راسل كرو هو من أحب نجوم هوليوود إلى قلب الجمهور السينمائي، وذلك منذ
أن أدى بطولة فيلم «غلادياتور» من إخراج ريدلي سكوت في العام 2000. فالرجل
يتمتع أولاً بمظهر وسيم جذاب يلفت انتباه النساء، ثم بخفة روح على رغم
ملامحه القاسية إلى حد ما، إضافة إلى موهبة فذة تسمح له بممارسة الدراما
والكوميديا والرومانسية والمغامرات، بالمستوى الرفيع نفسه من الجودة في
الأداء.
حصد راسل كرو جوائز عدة خلال مسيرته الفنية، أبرزها أوسكار أفضل ممثل
عن دوره في فيلم «غلادياتور» المذكور، كما أدى شخصية أمير اللصوص في فيلم
«روبين هود» مشاركاً مرة جديدة في فيلم لريدلي سكوت، و «سنة حلوة»
للسينمائي نفسه مرة ثالثة حيث تقاسم البطولة مع الفنانة الفرنسية ماريون
كوتيار. وفي فيلم «البؤساء» الاستعراضي للسينمائي توم هوبر، والنازل حديثاً
الى الصالات، يؤدي كرو دور الشرطي القاسي جافير مضيفاً إلى الأداء الدرامي
قدرة غنائية كبيرة جلبت له تقدير النقاد.
جاء كرو الى باريس للترويج لفيلمه الجديد «مدينة مكسورة» من اخراج
ألين هيوز الذي يتقاسم بطولته مع كاترين زيتا جونز ومارك والبرغ، فالتقته
«الحياة» وحادثته.
·
في فيلمك الجديد «مدينة مكسورة»
تؤدي شخصية عمدة مدينة نيويورك، وهو في إطار هذا السيناريو إنسان مرتشٍ
وفاسد إلى أبعد حد. هل تعتقد بأن الحبكة تستوحي من واقع ما؟
-
هل تقصد أن عمدة نيويورك يتصرف مثلما تفعله الشخصية التي
أؤديها أنا في الفيلم؟ لا هذا أمر غير وارد وسيناريو الفيلم عبارة عن خيال
بخيال ولا يدور في زمن محدد، الأمر الذي لا يعني أن ليس هناك في الحقيقة
وفي مدن ما أشخاص من ذوي السلطة يتصرفون على مثل هذا النحو. لكن الفيلم لا
يستوحي بالمرة من أحداث واقعية معروفة.
·
هل أعجبك تمثيل شخصية سلبية إلى
هذا الحد؟
-
نعم، فأنا استمتعت جداً بأداء دور هذا الرجل الذي لا يعير أدنى
أهمية لحياته العائلية ولا لعنصر الشرف ولا لأي شيء بالمرة في حياته سوى
كسب المال وتسلق سلّم النفوذ أكثر وأكثر. لقد أديت الدور في شكل أقوى
بالمقارنة مع نص السيناريو حيث كان المؤلف قد أعاره بعض المشاعر وإن كانت
قليلة، بينما جردته أنا كلياً منها وحولته إلى وحش مفترس يهدد رئيس الشرطة
في اللحظة التي يلقي الأخير القبض عليه في نهاية الفيلم.
·
لماذا فعلت ذلك؟
-
وجدت الشخصية أكثر إثارة بهذه الطريقة، وأردت أن أغذي لدى
المتفرجين روح الكراهية تجاه هذا الرجل فلا يستطيع المشاهد العثور على أي
مبرر لتفسير التصرفات البغيضة للعمدة. وأنا مسرور بالنتيجة النهائية للفيلم
ولشخصيتي فيه وأتمنى أن يشاركني الجمهور إحساسي.
·
أنت تغني في فيلم «البؤساء»
الموسيقي المستوحى من المسرحية الاستعراضية المعروضة في لندن ونيويورك منذ
ثلاثين سنة والمأخوذة بدورها عن رواية فيكتور هوغو الشهيرة، ويقال إنك غير
مدبلج، فهل تعلمت الغناء خصيصاً من أجل هذا الدور؟
-
أنا كنت ملماً بأصول الغناء والفنون الاستعراضية عموماً، لكن
في شكل خفيف وسطحي، لذلك كان من الضروري أن أتدرب على الغناء بطريقة جدية
لمصلحة دور الشرطي جافير الذي عرض عليّ في فيلم «البؤساء». وبالفعل عملت مع
مدرب محترف حوالى عشر ساعات يومياً لمدة ثلاثة أسابيع حتى أصبح مغنياً
محترفاً نظراً الى ان الشركة المنتجة لم تمنحني أكثر من هذه الفترة القصيرة
للتدريب، علماً أن كل شيء في شأن تحضير هذا الفيلم تم إنجازه بسرعة غير
عادية بسبب تقديم موعد التصوير الأصلي لظروف قيل لنا إنها كانت خارجة عن
إرادة المنتجين.
·
وجاءت النتيجة مجزية، فهل أنت
فخور بنفسك؟
-
كلياً، أنا فخور وسعيد بما أنجزته في أسابيع قليلة، وقد تلقيت
تهنئة الكثيرين من الذين شاهدوا الفيلم.
·
هل حدث الأمر نفسه بالنسبة الى
كل من آن هاثاواي وهيو جاكمان؟
-
نعم في ما يخص هاثاواي، بينما كان جاكمان يجيد الغناء في
الأساس على رغم قلة تأديته في أدواره السينمائية. وأحلى شيء هو كون آن
هاثاواي فازت بأوسكار أفضل ممثلة في دور ثان في عمل استعراضي.
·
هل كنت قد شاهدت المسرحية
الاستعراضية «البؤساء» أساساً؟
-
نعم، مثل 60 مليون شخص في العالم طبقاً للإحصاءات. وكنت أعرف
أغنياتها عن ظهر قلب أيضاً، مثل غيري من الذين حضروا العرض هنا وهناك، لكن
من دون أن يكون ذلك بأسلوب فني.
·
ما كان شعورك عندما تلقيت العرض
بأداء شخصية الشرطي الصارم جافير؟
-
شعرت بالفرح ولم أصدق ما الذي كان يحدث لي، إذ إن شخصية جافير
من أقوى وأجمل الأدوار التي يمكن أي ممثل أن يحلم بلعبه. وفي الوقت نفسه
انتابني الخوف لأن جافير يردد أحلى أغنيات الفيلم وأقواها، مثلما كان الوضع
في المسرحية أساساً. وتغير الوضع بعدما تعلمت الغناء، مثلما ذكرت، وصرت
قادراً على أداء الدور وأغنياته المختلفة.
بروس لي
·
حدثنا عن فيلم «الرجل ذو القبضة
الحديدية» النازل حديثاً من بطولتك؟
-
الفيلم يحكي قصة صينية بحتة، وهو صور كلياً في مدينة شنغهاي
ومدن صغيرة قريبة منها، وأنا أقارن هذا العمل بالأفلام التي كان يؤدي
بطولتها الراحل بروس لي في أيامه، وأقصد المبنية على الألعاب الرياضية
الآسيوية والمعارك العنيفة التي تستمد حركاتها وأسلوبها من التراث الصيني
في شكل خاص. ويروي الفيلم كيف تساهم مجموعة من الفرسان الشجعان في تخليص
قرية من طغيان عصابة أشرار تنهب سكانها وثرواتها.
·
لماذا اللجوء إذاً إلى ممثل
أسترالي هوليوودي هو أنت بدلاً من نجم صيني لتمثيل بطولة هذا الفيلم؟
-
سألت نفسي هذا السؤال مرات عدة، لكنني لم أوجهه مرة واحدة إلى
مخرج الفيلم أو إلى منتجيه، لأنني أردت فعلاً أن أحتفظ بدوري فيه. أعتقد
بأن السيناريو بنى حبكته منذ الأساس حول قدوم مقاتل أجنبي إلى القرية
للدفاع عن أهلها.
·
من هو نجمك السينمائي المفضل في
شكل عام؟
-
دانيال كريغ لأنه أفضل من أدى شخصية جيمس بوند حتى يومنا هذا،
وأنا من أشد المعجبين بأفلام العميل السري بوند.
·
هل فكرت في تقمص هذه الشخصية في
يوم ما؟
-
نعم، حلمت بهذا الشيء مثل أي ممثل، لكنني لم أتلق العرض بتمثيل
الدور أبداً، وأدرك السبب عندما أرى كريغ فوق الشاشة.
·
لقد منحك السينمائي ريدلي سكوت
بطولة فيلم «غلادياتور»، أي الفيلم الذي حولك نجماً عالمياً. هل توقعت مثل
هذا النجاح في أول الأمر؟
-
لم أفكر في النجومية عندما وافقت على المشاركة في فيلم «غلادياتور»،
فكل ما كان يهمني في ذلك الحين هو حسن الاستعداد لمثل هذا الدور الصعب الذي
تطلب ستة شهور كاملة
من التدريب الجسماني الرياضي على المشاجرة
والامساك بالسلاح والمبارزة . لقد وضعت ثقتي الكاملة في المخرج الكبير
ريدلي سكوت وتركت العنان لخيالي حتى أدرك معالم شخصيتي السينمائية مثلما
رسمها هو في الأساس. لقد أنجزنا عملاً مشتركاً مبنياً على الدقة والروح
المهنية العالية، بمشاركة جميع أفراد الفريق، من ممثلين وتقنيين، وهذا ما
صنع رواج الفيلم في ما بعد. أما النجومية، فإذا فكر فيها المرء منذ بداية
مشاركته في مشروع فني ما، فهي لا تحدث أبداً، لسبب بسيط هو فشل هذا
المشروع. إن الطاقة الفردية والجماعية يجب ألا تتركز في الطموح الخاص
بالسطحيات بل بالعمل في حد ذاته وبمشقاته والمسؤولية التي يفرضها على كل من
يساهم في إنجازه. فالسينما هي قبل كل شيء فن ومسؤولية لا نجومية فارغة.
لقد سعدت جداً في ما بعد إثر النجاح العالمي الذي عرفه الفيلم والذي
ترك بصماته على مشواري الفني الشخصي، لكن كل شيء لا بد من أن يحدث في أوانه
في هذه الحياة وإلا فسدت الأمور.
