد الجبار توفيق وتقي البلداوي ، وصلاح الدين
توفيق، وجواد الساعدي ، وفائق عارف القمايجي..) استمرت بالعمل حتى نهاية
العهد الملكي .
تميزت الفرقة الشعبية بوفرة انتاجها من المسرحيات الاجتماعية ، التي اظهرت
حقائق ومعلومات ، استمد بعضها من طبيعة المجتمع البغدادي ومعاناته ، ومن
اهمها مسرحية (الفلوس) للكاتب التركي نجيب فاضل عام 1952 ، ومسرحية (القبلة
القاتلة ) عام 1953 ، وفي عام 1955 عرضت ثلاث مسرحيات هي : ( صرخة الالم ،
والملاح ، والبائس ) وعرضت في عام 1956 مسرحيتين هما ( المورد المسموم ،
ايريد يعيش ) . وكانت هذه المسرحيات من اخراج جعفر السعدي الذي اختير بعـد
نجاح
تلك المسرحيات في البعثة العراقية الى الولايات المتحدة الامريكية للتخصص
في الانارة المسرحية والسينمائية ، وسافر السعدي في آب 1957 الى الولايات
المتحدة الامريكية ، وقد تخصص في الاخراج المسرحي لعدم وجود فرع الانارة
المسرحية والسينمائية واستمرت الجمعية بالعمل حتى نهاية العهد الملكي.
7.
جمعية جبر الخواطر :
وشهدت نهاية الاربعينيات ظهور بعض الجمعيات المتميزة في انتاجها الفني ،
لاسيما جمعية جبر الخواطر التي تاسست عام 1948 . وتالفت هيأتها الادارية من
يوسف العاني وشهاب القصب وعبد المنعم الجادر ، مثلت هذه الجمعية المسرحيات
التي كتبها العاني وكان من اهمها : ( في مكتبة محامي ، مع الحشاشة ، طبيب
يداوي الناس ، محامي نايلون ، مجنون يتحدى القدر ، موخوش عيشة ، ام حسين
).وكانت هذه المسرحيات تمثل المفارقات الاجتماعية السائدة في المجتمع
البغدادي في تلك الحقبة استمرت بالعمل حتى عام 1954.
8.
فرقة المسرح الحديث:
وفي بداية الخمسينيات تألفت عدة فرق فنية قامت بتنمية الوعي الفني
والاجتماعي من خلال تقديم المسرحيات وكان من اهم هذه الفرق فرقة المسرح
الحديث التي تأسست عام 1952. وتألفت هيأتها الادارية: من ابراهيم جلال
رئيساً ، يوسف العاني سكرتيراً ، عبد الرحمن بهجت محاسباً ويعقوب الامين
عضواً وانضم الى الفرقة فيما بعد مجيد العزاوي وحميد قاسم ومحمد القيسي
وراسم القيسي وفوزية قطان وسامي عبد الحميد وشكري العقيدي.
ومن الجدير بالذكر ان شخصية يوسف العاني قد برزت على الساحة الفنية في
بداية الخمسينيات واصبح اكثر اعضاء فرقة المسرح الحديث انتاجا فقد كان
مؤلفاً للمسرحيات وممثلا وناقداً لها في آن واحد. ورفد الحركة الفنية
بسلسلة من المسرحيات ذات المغزى الاجتماعي الهادف عالج فيها هموم المجتمع
ومعاناته باسلوب انتقادي ساخر. وكان من اهمها: ( راس الشليلة عام 1951 ،
وحرمل وحبة سودة عام 1952 ، واكبادنا ، وتؤمر بيك عام 1953 ، وفلوس الدوه ،
وست دراهم عام 1954 ، ايراد ومصرف ).وقد ذكر عند عرضها انها من تاليف محمد
يونس وعلى اثر هذه المسرحيات سحبت اجازة الفرقة من قبل وزارة الداخلية.
9.
فرقة المسرح الحر 1954 :
أسست هذه الفرقة عام 1954. وكانت هيأتها الادارية الاولى تتألف من: باسم
جاسم العبودي رئيساً وعضوية كل من : صفاء مصطفى ، وعبد الرحمن فوزي ، يوسف
العاني ، وشكري العقيدي ، ثم التحق بهم عبد الواحد طه ،وقاسم محمد ،وكارلو
هاريتون ، وبعض طلاب معهد الفنون الجميلة. وتعرضت الفرقة الى مضايقات وزارة
الداخلية التي قامت بسحب اجازتها ثم سمحت لها بالعمل في عام 1956. بعد نفي
بعض اعضائها المؤسسين لاسيما جاسم العبودي ويوسف العاني وكان من اشهر
مسرحياتها : (الغرفة المشتركة ، واصدقاء ، والخبر المسموم) استمرت بالعمل
حتى نهاية العهد الملكي.
