فيلم «عرض حال»، يتابع، خلال ثلاثة أبطال، ومجموعة من الناس، ما حدث
أيام الثورة. يرتد إلى الماضى أحيانا، ويعود سريعا إلى الحاضر، بمؤثراته
الصوتية التى تترامى إلى سمع بطلنا المعزول، المعتزل، الذى يقرر عدم النزول
إلى الشارع، والاكتفاء بمتابعة ما يحدث، بواسطة وسائل الاتصال الحديثة،
خاصة أنه يعمل فى مجالها.. إلى جانب «عمرو»، ثمة خطيبته، أو حبيبته، فرح ــ
بأداء صادق من فرح يوسف ــ المذيعة، التى تثور على ممارسة التضليل المفروض
عليها، وهى فى هذا تعبر عن الكثير من المذيعات، المتسمات بالشجاعة، ويقظة
الضمير، المستمرات حتى الآن فى مواقفهن النبيلة.. أما الشخصية الثالثة،
فإنها لمخلب السلطة، ضابط أمن الدولة، آدم، بأداء خلاب ومفاجئ من صاحب وجه
جديد، اسمه صلاح حنفى، يخفى وراء ملامحه الجميلة المتسقة، طباع وحش لا قلب
له. لأن السلطة المطلقة هى الفساد المطلق، فإن اتساع نفوذ «آدم»، جعله
موغلا فى الفساد والغرور، وهل هناك فساد أكثر من مشروعية تعذيب الناس، وهل
هناك غرور أشد هطلا من اعتبار الجماهير الثائرة مجرد «شوية عيال»؟..
الإجابة تأتيك من قلب الواقع، ومن قلب الفيلم الذى يتابع، شذرات من خطابات
حسنى مبارك، منذ تجديد وعوده البالية، حتى تنحيه على لسان عمر سليمان.
البطوط، ينجح بامتياز فى اختيار ممثليه الثانويين والهامشيين، ومنهم،
على سبيل المثال لا الحصر، زميلتنا الناقدة، المترجمة، سهام عبدالسلام،
التى أدت، بروح مصرية خالصة، دور جارة «عمرو» الطيبة، الحانية، التى ارتدت
الملابس السوداء، حزنا على وفاة والدة بطلنا، التى لا أعرف اسمها، والتى
أنهكت وهى تطوف على مكاتب متربة، بحثا عن ابنها المعتقل.. وثمة فكر سليم،
فى مشهدين فقط، يعبر فيهما، بنظراته، كمسئول كبير فى الأمن، عن غضب هائل
مكتوم، ضد الثوار، وضد ضباطه.
«الشتا اللى فات» يجنح إلى الأسلوب التسجيلى، فعلى الرغم من أنه
بالألوان ــ طبعا ــ فإن المرء، عقب مشاهدته، يبدو فى ذاكرته، كما لو أنه
وثائقى، بالأبيض والأسود. المخرج، مع مصوره، فيكتور كريدى، يستخدم الإضاءة
استخداما دراميا موفقا، فالظلام، والظلال، والنور الشحيح، يجعل الفيلم
ليليا على نحو ما، ولكن، فى ذات الوقت، يعبر عن الأجواء المقبضة لوقائع
الدم والنار وغازات الغدر.. والأهم، الأداء التمثيلى الواقعى، المبتعد
تماما عن المغالاة،المتوافق مع مكونات المكان، المتفهم بعمق للمواقف
الانفعالية، فبعد إلقاء «عمرو» فى طريق مهجور، معصوب العينين، يتردد
للحظات، خائفا، قبل أن ينزع غطاء عينيه.. وحين يدخل شقته التى دمرها
المخبرون الجبناء، ومعرفته بوفاة والدته، لا يتمالك نفسه فيجهش بالبكاء.
وربما تعمد البطوط أن يكون رحيما بنا، فجعلنا لا نرى وجهه الغارق فى
العتمة، ولا يظهر أمامنا سوى ظهره محنيا، مع صوت نحيبه.
الربيع فى الفيلم، لم يأتِ بعد، فالمعلومات الموثقة، المكتوبة على
الشاشة، تعلن بوضوح، أن الشهور الأخيرة، بعد الأحداث، شهدت مقتل «286»
شهيدا، وجرح «8469» شابا، وإجراء كشف عذرية على العديد من بناتنا، وما يزيد
على عشرة آلاف سجين بأحكام عسكرية، كما فقئت عيون «271» من خيرة شباب مصر..
مما يعنى أن الشتاء، والثورة، لا يزالان على قيد الحضور، والحياة.. إنه
فيلم صادق، صريح وواضح، ومؤثر.
دفاع عن «تقرير»
كمال رمزي
الأحد 24 مارس 2013
يليق بنا الدفاع عن عرض فيلم «تقرير»، الذى قيل عنه إنه باكورة إنتاج
سينما النهضة، وإنه ينتمى إلى الإخوان المسلمين على نحو ما.. دوافع
المطالبة بإطلاق سراح هذا العمل متعددة، فأنْ تتفتح آفاق شباب الإخوان نحو
الفن السابع فإن هذا يعنى التحرر، مبدئيا، من الجمود الفكرى الذى يكبل رؤية
شرائح من التيارات الإخوانية التى تعادى الفن عموما، وتصب جام كراهيتها
المقيتة على التمثيل، سواء على الشاشة أو فوق خشبة المسرح. بعبارة أخرى،
يعتبر تحقيق «تقرير»، أيا كان فكره أو مستواه الفنى، خطوة نحو الحداثة..
جانب آخر إيجابى، يتمثل فى تحريك عجلة الإنتاج السينمائى المتعثرة، خاصة
إذا كان العمل بداية لأفلام أخرى، أغلب الظن أنها ستتطور، وتغدو أكثر نضجا،
حسب صدق الضمير النقدى، الذى عليه أن يبرز إيجابياتها ويلفت النظر إلى
سلبياتها.
عز الدين دويدار، مخرج «تقرير»، شاهدت له فيلمين قصيرين، أحدهما
تسجيلى، بعنوان «الإخوان فى القلب»، يعتمد فيه على لقطات أرشيفية، تتضمن
ممارسات الشرطة القمعية ضد الشباب الثائر، ويستيعن بعبارات مكتوبة على
الشاشة، توضح ما هو واضح، فمع هراوات العساكر المنهمرة فوق رءوس المتظاهرين
نقرأ «قمع وقبضة أمنية»، ثم «ضرب واعتقال».. ويركز الفيلم على دور الإخوان
فى الثورة، ويورد، على نحو متسارع، شهادات للدكتور مصطفى الفقى، بلال فضل،
عمرو أديب، حول دور الإخوان فى الدفاع عن الميدان، ضد فرسان موقعة الجمل
الخائبين.. الفيلم، يوفق فى اختيارات الموسيقى المصاحبة، التى تكثف الإحساس
بالخطر، وعنف المواجهات، وعقب إعلان عمر سليمان عن تنحى الرئيس ينطلق صوت
المزمار الشعبى، معبرا عن البهجة.
أما الفيلم الآخر، الروائى هذه المرة، بعنوان «مات فتيتها لتحيا»،
فإنه يكاد يكون مشهدا واحدا، يمتد عدة دقائق، يتمتع بحس سينمائى ينبئ بمخرج
قد يكون له شأن فى السينما المصرية.. دويدار، يبدأ عمله بلقطه طويلة لصحراء
ممتدة، تتناثر الأشواك على رمالها، ثم لقطات كبيرة، قريبة، لأقدام تسير
بثقة، مع موسيقى أقرب للمارشات، لا تخلو من توتر.. ترتفع الكاميرا لترصد
شابا، ينضح وجهه بالعزيمة، يمسك لافتة مكتوبا عليها «فداكى يا مصر».. ويظهر
شاب ثانٍ، يحمل لافتة تقول «الشعب يريد إسقاط النظام».. وثالث، تعلن لافتته
«الشهداء فى قلوبنا».. يتوالى الشباب والشعارات، ويتسلل للمارش ألحان
جنائزية، وفى لقطة عامة، يكاد الأفق يمتلئ بشباب، يحمل لافتات، ثم لقطة
قريبة للرمال تغرس فيها الخشبات الحاملة للافتات.. وبمهارة، يوقظنا الفيلم
حين نرى قطرات دم على الرمال، ثم خيط من الدم يسيل فوق الخشبة الأولى، ثم
خيط ثان متعرج، من الخشبة الثانية، والثالثة.. ويستكمل دويدار رؤيته
الصادمة بغزارة الدم الذى يصنع قناية تتدفق بالدم، ليكتب باللون الأحمر
«الشهداء فى قلوبنا».. إنه فيلم يستحق الترحيب، ويؤكد أن مخرجه، صاحب عين
سينمائية.
طبعا، لا يمكن الحديث عن «تقرير» طالما لم يعرض بعد، وفيما يبدو أن
سبب مشاكله إدارية، روتينية، قبل أن تكون فكرية، فنية، وقد علّمتنا التجارب
أن الوقوف إلى جانب المنع، يؤدى إلى أوخم العواقب، فمقصلة المنع، ما إن
تبدأ حتى تلقى بقية الأعمال حتفها، تحت حدها.. لذا فثمة ضرورة للدفاع عن
عرض «تقرير»، وإذا كان ثمة أخطاء إجرائية، فمن الممكن، والمفيد، تصحيح
الأوضاع، بمساندة النقابات الفنية، والرقابة، وكافة الأجهزة، كى يتنسم
الفيلم نسيم الحياة.
فبراير الأسود
كمال رمزي
الأربعاء 20 مارس 2013
قصته بسيطة، تخلو من الأحداث الكبيرة، والمفاجآت تعتمد على رصد حالة،
والفيلم فى هذا يعتمد على متابعة تغيرات تتوالى على عواطف أعضاء عائلة
مصرية، تحب وطنها وتخلص له، شأن معظم الأهالى.. ولكن، بسبب خلل الأوضاع،
تهتز مشاعر العائلة، وتقرر الرحيل إلى بلاد بعيدة، أملا فى حياة كريمة،
وبينما تنتهى محاولتها بالفشل، تندلع مظاهرات تطالب بسقوط النظام.
