من الصعب أن تؤمن بشخص يحمل بداخله أكثر من موهبة.. ومن الذكاء أن
يستطيع هذا الشخص إقناعك بذاته في جميع "ملكاته" وأن يجعلك دائما تراه
بصورة متجددة.. والأجمل أن تحترمه لأنه ليس متلونا، وظل مؤمنا بموقف سياسي
واجتماعى واحد قبل أن تنتفض البلاد.
هذا هو خالد الصاوي، ذلك الفنان الذى لم يبحث في أعماله عن العائد
المادي، حتى وإن كان ذلك سيؤخر نجوميته لسنوات، فقد كان دائم البحث عن ما
يجعل جمهوره يحترمه ويقدره، وتكلل هذا بموقفه السياسي الذى بدأه منذ تأسيس
فرقته المسرحية "الحركة" في الثمانينيات، والتى كان يشارك بها في كثير من
الاحتجاجات والمظاهرات، فأصبح وجوده غير مفاجىء في ميدان التحرير 2011.
ولعله من الفنانين القلائل الذين أنشأوا لأنفسهم "منظومة فنية"، حيث
يجمع بين التمثيل والغناء من خلال فرقته "العاصفة"، وكتابة الشعر
والإخراج.. يعود الصاوي لجمهوره من خلال فيلمه "الحرامى والعبيط" بشخصية
مختلفة لم يقدمها من قبل.. يفتح ملفا مهما ومهملا في المجتمع، وهو قضية
تجارة الأعضاء البشرية.
داخل مكتب يمتلىء بالكتب ومكتبة للأفلام السينمائية العربية
والعالمية، قابلنا خالد الصاوى، وكان حوارنا بين الفن والسياسة والإنتاج..
وفيما يلى نص الحوار:
·
هل تعتقد أن شخصية البلطجى "صلاح
روسي"، التى قدمتها في فيلم "الحرامى والعبيط" أصبحت الأكثر انتشاراً بعد
الثورة؟
- نموذج "البلطجى" الذي يعيش بالقوة جاء منذ فترة المماليك والحكم
العثمانى، وكان وقتها الفتوة الرجل الشهم الذى يدافع عن أبناء بلده ضد قسوة
الاحتلال، ثم تطور الأمر وبدأ نموذج "الفتوة البلطجى" يظهر، وانهار ما به
من أخلاقيات خلال فترة الاحتلال الإنجليزى والفرنسي، حيث كانوا تابعين لهم،
بل انهم كانوا يستخرجون لهم في السفارات "جنسيات أجنبية" منعا لمحاكمتهم،
حيث أصبحوا خادمين لهم، أما في عهد مبارك فقد بدأنا نشاهد البلطجية
المأجورين لصالح السلطة وكانوا يرتدون ملابس مدنية ليسهل عليهم فكرة ضرب
المتظاهرين، كما حدث في الواقعة الشهيرة من تمزيق ملابس السيدات في 2005
على سلالالم نقابة الصحفيين.
ثم بدأ خالد يوسف خلال هذه الفترة في رصد هذا العالم، الذى انسحبت منه
الدولة، وكان التنظيم في هذه الأحياء يقوم على الفتونة والبلطجة إلى أن
وصلنا للمرحلة الحالية وما تبعها من عدم اهتمام الداخلية بهؤلاء، خصوصا في
الفترة الأولى بعد الثورة كنوع من معاقبة الشعب، وبالتالى هذا النوع توغل
"وكأنهم حضروا عفريت ومش عارفين يصرفوه"، وكل هذه الأمور كانت في ذهنى وأنا
أحضر للشخصية، وظهرت في بعض مصطلحاتى "أصل دول بساريا ومحتاجين اللى يقف
معاهم".. صحيح أن كل هذا الحديث لم يظهر بالعمل لكن لابد أن أكون مدركا عن
أى شخصية أتحدث.
·
هل يقلقك زيادة نموذج "البلطجى"
بالشارع المصري؟
- المقلق أكثر سيادة فلسفة البلطجة، لأن البلطجى شخص يعيش على القوة،
وبالتالى يؤجر هذه الصفة لحكومة مستبدة أو أناس لا يستطيعون أن يأخذوا
حقوقهم بمفردهم، وإذا كنا كمجتمع نرفض فلسفة الفوضى وهى منبع لسيادة
البلطجة، وإذا فرضنا أن يكون النظام الموجود بالمجتمع نظام دولة وليس
القبيلة، وعندما لا تتمثل وظيفة الدولة فى أن تذهب لضرب الناس ولكن تمد
الجسور في كل مناحى الحياة نستطيع وقتها القضاء على التشكيلات العصابية
أيان كانت، لكن لما يكون الوضع كما وصلنا له، وهو أن الدولة منكبة على
السطوة والسيطرة، وتقيم صفقات بينها وبين أجهزتها وغيرها من الجهات
الخارجية التى من الممكن أن تخدمها في إحكام سطوتها، إضافة للجهات
الخارجية، التى تتكالب على مشروع إفشال تحقيق الثورة لغايتها.. ستكون
النتيجة مع اليأس الحادث الآن مع الصفقات التى حدثت من أعمدة نظام مبارك،
وعلى من وضع يده في يدهم من التيارات الدينية أو السياسية، كل هذا سيعطى
إحساسا للجميع "بأن كل واحد يأخد حقه بذراعه وهذا ما يخفينى".
·
كيف رسمت ملامح شخصية "صلاح
روسي"، خصوصا أنك تجسد دور "البلطجى" لأول مرة؟
- هنا في مكتبي أفكر وأجرب الشكل الخارجى للموضوع، وأقرأ بتعمق أكثر
في تفاصيل الشخصية، في البداية جمعت فيديوهات كثيرة من خناقات البلطجية على
النت، وتقابلت مع أشخاص، والحقيقة لأننى كنت أثناء دراستى غير أسير لطبقة
بعينها، فكنت أتعرف على كل الناس "من أحياء عشوائية وشعبية"، لكن الأهم أن
تحددى تفسيرك للشخصية، وأن تمزجى بين جميع ما اشتغلتى عليه وقرأتيه من أجل
أن تجعلى شكلك مميزا وغريبا، وهو ما حدث في "صلاح روسي"، حيث جعلت شكله
أقرب إلى الـ "بهلول" حتى يتوافق مع نهاية الفيلم.
·
لماذا اخترتم نموذج "الحرامى
والعبيط" تحديدا لتناقشوا من خلاله قضية "تجارة الأعضاء البشرية"، وهل
تعتقد أن هذه التجارة منتشرة أكثر في العشوائيات؟
- تجارة الأعضاء واحدة من أقذر المهن، ولابد أن أفرق هنا في مسألة
هامة وهى أننى لست ضد أن يتبرع أحد بعضو من أعضائه لآخر، لكن الأفزع أن
نسرق شىء من أحد دون علمه لأن هذا يعتبر "حقارة"، وفي الفيلم ناقشنا هذه
الفكرة وكيف يمكن إدخال الشخص في عمليات أخرى للاستيلاء على بقية أعضائه،
والأخطر هو فكرة أن هناك "أناس أصبحوا أغنى من آخرين لدرجة أنهم يستطيعون
شراء الناس دى بأعضائها، وهو منطق العبد والسيد الذى رصدناه في العمل"،
والحل هو العلم فطالما أن الإنسان وارد أنه يحتاج لعضو فمن المفروض أن نصل
في المستقبل لأشياء يعالج بها الجسم نفسه بنفسه أو من خلال الخلايا
الجذعية، وممكن أن يكون ذلك خلال 10 سنوات من وجهة نظرى. وتجارة الأعضاء
درجات، فمنهم من يضطر لبيع عضو من أعضائه مقابل مبلغ مالى يعينه على العيش،
وهنا لا أستطيع أن ألوم هذا الشخص، ولكن ألعن النظام الحاكم الذى أوصله
لهذه المرحلة.
·
"الحرامى والعبيط" هو العمل
الثالث لك مع السيناريست أحمد عبد الله، وهو من الكتاب القلائل الذين لديهم
قدرة على أن يجعلوا الفنان في قالب الشخصية وينسي المشاهد أنه "فنان".. كيف
تقيم تجربتك معه بعد النجاح في فيلمى "كباريه" و"الفرح"؟
- أحمد عمل نقلة قوية بعد "كباريه" و"الفرح" و"ساعة ونص" وأخيرا "الحرامي
والعبيط"، فأنا أرى أنه أصبح يشتغل بمزاج أكثر ويتحرر من قيود الأمور
الحياتية التى تجبرنا في الصغر على العمل على أفلام من أجل التواجد، فلكل
منا مرحلة تحول بحياته الفنية وهذا ما حدث بالفعل في الأربعة أعمال التى
قدمها منذ "كباريه"، والحقيقة أن أحمد لديه وعى بالحارة الشعبية كثيرا ولكن
ليس بالضرورة أن يظل عايش بها، وقد حاول الخروج من هذا المنحى في فيلم
"ساعة ونص" وفي فيلمه "كباريه" أيضا. وأتمنى له التوفيق فهو صديق عمرى ومعه
خالد صالح، حيث إن معرفتنا ببعض منذ عام 1981 وبالتالى "فاهمين كيمياء بعض
جدا، وبنقدر ناخد وندى مع بعض" هذا بالإضافة إلى أننا أصدقاء على المستوى
الشخصي والعائلى، وهذا يسهل علينا الأمر أكثر.
