بعد مرور ستة أشهر على عرضه في مهرجان البندقية السينمائي الدولي، وصل
فيلم “إلى العجب” إلى صالات الولايات المتحدة ضمن هالة كبيرة من الإعجاب
شملت نقاداً وروّاد سينما متخصصين . قبل ذلك شهدته معظم الدول الأوروبية
تباعاً من مطلع هذه السنة وما كتب عنه إعجاباً يؤلف مادة لكتاب كبير .
هذا كلّه ليس عجيباً كون المخرج هو ترنس مالك الذي حقق من العام 1973
إلى اليوم ستّة أفلام طويلة فقط، لكنه أنجز في العامين الأخيرين فيلمين
متتابعين، وحالياً لديه أربعة أفلام مقرر لها العرض في هذا العام وخامس على
الطريق للعرض في العام المقبل .
للحقيقة، لم يخرج مالك كل هذه الأفلام المقبلة، بل أنتج اثنين منها
هما “جناح أحمر” و”الشفرة الخضراء ترتفع” وأخرج وكتب الثلاثة الأخرى وهي
“فارس ورق اللعب” و”رحلة في الزمن” ولا يزال فيلمه الثالث بلا عنوان .
رغم تكاثر أعماله حالياً، فإن الفارق كبير بينه حين كان مقلاً
ومختفياً عن الأنظار وبينه الآن وهو في أوج عطائه وقد بلغ التاسعة والستين
سنة من العمر .
الرابط الأكثر أهمية بين أعماله، هو البحث المزمن عن معنى لضياع ما .
مثل بحث أندريه تاركوسكي في كل أفلامه، هناك سعي لمعرفة الحقيقة يتولاها
ممثله الأول تعبيراً عن نظرة المخرج ذاتها إلى الحياة والموضوع . هو بحث
فلسفي وليس ميدانياً محدداً كأن يكون بحث بطله عن مرتكب جريمة قتل أو
لمعرفة الجواب عن سؤال في ظروف ومفارقات . مالك شديد الاهتمام بما يستطيع
الفيلم تكوينه من تداعيات ثقافية وفلسفية مرهونة بنظرته الإنسانية صوب
الحياة . هي أقل كشفاً عن هذا الاهتمام في فيلمه الأول “بادلاندز”، وأكثر
اقتراباً في فيلمه الثاني “أيام الجنّة”، لكن كلا هذين الفيلمين يبدوان
اليوم تمهيداً لما تلاهما .
“بادلاندز” كان عن شاب وفتاة ينطلقان في سلسلة
جرائم قتل، بدأت بقتلهما عائلتها، وانتهت بجرائم أخرى في نوع من التسلسل
المرَضي . مالك لا يسبر غور القصّة (المنسوجة من أحداث حقيقية) لكي يقدّم
ما حدث عبر الالتصاق بواقعيّته . هذا ما فعله تاركوفسكي مثلاً حين تناول
حياة آندريه روبليف في فيلم تحت ذلك الاسم . كلاهما لم يسعيا لسرد سيرة أو
الالتزام بواقعية القصّة . بحثا عن السبب الذي يحدو بكل منهما لسرد الحكاية
ووجد كل منهما السبب الذي يناسب فيلمه وموضوعه . ما استخرجه مالك في ذلك
الفيلم هو المرجع الاجتماعي الذي يوجّه المرء إلى ما سيقوم به لاحقاً .
ميزة أخرى نجدها في فيلمه الأول هو أن المشاعر غير منطوقة، وهذه
الميزة نجدها في فيلمه اللاحق “أيام الجنّة” حول علاقة عاطفية بين بطلي
الفيلم يدفع فيها الرجل (رتشارد غير) من يحب (بروك شيلدز) لإيهام رجل ثالث
بحبّها له حتى يتزوّجها على أمل أن ترثه، لكن المشاعر غير المنطوقة ليست
اختياراً عشوائياً، بل سمة أسلوبية رائعة إذا ما عرف المخرج كيفية تنفيذها
والمخرج ينفّذها جيّداً .
مالك يأخذ وضعاً ويحلله على هذا المنحى دائماً . والقصّة بالتالي لا
تعد حكاية تمتد بين نقاط محددة ومعهودة، بل تتّخذ شكل رحلة شعرية . تنمو
أمام المشاهد وفي دواخله وتنتهي وقد بحثت كل ما أرادت طرحه . هذا موجود
أيضاً في “عالم جديد” الذي يفتقد إلى ذلك التوازن الجيّد الذي عرفه فيلمه
الأخير “شجرة الحياة”، لكن ما قبل ربع ذلك الفيلم الأخير، فإن حكايته أيضاً
تغزل من نسيج المواقف الإنسانية المعتمدة هذه المرّة على حكاية الإنسان
الأبيض حين غزا العالم الجديد (الولايات المتحدة) والتناقضات بينهما لتنتقل
إلى أزمته وأزمة من يحبه كلاهما، بطريقته الخاصّة، يبحث عن هويّته . هو
يريد ترك تجربته وهي تريد أن ترفض التجربة التي تخوضها الآن .
ترنس مالك، مثل ستانلي كوبريك وفرنسيس فورد كوبولا ومارتن سكورسيزي،
ليس من المخرجين الذين يحققون أفلامهم بمنأى عن نجوم سينمائيين مؤسّسين .
سابقاً ما تعامل مع مارتن شين وسيسي سبايسك في “بادلاندز”، ثم مع رتشارد
غير وبروك أدامر وسام شبرد في “أيام الجنّة”، ثم مع حفنة من كبار نجوم
التسعينات في فيلمه الحربي “الخيط الأحمر الرفيع” ومنهم نك نولتي، شون بن،
وودي هارلسون، أدريان برودي، جون كيوزاك، مع آخرين كانوا في مطلع مسيرتهم
مثل جون س . رايلي، جارد ليتو، جيم كافييزل وإلياس كوتياس وبن تشابلن .
“إلى العجب” فيلم غريب بحد ذاته . على الأقل حمل
فيلمه السابق “شجرة المعرفة” ملامح قصّة معيّنة بطلها براد بت، الأب الصارم
وجسيكا شاستين الزوجة الحنون، وشون بن ابن بت الذي يتذكّر اليوم ما كان
حاله وحال أهله حين كان فتى صغيراً . لكن “إلى العجب” يكاد لا يعرف القصّة
على الإطلاق . الملامح التي تبرر اعتبار الفيلم روائياً أقل حضوراً من أي
فيلم سابق له . والحقيقة أنه ليس فيلماً يشبه ما سبقه ولن يكون هناك فيلم
يشبهه وهذا لأن مالك مخرج فريد لم يقلّد أحداً ولا أحد يستطيع تقليده .