كاتب الفيلم، ومخرجه، محمد أمين، صاحب أسلوب خاص، يجنح للكوميديا
السوداء، ويستطيع، بمهارة، التعبير عن المواقف المؤلمة، التعيسة، على نحو
ضاحك، يفيض بالسخرية، ويتسم بخيال يكاد يقربه من الفانتازيا الخلابة، وإن
جاءت، أحيانا، بعيدة عن المقصود منها، وربما تأتى كاستطرادات لا طائل من
ورائها.. هنا، عن طريق الراوى، بصوته الحميمى، نتعرف على رب الأسرة،
الدكتور حسن، أستاذ علم الاجتماع، بأداء خالد صالح الذى تعشقه الكاميرا،
جالسا على كرسى فوق سطح فيلته، منتشيا، بفوز الدكتور زويل بجائزة نوبل،
ناظرا بمحبة واحترام إلى العالم المصرى. فى مشاهد تالية، أمام طلبته فى
مدرج بالجامعة، يفتح لهم نوافذ الأمل.
د.حسن، رجل ناجح، ميسور الحال، يعيش حياة ناعمة، له زوجة طيبة وابنة
جميلة، ميار الغيطى، يشاطره الفيللا شقيقه، دكتور الكيمياء، طارق عبدالعزيز،
الذى حول بدروم الفيللا إلى معمل مخللات، تشاركه فيه زوجته، التى تستخدم
القوارير والسحاحات فى ضبط درجة التخليل، وهما يملكان عربة لنقل منتجاتهما،
مكتوبا عليها «طرشى نيوتن». العائلة تعيش فى وئام، برغم متاعب شقيقتهما
العصبية «سميحة»، بأداء متوازن، متفهم، من ألفت إمام.. بالإضافة إلى ذلك
الإزعاج الذى يسببه مقهى أمام الفيللا، أقرب إلى الملهى الليلى، تعقد
بداخله اتفاقات مشبوهة، لا نعلم عنها شيئا، وبالتالى، يفوت الفيلم على نفسه
فرصة الكشف عن جوانب فاسدة فى نظام يدفع د.حسن إلى الهجرة خارج الوطن، وهى
الفكرة التى تأتيه إثر واقعة تقلب قيمه رأسا على عقب، فأثناء رحلة إلى
الواحات، تهب عاصفة رملية تكاد تدفن الجميع، عائلة حسن، وعائلات أخرى.. بعد
فترة تأتى عربة إنقاذ، لا تتسع إلا لعدد قليل، تأخذ أسرة ضابط، وتعود
لتنتشل أسرة أحد القضاة، ولا تعود مرة أخرى، كأن أهل العلم لا قيمة لهم..
ووسط أصوات عواء الذئاب، وفى أجواء الليل والرعب، تنفرج الأزمة بفضل بعض
الأعراب.
هذه الواقعة، قد تكون مؤثرة فعلا، لكنها أقل من أن تصبح تكئة تبرر
قرار الأستاذ الفاضل بأن يغدو انتهازيا، وبلا هوادة، يلغى خطبة ابنته لشاب
مجتهد فى البحث العلمى، ويوافق على اقترانها، مبدئيا، بضابط أمن دولة،
منتدب لرئاسة الجمهورية، ولسوء حظ د.حسن، يفاجأ بأن العريس من الشرفاء، يتم
استغناء النظام عنه، لأنه رفض تلفيق قضية، وبالتالى، يفسخ دكتور حسن خطبته.
وذات الأمر يتكرر مع خطيب آخر، ويبدو الفيلم كما لو أنه يدور فى دوائر
مفرغة، فالمواقف تتراكم على نحو رتيب، من دون أن يتقدم للأمام، مما يؤدى
إلى ترهل العمل، خاصة أن المؤلف، المخرج، وقع فى قبضة الاسكتشات التى قد
تكون لطيفة فى حد ذاتها، لكنها زائدة عن الحاجة، وبعضها يتسم بخيال سقيم،
لا يتوافق مع طبيعة الشخصيات، فمثلا، يتفتق ذهن الرجل العاقل، أستاذ
الاجتماع، عن فكرة الادعاء أنه، وأسرته، من الشواذ جنسيا، ويطالبون بحق
اللجوء إلى دولة أوروبية، وها هو، مع الآخرين، يضعون باروكات فجة، على
رؤوسهم، ويطلون وجوههم بأصباغ منفرة.
«فبراير الأسود» عنوان يحمل أكثر من معنى، يتطلب أكثر من تفسير، لكن
المؤكد، أنه عمل مصنوع على عجل، يلمع جزئيا، للحظات، ويشتت نفسه، فى معظم
الأوقات.
الندم
كمال رمزي
الخميس 14 مارس 2013
هو الإدراك المؤلم الذى يأتى بعد فوات الأوان. إنه لحظة التنوير
الفاجعة، حين يكتشف المرء أنه ساهم فى تدمير نفسه، سواء بإرادته أو بسبب
غفلته.. الندم، يتضمن إحساسا عنيفا بالذنب، يتطلب عقابا ذاتيا، قد يصل إلى
حد فقء العينين، كما فعل «أوديب»، عند الكاتب اليونانى سوفكليس، ٤٩٦ ــ ٤٠٥
ق.م، بعدما عرف بما اقترفه من جرم هائل: قتل الأب والزواج من الأم.
توالت الشخصيات التراجيدية، ووجدت مجالها الواسع، بأشرارها وأخيارها،
عند وليم شكسبير، فها هى الليدى ماكبث، عقب مشاركتها فى قتل الملك دنكان،
تقع فى قبضة الندم، فتحس أن الدم المراق لا يغادر كفيها، وتغدو فريسة
الهواجس وتكاد تقترب من دوائر الجنون.. كانت شريرة، بينما جاء الملك لير
بمزيج من الطيبة والحماقة، قسم المملكة ووزعها على بناته، واكتشف أنه تنازل
عن سلطته وقوته ونفوذه، وأصبح هائما خارج قصوره، يعيش نهبا للندم.
النادمون، انتقلوا من المسرح إلى الرواية، ومنهما إلى شاشات السينما،
الأجنبية والمصرية، الروائية والتسجيلية، مع تنوع فى وسائل التعبير عن
الندم، الدموع، العض على أطراف أو جوانب الأصبع، لطم الوجه، شد الشعر، ضرب
الرأس فى الحائط.
طريقة إيذاء الذات، تتوقف على مدى الإحساس بالندم، وثقافة الشخص،
وطباعه، والتقاليد التى تختلف من مجتمع لآخر، بالإضافة لدوافع الندم.. فى
الفترة الأخيرة، واقعيا شهد بر مصر لأسباب سياسية موجة من الندم، فبعض
المثقفين، ممن انتخبوا محمد مرسى، فى نوبة من الطيش، وعدم إدراك مغبة
الأمور، وجدوا فى تقديم الاعتذار، المرة تلو المرة، للشعب المصرى، نوعا من
التنفيس عن الإحساس الضمنى بسوء الاختيار ــ حمدى قنديل نموذجا ــ
فالإعلامى المرموق، مثل كثير من النادمين، يخفف الوطأ على نفسه، بقوله إنه
تعرض لخديعة يوم ساند الرئيس، وإنه لم يكن يتوقع كل هذا القدر من الخيبة
والفشل.. وثمة من عصر ليمونا على نفسه يوم انحيازه لمرسى ضد الجنرال أحمد
شفيق، وإلى جانب الندم، يرى حسب رؤية بلال فضل ــ أن عاصرى الليمون، الآن،
يقفون بقوة، ضد استبداد محمد مرسى.
تباينت درجات الندم، واختلفت طريقة التعبير عنه، لكن لا أظن أنى شاهدت
على خشبة المسرح، أو فى الأفلام الروائية والتسجيلية، ما يفوق ذلك المشهد
الوثائقى، صدقا وتأثيرا: وسط إحدى جنازات شاب شهيد ــ وما أكثرها ــ ترصد
كاميرا محمول سيدة مصرية، شعبية، خمسينية، ترتدى جلبابا أسود، تضع على
رأسها طرحة تلتف حول وجهها، بدينة، جسمها قوى، راسخ، تذكرك بمتانة شجرة
الكافور وثبات جذور شجرة الجزورينة.. لا علاقة بينها والشهيد، فهى ليست
والدته أو خالته أو عمته، ولكنها، مثل ملايين الأمهات المصريات، يشعرن أنهن
أمهات كل الشباب، الواضح أن كبدها تفتت لوعة على من أزهقت أرواحهم وسالت
دماؤهم على أسفلت الميادين.. وبلا تردد ترفع حذاءها «البلاستيك»، قليل
الثمن، من النوع الذى يباع على عربات اليد، لتضرب به رأسها ضربات قاسية،
متوالية، وتردد بصوت مشروخ، مترع بالحزن والغضب، عبارات الندم لأنها انتخبت
محمد مرسى، وكأنها بهذا الاختيار، شاركت دون أن تدرى، فى سلسلة
الاغتيالات.. ومع الألم، تقطع وعدا بأنها، والأخريات لن تترك الأمور تسير
على هذا النحو.. إنه الندم النبيل، على الطريقة المصرية.
إنجاز
كمال رمزي
الخميس 7 مارس 2013
ما إن نطقت الأفلام المصرية حتى غنت، ومنذ ذلك الحين، فى العام 1933،
لم يتوقف الغناء، تهادى بأصوات مطربينا، جيلا بعد جيل، ولأن جمهور السينما،
أصلا، من السميعة، جاءت الأغنيات كجزء ضرورى من بنية الأفلام. صحيح، لم
يكترث مخرجونا بتقديم الأغنيات على نحو سينمائى، يراعى الصورة البصرية،
ولكن، فيما يبدو أن الجمهور المتسامح، تنازل عن الصور فى مقابل الأصوات،
فها هو محمد عبدالوهاب، فى «الوردة البيضاء» لمحمد كريم 1933، يؤدى «النيل
نجاشى»، داخل حجرة مغلقة، بمصاحبة ستة عازفين، يجلسون حول منضدة، يضعون
الطرابيش فوق رءوسهم، بينما يقف الموسيقار ممسكا بالعود، واضعا قدمه على
كرسى، صادحا بوصف صور بالغة الجمال والحيوية، يسردها عبدالوهاب بألحان تشبه
مياه النهر المنسابة بنعومة، ولم يفكر محمد كريم أن ينتقل إلى النيل ليعزز
المسامع بالصور.. استمر هذا الأسلوب السمعى، فى مئات الأفلام التالية، مما
دفع أكثر من ناقد أجنبى إلى القول «المصريون، والعرب عموما، يشاهدون
الأفلام بآذانهم».