·
كان من المفترض أن تقدم أنت
وخالد صالح عملا مسرحيا، فهل كان "الحرامى والعبيط" عوضا عن ذلك؟
- أنا بحب المسرح جدا، ولكن العمل به يحتاج تخطيطا، وحاليا أريد أن
أكثف عملى في السينما والفيديو، وهذا سيعيقنى لأن المسرح يحتاج لتحضير
طويل، "ولأنى أكبر في العمر عاوز حاجات تتحط في تاريخي"، والمسرح قوته ليست
بالفيديو، ولكن أن تذهبي إليه، وأنا مع خالد صالح أشتغل في أى شىء.
·
عدت للعمل أمام خالد صالح بعد
سنوات انقطاع.. إلى أى مدى تطور أداؤه الفنى، خصوصا أنك عملت معه كمخرج من
قبل؟
- لم أنقطع طيلة هذه السنوات عن خالد، لأننا بنتقابل كثير "صحيح مش زى
زمان بسبب ظروف حياتنا لكن بنتقابل وناخد وندى مع بعض"، وطبيعة خالد أنه
شخصية مرنة وعميقة، وفاهم كثير هو يقدر يشتغل مع كل واحد ازاى، وعلاقتنا
بدأت من أيام ما كنا بننزل نغنى مع بعض في فرقة "الحركة" في المظاهرات، وفي
نفس الوقت ممكن كنت أخرج له ولا أمثل معه كما أخرجت له مسرحية "الميلاد"،
وسبق وقدمنا معا عرض "أنطونيو وكيلوبطة" وكنا نظهر فيه كمهرجين، ولذلك فنحن
على قدر كبير من الفهم والوعى بملكات بعض، كما أن خبرتنا معا ورصيد حب
الناس لنا أفرد لنا مساحة "أريحية" في الأدوار التى قدمناها في "الحرامى
والعبيط"، وفي النهاية احنا الاثنين عاملين حساب لبعض "يعنى لو واحد مننا
سرح عارف أن التانى هيصحيه".
·
ما رأيك في دور الممرضة "ناهد"
الذى قدمته روبي، وما تعليقك على رفض نقابة التمريض للفيلم واعتباره يسىء
لها؟
- روبي فرصتها التمثيلية أكبر وأقوى من فرصتها الغنائية من وجهة نظرى،
وهذا هو الوقت الذى يفترض أن تطور نفسها به تمثيليا، ولكن هذا لا يمنع أن
تستفيد من قدرتها في الغناء في أعمالها "يعنى لما يكون عندنا أعمال
سينمائية غنائية هيكون عندنا استفادة من نموذج روبي ودنيا سمير غانم وسيرين
عبد النور ونيكول سابا"، لأن هذا الذى سيعيدنا للعصر الذهبي للسينما مثل
أنور وجدى. أما بالنسبة لموضوع التمريض فأنا متعاطف مع هيئة التمريض
بأكملها لأنهم من المهن الذين لا يأخذون حقهم في الأجور أو كمستحقات آدمية،
ويوضعون في ظروف سيئة للعمل، وأنا متضامن مع مطالبهم جدا، ولكن أنا أقول
لهم إن الفيلم لا يعبر عن مجمل المهنة وأطالبهم بمشاهدة الفيلم أولا،
ويحكموا إذا كان هدفه تشويه الناس أو أنه ينتصر لقضية إنسانية، وفي النهاية
منع الفيلم ليس الحل، ولكن من الممكن أن يردوا بفيلم آخر أو مقال.
·
كيف تقرأ سيناريو 30 يونيه
المقبل؟
- محدش يقدر يتوقع، فمن وقتنا هذا لحد التاريخ المذكور لا نعرف كيف
ستفكر الرئاسة أو هل إذا كانت ستأخذ باقتراح المستشار محمد جاد الله بخصوص
أن رئيس الجمهورية يطرح استفتاء عن استكمال مدته أم لا، وأعتقد أنه اقتراح
إيجابي وأؤيده كثيرا. ولا نعلم هل سيحمل اليوم صداما أم لا، وما هى
المحاولات الاستباقية التى ستتخذها التيارات الدينية من أجل احتلال
الميادين وهل سيخرجون علينا بميليشاتهم، وكيف سيرد عليها الشباب "لأن العنف
بيولد عنف"، فخلال 3 أسابيع الشباب يستطيع أن يجلب سلاح ويرد على
ميليشياتهم، وهل سيكون الجيش في موقف المتفرج أم سيدخل في درجة معينة،
ولابد أننا جميعا من الآن حتى ذلك اليوم نبتعد عن استفزاز بعضنا، فنحن أمام
تحديات ومخاطر رهيبة من الشرق والغرب والجنوب، هذا بالإضافة إلى مشاكلنا
الاقتصادية وغيرها.
·
البعض يعتقد أن مصر على حافة
الهاوية وآخرون يقولون "مصر ضاعت".. هل تتفق مع هذه الآراء؟
- "ضعنا لا.. مصر عمرها ما هتضيع"، ولكن لا يجوز أن نستسلم تحت هذا
المبدأ، فلابد من التفكير بهدوء بدلا من الدخول في دوامة ستكلفنا الكثير من
الحرب الأهلية، إضافة إلى المشاكل الخاصة بالكهرباء والطاقة والمياه، وفي
نفس الوقت لابد من التحرك للأمام ونستكمل الثورة بمتطلباتها الحقيقة "يعنى
عيش حرية عدالة اجتماعية"، لابد أن يكون على أرض الواقع، فكلمة الخبز تشمل
العمل والأجر المناسب وغيرها من الحياة الكريمة، وهذا لن تحققه التيارات
الدينية ولا الحكم العسكري، فلابد من حكم مدنى دون أن نتخلى عن الجيش دون
دخوله في السياسة وفي بناء إستراتيجية مصر.
·
عام من حكم الرئيس مرسي.. هل كنت
تتوقع كل هذه الأزمات التى مرت بها مصر.. وكيف تنظر لمن يترحمون على أيام
مبارك، والمجلس العسكري؟
- هذا وضع طبيعي، ومشكلة ثورتنا أنها كانت للطبقة الوسطى ولم تصل إلى
الطبقة الشعبية مثلما فعلت حركة الضباط الأحرار في ثورة 1952 من تقديمهم
لخدمات للطبقة الوسطي وما تحتها وما نتج عن ذلك من إزاحة طبقة الباشوات،
ووجود شخص مثل جمال عبد الناصر بما له من إخلاص وعمل على التنمية المستقلة
غير التابعة للاستعمار، ولا أستطيع أن أقيم فترة حكم المجلس العسكري لأنها
كانت فترة انتقالية، ومشكلتنا معه أنه كان يحاول خلالها أن يفرمل الثورة أو
يعمل اتفاقات بينه وبين التيار الدينى، إنما من بعد حكم مرسي و"ما تبعها من
أن كل واحد مستنى حتة من التورتة" لم يقدم أى شىء للفقراء على الإطلاق ولم
يستطيع أحد أن يقول إنها ثورة شعبية، "وهنا ألوم اليسار والقوى الليبرالية
وأقول لهم انتوا فين؟، وأنا مش قادر ألوم نفسي لأنى كنت موجود وعضو في
مجموعات صغيرة بتوزع منشورات ومحدش كان بيعبرنا، ولما جاءت الطوبة في
المعطوبة من نافس بقوة هو الحزب الوطنى وجماعة الإخوان"، ولعل هذا ممكن أن
يكون في مصلحة مصر مستقبلا، من حيث أن يكون لدينا أحزاب قوية في الشارع من
أجل أن نقيم تحالفا فيما بعد يكون لدينا الأرضية، وبالنسبة لى طلقت النظام
منذ الإعلان الدستورى وأحداث الاتحادية، ورؤيتى صدقت فى أننا مش هنقدر نكمل
معاهم أو انهم يأخذوا فرصة ثانية.
·
من المسئول عن الانقسامات التى
حدثت في الشارع.. هل هم الإخوان أم أن الأحزاب والقوى السياسية لم تعمل بجد
في الشارع؟
- المشكلة أننا دخلنا الثورة "وكأننا نزلنا البحر ومش معانا مركب"،
فلم يكن لدينا أحزاب أو تنظيمات سياسية، والجماهير أخطأت عندما جلست سنين
طويلة تقول أنا مليش في السياسة، لكن النخبة أيضا لم تستطع أن تنشئ هذه
التنظيمات، وبدل أن تلتئم انقسمت، في ذلك الوقت كانت التيارات الدينية تعمل
بجد وكذلك الحزب الوطنى، ولابد أن نعمل مراجعات لأنفسنا فمثلا كان عندنا
مشروع لوحدة اليسار فما الذى دمر ذلك غير أن كل واحد يريد أن يكون زعيما
"ومش ده الوقت بتاع الانقسامات".