فضلاً عن تلك الفرق المنوه عنها كانت هناك فرقا اخرى محدودة في نشاطها
ومقتصرة على التمثيليات الاذاعية والتلفزيونية مثل فرقة الزبانية ، والنهضة
العربية ، وفرقة عشتروت، وفرقة يحيى فائق وجمعية رعاية الآداب والفنون.
ب-
السينما في مدينة بغداد
للسينما اهمية كبيرة في حياة الانسان ولها ابعادها في الحياة الاجتماعية
والاقتصادية والثقافية. وكانت تعد الى عهد قريب من وسائل التسلية الشعبية ،
التي تركت اثارها البارزة في المجتمع البغدادي. لقد عرف البغداديون السينما
الناطقة في بداية الثلاثينيات عندما عرضت سينما الوطني في يوم عيد الفطر
الموافق 19 شباط 1931 الفيلم الغنائي ( ملك الموسيقى ) فكان هذا حدثاً
مهماً في تاريخ السينما في العراق ، اذ انبهر جمهور المشاهدين
لهذا الحدث غير الاعتيادي ، الذي ادى الى انحسار الافلام الصامتة تدريجياً
وافولها بعد ان كانت هي السائدة على شاشات العرض السينمائية ، فأصبح لهذا
النوع من السينما روادها المعجبون بها ، مما حفّز على التوسع بانشاء دور
جديدة للعرض السينمائي في مدينة بغداد.
ويمكن القول ان ادارات دور العرض السينمائية كان معظمها تابعة للقطاع الخاص
الذي اظهر نشاطاً ملموساً منذ بداية الثلاثينيات في انشائها ، ومن اهم تلك
الدور السينمائية هي
:
1.
سينما الرافدين : اسست عام 1932 تقع في شارع الرشيد.
2.
سينما الملك غازي : اسست عام 1934 من قبل نعيم شاؤول العزيز ، وتقع في
الباب الشرقي في راس شارع الملك غازي ، كان عدد مقاعدها (1050) في الصالة و
1580 في البلكون وفيها (25) لوجاً عدد مقاعد اللوج الواحد فيها (4) مقاعد.
3.
سينما الحمراء : يرجع تأسيسها الى عام 1935 ، وتقع في شارع الرشيد بالقرب
من جامع مرجان مؤسسها اسماعيل شريف عدد مقاعدها (1000) مقعداً.
4.
سينما الزوراء : تأسست عام 1936 في شارع الرشيد محلة المربعة ، واصحابها ،
الياس دنوس وسليم شوحيط.
5.
سينما روكسي وسينما ركيس التي تأسست عام 1936 في شارع الرشيد بإدارة عبد
الجبار سبع.
وشهد عام 1937 تأسيس سينما جديدة في شارع الرشيد عرفت بسينما الرشيد ، عدد
مقاعدها (1200) مقعدٍ ، مؤسسها انطوان مسيح وسودائي اخوان. زيادة على ذلك
كانت الافلام السينمائية تعرض في دور العرض الصيفية وقاعات بعض المدارس
الثانوية في بغداد لاسيما المدرسة الجعفرية والتفيض. وفي عام 1939 اعيد
تأسيس سينما الوطني من قبل شركة السينما البغدادية براسمال قدره (35) الف
دينار تقع في شارع الرشيد في محلة سيد سلطان علي.
وفي الاربعينيات تأسست في بغداد عدة دور للعرض السينمائي كان من اهمها:
سينما ديانا التي انشأت عام 1943 ، وتولى ادارتها صائب الجصاني ،
وكان عدد مقاعدها (976) مقعداً ، وفي عام 1944 أسست سينما دار
السلام من قبل عبد الرزاق الشيخلي في شارع الملك غازي محلة قهوة
شكر ، وكان عدد مقاعدها (1150) مقعداً.
وحاولت السفارة البريطانية استخدام السينما كوسائل دعائية لحلفائها اذ
اهتمت بعرض الافلام السينمائية في دور العرض وفي الاماكن العامة.