«النيل نجاشى»، شأن الكثير من الأغنيات، تحررت من الفيلم لتكتسب حضورا
مستقلا، فالناس ترددها من دون ذكر «الوردة البيضاء».. وربما لا تلتفت لاسم
كاتبها، أمير الشعراء، أحمد شوقى، الذى لم يثبتها فى معظم أعماله الكاملة،
التى صدرت فى عدة طبعات، ففيما يبدو أنه تحرج من لغتها العامية، وهو أحد
ملوك الفصحى.. النص الكامل، أورده الباحث، الناقد، محمود قاسم، الذى فاجأنا
مفاجأة سارة، على عدة مستويات، بأحدث إنتاجاته: موسوعة الأغنيات فى السينما
المصرية.
محمود قاسم، المتبتل فى عالم السينما المصرية، الخبير بمناجمها، الذى
يقضى حياته متعقبا عروق الذهب بداخلها، من نجوم ومخرجين وأفلام، ليقدم
خارطة لها، يستكملها المرة تلو المرة، بدأب وجلد، من الإنصاف الإشادة بها،
أيا كانت النواقص هنا وهناك. ولعل أحدث إنجازه ــ هذه الموسوعة ــ تؤكد ذلك
الجهد الهائل الذى بذله فيها، حيث يقع جزءها الأول فى «870» صفحة، ترصد
أغنيات أفلامنا من العام 1933 حتى العام 1945.. بينما يستغرق الجزء الثانى
«908» صفحات، يتابع فيها الأغنيات من 1946 حتى 1949، مما يعنى أن ثمة أجزاء
أخرى ستتوالى، وأحسب أن «الهيئة العامة لقصور الثقافة»، التى أصدرت
المجلدين، تستحق تحية حارة، وتثبت أن فى مصر، برغم انتشار خفافيش العتمة،
ثمة من يضىء المصابيح.
فى بعد من أبعادها، تؤرخ الموسوعة لتطور الوجدان المصرى، عاطفيا
ووطنيا، وتنقذ العشرات من أسماء كتاب الأغانى، من دوائر النسيان، وتذكرنا
بكبار الشعراء الذين ترددت قصائدهم فى أفلامنا، مثل الرومانسى الرقيق، على
محمود طه، الذى غنت له النجمة السورية الأصل، نادرة «يا حبيبى أقبل الليل»
فى «بنت ذوات» ليوسف وهبى 1942.. وشاعر المهجر، إيليا أبوماضى، الذى غنى له
محمد عبدالوهاب، قصيدته الشهيرة «الطلاسم» فى «رصاصة فى القلب» لمحمد كريم
1944.. وبشارة الخورى، أو الأخطل الصغير، الأوفر حظا على شاشة السينما
المصرية، حيث غنى له محمد عبدالوهاب «جفنه علم الغزل» فى «الوردة البيضاء»،
و«الصبا والجمال» و«يا ورد مين يشتريك» فى «يوم سعيد» لمحمد كريم 1940.
فى موسوعة ضخمة من هذا النوع، احتمالات نقص المعلومات أو الخطأ واردة،
منها، على
سبيل المثال، يبدأ محمود قاسم موسوعته بفيلم «الوردة البيضاء» بينما
«أنشودة الفؤاد» لماريو مولبى، يسبقه بعدة شهور، وهو، من تمثيل جورج أبيض
ونادرة وعبدالرحمن رشدى وزكريا أحمد، وتغنى فيه البطلة أغنيتين من تأليف
شاعر القطرين، خليل مطران.. المفارقة هنا أن هذه المعلومات متوافرة فى
«موسوعة الأفلام العربية» التى وضعها قاسم نفسه. ومع هذا لم يرد أى ذكر
للفيلم الغنائى الرائد «أنشودة الفؤاد».. كذلك لا تشير الموسوعة إلى «السوق
السوداء» لكامل التلمسانى 1945، علما أن ثمة معلومات مهمة، تتوافر فى
«موسوعة الأفلام العربية»، تقول إن أغانى الفيلم من أتليف بيرم التونسى.
هذه الملاحظات، وغيرها، لا تقلل من الإنجاز الكبير الذى حققه محمود
قاسم، بهذه الموسوعة التى تفتح آفاق البحث والدراسة أمام الجادين من عشاق
السينما المصرية.
حياة «بى».. التنوع سر الحياة
كمال رمزي
السبت 2 مارس 2013
فى عمق مياه المحيط، ثمة عالم كامل: كائنات متعددة الأشكال والألوان
والأحجام.. من بينها الأسماك تكاد تنطق وجوهها بطبيعتها. فيها الوديع،
المسالم، والشرير، الشرس. بعضها يوحى بالرقة، يبعث إحساسا بالطمأنينة،
وآخر، أقرب للوحوش الضوارى، تتوقع منه الانقضاض على فرائسه بغتة، فى لحظة
واحدة. المشهد، الطويل نسبيا، يكتسب، بفضل كاميرا كلوديو ميراندا ــ الحاصل
على جائزة أوسكار أفضل تصوير ــ قدرا كبيرا من الحيوية والثراء والجمال،
لكنه ليس مجرد لقطات خلابة، ذلك أن مغزاه الأبعد، والأدق، الذى يصب فى نهر
الفيلم، يتمثل فى تأكيد أن التنوع.. سر الحياة.
«حياة بى»، يمكن النظر له كفيلم مغامرات، مثير ومسلٍ، نتابع فيه رحلة
شاب فى مقتبل العمر، قاده حظه الطيب، العاثر، فى آن واحد، إلى وسط المحيط،
عقب غرق السفينة التى كانت تحمله، وأسرته، ومئات المسافرين، وحيوانات، ولقى
الجميع حتفهم، فيما عدا بطلنا، الذى فقد والديه، لكن وجد نفسه فى قارب
إنقاذ، معه حمار مخطط وضبع وشمبانزى ونمر. تنويعة متباينة، فى ظروف وعرة،
لا تعرف كيف تتعايش مع بهضا، فسريعا، يدب بينها صراع البقاء: الضبع،
الوضيع، ينهش القرد ويكاد يفتك بالحمار، النمر الشرس، الجائع، يفترس الضبع
والحمار، ويصبح لزاما على «بى» أن يواجه مصيره، أمام نمر، وأسماك متوحشة،
وطبيعة متقلبة، لا أمان لها.
إدراك حقيقة التنوع، وضرورة التعايش معه، تسرى فى شرايين الفيلم،
وتمنحه غلالة صوفية رقيقة، شفافة، فبطلنا، منذ البداية، يبحث عن اليقين،
وعن الإيمان، وعن أسرار الكون.. وبرحابة، يستوعب قلبه الأديان السماوية
الثلاثة، بل يزاول طقوسها، فضلا على الهندوسية.. كلها عنده، رغم تنوعها،
تؤدى جوهريا للإيمان، وتعترف بالقدر الذى قد يحمل النجاة وسط الموت المحدق،
ويأتى باليسر بعد العسر.. هذا ما يتعلمه «بى» فى رحلته الشاقة، المحفوفة
بالأخطار، ماديا ومعنويا.
ينهض بناء الفيلم على أساس حوار ممتد بين البطل وصديقه الكاتب الذى
يطرح أسئلة وتتحول الإجابات إلى «فلاش باكات»، بالصورة والصوت، ويستمر
السرد فيهما يشبه «المنولوج»، بطابعه الحميمى، فيحكى «بى» عن علاقته العذبة
بأسرته الدافئة، وعن والده الذى أقام حديقة حيوان بإحدى مقاطعات الهند،
وقراره بالهجرة إلى كندا، بعد تعذر توفير ثمن طعام حيواناته.. وتتوالى
وقائع الرحلة، بما فيها من عناء. وفى إحدى وقائعها، يجنح القارب، براكبيه «بى»
والنمر، نحو جزيرة غريبة، غامضة، تحتلها سناجب صغيرة، نباتات وحشية، مما
يؤكذ ذلك التوع الهائل فى الكون.. بينما يتجه النمر نحو غابة، تتواصل رحلة
«بى» لتصل به، منهكا إلى شواطئ أستراليا، وفى المستشفى، أمام محققين من
الشركة اليابانية التى تملك السفينة، يحكى «بى» ما حدث له.. المحققان لا
يصدقان القصة.. يروى لهما حكاية ثانية، توازى الحكاية الأولى، ولا تتطابق
معها تماما. يقول إن القارب كان يحمل معه والدته وأحد البحارة والطباخ
الوغد الذى رأينا سلوكه العدوانى فى السفينة. وهو، فى القصة الجديدة، يقتل
البحار، ثم الأم، كى يوفر الطعام. إنه مزيج من النمر والضبع، وربما تكون
القصة الجديدة هى الحقيقية، لكن «بى» ومعه مخرجه، التايوانى الأصل، إنج لى،
الفائز بأوسكار أفضل مخرج، استبدلاها بما رأيناه على الشاشة، رحمة بنا..