·
إذا أراد النظام أن يسيطر على
الحكم يضربه في ثقافته وإعلامه.. ما تعليقك؟
- الإخوان يحاولون عمل نظام مستبد، يستولى على الوزارات والإدارات،
ومحاولتهم حتى إذا نجحت معهم ستكون الوزارات الصعبة عليهم هى "الثقافة
والإعلام"، التى تبدو أنها سهلة لكنها غير ذلك، خصوصا في عصر ملىء بالثورة،
وبعدما عرف إعلاميى ماسبيرو التمرد، ولن يستطيع وزير الثقافة أن يكمل
بمفرده.
·
من يصلح لتولى حقبة الثقافة؟
- وزارة الثقافة والإعلام "مؤسستان كبيرتان يعنى مليانين بالسببوبات
والصفقات، ونحن في غنى عنها في دولة فقيرة"، نحن في حاجة لتقليص الإعلام في
محطتين وجريدة، ومجلس للتثقيف وحفظ التراث ويؤدوا الأدوار المطلوبة منهم،
ونموذج بريطانيا خير دليل على التجربة الناجحة.
·
تعتقد أن سيناريو البراءات
لمبارك والنظام السابق قادم؟
- لم يكن لدينا محاكمات ثورية، "والكورة وقعت في سلة أعمدة النظام"،
ومن ثم سادت فكرة المحاكمات العادية، وأيا كان يطلع براءة أو لا فالمسار
الحالى لا يلائم التيارات السياسية.
·
ألم تتخوف من عرض مسلسل "على كف
عفريت" على قناة "osn"
المشفرة قبل عرضه في رمضان على محطة مصرية؟
- المسلسل كان حظه سىء نتيجة للإدارة التى تم بها المشروع من بداياته،
ومحاولة اننا ننزل في رمضان الماضي فشلت لأسباب تخص الإنتاج، والحقيقة كنت
متحمسا لعرض المسلسل في موسم نفتتحه كما كان مقررا أن يعرض في يناير
الماضي، وهذا لم ينجح لأن التسويق تم لقنوات مشفرة ليس لها جمهور كبير، وفي
النهاية أنا لم أستفد أنا وزملائي من عرض العمل، وأتمنى أن يشاهد الجمهور
العمل جيدا في رمضان، خصوصا أننى لا أقدم فيه فقط شخصية رجل أعمال، لكنه
يجمع بين أكثر من شىء وأهم ما يميزه هو ما بداخله من غموض.
·
هل أصبحت الدراما منفذ لك ولغيرك
من النجوم في التواجد على الساحة في الوقت الحالى الذى يشهد ركودا
بالسينما؟
- رمضان هو العمل الذى نعيش عليه ونصرف منه في حياتنا الشخصية، لأن
الأفلام الأجر يكون أقل بكثير، كما أنها تسحب من العرض سريعا، وما أبحث عنه
أن أقدم عملاً واحدا في العام بشرط أن يكون مضمونه جيد.
·
هل تعتقد أن "السبكية" هم الأذكى
والأقدر على متطلبات السوق السينمائي من حيث الجمع بين أعمال ذات مضمون هام
وأخرى خفيفة؟
- الإنتاج يحتاج أن تبقى "الفلوس حاضرة"، إضافة إلى أن تجري وراء
مشروعك، وهما صفتان موجودتان في "السبكية" و"العدلية" لأنهم بيشتغلوا
بفلوسهم وغير معولين على نتائج البيع، فالمهم بالنسبة لهم أن يحققوا تواجدا
وانتشارا بالسوق ومعها الإيرادات.
·
هل من الممكن أن تفكر في تأسيس
كيان إنتاجى صغير مع زملائك تدفعوا به في صناعة الإنتاج السينمائى؟
- هذا هو المستقبل، فنحن كنجوم لدينا جمهور ينتظرنا، ولكن بعد شوية
ممكن أن نتحول لعبء على الإنتاج، وسيكون الحل وقتها إما أن نتنازل عن
أجورنا أو ندخل شريكا في الإنتاج، وأعتقد أن أنا ومعى زملائي لابد أن نفكر
في هذه المسألة حتى لو هنبدأ على "استحياء".
·
فيلم "الفيل الأزرق" الذى تصوره
حاليا تجسد من خلاله شخصية طبيب نفسي.. هل تعتقد أننا في الوقت الحالى
أصبحنا مرضى نفسيين؟
- لسنا حرفيا مرضى ولكن هو "عصاب عام" أنه فيه درجة من اليأس
والبارانويا، ولكن كل هذا نحن فيه على حافة المرض النفسي، لكن في أحداث
الفيلم نحن داخله وأمام حالة داخل المستشفى، كما أن الشخصية التى أقدمها
تتضمن 3 شخصيات معا "والحقيقة أننى تعبت كثيرا في التحضير للشخصية وتعمقت
فيها، وبحثت في كتب تتعلق بطبيعة الشخصية التى أقدمها وأيضا في الإنترنت..
ويضحك: "نفسي أخلص بقى وربنا يستر والواحد دماغه متضربش من الفيل الأزرق".
·
"الفيل الأزرق" التعاون الثانى
مع مروان حامد بعد "عمارة يعقوبيان" و"الثالث مع كريم عبد العزيز بعد
"الباشا تلميذ" و"أبو على".. هل بينكم تحدى في هذا العمل؟
- "الفيل الأزرق" التحديات به أكثر بكثير، فكريم نفسه عامل تحدى لذاته
وهى نقلة كبيرة له وفي توقيت سليم، وأتمنى أن ينتقل بعد هذا الدور لمرحلة
ثانية أكثر نضجا. أما مروان فموهبته عالية وبالنسبة لى تحدياته معى بدأت
منذ يعقوبيان، وكانت قوية وبالمثل هنا، وفي النهاية أحب أن أعمل مع الاثنين
"مرة واتنين وثلاثة وكذلك السيناريست أحمد مراد صاحب رواية الفيل الأزرق".
·
هل من الممكن أن تقدم عملا عن
الثورة أم أن الوقت لم يأتى بعد؟
- لا نستطيع أبدا أن نفلت من الرغبة من تقديم الثورة في أعمال فنية،
ولكن لا نستطيع تقديم عمل عميق لها في الوقت ذاته، والحمد لله أن فيه منافذ
أخرى لي غير التمثيل كى أتفاعل مع الثورة مثل كتابتى للشعر، والتى فاقت ما
كنت أكتبه منذ 10 سنوات بالمئات، وطوال الوقت أحاول في أعمالى أن ألمس في
الثورة، لكن بعمقها يستحيل في الوقت الحالى، وهناك مثل فيلم "رد قلبي" الذى
قدم عام 1957 أى بعد مرور سنوات على الثورة.
بوابة الأهرام في
19/06/2013
نجلاء فتحى لـ«التحرير»:
لن يستطيع أحد القضاء على الفن المصرى
فايزة هنداوى
يرتبط اسم نجلاء فتحى فى ذهن كثير من محبى السينما المصرية بالأفلام
الرومانسية التى قَلَّما تجدها حاليا، فهى بطلة «اذكرينى» و«عاشق الروح»
و«بدور» وغيرها من الأفلام التى تعيش فى وجداننا جميعا، نجلاء فتحى التى
قدمت ما يزيد على مئة فيلم ابتعدت عن الساحة الفنية التى لم تعد ملائمة
لها، إلا أنها لم تختفِ تماما كما فعل البعض، فما زالت تلعب دورها فى
القضايا المصيرية الكبرى، لذلك كانت بصحبة زوجها الإعلامى حمدى قنديل فى
مقر وزارة الثقافة مساء أول من أمس (السبت) لتعلن دعمها للمعتصمين. وقالت
فاطمة الزهراء التى أطلق عليها عبد الحليم حافظ اسم «نجلاء فتحى»، إنها
متضامنة تماما مع موقف المعتصمين، وأضافت فى تصريحات خاصة لـ«التحرير»، أن
الفن والثقافة المصرية جزء من مكونات الهوية المصرية، ولا يمكن السماح
بالقضاء عليها، وأضافت «بطلة ألف ليلة وليلة»، أنها تدعم زوجها الإعلامى
حمدى قنديل فى كل مواقفه لأنها تثق به، مؤكدة أنه لم يدعم الإخوان المسلمين
فى بداية حكمهم، لكنه كان يتصور أن لديهم قَدرًا من الذكاء يجعلهم يحاولون
استرضاء الشعب المصرى، وتحقيق طموحات الثورة المصرية، خصوصا أنهم وعدوا
بذلك، إلا أنه اكتشف بعد فترة وجيزة أنهم كاذبون ومخادعون ولا يهتمون إلا
بمصلحة الجماعة لا الشعب كما كان يتصور.
وأضافت بطلة «الجراج»: «حكم الإخوان كشف أكاذيبهم، فعندما كانت تحاول
إحدى المنتقبات فى الماضى الحديث معى وتنصحنى بالتوبة كنت أرتجف وأشعر
بالرهبة، أما الآن، فقد تيقنت من كذبهم وادعاءاتهم».
