كارلوس سورين مقلّ، لكنه يعانق المشاهد ويأخذه بعيداً. هذا المخرج
الأرجنتيني، الذي قدّم اخيراً "يوم صيد"، واصل على مدار سنوات تصوير
المجتمع الريفي الأرجنتيني، أولئك الذين يعيشون خارج المدن الكبيرة، على
الطرق الصحراوية الجنوبية الخالية، حيث اعتاد الناس أن تتقاطع سبلهم، من
دون أن يؤثر أي منهم في الآخر، كأنهم غيوم منفصلة تهيم وتحلق في السماء.
هنا حدث مقتضب معه.
■
يبدو انك ميال إلى القصص التي لا تقود إلى أي مكان...
-
كانت غالبية أفلامي حتى الساعة أسفارا. تناولت أشخاصاً يتوجهون
نحو مكان ما لسبب محدد. عموماً، إضافة إلى السفر المادي، هناك سفر باطني،
تبحث عبره الشخصيات عن شيء أساسي. أحبّ كثيراً السفر ولاسيما بالسيارة.
أسافر من دون هدف، وأتعرف الى أشخاص يؤسسون نوعاً من الأرشيف الذي اعمل
عليه.
■
ما الأثر الذي تركه العمل الدعائي في أسلوبك الفيلميّ؟
-
إخراج الأفلام الدعائية هو عملي الأساسي منذ 25 عاماً، ولطالما
كانت السينما بالنسبة إليَّ نوعاً من الهواية. خلال غيابي، صوّرتُ الكثير
من الأفلام الدعائية. العمل في الدعاية ساعدني على أن أبقى في تماس مع
التطورات التقنية، وفي التعرّف بعمق اكبر إلى الوسائل التي نستخدمها في
العمل مثل الكاميرات. الأفلام الطويلة أصوّرها في الموقع المعاكس لأفلامي
الدعائية، فإذا كانت الدعايات تتبع اسلوب الـ"باروك" والمنهجية، فإن الوحدة
التصويرية في أفلامي بسيطة قدر الإمكان، تمرّ فيها الكاميرا تقريباً على
نحو خفي. روح الإخراج في أفلامي معاكسة للدعايات.
■
تعتني كثيراً بالكادر والجمالية، هل هذا مرتبط بتجربتك الإعلانية؟
-
اعتقد ان على المخرج الاعتناء بكل الجوانب، ولاسيما النص
والتمثيل. وبما أن السينما مرتبطة بالصورة يجب إيجاد تصميم لها، لكني اكرر
أنني حاولتُ إيجاد جمالية معاكسة لجمالية الدعايات. من الضروري أن لا ينتبه
المشاهد لوجود الكاميرا، وفي حال وجود شاعرية ما في الفيلم، فهي نتيجة
الموقف وليس الوسيلة الإخراجية.
■
أردتُ القول ان الإعلان ربما ساعدك على إبراز الجانب البصري على نحو أفضل...
-
هنالك دائماً خطر الوقوع في تصوير فيلم "جميل" ينقل المناظر
الطبيعية. المنظر الطبيعي لي هو خلفية ليس إلاّ. الشخصيات وما يحدث لها، هي
الأهم في نظري.
■
ما انعكاسات الأزمة الاقتصادية في الأرجنتين على تصوير فيلمك؟
-
المفارقة أنه في مقابل الأزمة الاقتصادية المأسوية التي تمر
بها الأرجنتين، تشهد ولادة سينما جديدة. ليس بالنسبة لنوعية الأفلام فحسب،
انما أيضا بالنسبة لعددها. لا أقول ان هذا هو الواقع على رغم الأزمة، لكنها
تعمل كحافز للبحث عن أسلوب مختلف لتصوير الأفلام، كما تساعدنا كثيراً
كمخرجين على إصدار قانون يحمي السينما.
■
مع انطلاق الأزمة، أيبحث المخرجون عن عمل خارج الحدود الأرجنتينية؟
-
لا اعتقد ذلك. الجزء الأساسي من الأفلام التي تُنجز في
الأرجنتين هي أفلام مشتركة، مع اسبانيا على نحو اساسي التي نتقاسم واياها
اللغة والثقافة. ليس صعباً تصوير أفلام في الأرجنتين حيث تُقدَّم مساعدات
مهمة للمخرجين. إذا عرض احدهم مشروعاً وفكرة جيدين، فسيحصل على الأرجح على
الإنتاج لتحقيقه. في بلدنا قانون خاص بالسينما، ومعهد للفنّ السابع ينظّم
هذا القانون.
■
كيف تقاوم الأرجنتين غزو السينما الأميركية؟
-
تحضر السينما الأميركية في الأرجنتين كما في الدول الأخرى من
العالم، ويصعب السيطرة على غزوها. أفلامنا في غالبيتها محدودة الموازنة.
اعتقد أن سينما العولمة هي التطور الكبير الذي طرأ على السينما الأميركية
خلال السنوات الأخيرة. لكن الغريب أنها أوجدت أيضا أسواقاً صغيرة مرتبطة
بالتنوع. تبرز شبكات واسعة في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية لسينما
التنوع هذه، حيث يمكن مشاهدة أفلام إيرانية أو صينية أو أرجنتينية أو
برازيلية. فمع سينما أميركية قوية، نجد سوقا محتملة لهذا النوع من السينما،
كرد فعل. اعتقد أن السينما هي دائما فنّ سرد القصص. لذا، يستطيع المخرج فعل
ما يريده سواء، اذا امتلك قصة جيدة، أكان معه مبلغ مئة دولار أم مئة ألف.
hauvick.habechian@annahar.com.lb
جورج نصر انعكاس لسيرة السينما اللبنانية الناقصة
هـ. ح.
بين فيلمه "الى أين" الذي اخرجه في منتصف الستينات من القرن الماضي،
وانتقاله الى التعليم في المادة السينمائية في احد المعاهد المتخصصة، اجتاز
المخرج اللبناني جورج نصر (كرّمته أخيراً الحركة الثقافية ـ انطلياس على
هامش "المهرجان اللبناني للكتاب")، الصحراء، اذ لم يضف الى انتاجه ايّ جديد
يُذكر، باستثناء شريط وثائقي ترويجي لحساب وزارة الثقافة، ولا مشروع من
مشاريعه ابصر النور، علما ان السينما اللبنانية كانت بنت آمالها على هذا
السينمائي الموهوب في وقت من الاوقات، وهو اول لبناني يعرض فيلما في مهرجان
كانّ.
مسيرة نصر، البالغ السادسة والثمانين اليوم، طويلة، واستقرت في محطة
الاخراج. أمضى نصر عامين في دراسة الهندسة بالمراسلة مع جامعة اميركية، ثم
قرر ان يتابع دراسته في أميركا فسافر الى شيكاغو، فإلى كاليفورنيا في العام
1951 ليتقدم بطلب الى جامعة "يو سي ال أي"، الا ان الجامعة لم تعترف
بشهادته في شيكاغو، فاضطر الى معاودة دراسته من جديد. كان يسكن في غرفة
صغيرة لدى سيدة عجوز. فيما كانت تعرّفه يوماً إلى لوس انجليس، توقفت في
محطة لتتزود وقودا، فرأت شابا يدعى جيم كان يسكن لديها. سألها ماذا يفعل
فأجابها بأنه يدرس السينما. فقال نصر: ماذا؟ السينما؟ فهذه السينما كانت
عنده نعمة الهية فلم يعرف ان في إمكان ايّ كان أن يدرسها، فسأله عن مكان
دراسته فأجابه: في جامعة "يو سي ال آي" في قسم خاص. في اليوم التالي تسجّل
فيها. كان نصر يشاهد 8 افلام في الاسبوع على مدى اعوام. وبعد اربع سنوات
تخرّج. ثم تدرّب عاماً في ستوديوات هوليوود، وكذلك في فرنسا، حيث عُرض عليه
ان يمثّل. لكنه اراد ان ينجز أفلاماً لبنانية وعاد الى وطنه عام 1955.
في العام 1957، سافر الى كانّ ليعرض اول فيلم له "الى أين"، الذي ذكره
الناقد والمؤرخ السينمائي جورج سادول في كتابه "تاريخ السينما العالمية"،
كما ورد ايضا في موسوعة السينمائيين، ومدته ساعة و25 دقيقة تقريباً. في
مقابلة له نُشرت في اواسط العقد الماضي، قال عن الفيلم: "على رغم مرور زمن
طويل على تصوير الفيلم، لا يزال محافظا على "نضارته". لقد مضى عشرون عاما
على مشاهدتي الفيلم وعندما شاهدته حديثا وجدت بعض النقاط الضعيفة في الحوار
وخصوصا في الماكياج لكنه في الحقيقة اعادني الى شبابي".