فما رأيك؟
الشروق المصرية في
02/03/2013
النقد المستقل
محمد خان
28/3/2013 5:40 ص
مثلما هناك سينما سائدة وأخرى مستقلة، هناك أيضا نقد سينمائى سائد
وآخر مستقل. فالناقد السينمائى المخضرم، معظمهم شق طريقه عبر نشرات نوادى
السينما قبل أن يحتلوا عواميد أو صفحات بالجرائد القومية أو غيرها ويصبحوا
مرجعا للفيلم المحلى، ونافذة تطل على السينما العالمية عبر حضورهم
المهرجانات السينمائية، ووصف نقدهم بالسائد ليس تعميما لقيمة عطائهم أو
انتقادا لكتاباتهم عن الأفلام أو تقليلا من وجودهم على الساحة السينمائية،
بل مجرد توثيق وضع راهن لدائرة تكاد تكون مغلقة أمام الناقد الجديد/
الدخيل، رغم أن وجوده مرغوب فيه ومن المؤكد سينعش الساحة النقدية للسينما،
فمثلما السينما تحتاج كل حين وآخر إلى دم جديد، فالنقد السينمائى أيضا فى
حاجة إلى رؤية نقدية جديدة، ومثلما كانت نشرات نوادى السينما فى الماضى
تتيح فرصا للنقاد الجدد، أصبحت اليوم المدونات والمجلات الإلكترونية عبر
الفضاء تتيح مثل هذه الفرص. من النقاد الجدد الذى لفت انتباهى محمود عبد
الشكور، لتغطيته المتواصلة تقريبا كل الأفلام المصرية المعروضة أسبوعا بعد
الآخر، يحللها ويقيمها ويلقى ضوءا نقديا نحوها ربما لا نتفق معه دائما، إلا
أنه يثير بتغطيته الجدل وفتح باب للنقاش بجدية وحيادية مطلوبة، والأهم أنه
يثير فضولك نحو مشاهدة الفيلم الذى قد يشيد به أو يبرز حسناته. وقد بدأت
كتابات عبد الشكور تظهر عبر مجلة «عين على السينما» الإلكترونية التى
يحررها وأنشأها الناقد السينمائى المخضرم أمير العمرى، وأصبحت نافذة جديدة
لعدد من النقاد الجدد. ومن الأسماء الأخرى التى بدأت تطفوا وتلمع فى الحركة
النقدية رامى عبد الرازق وأحمد شوقى إلى جانب نشاطاتهم الموازية
بالمهرجانات المحلية والعربية وبعض المهرجانات الأوروبية. يبقى الواقع
المرير أن علاقة النقد السينمائى مع جمهور السينما تكاد تكون منعدمة، فلم
يعد هذا الجمهور يذهب إلى السينما بناء عن نقد قرأه أو رأى ناقد أدلى به
على شاشة التليفزيون، وقد أصبح النقد السينمائى خصوصا النقد الجاد عملة
نادرة فى غياب مجلات سينما عربية متخصصة، ولولا المجلات الإلكترونية
والمدونات لاختفى النقد الجاد والمستقل بأكمله. وإذا عدنا إلى النقد السائد
فهو نقد مضطر أن يخاطب قُراء الجرائد اليومية أو الصفحات الأسبوعية بلغة
التابلوهات، فإما تقوده إلى أسلوب التغطية الشاملة وإما تدفعه إلى تبسيط
الأمور بقدر المستطاع بالاكتفاء بسرد قصة الفيلم وتقييم عام للممثلين
والفنيين. وإذا كانت الجدية فى التناول قد تتسلل بين السطور، ففى نهاية
الأمر مقياس نجاح أو فشل أى فيلم لم يعد له أى علاقة بما كتب عنه.. للأسف
الشديد.
واقع سينمائى مؤلم
محمد خان
20/3/2013 2:37 ص
دون الحاجة إلى الخوض فى دراسة عميقة أو الاسترسال فى بحث مُطول عن
وجود الفيلم الأمريكى فى حياة كل منا، فلن تصيبنا الدهشة لوجوده اليومى فى
حياة على الأقل نصف سكان العالم إن لم يكن أكثر من ذلك.
فإذا اخترنا لحظة على سطح الكرة الأرضية مع الوضع فى الاعتبار شروق
الشمس هنا قد تكون غروب الشمس هناك، لوجدنا فيلما أمريكيا ما يعرض فى صالة
ما، أو عبر قناة تليفزيونية ما، أو يقرصن بوسيلة ما، أو يشاهد عن طريق
أسطوانة رقمية «DVD»
على جهاز كمبيوتر ما، أو فى الرحلات الجوية والبرية والبحرية. هذا يحدث فى
أى مدينة معاصرة أو غير معاصرة ودليل قاطع على مدى انتشار الفيلم الأمريكى،
بل دليل انفراده وسيطرته على أسواق السينما العالمية. باختصار شديد الفيلم
الأمريكى هنا وهناك وفى كل مكان، أمس واليوم وغدا، ينشر جرعة ثقافية
واجتماعية وسياسية محتضنا أفكارا ونيات أمريكية بحتة، فهو غزو ثقافى حقيقى
من الصعب تفاديه، فإن قاطعنا دور العرض وجدناه على شاشات تليفزيوناتنا سواء
مشفر أو غير مشفر، يحدثنا بلغته سواء مع ترجمة أو مدبلج بلغتنا، فهو بيننا
يفرض علينا ذوقه ويغرينا بتقاليده وقيمه التى نتلقاها دون أى مقاومة. وحتى
لا يبدو ما أكتبه مجرد مبالغات أو بنية تحريض ضد، فما أسعى إلى طرحه فى
الأساس هو الوقوف مع السينما التى تخصنا، التى تحتضر يوما بعد الآخر. فإذا
كان الفيلم الأمريكى السائد «الهووليودى» مكتفيا بمغازلة جمهوره ومداعبة
غرائزهم سواء عن طريق الجنس أو العنف أو اللجوء إلى الإبهار التكنولوجى،
ومن حين إلى آخر يشحن العقول بأيديولوجياته فهو فى النهاية يحمى نفسه بشبكة
توزيع احتكارية حول العالم لضمان استمراريته التى تعتمد اقتصاديا على تلك
الأسواق خارج حدودها. أتذكر مثلا سياسة لىّ الذراع فى خطاب من سفير أمريكى
بالقاهرة منذ عدة سنوات موجه إلى السينمائيين المصريين والدولة طبعا، يربط
بين أهمية إصدار قانون فيديو يحمى الفيلم الأمريكى من القرصنة محليا وربطه
بالمعونة الأمريكية، وبالفعل صدر حينذاك قانون يحمى أفلامهم، بينما لا توجد
حماية لأفلامنا على أراضيهم التى تقرصن علنًا لتوزع على الجالية العربية فى
أمريكا وكندا. عكس موقف الحكومة الفرنسية ومقاومتها العنيفة لحماية صناعة
السينما فى فرنسا. أما عندنا فحين تشجع رأس المال فى زيادة عدد السينمات
خُدعنا حينما اعتقدنا أنها من أجل صناعة السينما، واتضح لنا أنها من أجل
مزيد من انتشار الفيلم الأمريكى.
شريهانيات لم تتم
محمد خان
13/3/2013 2:56 ص
الفوازير بعد الإفطار فى شهر رمضان المبارك كانت مثل كوب الشاى
بالنعناع يساعد على هضم أطيب المأكولات ويبشر بسهرة جميلة يلتقى فيها
الأصدقاء والأحباء إما بتبادل الزيارات أو بالمقاهى والكازينوهات، ولا يخلو
الحديث بينهم عن فزورة اليوم أو الفوازير بشكل عام والمقارنة مع التى قبلها
وبين فلان وفلانة. هذا كان الحال ونحن على مشارف قرن جديد وعودة شريهان
تُعَدّ حدثا كبيرا. وربما الأحدث فى مشروع شريهانيات ٢٠٠٠ كان الاستعانة
بمخرجين اثنين: أنا وخيرى بشارة. والأكثر حكمة كان الاستعداد والتحضير عاما
كاملا قبل حلول شهر رمضان القرن الجديد وعدم الوقوع فى فخ الربكة المعتادة
مع الفوازير السابقة والاضطرار أحيانا إلى التصوير على الهواء، وكنا أنا
وخيرى قد اتفقنا على أن يتولى كلٌّ منا مسؤولية ١٥ فزورة، وطموحاتنا كانت
الاعتماد الكبير على فن الجرافيك ليضيف الخيال المطلوب دائما إلى الفوازير،
وقد اختارت القناة المنتجة استوديوهات «براغ» فى جمهورية التشيك لخبرتهم
العالمية فى هذا المجال. وكنا قد استُدعينا لهذا المشروع الطموح بعد أن فشل
أكثر من مخرج العام السابق فى حتى الوصول إلى نقطة انطلاق، وأمام هذا
التحدى تبلورت أهمية فكرة الشكل الجديد وتحول المشروع من مجرد نظرية إلى
خطة محددة وخطوات فعلية من زيارة استوديوهات «براغ» إلى جمع لقطات من
أرشيفات فى لندن لتستغل فى تحضير الجرافيك. وتمت الاستعانة بمجموعة هائلة
من الملحنين لتتألق مع ألحانهم أشعار سيد حجاب ومن ضمنهم ميشيل المصرى
وحسين الإمام وخالد حماد وصلاح الشرنوبى وكامل الشريف إلى جانب زياد
الرحبانى الذى كان سيلحن مقدمة الفوازير. وقمنا أنا وخيرى تصوير لقطات
ستستغل فى الحلقات الخاصة بشخصيات نسائية عربية وتم ذلك فى القاهرة
والإسكندرية وشرم الشيخ وطابا، وفجأة فى مكاتب الشركة المنتجة التى
احتللناها، ووسط حشد مساعدى الإخراج والإنتاج ومدير الشركة المسؤول والمدير
المالى وموظفين آخرىن وجوازات سفر وتذاكر طيران أصبح الأمر واقعا وجادًّا،
وأصبحت شريهانيات ٢٠٠٠ حقيقة بعد كل المحاذير والتشاؤمات التى قابلناها
يوما بعد الآخر بسبب تاريخ البداية المتعثر أحيانا، وأصبحنا أنا وخيرى من
سكان براغ نتشاور مع فنانى الجرافيك فى كل صغيرة وكبيرة، وتم حجز البلاتوه
الضخم ووصلت الكاميرات من القاهرة وزارتنا شريهان لتختبر وتختار بعض
الراقصات من براغ. وكاد الحلم يتحقق لولا توجس إدارة القناة التى تراقب
بحذر شديد تصاعد ميزانية العمل، وكنا جميعا متفهمين هذا التوجس، ومثل رقصة
التانجو أصبحت كل خطوتين يخطوهما المشروع إلى الأمام تجذبه الهواجس خطوة
إلى الخلف إلى أن توقف الرقص تماما.