·
هل توقعت عندما مثلت أمام ماريون
كوتيار في فرنسا في فيلم «سنة حلوة» أنها كانت ستتحول في ما بعد نجمة
هوليوودية من الدرجة الأولى؟
-
نعم لأنني أتمتع بحاسة شم قوية، خصوصاً في ميدان المواهب
الفنية. لقد أدركت منذ أن مثلنا المشهد الأول من الفيلم معاً أنني كنت أمام
فنانة قديرة، لكن أيضاً إمرأة قوية ذات إرادة صلبة تعرف ماذا تريد وكيف
تحصل على رغباتها في الحياة. وعلى العموم، فقد اختارها ريدلي سكوت من أجل
أن تشاركني البطولة في وسط أكثر من 500 ممثلة فرنسية خضعن للاختبار، وهذا
وحده أكبر دليل على أنها تتميز بشيء يلفت الانتباه.
الحياة اللندنية في
21/06/2013
شيء من العفن في إمبراطورية الصين السعيدة
إبراهيم العريس
حين يلاحظ المتفرج اسم «كيتانو أوفيس» في لائحة الشركات المنتجة لفيلم
«لمسة الخطيئة»، سيتبادر إلى ذهنه من فوره أن الفيلم لن يكون خالياً من قدر
كبير من العنف... وذلك لأن الاسم يحيل بالطبع إلى المخرج والمنتج الياباني
تاكيشي كيتانو الذي تتميز أفلامه عادة بعنف مدهش. وستترسخ الفكرة أكثر على
رغم أن المتفرج يعرف سلفاً أن الفيلم من إخراج الصيني جيا جانغكي، الذي لم
يكن هذا النوع من العنف من سمات أي من أفلامه السابقة. والحال أن توقّع
المتفرج لن يخيب حتى وإن كان سيكتشف في نهاية الأمر أن العنف المكثف الذي
يملأ فيلم «لمسة الخطيئة» لا يمت بأي صلة إلى عنف سينما كيتانو، ولا حتى
إلى العنف المستشري في سينما الأميركي كوينتن تارانتينو، حتى ولئن كان كثر
من النقاد الأوروبيين الذين تناولوا فيلم جيا الجديد هذا، قد ربطوا بينه
وبين سينما صاحب «أوغاد سيئو السمعة» و «عصيّة على الموت»... ومرجع سوء
التفاهم الرئيسي في نظرنا هو أن العنف في سينما كيتانو وتارانتينو يتسم
بمجانية فاقعة. أما نظيره في فيلم جيا جانغكي، فهو عنف اجتماعي يحيل إلى
السياسة ويحاول أن يقول ما لا يجرؤ كثر من المبدعين الصينيين على قوله حول
ما يحدث في الصين اليوم. في صين الدخول إلى اقتصاد السوق، وصين المعجزة
الاقتصادية الجديدة. في اختصار: صين الرفاهية التي باتت منذ سنوات تنافس
الولايات المتحدة الأميركية على مركز القمة في اقتصاديات العالم.
مفاجأة
وهنا، إن تركنا حديث السينما جانباً، بعض اللحظات بالنسبة إلى هذا
الفيلم الذي خرج من لعبة التباري في الدورة الأخيرة لمهرجان «كان»
السينمائي بجائزة السيناريو –وكان يستحق ما هو أكثر من ذلك-، سنقول إن
المفاجأة الأساسية التي حملها هذا الفيلم تعلقت بوصوله حقاً إلى عروض
المهرجان وعدم احتجاج سلطات بكين على ذلك. هو أمر نادر بالطبع، حيث من
المعروف أن أنطمة شمولية مثل تلك التي تحكم في الصين وإيران، اعتادت أن
تثير احتجاجات صاخبة في كل مرة عرض فيها مهرجان عالمي فيلماً يتحدث بوضوح
عن عفن يتآكل مجتمعاتها...
والذي يزيد من حدة الدهشة هنا في حالة هذا الفيلم الصيني، هو أنه أنتج
وحُقّق في الصين نفسها من دون منع أو حذف... أما أهمية هذا الأمر، فمن
الصعب إدراكها إلا لمن شاهد الفيلم نفسه ورصد كمَّ العنف والاحتجاج
الاجتماعي اللذين يحملهما، ثم مدى تعبيره عما يحدث في الصين في زمن
الرفاهية السعيدة الذي تعيشه.
مهما يكن من أمر، يعرف متابعو سينما جيا جانغكي من ظهوره الأول على
مسرح الفن السابع العالمي في العام 1998، أنها ليست من السينما التي
تهادن... بل سينما تحاول أن تقول ما هو سيئ وضد الإنسان وقاتل للبيئة في
مجتمع صيني يتغير بسرعة على وتيرة انخراطه في اقتصاديات السوق واللعبة
الاستهلاكية بعدما تم دفن الماوية بكل جلال واحترام على يد أجيال جديدة من
الشيوعيين «الواقعيين»... غير أن ما كان يلفت النظر حقاً، في أفلام جيا
جانغكي السابقة، كان النعومة والهدوء اللذين بهما يعبر جيا عن مواقفه
وانتقاداته، ولقد حماه أسلوبه هذا من عسف السلطات، التي لم تر غضاضة –بعد
كل شيء– في أن يكشف مبدع من عندها عورات مرحلة انتقالية، كاشفاً عن الثمن
الذي لا بد من دفعه مقابل الانفتاح على العالم. غير أن ما كان هادئاً ورقيق
التعبير –ولا سيما حين يتعلق الموضوع بما يرصده المخرج من تدمير للبيئة
والحياة الاجتماعية والأنماط الاقتصادية الفلاحية- في أفلام سابقة له، مثل
«بلاتفورم» و «لذات مجهولة» و «طبيعة صامتة»، وصولا إلى «24 مدينة»، الذي
كان في العام 2008 قد سبق «لمسة الخطيئة» في الوصول إلى المسابقة الرسمية
في «كان»، بات اليوم أقل رقة بكثير وأكثر عنفاً في رصد بعض ما يحدث في
الصين اليوم...
بين الروائي والتسجيلي
نعرف أن جيا جانغكي قد قسم سينماه دائماً بين أفلام وثائقية يسجل فيها
واقع بلاده كما هو، وأفلام روائية يعيد فيها تركيب هذا الواقع. وهو في
أحيان كثيرة كان يفضل المزج بين النوعين كأن «يركّب» حكاية روائية على
خلفية واقع يرصده وثائقياً، كما فعل في «طبيعة صامتة»، التحفة السينمائية
التي شاهدناها العام 2006 قي مهرجان مراكش بعد نيلها الجائزة الكبرى (الأسد
الذهبي) في مهرجان البندقية لذلك العام... ففي هذا الفيلم، صور المخرج
انهياراً بيئياً كاملاً عبر بناء سد عظيم، ولكن فقط على خلفية بحث امرأة عن
زوجها... ولحد علمنا، بلغ هذا الفيلم في نقده للتحديث المهرول في الصين
حدّاً لم يكن قد بلغه سينمائي سابق عليه على رغم معرفتنا أن السينما
الصينية، سواء أصنعت في الصين القارية أو في هونغ كونغ أو حتى تايوان، لم
توفر الحداثة الصينية في انتقاداتها. بيد أن جيا جانغكي تجاوز هذا الحد
اليوم في «لمسة الخطيئة»، ولا سيما إن أدركنا أننا أمام فيلم روائي يمكن أن
يشاهد جماهيرياً على نطاق واسع، وأن سمعته العالمية التي بدأت تتكون وتنتشر
منذ عروضه الكانية لن تجعله يمرّ غير ملحوظ.
ولكن، على رغم كل ما نقوله هنا، لا بد من المسارعة إلى القول إن «لمسة
الخطيئة» من الممكن أن يعتبر من الآن وصاعداً أكثر أفلام جيا جانغكي واقعية
وارتباطاً بما يحدث اليوم من تبدلات تصل إلى حد الامّساخ في المجتمعات
الصينية... ونقول المجتمعات، لأننا هنا في الحقيقة أمام أربع حكايات
منفصلة/ متصلة تشكل الفيلم، يجري كل واحدة منها في منطقة مختلفة من الصين.
اما ما يجمع بين هذه المناطق، فإنما هو كونها المناطق التي تمسها حداثة
السوق والاستهلاك أكثر من غيرها وأسرع من غيرها. أما القاسم المشترك بين
الحكايات الأربع فهو العنف المرعب الذي تنتهي اليه كل حكاية... ناهيك بقاسم
مشترك آخر لا يقل أهمية، بل يمكن أن نعتبره مفتاحاً لفهم خطورة هذا الفيلم
في مجمله: الحكايات الأربع مأخوذة كما هي من سجلات البوليس وتتعلق بحوادث
عيشت حقاً خلال أزمان مختلفة في السنوات الأخيرة.
وإذا استثنينا الحكاية الأولى، التي تبدأ منذ مفتتح الفيلم بداية
عنيفة، وتسقط قتلى في جرائم تبدو مجانية أول الأمر، على طريقة تارانتينو،
سنجدنا في الحكايات التالية أمام بدايات لا تخلو من عادية مطمئنة، بل من
سعادة الشخصيات، إذ تحصل على عمل أو ما يشبه ذلك...غير أننا وبالتدريج،
بقدر ما نكتشف في الحكاية الأولى، انتقالاً مما هو «مجاني» إلى صلب ما هو
اجتماعي، نتدرج في الحكايات التالية من عادية اليومي إلى عنف الاستثنائي...
ولكن هنا أيضاً ليس العنف مجانياً، بل هو مرتبط بشكل مباشر بالواقع
الاجتماعي الذي تعيشه شخصيات الحكايات –وهي نفسها ضحاياه، بالقتل أو
الانتحار أو الوصول إلى تدمير الحياة من طريق ارتكاب جرائم قد تبدو غير
متوقعة لكن ظروفها الاجتماعية سرعان ما تكشف حتميتها.