شاشة الناقد
كاثرين دينوف العابرة
**
On My Way
بعناوين كبيرة يبدأ الفيلم وما تلبث اللقطات أن تلتقي وحجم تلك
العناوين في لقطات متابعة قريبة من الموضوع المصوّر . في الدقائق القليلة
الأولى لهذا الفيلم الفرنسي الجديد، كل اللقطات والكلمات عليها مضخّمة كما
لو أن هناك عطلاً فنياً طارئاً . وحين يأتي اسم بطلة الفيلم كاثرين دينوف
على عرض الشاشة ثم صورتها وهي تمر بين الطاولات لإيصال الطلبات في المطعم
الذي تملكه مع والدتها يدرك المشاهد أن هناك شيئاً غير طبيعي في كل هذا
التقديم . هل ترغب المخرجة إيمانويل بروكو التأكيد على نجومية بطلتها أم أن
هناك حاجة فعلية لمثل هذا المنوال من التضخيم؟
بعد قليل ستخرج الممثلة الأولى من المطعم منهكة إلى سيّارتها ولن
تعود إليه . تخرج باحثة عن سيغارة فإذا بها تستلم الطريق المؤدي إلى قرية
وراء أخرى ما يشكل “فيلم طريق” مثالياً على الورق، مفكك الأوصال على الشاشة
.
حتى بعد تجاوز هذه النقطة يمضي المشاهد وقتاً صعباً في متابعة عمل
يخفق في أن يُثير اهتماماً درامياً أعلى من الرغبة في تقديم حكاية مسلية
تتخللها مواقف مثل لقاء بطلة الفيلم دينوف بحفيدها الصغير ومحاولتها إعادته
إلى والدته، والتوقّف عند فندق حدث أن ملكات جمال المقاطعات الفرنسية
السابقات يلتقين فيه إحياء لمناسبة . ودينوف، كما يقدّمها الفيلم، كانت
ملكة جمال تلك المقاطعة . صدفة جميلة لا تكتمل معالمها إلا بزيارة مفاجئة
لمطلقها وعودة الوئام بينهما .
من ناحية، هذا فيلم فرنسي الثقافة والاهتمامات، ومن ناحية أخرى هذا ما
يجعله محدود التأثير ومتراكم المشاهد بحوارات تأكل من فن التعامل مع الصورة
. شخصيات الفيلم وإن جاءت طبيعية بلغة التأليف، إلا أنها هلامية الميول
عاطفياً وتستحوذ أزمات غير عميقة بما فيه الكفاية . أسلوب المخرجة إيمانويل
بركو (لا تظهر هنا، لكنها ممثلة عادة) استعراضي بلا محطّات فنيّة من أي نوع
. تصوير مناسب من غويلوم شيفمان ودور صغير للغاية من حفصية حرزي، الممثلة
العربية الأصل التي بدت واعدة حين قدّمها المخرج عبدالكريم قشيش في “كُسكُس
بالسمك” .
أسماء في تاريخ الفن السابع
جوزف كوتن
واحد من الذين لعبوا في أكثر من فيلم للمخرج الفذ أورسن ولز الذي
قدّمناه هنا في الأسبوع الماضي، هو هذا الممثل الذي بدأ حياته ناقداً
مسرحياً . هناك التقى بالمخرج ولز الذي استعان به في ثلاثيّته السينمائية
“المواطن كين”، و”آل أمبرسون الرائعون” و”رحلة إلى الخوف” وكلها في مطلع
الأربعينات من القرن العشرين، بعدها افترقا إلى أن لعبا معاً بطولة فيلم
للبريطاني كارول ريد بعنوان “الرجل الثالث” .
كوتن الذي توفي عن 88 سنة في العام 1994 ظهر في 132 فيلماً وعملاً
تلفزيونياً آخرها بدور راهب في فيلم منسي بعنوان “الناجي” سنة 1981 .
سينما عربية
الفرصة الضائعة
هل أزمة السينما العربية أو أزماتها من المستحدثات الحاضرة أم أن
المفهوم التي اعتنقته تجاه هذا الفن الكبير لم يكن عملياً أو صحيحاً؟ هل
كان يعتمد منذ البداية على استسهال الطريق والبقاء ضحية الظروف؟ الجواب قد
يكون مدفوناً في غياهب التاريخ .
في تقرير تم إرساله لكتاب سنوي عن السينما كانت دار النشر “بينغوين”
Penguin
البريطانية الشهيرة تنشره في الأربعينات والخمسينات، تناول الكاتب
الوضع السينمائي في فلسطين سنة ،1947 أي قبل عام واحد من إنشاء الكيان
الصهيوني رسمياً . فيه قال إن هناك عدداً لا يزيد عن ست شركات إنتاج
فلسطينية في مقابل اثنتي عشرة شركة “يهودية” “حسب تعبيره” .
إلى جانب التفاوت بين الجانبين، مع طغيان عدد الشركات التي يملكها
مهاجرون يهود، لاحظ الكاتب أن الشركات الفلسطينية لا تُنتج، بل كانت مكتفية
بتوزيع الأفلام المصرية، بينما تقوم معظم الشركات اليهودية بعمليات إنتاجية
تشمل، حتى ذلك الحين، أفلاماً وثائقية لأغراض تعريفية وايديولوجية وسياسية.
هذا ما يضعنا مباشرة أمام حال لا يمكن التخفيف من شأنها: لقد فهم
الطامعون في استعمار فلسطين أهميّة السينما وتأثيرها، بينما اعتبرها العرب
آنذاك مجرد اختراع مصُمم للهو يمكن توظيفه لجلب المال وليس لصرفه . لذلك،
وبينما كانت أفلام كوكا ويوسف وهبي وبدر لاما تعرض للترفيه، كانت الأفلام
المعادية تعمل على التوجه صوب العالم لتأكيد حقوق “إسرائيل” الزائفة في أرض
ليست لها .
وطوال عهودنا المتوالية لعب حب الاستفادة وحده الدور الأكبر في تخلّف
السينما العربية إلى أن قامت مؤسسات عامّة أصابت حيناً وأخطأت في أحيان
أخرى .