جائزتى المفضلة
محمد خان
6/3/2013 10:05 ص
من بين الجوائز العديدة التى كان لى حظ الحصول عليها، سواء أكانت عن
أحسن فيلم أو إخراج أو جوائز لجان التحكيم الخاصة، أو حتى التانيت الفضى من
مهرجان قرطاج عن «خرج ولم يعد» (١٩٨٤)، أو الفضية من مهرجان دمشق عن «زوجة
رجل مهم» (١٩٧٩) أو البرونزية فى إسبانيا من مهرجان فالينسيا عن «أحلام هند
وكاميليا» (١٩٨٨) وحتى شهادة اشتراك خارج المسابقة فى مهرجان كان عام ١٩٧٩
لفيلم «عودة مواطن»، بجانب الأوسمة التى حصلت عليها سواء من وزارة الثقافة
فى تونس عام ١٩٩٨ أو وسام الجمهورية من الطبقة الأولى فى الفنون والعلوم
عام ٢٠٠١، وما حققته أفلام «بنات وسط البلد»، و«فى شقة مصر الجديدة» من
جوائز وتقديرات، فهناك جائزة محلية فى شكل شهادة تُعد أقربهم إلى قلبى
وأقيمهم فى نظرى حتى اليوم.
فالجائزة منحنى إياها المكتب الكاثوليكى المصرى لوسائل التعبير
الاجتماعى وتحت عنوان «جائزة شرف شخصية» نصها التالى:
[قررت
لجنة الاختيار الخاصة بالمهرجان السابع والثلاثين للسينما المصرية بجلستها
بتاريخ ١٣ يناير ١٩٨٩ (صادف أن يكون هذا اليوم أيضا عيد ميلاد المرحومة
والدتى) منح المخرج السينمائى محمد خان، هذه الجائزة تقديرا لدوره كأحد
المخرجين الذين أعادوا للسينما المصرية شبابها من خلال الموضوعات التى
يطرقها أو يحاول فيها أن يعبر عن المجتمع الذى نعيش فيه فأصبح تعبيره
صادقا، كما أنه يقدم نماذج من هذا المجتمع الذى يشاركنا فيها بآلامها
وأحلامها].
وقد أتى هذا التقدير فى فترة حرب غير معلنة من بعض النقاد الرجعيين
وأصحاب المصالح الانتهازيين ضد نوعية سينما قدمها مجموعة من السينمائيين
حملوا ذات الهموم ليعبروا عن واقعهم بصدق شديد.
وقد كانت هذه الجائزة، التقدير، هى ثمار دورى كمخرج على الساحة فى
الثمانينيات، وأن شخصيات المصور فى «ضربة شمس» و«سواق البيجو» فى «طائر على
الطريق» و«الزوجة المقموعة» فى «موعد على العشاء» والموظف فى «خرج ولم
يعد»، ولاعب الكرة الشراب فى «الحريف» والمهاجر فى «عودة مواطن»، والظابط
الفاشيستى فى «زوجةرجل مهم» والخادمتان فى «أحلام هند وكاميليا»، ولم يتوقف
بحثى عن شخصيات من «مستر كراتيه» و«سوبر ماركت» إلى اليوم فى «فتاة المصنع».
التحرير المصرية في
06/03/2013
سعد نديم..
على أبوشادى
الأربعاء 27-03-2013
يتوافق صدور كتاب «سيرة حياة رائد السينما التسجيلية سعد نديم» للباحث
والمخرج المخضرم محمود سامى عطاالله عن سلسلة «كتاب اليوم»، مع ذكرى مرور
ثلاثة وثلاثين عاماً على رحيل الرائد الكبير فى ١١ مارس ١٩٨٠ عن ستين سنة
قضى أكثر من نصفها متبتلاً فى رحاب معشوقته «السينما التسجيلية» التى أخلص
لها وأخلصت له منذ تعرّف عليها فى سنواته الأولى بدرب السينما الطويل وآمن
برسالتها فى المعرفة والتنوير بما تملكه من قدرة على التعبير عن الواقع
والدفع فى طريق التغيير.
تأتى ريادة سعد نديم - رغم أنه ليس أول مخرج لأفلام تسجيلية فى مصر -
من أنه صاحب فكرة، ثم مسئول عن أول وحدة خاصة للسينما القصيرة فى ستوديو
مصر عام ١٩٤٦ ومن خلالها قدم أول أفلامه «الخيول العربية» عام ١٩٤٧، وظل
مسئولاً عنها حتى بداية بعثته إلى لندن لدراسة السينما التسجيلية عام ١٩٥٠
والتى استمرت أربع سنوات تتلمذ فيها على يد آباء هذه السينما مثل چون
جريرسون وبول روثا وتبنّى رؤيتهم لها باعتبارها «المعالجة الخلاقة للواقع،
معتمدة على مفردات ومواد مصورة من الحياة الجارية بهدف تحليلها وإبراز
جوهرها».
يتابع الكتاب عبر فصوله الثمانية رحلة سعد نديم فى الحياة منذ سنوات
نشأته الأولى وحتى وفاته، وفى العمل مخرجاً وناقداً ومنتجاً ومسئولاً
إدارياً ومشاركاً فى العمل العام بالإضافة لشهادات لعدد من النقاد وبعض
معاصريه مع فيلموجرافيا كاملة تضم تسعة وسبعين فيلماً هى حصاد رحلته منذ
عام ١٩٤٧ وحتى آخر أفلامه «من فيلة إلى إيجيليكا» عام ١٩٧٩.
كتاب سامى عطاالله هو الكتاب الثانى عن سعد نديم فى المكتبة
السينمائية العربية بعد الدراسة الممتعة، رفيعة المستوى للناقد الكبير كمال
رمزى التى أصدرها المركز القومى للسينما عام ١٩٨٨، وتضمنت قراءة تحليلية
متعمقة لعالم الرائد الكبير السينمائى والنقدى، مبرزة النقاط المضيئة فى
مسيرته الفنية والفكرية. وهى الدراسة التى استفاد منها عطاالله خاصة فى عرض
رؤية نديم النقدية.
كان للمخرج الكبير صلاح أبوسيف أثر واضح فى تشكيل فكر ووجدان سعد، فهو
ابن خالته، ورئيسه فى قسم المونتاج باستوديو مصر وأسسا معاً وعدد من
المثقفين، من بينهم محمد عودة وكامل التلمسانى وأسعد حليم وغيرهم، جمعية
«الثقافة والفراغ» ذات التوجه اليسارى الذى بدا تأثيره ملحوظاً فى مسيرة
سعد نديم الفكرية خاصة حين توقف عن الإخراج فى نهاية ١٩٥٦ وبدأ الكتابة
النقدية فى جريدة المساء فى الفترة من ١٩٥٧ حتى ١٩٥٩ وفيها تبلورت رؤية سعد
نديم التقدمية المنحازة للفقراء والعمال والكادحين وبحثه عن سينما مختلفة
عن السينما التجارية الاستهلاكية السائدة، سينما تعبر عن الواقع المصرى فى
تلك الفترة من الازدهار الثورى.
يشير المؤلف إلى تلك العلامات الفارقة فى سينما نديم مبرزاً دور فيلمه
«فليشهد العالم» عن العدوان الثلاثى على مدينة بورسعيد والذى استخدمه
عبدالناصر فى التأثير على الرأى العام فى بريطانيا الذى أدان العدوان
وطالبت الصحافة بإيقافه وكتبت «امنعوا رائحة العار عن بريطانيا» ثم ثلاثيته
عن هزيمة ١٩٦٧ «العار لأمريكا» و«لسنا وحدنا» و«عدوان على الوطن العربى»،
إضافة إلى دوره المهم فى تقديم حياة سكان منطقة النوبة فناً وفكراً وحياةً،
واهتمامه بالفن التشكيلى كأحد الروافد الأساسية فى الثقافة الوطنية وتقديمه
للجمهور من خلال أعمال كبار الفنانين.
الكتاب فى مجمله مراجعة مهمة لتاريخ المخرج والناقد سعد نديم وتذكير
بدوره كقوة دافعة كمسئول عن المركز القومى للأفلام التسجيلية خلال فترة
السبعينات الذهبية قدم فيها جيلاً جديداً شاباً أضفى على السينما التسجيلية
بهاءً وأكد دورها فى التعبير عن الواقع المصرى المعاصر من خلال رؤية تدرك
أن معرفة الواقع هى الخطوة الأولى نحو التغيير إلى الأفضل.
الرقابة بين مطرقة اليهود وسندان الإخوان
على أبوشادى
الأحد 24-03-2013 09:01
تواترت الأنباء فى الأسبوع الماضى أن الرقابة على المصنفات الفنية
منعت فيلمين من العرض العام؛ الفيلم التسجيلى «عن يهود مصر»، إخراج أمير
رمسيس، إنتاج هيثم الخميسى، وفيلم «التقرير»، إخراج عز الدين دويدار، إنتاج
شركة سينما النهضة.. تناثرت الاجتهادات الصحفية والإعلامية حول أسباب
المنع، فالأول يتناول المصريين اليهود الذين رحلوا عن مصر إلى فرنسا إبان
حرب ١٩٤٨ والعدوان الثلاثى عام ١٩٥٦، وما زال يسكنهم هوى مصرى رغم كل هذه
السنوات، كما التقى المخرج نماذج من اليهود الذين رفضوا مغادرة مصر وأصروا
على البقاء بها، وهو موضوع بالغ الحساسية دفع رئيس الرقابة السابق لإرسال
السيناريو إلى جهة أمنية أكدت -بدورها- على ضرورة مشاهدة الفيلم قبل عرضه..
كان ذلك قبل ثورة يناير وهو ما لم تلتزم به الرقابة حالياً -وهذه شجاعة
تُحمد لمسئوليها- ومنحت الفيلم تصريحاً بالعرض فى بانوراما السينما
الأوروبية فى نوفمبر الماضى، كما سمحت بتصديره إلى عدد من المهرجانات
العربية والدولية.. لاحقاً طلب المنتج من الرقابة تصريحاً بالعرض العام
للجمهور فى عدد من القاعات دون أن يتبع الإجراءات القانونية اللازمة، خاصة
فى مجال الملكية الفكرية وهو ما طالبته به الرقابة، ما تسبب فى تأخير
التصريح الذى حصل عليه الفيلم فور استيفاء المستندات اللازمة بعد أن امتلأت
الساحة صراخاً وشجباً وتنديداً بالرقابة المتعنتة الهلوع التى تمنح الأمن
حق الوصاية عليها وعلى قراراتها، وهو ما لم يحدث فى هذه الحالة، وبالمناسبة
هذا حق يكفله القانون لعدد من الجهات السيادية، وقراراتها مُلزمة لجهاز
الرقابة -حتى الآن- فى إطار ما يسمى «حماية مصالح الدولة العليا» إلى أن
يتوافر الاستقلال الكامل للرقابة مستقبلاً.. استفاد الفيلم بالقطع من هذا
الضجيج الإعلامى وحقق دعاية -ببلاش- كان فى حاجة إليها باعتباره أول فيلم
تسجيلى يعرض عرضاً عاماً بتذاكر بعد فيلم «التحرير ٢٠١١: الطيب والشرس
والسياسى» إخراج عمرو سلامة وأيتن أمين وتامر عزت، أحد أفلام ثورة يناير.