والحال أن هذه الحتمية ما كان يمكن لها أن تكون مقنعة من حكاية إلى
أخرى لولا قوة السيناريو، الذي عرف بلمسات خفيفة كيف يربط بين الحكاية
والأخرى، ليس حدثياً ولكن سياسياً واجتماعياً طالما أن إمعاناً في تحليل
منطق الفيلم واختياراته الحكائية يضعنا مباشرة أمام متهم أساسي: التغيّر
المباغت الذي يطرأ على المجتمع الصيني... لا أكثر ولا أقلّ. ولعل من المفيد
هنا أن نذكر أن السلطات الصينية نفسها تسمّي هذا النوع من الأحداث في
سجلاتها الرسمية «توفا شيجيان»، ومعناها «أحداث مباغتة»، أما ما يريد
الفيلم أن يخلص إليه هنا، فهو التساؤل من خلال ربط الأحداث وتوحيدها تحت
لواء هذا الفيلم الرباعي، عما إذا كان يحق لنا حقاً أن نجدها «مباغتة» إلى
هذا الحد؟؟!
المصائر
فمن داهاي، عامل المناجم الذي يحوله فساد المسؤولين في قريته إلى قاتل
بالتسلسل، إلى صانئير، الذي سرعان ما يكتشف «الإمكانات المدهشة» التي
يتيحها له استخدام سلاحه الناري في التحول من متلق إلى فاعل، إلى خياو يو،
المضيفة في نادي الصونا التي سرعان ما تحولها تصرفات الزبائن من الأثرياء
الجدد إلى قاتلة، لأنها ترفض أن تتحول إلى مومس... وصولاً أخيراً إلى الفتى
خياو هوي، الذي يقوده تنقله من عمل فاشل إلى عمل أكثر فشلاً، ومن منطقة
تحديثية إلى أخرى أكثر تحديثية، إلى الانتحار، يتنقل بنا الفيلم عبر تعدد
المصائر إلى ما يشبه الصورة الإجمالية للصين كما باتت اليوم: صين الوفرة،
التي بات فيها المكان واسعاً للتبدلات الســوسيولوجية، ولكن ليس للفرد إن
أراد أن يعيش حياته حقاً. والحقيقة أننا لسنا هنا أمام رسالة عادية عن بلد
عادي في ظروف عادية، بل أمام فيلم كبير أراد فيه مخرجه أن يواصل سبره
المرير لواقع الحال في إمبراطورية يخيّل إلى العالم أنها صارت واحدة من
افضل العوالم الممكنة في زمننا الراهن..
جيا جانغكي: مهرجانات العالم تكافئ زعيم الجيل السادس
إذا كان منطقياً ومتداوَلاً أن يُحسب المخرجون السينمائيون الصينيون
تبعاً لتتالي اجيالهم، فإن هذه الحسبة تصل بنا اليوم الى الجيل السادس الذي
تتراوح اعمار ابنائه بين الأربعين والخمسين وبدأ يطل على الساحة العالمية
خلال السنوات العشر الأخيرة، ولا سيما بعد الشهرة العالمية التي كان حققها
خلال الربع الأخير من القرن العشرين مخرجو الجيل الخامس الذين باتوا اليوم
من كبار كلاسيكيي السينما العالمية وفي مقدّمهم دجانغ ييمو وشين كيغي.
اما اليوم فإن جيا جانغكي صاحب «لمسة الخطيئة» المولود في العام 1970
في مدينة فنيانغ بأقليم شانغخي، يعتبر الأشهر بين مخرجي الجيل السادس الذي
يضم الى جانبه عدداً من مبدعين لم يعد اي مهرجان سينمائي عالمي يخلو من
فيلم لواحد منهم، ومن بين اشهرهم لو يي ووانغ خياوشواي ووانغ كوانعان وجانغ
يوان... وإذا كان جيا قد كرس أفلامه الأولى ومنها «الثلاثية» التي تضم
«نشال محترف» و «بلاتفورم» و «امام الجمهور» لرصد واقع العيش في مسقط رأسه،
فإنه سرعان ما راح في أفلامه التالية يوسّع من دائرة مواضيعه وامكنتها
الجغرافية مركزاً فيها على احوال المجتمع والبيئة متنقلاً بين سينما
تسجيلية ناقدة للممارسات الفوقية لسلطات لا تتوققف عن تدمير البيئة لصالح
حداثة مشوهة، وسينما روائية لا يفوتها ان تستقي مواضيعها من البيئة نفسها.
والحقيقة ان سينما جيا التي ارتبطت على هذا الشكل ومنذ البداية
بالواقع الإجتماعي للصين الحديثة المتغيرة، عرفت بسرعة كيف تفرض حضورها في
المهرجانات العالمية ما وفّر لها نوعاً من الحصانة مكّن السلطات الصينية
نفسها من ان تبدو ليبرالية بفضلها. وفي هذا الإطار لا بد ان نذكر ان
مهرجانات كبرى مثل البندقية وبرلين وكان، تتهافت للحصول على افلام هذا
المخرج في كل مرة يعلن فيها عن انجازه فيلماً جديداً له. وغالباً ما دخلت
أفلامه المسابقات الرسمية في هذه المهرجانات حتى وإن لم يكن الفوز فيها من
نصيبه دائماً. ومع هذا نال الرجل جائزته الأولى باكراً في العام 1998 في
مهرجان برلين حيث أُعطيت جائزة نتباك وجائزة وولفغانغ لأول فيلم عرف له
خارج بلاده «خياو وو، نشال محترف»، ليعود في العام 2006 ليفوز بأرفع جائزة
في مهرجان البندقية «الأسد الذهبي» عن فيلم «طبيعة صامتة» الذي عاد مهرجان
مراكش المغربي ومنحه إحدى جوائزه الرئيسة لاحقاً في العام نفسه. وبين
الفيلمين فاز تسجيليّه «أمام الجمهور» بالجائزة الكبرى في مهرجان مرسيليا
الفرنسي للسينما الوثائقية، وشاركت افلامه المتتالية «بلاتفورم» (2000) و
«لذّات مجهولة» (2002) و «العالم» (2004) و «دونغ» (2006) على التوالي في
المسابقات الرسمية في البندقية وكان. أما فيلمه الوثائقي «بلا فائدة» الذي
حققه في العام 2007 فقد حصل على جائزة الفيلم الوثائقي في مهرجان البندقية
قبل ان يعرض فيلمه الروائي/التسجيلي «24 مدينة» في مسابقة كان في العام
2008. ثم يعرض أخيراً فيلمه التالي «اتمنى لو كنت اعلم» العام 2010 في
تظاهرة «نظرة ما» في كان ليخرج منها خالي الوفاض، ولكن ليعود هذا العام
2013 الى المهرجان نفسه بجديده – وربما اقوى واجمل افلامه حتى الآن – «
لمسة الخطيئة» فيحقق به جائزة افضل سيناريو.
الحياة اللندنية في
21/06/2013
قصص الحب تتجاوز الحروب وبؤسها
القاهرة - أمل الجمل
«أولئك الذين لا يستطيعون تذكر الماضي محكوم عليهم بتكراره». من تلك
الجملة الشهيرة للشاعر والفيلسوف الأميركي جورج سانتيانا يبدأ هادي زكاك
المخرج اللبناني أحدث أفلامه «هاني مون 58»، (وثائقي قصير2013). ثم يختتمه
بلقطة رمزية نابضة بالدلالة، إذ تظهر على الشاشة سفينة في عرض البحر
تتلاطمها الأمواج والعواصف العنيفة حتى تنشطر إلى نصفين في طريقها إلى
الغرق.
ما بين المقدمة والنهاية يختار المخرج تاريخين محددين، أولهما يتعلق
بأول حرب أهلية لبنانيّة في عام 1958 بعد الاستقلال والتي - كما يصفها زكاك
- «كانت بمثابة تمرين أولي للحرب الأهلية اللاحقة والشهيرة في عام 1975»
وهو التاريخ الثاني الذي يختتم به الفيلم.
ومن ثم تدور الأحداث في خطين متوازيين، بين واقعين وعالمين متناقضين
أشد التناقض، بين واقع وعالم الحرب الذي عاشه لبنان بكل ما اكتنفه من
اضطرابات واندلاع مظاهرات الطلاب والصدام مع البوليس بعد إذاعة أخبار عن
انضمام العراق إلى حلف باكستان وتركيا، ومن صراعات وتدخلات أجنبية وعربية،
مروراً بزيارة الملك ابن سعود بيروت لمناقشة التوتر بين سورية وتركيا،
واستعانة الرئيس كميل شمعون بالقوات الأميركية عقب حركة الاغتيالات لملك
العراق وبعض المسؤولين هناك، ثم دعوته لوحدة الصف اللبناني مسلمين ومسيحيين
لإنقاذ أجيال المستقبل فلا يوقف ذلك تتأجج نيران الحرب الأهلية، وبين واقع
وعالم ملكة جمال التانغو منى زكاك - والدة المخرج - التي كانت في التاسعة
عشرة من عمرها آنذاك، والتي تستعيد قصة حبها الكبير الذي بقي راسخاً صامداً
متجاوزاً الحروب والأزمات خلال تلك الحقبة.
وهكذا تأخذنا معها لنعايش حكاية ارتباطها بزوجها الذي كان يرأسها في
العمل، ثم الوقوع في غرامه مروراً بخطبتهما ومراسم زفافهما ورحلتهما في شهر
العسل الذي قضياه في إيطاليا في عام 58، ثم زيارتهما لإيطاليا للمرة
الثانية عام 1975.
كائن خرافيّ
ينهض العمل بأكمله على المادة الوثائقية. ويمزج بين الأرشيف العام
والخاص. العام الذي يتعلق بالشأن اللبناني مستمداً من الأرشيف السينمائي
الإيطالي، والعائلي الذي يتنوع ما بين مخطوطات وصور شخصية وأشرطة سينمائيّة
8 ملم، حيث إن زكاك أقام بناءه الفني مستنداً إلى جزء من مذكرات والدته غير
المنشورة المعنونة بـ «لاسيفلد» - كائن خرافي يسكن السماء- والتي كتبتها
بعد وفاة زوجها سنة 2005 واستندت فيها إلى كل ما كانت تدوّنه عبر السنين.