أوراق ومشاهد
لعبة كمبيوتر
***
Wargames (1983)
جذور قصّة هذا الفيلم تجدها في أحداث صغيرة حقيقية وقعت بالفعل عندما
تمكن بعض مستخدمي الكمبيوتر من التسلل إلى الشيفرة الخاصة ببعض مراكز
الحكومة وأجهزة الدفاع الأمريكية، نتيجة ذلك خلل دفع الكمبيوترات الموجودة
في مرابض الصواريخ النووية في الولايات المتحدة إلى الاستعداد الأقصى نظراً
لهجوم ظهر على شاشات الكمبيوتر إنما لم يظهر له دليل من الصحة في مركز
المراقبة الأخرى .
في الفيلم نتعرف إلى شاب بالغ الذكاء يتسلل إلى الشيفرة الخاصة بمركز
أجهزة الدفاع النووية معتقداً أنه يمارس لعبة ذكاء مع العقل الكمبيوتري
الذي يلاعبه . في الواقع لم يكن سوى مسبب لمباراة بين كمبيوتر المركز وبينه
ما يجعل العالم مهدداً بحرب نووية غير مقصودة . استخبارات الجيش تؤكد أنه
عميل شيوعي وهو يؤكد أنه يستطيع أن يوقف هذا الخطأ قبل أن يصل العد
التنازلي إلى آخره .
موضوع خطير كهذا كان يمكن معالجته بجدية أعلى لكن قدرات المخرج جون
بادهام ليست في هذا الجانب، بل في محاولة تنفيذ فيلم تشويقي لذلك فإن
الإيحاءات لا تكفي، وهي من دون شك غير قوية أو مؤثرة . بعض السبب يكمن في
أن المتفرج الذي في البال كان الجمهور الشامل نفسه الذي توجه إليه فيلم “أي
تي” لستيفن بيلبرغ، ونحن نلاحظ عناصر مشتركة: الولد الذي يتقدم صف
الممثلين، مجموعة أولاد أخرى، العائلة التي تعيش في بلدة غير متعددة
الثقافات . كما أن المخرج لم يعط حجماً كافياً من الظهور للشخصيات الأخرى
تساعد على جعل الخطر المحدق أمامنا خطراً يتناول كمفهوم الجميع وليس فقط
شخصيات الفيلم المعدومة التي تقدم في أحيان على تصرفات كاريكاتورية تضعف من
جدية المضمون أكثر .
على الرغم من كل ذلك، فإن الفيلم حوله معجبون كثر . لا ننس أن
الكمبيوتر آنذاك كان لا يزال لغزاً . بالتالي قرأ الفيلم بعض المستقبل وبدا
نبوءة تثير المخاوف .
م .ر
Merci4404@earthlink.net
الخليج الإماراتية في
21/04/2013
أحفاد فيلليني في «متروبوليس» بيروت
فريد قمر
البطالة والهجرة والنقمة على الحكومات والكنيسة هي بعض التيمات التي
تستعرضها تظاهرة «السينما الإيطالية المعاصرة» التي تنظّمها «متروبوليس
أمبير صوفيل» ابتداءً من هذا الأسبوع
لا تصنع السينما التغيير. إنّه حمل لا تقوى عليه. قد تؤثر وتحرّض،
وتستشرف، لكنها تبقى السبيل الأفضل لاكتشاف مجتمع ما، ومكنوناته وتناقضاته
والنزول إلى شارعه والتماس نبض ناسه. إنّها الأدب البصري بامتياز. وهذه
المرة، تأخذنا «متروبوليس أمبير صوفيل» إلى إيطاليا لاستكشاف نبض مثخن
بمشكلات البطالة والهجرة والنقمة عل الحكومات والكنيسة. بعد أربع تظاهرات
خُصِّصت للمعلّمين الكبار في هذا الفن أمثال أنطونيوني وفيلليني وفيسكونتي،
ها هي «متروبوليس» والمعهد الثقافي الإيطالي يوجّهان تحية إلى السينما
الإيطالية المعاصرة مع عرض تسعة أفلام ابتداءً من 25 نيسان (أبريل).
تبرز تظاهرة «السينما الإيطالية المعاصرة» سعي المنظمين إلى تقديم
مجموعة رمزية من الأشرطة لكل منها قيمته الخاصة، أسلوباً ومضموناً. ومن
الأفلام المعروضة عملان للمخرج ناني موريتي هما «غرفة الابن» (25/4) الحائز
السعفة الذهبية في «مهرجان كان 2001»، و «لدينا بابا» (3/5) الذي شارك في
المسابقة الرسمية في المهرجان عام 2011. يُعَدّ «غرفة الابن» من أبرز
الأفلام الإنسانية التي اتخذت الموت ثيمة لها. يتحدث عن الموت كفكرة قادرة
على قهر الإنسان. يرصد الفيلم جيوفاني (جسّده موريتي نفسه) الذي يظن أنه
مصاب بالسرطان وموشك على الموت، فيحاول التعايش مع الفكرة ويُعِدّ نفسه
للرحيل، قبل أن يكتشف أنّ الطبيب أخطأ في تشخيص مرضه. شكّل الشريط صدمة
إيجابية لتزامنه مع أخطاء طبية قاتلة التي شهدتها إيطاليا آنذاك، لكن هذه
المرة، لم يشأ التركيز على مآسي ذوي الضحايا، بل على مأساة الضحايا أنفسهم.
أما فيلم «لدينا بابا» الذي أثار جدلاً واسعاً بسبب سخريته من البابا،
فيتحدث عن بابا وهمي اختير من بين 100 كاردينال ليتولى المسؤولية التي لا
يستطيع تحمّلها، فيحاول الهرب، ويضطر الفاتيكان إلى الاستعانة سراً بطبيب
نفسي، هو موريتي أيضاً، ليساعد البابا على التأقلم مع حياته الجديدة.
يتحايل الفيلم على النقمة الإيطالية من الفاتيكان وميزانيته الخيالية التي
يدفع قسماً وافراً منها الإيطاليون أنفسهم. تقدم التظاهرة فرصة أيضاً
للتعرف إلى المخرج المتألق ماثيو غاروني عبر «غومورا» (29/4) الذي ينزل إلى
العالم السفلي لإيطاليا حيث تنتعش المافيا التقليدية. يقدم الشريط حبكة
حقيقية ومتكاملة عن أدق تفاصيل هذا العالم، ما قاده إلى الفوز بالجائزة
الكبرى في «كان 2008»، ورُشّح لجائزة أوسكار لكشفه الحقائق المفزعة
للغومورا (المافيا)، ومدى سطوتها على مجتمع نابولي من خلال خمس قصص متداخلة
الأحداث والوقائع. كذلك، يحضر فرزان اوزبتيك مع «حضور مبهر» (2/5 ـ 2012)
الذي يحكي عن الحلم الذي لا يموت في بلاد المليون فنان. تدور القصة حول
الشاب بيترو الذي يحلم بأن يصبح ممثلاً، فيغادر مسقط رأسه صقلية وينتقل إلى
روما حيث يشتغل في فرن ليلاً ويكرّس نهاره للبحث عن فرصته في عالم السينما.