أما «التقرير» فهو فيلم روائى قصير (٤٥ دقيقة)، بطولة محمد شومان مع
عدد من الفتيات المحجبات، من إنتاج شركة «سينما النهضة»، التابعة لجماعة
الإخوان المسلمين، ولا ينكر مخرجه عز الدين دويدار انتماءه للجماعة، وإن
أنكر تبعية الشركة لها، وردد فى تصريحاته أنه يستهدف تقديم أفلام أخلاقية
ملتزمة، وبعيداً عن هذه الدعاوى الساذجة، حيث لا يوجد فى السينما أو الفن
عموماً ما يسمى بأعمال أخلاقية وأخرى غير أخلاقية، فأى فن «حقيقى» يحمل
بالضرورة قيماً أخلاقية وإنسانية، لذا كان على المخرج أن يتروى قليلاً لكن
الشعور بالاستعلاء والاستقواء بالجماعة جعله يضرب بالقانون -فى دولة
القانون- عرض الحائط ويصور فيلماً دون إذن الرقابة وفقاً للقانون ويقوم
بتشغيل فنيين وممثلين محترفين وبعض الهواة دون إخطار نقابتى المهن
السينمائية والتمثيلية، ثم يحاول استئجار قاعة سيد درويش لعرض الفيلم دون
الحصول على تصريح بالعرض العام من الرقابة أو إخطار مصلحة الضرائب، خاصة
أنه قرر طرح تذاكر للجمهور بسعر مائة جنيه للتذكرة وهو أعلى سعر لتذكرة
سينمائية فى مصر، ثم يوهم مسئولى القاعة بأنه سيقيم حفلاً للمواهب من
الأطفال، ما اضطر رئاسة الأكاديمية إلى رفض عرض الفيلم الذى تم إنتاجه
بالمخالفة لكل القوانين، وحين افتضح الأمر لجأ المخرج إلى الابتزاز
والمزايدة وأعلن أنه تعرض للاضطهاد بسبب انتمائه لجماعة الإخوان المسلمين،
وأنه ضحية الصراعات السياسية، وتناسى أنه ارتكب مخالفة صريحة للقانون الذى
يلزمه بالحصول على إذن بالتصوير، ما يستلزم أن تقوم الرقابة بتحرير محضر
بالواقعة وتحويله للنيابة العامة لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة.
فى الحالين، تم تأجيل أو منع عرض الفيلمين لأخطاء إدارية أو إجرائية
ارتكبها أصحاب الأفلام من دون التعرض لموضوع أو مضمون أى منهما، وأعتقد أن
حرية التعبير حق أساسى من حقوق المبدعين دون إقصاء أو استقواء، سواء لأمير
رمسيس أو لشركة النهضة، الذراع السينمائية -بعد السياسية والرئاسية
والتشريعية- للإخوان المسلمين، شريطة عدم مخالفة القانون الذى لا يحمى..
المخالفين!
موسوعة أغنيات السينما المصرية
على أبوشادى
الأربعاء 20-03-2013 09:18
شكّل الفيلم الغنائى أحد الملامح الرئيسية فى السينما المصرية منذ أول
فيلم روائى طويل غنائى «أنشودة الفؤاد» إخراج ماريو فولبى عام ١٩٣٢ بطولة
المطربة نادرة التى غنت من كلمات خليل مطران وألحان زكريا أحمد عددا من
الأغنيات فتحت الباب لمئات الأفلام التى لعب فيها الغناء دوراً أساسياً
وقدمت إلى الجمهور العديد من المطربين والمطربات منذ ذلك التاريخ حتى
الآن.. ويمكن القول إن تاريخ السينما فى مصر، فى جانب كبير منه، قد ارتبط
ارتباطاً وثيقا بالفيلم الغنائى الذى بات، خاصة من الثلاثينات حتى ظهور
التليفزيون، هو الوسيلة الوحيدة التى يُطل منها المطربون والمطربات على
الجماهير، وأكد معظمهم شهرته عن طريق هذه الأفلام مثل محمد عبدالوهاب الذى
كان أول مطرب، بعد «نادرة»، يلعب بطولة فيلم غنائى «الوردة البيضاء» إخراج
محمد كريم عام ١٩٣٣، وهو الفيلم الذى افتتح به الباحث والناقد الدؤوب محمود
قاسم إصداره الجديد «موسوعة الأغنيات فى السينما المصرية» بجزءيها الأول
والثانى فيما يربو ١٧٥٠ صفحة تقريبا احتوت بيانات وكلمات الأغانى
والأوبريتات والمونولوجات والإسكتشات التى تضمنتها الأفلام المصرية من عام
١٩٣٣ حتى ١٩٤٩. وهو عمل غير مسبوق يسد نقصاً واضحاً وفاضحاً فى المكتبة
السينمائية المصرية، لم ينتبه إلى ضرورته أى من النقاد والباحثين، ربما
عجزاً عن إنجازه، أو استخفافاً غير مبرر بالمادة رغم أهميتها، فالموسوعة
تكشف عن تلك العبقريات التى أضاءت شاشة السينما وأبهجت عشاقها فى مجالى
التأليف والتلحين.. «ويمكننا أن نتعرف من خلال هذا الجهد الموسوعى على
دواوين كاملة لشعراء أمثال فتحى قورة ومرسى جميل عزيز وحسين السيد وبيرم
التونسى وإسماعيل الحبروك وغيرهم».. كما ورد فى التقديم الموجز للأستاذ
طارق هاشم فى صدر الموسوعة، ونضيف أسماء بديع خيرى وأحمد رامى ومحمود حسن
إسماعيل وأمير الشعراء أحمد شوقى ومأمون الشناوى وصالح جودت وآخرين كثيرين،
إضافة إلى أسماء كبار الملحنين كعبدالوهاب وزكريا أحمد وأحمد صدقى والقصبجى
والسنباطى ومحمود الشريف ومحمد فوزى وفريد الأطرش وغيرهم من الذين أثروا
التراث الغنائى العربى من كبار الملحنين.
تُلقى الموسوعة الضوء على تراث تم إهماله وتحتشد بمعلومات قد تبدو
جديدة أو لم يلتفت إليها أحد مثل قيام الفنانة بهيجة حافظ بتلحين كل أغنيات
فيلم «زهرة» التى كتبها حسين حلمى المانسترلى والفيلم من إنتاجها وإخراج
حسين فوزى وكمال أبوالعلا ١٩٤٧، وهى أيضاً ملحنة أغانى فيلم «الضحايا»
إخراج ماريو فولبى ١٩٣٥ الذى سقط من الموسوعة شأن فيلم «أنشودة الفؤاد»
وكذا أغانى فيلم «السوق السوداء» إخراج كامل التلمسانى ١٩٤٥ التى كتبها
بيرم التونسى ولحنها المايسترو محمد حسن الشجاعى.. ربما لم يتيسر للباحث
العثور على نسخ من هذه الأفلام ومن الممكن تدارك ذلك فى نهاية الموسوعة
التى تدهشنا بمعلومات طريفة، غير متواترة، كأداء الفنانة أمينة رزق
لأغنيتين «يا مراكبى والتليفون» فى فيلم «رجل بين امرأتين» إخراج إبراهيم
لاما ١٩٤٠ وهما من تأليف المخرج السيد زيادة الذى أسهم وغيره من المخرجين،
كمؤلفين للعديد من أغانى الأفلام مثل المخرج حسن الإمام كاتب كلمات أغنية (البليباه
فى فيلم «العامل» لأحمد كامل مرسى) وأحمد بدرخان (أغنية ياللى قلبى
بيناديكى فى فيلم «أحلام الشباب» لكمال سليم)، أو أن أغنية (اضحك كركر
لليلى مراد) من ألحان الموسيقار محمد القصبجى صاحب (رق الحبيب)! وأن
الموسيقى الكبير محمود الشريف غنى بصوته أغنية (يا تلتميت صفارة) فى فيلم
«الواجب» لبركات ١٩٤٨، هو ملحن أغنية (بطلوا ده واسمعوا ده) و(تحت الشباك
لمحتك ياجدع!) من كلمات بديع خيرى فى فيلم «لعبة الست» إخراج ولى الدين
سامح الذى عرض فى عام ١٩٤٦ وليس عام ١٩٤٣ كما ورد بالموسوعة (ص ٣٩٩/الجزء
الأول).
ربما تصادفنا فى هذه الموسوعة الضخمة ملاحظات أخرى مثل عدم وجود فهارس
نوعية تيسر للقارئ متابعة أعمال كل فنان على أن يشتمل الجزء الأخير من
الموسوعة على الفهارس الكاملة، وهو ما نثق فى قدرة الباحث والناقد محمود
قاسم على تنفيذه استكمالاً للفائدة وتتويجاً لجهده الفائق الذى يُحمد له
وإصراره على اقتحام هذه المساحة الغائبة والمرهقة فى الثقافة السينمائية،
ليوفر للقارئ العادى والمتخصص مادةً بالغة الثراء والأهمية، وتحيةً للهيئة
العامة لقصور الثقافة، التى أتاحت لهذا العمل الكبير أن يظهر للنور ويصل،
بسعر زهيد، إلى الجمهور العريض.
«فبراير
الأسود»..