هل لاقى الفيلم نجاحاً انذاك؟ في كانّ عرض الفيلم بعد مرور سبعة اشهر
تقريباً على تأميم قناة السويس. امّم جمال عبد الناصر القناة في تشرين
الاول، وعُرض الفيلم في آذار. لحسن الحظ او لسوئه، كان نصر يكتب اسمه
بالفرنسية مشابهاً للزعيم المصري
Nasser.
يروي: "عانى الكثيرون من عبد الناصر وظنوا انني من
اقربائه. لقد تعرضتُ للقدح والذم من بعض الجرائد. تعرّضت "فرانس سوار" لي
شخصياً، اما "لو فيغارو" فلقبت الفيلم بـ"محاولة شعرية لبنانية". وبعدما
شاركتُ في مهرجانات عدة، اكتشفتُ انه لا يمكن تقديم فيلم من دون تحضيرات
مسبقة او علاقات عامة ومن دون آلية عمل. لقد كنا سذّجاً مبهورين بفكرة
وصولنا الى كانّ...".
وجد الفيلم صعوبة في ملاقاة جمهوره اللبناني. آنذاك كانت هناك ست
صالات للعرض، بعض اصحابها رفض عرضه نهائياً، وبعضهم الآخر طلب اجراً
اسبوعياً ضخماً. فوافق المنتج على دفع الاجر، الا ان احد اصحاب الدور
السينمائية رفض عرضه. بعدئذ وافق اثنان منهم بغية مساعدة السينما
اللبنانية. وقالا لنصر ان هناك ثلاثة اسابيع او خمسة شاغرة يمكن عرض الفيلم
خلالها، لكنهما تراجعا في اليوم التالي عن قولهما. بعد اسبوعين وعندما كان
نصر متجهاً في الباخرة الى فرنسا في رحلة سياحية، شاهد احد اصحاب الصالات
اللبنانية على متنها، وكان ينزل في الدرجة الاولى. في بادئ الامر، تظاهر
بأنه لا يعرفه. بعد ثلاثة ايام، أمضيا سهرة معاً، كشف له خلالها انه تعرض
لضغوط منعته من عرض الفيلم. في النهاية، عُرض "الى أين" في "دار الاوبرا"،
وكان الجمهور اعتاد مشاهدة الافلام العربية. لذا شعر بشيء من الغرابة. وعلى
رغم ذلك استمر الفيلم اسبوعين على الشاشات. يقول نصر ان الصالات الاخرى
عرضت الأفلام الأميركية والأوروبية لمنافسته، لمنع نشوء سينما لبنانية، وهو
بنفسه دفع ثمن ذلك.
عندئذ قرر ان يتوجه الى جمهوره بفيلم بالفرنسية، عُرض بدوره في كانّ،
لكن في الغرب لم يُرد أحدٌ ان يقفز هذا اللبناني من المحلية الى العالمية.
حظي بجلسة خاصة في باريس في حضور السيناريست اندره تابيه الذي هنأه قائلاً:
"سيد نصر، انني فخور بالعمل معك، اذهب الى فرنسا مرفوع الرأس فستجدني في
انتظارك". في اليوم التالي جاءت الانتقادات كالآتي: "لقد مال السيد نصر في
تقنيّته في غالبية الاوقات الى تقليد الآخرين من السينمائيين العالميين"،
وحين اطلع السيد تابيه على الجرائد غضب وقال لنصر انه لا ينبغي عرض فيلم في
كانّ على هذا النحو، فثمة ترتيبات كان يجب القيام بها، لكن نصر لم يكن يعرف
بها. وادرك انه لو قام بها لجاءت الانتقادات كالآتي: "تذكّرنا تقنيته
بالمخرج المشهور فلان...".
ماذا فعل بعد فيلمه الأول "الى أين" والثاني "الغريب الصغير"؟ عندما
لم يتمكن من انزال الثاني الى الصالات اللبنانية، وهذه المرة بحجة ان
الفيلم كان باللغة الفرنسية، بدأ يخرج افلاماً وثائقية، وبعد مرور احد عشر
عاماً دعته نقابة الممثلين السوريين الى اخراج سيناريو كتبه صديق له اصرّ
على ان يكون نصر من المخرجين الثلاثة للفيلم الذين اختارهم بنفسه، الاول هو
المصري يوسف شاهين والثاني الجزائري لخضر حمينا، فأخرج "المطلوب رجل واحد".
اراد ان يثبت للمنتجين ان في امكانه أن يصنع فيلما فنيّا وتجارياً في الوقت
نفسه. انتهى الفيلم في شباط 1975 وفي الأول من آذار اندلعت الحرب. لم يهاجر
البلاد، وأخرج اكثر من مئتي اعلان الا انه كان يسافر مرتين او ثلاثاً في
السنة.
جورج نصر هو انعكاس لسيرة السينما اللبنانية الناقصة.
صفعة الحبّ الأخيرة
"حبّ" لميشاييل هانيكه الذي نال "السعفة الذهب" في كانّ، هو
الفيلم المثالي الذي يروق لمشاهد يتوقع شيئاً آخر من السينما. هناك الكثير
من الأفلام في كانّ، تسعى الى اعطاء رؤية شاملة للعالم، في محاولة غير
مجدية احياناً لتوسيع بؤرة النظر. "حبّ" يختلف عن هذه الأفلام في كونه يعمل
على العناصر المتعاظمة في صغرها. كل شيء يدور بين غرف شقة باريسية فخمة.
زوجان في الثمانينات من عمرهما (جان لوي ترانتينيان وايمانويل ريفا في ذروة
العطاء التمثيلي) يتبادلان أطراف الحديث. ثمة حبّ لا يزال مشتعلاً بينهما
يدركه المشاهد في نظرة كلٍّ منهما الى الآخر. يُفتتح الفيلم مع حضورهما
عرضاً مسرحياً ثم عودتهما الى المنزل، حيث يكتشفان ان الباب تعرض للخلع.
مَن دخل في تلك اللحظة الى حميمية الثنائي؟ الجواب المتفائل يقتصر على
القول بأن ميشاييل هانيكه هو الذي تسلل الى داخل الجدران، بدلاً من ان
يتلصص كعادته عبر الثقب. أما الجواب الأكثر تعقيداً فهو الموت.
فجأة، تغيب الزوجة عن السمع. يصيبها مرض يرميها الى الفراش ليصير
الزوج عقب ذلك المرض، هو الطبيب والرفيق المخلص والحبيب. "حبّ" فيلم مرعب،
لأنه يُظهر الموت السريري، الموت الدقيق في الوجه البارد والسقيم والتدريجي
لهذا الاحساس الذي قال عنه ألفرد دو موسيه الآتي: اذا احببتَ فهذا يعني انك
عشت. هناك أكثر: يبدو العمل بأكمله مشيداً على هذه الفكرة. العلاقة العضوية
والمتداخلة بين الحياة والحبّ والموت. يتسلق الفيلم من جوف العدم مُظهراً
النهايات المكلومة. لا حكم، لا دروس، لا قضايا كبرى في ظلّ لحظات تقول ما
في داخلها من حقائق لا تحتاج الى كلام كثير. انها لحظة انشقاق في مسار
المخرج النمسوي الذي عوّدنا على لؤم وقسوة لا حدود لهما، علماً ان رغبة
التدمير عنده لا تزال على اصرارها. هنا، ثمة تصالح مع الذات، وهذا التصالح
يجب أن يمر عبر الانفصال والاستسلام لحقيقة مجهولة.