تدور الأحداث في الأربعينيات وتقدم مزجاً خلاقاً بين الواقع والخيال، بين
ما يتمناه المرء وما يدركه. في التظاهرة أيضاً «مئة مسمار» (28/4 ـ 2007)
لارمانو أولمي عن قصة أكاديمي بارز في «جامعة بولونيا» قرر التخلي عن مهنته
والانزواء في مبنى قديم على ضفاف نهر الـ«بو» الإيطالي الهادئ، ليعيش حياة
بسيطة. وهو حلم كل إيطالي يود الهرب إلى البساطة لتحقيق سلامه الداخلي. إنه
فيلم انساني كسائر أعمال أولمي التي تعتبر الحياة البسيطة أفضل سبيل
لمقاومة النزعة الاستهلاكية في أوروبا. فيما يأخذنا مايكل أنجلو فرامارتينو إلى بلدة
جبلية بعيدة في كاولونيا (جنوب إيطاليا). يعود بنا «الأزمنة الأربعة» (30/4
ـ 2010) إلى أسطورة فيثاغورس الذي يقال إنّه عاش أربع حيوات. قيمة الفيلم
أنّه لا حوار فيه، بل معالجة تصويرية لأحداثه، وهو مثالي لمحبّي الأفلام
الفلسفية.
ولأفلام الجريمة والتشويق حصة مع «فتاة البحيرة» (26/4 ـ 2007)
لأندريا مولايولي الذي حاز نجاحاً باهراً ويتحدث عن اكتشاف جثة امرأة على
ضفاف البحيرة، فتبدأ عملية التحقيق لتكشف الأحداث أنّ أسراراً خطيرة تكمن
خلف هذه المرأة. يقطع الشريط الأنفاس ويذكّرنا للحظة بأسلوب أغاثا كريستي
الروائي، فيصبح المشاهد شريكاً في محاولة حلّ اللغز الذي لا ينكشف حتى
اللحظات الأخيرة من الفيلم. ومن الأفلام أيضاً شريط المخرج الشهير
فرانشيسكو بروني
scialla «برويِّة» (1/5 ـ 2011) الذي يتحدث عن لوكا الذي يبلغ 15 عاماً ويعيش
مع والدته التي تضطر للسفر إلى أفريقيا، فتتركه مع برونو الخمسيني الذي
يعمل مدرساً بعدما ترك مهنته ككاتب، لكنها تخبره قبل رحيلها أنه هو والد
لوكا الذي يجهل الحقيقة. وتبدأ العلاقة المتوترة والفاترة بين الرجل
والفتى. وأخيراً، يحضر كارمن أموروزو بشريطه Cover Boy (27/4
ــ 2007) ليعيدنا إلى أفلام الأزمة الاقتصادية والبطالة المتفشية في أوروبا.
«السينما
الإيطالية المعاصرة»: بدءاً من 25 نيسان (أبريل)
حتى 3 أيار (مايو) ــ «متروبوليس أمبير صوفيل» (الأشرفية ـ بيروت) ـ
للاستعلام: 01/204080
الرجولة (الأميركية) حسب ديريك شيانفرانس
فيصل عبد الله
بعيداً عن مناظر العنف والدم وإطلاق النار وبعض الهنات هنا وهناك،
يبقى فيلم ديريك شيانفرانس
The Place Beyond the Pines
جديراً بالمشاهدة. أداء قوي وتصوير سينمائي
ضبط إيقاع العمل
يدور جديد ديريك شيانفرانس «المكان خلف الصنوبر» حول قضايا سبق أن
طرقتها السينما الأميركية على مدى تاريخها العتيد. يدعونا صاحب «فالنتاين
الأزرق» (2010) الى متابعة مصائر أبطاله عبر توليفة درامية تستحضر معاني
الرجولة الأميركية، والأبوة، والمسؤولية الشخصية، والأقدار، والطموح
والفساد الضارب في بعض أجهزة الشرطة.
يتخذ شريط شيانفرانس من مدينة «شينكتادي» القريبة من نيويورك مسرحاً
لأحداثه الدرامية. استعار المخرج الأميركي عنوان شريطه من اشتقاق لمعنى اسم
تلك المدينة حسب لغة قبائل الـ«موهوك». إذ استقر الهنود الحمر في هذه
المنطقة بداية القرن السابع عشر قبل أن يستوطنها المهاجرون الهولنديّون. في
الشطر الأول من هذه الثلاثية، نتابع شخصية الشاب لوك (الممثل الكندي راين
غوسلينغ)، البارع في قيادة دراجته النارية والعامل ضمن سيرك متنقل والمدخن
النهم وصاحب العضلات المفتولة والمعتد برجولته والموشى بـ«التاتو». إلا أنّ
ظهور نادلة المطعم وصديقته القديمة رومينا (عارضة الأزياء والممثلة إيفا
مينديس ذات الأصول الكوبية)، يقلب حياته على عقب. يكتشف أنّ له طفلاً منها،
رغم أنّها تتقاسم العيش مع صديقها الجديد كوفي (Mahershalalhashbaz Ali)، ما يضعه إزاء مواجهة مسؤولية الأبوة.
على خلفية هذه الصدمة، ينتقل الفيلم الى خيارات لوك وبدائله المطروحة،
هو الدائر في فلك النزق والعزلة والتمرد والنشاز والفقر. بين حس الأبوة
وضيق الحال والحلول، يلتقي بروبن (بن ميندلسون)، صاحب كراج في أطراف
المدينة، فيقترح عليه العمل والسكن معه من أجل كسر عزلته هو الآخر. مهارات
لوك وخفته في قيادة دراجته النارية يحولها روبن الى رصيد ثمين عبر توظيفها
في التخطيط لسرقة بنك المدينة. حلّ عملي مغر يتلقفه لوك بغية تأمين مستقبل
طفله الرضيع. لكن نهايته ستكون مأساوية عندما يُقتل على يد ضابط الشرطة
الطموح آفري كروس (برادلي كوبر) أثناء مواجهة معه بعد تنفيذه عملية السطو
الرابعة.
