تعيش مصر الآن لحظة تاريخية فارقة وهى على مشارف الموجة الثانية
الكبرى من الثورة التى يحاول فيها الشعب المصرى بكل طوائفه وأطيافه
استردادها من عصابة دولة الاستبداد والقمع والإقصاء المتدثرة -زيفاً- برداء
الدين والتى انقضَّت على ثورته، وأجّلَت أحلام المصريين وآمالهم فى الحرية
والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، واستبدلت نظاماً فاسداً مستبداً
بنظام أكثر استبداداً وفساداً وعنفاً ودموية.
من هنا كان من المناسب تماماً أن تنظم لجنة السينما بالمجلس الأعلى
للثقافة حلقة بحثية تحت عنوان «السينما والثورة» تناقش علاقة السينما
بالثورة/ الثورات، شارك فيها عدد من الباحثين والنقاد بمجموعة أبحاث تضمنها
الكتاب الذى أصدره المجلس بعنوان «السينما والثورة» بمقدمة ضافية للناقد
الدكتور ناجى فوزى الذى قدم عرضاً موجزاً ووافياً للأبحاث مع بيان أوجه
الاتفاق والاختلاف بين الآراء والرؤى فيما بينها.
فى مبحثه الهام عن «الثورة وقادتها على شاشة السينما» ركّز الدكتور
حسن عطية على دور السينما فى التأثير على الوعى، فهى «تحمل خلف سطحها
المبهر جمالياً أيدولوجية صنّاع أفلامها، ويتخلل عبر صُوَرِها الكثير من
الأفكار التى قد تفوق فى أهميتها وخطورتها ما هو معلن على لسان الشخصيات أو
ما تكشف عنه وقائع الفيلم».. ثم يحدد مفهوم الثورة بأنه ذلك الفعل الذى
«يسعى للتغيير الجذرى فى بنية الدولة ونظام الحكم فيها، بإحداث مجموعة من
التغييرات الاقتصادية والاجتماعية والفكرية عقب وصول صنّاعه لسلطة الحكم»..
ويردف: «أما نتائجه الفعلية فقد يجنيها الثوار صناع هذا الفعل، أو يجنيها
من عرفوا كيفية سرقته والانحراف به» (!!).
إلى جانب بحث د. حسن عطية، هناك بحثان عن «السينما المصرية والثورة»
للناقدين أحمد عبدالعال وعصام زكريا، وستة أبحاث أخرى تناولت علاقة السينما
بالثورات فى العالم للنقاد والباحثين ضياء حسنى (الثورة الفرنسية) ومحسن
ويفى (الثورة فى أفريقيا) وأسامة عبدالفتاح (الثورة الأمريكية) ونادر رفاعى
(الثورة فى روسيا) وعاطف فتحى (صورة الثورة فى السينما البريطانية) وآخرها
بحث د. أريج البدراوى عن (المرأة بين الواقع الثورى والتجسيد السينمائى).
والأبحاث التسعة -مع التعقيبات الواعية والذكية للدكاترة شاكر عبدالحميد
ومحمد كامل القليوبى ووائل غالى- كلها تحمل جهداً لافتاً واجتهاداً ملحوظاً
ومشكوراً من كاتبيها، غير أن الكتاب خلا من دراسة خاصة عن السينما المصرية
وثورة يوليو تحديداً، وهو ما اضطر د. ناجى فوزى فى مقدمته أن يرجع،
ويُرْجعنا معه، إلى الدراسة القيِّمة للدكتور القليوبى المعنونة «السينما
المصرية وثورة يوليو.. صراع الاحتواء بين السينما والثورة»، وهو ما جعل
القليوبى -فى تعقيبه- يختلف بالضرورة مع قراءة أحمد عبدالعال «المغايرة»
للسينما والثورة فى مصر التى يقرر فيها أن علاقة السينما بالمصريين كانت
منذ بداياتها «علاقة حيادية بين طرفين» ويرجع ذلك إلى ما أسماه المزاج
الجمعى للمصريين الذى يفضّل الغناء والموسيقى والرقص والفكاهة، ولهذا فإنه
يرى أن السينما المصرية لم تكن مؤهلة إلا للاتجار فى أوقات الفراغ.. وللأسف
فإن الإسهاب والجهد الزائد والانغماس الكامل فى تحليل الظروف السياسية
والاجتماعية فى مصر منذ الثورة العرابية قد حال بين الباحث وتفسير ماهية
العلاقة بين السينما والثورة فى مصر بل وتجاهل السينما المصرية بصنّاعها
وأفلامها!
ربما كان بحث الناقد النابه عصام زكريا عن «السينما وثورة ٢٥ يناير»
هو الأكثر جدّة واقتراباً من الواقع الآنى، حيث يتناول رصداً ونقداً
وتحليلاً للأفلام (وثائقية وروائية طويلة وقصيرة مصرية وأجنبية) التى تصدت
للتعبير عن هذا الحدث التاريخى أو لتوثيق أحداث تلك الأيام المجيدة فى
تاريخ الشعب المصرى، مُنطلقاً من وعيه بأن الثورة ما زالت فى طور الاكتمال
وأنه من الصعب، حالياً، تناولها فنياً، ويخلُص فى مجال السينما الوثائقية
إلى أن قناة الجزيرة بإمكاناتها المادية والفنية كان لها النصيب الأكبر فى
إنتاج العديد من الأعمال التى تابعت أحداث الثورة زمانياً ومكانياً، كما
يشير البحث إلى إسهامات قناة العربية وقناة BBC
والتليفزيون المصرى وصحيفتى الشروق والمصرى اليوم وبأسف لغياب هيئة
الاستعلامات والمركز القومى للسينما عن ساحة الثورة، مؤكداً أن هذه الجهات
«أثبتت خصومتها للثورة وولاءها المطلق للنظام المخلوع».. ويكمل: «ومن
المذهل أن نعرف أن كلتا الهيئتين لم ترسل كاميراتها إلى الميادين لترصد أهم
حدث فى تاريخ مصر الحديث».