داس الفيلم قلوب الكثيرين ومشاعرهم. بجماله الشكلي (التقاط مَشاهد
للقدير داريوس خوندجي)، وصدقه وواقعيته المؤلمة. يغادر هانيكه (نأمل الى
غير رجعة) انشغالاته الأبدية في مجال التعنيف الاسري وبنود الاخلاق
المعتمدة في أوروبا، ليُرينا وجه الموت، على طريقة "صرخات وهمسات" لبرغمان
أو حتى "ساراباند" للمخرج نفسه. الحالة تتعمم في ارجاء الكادر. منسوب
التوتر يرتفع الى حده الاقصى. الصفعة على خد الزوجة، تغدو صفعة موجهة الى
المشاهد. ثمة حوار بين الممثلين والأدوار التي يضطلعان بها. تفتتهما هو
تفتت كل من ترانتينيان (العائد بعد 14 عام من الغياب عن الشاشة) وريفا،
يلتقطه هانيكه قبل أن يحلّ المهانة على طريقته: الموت الرحيم أو الموت
الرحوم. مشهد سعي الزوج الى وضع اليد على حمامة دخلت الغرفة، قمة في
السخرية، ربما الوحيدة في الفيلم. هانيكه يوقّع فيلمه الأكثر هدوءاً وشقاء،
فيه شيء من صمويل بيكيت وانغمار برغمان. حقيقة الحياة وحقيقة السينما
تجتمعان في وصال آلهي.
* Amour -
يُعرض في "متروبوليس".
"كانّ
2013"
ملصق الدورة الـ66 من مهرجان كانّ السينمائي الذي سيُعقد من 15 الى 26
أيار المقبل، ونرى فيه بول نيومان وجوان وودوارد.
النهار اللبنانية في
28/03/2013
«عالم
ليس لنا» لمهدي فليفل..
السينما في خدمة الحكاية
نديم جرجورة
يُشكّل الفيلم الوثائقي الجديد «عالم ليس لنا» لمهدي فليفل (عُرض في
ختام الدورة السابعة لـ«أيام بيروت السينمائية»، مساء الأحد في 24 آذار
2013) لحظة إنسانية، جمعت التاريخيّ بالذاتي، والانفعالي بالجماعي. يُشكّل
محطّة تأمّل في أحوال فلسطينيين مقيمين في «مخيّم عين الحلوة» (جنوب
لبنان)، وأحوال لبنانيين في علاقتهم العدائية بفلسطينيين مدنيين. يُشكّل
استعادة شخصية لسيرة فرد، في تقاطعاتها ومسارات جماعة وبلد. لا يقف المضمون
عند حدّ. مفتاح هو لشبكات واسعة من الحكايات والتفاصيل. من الحميميات
الذاتية إلى وقائع العيش في بركان يغلي. المخيم اختزال لحالة فلسطينية
عامة. «عالم ليس لنا» (عنوان كتاب لغسان كنفاني) اختزال لحالة إنسانية،
تتّخذ من الذاتي ركيزة درامية لسرد وقائع وأحوال.
السينما، في الفيلم الجديد هذا لمهدي فليفل، حاضرة بقوّة. هذه إحدى
ميزات «عالم ليس لنا». السينما بمعانيها البسيطة والعادية: كيفية تصوير
اللقطات. التوليف. آلية إدخال صوت الراوي بين مفاصل السرد. هذه مسائل
مهمّة. مهدي فليفل برع في صنعها. برع في توظيفها لمصلحة النواة الدرامية،
المعقودة أولاً وأساساً على رغبته في سرد حكايته الشخصية. حكاية أهله
وتجوالهم بين المخيم ودبي. حكايته هو من المخيم ودبي إلى السينما
والدانمارك. هذا ليس ترفاً. الحكاية الفردية صارت أساس صناعة الفيلم
الوثائقي العربي الجديد. الحكاية الفردية بما هي عليه من ثقل إنساني، وعمق
اجتماعي، وأسئلة جماعية. توظيف التقنيات في خدمة النصّ الأصلي وحُسن
استخدامها كفيلان بإنتاج فيلم سينمائي بامتياز. كفيلان بجعل «عالم ليس لنا»
بمثابة مرآة تكشف المبطّن، وتنفتح على المعلوم. تقول المخفي، وتقدّم الظاهر.
السياسة حاضرة. السياسة كسبب للخيبة والحصار والموت اليومي البطيء.
الشخصيات التي اختارها مهدي فليفل تتكفّل، بطرقها الخاصّة والعفوية، بإضاءة
جوانب من سيرة شاب سينمائي، يريد الكاميرا رحلة، والعدسة إطلالة على ماضيه
وراهنه. المخيم، بالنسبة إلى المخرج الشاب، حياته كلّها. له فيه أصدقاء
ضاقت بهم أحوال العيش في منفى داخل منفى داخل منفى. يُدرك المخرج الشاب أن
لا خلاص لهم لا داخل المخيم ولا خارجه. راغبٌ هو في العودة معهم وبهم إلى
مسار تاريخي شائك، مصنوع من التباس العلاقة بين المخيم ومحيطه اللبناني، أو
بين أبناء المخيم وحياتهم. القسوة حاضرة أيضاً. القسوة في العيش على حافة
الهاوية. أو داخلها. القسوة كفعل تمرّد ضد السياسة. «أبو أياد»، إحدى أبرز
شخصيات «عالم ليس لنا»، خلاصة الخيبة والألم والقرف والتمرّد العاجز عن
التحقّق. يشتم بانفعال مبطّن، وبغضب مكشوف. مقهور هو. كاميرا مهدي فليفل
جعلت قهره صورة حسّية عن حجم الخيبات الكثيرة. أجيال موضوعة أمام كاميرا
تلتهم حكاياتهم بحثاً عن مفرداتها المصنوعة بالوجع والدمار.
الضيق سمة سينمائية أيضاً. ضيق المخيم بمن فيه وعلى من فيه. ضيق
المساحات مترجم بمسعى الكاميرا إلى استيعاب الفضاءات المفتوحة على كل شيء.
النَفْس متعبة بسبب الضيق. الأزقّة أشبه بشرايين قابلة للانفجار لشدّة
الضيق والألم وانسداد الأفق والغضب. الكاميرا كشفت هذا كلّه. قادرة هي على
تحسّس الانفعال، وعلى إعادة صوغه سينمائياً. هذه ميزة أخرى لـ«عالم ليس
لنا». الفلسطيني هنا ليس ضحية ولا بطلاً. ليس مناضلاً وكفى. الفلسطيني هنا
إنسان من لحم ودم ومشاعر وعقل ورغبات. أدرك مهـدي فليـفل إدخال الذاتي
الحميمي الخاص به في سياق عام متحرّر من كل شائبة خطابية أو بكائية. لا
حدود بين الذاتيّ والعام إلاّ بما تفرضه كاميرا تعشق ما عشقه المخرج،
وتلتقط ما يهيم به المخرج. عشق المخرج وهيامه واضحان: المخيم وناسه. الماضي
وذكرياته. العائلة والجماعة. الخيبة والقرف والقدرة على الذهاب إلى ما هو
أبعد من اللحظة.
السفير اللبنانية في
28/03/2013
«آخر
الرجال» لمورناو:
مرافعة مواربة ضد فاشية الزيّ الموحّد
إبراهيم العريس
«إن جزءاً من أهمية هذا الفيلم يقوم في كونه، باكراً ومنذ عام 1924،
أكّد - إن كانت هناك حاجة إلى التأكيد - أن في وسع السينما أن تقدم
المواضيع المعقدة والمركبة بلغة بسيطة». هذا ما يقال عادة عن فيلم «آخر
الرجال» للسينمائي الألماني مورناو، الذي لم يكن صدفة أن يحقق فيلمه المميز
هذا، في زمن وسط بين فيلمه الهزلي «خطيبات الأرشيدوق»، وفيلمه المأخوذ عن
مسرحية الفرنسي موليير «طرطوف». ذلك أن «آخر الرجال» يمثل، موضوعياً، منطقة
وسط بين سينما اللهو وسينما النقد الاجتماعي المرّ. بل، كما سنرى، النقد
الذي يتجاوز مظاهر المجتمع ليطاول جوهره. فهذا الفيلم المستوحى أصلاً من
«المعطف» لغوغول، من دون أن يصرح بذلك، أتى ليوجه نقداً لعقلية «الزيّ
الموحد» (يونيفورم) في وقت كانت ألمانيا، وبعد هزيمتها في الحرب العالمية
الأولى، تعيش هوس هذا الزي الذي سيقودها، بين أمور أخرى، إلى النازية
وانتظاميتها التي يعتبر توحيد اللباس واحداً من سماتها الجوهرية.