على اثرها، نتابع في الشطر الثاني محنة الضابط آفري الأخلاقية التي
وضعته في تصادم مع مساراته الحياتية والوظيفية: عقدة ذنب لم يشف منها، ما
يؤدي إلى انفراط علاقته بزوجته جنيفر (روز بايرن)، واعتباره بطلاً من قبل
جهاز الشرطة على خلفية ما قام به وكيفية التعامل مع استحقاقات شجاعته ثم
اكتشافه شبكة فساد في جهاز الشرطة يقف الضابط ديلوتشا (راي ليوتا) على
رأسها فيوقع بها، واهتمامه بمستقبل ابنه المدلل أي. جي (الممثل الشاب آموري
كوهين) الفاشل في دروسه مقابل طموح آفري الشخصي باعتلاء سلّم وظيفي عال
أسوة بوالده الحاكم السابق آل كروس (هاريس يولين). وبالفعل، نشاهده في
نهاية الشريط يقوم بحملة انتخابية للترشّح لمنصب المدعي العام لولاية
نيويورك.
في الشطر الثالث من الشريط، يكون قد مرّ 15 عاماً. ينتقل الفيلم الى
ما ورثه الأبناء من خطايا الآباء. ولعل فصول هذا الجزء تحمل الكثير من
التطويل الثقيل، فجاءت كأنها إعادة لافتراق مصائر الآباء. نرى ابني آفري
كروس ولوك وقد صارا شابين غير موفقين في الدراسة، مدمنَي مخدرات ومن طبقات
اجتماعية متباعدة. ومع ذلك، فإن صداقة الشاب أي. جي بقرينه جيسون (داني دي
هان) والزمالة الدراسية سرعان ما تتعرض لشرخ كبير حين يكتشف جيسون أنّ والد
أي. جي كان وراء مقتل والده الذي لم يره في حياته وظلت أخباره طي الكتمان.
يقرر في لحظة غضب الانتقام من أي. جي ومن والده الضابط آفري. لكنه يحجم عن
فعلته تجاه الأخير مقابل حصوله على محفظته حيث يجد فيها سر قصة والده من
خلال صورة قديمة تجمعه صغيراً بأمّه ووالده.
خلال الساعة الأولى من
The Place Beyond the Pines،
أضفى الممثل راين غوسلينغ ثقلاً واضحاً على الشاشة، فيما أبدعت كاميرا
المصور السينمائي شون بوبيت في اقتفاء سيرورة أجزاء الشريط الثلاثة
وإيقاعه، خصوصاً الشطر الأول. مع ذلك، يؤخذ على العمل طوله النسبي (140
دقيقة)، وتكراره لمشاهد لم تضف الكثير الى فصول الفيلم. لكنه في الوقت
ذاته، يبقى الشريط الأجدر بالمشاهدة بعيداً عن مشاهد العنف والدم وإطلاق
النار التي تزخر بها السينما الأميركية المقاربة لحبكته.
The Place Beyond the Pines: «سينما
سيتي» (01/899993)، صالات «أمبير»، (1269) «غراند سينما» (01/209109)، «بلانيت
أبراج» (01/292192)
مقاومة التطبيع:
القدس ليست برلين
مصطفى مصطفى/ القدس
صفعة جديدة يتلقاها وثائقي «24 ساعة في القدس» الذي تصدّر «شُباك
التطبيع». الفيلم الألماني الذي استُدرج إليه مصوّرون فلسطينيون في أيلول
(سبتمبر) الماضي، سرعان ما انكشفت رسالته الخبيثة الرامية إلى تصوير القدس
«مدينة إسرائيلية موحّدة» بكاميرات فلسطينية وإسرائيلية. انكشف وقوف جهة
إنتاج إسرائيلية وراءه هي Israeli Prodco 24 Communications
المدعومة من «صندوق القدس للتلفزيون والسينما» و«بلدية أُورشليم»؛ إلى جانب
«كُتّاب للإنتاج» الفلسطينية. كل هذا أدّى يومها إلى تعطيل تصوير «24 ساعة
في القدس» (الأخبار30/8/2012 ـ 4/9/2012)، وانسحاب أكثر من 20 مصوّراً
فلسطينياً. لعلّ هذه المعطيات كانت في بال المصورين الفلسطينيين الذين
انسحبوا أيضاً يوم الخميس الماضي الذي حُدِّد موعداً ثانياً للبدء بتصوير
الفيلم. انسحاب أكثر من 10 مصورين فلسطينيين هذه المرّة، أدّى إلى اكتفاء
المنتج الألماني توماس كوفوس (الصورة) بما جمعه من مواد فيلمية إسرائيلية
وفلسطينية وسط المقاطعة الثقافية والمجتمعية لهذا المشروع التطبيعي الذي
تخوضه شركته
Zero One Film.
رغم هذه المقاطعة، لم يعدم المنتجون وسيلة ضغطٍ لإيقاع المصورين في فخ
«24 ساعة في القدس». بعدما علمنا بموافقة «نقابة الصحافيين الفلسطينيين»
على اشتراك مصوّرين يحملون عضويتها في الفيلم، فاجأنا أخيراً بيان صادر عن
أمانة السر في «منظمة التحرير الفلسطينية» يُصرّح بموافقتها على هذه
المشاركة! جاء في البيان: «لا مانع من المساهمة في إنجاز هذا المشروع الذي
سيجسّد المعاناة التي يمرّ بها الفلسطينيون يومياً في المدينة بسبب
الاحتلال وإجراءاته العنصرية. كما سيسهم في إبراز الحياة الاجتماعية
والسياسية والثقافية في القدس». قد لا نستغرب هذا البيان الأشبه بـ«صكّ
غفران» إذا تذكّرنا كيف وظّفت «سلطة أُوسلو» منظمة التحرير لأجنداتها
السياسية (وبيزنس قياداتها؟).
وفيما كان منتجو الفيلم يُصرّحون بأن المشروع أُوروبي فلسطيني مشترك،
كان توماس كوفوس يندب حظه لـ«رويترز» بسبب فشل هذه «الخطوبة» بين مصورين
فلسطينيين وإسرائيليين. كان المنتج الألماني و«كُتّاب للإنتاج» لصاحبها
داود كُتّاب، يأملان إنتاج فيلم على شاكلة «برلين 24» (2008) الذي يصوّر
يوميات المدينة بشقّيها الشرقي والغربي. لكن «حملة مقاطعة إسرائيل» والوعي
المُقاوم كانا لهما بالمرصاد. يوميات القدس لا تشبه يوميات برلين. وشتان
بين باب دمشق (العمود) الذي ما زال يقف فوقه جنديٌ محتل، وبين بوابة
براندنبورغ.