التحرير المصرية في
19/06/2013
«عشم»..
نقطة نور في طريق صناع السينما الجدد
رامي عبد الرازق
تأتي أهمية «عشم» في انضمامه لأفلام «الشتا اللي فات»، «هرج ومرج»،
و«عن يهود مصر»، إلى سلسلة تجارب جادة تحاول تقديم سينما ذات هم سياسي أو
اجتماعي أو إنساني من خلال إطار راق وتفهم ناضج لأهمية الفيلم كوسيلة تثقيف
وارتقاء وجدانية.
وقبل سنوات قليلة من الآن، لم يكن لأي من هذه الأفلام فرصة كي يطأ دار
عرض واحدة ولو حتى بدون مقابل، ومن هنا علينا أن نتمسك بما حققته تلك
التجارب من تواجد على الساحة مقارنة بانتشار الحشيش السينمائي المتمثل في
أفلام «السبكية» وغيرهم من راكبي موجة الانحدار والفشل الحضاري الذي نعيشه.
صحيح أن فساد فئة من الجمهور لا تزال مسيطرة نظرًا لطبيعته المتردية
ثقافيًا ووجدانيًا، إلا أن هذا لا يمنع من ضرورة تشبث صناع السينما
الحقيقيين بالمواسم التي تحررت نسبيًا من سيطرة تجار الفيلم، حتى يتسع
المشهد السينمائي العام ليضم الخبيث والطيب مثل كل سينمات العالم، بدلًا من
الخبيث والفاسد فقط.
تحتوي التجربة الأولى للمخرجة ماجي مرجان على الكثير من إرهاصات
الجدية في التعامل مع الرؤية الفيلمية، باعتبارها كائن حي متجدد الروح
وقادر على التأثير في المتلقي والتأثر به عبر النظر إليه من زوايا مختلفة،
بمعنى أن المتلقي يمكن أن ينظر إلى الفيلم على أنه دراما اجتماعية تدور في
المجتمع القاهري الحالي، أو أنه قصص إنسانية يمكن أن تحدث في أي مكان
بالعالم، لكن التجربة تحتوي أيضًا مثل كل التجارب الأولى على الرغبة في حشد
الدلالات والرموز والإشارت بشكل لا يتفق مع بساطة الحكايات التي يتعرض لها
الفيلم, من خلال دراما بانورامية تستعرض مقاطع حياتية لشخصيات عادية تعيش
بيننا.
من حق أي مخرج أن يقدم لنا رؤى متعددة التأويل أو الطبقات خلال فيلمه
ولكننا محكومون معه في النهاية بالأسلوب والشكل الذي تقدم من خلاله هذه
الرؤى، فبداية لا يخفى على أي متابع أن الفيلم يبدو متأثرًا بالشكل
السينمائي الشهير الذي قدمت من خلاله أفلام من «كراش» لبول هاجز، و«الحب»
للمكسيكي أنرييتور، وهو الشكل المعتمد على عدد كبير من الشخصيات التي قد
تتقاطع مصائرها أو حكاياتها العادية جدًا، أو لا تتقاطع ضمن المدينة
الواسعة التي تعيش فيها، مثل هذه الأفلام عادة، وعلى عكس ما يتصور البعض
أنها افلام تدور حول الشخصيات إلا أنها في الحقيقة أفلام تتمحور حول مبدأ
أو قيمة أو فكرة محددة أو عنصر فلسفي أو سياسي ويتم التعامل مع الشخصيات
على اعتبار أنها مجرد نماذج أو «موديلات» بتعبير الفرنسي روبير بريسون،
للتعبير أو الحكي عن هذا المبدأ أو تلك الفكرة الواحدة.
اختارت «ماجي» أن تكون فكرة «العشم» وهو التعبير المصري الدارج عن
الأمل والتفاؤل والرجاء وبعض الحميمية في التعامل، ليكون المبدأ الأساسي
الذي تتمحور حوله حكايات الفيلم وحركة الشخصيات، وهو أيضًا على عكس تصور
البعض شكل شديد الصعوبة والتركيب ويحتاج إلى صانع فيلم مجرب وماهر كي يتحكم
في العديد من العناصر التي تشكل في النهاية الأسلوب السردي الذي يقدم لنا
الفكرة.
أولى تلك العناصر هو أن يأتي بناء الشخصيات عبر صفات محددة ومتساوية
بنسبة كبيرة فلا يمكن الأستغراق مع شخصية في الحركة داخل زمن الأحداث أو في
التعبير عن واقعها ومشاكلها أو أفكارها وذلك على حساب الشخصيات الأخرى، فلا
توجد شخصية رئيسية في هذا النوع من الأفلام ولكن ثمة فكرة رئيسية تتحرك
عبرها ومن خلالها الشخصيات فالبطولة للفكرة وليس لشخصية محددة.
وبالتالي يمكن أن نقول أن المخرجة استطاعت إلى حد كبير أن تضبط أبعاد
الشخصيات فلا تطغى واحدة على أخرى وهو ما يضاف إليه العنصر التكنيكي
المتمثل في المونتاج أو المساحة الزمنية سواء عبر اللقطة أو المشهد لكل
شخصية بما يتناسب أولًا مع حكاياتها التي تروى أمامنا وثانيًا مع مبدأ
العشم الذي يجب أن تعبر عنه.
ونعود سريعا لفكرة «العشم» من أجل التوضيح أكثر، فكل قصة من قصص
الفيلم المتشابكة والمتداخلة أحيانًا هي تعبير عن روح «العشم»، ففي قصة
الممرضة والطبيب ثمة ذلك العشم الإنساني فالممرضة تتعشم في الطبيب أن
يساعدها في الترقي كي تنال اللقب في بطاقتها الشخصية، وهي تتأرجح في
مشاعرها معه ما بين الميل العاطفي والعشم المهني والنفسي في كونه يمكن أن
يساعدها، وهو عشم متبادل نلمحه في النهاية عندما يصطحبها إلى منزل أمه كي
يتفق معها على رعاياتها أثناء سفره، فهو أيضًا يتعشم فيها أن تقدم له تلك
الخدمة وتكون أمينة على أمه.
وفي قصة الجارة الشابة والرجل العجوز, وأيضًا قصة الزوجة المسيحية
وزوجها المشتبه في مرضه الخطير نلمح ذلك العشم في الله, فالمرأة الشابة
تريد أن تنجب طفلًا ويبدو أنها تتعرض لحوادث إجهاض متكررة والزوجة الأصيلة
تتعشم أن ينجي الله زوجها من الأشتباه في المرض فهي وأسرتها الصغيرة تحتاج
إليه وتحبه، وفي مشهد مكثف ورقيق ينظران إلى بعضهما الزوجة الشابة والزوجة
العجوز أثناء دعائهم لله في الكنيسة.
وهناك بالطبع العشم العاطفي بين الفتاة التي تعمل في الحمام وبين
الشاب الذي يعمل كرجل أمن وتنشأ بينهما قصة عاطفية شعبية طريفة, وهناك
العشم في مستقبل أفضل الذي يتبلور في حلم «عشم» نفسه وهو الشاب الذي يرتدي
زي مهرج للدعاية أمام المحلات في أن يكون لديه وظيفة ثابتة ومحترمة بدلا من
اضطراره للعمل كبائع سريح أو مهرج مبتذل.
وهنا يمكن أن نتوقف أمام أحد عيوب الفيلم الأساسية, وهي شخصية «عشم»
نفسها, فكيف يتأتي بالمنطق الدرامي أو الأسلوبي أن تختصر الفكرة العامة
للفيلم في إحد شخصياته, والتي لا تحتكر أي مساحة درامية او إيقاعية مختلفة
عن بقية الشخصيات, بل على العكس تبدو أكثرهم هامشية وابتعادًا عن بؤرة
الانفعال بالحكايات.
فهناك العديد من الحكايات التي جاءت مؤثرة بالفعل سواء عبر أحداثها أو
شخصياتها أو تطورها الدرامي مثل قصة الزوج المشتبه في المرض وقصة الممرضة
والطبيب وقصة «رضا» فتاة الحمام وحبيبها رجل الأمن, بينما جاءت قصة الشابين
المخطوبين واللذان يفسخان خطبتهما بسبب سفر الشاب، وقصة العلاقة بين الفتاة
البريئة والشاب العصبي والتي تنتهي أيضا بالفشل كقصتين باهتتين لا يحتويان
على قدر الإنفعال وشحنة «العشم» الموجودة في باقي القصص.
ونعود لشخصية «عشم» لنتساءل: هل أرادت المخرجة من خلال إطلاق اسم
«عشم» على الشخصية أن يكون تجسيدًا للمبدأ الذي تتحدث عنه؟ وهو ما لم يحدث
بالفعل، بل تحقق عبر كل القصص وليس عبر هذه الشخصية فقط.