على أبوشادى
الأحد 17-03-2013 08:56
دكتور حسن، أستاذ علم اجتماع بالجامعة، معروف بوطنيته، يشيع الأمل
والتفاؤل فى طلبته.. «علينا أن نوقد شمعة بدلاً من أن نلعن الظلام»، يُقدس
العلم ويقدّر العلماء، يَرفع علم مصر على مسكنه الفاخر حين يحصل العالم
المصرى الجليل د.أحمد زويل على جائزة نوبل.. يتعرض أثناء رحلته إلى الواحات
مع عائلته، بسيارته الفخيمة، إلى عاصفة رملية عنيفة، تطيح به وأسرته
ومسافرين آخرين، وتقذف بهم جميعاً إلى منطقة رمال متحركة، يغوصون فيها،
لكنه يؤكد لزوجته وأولاده ثقته فى النظام ويُجزم أن «الحكومة حتنقذنا»
-وكأنه كان مُغيّباً طوال الثلاثين عاماً الماضية!- تتحرك الحكومة بالفعل
لكن على غير ما تمنى، تأتى لتنقذ تِباعاً، الشخصيات الهامة التى تعرضت معه
للعاصفة.. الضابط الكبير بأمن الدولة، ثم المستشار بسلك القضاء وأخيراً
رئيس جمعية رجال الأعمال، ويتركونه وأسرته نهباً للصحراء والذئاب التى
تنقذه وتعود به إلى منزله فى مشهد فانتازى.
يخرج الدكتور حسن من هذه التجربة القاسية كافراً بكل القيم، رافضاً
الانتماء لهذا الوطن باحثاً عن سُبُلٍ للهجرة منه.. يُنكّس العلم ويعقد
اجتماعاً -سوف يتكرر كثيراً فى الفيلم- مع أسرته الكبيرة ليعلن لهم اكتشافه
المذهل! أنه لا سبيل للأمان فى هذا الوطن إلّا أن تكون منتمياً أو مقترباً
من ثلاث مؤسسات تكفل لك الحماية والأمان: منظومة السلطة السيادية؛ الرئاسة
والمخابرات وأمن الدولة، أو من بين أعضاء سلك القضاء بكل درجاته، أو أن
تمتلك من الثروة ما يجعلك تحظى بالرعاية والحماية.
مُفْتتح ساذج وضعيف لفيلم «فبراير الأسود» يطالعنا به محمد أمين بعد
مقدمة إرشادية يقدم فيها د.حسن نفسه وعائلته للمشاهد وصولاً إلى اللحظة
التى يقرر فيها أن ينتزع -من قلبه- هذا الوطن.. يبحث مع مجلس العائلة عن
أفضل الوسائل للهجرة.. تفشل خططهم السمجة والفجة، واحدة تلو أخرى، ويصعب
عليهم الخروج، فيلجأ إلى خطة بديلة بالاقتراب من إحدى دوائر السلطة
والنفوذ.. يدبّر عدة محاولات لتزويج ابنته إلى قاضٍ شاب فتفشل الزيجة بسبب
نزاهة القاضى الذى يُفصل من عمله لرفضه تزوير الانتخابات، فيفسخ الأب
الخطبة ليعيد التجربة، لتفشل ثانية، مع ضابط أمن دولة يُحال للاستيداع
لامتناعه عن تلفيق تهمة لأحد النشطاء الأبرياء!!
تتكرر على مدار الشريط تلك المحاولات ببلادة وبإيقاع ممل أقرب إلى
حلقات الست كوم أملاً فى تقديم كوميديا -يفترض أنها سوداء- تكشف الفساد بكل
أنواعه.. السياسى والإعلامى والأمنى بأسلوب فانتازى سبق وأن قدمه محمد
أمين، بمهارة فى «فيلم ثقافى» و«ليلة سقوط بغداد»، لكنه فى «فبراير الأسود»
افتقر إلى الخيال الجامح الخصب الذى يميز هذا النوع من السينما، غابت عن
«فبراير»، رغم حسن النوايا وشرف المقصد، تلك الروح الساخرة المتقدة التى
تُحلِّق فوق الواقع مبرزةً تناقضاته، كاشفةً عوراته، لكن السيناريو يقدم
نموذجاً هروبياً غير مقنع بدا وكأنه استيقظ فجأة كأهل الكهف أو كان فى حالة
غفلة وغيبوبة طوال تلك السنوات.
سنة كاملة منذ حادثة الصحراء فى فبراير الأسود عام ٢٠١٠ حتى فبراير
الأبيض ٢٠١١ الذى يوقف فيه د.حسن آخر محاولاته لتزويج ابنته من أحد رجال
السلطة، على طريقة «ناسبنا الحكومة» حينما يتناهى إلى سمعه الأصوات الهادرة
الثائرة تعلن أن «الشعب يريد إسقاط النظام» ليلقى عالم الاجتماع بموعظته
الأخيرة.. إننا الآن فى فترة انتقالية وفى انتظار من يؤمن بالوطن ويحرره من
الفساد والاستبداد.. أو أننا سنظل «معفنين»!!
فيلم فقير، مباشر.. يتماحك بخيال عقيم فى ثورة يناير رغم طزاجة الفكرة
التى كانت تستحق جهداً أكبر، وخيالاً أخصب.. ولكن..!!
«البؤساء
».. حُلم انتصار الثورة
على أبوشادى
الأربعاء 13-03-2013 08:48
فى الدقائق الأخيرة من رائعة المخرج البريطانى توم هوبر الموسيقية
«البؤساء» التى أعدها ويليام نيكلسون وهربرت كريتزمر عن رواية فيكتور هوجو
الشهيرة، وكتب موسيقاها ولحن أغانيها المبدعان ألين بوبليل وكلود ميشيل
شونبرج.. تستيقظ أرواح أبناء الثورة الذين اغتالتهم بنادق ومدافع كلاب
السلطة.. تتألق صُوَرُهم -بإضاءة مشرقة- على الشاشة، مع موسيقى مترعة
بالحماس والبهجة، يحملون أعلام الثورة المغدورة، ويرددون نشيد الأمل
ويبشرون بالمستقبل، بكلمات مفعمة بالتفاؤل، رغم الهزيمة.. «بؤس الأرض يشعل
لهيباً لا ينطفئ.. حتى أحلك الليالى ستنتهى.. وتشرق الشمس».. تصْدَح أرواح
الرجال والنساء والشباب والأطفال الذين دفعوا حياتهم ثمنا لمحاولة جسور
لاستعادة الثورة.. تتعالى أصواتهم قوية هادرة تؤكد حتمية الانتصار «هل تسمع
غناء الشعب؟».
هُزِمت ثورة الجياع من الفقراء والمهمشين والمطحونين تحت سنابك الفاقة
والحاجة، وقانون ظالم أعمى، وسلطة دموية متوحشة، حين خرجوا يطالبون بالعيش
والحرية والعدالة والكرامة.. كان ذلك فى فرنسا عام ١٨٣٢ بعد أن اندثرت
ثورتها التى اندلعت فى ١٤ يوليو ١٧٨٩ وانطفأ لهيبها وغابت رايات «الحرية
والإخاء والمساواة» وعاد الشعب يعانى من الظلم والقهر والاستبداد وغياب
العدالة وتعنّت قانون حَكَم على «چان فالچان» المواطن الفقير بالسجن خمس
سنوات لضبطه متلبساً بسرقة رغيف يسد به رمق ابنة شقيقته، زادتها محاولات
هروبه إلى تسعة عشر عاماً، خرج بعدها بعفو مشروط يظل بموجبه مراقباً من
الشرطة ومطارداً من الضابط «جاڤيير» حارسه القديم فى السجن الذى ظل يلاحقه
من مكان إلى آخر مهدداً رغبته فى حياة حرة شريفة سعى إليها وحققها حتى صار
عمدة مدينة وامتلك مصنعاً عملت به «ڤانتين» التى تآمر عليها زملاؤها
وطردوها لتضطر إلى أن تبيع نفسها بعد أن باعت شعرها وأسنانها كى توفر عشرة
فرنكات ثمناً لدواء ابنتها «كوزيت» لكنها تموت بين يدى فالجان بعد أن توصيه
بابنتها التى ترافقه حتى وفاته.
عند هوجو/ هوبر هناك منطقان يحكمان حركة الأحداث والشخصيات فى عمل
تكاملت فيه عناصر الميلودراما، منطق يتجسد فى شخصية چان فالچان، يكرِّس
فكرة أن الرحمة فوق العدل، وينحاز إلى قيم الحب والخير والوفاء والعطف
واحترام إنسانية الإنسان، فى مقابل منطق متعنت غشوم يتمثل فى الضابط چافيير
الذى يرى أن الشر كامن فى أعماق البشر وأن القانون وحده كفيل باستئصاله،
ولا مجال للرحمة فسيف القانون بنصوصه الباترة، يحمى المجتمع.. فى لوحة
رائعة تتآلف فيها كل عناصر العمل السينمائى من تصوير لدانى كوهن ومونتاج
لكريس ديكنز وميلانى أوليڤر، مع الموسيقى والغناء وبراعة الأداء، يطرح كل
منهما وجهة نظره، يتمازج الصوتان.. يعلو أحدهما ويتراجع الآخر ليعود عاليا
بينما يخفت نظيره.. تجسد الموسيقى ذلك الصراع صعودا وهبوطا.. تتدافع
الكلمات وتتوهج الألحان، لتكشف عن صلابة الرأى وسلامة الرؤية عند فالچان
وعن تصلّبٍ وخللٍ فى الرأى والرؤية عند چاڤيير!
لوحةٌ من لوحات عديدة احتشد بها الفيلم على مدى أكثر من ساعتين ونصف
فى بناء درامى تلعب فيه الموسيقى والغناء دوراً أساسياً مع الأداء التمثيلى
المتميز خاصة هيو جاكمان (چان فالچان) وراسيل كرو (چافيير).. كما أضفت آن
هاثاواى (فانتين) ألقاً ورونقاً على تلك الدقائق القليلة التى أطلّت فيها
على الشاشة، بفهمها العميق للشخصية بما تستشعره من قهر وهوان وإذلال
فاستحقت عن جدارة جائزة أوسكار أحسن ممثلة مساعدة.
«البؤساء» تحفة سينمائية تناغمت عناصرها لتبدع بناء موسيقياً يقارب
السيمفونيات الكلاسيكية، تلعب فيه الشخصيات دور الآلات فى هارمونية آسرة
تجعل العين تسمع والأذن ترى، تُعلى من قيمة الحب، وتنتصر للثورة، وتُؤكد أن
غداً أفضل قادم.. وحتماً -كما علّمنا التاريخ- سوف يأتى الغد.