وبعد نهاية الحرب العالمية الثانية شهدت بغداد تأسيس دور عرض جديدة بفعل
الاقبال المتزايد على السينما التي اصبحت من الوسائل التعليمية والتثقيفية
المقبولة لدى قسم من الشرائح الاجتماعية المثقفة الى جانب اهدافها
الترفيهية المعروفة. ومن ابرز هذه السينمات: سينما الارضوملي التي تم
تأسيسها عام 1946 من قبل قدري الارضوملي وتُعد أول سينما في جانب الكرخ ،
وفي عام 1947تم افتتاح سينما الفردوس وسينما النصر في شارع الملك غازي محلة
الهيتاويين. وشيدت في بغداد عام 1948 سينما النجوم التي افتتحتت عام 1949
وتقع في شارع الملك غازي محلة السنك ، وتعود ملكيتها الى حبيب الملاك
ويديرها سليم الاطرقجي. تخصصت في بدايتها بعرض الافلام العالمية ثم عرضت
بعد ذلك الافلام العربية لاسيما المصرية منها وكانت تضَّيف الفنانين
المصريين عند العرض الاول للفلم العربي في سينمات بغداد لاغراض دعائية.
كانت دور السينما في بغداد في تزايد مستمر فقد بلغ عددها حتى كانون الثاني
عام 1950 حوالي (82) داراً للسينما منها 41 سينما صيفي مكشوفة. وكان معظم
هذه السينمات يمتلكها اليهود او تدار من قبلهم. وافتتحت عام 1949 سينما
ريجنت في الصالحية بالقرب من تمثال الملك فيصل الاول وفي عام 1956 افتتحت
سينما الخيام وهي سينما متطورة جداً من حيث مقاعدها ومزينة بالرسوم
والصور وتقع في زقاق متفرع من شارع الرشيد.
لقد كانت السينما مثار اهتمام ابناء المجتمع البغدادي على اختلاف فئاتهم
الاجتماعية ، لذلك تهافتوا على مشاهدة الافلام السينمائية وارتياد دور
العرض. وكان اكثر رواد هذه السينمات هم : التجار والملاكون والمعلمون وطلبة
المدارس والمثقفون والاطفال والنساء على شكل عوائل في لوجات خاصة او يجلسون
في المقاعد الامامية. وتكون اغلب تلك السينمات محتشمة بروادها
منتظمة لا يسمح للمتفرجين بالتعليقات البذيئة او السمجة وفي حالة حدوث ما
يخالف الآداب العامة يقوم المسؤولون باخراج من يسئ السلوك فيها فوراً.
وتتوفر فيها النظافة والشروط الصحية وهي خاضعة لمراقبة الدولة ، لذلك كانت
السينما مكاناً للقّاء واللهو البريء المحبب لكل الأسر حيث تجد الاسر
ملاذها في الانس الاسبوعي داخل الصالة ، وكانت هذه الظاهرة شائعة في دور
السينما في جميع المدن العراقية.
وكانت السينمات تقسم على ثلاث درجات اولى وثانية وثالثة حسب مواقع مقاعدها
والواجها ( مقصوراتها ) وتوفر الخدمات الضرورية فيها وتعرض افلاماً متنوعة
في اوقات معلومة لروادها في الساعة العاشرة والنصف صباحاً وفي الساعة
الثانية والنصف ظهراً وفي الساعة الرابعة والنصف وفي السابعة والنصف مساءً
وفي الساعة التاسعة والنصف ليلاً
.
وكانت تستعمل وسائل دعائية لجذب المشاهدين عن طريق الصحافة او التجول في
الشوارع بوساطة بعض المنادين الذين يستأجرون العربات للسير في شارع الرشيد
من باب المعظم الى الباب الشرقي او يقفون امام دور العرض ويلفتون الانتباه
الى الافلام السينمائية لغرض جذب المتفرجين.
وتختلف اسعار تذاكر دخول السينمات حسب درجاتها فمثلاً اجرة المقصورة
المكونة من (4) كراسي كان( 550) فلساً واجرة كرسي في موقع ممتاز كان يبلغ
(130) فلساً
انتاج الافلام السينمائية في بغـداد
اما بالنسبة لصناعة الافلام السينمائية في بغداد ، فقد بدأت المحاولات
الاولى منذ عام 1934 عندما كلفت شركة فوكس العالمية للافلام في بغداد
الفنان حقي الشبلي لانتاج فلم روائي يقوم ببطولته ، يمثل الحياة الاجتماعية
وتستعرض به الآثار التاريخية العراقية.