>
غير أن ما لا بد من قوله منذ الآن، هو أن نقد مورناو (وكاتب
السيناريو كارل ماير) لم يكن مباشراً، أي صريحاً، بل كان ينتقد عبر رسم
الذهنيات، وهو النقد الأقسى والآمن في الوقت نفسه. ولئن كان مورناو، الذي
يعتبر من كبار أقطاب المدرسة التعبيرية في السينما الألمانية، لم يتوقف منذ
خاض غمار العمل السينمائي إثر انتهاء الحرب العالمية الأولى، عن توجيه سهام
نقده إلى ما آلت إليه حال ألمانيا، فإن نقده كان قبل «آخر الرجال» يطاول
المجتمع الألماني، في هواجسه ومخاوفه، من خلال أعمال سينمائية غلب عليها
الطابع الأسطوري، مستخدماً على سبيل الكناية، شخصيات معروفة ومتعددة
الدلالات، مثل «نوسفراتو» و «فاوست»، متحدثاً في أفلامه عن الأشباح
والغيلان على سبيل الترميز، فإنه في «آخر الرجال» سلك، للمرة الأولى بمثل
هذا الوضوح وعلى مثل هذه الدلالة، سلوك الواقعية، ليقدم عبر فيلم، يبدو
للوهلة الأولى متأرجحاً بين الهزل والحنان، تلك النظرة التي يلقيها على
المجتمع وذهنيته (العسكرية في نهاية الأمر).
>
في هذا الإطار لم يكن مؤرخ علاقة السينما الألمانية بالنازية
من خلال كتابه الفذ «من كاليغاري إلى هتلر»، سيغفريد كراكور، بعيداً من
الصواب حين كتب في معرض تحليله لـ «آخر الرجال» يقول: «لأن هذا الفيلم يؤكد
أن السلطة، والسلطة وحدها، هي التي تمزج كل القطاعات الاجتماعية المشتتة في
بوتقة واحدة، يصبح فقدان اليونيفورم، الذي يمثل السلطة خير تمثيل، باعثاً
على وصول الفوضى». ومن هنا، يضيف كراكور، «منذ اللحظة التي يعلم فيها
المرتدون أن البدلة قد بدلت بالمريلة، التي هي دونها قيمة، يشعرون بأنهم
طردوا من العالم الأنيق الذي كان لهم، والذي كانوا فيه قادرين على
التواصل... ومن هنا، تقوم ثورتهم ضد فقدان هذه البدلة».
>
في الأمثال القديمة كان يقال إن الثوب ليس هو من يصنع القسيس.
ولكن، في هذا الفيلم المبكر والاستثنائي والفذ، يأتي مورناو ليبرهن أن
الثوب هو الذي يصنع صاحبه، أو سلطة صاحبه (والسلطة تتطابق هنا مع صاحبها
مطابقة عضوية) في هذا الزمن الذي نعيش، زمن يقدم التشابه كنقيض للاختلاف.
وهل ثمة ما يصنع التشابه أكثر مما يصنعه الزي الموحد؟
>
يتمحور فيلم «آخر الرجال» حول بواب فندق «أطلانطا بالاس»
الفاخر. إنه بواب (يلعب الدور بروعة استثنائية إميل جاننغر) يعيش سعيداً.
يمارس عمله كعيد دائم. وفي الحي الذي يعيش فيه ها هم السكان جميعاً يجلّونه
ويحترمونه ولا يكفون عن إبداء الإعجاب به. ومن الواضح أن مصدر هذا كله إنما
هو البدلة (يونيفورم) التي يرتديها وتنم، ببريقها وأناقتها، عن المكانة
المميزة (السلطوية) التي يشغلها. ولكن، يحدث هنا ما لا بد من حدوثه: يدخل
البواب سن الشيخوخة، وتحوله إدارة الفندق إلى العمل في المراحيض، ما يحتم
عليه أن يبدل البدلة الأنيقة، بالمريلة. غير أن الظروف تشاء أن يتزامن ذلك
مع عرس ابنته. وفي مثل هذا العرس، أمام ضيوف يقدرون قيمته من خلال بدلته،
لا يجدر بصاحبنا أن يبدو وقد هبطت مكانته. فلا يكون منه إلا أن يسرق بدلته
القديمة ويرتديها، ليحافظ على مكانته. وبعد العرس، يودع البواب السابق
البدلة في خزائن محطة القطار، وقد آلى على نفسه أن يعود إلى ارتدائها في كل
ليلة حفظاً للمظاهر. غير أن أمره سرعان ما ينكشف. ويدير له الجميع ظهر
المجن: أهله وجيرانه وأصدقاؤه، أما هو فإنه، إذ يشعر بخطورة ما فعل، يعهد
إلى صديق له، يعمل حارساً ليلياً، إعادة الثوب إلى مكانه. فإذا انكشف أمره،
ولم تعد بدلته تمثل أية سلطة، لأنها صارت شكلاً من دون مضمون، لم يعد هو في
حاجة إلى البدلة. لقد انتهى كرجل.
>
غير أن الفيلم لا ينتهي هنا، فقط ينتهي قسمه الأول. أما النسخة
الأكثر اكتمالاً من هذا الفيلم، فإنها تحمل عند هذه النقطة منه لوحة كتب
عليها: «في الحياة الحقيقية، من العسير لهذا العجوز البائس أن ينتظر شيئاً
آخر عدا الموت، غير أن كاتب سيناريو هذا الفيلم شعر بالشفقة على الرجل،
لذلك وضع للفيلم نهاية أخرى غير ممكنة الحدوث، في الواقع، على أية حال».
هكذا، بعد هذه اللوحة يبدأ القسم الثاني من الفيلم: فالبواب يصبح هنا ثرياً
بفضل رجل غني غريب الأطوار يقابله ويغدق عليه ثروته. ويبدأ صاحبنا بارتياد
المطاعم الفاخرة. ثم يرتدي ثياباً باهظة الثمن ويتوجه إلى قاعة فندق «أطلانطا»
وفي رفقته الحارس الليلي، ليتعشيا. وهناك يخاطب مدير المطعم مخاطبة الند
للند، ويوزع البقشيش على العمال. ثم يحل للحظة محل حارس المراحيض حيث ينتقم
من الزبائن الذين يأخذ عليهم أن ذاكرتهم من القصر حيث نسوا مكانته المحترمة
السابقة وراحوا يعاملونه كعامل مرحاض حقيقي من دون تاريخ. وفي النهاية يركب
صاحبنا وصديقه الحارس الليلي عربة تذهب بهما في أعماق الليل، وفي رفقتهما
شحاذ كان البواب الجديد يريد طرده.
>
انطلاقاً من هذه الحكاية بنى مورناو، إذاً، فيلماً شاءه أن
يكون درساً يلقيه على المجتمع «ذلك البروليتاري الرث الذي لو أُعطي
الإمكانات لعرف كيف يعيش» وفق ما كان يمكن برتولد بريخت (الذي أبدع في رسم
مثل هذه الشخصيات: شخصيات البروليتاري عشية الثورة، وحين يكتسب وعيه ويعرف
كيف يستخدمه) أن يتصور. والحال أن معظم النقاد والمؤرخين الذين تناولوا
الفيلم ركزوا على مسألة «البدلة» التي يعتبرونها رمزاً للنزعة العسكرية
المتسلطة على ألمانيا. أما مورناو نفسه فقال إنه إنما أراد، أولاً وأخيراً،
أن يصوّر الأحاسيس البشرية عبر حكاية من الصعب إعطاؤها أبعاداً أيديولوجية.
لكن هذا لم يكن صحيحاً بالطبع.
>
فريدريك فلهلم بلوجي، الذي سيعرف باسم مورناو منذ اتخاذه
السينما، تمثيلاً ثم إخراجاً، مهنة له، ولد في وستفاليا في عام 1888 لعائلة
تنتمي إلى البورجوازية التجارية الكبيرة. لكنه منذ صباه أبدى ميلاً إلى
المسرح والتمثيل، على رغم دراسته الفلسفة وتاريخ الفن والأدب في برلين
وهايدلبرغ. وفي عام 1910 دخل مدرسة ماكس رينهاردت المسرحية، وبدأ يمثل تحت
اسم «هلموث» ثم «مورناو». في عام 1914 جُنّد في سلاح المشاة، وفي عام 1917
خاض الحرب طياراً في الجيش الألماني، غير أنه سرعان ما ترك الجندية ليعيش
فترة في سويسرا عليلاً. وفي عام 1918، بعد مشاهدته فيلم «عيادة الدكتور
كاليغاري» أغرم بالسينما وأسس شركة إنتاج تولت تمويل معظم أفلامه التي راح
يحققها تباعاً في ألمانيا، حتى كان عام 1926 حين حقق «آخر الرجال» نجاحاً
عالمياً تزامن مع إطباق النازيين على خناق ألمانيا، فتوجه إلى هوليوود
حاملاً سمعة جيدة صنعتها له أفلام مثل «نوسفراتو» و «طرطوف» و «آخر
الرجال». وهناك حقق فيلم «الفجر» (1927) الذي يعتبر من أجمل أعماله
الهوليوودية. ثم حقق «أربعة شياطين» (1928) و «خبز يومنا» (1929). وهو،
شارك فلاهرتي في إنجاز «تابو» في تاهيتي، قبل أن يتوفى عام 1931 في حادث
سيارة بالقرب من سانتا باربارا في كاليفورنيا.
alariss@alhayat.com
الحياة اللندنية في
28/03/2013
التقرير أول الأفلام
"اخونة" السينما.. حلم ولا علم؟
رفيق أمين
"الأخونة" كلمة ترددت بصورة كبيرة الفترة الماضية
لنري ونسمع العديد من المعارضين لجماعة الاخوان المسلمين يطلون علينا في
الفضائيات والصحف منددين ومتهمين باسناد المناصب القيادية في الدولة إلي
الأشخاص المنتمين لحزب الحرية والعدالة أو لجماعة الأخوان المسلمين..