«أقوى
بألف مرة»:
هكذا تصبح المرأة أنثى
محمود منير
يُلقن المخرج السويدي بيتر شيلدت درساً لصنّاع السينما التجارية،
خصوصاً الأميركية في فيلمA Thousand Times Stronger
الذي عُرض أخيراً في عمان، إذ يكسر مقولاتهم الجاهزة حول العلاقة بين
الجنسين. يُقّدم الفيلم نقداً لاذعاً للنظام الاجتماعي الذي يحدد فيه
الذكور ــ منذ مراهقتهم ــ مواصفات الفتاة المثيرة، ويتم باكراً مصادرة
حقها في الاختيار، وفرصتها في النضج مستقلة بجسدها ورأيها.
اختطاف خيارات الفتاة يُكرّس عبر نظام تعليمي تشيده وصاية أبوية في
مجتمع غربي يبدو متماثلاً مع نظيره العربي، وإن بدت الصورة مقلوبة؛ فالأول
يسلّعها بذريعة تمكينها، والثاني لدواعي القِوامة. ينبني العمل على نص
الرواية الأكثر مبيعاً لكريستينا هرستروم التي كتبت السيناريو أيضاً، عبر
تسجليها مجريات الأيام الدراسية من وجهة نظر الطالبات، وما يطرأ على سلوكهن
الشخصي من متغيرات نتيجة التفاعل مع زملائهن من الذكور. تركّز الكاميرا على
ميمي التي تأتي تصرفاتها كردود فعل تجاه نظرة الجنس الآخر. تبرز آلية
الاستجابة لسلطة الذكور من خلال ساين التي تروي أحداث الفيلم، وهي فتاة
خجولة وانطوائية تعيش صراعاً داخلياً حول هيمنة الفتيان وعملية التهميش
المستمرة لها ولعدد من زميلاتها. مع التحاق فتاة جديدة تدعى سيغا بالمدرسة،
يهتز النظام التعليمي السائد الذي تواجهه بذكائها وإيجابيتها في التعامل مع
محيطها، وقوة شخصيتها غير المحكومة بصورة نمطية بعينها. تشكّل سيغا حالة
مثيرة للاهتمام، حيث تخفت سطوة الطلبة الذكور، نتيجة عدم اكتراثها
بتعليقاتهم ومحاولاتهم الفاشلة في إبداء إعجابهم بها، كما يسيطر القلق على
ميمي المعتادة على تحقيق حضورها بناءً على تقييم الذكور لها، وسرعان ما
تنكسر الحدود المتوهمة بين الجنسين، ويلتف الجميع حول سيغا باعتبارها شخصية
مركزية تعيد إنتاج علاقاتهم على نحو أكثر توازناً. في المقابل، يلجأ النظام
إلى احتواء الضيف الجديد. بدل الاستفادة من الأجواء الصحية التي خلقتها
سيغا، يطالبها المدرّس بمساعدته على إرشاد الفتيات إلى الطرق المناسبة في
التعبير، وعدم السماح للذكور بالمشي وراءهن. تنقلب هذه التوجيهات على
المدرس نفسه، وبالتالي على المنظومة التعليمية بأسرها، إذْ تقوم سيغا
بتفكيك الدور المرسوم لها والأدوار المتوقعة من زميلاتها، فتتحول حصص
الرياضة إلى دورس للرقص، وتعترض الفتيات على أسلوب التدريس، ويتسبب ذلك في
تلقيهن عقاباً جماعياً يرفضنه ويغادرن على إثره المدرسة. يجتمع مدير
المدرسة مع الطالبات المتمردات من أجل استرداد السلطة القائمة على ثنائية
«المراقبة/ المعاقبة»، ويهدد بمنعهن من حضور حفلة التخرج في حال عدم العودة
إلى سلوكهن المعتاد. تقرر سيغا ترْك المدرسة، بعد مواجهة مكشوفة مع المدرس
أمام زملائها، وحالما تغادر الصف، تثور ساين على صمتها وعزلتها التي امتدت
طوال الفيلم، وتصرخ في وجه مدرّسها وتنعته بالنفاق. يعود النظام إلى سابق
عهده، لكن ثمة أثراً لا ينسى تركته سيغا في أعماق ساين التي أصبحت أقوى
بألف مرة.
الأخبار اللبنانية في
22/04/2013
زوم
الدور وليس النجم سمة الفنّان الممثّل
بقلم محمد حجازي
هذا الرجل الهادئ، الرصين، وصاحب الصوت الواثق كم هو جيد كممثل.
لم نعرف لاعب شخصية
Jeb
في شريط The Host (المضيف)
إلا عندما قرأنا اسمه في لائحة الممثّلين المشاركين في الفيلم، وأي شخصيات
يجسّدون. إنّه ويليام هيرت (٦٣ عاماً) أحد أهم لاعبي الكاراكتير على الشاشة
الهوليوودية من طينة داستن هوفمان، روبن ويليامس، جاك نيكلسون، وغيرهم من
الكبار.
ربما لا يكون جديداً علينا ألا نقدر على تحديد إسم ممثل من الشخصية
التي يلعبها إذا لم نكن اطلعنا على فريق العمل بالكامل، لكنها ظاهرة رائعة
تؤكد كم للكاستنغ من قدرة على إسناد الأدوار لمَنْ يستطيعون إجادتها من
الفنانين، في وقت ندرك كم من أدوار فتحت الباب على ممثلين مغمورين، فهل
منّا مَنْ ينسى دور دانيال داي لويس في: قدمي اليسرى، الذي جسّده منذ ٢٤
عاماً بإدارة جيم شيريدان، أو «طيران فوق عش الكوكو»، لـ جاك نيكلسون ومن
ثم «شانينغ»، وماذا عن: المتخرّج، توتسي، راين مان أو كرامر ضد كرامر (شهد
ولادة ميريل ستريب) تلك الأفلام التي انزرعت في البال لـ هوفمان.
لكن أنْ يُجيد ممثل دوراً شيئاً، وأنْ يدخل في بطانته فلا نعرفه إلا
بعد حين، أو بعد جهد فهو شيء آخر، وهذا احترافي وواقعي، فنحن لا ننسى ممثلة
لبنانية اختارها مخرج لدور بطولة في فيلم، وفيما هو يشرح لها ما الذي
سيعملان عليه، رسم لها الصورة التي ستظهر بها في العمل، وهي بكل بساطة بشعر
قصير أما هي فشعرها طويل، وقد أصرّت على ألا يتم المس بمظهرها لأنّ جمهورها
يعرفها هكذا، وكان هذا الأمر سبباً في خسارتها للدور.