يستخدم الفيلم التعليق الصوتي بطريقة سينمائية بعيدة كل البعد عن
الشكل التلفزيوني، وذلك من خلال إعادة تسجيل المذكرات التي كتبتها الأم
بصوت الممثلة اللبنانية كريستين شويري والذي تمت معالجته لكي يتناسب مع
الفترة الزمنيّة وصوت بطلة القصّة، وذلك إلى جانب صوت المذيع في نشرات
الأخبار.
يلعب المونتاج دور البطولة في هذا الوثائقي، وذلك من خلال التوازي
والتناقض الذي نجح زكاك في استخدامهما بدقة ومهارة منحت الفيلم أسلوباً
فنياً موسوماً بالكوميديا السوداء. ومن خلاله عمل المخرج على توظيف الخاص
والشخصي والحميمي من أجل أن ينتقد الشأن العام والواقع السياسي المتدهور في
بلاده، وأن ينتصر للحب والحياة. فهنا تبدو قصة الحب البسيطة والشخصيّة أهم
من الإطار السياسي والتاريخي الذي يدعونا لإعادة قراءته لئلا نُعيد ارتكاب
أخطائه وجرائمه. إنه يُؤكد من دون شعارات كيف أن الحياة والمشاعر هي أقوى
من أي شيء، فيما التاريخ لا يتوقف عن إعادة نفسه في بلادنا. وأن الناس
العاديين قادرون على الاحتفاء بالحياة وسط الخوف والموت والخراب.
كل ذلك يتم من خلال المراوحة بين اللقطات المتناقضة بسهولة ويسر
وذكاء، فطوال الفيلم يتأرجح المخرج بين مشاهد الاحتفال بالحب ومراسم العرس
ثم زيارات الأماكن الجميلة في إيطاليا، وبين مشاهد الحرب والدمار الذي
خلفته المعارك على البيوت والممتلكات والأرواح بلبنان. بين عالم الموسيقى
والرقص في حفلات تُضيئها البهجة التي تُسكر الناس، وبين طلقات الرصاص ودوي
المدافع وزحف الدبابات، وتحليق الطائرات، وهبوط أسطول قوات المارينز على
الشواطئ اللبنانية.
الفيلم من إنتاج إيطالي لبناني مشترك بين «لوتشي سيني شيتا» ومهرجان «أزياتيكا
فيلميديال» في إيطاليا و»زاك فيلمز» لبنان. إنه عمل أشبه بقصة قصيرة بالغة
التكثيف، كالطلقة تُدوي عالياً. وعلى رغم أهمية الفيلم وقوة دلالته يمكن
الإشارة إلى انه كان من الممكن أن يتم تناول موضوعه في عمل تسجيلي طويل
أكثر عمقاً لأن تلك الفترة خصبة وشديدة الثراء، إلى جانب أنها كانت مليئة
بالنزاعات والانقسامات وتشابك المصالح والعلاقات.
فهناك تواصل الرئيس كميل شمعون مع الغرب، وعلاقته بحلف بغداد، والرئيس
المصري جمال عبد الناصر، وعلاقته بشعبه والمسؤولين الآخرين من حوله خصوصاً
قادة الجيش. ولافت هنا على اية حال ان زكاك يُؤكد أنه يمتلك مخزوناً ليجعل
الفيلم أطول في المستقبل، ولكن هذا الأمر يحتاج إلى برنامج وخطة إنتاجيّة
مختلفة، لأنه في «هاني مون 58» كان محكوماً بشروط إنتاجية تُجبره ألاَّ
يتجاوز 15 دقيقة لأن الأرشيف ثمنه باهظ جداً في الدقيقة الواحدة، وهو لم
يرغب في أن يُضيع تلك الفرصة التي بدأت من إيطاليا عندما تمّ اختياره ضمن
ثلاثة مخرجين من آسيا - ثانيهما هندي والآخر صيني - لاستخدام أرشيف مؤسسة
لوشي سيني شيتا العريقة من أجل ابتكار ثلاثة أفلام قصيرة مختلفة حول
بلدانهم. كانت تجربة يصفها صاحب الفيلم بالرائعة فقد أتاحت له الإطلاع على
هذا الأرشيف القيّم والثمين جداً خصوصاً أن الأرشيف اللبناني الوطني في
الخمسينات شبه مفقود.
الحياة اللندنية في
21/06/2013
من تصوير المجتمع إلى التعبير عنه
الدار البيضاء - نور الدين محقق
لم تعد السينما المغربية كما كانت في السابق، بعيدة عن اهتمام النقد
المغربي بمختلف تجلياته الصحافية والتحليلية والسيميائية. فهذه السينما
أضحت خلال السنوات الأخيرة محل اهتمام من لدن هذا النقد، وشكلت في كثير من
الحالات بؤرة اهتمامه. هكذا وجدنا أن مجموعة من الكتب النقدية المغربية قد
قدمت مؤخراً حول السينما المغربية. نذكر من بينها كتاب «السينما المغربية:
محاولات نقدية» الصادر في الفرنسية للناقد السينمائي والأكاديمي المغربي
بوشتى فرقزايد. وهو الكتاب الذي نقف عنده الآن، محاولين من خلاله تقديم
صورة للسينما المغربية كما تجلت في الدراسات التي احتواها هذا الكتاب حول
مجموعة من الأفلام السينمائية المغربية.
ينطلق الناقد بوشتى فرقزايد في كتابه من تحديد العلاقة الكائنة
والممكنة بين السينما من جهة والمجتمع من جهة أخرى، حيث يبين أن هذه
العلاقة هي غالباً علاقة إيجابية. فقد ساهمت السينما في إدخال المجتمع إلى
رحاب الحداثة. طبعاً مع باقي الفنون الأخرى. هكذا تحدث عن الجمهور المغربي
وانفتاحه على المجال السينمائي ليس المغربي فحسب وإنما العالمي. فقد استطاع
هذا الجمهور أن يشاهد مجموعة من الأفلام السينمائية العالمية التي أغنت
متخيّله وجعلته ينفتح على الثقافات العالمية من خلال الصورة. كما يتحدث
الناقد بعد ذلك عن علاقة هذا الجمهور مع الأفلام السينمائية المغربية التي
رأى من خلالها صورة المجتمع المغربي، متوقفاً في هذا الجانب عند أهمية
المهرجانات السينمائية المغربية ودورها في خلق إشعاع سينمائي، منتهياً إلى
القول إن السينما هي شكل متميّز ومتعدد للفرجة ووسيلة للإخبار والتواصل.
وقد استطاعت أن تتحول إلى الشكل الفني الأكثر شعبية في العالم وفي المجتمع
المغربي أيضاً.
بعد هذا ينطلق الناقد بشكل نقدي ممنهج في تفكيك بنيات مجموعة من
الأفلام السينمائية المغربية بغية توضيح الدلالات التي تزخر بها. هكذا يقوم
بتحليل فيلم «نظرة» للمخرج نور الدين لخماري انطلاقاً من الشكل الفني
المتحكم فيه والدلالة المقدمة عبر صوره، موضحاً في هذا الصدد دلالة هذه
الصور وعلاقتها بالذاكرة التاريخية. كما يتوقف بعد ذلك مباشرة عند فيلم «خربوشة»
للمخرج حميد الزوغي، متناولاً إياه اعتماداً على العلاقة التي تربط قصته
بالتاريخ، مبيناً هنا ما ينتمي إلى التاريخ، - تاريخ خربوشة باعتبارها
امرأة عاشت في فترة زمنية / تاريخية محددة وصراعها مع القايد عيسى بن عمر-،
وبين ما ينتمي إلى المتخيل الشعبي باعتبار أن هده المرأة قد تحولت،
انطلاقاً من مقاومتها هذه، إلى رمز ضد الظلم. وقد جاء تحليل الناقد بوشتى
فرقزايد لهذا الفيلم متكاملاً جمع فيه بين التحليل الفني والتحليل
الموضوعاتي المتمثل في الوقوف عند موضوعات الفيلم، خصوصاً ما يتعلق منها
بالكرامة والحب والصراع. أما بخصوص فيلم «في انتظار بازوليني» للمخرج داود
ولاد السيد، فإن الناقد يقف عند لعبة التناص الحاصلة فيه باعتبار أن بطل
الفيلم «التهامي» الذي جسد دوره باقتدار كبير الممثل الراحل محمد مجد، قد
صنع من اسم «بازوليني» داخل الفيلم الحدث المنتظر، الذي من خلاله تحركت كل
عناصر القصة في الفيلم لتشكل صورة سينمائية تجمع بين الفرجة الجميلة
والرغبات الإنسانية المتجلية في الرغبة في العمل وثنائية الصداقات /
العداوات و الجمع بين المتناقضات في شخصية الفقيه الذي جسده الممثل مصطفى
تاه تاه، بفنية جديرة بالاحتفاء. ويؤكد المؤلف إن تناصية هذا الفيلم على
مستوى استحضار اسم المخرج الإيطالي الكبير «بازوليني» إنما هو احتفاء ضمني
بالسينما الإيطالية، هذه السينما العالمية الكبيرة.
وفي إطار مقاربة الأفلام السينمائية المغربية نفسها التي تنتمي إلى
سينما التأليف الفني يتوقف الناقد أيضاً عند فيلم «يقظة» للمخرج محمد زين
الدين، وذلك من خلال تفكيك بنياته الفنية والموضوعاتية ولعبة التزاوج فيه
بين النهج الوثائقي والنهج التخييلي عن طريق البحث في ذاكرة البطل الذي
اعتمد في سرد الوقائع المتعلقة به على تقنية الصوت المتعالي المتابع لهذه
الوقائع من فوق (Voix off).