لينتقل منذ أيام الصراع من الحياة السياسية إلي عالم السينما لنشهد مجموعة
اتهامات من صناع فيلم "تقرير" والذي أنتجته شركة "النهضة" بمحاولات لمنع
عرض الفيلم.. وتصريحات من مخرج الفيلم عن أسباب المنع بأنه فيلم "اخواني"
وأنه يتم محاربة الفيلم ومخرجة كونه كان متوليا لاخراج الحملة الدعائية
التليفزيونية لحزب الحرية والعدالة في انتخابات الرئاسة الماضية.. وبعد
الحجر الأول للإخوان في عالم السينما.. هل تلفظ الشاشة إنتاج التيارات
الإسلامية كنوع من أنواع أخونة السينما.. وهل يسعي الإخوان علي "التكويش"
علي سوق السينما وسط كبوتها الحالية.. أم تستطيع تضميد جراح الحياة
السياسية وتقريب وجهات النظر.
الفنان أشرف عبد الغفور نقيب المهن التمثيلية أكد أنه لاصحة تماما لما
تردد حول الأزمة المفتعلة التي قام بها أسرة فيلم "تقرير" والذين زعموا أن
سبب منع عرض الفيلم جاء من النقابة بسبب انتمائهم لجماعة الإخوان المسلمين
قائلاً: إنه لا يستطيع أحد أن يفرض قيودا علي حرية الفكر والابداع ونقابة
المهن التمثيلية تعتبر منبراً للجميع.. وملابسات منع فيلم "تقرير" من العرض
ليس حجراً علي أي حرية علي الاطلاق بل له بعد قانوني يقوم به المشاركون بأي
فيلم علي اختلاف تياراتهم وانتماءاتهم فأي فيلم قبل تصويرة يتوجه القائمون
عليه للنقابة لاستخراج التصاريح اللازمة له يتم البدء في تصويرة ترسل بعدها
النقابة خطاباً لوزارة الداخلية لاستخراج التصاريح اللازمة لتصوير الفيلم
يأتي بعد ذلك دور الرقابة علي المصنفات الفنية التي تقوم بدورها بناء علي
محتوي الفيلم وفي تلك الحالة ينتهي دور النقابة وتكون الرقابة هي المسئولة
عنه.. أي أن النقابة لاتعلم في الأساس محتوي الأفلام التي يتم استخراج
التصاريح اللازمة لها.
أضاف أن هذه التصاريح لها علاقة بقوانين ولوائح النقابة التي تسري علي
الجميع والتي من ضمنها أن أي فيلم يجب أن يشارك به حوالي 90% من الأعضاء
العاملين بالنقابة ونسبة10% فقط يكورن لها تصاريح للمشاركة لنفاجأ بضرب
أسرة فيلم تقرير بضرب اللوائح والقوانين عرض الحائط ونسمع مثل الجميع عن
فيلم تم الانتهاء من تصويرة بالفعل ويتهمونا بمحاولة منع عرضة.. وهو كلام
مغلوط لأن دورنا ليس رقابيا بل هو شكل تنظيمي وليس لنا علاقة بمضمون الفيلم
لكي نحجر علي فكر أحد.
وقال إن مخرج الفيلم عاد وتراجع عن كلامة قائلاً إن الفيلم ليس تجاريا
ولن يقوم بعرضة في قاعات السينما.. وفي تلك الحالة لن يخضع الفيلم للوائح
النقابة ولن يكون لنا علاقة به لأننا لا نعمل في الظلام بل لنا لوائح
وقوانين يجب علي الجميع احترامها.
المنتج والمخرج هاني جرجس فوزي قال إنه ليس لديه أي اعتراض علي دخول
الاخوان المسلمين مجال السينما بل علي العكس فهو شئ جيد يقوم بدفع عجلة
السينما من خلال ضخ أموال جديدة للصناعة وأضاف أنه من حق الجميع تقديم
أفلام تتبني وجهة نظرة وأن تكون السينما منبر للجميع.. وعلي عكس ظن البعض
أن بدخول الاخوان للمجال سيتيح لهم فرض منظومتهم عليها أو تقديم أعمال يكون
لها الغلبه علي شركات الإنتاج الأخري من واقع امتلاكهم للأموال بل علي
العكس ستجد أن السينما ستفرض عليهم آليات معينة يجب عليهم اتباعها اذا
كانوا بالفعل يريدون تقديم أفلام تحقق النجاح الجماهيري الذي يستطيعون
الوصول من خلاله للناس.. وأعرب فوزي عن استغرابه من مخاوف البعض ورفضهم
لإنتاج الإخوان المسلمين لأفلام سينمائية قائلاً: إن السلطة الآن تنشغل في
الأساس بما هو أهم من السيطرة علي السينما من وجهة نظرةه مثل السيطرة علي
الاعلام أو الوزارات أو المناصب القيادية وحتي وان قاموا بانتاج الأفلام
فذلك يعني تنوعاً في وجهات النظر وتنوعاً في الأفلام المعروضة ومن حق
المشاهد متابعة ما يراه مناسبا له وبصفة عامة وبعيدا عن فكر الاخوان لا
يمكن لأحد منع حرية الفكر والإبداع ولكن من الممكن أن تقوم بالرد عليه..
كأن يقوم التيار الأسلامي مثلا بعرض وجهة نظر معينة في فيلم.. يقوم بعدها
أي تيار أخر يختلف معه في تقديم فيلم يحتوي وجهة نظر معارضة له.
وأضاف أن مجال الإنتاج في الأساس يحتاج منظومة متكاملة تتبناها بغض
النظر عن الأموال كأن يكون هناك دراسة كاملة للسوق ومجموعة من الكتاب
والمخرجين والفنانين الذين سيشاركون في المنظومة الخاصة بكل شركة انتاج لكي
تستطيع اجتذاب الجمهور.. وقال إنه لا مانع لديه من إخراج فيلم تابع لشركة
انتاج تنتمي لتيار الأإخوان المسلمين اذا رأي أن مضمون الفيلم يتناسب معه.
الناقد الفني طارق الشناوي أكد أن من حق الجميع تقديم الأفلام التي
يري أنها تتناسب مع وجهة نظره ورؤيته ولكن بشرط وحيد ألا يتعرض للأفلام
والرؤي الأخري التي تتعارض معه.. فلو كان من حق التيارات الاسلامية علي
اختلاف أنواعها تقديم أفلام بمشاركة فنانات محجبات فقط مثلا فذلك فن له
وجهة نظر وله كل الحرية أما أن يعتبر مثلا أن أي فنانة أخري غير محجبة
تعتبر ضد الدين والأسلام فهذا ليس له علاقة بالفن.
وأضاف أن مشاركة أي انتاج في منظومة السينما هو شئ ايجابي خاصة وسط
حالة الركود التي تشهدها صناعة السينما وقد يتفاجأ البعض أنه أمام الاغراء
المادي في الأوضاع الحالية قد تجد بعض الفنانين الذين يعارضون التيار
الاسلامي الآن من الممكن أن تراهم ينضمون للأفكار التي كانوا يعارضونها في
السابق.. بل ومن الممكن أن تجد لديهم قاعدة من الفنانين الذين سيحاولون
الترويج لهم كما كان يحدث في عصر مبارك أيضاً.