وجرت محاولة اخرى من الاخوين حافظ ومصطفى القاضي اذ سافر الاخير عام 1938
الى بريطانيا لجلب الادوات واللوازم السينمائية لانتاج فلم سينمائي في
بغداد ، الا ان هذه الجهود المبذولة في هذا المجال لم يكتب لها النجاح ،
لكنها كانت ممهدة لمحاولات أُخر ناجحة ، لذلك بقي القطاع الخاص مستورداً
وموزعاً للافلام السينمائية حتى بداية الاربعينيات . وخاضعاً لرقابة
السلطات الحكومية التي كانت تصدر قوانين خاصة للرقابة على الافلام
السينمائية وتداولها داخل المملكة.
اقدم القطاع الخاص في عام 1943 على تأسيس شركته السينمائية الاولى
لانتاج الافلام والتي عرفت بـ( شركة افلام بغداد المحدودة
) .
ابرز
مؤسسي هذه الشركة هم :مهدي البصام ( تاجر ) وحسن حسني (ملاك) وناصر نعيم
(تاجر وصاحب معمل). براسمال قدره (15) الف دينار طرحت منها للاكتتاب
(12.600) سهماً وحدد سعر السهم ديناراً واحداً ، لكن الشركة فشلت في انتاج
الافلام السينمائية. ولم ينجح الانتاج السينمائي في عمل الافلام في العراق
فاستمر مستورداً لها حتى نهاية الحرب العالمية الثانية.
ظهرت صناعة الافلام السينمائية لاول مرة في بغداد بعد تأسيس شركة افلام
الرشيد العراقية – المصرية عام 1946 التي وفقت في انتاج فلمها الاول (ابن
الشرق) الذي مثَّل فيه فنانون من العراق ومصر والسودان كان من ابرزهم :
عادل عبد الوهاب ، وحضيري ابو عزيز ، عزيز علي ، مديحة يسري بشارة واكيم ،
نورهان ، وغيرهم ، وكان الفلم من اخراج الفنان المصري نيازي مصطفى ، وقد
عرض خلال أيام عيد الاضحى المبارك سنة 1946
.
بعد نجاح فلم ابن الشرق ، تحفّزت شركات سينمائية أُخر لانتاج الافلام ،
منها (شركة اصحاب سينما الحمراء العراقية) التي قامت بالتعاون مع شركة
اتحاد الفنيين المصرية
.
وتمكنت من انتاج الفلم الثاني بعنوان (القاهرة – بغداد) الذي كتب قصته حقي
الشبلي ويوسف جوهر
.
ومثل فيه من العراق : ابراهيم جلال ، وحقي الشبلي، وعفيفة اسكندر ، وفخري
الزبيدي، وسلمان الجوهر ، وعدد من طلبة الفنون الجميلة ببغداد قام بإخراجه
الفنان المصري احمد بدرخان وعرض في عام 1947.
وعقب نجاح انتاج الفلمين السابقين ( ابن الشرق ، القاهرة – بغداد )
قامت شركة (استوديو بغداد للافلام السينمائية المحدودة) بانتاج فلم
علياء وعصام الذي مثّل فيه الفنانون ابراهيم جلال ، وجعفر السعدي ، وفوزي
محسن الامين ، ويحيى فائق ، وعبد الله العزاوي ، وسليمة مراد ، وعزيمة
توفيق، قام بإخراجه المخرج الفرنسي اندريه شوتان وساعده في ذلك المخرج
يحيى فائق وقام بتصويره وعمل الانارة فيه الفرنسي (جاك لامار) وجـرى عرضـه
فـي سينما روكسي في شهر اذار عام 1949 .
وقد اثار عرض هذا الفلم المشاهدين وملأهم بالاعجاب والدهشة وكتب عنه النقاد
والكتاب.
وقامت شركة استوديو بغداد بانتاج فلمها الثاني ( ليلى في العراق ) الذي
شارك في تمثيله الفنانون ابراهيم جلال وعفيفة اسكندر وجعفر السعدي وعبد
الله العزاوي . قام باخراجه الفنان المصري احمد كامل مرسي وعُرض بسينما
روكسي في كانون الاول عام 1949.