وبنفس هذا العمق من التحليل الفيلمي يتوقف الناقد بوشتى فرقزايد في
كتابه هذا، - الذي كتبه بلغة فرنسية عميقة، والذي ندعوه بالمناسبة إلى
ترجمته إلى اللغة العربية قصد تعميم الاستفادة منه -، عند أفلام سينمائية
مغربية أخرى، هي على التوالي: «الملائكة لا تحلّق فوق الدار البيضاء»
للمخرج محمد العسلي، و»طيف نزار» للمخرج كمال كمال، و «200 درهم» للمخرجة
ليلى المراكشي، و»السراب» للمخرج أحمد البوعناني، و «باب السماء مفتوح»
للمخرجة فريدة بنليزيد و»الشركي» للمخرج مومن السميحي، و»شاطئ الأطفال
الضائعين» للمخرج الجيلالي فرحاتي، و»البراق» للمخرج محمد مفتكر، بالإضافة
طبعاً إلى أفلام سينمائية مغربية أخرى وردت في هذه القراءات السينمائية
العميقة، إما من أجل الاستشهاد بها أو بالإحالة إليها من حين إلى آخر قصد
الرصد والتوضيح. هذا دون أن ننسى المقاربة العميقة التي تناول فيها علاقة
السينما بحقوق الإنسان، متوقفاً عند مجموعة من الأفلام السينمائية المغربية
التي من خلالها يوضح هذه العلاقة.
انطلاقاً مما سبق يمكننا أن نقول إن هذا الكتاب النقدي المهم الذي
اعتمد فيه الناقد بوشتي فرقزايد على تحليل مجموعة من الأفلام السينمائية
المغربية المهمة هو إضافة فعلية للنقد السينمائي المغربي من جهة وطبعاً
للنقد الثقافي والفني المغربي في تعدديته من جهة أخرى.
الحياة اللندنية في
21/06/2013
آيتن عامر:
فيلم «هرج ومرج» حالة مختلفة
كتب الخبر: رولا
عسران
عبر بوابة «هرج ومرج»، كتبت آيتن عامر اسمها للمرة الأولى في عالم
البطولات، عن هذه التجربة كان اللقاء التالي.
·
لماذا اخترت فيلم «هرج ومرج»
لتشاركي في بطولته؟
الفيلم مختلف للغاية وله تركيبة سينمائية مبهرة، ما جعلني أتشجع
للمشاركة فيه، وحينما عرضت عليَّ المخرجة نادين خان تقديم العمل كنت سعيدة
للغاية فعلاً، ورأيت أن في هذه التجربة ما يستحق المغامرة، لأن الفيلم
يتضمن حالة مختلفة للغاية.
أتمنى أن يشاهد الجمهور الفيلم ويرى الكم الذي يتضمنه من الدراما،
خصوصاً أنها بعيدة للغاية عن السينما التجارية. أشير إلى أن الفيلم عُرض في
مهرجان دبي السينمائي، وكان له رد فعل كبير للغاية، وهو ما جعلني سعيدة لأن
عملي لقي قبول الجميع.
·
يبتعد الفيلم عن الصبغة
التجارية، ألم يقلقك هذا؟
على العكس. حينما قررت القيام ببطولة العمل كنت أعلم أنه بعيد للغاية
عن السينما التجارية، ولكن على الفنان أن يقدم الألوان السينمائية كافة،
سواء كانت تجارية أو لا. حتى لو كان هذا الفيلم من نوعية أعمال المهرجانات،
إلا أن له نكهة مختلفة، وفي النهاية لا يهمني سوى رأي الجمهور فيه، لأنني
على ثقة أن العمل سيأخذ نصيبه كاملاً حتى ولو بعد حين، لأنه مختلف ومميز
بشهادة النقاد.
·
يعرض الفيلم في توقيت صعب
للغاية، ما رأيك؟
الأوضاع السينمائية الراهنة صعبة للغاية، ما يعني أن علينا أن نحارب
لأجل عودة الجماهير إلى السينما. وتوقيت العرض أمر راجع إلى المنتج فهو
الأكثر حرصاً على استعادة الأموال التي أنفقها على الفيلم، والأجدر بتحديد
الموعد الذي يطرح الفيلم خلاله. تحدد موعد العرض سابقاً في نهاية فصل
الصيف، ولا أرى أن ثمة موعداً آخر من الممكن أن يطرح الفيلم خلاله، لأنه
ليس مناسباً للأعياد، وبالتالي فنهاية الصيف هي الأنسب.
·
هل تتابعين إيرادات الفيلم؟
أتابعها كما أتابع أي عمل أطرحه ويحمل اسمي، غير أنني على علم بأنها
لن تكون كبيرة، خصوصاً أن التجربة جديدة يقدمها شباب. بالتالي، العمل معروف
أنه بعيد عن أي سينما تجارية، غير أن الجمهور الذي سيتابعه سيجد شيئاً
مختلفاً للغاية يستمتع به. ولكن بالتأكيد العمل سيأخذ حقه حينما يعرض عبر
شاشة التلفزيون في ما بعد وسيصل إلى أكبر شريحة من المشاهدين.
·
هل من الممكن أن تقدمي هذه
النوعية من الأفلام مجدداً؟
لا يوجد فنان يختار اتجاهاً واحداً، بالتالي عليه أن يسير في خط درامي
مختلف، فيقدم الأفلام التجارية وتلك المختلفة في نوعيتها وفي نكهتها. أنا
مثل أي فنان محترف عليَّ أن أقدم الأدوار والأعمال كافة، لأن التاريخ سيذكر
كل شيء، ولن يسامح الفنان إذا قدم عملاً وفق نهج واحد فقط. من ثم لا بد من
التنوع، وإجادة تجسيد الشخصيات كافة، وهو ما أسعى إليه. الحمد لله، كان
فيلم «هرج ومرج» خطوتي الأولى في هذا الطريق، ولا أعتقد أنها ستكون الأخيرة
بإذن الله.
·
ماذا عن «الزوجة الثانية»
وتجسيدك الدور نفسه الذي جسدته الراحلة سعاد حسني؟
خائفة جداً من المسلسل ومن الدور الذي أقدمه، خصوصاً أن المشاهد
سيضعني في مقارنة مع العظيمة سعاد حسني، وسيقول إن الراحلة قدمته بطريقة
معينة. أتمنى أن أحقق من خلاله النجاح.
·
هل تعرضت فعلاً لحادث سيارة
أخيراً؟
الحمد لله نجوت من الموت، وهذا بفضل الله بعدما تحطمت سيارتي واحترقت
بشكل مفاجئ، ولكني استطعت مغادرتها قبل أن تشتعل بي. لن يصيبنا إلا ما كتب
الله لنا، والحمدلله على كل شيء. المهم أنني بخير، وقد تلقيت اتصالات من
زملاء كثيرين للاطمئنان عليَّ وأشكرهم.
الجريدة الكويتية في
21/06/2013
فجر يوم جديد: المستقبل يبتسم!
كتب الخبر:
مجدي الطيب
حفلت الدورة السادسة عشرة لمهرجان الإسماعيلية الدولي للأفلام
التسجيلية والقصيرة (4 ـ 9 يونيو 2013)، بعيداً عن المشاكل التي صاحبت
العروض، من انقطاع للتيار الكهربائي وتراجع نسبة الإقبال الجماهيري إلى
درجة غير مسبوقة، بعدد من أفلام تسجيلية وروائية قصيرة تبشر بمستقبل طيب،
وتنبئ بأن ثمة مواهب شابة تُعلن عن نفسها، دونما التوقف كثيراً عند فوز
أصحابها بجوائز لجنتي تحكيم مسابقة الأفلام التسجيلية ومسابقة الأفلام
القصيرة والتحريك من عدمه!
أول الأفلام التي تستحق التنويه حمل عنوان «ليبيدو» (15 دقيقة/ 2012)،
وهو فيلم تسجيلي قصير من إخراج يوسف الإمام، الذي درس في المعهد العالي
للسينما في مصر، واقتحم منطقة شائكة وملغومة، تتعلق بقضية «الكبت الجنسي»
الذي يعانيه الشباب، من الذكور والإناث؛ ففي تعريفه لكلمة «ليبيدو» قال
المخرج إنها «الطاقة الجنسية»، التي يعجز الشباب عن تفريغها أو توظيفها
بالشكل الصحيح؛ نتيجة رفض المجتمع مبدأ الاقتراب من هذه القضية، من باب
الرضوخ للعادات والتقاليد التي ترى أن الحديث عن الجنس «عيب» و»حرام»،
بينما يرى الفيلم، الذي أفلت من فخ الدعاية المباشرة والتوعية السخيفة، أن
الثقافة الجنسية وسيلة ناجعة للوصول إلى الأهداف، التي تضيع في أحايين
كثيرة نتيجة الهوس الجنسي أو الإفراط المبالغ فيه بالبحث عن طريقة للتنفيس
عن الطاقة الجنسية!
فيلم آخر حظي بإعجاب الكافة حمل عنوان «ورا الباب» (21 دقيقة/ 2012)
وأخرجه أدهم الشريف ابن المعهد العالي للسينما، الذي نوهنا في هذه الزاوية
سابقاً إلى تجربته الرائعة في الفيلم التسجيلي «أحد سكان المدينة»، الذي
يروي سيرة حياة كلب ضال. لكنه قدم في فيلمه الروائي القصير الجديد رؤية
أخرى ناضجة وواعية حذر فيها من خطورة تكريس نزعة الخوف لدى الأطفال (مستقبل
الأمم) من خلال أم تُربي طفلها على كم من المحظورات والتابوهات والنواهي
التي تجعل منه فأراً مذعوراً لا يُقدم على اتخاذ قرار من أي نوع، لكن الطفل
يُغادر المصيدة ويحطم أغلاله المعنوية، ويُعلن رفضه للتحذيرات المتكررة
وتمرده على محاولات زرع الخوف في داخله.
«بورتريه شخصي» (7 دقائق/ 2013) فيلم تسجيلي قصير من إنتاج عليا
أيمن وإخراجها، وهي رسمت، كما يقول عنوان الفيلم، «بورتريه» ذاتياً عرضت من
خلاله لأفكارها الليبرالية عن الجنس والثقافة والمحرمات، حسب الموروث
المجتمعي والتناقضات الشخصية التي وقعت فيها، نتيجة نشأتها في كنف عائلة
متشددة دينياً، ودراستها في الجامعة الأميركية التي جعلت البعض ينظر إليها
بوصفها ربيبة «الاستعمار الثقافي»، وإلى جسدها بأنه «حرام» وإلى شكلها بأنه
«غريب»، ربما لأنها مُصرة على ألا ترتدي الحجاب، الأمر الذي جعلها تشعر
بالراحة في شوارع أميركا بأكثر مما تجدها في بلدها مصر، حسب تأكيدها، وتؤمن
أنها «خليط ثقافي غريب». ولفرط الإعجاب برؤية «عليا» منحت لجنة تحكيم
مسابقة الأفلام التسجيلية الطويلة والقصيرة جائزتها لفيلم «بورتريه شخصي».