السيناريست علاء عزام رحب بوجود شركة انتاج تابعة لجماعة الأخوان
المسلمين قائلا: إن المكسب الأول من دخولهم في صناعة السينما هو التخلص من
عقدة الحلال والحرام التي أثارت جدلا واسعا الفترات الماضية وبمجرد
المشاركة في المنظومة سيكون معناه التخلص من الاشكالية التي دارت أما
المكسب الثاني فهو التنوع في المضامين المقدمة في الأفلام والتي احتضنتها
السنما المصرية منذ ظهورها.
وأضاف أن الأموال التي سيتم ضخها في صناعة السينما من قبل الاخوان
ستشجع قطاعاً آخر من المنتجين علي منافستهم فاذا رأي أي شخص أن الاخوان
سيكونون مصدر خطر عليه سيدفعه هو الآخر علي ضخ مزيد من الأموال لمواجهتهم
وتقديم أفلام تحوي قدراً كبيراً من الحرفية.. الأمر الذي سيصب في صالح
السينما بشكل عام ثم في مصلحة المشاهد.
وروي عزام عن تجربته وقت الأزمة دارت حول عرض فيلم تقرير في قاعة سيد
درويش قائلا: إن أسرة الفيلم حاولت عرض الفيلم وقتها وهو الأمر الذي قوبل
بالرفض من عدد من الأشخاص الذين أرسلوا لي دعوات للمقاطعة.. وهو الأمر الذي
رفضته بشدة لأن الحوار من خلال الفن والكاميرات والأقلام.. أفضل من أن نري
المظهر المحزن والاعتداءات المتكررة بين عدة تيارات من خلال الأسلحة والطوب
والمولوتوف.
ليل ونهار
الشتا اللي فات
بقلم :محمد صلاح الدين
أحياناً كنت أختلف مع الذين يقولون إن الفن يحتاج إلي وقت يبتعد فيه
قليلاً عن الأحداث حتي يكون موضوعياً أكثر.. لأنني كنت أري أن الدفقة
الحماسية أحياناً تكون سجلاً جيداً وواقعيا للقضايا المطروحة مادام يكتب
بإحساس فنان.. ولكني أيقنت أنني كنت علي خطأ حينا رأيت كل الأعمال التي
تناولت الثورة عملاً تلو الآخر..
وفيلم "الشتاء اللي فات" للمخرج إبراهيم البطوط خير شاهد علي هذا
فالفيلم كتبه المخرج دون أن يكتبه.. أي أنه صورة من عقله وترك لممثليه أن
يرتجلوا كما يشاءون.. علي اعتبار أنهم شاركوا في الثورة ومن ثم رأي أن
العمل لابد وأن يكون جماعياً.. والبطوط بالذات سبق له أن فعلها في أفلامه
السابقة.. ونجحت تجاربه إلي حد بعيد خاصة فيلم "عين شمس" ولكن هذه المرة
القضية مختلفة.. وهي عن الدولة البوليسية.. تلك التي تقهر مواطنيها وتعذبهم
بفظاظة وبقمع ليس له مثيل بسبب حبهم للوطن.. ولكن الفيلم أبي أن يركز في
قضيته ويهتم بها.. بل ويؤصل بها مبادئ عامة وهي أن المواطن لا يمس بسبب
عشقه للوطن.. ويرمي بذلك علي كل عصر وكل زمن.. لتفاجأ بأن أسباب التعذيب في
الفيلم كانت بسبب حب المواطنين "لدولة أخري" غير مصر.. ولدفاعهم عنها وبذلك
دمر الفيلم أهم قضية إنسانية يمكن أن تطرح في هذا الصدد وبغرابة شديدة.
إننا نري الناشط السياسي ومبرمج الكمبيوتر "عمرو واكد" الذي يعيش
أحداث الثورة ولكنه يتردد في المشاركة فيها بسبب سبق اعتقاله قبلها بعامين
وفي الشتا أيضاً وتعذيبه بطريقة وحشية ولكن علاقته القديمة بالمذيعة "فرح
يوسف" تتجدد حين يراها ترفض أن تشارك في تضليل الناس وتريد أن تبث رفضها
علي اليوتيوب فيساعدها في ذلك وهو يتوقع اعتقاله مرة أخري علي الجانب الآخر
نري ضابط مباحث أمن الدولة وقائد تعذيب المعتقلين يعرف في كل عصر كيف يقوم
"بواجبه" الحقير ثم يستمتع مع زوجته وأولاده علي شواطئ البحر.
تعجبت أيضاً من عدم استخدام أغنية الفيلم الرئيسية "مات الكلام" لفرقة
كاريوكي في قلب الأحداث حتي تثري العمل الذي بدا أنه ضد نفسه هذه المرة كما
لفت نظري الوجه الجديد "صلاح الحفني" الذي لعب دور ضابط المباحث رغم أنه
يمثل لأول مرة.. كما كانت النهاية المفتوحة تشي بوضوح أن الثورة فعلاً ما
زالت مستمرة.. وأن الأمل في التعبير أيضاً لا يزال مستمراً.
Salaheldin-g@hotmail.com
الجمهورية المصرية في
28/03/2013
عمرو سلامة:
علينا أن نخلع التعصب والطائفية كما نخلع أحذيتنا
كتب على الكشوطى
طرح السيناريت والمخرج عمرو سلامة تساؤلا خلال صفحته على موقع التواصل
الاجتماعى فيس بوك، حول افتراضية تولى رئاسة الجمهورية شخص بهائى ورئيس
الوزراء مسيحى لكونهما الأكفأ؟، وجاء نص التساؤل كما يلى "ماذا لو رشحت لك
أن يكون رئيس بلدنا بهائيا ورئيس وزرائها مسيحيا لأنهما الأكفأ؟ وتركنا
تعصبنا الدينى والطائفى وخلعناهما كما نخلع حذائنا؟ فعلت الهند ذلك، وأسست
دولة علمانية فى الوقت الذى أسست فيه باكستان دولة دينية عسكرية، بعد نصف
عقد، الأولى أصبحت قوة لها حساب، تملك قوة نووية وتكنولوجيا وحضارة فنية
ومكانة دولية، والأهم تعايش ناسها وأعطوا العالم درسا فى التعايش الدينى
بين الطوائف، أما الثانية فمازالت تحارب ذباب وجهها، دولة دينية إسلامية
بقناع مدنى فغرقت فى بحور الفساد السياسى والمالى والمجتمعى، دولة منبع
للإرهاب والفقر والظلم المجتمعى مع كل مواردها.
ماذا لو تدينا جميعا كما شئنا وتركنا الدولة لتكون مؤسسة تنظر لشئون
دنيانا لكن عمياء عن انتماءاتنا الدينية؟ ماذا لو اختصرنا طريقا مكلفا سار
فيه من قبلنا الكثيرون ولاقوا جميعا نفس المصير البائس؟ ماذا لو تعلمنا من
دروس قرنين وبدأنا فى المطالبة بالدولة العلمانية الحديثة؟ دولة تؤمن بحرية
الأديان والدعوة والممارسات الدينية، لكن تدير الدولة بالعلم والفكر
وبمعيار الكفاءة فقط؟، ماذا لو؟.
اليوم السابع المصرية في
28/03/2013
الموسيقار محمد سلطان في الذكرى الـ36 لرحيل العندليب: كان
عنوانا للإخلاص
عبد الحليم حافظ.. «ضي القناديل» يشع من جديد
القاهرة: سها الشرقاوي
رغم رحيله قبل 36 عاما، إلا أن صوته لا يزال يشع في فضاء «الثورات
العربية»، ولا تزال تردد الجماهير وراءه «يا بركان الغضب يا موحد العرب».
فلم يكن العندليب عبد الحليم حافظ مجرد فنان مر «صدفة»، بل كان رائدا من
رواد الطرب، صنع مدرسة فنية بإحساسه وصوته العذب، شعارها «يا مركبي سيري».
«في يوم» 30، «في شهر» مارس (آذار) «في سنة» 1977،
رحل ذلك الفتى اليتيم «مداح القمر»، الذي كان «في يوم من الأيام» بالمجد
«موعود»، فرغم المرض وجسده النحيل المثير للتعاطف رفع شعار «أي دمعة حزن
لا»، ليبدأ صوته الرائق المملوء بالحزن وإحساسه المفرط بالشجن يتسلل تحت «ضي
القناديل» إلى جمهوره، وهم يستقبلونه بترحاب «نعم يا حبيبي نعم».