أم هل أرادت أن تصنع منه حلقة وصل أو رابط درامي بين القصص المختلفة
على اعتبار أنه يعمل بمهنة حرة تتيح له الحركة بين أماكن كثيرة ليلتقي
بالشخصيات كلها؟ وهو ما رأيناه بالفعل, فعشم هو الوحيد الذي التقى تقريبا
بكل الشخصيات, ولكن مثل هذا الرابط يجب أن يتم التأسيس له بشكل مختلف من
البداية كأن يصبح اكثر تبلورًا على الصعيد الشخصي والدرامي من بقية
الشخصيات, لا أن يظل هامشيًا حتى نهاية الفيلم مما نبه المخرجة إلى ضرورة
توظيفه فوجدناها تفرد له مشهدين متتاليين يتحدث فيهم عن اسمه لشخصيات
الفيلم في صدف بعضها منطقي وبعضها الآخر مفتعل جدًا, مثل صدفة لقائه
بالممرضة وجلوسه معها على الرصيف وتعارفهما السريع غير المفهوم اجتماعيًا
ولا يتناسب مع شخصية الممرضة الخجولة شكلًا ومضمونًا, وهو موقف لو حدث في
الواقع الذي اتخذت الفيلم أرضيه له، لاتهمنا الممرضة بالانحراف والشاب
بالتحرش.
يمكن أن نجزم بأن اسم شخصية «عشمك صنع حالة تشوش كبيرة على تلقي
المبدأ العام للفيلم واستيعاب روح الفكرة نفسها، ولو أن المخرجة قامت
بتغيير الاسم لما شكل هذا أي فارق بالمناسبة في فهمنا أو تلقينا للقصص وما
بها من جرعات «العشم», ولكنها كما قلنا أحد عيوب التجارب الأولى, فالمخرج
يتصور أن الجمهور لن يستوعب فكرته مما يضطره إلى إعاده تقديمها أكثر من مرة
عبر أكثر من أسلوب داخل الفيلم, دون أن يدرك حجم التعارض أو التشويش الذي
يمكن أن يتسبب به للمتلقي الذي تجاوز بلا شك مرحلة كونه تلميذًا يجب تلقينه
إلى شخص على قدر من الذكاء النسبي.
بل أن من أحد عناصر أسلوب الدراما البانورامية الذي أتخذته المخرجة,
هو عنصر التجريد وهو ما لم تلجأ إليه إلا قليلا رغم أنه عنصر هام جدًا ففي
مثل هذه التجارب لا يجب أن نشغل ذهن المتلقي أو ذاكرته بتفاصيل كثيرة عن
الشخصيات مثل الأسماء والصفات الثانوية أو التاريخ البعيد، فما يهمنا في
النهاية هو مجموعة الصفات الأساسية التي تعبر من خلال احتكاكها بصفات
الشخصيات الأخرى عن فكرة «العشم», وعلى سبيل المثال لا يهمنا مثلًا اسم
الطبيب أو اسم الزوجة التي تخشى من مرض زوجها، أو اسم الرجل العجوز الذي
يطلب من جارته أن ترعى الورد كي تدرك المعنى الأشمل للحياة والروح بعد أن
يأست من إنجاب طفل, وهي أحد أكثر القصص شعرية في الفيلم, ولا يهمنا أن نعلم
من هي المرأة التي تقيم عندها الممرضة الشابة أو ما هي علاقة فتاة الحمام
بالفتاة الأخرى التي جاءت بها من قريتها للعمل في المول.
هنا يصبح التجريد صفة هامة وأساسية في الأسلوب, بل أن الفيلم يبدو
وكأنه لايتحدث عن المجتمع القاهري بعينه, فالمخرجة باستثناء الحديث عن
تمثال رمسيس قامت بتجريد المدينة والأماكن إلى حد كبير وهو ما أفاد المبدأ
العام للفيلم بشكل جيد وأعطانا إحساس بالإنسانية, أي أن تلك القصص يمكن أن
تدور في أي مدينة في العالم وهو ما يمنح هذا الفيلم ميزة كبيرة فيما يخص
العروض الخارجية.
ولكن التجريدية أيضًا كانت تحتم على المخرجة أن تكون ملامح الشخصيات
متباينة بما لا يصنع أي تداخل, وهو ما لم يحققه الكاستينج أو عملية اختيار
الممثلين, فكيف لم تدرك أن ثمة تشويش يمكن أن يحدث ما بين الممثلتين
الشابتين اللتان أدتا ادوارًا في القصص العاطفية بالفيلم, فكثيرا ما اختلط
الأمر على المشاهد نتيجة التقارب الشكلي بينهم وهو عيب أساسي كان يجب
الانتباه إليه، فالأفلام البانورامية تخضع لنظام ملامحي صارم يمنح المتلقي
فرصة للتفرقة الشكلية بين الممثلين والشخصيات دون الحاجة إلى التركيز
وتفعيل الذاكرة كي لا يخرج عن إيقاع الفيلم أو تفوته تفصيله, وذلك نتيجة
الإطار الزمني الكثيف الذي يحتوي شخصيات كثيرة مطلوب منه أن يتابعها ويتذكر
حكاياتها, ولنتصور سهولة التفرقة بين الفتاتين لو كانت أحدهم شقراء مثلًا
والأخرى سوداء الشعر, تمامًا كما رأينا تلك الفروق الشكلية في الممثلين
الشباب بالفيلم.
يمكن أن نضيف أيضًا أنه رغم سلاسة الحوار في الكثير من المشاهد إلا أن
الارتجال كان واضحًا في مشاهد أخرى ليس عبر اختيار الألفاظ أو التعبيرات
ولكن نتيجة تواضع المستوى التمثيلي والقدرة الارتجالية لدى بعض الممثلين،
خاصة أصحاب التجارب الأولى منهم, وبالذات في قصص الشابين المخطوبين وقصة
الفتاة البريئة, وفي الحقيقة فلا يوجد ما يجعلنا نشعر أن الارتجال كان في
محله في تجربة كهذه، فالأفلام التي تتحدث عن أفكار عامة أو مبادئ معينة من
خلال قصص واضحة البناء والمعالم لا يوجد فيها ما يستدعي اللجوء إلى
الارتجال, بل على العكس يلعب الحوار دور مهم في تكثيف القصة واستعراض
الشخصيات وبناء المواقف لتوصيل فكرة «العشم»، أما الارتجال فلا شك أنه
يبعدنا في أحيان كثيرة عن ذروة الموقف الذي من المفترض أن نخرج منها صوب
فكرة الفيلم مباشرة, خاصة مع تلعثم الممثلين أو وجود مساحة زمنية غير فنية،
ما بين تفكيرهم في الجمل ونطقها, وهو ما أشرنا إليه عاليًا فيما يخص ضعف
القدرات التمثيلية، فالارتجال في حد ذاته موهبة لا تقل قدرة ولا قيمة عن
موهبة التشخيص، ولها إمكانيات خاصة لا تتوافر لأي ممثل خاصة في تجاربه
الأولى.
رغم كل هذا تبقى تجربة «عشم» أحد التجارب المميزة والمفرحة في العام
الحالي بالنسبة للسينما المصرية، حيث لم تمنحنا فقط «العشم» في أن ثمة جيل
جديد من السينمائيين لا يزال يؤمن بهذا الفن وأدواته وأهدافه، ولكنها أيضا
تمنحنا نقطة نور وسط الحالة الظلامية التي نعيشها في أنه لا تزال صناعة
الأفلام في مصر «ممكنه».
المصري اليوم في
19/06/2013
«الدار
البيضاء للفيلم القصير والشريط الوثائقي» يعقد ندوة حول «السينما والسياحة»
حسن أبوالعلا
عقدت إدارة الدورة الثامنة من مهرجان «الدار البيضاء للفيلم القصير
والشريط الوثائقي»، ندوة تحت عنوان «السينما والإصلاح والثورة الرقمية
والسينما والسياحة».
وقال عاطف عبداللطيف، عضو لجنة تحكيم المهرجان، والخبير السياحي، إن
«الوطن العربي يحتاج للمهرجانات الفنية والثقافية حتى نستطيع الدفاع عن
الفن في ظل الهجمة الشرسة التي يتعرض لها الإبداع، وهناك دور مهم من
الممكن أن يلعبه الفن في الترويج للسياحة خاصة أن أمريكا غزت العالم
بأفلامها التي انتشرت في كل أنحاء العالم وكان لها مردود إيجابي على
السياحة الأمريكية، حيث يتمنى أي مواطن في العالم زيارة أمريكا».
وأضاف «عبداللطيف»: «السينما المصرية صاحبة تاريخ طويل لكن للأسف في
السنوات القليلة لم تكشف عن الأماكن الجميلة الموجودة في مصر، وتركز على
العشوائيات بدعوى أن هذه هي الواقعية، والأماكن التي يوجد بها عشش موجودة
أيضًا في أمريكا وزرتها بنفسي، ولا أدري لماذا نسلط الضوء على السلبيات
فقط؟، بدلًا من التركيز على الإيجابيات والكشف عن تاريخ مصر العريق، ففي
الأفلام القديمة كان يتم تصوير الحارة المصرية بشكل جميل، فلماذا لا تفعل
ذلك حاليا؟».