فن إهدار الطاقة فى.. الحفلة
على أبوشادى
الأحد 10-03-2013 09:50
شريف «أحمد عز» رجل الأعمال الشاب يُبلغ الشرطة عن اختفاء زوجته
الحامل سارة «روبى» بعد دخولها إلى أحد المراكز التجارية.. يتولى التحقيق
الضابط الشاب فاروق عبدالكريم بأداء متميز يبشر ببداية جديدة ومختلفة
وناضجة للفنان محمد رجب، ربما تتردد فيها بعض أصداء طريقة أداء ضباط
السينما الأمريكية، وإن قدّمها بنكهة مصرية تمزج بين خفة الدم و«غلاسة»
المحقق.. ساعد فى ذلك أن السيناريو يقدم نموذجاً مغايراً للنمط التقليدى،
فنحن بإزاء ضابط شرطة ذكى لمّاح مقتحم، يمارس عمله بحرفية ومهارة، إنه
الضابط الشاطر الذى يقع -رغم كل مواصفاته- ضحية قاتل أذكى وأشطر!
«الحفلة» إجابة مطوّلة عن السؤال التقليدى فى هذا النوع السينمائى.. من
القاتل؟ ومحاولة مجانية من الكاتب المؤلف المنتج وائل عبدالله تشهد بخبرته
وسعة اطلاعه على هذه النوعية من السينما الأجنبية، فهو يوزع الشك، بدرجات
متفاوتة، على كل شخصيات الفيلم تقريباً، المستفيدين، أو من الممكن أن
يكونوا متورطين لسبب أو لآخر فى جرائم اختلاس أو تهديد بالإفلاس، وقد برع
فى زرع نوع من الريبة فى ذهن المتفرج لتنوع الدوافع ومنطقيتها اللحظية..
نتابع، مع المحقق، كمشاهدين، رحلة البحث عن المخطوفة فى إيقاع متدفق
للمونتير أحمد حافظ وكاميرا بالغة الحيوية لأحمد مرسى راحت تقتحم الشخصيات
وكادت تنفذ تحت جلودها من خلال لقطات مكبَّرة للوجوه تقتنص التعبيرات
والانفعالات، وموسيقى لعمرو إسماعيل تتآلف مع المشاعر داخل المشهد مضيفةً
نوعاً من الخوف والقلق وتساهم فى رفع درجة التوتر لدى المتفرج، لكن
السيناريو الذى زرع الشك فى الهواء.. وحصد اللاشىء، تلاعب، عبر تقنية
عالية، بالمتفرجين، إلى ما قبل النهاية بدقائق ثم تمخَّض فولد قِزْماً
هَرِماً.. فإذا بالمخطوفة قُتلت بيد الزوج الملتاع الذى نراه، وهو القاتل،
يتذكر بعض اللحظات الجميلة فى حياتهما وهى محاولة ساذجة اقترفها السيناريو
للتمويه.. كان شريف قد اكتشف خيانتها بكَوْنها «حامل»، وهو يعلم أنه عقيم،
فيدبِّر مخططاً للتخلص منها بمساعدة نرمين «سالى شاهين» -سكرتيرة رجل
الأعمال الكبير مراد «تميم عبده» زوج والدة القتيلة- التى تتواطأ -أى نرمين-
مع شريف انتقاماً من مراد الذى نكص عن وعده بالزواج منها، إضافة لكراهيتها
لسارة لإعاقتها مشروع الزواج وهى دوافع هزيلة لا تبرر الإقدام على المشاركة
فى ارتكاب جريمة قتل، فالقتيلة، رغم حب مراد الشديد لها، ليست ابنته!
سلسلة من التحقيقات والمطاردات ونشر الشكوك حول كل المحيطين
بالمخطوفة، القاطنين فى مجتمع مغلق داخل مجمّع سكنى خاص بالأثرياء،
المهمومين بالصفقات والمؤامرات، جارتها نانسى «جومانة مراد» المطلقة
الباحثة عن المال عند كل الرجال المُوَقِّعة على شيكات بمبلغ عشرة ملايين
جنيه من دون رصيد، وهى ذات قيمة الفدية المطلوبة، وجارهم ممدوح «محمد
ممدوح» موظف البنك المتورِّط فى اختلاس أموال المودعين وخسارتها فى
البورصة، ومراد الذى قرر تفعيل وثيقة التأمين الخاصة بسارة، لتنتهى
التحقيقات بتوجيه التهمة إلى خطيب سارة السابق حسام «تامر هجرس»، حيث وُجدت
جثتها -حسبما خطَّط الزوج- أمام شاليه حسام وبداخله حقيبة بها الملايين
العشرة!
استخدم السيناريو أسلوب الروايات المتعددة مع ما حدث فى الحفلة مع
اختلاف الشخصيات والتفاصيل لتعميق جرعة الشك والتشويق، ودَعَمَها المخرج
بتنفيذ، بالغ فيه قليلاً، باستخدامه موتيفة متكررة للقطات مونتاجية سريعة
تأتى، من وجهة نظره، كتمهيد للعودة إلى الحفلة، لكن ذلك يبدو كحرث فى
البحر، وتلاعباً مجانياً بتوقّعات المشاهد الذى يُدرك أنه قد غُرّر به ومعه
قرينه ومُمثله داخل الدراما ضابط الشرطة «البارع»!
فى «الحفلة»، فيلمه الروائى الثانى، وكما فى فيلمه الأول «بدل فاقد»،
يبدو المخرج الشاب أحمد علاء الديب، ممتلكاً للحرفة، متمكناً من أدواته،
مدركاً قيمة باقى عناصر الفيلم من تصوير ومونتاج وموسيقى، مولياً اهتماماً
واضحاً بإدارة الممثل، لكنه -للأسف- يُصر على إهدار وتبديد هذه القُدرات!
ما أشبه الليلة بالبارحة!
على أبوشادى
الأحد 03-03-2013 11:58
ربع قرن أو يزيد، يفصل بين مشهد النهاية فى فيلم «الأرض» ١٩٧٠، ومشهد
البداية فى فيلم «المصير» ١٩٩٧، وكلاهما لفنان السينما الكبير يوسف شاهين
(١٩٢٦ - ٢٠٠٨)، فيهما نرى المواطن المصرى محمد أبوسويلم، والفرنسى جيرار
بريل يُسْحلان بربط كلٍ منهما خلف حصان يجرّهما على الأرض، عقاباً وقهراً
وتنكيلاً، فى إشارة جليَّة لسيادة الجهل والتسلط والاستبداد.. وغياب الحرية
والديمقراطية.. فى الأول يدافع أبوسويلم عن الأرض حتى الموت.. وفى الثانى
يدافع جيرار عن الفكر حتى الحرق!
فى «المصير»، الذى تدور أحداثه فى القرن الثانى عشر بالأندلس، يدين
شاهين طائفة المتأسلمين، تُجَّار الدين، طُلَّاب السلطة، ورؤيتهم التى
تعتنق السكون والجمود والانغلاق، تنظُر إلى الوراء وتقْنع بالتفسير دون
الاجتهاد والتأويل، تكرّس الواقع وتنافق السلطان كى تتمكن من السلطة..
وينتصر لرؤية مغايرة، تنطلق متحررة مستنيرة، ترنو إلى المستقبل وتتطلع إلى
حياة أفضل للإنسان، تحترم العقل والعلم، وتُغلِّب التجديد والإبداع على
التقليد والاتباع، ويضع أمام أعين وعقول المشاهدين حقيقة أن التعصب آفة
تنخر فى جسد الأمم حين تخور قواها وتضعف قياداتها ويتواطأ فيها، الكهنة مع
السِفْلة، والفاسدون مع المتَّشحين برداء الدين، المقاومين لحق التفكير
وحرية التعبير، الذين ينصبون المشانق للمفكرين، ويحرقون الكتب، ويغتالون
الأدباء والفنانين، ويسحلون المعارضين!
يستكمل شاهين فى «المصير» رحلته فى التصدى لقوى الجهل والتخلف، فيقدم
عملاً يفيض بالمعاصرة، وإن تدثّر بالتاريخ، يمزج فى حذقٍ وحصافةٍ بين
الماضى والحاضر، محاولاً استقراء التاريخ، مستفيداً من تجاربه فى قراءة
الواقع الآنى، مستلهماً حياة ومحنة العالم الفيلسوف الفقيه قاضى قضاة
قرطبة، أبوالوليد محمد بن أحمد بن رشد، (١١٢٦ - ١١٩٨)، فيلسوف العربية
الأكبر، وما حاق به على يد رجال ذلك التيار الفاشى، ليأتى الفيلم درساً
ثميناً فى حتمية انتصار الحق والعدل، وتحذيراً من عواقب التحالف بين رجال
الحكم وجماعات الظلام والتطرف، مشيراً إلى أن هدفهم الأساسى ليس إعلاء كلمة
الدين كما يدَّعون، بل الوصول إلى السلطة.. يرحل شاهين (٢٠٠٨) قبل أن يرى
أن ما حذَّر منه قد وقع، وأن تيار اليمين المتطرف قد استولى على السلطة،
وقفز إلى الحكم، بعد أن نجح فى اختطاف ثورات الشعوب العربية، وتأجيل الأمل
الذى راود مواطنيها فى مستقبل أفضل.
مرة بعد أخرى، تثبت الأيام عمق رؤية يوسف شاهين، ونفاذ بصيرته، وقدرته
على استشراف المستقبل، فضلاً عن براعته فى التعبير بالسينما -بوعى وجسارة-
عن جوهر الواقع المعاصر، عبر نماذج مشرقة ومضيئة فى التاريخ العربى.. لذا
تأتى كلمات ابن رشد فى «المصير» منذ ستة عشر عاماً وكأنها موجّهةٌ إلى حكام
هذا الزمان.. يقول العالم الجليل مخاطباً سلطان الأندلس «الإمام المنصور
يوسف بن يعقوب»، محذراً من خطورة ذلك التيار «اللى بينخر زى السوس فى
سلطانك.. فيه ناس بتحط عينها على السلطة.. للأسف مولانا فتح لهم السكة..
استولوا على كل المساجد.. ومفيش غير صوتهم بس هو اللى مسموع».. ينبهه
السلطان أن من يعنيهم هم «رجال دين».. يرد ابن رشد بثقة وأسى: «دول تجَّار
دين بيرقصوا على كل الحبال»!
الوطن المصرية في
03/03/2013 |