لم يخل الحدث من اجتهادات ملحوظة، سواء في اللغة السينمائية أو الرؤية
الفكرية، كما رأينا في الفيلم الروائي القصير «زكريا» (14 دقيقة/ 2012)
الذي استلهم مخرجه عماد ماهر أحداثه من «أحلام فترة النقاهة» للكاتب الكبير
نجيب محفوظ (شاب ممنوع بتعليمات الأطباء من تناول الدجاج وإلا تعرض للموت
ويلتزم بتنفيذ الأوامر حرفياً لكنه يموت) غير أن المخرج تعامل مع القضية
بجدية لا تُحتمل، وتخلى عن الطرافة فيها فاتسم الفيلم بشيء من التجهم
والكثير من العبوس!
ينطبق الأمر نفسه على فيلم التحريك «اسكتشاتي بتاكلني» (3 دقائق/
2012) إخراج نور أبيض؛ ففكرة الفيلم العبقرية (فنان شاب تتملكه الحيرة في
العثور على فكرة «اسكتش» جديد، ومع توالي الوقت وكثرة الأوراق الممزقة، يجد
نفسه غارقاً في كومة الأفكار المرفوضة التي ابتلعته) تتعرض لإساءة بالغة
بفعل العنوان غير اللائق للفيلم، والذي يُنظر إليه في الشارع المصري بوصفه
خادشاً للحياء، بينما يطرح الفيلم مضموناً غاية في الطرافة وخفة الظل!
اختتمت الدورة السادسة عشرة لمهرجان الإسماعيلية الدولي للأفلام
التسجيلية والقصيرة أعمالها، ولم يكن أكثر الناس تفاؤلاً يتصور أنها ستنطلق
أو تفتح أبوابها، في ظل الظروف العصيبة التي تمر بها مصر، ومع خروج الدورة
إلى بر الأمان تجدد الأمل في جيل واعد قدم نفسه، وكشف عن موهبته، وطمأننا
جميعاً على أن مستقبلاً جميلاً ينتظرنا.. ويبتسم في وجوهنا.
الجريدة الكويتية في
21/06/2013
المخرجون الجدد يغامرون بأفلامهم في الصيف
كتب الخبر: فايزة
هنداوي
منذ أسابيع قليلة، عرضت السينمات المصرية أول أفلام المخرجة نادين خان
«هرج ومرج»، و{عشم» أول أعمال المخرجة الشابة ماجي مرجان، والفيلمان
يشتركان في أنهما من الأفلام ذات الميزانية القليلة، وينتميان إلى نوعية
مختلفة عن السينما المصرية السائدة.
فهل يمكن لهذه النوعية من الأفلام أن تحقق النجاح على رغم أن ملصقاتها
لا تتصدرها نجوم لها ثقلها مثل «تتح» و{سمير أبو النيل»؟
يقول منتج «عشم» محمد حفظي إنه لم يفكر في الإيرادات عندما قرر طرح
الفيلم، ذلك لأن الوضع الراهن متوتر والظروف غير مستقرة مع اقتراب 30 يونيو
الموعد المحدد للقيام بالتظاهرات الرافضة لحكم «الإخوان»، إلا أنه لم يتمكن
من تأجيله أكثر من ذلك، بوصفه التوقيت الأنسب للعرض من وجهة نظره كمنتج
للفيلم، مشيراً إلى أن «عشم» من نوعية الأفلام التي لا تحقق إيرادات كبيرة،
فهو ليس عملاً تجارياً بالمعنى المعروف، لذلك فإنه يعرض في خمس دور عرض فقط.
وعن سبب طرحه الفيلم، يرى حفظي أنه ما دام أنتج «عشم» فلا بد من عرضه
كي يشاهده الراغبون في ذلك، مؤكداً أن ثمة الكثير من الأفلام التي ينتجها
من دون أن يهدف من ورائها إلى الربح، فهو ينتج السينما التي يؤمن بها
والمقتنع أنها ستعيش سنين طويلة عن طريق التوزيع الخارجي والإيرادات
والأقراص المدمجة والقنوات التلفزيونية.
بدورها تؤكد مخرجة «عشم» ماجي مرجان أنها لا تملك الخبرة والدراية
بمواعيد عروض الأفلام، وترى أن عملها ليس من الأفلام الفنية الصعبة التي
ينفر منها الجمهور، فهو فيلم خفيف يمكن أن يجذب نسبة جيدة من الجمهور، إلا
أنها كانت تتمنى أن يعرض في صالات عدة.
ماجي تتفق مع حفظي في أن الأفلام لا يتم تقييمها بعدد النسخ أو
الإيرادات، ولكن الأفلام الجيدة تعيش في ذاكرة السينما وعبر التوزيع
الخارجي والقنوات التلفزيونية.
10
جنيهات
الناقد طارق الشناوي يرى أن الأفلام ذات الميزانية القليلة والخالية
من النجوم لن تحقق إيرادات حتى لو عرضت في وقت آخر، ذلك لأنها أفلام ليست
جماهيرية والمتفرج العادي لم يعتد بعد الذهاب إلى دور العرض لمشاهدة أفلام
من دون نجوم، لذلك فإن منتجي هذه الأفلام وموزعيها عليهم التفكير بشكل جديد
ومختلف لتعزيز جمهورهم من خلال طرق متنوعة، من بينها على سبيل المثال تخصيص
حفلات بعشرة جنيهات فقط بدلاً من 30 و40 جنيهاً، لأن الجمهور الذي يدفع هذه
الأموال لا يمكن أن يغامر بمشاهدة فيلم لممثلين غير معروفين، أما تخفيض
قيمة تذكرة السينما فإنه سيصنع جمهوراً جديداً مثل طلاب الجامعة الذين قد
يقبلون على هذه الأفلام.
ويرى الشناوي أن مخرجي هذه الأفلام عليهم أيضاً مراجعة أنفسهم لمعرفة
أسباب نفور الجمهور من أفلامهم، الذي قد يعود لأسلوب السرد السينمائي مثل
فيلم «الشتا اللي فات» لإبراهيم البطوط وعمرو واكد، الذي جاء معقداً فأرهق
الجمهور، وجعله ينصرف عن مشاهدة الفيلم.
في السياق نفسه، استنكر المنتج والموزع محمد حسن رمزي طرح أفلام
المخرجين الجدد ذات الميزانيات القليلة خلال موسم الصيف، مشيراً إلى خطورة
طرح تلك الأفلام تجارياً من دون أي دعاية، لأن ذلك سيتسبب بأزمات متعددة
للصناعة.
أضاف رمزي أن أي منتج لفيلم تجاري يتخوف من طرحه راهناً، وذلك بسبب
الأحداث السياسية الراهنة، إضافة إلى اقتراب شهر رمضان. بالتالي، فإن فكرة
طرح أي فيلم تجارياً مجازفة كبرى. أما منتجو هذه الأفلام فواضح أنهم لا
يهدفون من ورائها إلى الربح المادي، لذلك لم يهتموا لتوقيت العرض، خصوصاً
أن جمهور موسم الصيف معروف أنه يبحث عن الأفلام الكوميدية والخفيفة أو التي
يشارك فيها نجوم كبار ولا يقبل على الأفلام الفنية ذات الميزانيات الضعيفة.
الجريدة الكويتية في
21/06/2013
الرجال الآليون... مثل البشر؟
كتب الخبر: إميلي
مونسون
في مختبر يقبع في زاوية بعيدة من حرم جامعة كورنيل، يشهد الرجال
الآليون الذين ابتكرهم هود ليبسون تطوراً لافتاً. سبق أن خرجت الكائنات
الاصطناعية التي ابتكرها ليبسون من العالم الافتراضي، واليوم يريد أن
يجعلها خارجة عن السيطرة.
أنتج هود ليبسون منذ سنوات إنساناً آلياً ذاتي الإدراك يستطيع جمع
معلومات عن نفسه أثناء تعلّمه السير. مثل شخصيات فيلم
Toy Story، يجلس في حجرة في المختبر ويحيط به نجوم آخرون
سبق وأنتجهم المختبر. نجد هناك مجموعة من مكعبات منظمة تتخذ شكل صليب
يتراوح بين مكعبات الأطفال ونموذج الغضروف الذي يمكن رؤيته عند اختصاصي
تقويم العظام (سُلّط الضوء على هذه الأداة الغريبة الشكل في عام 2005
باعتبارها أول إنسان آلي ذاتي التكاثر في العالم). نجد أيضاً غرفاً مليئة
بمنحوتات بلاستيكية غريبة الشكل، بما في ذلك بعض قطع الشطرنج التي كانت من
إنتاج طابعة ثلاثية الأبعاد في المختبر.
في عام 2006، كان مختبر ليبسون للآلات المبتكرة أول من أنتج Fab@home،
وهي طابعة ثلاثية الأبعاد قليلة الكلفة وذاتية الصنع ويمكن أن تصبح بمتناول
كل من يتّصل بشبكة الإنترنت. عند توافر 2500 دولار تقريباً وبعض المهارات
التقنية، يمكن صنع آلة والبدء بطباعة أغراض ثلاثية الأبعاد: غلاف لجهاز «أيبود»
مصنوع من السيليكون، أزهار من الجليد، بيت دمية من برش الجبنة. خلال سنة،
تلقى موقع Fab@home 17
مليون مشروع ناجح وفاز بجائزة إنجاز السنة لعام 2007 من مجلة
Popular Mechanics.
لكن كانت الطابعة فعلياً مجرد مشروع جانبي يهدف إلى تصنيع جميع
القطع اللازمة لإنتاج الإنسان الآلي الذاتي التكاثر. يشبه الرجال الآليون
وقطع الطابعات الثلاثية الأبعاد التي تحتل غرف المختبر المواد الأحفورية
التي طبعت التاريخ التطوري لنوع جديد من الكائنات. أوضح ليبسون: «أريد أن
أطور كياناً حياً من البلاستيك والأسلاك والمواد الجامدة».