ورغم مرور 36 عاما على رحيل العندليب، إلا أنه لا يزال يعيش داخل قلوب
جمهور «الوطن الأكبر» من المحيط للخليج، لسان حالهم «عاش اللي قال» فلا
يشعر أحد بغيابه، فأعماله الفنية مادة ثرية للفضائيات والإذاعات، ولا تخلو
منها ذاكرة أجهزة الجوال والحاسبات الشخصية. ولا تزال طقوس الاحتفال بذكرى
رحيله قائمة عاما وراء عام، يفتح فيها باب منزله بحي الزمالك بالقاهرة
لجمهوره، مع تسابق وسائل الإعلام على بث أعماله في هذا اليوم.
اهتم حليم بتطوير الأغنية الوطنية والشعبية، حيث تمتع بفكر سبق عصره،
غنى كل الألوان الرومانسية والاجتماعية، والوطنية والقومية، كما غنى
الابتهالات الدينية.
قدم عبد الحليم 16 عملا سينمائيا كانت في الصدارة في ذلك الوقت، فقدم
أول أفلامه «لحن الوفاء» مع الفنانة شادية ليضع قدمه على أول سلم عالم
التمثيل، ثم تعددت نجاحاته بعد ذلك في أعمال سينمائية كبرى مثل «بنات
اليوم» و«أيامنا الحلوة» و«الخطايا» و«دليلة» و«البنات والصيف» و«معبودة
الجماهير»، إلى أن وصل إلى محطته الأخيرة في فيلم «أبي فوق الشجرة». كما
قام عبد الحليم ببطولة المسلسل الإذاعي «أرجوك لا تفهمني بسرعة»، وهو
المسلسل الوحيد الذي شارك فيه عبد الحليم بطلا للحلقات، بمشاركة نجلاء فتحي
وعادل إمام.
و«على قد الشوق» للعودة إلى زمن العندليب في ذكرى رحيله، يسأل كثير من
جمهوره «قارئة الفنجان».. لماذا لم يمت صوت عبد الحليم رغم مرور كل هذه
السنوات؟!.
السؤال حملته «الشرق الأوسط» إلى الموسيقار «محمد سلطان»، الذي عاصر
زمن العندليب، فأجاب: «الفن المخلص الحقيقي وليس المزيف يظل ساكنا داخل
قلوب الجمهور، وعبد الحليم كان عنوانا للإخلاص في عمله، ولديه الوفاء
الكافي لعمله ويقدم كل شيء بإتقان دون اللجوء إلى الابتذال أو الاستسهال
كما يحدث الآن، ولذلك ستظل أعماله خالدة وشامخة للأبد ولن تموت، فهي أعمال
ذات قيمه حقيقة، وهذا هو حال القمم الفنية لا تموت وتظل مهما مر من وقت،
لذا يستحق منا عبد الحليم كل الحب والتقدير».
وإذا كان جمهور العندليب يعيش حاليا زمن الربيع العربي، فإن صوت عبد
الحليم حافظ كان مرتبطا بالتاريخ الانتقالي للأمة العربية. هذا ما يراه
سلطان، متابعا: «كان صوته لسان حال الثورات، بدءا من ثورة يوليو (تموز) في
مصر ومرورا بثورة الجزائر واليمن، فالأغنية الوطنية هنا لعبت دورا رياديا
في قيادة الشعوب وأسهمت في إثراء الوعي الثقافي والسياسي».
وعن ذكرياته مع العندليب، يقول: «أتذكر أنه جاء لي في بيتي في الساعة
الرابعة صباحا قبل رحلته الأخيرة إلى لندن وهو في عز مرضه، ليطلب مني تلحين
أغنية بعنوان (أحلى طريق)، وأعطاني كلمات الأغنية على شريط مسجل وطلب مني
تلحينها لكي يغنيها في عيد الربيع، ولكن القدر كان أسرع مني ومنه فمات قبل
أن يغنيها، وقامت بغنائها زوجتي الفنانة فايزة أحمد».
وأوضح أنه تعاون مع حليم في أغنية واحدة، حيث طلب منه العندليب أن
يلحن أغنية للملك محمد السادس ملك المغرب أثناء وجودهم في عيد ميلاده وكانت
بعنوان «محمد مبروك ألف مبروك». ويتحدث سلطان عن حليم الإنسان قائلا: «كان
إنسانا كله حب وعشق للحياة رغم علمه بمرضه، وكان كريما بلا نهاية، ودليل
إنسانيته أنه وقت مرضه كان يظل طوال الليل لا ينام خوفا من حدوث نزيف له،
وكان يرفض أن يجلس أحد بجواره وهو نائم خوفا عليهم».
الشرق الأوسط في
28/03/2013
كويت تحتضن الدورة الثانية للمهرجان السينمائي لدول
مجلس التعاون لدول الخليجي
أهداف
واعدة.. وأفكار كامنة
أحمد علي البحيري
ربما يكون أهم حدث ثقافي تشهده دولة الكويت صيف هذا العام، ما يتمثل
في إطلاق الدورة الثانية للمهرجان السينمائي لدول مجلس التعاون لدول
الخليجي، في الفترة الممتدة ما بين 5 إلى 11 مايو المقبل بتنظيم من المجلس
الوطني للثقافة والفنون والآداب، لهدف التقاء صناع السينما الخليجية في
عاصمة خليجية عربية ومناقشة سؤال السينما والإبداع. وبحسب اللجنة العليا
المنظمة للحدث، فإن تنظيمه يأتي في إطار التقدير الخاص الذي تحظى به
السينما كفن جماهيري له مكانته في المشهد الثقافي والفني العالمي، وما لها
من تأثير معرفي وإعلامي على درجة كبيرة من الأهمية والخطورة. كما يأتي
الحدث تأكيداً للدور الابداعي لأبناء دول مجلس التعاون الخليجي، وإبرازاً
لإسهاماتهم وإنجازاتهم وتجاربهم السينمائية النّامية المتطورة نحو تحقيق
سينما محلية خالصة. فإقامة مهرجان للسينما الخليجية بصفة خاصة تعد ضرورة
قصوى لدعم مسيرة الفن السابع، وتشجيع الرواد الذين غرسوا الحجر الأول في
صرح الإبداع السينمائي نحو مزيد من العطاء وصقل التجربة بمواصفات عالمية.
وقد يكون أهم ما في هذه المنظومة لجانب تطوير مفهوم (الثقافة
الجماهيرية)، أن فعاليات هذا الحدث لن تكون ربحية بأي مقياس تراه
المهرجانات السينمائية الأخرى، ويتم تنظيمه وتحديد موعده والدعوة إليه،
بالتعاون والتنسيق مع الأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية،
ويصبح تقليدا فنيا سنويا يقام في هذه الفترة من كل عام في إحدى دول المجلس
(الدورة الأولى من المهرجان انعقدت في العاصمة القطرية الدوحة في الفترة ما
بين 23 الى 29 مايو العام الماضي)، وذلك استجابة لما نصت عليه الاستراتيجية
الثقافية الخليجية من رؤى وأهداف تسعى دول المجلس إلى تحقيقها، ودعما
لمسيرة الفن السابع في منطقة الخليج، وتشجيعا للرواد والشباب المبدعين على
بذل المزيد من العطاء، إضافة إلى إبراز نتاجاتهم وتجاربهم السينمائية ذات
الصلة بالإنسان وعادات وتقاليد وتراث وهوية المنطقة، وتعزيز الشخصية
الخليجية من منظور ابداعي ملتزم.