توقفت شركة الافلام السينمائية عن الانتاج في نهاية الاربعينيات ، بسبب
انسحاب اصحاب رؤوس الاموال الى مجالات اخرى توفر لهم الربح المضمون . حتى
عام 1954 ، اذ قامت شركة افلام دنيا الفن بإنتاج أول فلم عراقي صميم
هو فتنة وحسن . عن قصة وسيناريو واخراج الفنان حيدر العمر . وجرى
عرضه في عام 1955 . ثم ظهرت محاولات جادة لانتاج الافلام السينمائية في
مدينة بغداد عند منتصف الخمسينيات ، اذ تأسست شركات عدة كان من اهمها :
شركة سومر للسينما المحدودة التي اشترك في تأسيسها الفنانون حقي الشبلي ،
وعبد الجبار ولي الذي اصبح مديرها الفني . وبدأت الشركة بتصوير الفلم
الروائي من المسؤول عام 1956 وانجزته عام 1957 . مثّل فيه خليل شوقي
وسامي عبد الحميد وفخري الزبيدي ومحمود القيسي وعبد الواحد طه ورضا الشاطي
، وقام بإخراجه عبد الجبار ولي وساعده المخرج الهندي (دفيجا) وابراهيم
جلال .الذي بذل جهداً كبيراً في تذليل الصعوبات التي جابهت شركة سومر في
الانتاج .
ومن الشركات الاخرى التي أسست في هذه الحقبة شركة عبد الهادي التي انتجت في
عام 1957 فلم ( ارحموني ) الذي كتب له السيناريو والحوار وقام باخراجه حيدر
العمر عن مسرحية للكاتب المسرحي سليم بطي ، ومثّل فيه بدري حسون فريد وكامل
القيسي وهيفاء حسين ورضا علي ومديحة شوقي ومحسن البصري وقدري الرومي وعبد
المنعم الدروبي وياس علي الناصر وغازي التكريتي وسلمى عبد الاحد ومقبولة
حسين وغازي السراج وغيرهم.
ويذكر عدنان حبيب الملاك ان الشركة عجزت عن اكمال انتاج الفلم ، فساعدهم في
ذلك والده حبيب الملاك ، وعرضه في خمس دور سينمائية عائدة له ، وفي وقت
واحد ، وكان الفلم قد حقق نجاحاً كبيراً اذ تدافع الناس لمشاهدته لكونه
عملاً عراقياً صرفاً .ويبدو انه كان يثير عواطف الناس ويتطرق الى معاناتهم
وبعض مشكلاتهم.
ومن الشركات السينمائية التي تم تأسيسها في بغداد عام 1957 ، شركة ( شهرزاد
للافلام السينمائية الملونة ) التي قامت بانتاج الفيلم الملون ( نبوخذ نصر)
. الذي كتب السيناريو له واخرجه كامل العزاوي عن قصة كتبها الشاعر خالد
الشواف ، واضطلع ببطولته سامي عبد الحميد وبدري حسون فريد ونجلى سامي ،
ويعقوب القره غولي ، ولم يعرض الفلم في العهد الملكي . كذلك اسس
كاميران حسني وعبد الكريم هادي الحميد شركة اتحاد الفنانين التي انتجت فلم
سعيد افندي عن قصة لادمون صبري ، مثل فيه يوسف العاني وعبد الواحد طه وجعفر
السعدي ، وقام بإخراجه كاميران حسني ، ولم تسمح وزارة الداخلية بعرض الفلم
حتى شهر شباط من عام 1958، وقد ادى عرضه الى احداث ضجة وهياج في نفوس عشاق
السينما العراقية . وذلك لاثارته بعض القضايا السياسية والاجتماعية بأسلوب
فني اودع فيه بطله (يوسف العاني) خبرته الفنية .
يتضح لنا مما تقدم ان للمسرح والسينما دوراً مهماً برز
في الحياة الاجتماعية منذ بداية الثلاثينيات وتطور في الاربعينيات
والخمسينيات ، بعد توفر الكوادر الفنية التي اضطلعت بمهامه بايجاد مستلزمات
خاصة ، واستلهام مقوماته من واقع الحياة اليومية لابناء المجتمع البغدادي ،
والتعبير عن مشاعرهم واحساساتهم ومعاناتهم بشكل صادق ومؤثر في النفس
الانسانية مما جعل هذه الفنون مقبولة لدى مختلف الشرائح الاجتماعية التي
وجدت في هذه الفنون ، ضالتها المنشودة في كشف التناقضات الاجتماعية
والفوارق الطبقية ومحاولة معالجتها باسلوب اجتماعي ، فضلاً عن اغراضها
الثقافية والتعليمية الى جانب اهدافها الترفيهية المعروفة .
المدى العراقية في
24/03/2013 |