مزج البيولوجيا والتكنولوجيا
خلال اللقاء الأول، بدا وكأنّ ليبسون خليط من سيث روغن وشخصية
فرانكشتاين الشاب التي مثّلها جين وايلدر (لكن من دون الشعر الأشقر
والأشعث). رجل فضولي على نحو إيجابي وحيوي. لا يمكن الإغفال عن رغبته
الجارفة في فهم سر استمرارية الحياة. لكن كان ليبسون يدرك المخاطر المطروحة
أثناء سعيه إلى ابتكار آلة ذاتية التجميع والإدراك تستطيع الخروج من
مختبره. في زاوية مكتبه، نجد صندوقاً من النسخ الجديدة لكتاب «خارج السيطرة»
(Out of Control)
بقلم كيفن كيلي. نُشر الكتاب للمرة الأولى في عام 1994 حين كان
كيلي رئيس التحرير التنفيذي في مجلة
Wired، وهو يتطرق إلى المزج الوشيك بين عوالم
البيولوجيا والتكنولوجيا («المخلوق والمصنوع») واستحالة توقع حدث مماثل.
قال ليبسون: «حين يبدي أحد رغبته في نيل شهادة دكتوراه في هذا المختبر،
أعطيه هذا الكتاب قبل أن يلتزم بالمشروع. بقدر ما نحن عباقرة في مجال
الهندسة، لا مفر من أن يخرج المشروع عن السيطرة في مرحلة لاحقة. كلما توسّع
هامش الأتمتة، لا نعود نعرف ما ستكون النتيجة النهائية».
شعر ليبسون برغبة جارفة في صياغة نظام حلول حسابية قابل للتطور بهدف
تصنيع رجال آليين في عام 1998 حين كان يعمل مع جوردن بولاك، أستاذ في علم
الحاسوب في جامعة برانديز في ماساتشوستس. أوضح ليبسون:
«كتبنا نظاماً بسيطاً من عشرة أسطر وشغّلناه عبر جهاز لمحاكاة الألعاب
يستطيع تجميع تلك القطع واختبارها، ثم أدخلناه إلى حاسوب كبير وانتظرنا
أسبوعاً. في البداية لم يحدث شيء. حصلنا على كومة من الخردة، ثم حصلنا على
آلات جميلة لها أشكال جنونية. لكننا حصلنا في نهاية المطاف على محرك متصل
بسلك، ما أدى إلى ذبذبة المحرك. ثم قدمت قطعة خردة متذبذبة أداء أفضل من
غيرها... فحصلنا في النهاية على آلات زاحفة. ابتكر نظام الحلول الحسابية
التطوري تصميماً ومخططات تتماشى مع الإنسان الآلي. لاحقاً، انتقل الكائن
المحوسب من العالم الافتراضي إلى عالمنا الحقيقي بواسطة طابعة ثلاثية
الأبعاد، ثم خطا خطواته الأولى. انتشرت القصة في عشرات المنشورات، بدءاً من
«نيويورك تايمز» وصولاً إلى مجلة «تايم». في نوفمبر 2000، عنونت مجلة Scientific American: «فجر جنس جديد؟ هل يعكس تنظيم القضبان والأسلاك بهذه الطريقة ما يوازي
الخلية البدائية للآلات في العالم؟». ليس تحديداً: لا يزال الإنسان الآلي
الذي ابتكره ليبسون يعجز عن العمل من دون تدخل البشر. أخبرني ليبسون:
«اضطررنا إلى دس البطارية، لكنها كانت المرة الأولى التي ينتج فيها التطور
رجالاً آليين ملموسين. كان الأمر أشبه بنهاية العالم. في النهاية، أريد أن
أطبع الأسلاك والبطاريات وكل شيء. ثم ستزداد حرية التطور. لن يبقى التطور
محصوراً».
علاقات طفيلية
في أواخر الأربعينيات، أي قبل خمسة عقود تقريباً من ظهور أول إنسان
آلي تطور بطريقة محوسبة على يد ليبسون، كان علماء الفيزياء وعباقرة
الرياضيات وعلماء الحواسيب البارزون في معهد الدراسات المتقدمة في جامعة
برنستون يضعون اللمسات الأخيرة على إحدى أوائل الآلات المحوسبة الرقمية في
العالم: «محلل رياضي، مُوحّد عددي، حاسوب» أو
MANIAC.
كان المصطلح مناسباً فعلاً: كانت أولى مهمّات الحواسيب في عام 1952
تقضي بتطوير إمكانات البشر لإحداث دمار كبير عبر المساهمة في تصنيع القنبلة
الهيدروجينية. لكن داخل تلك الآلة نفسها التي كانت تتقاسم وقت التشغيل مع
حسابات التدمير، بدأ يتشكّل نوع جديد من الكائنات العددية. مثل فيروسات
الإنفلونزا، تتضاعف وتتحول وتتنافس وتدخل في علاقات طفيلية. كذلك تتطور
خلال ثوانٍ.
كانت تلك الكائنات التكافلية المزعومة، أي الكيانات الذاتية التكاثر
التي تتمثل بشفرة ثنائية، وليدة أفكار عالِم الفيروسات النروجي الإيطالي
نيلس باريتشيلي. أراد الأخير مراقبة مسار التطور، وفي تلك الأيام التي سبقت
ظهور الجينوم وفرت آلة MANIAC
فرصة نادرة لاختبار العملية التطورية ومراقبتها. في هذا السياق، كتب مؤرخ
التكنولوجيا الأميركي جورج دايسون في كتاب «كاتدرائية تورينغ» (2012) أن
الحاسوب الجديد كُلّف بحل مشكلتين: «كيفية تدمير الحياة بالشكل الذي نعرفه،
وكيفية بث الحياة بأشكال غير معروفة». اضطر باريتشيلي إلى دس عالمه العددي
بين حسابات القنابل، فكان يعمل بعد منتصف الليل لتسجيل التاريخ التطوري
لكائناته العددية على مجموعة من بطاقات تدوين البيانات.
لكن يعتبر ليبسون أن بعض الرجال الآليين الذين ابتكرهم أصبحوا أحياء
بالمعنى البدائي للكلمة: «ما من شيء أسود أو أبيض أكثر من الحياة أو الموت».
تماماً مثل الحمض النووي، يمكن أن يتغير الرمز الذي حدده باريتشيلي.
لكن خطر على باله بعض الأفكار غير المألوفة عن طريقة تفعيل التطور.
بالإضافة إلى التحولات البسيطة، كان مقتنعاً بأن التطور يحرز تقدماً عبر
العلاقات التكافلية والطفيلية بين كيانات تشبه الفيروسات، وإلا لن يكون
التقدم سريعاً بما يكفي. ربما ظن أن الخلايا نفسها ظهرت في البداية حين
بدأت الكائنات التي تشبه الفيروسات تتداخل في ما بينها مثل قطع الليغو. كتب
باريتشيلي: «وفق نظرية النشوء التكافلي، انطلقت عملية التطور التي أدت إلى
تشكّل الخلية عبر رابط تكافلي بين كائنات عدة تشبه الفيروسات».
حتى الآن، لا يبدو أن الأمور اتبعت هذا المسار. يظن بعض الباحثين أن
الفيروسات ظهرت بعد الخلايا. لكن لم يكن بعض نتائج باريتشيلي خاطئة
بالكامل. حالما اخترق آلة MANIAC، مرت بضع دقائق قبل أن يمتلئ العالم الرقمي بكائنات عددية تتكاثر
وتمارس «جنساً رقمياً» وتصلح الأضرار «الجينية» وتنقل الطفيليات في ما
بينها. حين افتقرت الكائنات إلى التحديات البيئية أو الضغوط الانتقائية،
دخلت في مرحلة من الجمود. في حالات أخرى، أدت طفيليات ناجحة جداً إلى
انتشار دمار واسع. إن أنماط السلوك هذه نموذجية عند الكائنات الحية، بدءاً
من أبسط الخلايا وصولاً إلى البشر.
تبادل جيني
كان شكل تجربة المحاكاة بشكل عام يتماشى مع شكل الحياة وقد ذكّرنا
بالفيروسات تحديداً. من المعروف أن الفيروسات طفيلية بطبيعتها: فهي
تكافلية، ما يعني أنها تحتاج إلى الاستيلاء على الخلايا الحية في كائنات
أخرى كي تتكاثر. عند تحليلها وحدها، يتبين أنها لا تختلف كثيراً عن الآليات
البسيطة للحمض النووي أو الحمض النووي الريبي المحاط بغطاء بروتيني. ومثل
جميع الكائنات الحية، تتحول الفيروسات حتماً خلال مرحلة التكاثر. لكنها
تنخرط أيضاً في بعض عمليات التبادل الجيني. فيما تدخل وتخرج من الخلايا
المضيفة، قد تسرق جينات مضيفة أو تترك جيناتها الخاصة وراءها (وفق بعض
التقديرات، يصل 8% من الجينوم البشري إلينا عن طريق الفيروسات). حتى أن
بعضها يستبدل أجزاء جينية بفيروسات أخرى، ما يسرّع العملية بنسبة معينة.
عندما يتطور فيروس الإنفلونزا عبر عملية بسيطة من التحول والانتقاء،
تُسمى العملية «انجراف المستضدات». في كل خريف، يقرر الناس تلقي لقاح
الإنفلونزا السنوي بسبب ذلك «الانجراف» بشكل أساسي. لكن بين فترة وأخرى،
يقوم فيروس الإنفلونزا «أ» بقفزة تطورية، فيستبدل جزءاً كبيراً من الجينوم
بنوع مختلف جداً ويخوض ما يُسمى «تغير المستضدات». غالباً ما تكون فيروسات
الإنفلونزا التي نخشاها كثيراً (السلالات الوبائية غير المألوفة) نتيجة
تغيرات مماثلة. يُقال إن فيروس إنفلونزا الطيور الجديد
(H7N9)
خاض عملية «تغير المستضدات»، فاستطاع بذلك نقل العدوى إلى البشر. حتى
الآن، أصاب الفيروس 132 شخصاً وقتل 39 في الصين. لاختيار مثال أوضح، يمكن
التحدث عن الإنفلونزا الآسيوية في عام 1957، فقد نجمت بدورها عن «تغير
المستضدات» وقضت على حياة مليون إلى أربعة ملايين شخص عالمياً. تستبدل
برامج الحواسيب القابلة للتطور أيضاً رموزها فيما تخوض عملية تكاثر حسابية.