وأشار إلى أن «السياحة تساهم في دخول عملة صعبة لمصر ومن الممكن أن
تتبنى السينما المصرية تقديم أفلام تكشف وجه مصر الحضاري، لكن هناك تعقيدات
كبيرة في التصوير بالأماكن الأثرية المصرية».
وأوضح أن «المسلسلات التركية نجحت في الترويج للسياحة هناك، لذلك يتم
إعفاؤها من الضرائب، والشعوب العربية أجادت اللهجة المصرية من خلال الأفلام
والمسلسلات».
وأعرب عن سعادته بتجربته في مهرجان «الدار البيضاء للفيلم القصير
والشريط الوثائقي»، مؤكدًا أنه يعتز بتجربته في المهرجان، موضحا أن هناك
علاقة وثيقة بين السياحة والسينما لأن كلا منهما يخدم الآخر.
المصري اليوم في
19/06/2013
سامح عبدالعزيز:
"تتح" لا يقل أهمية عن "كباريه"
حوار - علاء عادل:
سامح عبدالعزيز مخرج ابن بلد.. عكست أعماله شكل الريف والحارة
المصرية.. قدم دراما اليوم الواحد من خلال فيلم «كباريه» الذي ألقي الضوء
علي عالم الكباريهات بكل ما فيه ثم قدم فيلم «الفرح» ليثبت أن نجاحه لم يكن
مجرد صدفة بل نتيجة رؤية لشريحة مختلفة من الشارع المصري.
لم يقف نجاح سامح في السينما فقط بل انتقل الي التليفزيون فقدم مسلسل
«الحارة» وناقش قضايا المواطن البسيط والمعدوم وانتقل بعدها الي فرنسا مع «مسيو
رمضان مبروك» ليعرض مشاكل الهجرة، ويتصدر آخر أعماله فيلم «تتح» شباك
الإيرادات.. عن نجاح الفيلم وابتعاده عن الدراما كان الحوار:
·
<
ما ردود الأفعال التي وصلتك عن فيلم «تتح»؟
-
الحمد لله ردود الأفعال عن العمل إيجابية بشكل كبير،
والمشاهدون أعجبهم الفيلم وهذا ما نريده في النهاية.
·
<
ولكن «سعد» مازال يقدم الشخص شبه المختل عقليا فما الجديد في ذلك؟
-
محمد سعد قدم «كاركتر» جديدا، والتزم بالورق الذي كان مكتوبا
وتوحد معه في طريقة الكلام أو الحركة فالشخصية ليست مختلة عقليا وهذا ما
حاولنا قوله في أغنية الفيلم التي تقول «اهدي وقول هديت تتح مش عبيط» فما
قدم علي الشاشة ليس شخصا معاقا ولكنه أصبح كذلك نتيجة الضغوط التي يتعرض
لها كل يوم في العمل والحياة وما يمر به من أحداث.
·
<
قيل إن سامح عبدالعزيز تخوف من العمل مع سعد؟
-
هذا غير صحيح ولم أخف من التعاون مع سعد لأن في النهاية الذي
يحكمنا هو السيناريو وأنا أعرف جيدا كيف أدير «اللوكيشن» ونحن كفريق عمل
كان يوجد بيننا اتفاق من البداية وهو أن نستمتع بالعمل دون تحكم شخص برأيه.
·
<
ولكن يقال إنه حدث خلافات بينك وبينه بسبب ديكتاتوريته؟
-
هذا كلام غير صحيح وكل ما يثار حول ديكتاتورية سعد وتدخله في
أمور العمل شائعات لا محل لها من الصحة فالإنسان المتفوق في عمله دائما ما
تنتشر حوله الشائعات.
·
<
البعض انتقد الفيلم لاحتوائه علي الكثير من الإيحاءات الجنسية؟
-
الضحك النابع من الفيلم مرتكز علي إفيهات مصرية،والكلمات التي
قيلت أقل بكثير مما يحدث بين الأصدقاء في الشارع، فالشارع المصري أصبح
ممتلئا بمثل هذه الكلمات وغيرها وأنجح برنامج يعرض علي الشاشة الصغيرة
يحتوي علي كلمات صريحة أكثر وبالرغم من ذلك فالجميع ينتظر باسم يوسف كل يوم
جمعة كانتظاره محبوبته.
·
<
لماذا ابتعدت عن الشكل الذي قدمته من قبل في فيلم «كباريه» و«الفرح»؟
-
السينما أحلي ما فيها انها ذاتية تختلف من شخص لآخر فيتغير
المعني لكل واحد علي حدة، بالرغم من تواجدهم في قاعة سينما واحدة،وهونفس ما
يحدث في الفن التشكيلي و«تتح» لا يقل أهمية عن أفلامي التي قدمتها من قبل
«كباريه» أو «الفرح» فبين السطور كان توجد كلمات وقضايا كبيرة والفيلم
الكوميدي تقديمه يكون أصعب بكثير من الفيلم التراچيدي فكان بمثابة تحد
بالنسبة لي.
·
<
هل جاء ترشيحك لعمر مصطفي متولي نتيجة انتمائه لعائلة فنية؟
-
أنا أتابع الأعمال التي تعرض كلها وأختار فريق عملي من علي
الشاشة، وشاهدت عمر في فيلم «رمضان مبروك» وفي فيلم «سفاري» فوجدته شاطر
ولم أكن أعلم أنه من وسط فني إلا أثناء تصوير العمل.
·
<
ألم تتردد في تقديم فيلم كوميدي وسط هذه الأحداث السياسية؟
-
الفيلم لم يبتعد عن المتغيرات الاجتماعية والسياسية للبلد،
ولكن الضحك فيه كان كثيرا لذلك لم يلاحظ المتفرج ذلك،ولكن عندما يشاهد
الفيلم مرة ثانية سيكتشف ما ناقشناه من إهمال المستشفيات والنخبة التي توجد
في المجتمع، ولا تشعر بالإنسان البسيط لدرجة أنه يوجد شخص يبيع جرائد داخل
الجامعة، وهم يتحدثون عن المواطنة وحقوق الإنسان في توفير البنزين وأنابيب
الغاز وغيرها من أبسط الأمور.
·
<
لماذا ابتعدت عن الدراما بالرغم من نجاحك في تجاربك السابقة؟
-
عندما أشعر بأنني أستطيع تقديم مسلسل أحاكي به ما يحدث عالميا
أو حتي الأعمال التركية سوف أعود للدراما مرة أخري لأن ما يحدث الآن هو نوع
من الاستسهال والبيزنس ولن أشترك فيه.
·
<
ما رأيك في حملة «تمرد»؟
-
أنا وقعت علي «تمرد» مع أنني أري أن هذه الحركة جاءت متأخرة
فكان من المفترض خروجها بعد تولي الإخوان الحكم بأسبوع وليس بعد مرور عام.
الوفد المصرية في
19/06/2013
النقد السينمائي في قاع القفة!
أمير العمري
استعير هنا عنوان مقال كتبه قبل أكثر من ثلاثين عاما، الناقد المخضرم
رءوف توفيق في جريدة السفير البيروتية (منع نشره في مصر وقتها)، وكان يتحسر
فيه على وضع النقد السينمائي ونقاد السينما وقتما كانت الدولة المصرية
بسلطاتها (في زمن السادات) تطاردهم وتتهمهم بشتى الاتهامات السياسية في وقت
حدث فيه ذلك الاستقطاب الحاد بين الاتجاهات السياسية المؤيدة لسياسات
السادات والمعارضة لها، وامتدت غلى مجال النقد السينمائي وجمعياته، وهي
القصة التي كتبت الكثير من جوانبها في كتابي "حياة في السينما" الذي صدر في
أوائل 2010
أما مناسبة هذا المقال فيختلف تماما عن مناسبة مقال الصديق الناقد
رءوف توفيق متعه الله بالصحة والعافية. فمناسبته هو ذلك الاستفتاء المنشور
في هذا الموقع (على العمود الأيسر في هذه الصفحة) له دلالته الكبيرة
الواضحة التي لا يمكن للعين ان تخطؤها.
لقد طرحنا سؤالا مقصودا وموجها إلى القراء حول ما يدفعهم للذهاب
لمشاهدة فيلم معين: هل هي قصة الفيلم كما يقرأون عنها في الصحف او يستمعون
لفحواها في أجهزة الإعلام المرئية والمسموعة التي لا تكف ليلا ونهارا عن
الحديث حول الأفلام التجارية الرائجة؟
أم هل الدافع هو أسماء الممثلين الذين يقومون ببطولة الفيلم ممنم
يحبهم المشاهد ويثق في قدراتهم الفنية وفي أنهم سيقدمون له "وجبة" دسمة
تشبع خياله؟
أم هل يمكن ان يكون الدافع هو إسم المخرج الذي قام باخراج الفيلم وما
يحمله المخرج- من قيمة فنية؟
وأخيرا تساءلنا حول تأثير النقد السينمائي على المشاهدين المترددين
على دور السينما أو حتى الذين يبقون أمام الشاشات لمشاهدة فيلم سينمائي ما:
هل تلعب مقالات النقد السينمائي دورا في توجيه المشاهدين للفيلم الجيد؟
بكل أسف جاءت حصيلة هذا الاستطلاع الذي لم يشارك فيه سوى حفنة صغيرة
من قراء هذا الموقع (ومعظمهم من المهتمين بالسينما الفنية الجادة وليس بما
هو رائج منها) مخيبة للآمال بشدة.