في
الواقع أن كل هذه المعطيات الجميلة، يضيف إليها القائمون على شأنها المزيد
من جرعات
التشجيع والدعم، في إطار توجيه نحو دعم خاص للسينما التي باتت تحظى في
منطقة الخليج
العربي بمكانة رائدة، سواء من خلال سلسلة المهرجانات
السينمائية التي يتم تنظيمها
سنويا بمواصفات دولية في مختلف دول المجلس، أو من خلال المثابرة والعمل
الدؤوب لكي
يصبح هذا اللون من النشاط الثقافي منصة إبداعية لتسليط الضوء على إسهامات
وإبداعات
جيل الرواد والشباب الخليجي الطموح في حقل التعبير السينمائي الحر فكرا
ومعنى. وقد
يكون من أهم ما في هذه المنظومة الفكرية، هي الرؤيا الواعية لرسالة
السينما، تأكيدا
على دورها كفن وعلم وصناعة في إثراء وتعميق (ثقافة المنطقة)،
ودورها الإيجابي في
تعزيز القيم الاجتماعية والتقاليد السامية للمجتمع في دول مجلس التعاون
الخليجي،
ومن ثم الاهتمام بوجه خاص على تكريم نخبة من الرواد الخليجيين الذين أسهموا
في
تطوير مفهوم السينما في بلدانهم. وإلى هنا، فالكلام في غاية
الروعة والجمال وأناقة
التعبير، ولكن ماذا عن التفاصيل؟
تضم هذه الاحتفالية السينمائية جملة من المنافسات، يتصدرها مسابقة
الأفلام الروائية الطويلة، ومسابقة الأفلام الروائية القصيرة، ومسابقة
الأفلام التسجيلية الطويلة، ومسابقة الأفلام التسجيلية القصيرة، في حين
تنافس أفلام الصور المتحركة ضمن مسابقة الأفلام القصيرة. ويسمح لكل مشارك
في هذه الدورة من المهرجان بدخول المنافسات والحقول بأكثر من فيلم سينمائي.
وربما من الجميل الإشارة هنا إلى بعض التسهيلات التي تقدمها اللجنة المنظمة
للمشاركين، بعد إعلانها بأنه يحق لكل بلد من بلدان مجلس التعاون، ترشيح
أربعة أفلام، يمثلها فيلم واحد في منافسات ومسابقات المهرجان المختلفة،
بمعدل فيلم واحد بكل قسم من أقسام المسابقة، فيما تشرف على كل مسابقة لجنة
مكونة من خمسة أعضاء ممن يمتلكون الخبرة في مجالات السينما والفنون البصرية
المختلفة، من أبناء دول المجلس والوطن العربي، في إطار لجان تحكيم متخصصة
مهمتها التقييم، وإعلان النتائج غير القابلة للمناقشة.
هذه هي مسابقات المهرجان التي وإن كانت لا تخرج كثيرا عن المنافسات
المهرجانية في المنطقة على أقل تقدير، باستثناء فرص المشاركة بأكثر من عمل
سينمائي، ما يتيح الوصول إلى الجوائز بسهولة، أو قد ييسر فرصة الوصول إليها
في أكثر من جانب. وكما يبدو فإن قيمة هذه الجوائز ستكون حافزا لمجالات
توسيع رقعة المشاركة، إذ خصص للفائز بجائزة أفضل فيلم روائي طويل (50 دقيقة
فما فوق) مبلغ 15 ألف دولار، وجائزة أفضل فيلم روائي قصير (دون 50 دقيقة)
10 آلاف دولار، وجائزة أفضل فيلم وثائقي طويل (40 دقيقة فما فوق) 12 ألف
دولار، وجائزة أفضل فيلم روائي ـ تسجيلي قصير (دون 40 دقيقة) 9 آلاف دولار،
وجائزة أفضل إخراج 7 آلاف و500 دولار، وجائزة أفضل ممثل وممثلة، وتصل الى 5
آلاف دولار لكل منهما، وجائزة أفضل تصوير وثائقي 5 آلاف دولار، وجائزة أفضل
تصوير روائي 5 آلاف دولار، وجائزة أفضل موسيقى تصويرية أصيلة 3 آلاف دولار.
وينبغي هنا الإشارة إلى أهمية الجائزة الأخيرة في مجال تشجيع الموسيقيين
على التأليف الموسيقي للسينما، حيث يتصدر هذا النوع من الجوائز جملة من
منافسات مهرجانات السينما العالمية وبخاصة كان وفينيسيا. ويلفت الانتباه في
مجال الجوائز تخصيص جائزة لأفضل مونتاج بقيمة 5 آلاف دولار، وجائزة أفضل
سيناريو بقيمة 5 آلاف دولار، ونعتقد أن انتباه إدارة المهرجان لتخصيص
جائزتين للمونتاج والسيناريو على غاية من الأهمية في أهم مجالين في صناعة
السينما، وقد لا يلتفت لهما كثيرا إلا في المنافسات التخصصية التي يشرف
عليها نقاد محترفون.
ومن الأشياء اللافتة في تنظيم هذا الحدث، ما أعلنت عنه اللجنة المنظمة
التي أسندت لنفسها أحقية عرض الفيلم الذي يجري اختياره للمنافسة بواقع ثلاث
مرات للجمهور قبل بدء انطلاقة الحدث الفعلية، للأعضاء المنسبين للمهرجان
والصحافة، ولا نعرف مدى أهمية هذا الإجراء، إن كان في مصلحة الفيلم
وصانعيه، أم في صالح الذائقة الجماهيرية، زد على ذلك تركيز هذه الدورة بوجه
خاص على (مكافحة القرصنة)، إذ تسعى إدارة المهرجان لاتخاذ كافة الاحتياطات
الممكنة لمكافحة القرصنة، إذ ستوفر الحماية اللازمة لكل نسخ الأفلام
والمواد الأخرى محفوظة الملكية أثناء وجودها بالمهرجان، وسيكون حق الوصول
الى هذه المواد مقصورا على أعضاء اللجان الذين تم اختيارهم من قبل إدارة
المهرجان فقط، وهذا في التقدير شيء جميل وملفت للانتباه أن يتصدر هذا
المهرجان قائمة مهرجانات المنطقة في تبني مراقبة القرصنة، والمحافظة على
حقوق الملكية الفكرية، وهو أمر لا يستدعي التقدير في هذه المنظومة
المهرجانية الناشئة من حيث التقاليد، ومن حيث الفكر الطليعي والنظرة
المسؤولة الى قيمة ورسالة وهدف الفن السابع.
نقول تترقب الأوساط السينمائية بشغف كبير انطلاقة هذه التظاهرة
السينمائية الخليجية الوليدة والطموحة في آن واحد، فقد سبق لدورة الدوحة أن
نجحت بقوة في تكريس مفهوم حوار التجارب من خلال لقاء صناع السينما الخليجية
تحت مظلة تبادل الخبرات، وتعزيز مفهوم السينما الطليعية المستقبلية، في ظل
تنامي الاهتمام بالإنتاج السينمائي في عمق المنطقة الخليجية التي أصبحت
إحدى مناطق الجذب الثقافي والسياحي، وجذب صناع السينما في العالم من خلال
جملة المهرجانات التي تقيمها هذه الدول، على أمل أن يسجل هذا الحدث علامة
بارزة في مسيرة المهرجانات الأخرى، بصورة تجعل منه متمايزا، ليس على صعيد
الجوائز، ولكن على صعيد فن التجارب، وتعميق الفكر الانساني من خلال الفيلم
المعاصر، بالنظر إلى قراءة أولية في معطيات الدورة الأولى التي نجحت في
التأسيس والتعزيز لفكرة الإسهام في تطوير صناعة السينما بالمنطقة الخليجية
والعربية ككل، وبالتالي فنحن نطمح أن تتجاوز هذه الدورة والمهرجان على وجه
العموم مرحلة أن يكون شبيها بما حوله من مهرجانات، على الأقل أوليا في مجال
البحث في مستويات مختلفة لها علاقة بالفن السابع، وعلاقة أكثر قوة بمفهوم
(الثقافة المستقلة)، التي تنجح عادة في بناء حوار التجارب الحقيقي بين
المشتغلين في هذا القطاع الحيوي المؤثر، حيث نأمل أن يكون (جمهور السينما)
الذي خطفته السينما الأجنبية وسينما الانترنت وثورة المعلومات، هو مركز
اهتمامنا الأول. كيف نعيده الى صالة العرض، وكيف ننمي معرفته وذائقته
السينمائية، وكيف نعرفه بما يدور حوله من خلال الفيلم النظيف والممتع
بتفاصيله وموضوعه وطريقة صقله تقنيا وحرفيا ؟
مع تعدد المهرجانات السينمائية الشبيهة، هناك مدعاة للتفاؤل في هذه
الدورة التي تحتضنها دولة الكويت، فليس المهم أن نقيم المهرجان، فإقامته
أمرا بات محسوما، لكن المهم كيف ننظر إلى السينما الحقيقية، وكيف نتعامل مع
الفيلم ومع حركة النقد المواكبة له، كيف نصنع الروح والحالة السينمائية، من
خلال الفكر والتنظير والحديث عن قيمة الفن السابع والأفلام التي تحاول
تحقيق حلم الجميع بسينما خليجية بمواصفات عالمية؟
الإتحاد الإماراتية في
28/03/2013 |