كما يحصل مع الفيروسات، تتحسن نزعة البرنامج إلى التطور بفضل القدرة على
تطبيق تلك التبادلات.
لكن رغم اقتراب كائنات باريتشيلي الرقمية من نظيراتها الحقيقية، إلا
أنها تبقى مجرد رموز عددية: تتسم بتركيب وراثي معين لكن من دون نمط ظاهري،
وما من خصائص جسدية كي يخترقها التطور. تتعلق الحياة على كوكب الأرض
بالأدوات التي تحل المشاكل (القدرة على كسر حبة جوز قاسية، القدرة على هضم
الحليب، ساق آلية يمكن أن تخطو خطوة في الاتجاه المناسب). تؤثر عملية
الانتقاء الطبيعي على المعدات بينما يتولى البرنامج (سواء عبر الحمض النووي
أو الرمز الرقمي) تسجيل النقاط. ربما تصرفت الكائنات التي ابتكرها
باريتشيلي مثل الكائنات الحية، لكنها لم تخرج يوماً من الحاسوب ولم تحصل
مطلقاً على فرصة الوصول إلى العالم الخارجي.
لن يُجمع كثيرون على جمال الكائنات المصنوعة من البلاستيك والأسلاك
والمعادن. لكنّ رؤيتها وهي تتجول على أرض المختبر أو تتلوى وتتحرك حين
تلتقط الكتل وتتكاثر بنفسها تذكّرني بجمال التطور والحياة المتحركة. أكثر
ما يلفت النظر شكل الرجال الآليين الحيويين الذين طورهم فريق من الطلاب
والمساعدين. صحيح أنهم لم يخرجوا من الحاسوب بعد، لكن يمكن أن نشاهد كيف
يتطور مكعب روبيك متحرك ومصنوع من «عضل» و»عظم» و»نسيج ناعم» ليتحول إلى
سيقان ويتجول بكل حيوية على الشاشة.
يمكن أن نتخيل اصطفاف نسخ الألعاب الإلكترونية التي ابتكرها ليبسون
على رفوف متاجر الألعاب، أو حتى في وكالة الاستخبارات المركزية، لكن سيكون
هدفها أكثر أهمية حتماً. مثل باريتشيلي، يأمل ليبسون أن ينير طريق التطور.
في الفترة الأخيرة، طرح فريقه بعض الأفكار عن مفهوم النمطية (أي الظاهرة
المثيرة للفضول حيث تتألف الأنظمة البيولوجية من وحدات وظيفية منفصلة تشبه
شبكات أدمغة الثدييات المقسّمة). من المعروف أن هذه الخاصية تسهّل التكيف
السريع في الحياة المبنية على الحمض النووي. أخبرني ليبسون: «اكتشفنا نوع
الضغط التطوري الذي يجعل الأمور نمطية. يصعب التأكد من ذلك في عالم
البيولوجيا. غالباً ما يقول علماء البيولوجيا: «لا نصدق هذه الأمور
المحوسبة. ما لم تثبتوا ذلك بمعطيات بيولوجية حقيقية، سيبقى الأمر مجرد
كلام في الهواء».
حياة جديدة
صحيح أن نتائج «مختبر الآلات المبتكرة» تُعتبر مثيرة للاهتمام، لكنها
مجرد خطوات صغيرة على الطريق التي تقود إلى حياة جديدة. لطالما تساءل
باريتشيلي عما إذا كانت كائناته الخاصة حية، مشدداً على استحالة اعتبارها
كياناً معيناً واحداً حتى ظهور تعريف واضح لمعنى الحياة. لكن يصر ليبسون
على أن بعض رجاله الآليين أحياء بالمعنى البدائي للكلمة: «ما من شيء أسود
أو أبيض أكثر من الحياة والموت. لكن في العمق، ليس الأمر بسيطاً إذ تكثر
المناطق الرمادية الكامنة».
أطلعتُ أصدقائي على عدد من هذه التطورات، وبعدما تجاوزوا انبهارهم
الأولي بهذه الأخبار بدأوا يشعرون بالقلق. فسألوا: «ما الذي يدفع أي شخص
إلى فعل ذلك؟». ليس لدينا خبرة حقيقية مع أشكال الحياة الجديدة، لا سيما
النوع الإلكتروني، مع أنها تفيض في الكتب وعلى الشاشات. لنفكر مثلاً
بالحاسوب القاتل HAL
الذي ابتكره الكاتب آرثر سي كلارك أو الحواسيب التي خرجت عن السيطرة في
مسلسلBattlestar
Galactica (وهي
حواسيب صُنعت لتخدم البشر ولكنها تطورت لتدمر من صنعها). كلما زاد شبه
الآلات بنا، ستصبح مخيفة وأكثر خطورة.
لكننا لا نخشى على الأرجح ابتكار حياة جديدة بقدر ما نخاف من احتمال
ظهور سلوكيات غير متوقعة. لا شك في أن التطور يترافق مع هذا الاحتمال.
لنفكر مثلاً بالفيروسات: مثل الآلات التي ابتكرها ليبسون، تعيش تلك
الكائنات في المنطقة الرمادية الواقعة بين الحياة والموت ولكنها من أسرع
الكيانات تطوراً على الكوكب. كذلك تتمتع بأقوى قدرة تدميرية. قتلت
الإنفلونزا الإسبانية في عام 1918 حوالى 50 مليون شخص ويخشى بعض العلماء أن
يكون نشوء نوع معين من فيروس تدميري مسألة وقت. وفق وجهة النظر هذه، لا يهم
إذا كان الفيروس حياً أو ميتاً. المهم أن يكون قابلاً للتطور وغير متوقع.
*إميلي مونوسون هي خبيرة في علم السموم البيئية في جامعة ماساتشوستس في
أمهيرست ومؤلفة كتاب «التطور في عالم سام»
(Evolution in a Toxic World).
تكاثر منضبط
يتوقف تعريف الحياة على الكتب التي نقرأها، لكن ثمة إجماع علمي على
بعض المعايير الأساسية. تنخرط الكائنات الحية في نشاط أيضي. تراها منضبطة
بمعنى أنها تستطيع إبقاء مادتها الجينية منفصلة عن المواد المجاورة. كذلك
تتكاثر ولديها القدرة على التكيّف أو التطور. تتحدد خصائصها وفق رموز معينة
تكون موروثة. قد يلبي الرجال الآليون في «مختبر الآلات المبتكرة» عدداً من
معايير الحياة لكنهم ليسوا مستقلين بالكامل (ليس بعد على الأقل). يحتاجون
حتى الآن إلى مساعدة البشر كي يتكاثروا ويكسبوا القوة. لكن تبقى هذه
العقبات عابرة ويمكن حلها في وقت قريب (ربما عن طريق الطابعة الثلاثية
الأبعاد، ومخزون جاهز من المواد الخام، ويد بشرية لإطلاق عملية التبديل في
الوقت المناسب). بعد ذلك، سيتوقف على الفلاسفة أن يقرروا مدى صوابية منح
الرجال الآليين شهادات ولادة.
خوف من التطور
يصبح الوضع مخيفاً في هذه المرحلة تحديداً. إذا كانت الفيروسات تستطيع
التطور خلال ساعات، فإن رمز الحاسوب يستطيع التطور خلال جزء من الثانية.
الفيروسات غبية لكنّ الحواسيب مزودة بمعالِجات قد تتجاوز ذكاء الدماغ
البشري في أحد الأيام (قد يقول البعض إنها تفوقت عليه منذ الآن). إذا أردنا
أخذ المجازفة ومنح الآلات «هذا الهامش من الحرية»، بحسب كلمات ليبسون، فيجب
أن يكون السبب مقنعاً. في كتاب «خارج السيطرة»
(Out of Control)، يطرح كيلي سبباً محتملاً: ربما أصبح
العالم مكاناً معقداً جداً لدرجة أننا لم نعد نملك أي خيار آخر عدا المزج
بين البيولوجيا والتكنولوجيا. من دون فعل ذلك، ستبقى المشاكل التي نواجهها
صعبة جداً كي تحلّها أدمغتنا البشرية. يتحدث كيلي عن صفقة تشبه بيع الذات
للشيطان: «العالم المصنوع سيشبه قريباً العالم المخلوق: سيكون مستقلاً
وتكيّفياً ومبتكراً لكنه سيخرج عن السيطرة في المرحلة اللاحقة. أظن أن
المجازفة كبيرة».
وفق ليبسون، يعكس النظام القابل للتطور «أعلى درجات الذكاء الاصطناعي،
ما يعني أنه يحمل معنى مزدوجاً. هو قوي فعلاً. نحن نكتفي بإعطائه الطاقة
وقوة الحوسبة. إنه أمر مخيف وواعد في آن». منذ أكثر من 60 سنة، ظهرت آلة MANIAC «لحل
ما ليس له حل». ماذا لو كانت حلول بعض المشاكل المعاصرة تتطلب تطور الذكاء
الاصطناعي بما يتجاوز كل ما نستطيع تصميمه بأنفسنا؟ هل يمكن أن يساعد
البرنامج القابل للتطور على توقع نشوء فيروسات إنفلونزا جديدة أو تحديد
آثار التغيير المناخي؟ هل يمكن أن يصنع آلات أكثر فاعلية؟ وفور ظهور إنسان
آلي مستقل وقابل للتطور، إلى متى سينتظر خلفاؤه (على افتراض أنهم يكنّون
لنا مشاعر حسنة) قبل أن يتوجهوا مجدداً إلى مختبر ليبسون حيث نشأ أسلافهم
من مجموعة أسلاك ومواد بلاستيكية قبل أن يخطوا خطواتهم الأولى على كوكب
الأرض؟
الجريدة الكويتية في
21/06/2013 |