حتى الآن شاركت عينة يبلغ عددها 41 قارئا في هذا الاستفتاء لأن معظم
المترددين على الموقع يهتمون بقراءة الجديد الذي ينشر في القسم الواقع على
اليمين ولا يلقون للأسف الشديد بالا بما ننشره من أفلام او صور أو
استفتاءات على العمود الأيسر وهو جزء أساسي يقتضي مجهودا كبيرا من القائمين
على هذا الموقع.
من بين الـ41 قارئا أو مستخدما للموقع، قال 19 منهم أن إسم المخرج هو
الاهم لديه في تحديد الفيلم الذي سيشاهده، وهو ما يعكس وعيا كبيرا بطبيعة
الفيلم كمنتج فني يعبر أساسا عن رؤية مخرجه.
وهذا هو الجانب الإيجابي في الاستفتاء. أما في جانبه السلبي فقد وافق
5 أشخاص فقط على أن مقالات النقد السينمائي هي الأساس الذي يستندون إليه في
قرارهم بالذهاب لمشاهدة فيلم ما. وهو ما يعكس عدم ثقة فيما ينشر من نقد،
خاصة مع غياب الكتابات المتخصصة في السينما وانتشار صفحات التسالي
والمنوعات ونشر أخبار النجوم وغير ذلك، مع إغفال المادقة النقدية الجادة.
10 مشاركين قالوا إن الممثلين العاملين في الفيلم هم الذين يجذبونهم
للمشاهدة وهي أيضا نسية كبيرة (الربع تقريبا) تلي الاهتمام بمخرج الفيلم.
وقال 7 أشخاص إن قصة الفيلم هي التي تدفع للفرجة عليه.
على أي حال كنا نتوقع أن ياتي النقد السينمائي في ذيل الاهتمامات رغم
تخصص موقعنا في النقد السينمائي أساسا غلى جانب الاهتمام بغيره من الجوانب
الأخرى المتعلقة بالسينما ومعارفها.
ولعل هذا الموقع المتدني للنقد السينمائي بقدر ما يصيب النقاد بنوع من
الإحباط، يمكن ايضا أن يستحثهم على البحث عن اشكال جديدة للتواصل مع
القاريء والتأثير فيه، وخصوصا من بين الجمهور الذي يشاهد الأفلام، وليس
القاريء العام المهتم بالثقافة السينمائية في إطار إهتمامه بالثقافة العامة
ولا يشترط أن يكون من المترددين على دور العرض.
سنواصل هذا النوع من الاستطلاعات ونهيب بالمترددين على موقعنا
الاهتمام بالتصويت لما لصوتهم من أهمية كبيرة في فهمنا لطبيعة العلاقة بين
ما نقدمه والقاريء- المفترض.
وعلى الله قصد السبيل.
عين على السينما في
19/06/2013
"أخونة"
السينما
هوفيك حبشيان
تشهد القاهرة حالياً تحركات من نوع جديد تتجسد على شكل اعتصامات
مناهضة لوزير الثقافة في الحكومة "الإخوانية" علاء عبد العزيز، تطالبه
بالاستقالة، اذ يرى فيه الفنانون المعتصمون شخصاً غير مؤهل لتسلم مثل هذا
المنصب، في بلاد تضرب جذورها في حضارة عمرها سبعة آلاف عام.
منذ وصوله الى السلطة، مارس عبد العزيز سياسة اقصائية بدعاوى زائفة
منها محاربة الفساد. هو متخرج من المعهد العالي للسينما، عمل فيه استاذاً
وله مساهمات في المونتاج، المجال الذي لم يقدم فيه أي شيء مهم، كما يقول
خصومه. أما المهام الموكلة اليه حالياً والمقتصرة على تطهير وزارته فليست
سوى استجابة لعقيدة جماعة "الإخوان المسلمين"، وهي عقيدة أقل ما يمكن القول
فيها انها معادية لحرية الخلق الفني، تساهم في تحجيم دور الثقافة في
المجتمع المصري، لإعادته الى الخلف ومحاصرته بالممنوعات وإشباعه بالتأويلات
الدينية.
وكان الكيل قد طفح عندما تم فصل ايناس عبد الدايم من منصبها في دار
الاوبرا، في قرار تعسفي، الأمر الذي أثار امتعاض أهل الثقافة في مصر. مرة
اخرى، بدت الفنون كلها ضمن دائرة الخطر في عهد هذا المسؤول السياسي، الرابض
على متن هذه الفنون. ولا يفاجأ أحد، في ظل هذه الخطوات القمعية المرسومة
سلفاً، ان يتم الإعلان عن انجاز أول مسلسل من دون نساء سيخرجه وجدي العربي،
على ان يُعرض في رمضان المقبل على شاشة "الحافظ".
بعض السينمائيين الشباب والمكرسين المناهضين لسياسة عبد العزيز كانوا
اعلنوا عن رغبتهم في مواجهته خلال حفل افتتاح الدورة الأخيرة من مهرجان
الاسماعيلية (4-9 حزيران)، فرُفعت لافتات ضده مطالبة اياه بالرحيل. بيد انه
تغيب عن الحفل، بعدما تناهى الى مسامعه ما تشهده كواليس المهرجان من روح
مقاومة. لكن سينمائياً من طراز مجدي أحمد علي صرح بأنه يجب مطاردته في كل
مناسبة فنية، حتى اقالته.
في بيان وقّعته مجموعة مثقفين، جاء الآتي: "(...) لقد حانت لحظة
الصدام بين المثقف والسلطة المتمثلة في اليمين الديني المتطرف المعادي
بفطرته المشوهة وتكوينه القطيعي لفكرة الثقافة والإبداع اللذين يفضحان
ممارساته في احتكار السلطة باسم الدين". ودعا الشاعر سامح محجوب "شرفاء مصر
من المثقفين" للوقوف أمام توغل الكائن المتأسلم الموتور مندوب المرشد في
وزارة الثقافة علاء عبد العزيز.
في غضون ذلك، شوهد الوزير مشاركاً في مسيرة "نصرة القدس"، حيث صرّح
بأن فلسطين هي "القضية المحورية" للمصريين والعرب. ولجأ الى خطيب مسجد
رابعة العدوية الذي أيّد مواقفه جملة وتفصيلاً، ولم يتوانَ عن تحريض
المصلّين ضد المعتصمين متمتماً جملة حاول بعضهم شرح معانيها المحتملة:
"(...) بدءاً من اليوم، أصبح هناك استقلال ثقافي لمصر والأمة العربية
والإسلامية". في هذا السياق قال المتحدث بإسم "الإخوان" أحمد عارف انه
"يمكن الوزير ممارسة عمله من مسجد عمر بن عبد العزيز (...)، لأن الثقافة
تبدأ من المسجد"، متهماً النخب المثقفة ببعدها عن الإسلام. الشيء الذي
اعتبره المعتصمون في بيان لهم "محاولة لتأجيج الفتنة بين الشعب المصري
ومثقفيه".
ونقلت وسائل اعلام مصرية ان مجلس الشورى ناقش رقص الباليه (!) وقد
تصدر فتاوى قريباً لتحريم بعض الفنون، منها الأدب والشعر والموسيقى
والسينما، استكمالاً لسياسة تكفير الفنون التي بدأت مع اتهام عادل امام
بازدراء الأديان في نيسان 2012.
واعتبر ناشط حقوقي ان اختيار عبد العزيز وزيراً للثقافة هو في ذاته
احتقار للثقافة وأخونتها وطمس الهوية الوطنية. أما المخرج احمد ماهر، صاحب
فيلم "المسافر"، الذي كان من اوائل الذين دعوا الى الاعتصام، فهذا الوزير
بالنسبة له "حلقة شديدة التفاهة في حلقة كبرى اسمها نظام إخواني فاشي"،
مشيراً إلى أن السلطة أعصابها منهارة ومَن خلفها يشعرون بخطورة التمرد وإن
لم يعترفوا بها، لأنها قياس رأي واضح وصريح على شعبية هذا الرجل".
من السينمائيين الذين شاركوا في الاعتصام خشية ان تصل سيوف "الاخوان"
إلى رقابهم وتتسلط على أعمالهم: خالد يوسف وداود عبد السيد ومجدي احمد علي
وآخرون. اتصلت "النهار" بالبعض منهم، وفي الآتي شهاداتهم:
محمد خان: مصيرنا ليس السينما الايرانية
المخرج محمد خان الذي لم ينل الى الآن الجنسية المصرية، على الرغم من
انه اعطى السينما المصرية بعضاً من أهم أفلامها، يقول: "إلى جانب قلقي من
"أخونة" السينما التي تهدد زيادة لائحة الممنوعات وتضيق أفق المطروح،
فاختيار الشخص المناسب ثقافياً في مركز وزير ثقافة يُعد ذا أهمية قصوى.