هناك سقطات مريعة في العديد من أعمالنا لغياب الكاستنغ الصحيح، وهو
أصلاً أساس لا نقاش حوله في ضبط المادة المرئية وجعلها صادقة في توجيهها
وقيمتها كي تصل إلى المتلقّي، فليس أبشع من عمل فيه حبيبان مثلاً غير
منسجمين في دوريهما أمام الكاميرا، ويكون هو جيداً في صورته المستقلة وهي
كذلك، لكن كيمياء جمعهما معاً ليست متوافرة، فالوجهان لا يهتفان لبعضهما،
ولنتصوّر أنّ «قصة حب» الفيلم الذي هزَّ مشاعر العالم في كل مكان كان بين
ممثلين غير آلي ماكراو، ورايان أونيل قبل ٤٣ عاماً، والذي كان نجاحه بنسبة
كبيرة منه بفعل حضور بطليه وتآلف وجهيهما ليكونا حبيبين مقنعين في الشريط.
وهناك أحياناً على شاشاتنا لقاءات بين وجوه لا يجمعها شيء أبداً، إلا
الشهرة، وما تبقّى من الملامح والإيحاءات التي يطلقها هذا الوجه أو ذاك ليس
موجوداً، فلماذا هذا التجاهل؟ وهذا الجهل في معرفة كم يضيف الانسجام بين
بطلين على الشاشة؟ ومن دون ذكر أسباب، أو القول لماذا: عبد المجيد مجذوب -
هند أبي اللمع، رولا حمادة - فادي ابراهيم، نادين الراسي - زياد برجي، ورد
الخال - مازن معضم، ورد الخال - يورغو شلهوب، كارمن لبس - باسم مغنية،
سيرين عبد النور - مكسيم خليل، إلى آخر اللائحة الطويلة، فالناس تحب اجتماع
وجهين معينين، ولا تطيق آخرين لأنّ هناك كهرباء ضعيفة بينهما، وهذا لا أحد
مسؤول عنه بل هي طبيعة الوجوه وما توحي به فقط.
حتى يقتنع المشاهدون بما يتابعونه على أسياد العمل الفني تقديم ما هو
منطقي وقريب إلى الحقيقة، ويتناسب وأجواء ابتكار عالم حقيقي على الشاشة لا
يكون بعيداً عن الواقع، فكلّما جنح الفن إلى المبالغة.. بلغ الكذب، وهذا لا
يغفره الجمهور بأي صورة، ويخطئ مثلاً مَنْ يقدّمون الشرير في حياته دميم
الوجه، عابساً على الدوام، مشطوب الوجه، فأكثر أشرار هذه الأيام من علية
القوم، وسيمون أنيقون، ولا تفارق الابتسامة ثغرهم، ويقومون بألعن الممارسات
بهدوء كامل ومن دون ضوضاء.
لن يكون الفنان ممثلاً صحياً إلا حين يطلع من جلده ويدخل في جلد
الشخصية التي يلعبها إلى حد التوحّد، يعني لا يعود الناس يفرّقون مثلاً بين
الرئيس ابراهام لنكولن ودانيال داي لويس، مَنْ هو الرئيس ومَنْ هو الممثل،
هنا القوة، وهنا الروعة، وهنا عبقرية الفنان بأن يكون الآخر إلى حد الإقناع
بأنّه الممثل نفسه، وهذه الإشكالية يعشقها الجمهور ويدعمها، ويدفع بها إلى
الأقصى، طالما أنّه ارتضى اللعبة، ودخلها بكامل وعيه.
عروض
The Host:
فضائيون بيننا يصطادوننا تباعاً حتى تخلو الأرض من البشر
مؤلّفة «توايلايت» واكبت التصوير في لويزيانا بميزانية ٤٠ مليون دولار
قالت السينما إنّ بإمكاننا بلوغ الفضاء الخارجي وزيارة باقي الكواكب..
وفعلناها في الواقع.
وهي قالت إنّ هناك جينات قادرة على تخليق حيوانات عملاقة ومنها
الديناصور من جديد، وها هو آخر تقرير علمي يشير إلى أنّ هذا الجانب أصبح
ممكناً، ويؤكد أنّ هناك قدرة على ذلك بعد أبحاث مستفيضة، كما إنّها تحدثت
عن الهاتف الخلوي من زمان بعيد، وها نحن بلغناه، وأوردت أنّ هناك أجهزة على
الأجهزة ترسل رسائل بأكثر من لغة إلى الفضاء الكوني، وقد تلقت بعض
الإجابات، ما يعني أنّ هناك مخلوقات على كواكب أخرى، كما إنّ تأكيداً صدر
عن البنتاغون يقول بأنّ الصحون الطائرة أو المركبات الفضائية الصغيرة
موجودة وهي حقيقية جداً.
نقول كل هذا لنصل إلى موضوعنا الذي يختص بأحدث شريط شاهدناه وعنوانه The Host
أو (المضيف) الذي باشرت صالاتنا عرضه منذ الثامن عشر من الجاري، بينما
تعرضه الدور الأميركية منذ ٢٩ آذار/ مارس المنصرم، بعدما صُوّر بميزانية
أربعين مليون دولار في عدد من مناطق لويزيانا خصوصاً Baton Rouge
واستوديوهات Raleigh
في سيناريو وإخراج آندرو نيكول عن كتاب بالعنوان نفسه لـ ستيفاني ماير (٤٠
عاماً، ومن مواليد كونيكتيكت) التي عرفنا لها منذ العام ٢٠٠٨ سلسلة روايات
Twilight
والتي ظهرت منها أجزاء متتالية حتى العام المنصرم ٢٠١٢ The Twilight Saga: Breaking Down Part 2، وتبين معها مدى رحابة خيالها وقدرتها على ربط الأمور بأسلوب منطقي.
في المضيف ربما لا تطرح ماير موضوعاً لم يسبقها إليه أحد، فلطالما
شاهدنا نماذج تشير إلى الشك بوجود مخلوقات من كواكب أخرى بيننا، وحتى فكرة
أنّهم يأخذون أشكال أهل الأرض ويتجوّلون بها بيننا، كأنهم نحن ولا فارق في
شيء، تمهيداً للانقضاض علينا، وذهب الشريط إلى الإعلان عن وجود أماكن يجتمع
فيها هؤلاء الفضائيون بعيداً عن العيون والمناطق الآهلة جداً، حيث يجرون
اتصالات مع أهل كوكبهم، لا بل إنّ بعضهم يقوم برحلة أو إجازة إلى كوكبه ثم
يعود إلى الأرض.
هذه المخلوقات تتحرّك بحرية بيننا، وقد أعجبت القصة جموع الأميركيين
وظل كتاب ماير يتصدّر مبيعات الكتب وفق «نيويورك تايمز» على مدى ٢٦ أسبوعاً
وهو ما دفع ماير للدخول في شراكة إنتاجية مع بولا ماك شوارتز لتقديم القصة
سينمائياً بميزانية ٤٠ مليون دولار، متعاونة مع مخرج أفلام ناجحة
Gattaca
وInTime.
لسنا وحدنا على هذه الأرض، هناك من احتلونا من كوكب آخر، وأخذوا أجسادنا
وباتوا نحن، ولم يبق منّا نحن البشر سوى أفراد قليلون يختبئون في أكثر من
مكان مخافة العثور عليهم والاستيلاء على أجسادهم وإخضاعهم قبل التوجه بهم
إلى كوكب آخر.
ميلاني (سوزان روتان) واحدة من الضحايا، وقفت بين أيدي مجموعة من
هؤلاء الضيوف على كوكبنا، وبعد ممانعة وتشابك بالأيدي سقطت من علو عدة
أمتار فوق أكوام من الزجاج المحطمة مغشياً عليها فحُمِلَتْ إلى العيادة -
المختبر، وتم التعامل معها كما مع كل الضحايا، وتحوّلت الصبية الجميلة إلى
واندا، لكن صورتها وروحها هي ميلاني، لذا كلما أرادت واندا فعل شيء وجدت
ميلاني لها بالمرصاد، تنهاها أو تشجعها، خصوصاً عندما نجحت بالهرب من
المختبر الشديد الحراسة، عن طريق الصدفة، وتاهت في الفلاة، لا تنوي على شيء
إلى أنْ انهارت وغابت عن الدنيا، فعثر عليها فريق من الناجين هم أنفسهم أهل
وأحبّة ميلاني، فنقلوها إلى مقرهم بأحد الكهوف، فيما اندفعت المسؤولة عن
المهمة (دايان كروغر) مع عناصر كثيرة على دراجات نارية سريعة جداً، وعبر
سيارات أسرع بكثير لتقفّي أثرها، لكن دونما جدوى.
واندا وجدت ألفة مع العائلة، من الكبير جيت (ويليام هيرت) وهو
بالمناسبة في صورة يستحيل معرفته من دون العودة إلى جنريك الفيلم للتأكد من
الذي يجسد الدور، ومعه جيريد (ماكس آيرونز) حبيب ميلاني الذي ينتظرها على
أحرّ من الحمر، وإذا بـ واندا تقع في غرام الشاب آيان أوشيا (جاك آبل)
وتكون له الغلبة في النهاية لأنّ واندا أرادت التضحية بنفسها والموت، من
أجل أن تعود ميلاني إلى ناسها، وإذا بالطبيب الذي أشرف على التحوّل وفق
تعليمات واندا، يبقيها حية، بحيث عادت هي إيضاً إلى شخصية ليسي (راشل
روبرتس) وتواصلت مع إيان، الذي تأكد من إخلاصها عندما أنقذت جيمي (شاندلر
كانتريري) بعودتها إلى المختبر، وجرح نفسها والطلب من المناوبة للعلاج أنْ
تسعفها فاستعملت عقاراً سارعت «واندا» إلى سرقة مجموعة منه، والعودة به إلى
كهف العائلة، ومداواة جيمي بها، ليصحو سريعاً بعدما عولج الجرح الخطير الذي
التقط فيروسه في رجله.
ما أقدمت عليه واندا، بادر لاعتماده عدد من الفضائيين الذين انقلبوا
على أوامر أسيادهم إثر مقتل سيدة المختبر (كروغر) برصاص جيب، واستعادوا
آدميتهم بعدما خرجوا من هيمنة الفضائيين الغزاة.
صاغ الموسيقى انطونيو بينتو، وأدار التصوير روبرتو شافر، وفريق
المؤثرات الخاصة ترافيس بومان.
بيئة
أول مرة
أمس الأول افتُتِحَ مهرجان أبوظبي الدولي لإفلام البيئة في دورته
الأولى التي تستمر حتى ٢٥ نيسان/ إبريل الجاري بفيلم الأرض الموعودة Promised Land
للمخرج غاس فان سانت مع مات دايمون، وفرانسيس ماكدورماند.
الفيلم يكشف عن خطط شركات التنقيب في تعاملها مع أصحاب الأراضي التي
يتم فيها التنقيب، وقد عُرِضَ لأوّل مرة جماهيرياً في ٤ كانون الثاني/
يناير ٢٠١٣ في أميركا بعدما صُوِّرَ في أبوللو - بنسلفانيا، ومدة عرضه ١٠٦
دقائق.
دايمون شارك في كتابة السيناريو مع جون كرازنسكي عن قصة لـ ديف إيغرز
وفي فريق الممثلين: هال هولبرك، بنجامان شيلر، وكارلا بيانكو.
جديد
«وحدك»
لـ شانتال سرور: مختلف عميق وصادق
من فضائية
ART
وخبرة سنوات طويلة في الحوارات المتميّزة جرّبت الزميلة شانتال سرور
مع LBC،
وها هي تنطلق في أولى حلقات برنامجها الجديد: وحدك، على شاشة MTV
محاطة بفريق متماسك وصاحب خبرة مؤلّف من المخرج شربل يوسف، المنتجة المنفذة
كارلا عاد، والإعداد للزميلة الحاضرة بقوة في الوسط الإعلامي الفني إليان
الحاج.
الضيف الأول كان صابر الرباعي، هذا الفنان الشفاف، الصريح، والقادر
على رسم صورة واضحة عن حياته وفنه، عن ماضيه وحاضره، من دون الحاجة إلى
الموارية والمراوغة في بلوغ ما يريده، لذا تحدّث عن ذويه وعائلته الأولى،
والشريكة الجديدة التي يريد معها بناء حياة مختلفة، فقال الكثير عن الغناء،
وعن زملائه، وكانت شانتال على مدى الحلقة صائبة إذا سألت، وتجيد الاستماع
لإجاباته وهو يرد على الأسئلة التي كانت تتدفّق لوحدها وكأنّها عثرت لنفسها
دائماً على قنوات اتصال ففاضت بعفوية، وبلغت المرتجى.
الرهان بالغ الإيجابية على الزميلة شانتال، صاحبة الوجه الجميل، الرأس
الممتلئ بخيارات عديدة للتجوال في عوالم ضيوفها من الجنسين تباعاً.
اللواء اللبنانية في
22/04/2013 |