فأنا على يقين أن المثقف الحقيقي عملة نادرة. مشكلة الوزير المختار حديثاً
والإعتراض عليه نابعان من تاريخه المحتار في أمره، من إدعائه الشيوعية إلى
ظهوره "إخوانجيا"... أضف الى ذلك عدم كفاءته كمدرس مونتاج في معهد السينما،
اذ لم يمنتج فيلماً واحداً في حياته، اذا استثنينا بعض الإعلانات على ما
أعتقد. ثم هناك قراراته المستفزة التي جاءت فور تعيينه، ما يؤكد اضطراباته
كإداري ولجوءه الى تصفية كادرات في الوزارة من أجل تعيين آخرين من صفوف
"الإخوان". وهذا يدل على ظهور خلية "إخوانية" تتشعب في مجالات الفنّ
والثقافة. ومع احترامي للسينما الإيرانية وإنجازاتها التي يعتقد البعض أن
مصير السينما المصرية ربما يكون مشابهاً لها، فهي لا تزال سينما تعمل في
جوّ مخنوق ثقافياً ومسيسة فكرياً ودينياً".
خالد يوسف: عودة الى عصور الظلام
"قمنا بالاعتصام لأننا استشعرنا خطراً يدهم هويتنا ويعبث بملامح
الشخصية المصرية، من خلال فرض مشروع خاص بجماعة فاشية على مفاصل المؤسسة
الثقافية في بلادنا. ونحن ندرك خطورة جماعة مثل "الاخوان المسلمين" على
العقل المصري وعلى الثقافة المصرية التي تشكل وجدان الأجيال الجديدة، ذلك
انهم يحملون مشروعاً متخلفاً يتضمن كل جاهلات الماضي ويعيدنا الى عصور
الظلام.
ما إن تولى هذا الوزير مهام الثقافة في مصر وشرع في تصفية قيادات
وزارة الثقافة غير المنتمية الى النظام السابق، واقصد تلك التي عُيّنت بعد
الثورة مثل ايناس عبد الدايم، حتى أدركنا ان "الاخوان" بدأوا في تنفيذ
خطتهم للاجهاز على هذه المؤسسات وتفريغها من محتواها وتعيين موظفين موالين
لهم ينفّذون من خلالهم اوامر مكتب الارشاد، بهدف تجريف العقل المصري.
فانتفضنا للدفاع عن المقومات الأساسية للثقافة المصرية والمحافظة على
الهوية التي شكّلها الانسان المصري عبر 7000 سنة، وقررنا الاعتصام حتى
اقالته او حتى 30 حزيران، تاريخ انضمامنا إلى جموع الشعب المصري المطالبة
بإسقاط النظام".
ورداً على سؤال حول تأثير العقلية الحاكمة في السينما، قال يوسف الذي
سبق ان عانى من غضب المحافظين عندما انجز "حين ميسرة" و"دكان شحاتة": "مش
حيبقى سينما أصلاً لو في وزير بالشكل ده. سيحولون قصور الثقافة الى كتاتيب
تحفظ القرآن واعترض بقى عشان تبقى كافر! تخيلوا لو حوّلوا قصر ثقافة المنيا
لكتاب لتحفيظ القرآن؟ مين يقدر يعترض؟ دي جماعة لا تؤمن بالثقافة. ليس لهم
مشروع ثقافي بل مشروع لتدمير الثقافة. لماذا؟ لأن الثقافة ورموزها ستبقى
القلعة الحصينة التي تقاوم مشروعهم الظلامي. حتى لو نجح الاحتلال "الاخواني"
لمصر في اسكاتنا جميعاً ودامت لهم البلاد والعباد، ستبقى الثقافة حجر عثرة
في طريقهم".
داود عبد السيد: بولدوزر تحطم الثقافة
"أنا مختلف مع أهداف الاعتصام وهي اقالة الوزير، ولكنني مع
الاعتصام لتوضيح أبعاد المأساة المقبلة على مصر وثقافتها. افضل الكلام عن
سياسات الوزير، كوني لا اعرفه شخصياً. وما اتحدث عنه هو اتجاه "الاخوان"
وعلاقتهم بالثقاقة والابداع. على سبيل المثال، انا أطالب بتغيير جذري في
قوانين الرقابة، وإلغاء الرقابة على الفكر (الرقابة على السيناريوات)،
وإلغاء أيّ رقابة تحذف من السيناريوات قبل التصوير او اثناءه او بعده. فهل
هناك "إخواني" سيحقق ذلك في وزارة "إخوانية"؟ وهل هناك وزير غير "إخواني"
سيحقق ذلك في ظلّ نظام "إخواني"؟ وهل سياسات أيّ وزير بعد إقالة الوزير
الحالي ستقوم بإزالة العقبات امام السينما؟ لا فائدة من تغيير الوزير أو
عشرة بعده إذا كان النظام كله إخوانياً".
واعتبر صاحب "كيت كات" ان الوزير الموجود حالياً ليس إلا البولدوزر
التي تحطم ما تبقى من الثقافة فى مصر. "مَن سيأتي من بعده هو مَن سيبني
النظام الإخواني في وزارة الثقافة. من ضمن كلام هذا الوزير مثلاً: "مش عايز
حد يجي يسيطر على اتجاه واحد في وزارة الثقافة، وهذا حق يراد به باطل.
فالوزير يريد للتيار الديني ان يكون موجوداً في وزارته. ونحن لم نسمع عن
تيار ديني يريد ثقافة أصلاً. القضية الحقيقية ليست شخص الوزير، ولكن
سياساته. ولذلك لا أمل في وزارة الثقافة أو في غيرها مع وجود نظام الإخوان".
حسام علوان: انقضاض على مفاصل الدولة
المنتج الشاب حسام علوان ("حاوي" لابرهيم البطوط)، اعتبر ان المشكلة
الكبيرة مع مَن يسمّى وزير الثقافة هو أنه كباقي وزراء "الإخوان"، لا
مؤهلات له سوى موالاته لجماعة "الإخوان" وتنفيذه لأجندة تتلخص في تعيين
مسؤولين من أهل الثقة لا من أهل الخبرات، وتنفيذ خطة واضحة لتمكين الإخوان
من مناصب عليا حتى وإن لم يكونوا أهلاً لها وهو ما بات بعرف إعلامياً بـ"أخونة"
الدولة.
وقال: "لم يُعرف عن وزير الثقافة ممارسته لأيّ دور ثقافي فعال، ولم
يظهر على السطح إلا عندما كتب مقالات تهاجم المثقفين في الجريدة الحزبية
للإخوان، دفاعاً عن وجودهم في السلطة. وهذا المنصب الوزاري كان مكافأة له
على هذا الانحطاط الذي مارسه لمصلحة الجماعة.
تحرك السينمائيين جاء لكون وجوده خطراً على السينما كما هو خطر على
الثقاقة. أنه اشبه ما يكون بإنسان بسيكوباتي جاء للإنتقام، وباشر عهده
بإطاحة مسؤولين بعضهم له شعبية بين المثقفين، وبعدهم ينتمي الى ما يعرف
بمرحلة "حظيرة فاروق حسني"، كما انه اتخذ شعار "التطهير من الفساد" عنواناً
لتحركه، وراح يعين اشخاصاً من جماعة الإخوان في هذه المناصب.
الخطر الحقيقي في هذه النزعة الديكتاتورية ــ البسيكوباتية المدسوسة
خلف شعارات أخلاقية، هو أنه لم يخلق مساحة تواصل مع المثقفين أو
السينمائيين، اذا ليس هناك العمق الكافي لتطوير المؤسسات الثقافية، الا اذا
كان هذا التطوير يعني الغاء الباليه والرقص الحديث وفرض مساحة أكبر من
الرقابة من المنظور "الإخواني" على الابداع السينمائي وغيره.
السؤال عن مستقبل الثقافة في مصر، تلزمه أولاً معرفة بعض الملامح عن
مستقبل مصر. فالجماعة الآن في مرحلة ما يُعرف في أدبياتها بـ"التمكين
الإخواني" وهو الانقضاض والسيطرة على مفاصل الدولة الرئيسية، بحيث لا يمكن
الخلاص منهم، وبحيث يعلنوا دولتهم الإخوانية التي يحكمها مرشد ديني أعلى هو
مرشد جماعة "الإخوان" - الحاكم الفعلي لمصر الآن ــ وتالياً سيكون النموذج
الإيراني هو الأقرب لدولتهم تلك. لذا، السؤال الآن حول مستقبل السينما
سابقٌ لأوانه، ذلك أنه متعلق بما اذا كانت ستنجح خطة التمكين. البديل
الطوباوي لكل ما يحدث ــ في الثقافة وفي السينما كما في باقي المجالات ــ
هو في احداث تطوير فعلي لمؤسسات الدولة لتلاقي متطلبات العصر وروحه، بحيث
تعود هذه الدولة الأممية لمكانتها بين الأم".
hauvick.habechian@annahar.com.lb
النهار اللبنانية في
19/06/2013 |