فى مجال الأفلام الروائية المصرية يكشف عصام زكريا عن تلك الأفلام
التى كانت جاهزة للعرض، وحين فاجأتها الثورة أضافت بعض مشاهدها فى نهاياتها
(صرخة نملة / الفاجومى)، وعن ضعف مستوى «تك تك بوم» لمحمد سعد و«حظ سعيد»
لأحمد عيد. ويأخذ الباحث على فيلم «بعد الموقعة» ليسرى نصر الله أن الثورة
نفسها ليست فى الفيلم، كما تسود الفيلم حالة من الارتجال بسبب اللهاث وراء
الأحداث لم يستطع المخرج معالجتها فى المونتاج، ويقر الباحث بحق أى فنان فى
«أن يرى الجانب الذى يستهويه من الحكاية، ويسرى يختار لنا القلق والحيرة
والخوف من المستقبل، وهذا حقه، ولكن ينبغى لبناء الفيلم ألا يكون مرتبكاً
وسائلاً إلى هذه الدرجة».
من بين الأفلام الأجنبية التى تناولت الثورة، يرى عصام زكريا أن فيلم
«العودة للميدان» للمخرج بيتر بلوم هو أكثر الأفلام تعبيراً عن الواقع
والمزاج المصرى ما بعد ثورة يناير، كما يثنى على بناء الفيلم الدنماركى
«نصف ثورة» للمخرجيْن عمر الشرقاوى «فلسطينى دنماركى الجنسية» وكريم حكيم «مصرى
أمريكى الجنسية»، فالفيلم «يحقق العضوية بين العناصر: المضمون مع الشكل
والخط الرئيسى مع الخطوط الثانوية».
حلقة بحثية بالغة الأهمية فى توقيتها، ومجوعة أبحاث تتسم بالثراء
والتنوع، وإطلالة تبعث الأمل فى أفئدة كل الطامحين إلى استرداد ثورتهم
المختطفَة، فدرس التاريخ علّمنا، ويُعلّمنا أن الشعب حين يريد إسقاط نظام
فاسد.. فلا بد لهذا النظام -طَوْعاً.. أو كرْهاً- أن يستجيب.
«هرج
ومرج»
على أبوشادى
الأحد 23-06-2013
بدايةً لا بد من الإشادة بتلك الطزاجة والحيوية التى تُغلّف شريط «هرج
ومرج» أولى تجارب المخرجة الشابة نادين خان، إضافة إلى ما يتميز به من
جِدَّةٍ فى أسلوب السرد المختلف عن السائد والتقليدى، فالفيلم يبدأ من حيث
النهاية -مشهد جنازة مجهولة- وينتهى بلحظة البداية، متابعاً -مكانياً-
الأحداث التى تجرى فى مكان، مفترض، منعزل، أقرب إلى الجزر النائية و-زمانياً-
خلال أسبوع يبدأ من فجر الاثنين وحتى مساء الأحد ليأتى مشهد النهاية/
البداية، فجر ذات الاثنين فى بناءٍ دائرى، حرصت المخرجة أن يكون مغلقاً شأن
المكان، لتقترب، راصدة، دون تحليل، من الشخصيات التى اختارتها لتعبر من
خلالها عن رؤيتها للواقع المصرى، وربما غير المصرى الذى يمر بنفس الظروف،
عبر مجموعة من الأحداث التى تُشكّل فى نهايتها لوحة لذلك المجتمع الافتراضى
الذى يَتَشبَّه بالواقع، وإن لم يُشْبُهه، فى كثير من مناطق المجتمع المصرى
المعزولة، التى لا يربطها بالمجتمع الأم سوى ذلك الحبل السُرِّى من
الحاويات والمركبات القادمة حاملة بعض المؤن من غازٍ أو لحوم أو خضراوات
يتقاتل عليها الأهالى فى هرج ومرج وتزاحم بشكلٍ متكرر وكأنه سيناريو متفق
عليه بين الأهالى دون أن يهتم السيناريو بتوضيح مصدر تلك المؤن، وهل هى
معونات أو صَدَقات حيث تتم عملية التوزيع دون بيع أو شراء، فالفيلم لا
ينشغل بتفسير ذلك مثلما لم يكن بحاجة إلى تحديد المكان أو تبيان تاريخ
شخصياته التى قدّمها كحالات إنسانية تتحرك فى الحاضر دون التفات إلى
ماضيها، وهى تحاول مواصلة الحياة وبث الروح فى المكان الخامل الروتينى
الراكد الذى لا يقطعه سوى صوت الإذاعة مجهولة المصدر الأقرب إلى إذاعات
السجون، التى تنقل إلى الأهالى أخبارهم السعيدة أو التعيسة وتُضفى لمسة
كوميدية على الواقع البائس الذى يتغاضى فيه أفراده عن تجاوزات الحاج سيد
(بأداءٍ راسخ لصبرى عبدالمنعم) كبير المنطقة صاحب الكلمة والسطوة دون أن
يمتلك الرجل -كما قدّمه السيناريو- أى مقوّمات تؤهله لذلك، سواء من الناحية
البدنية أو المالية أو العمرية، فهو مجرد تاجر عجوز صاحب محلٍ للخردوات
والمشروبات والدخان، يقيم علاقة شبه معلنة مع أم هند «مريم سعيد صالح» وهى
امرأة بائسة زوجة رجلٍ عاطلٍ أصابه العطب الاقتصادى والبدنى، مما جعله
يتقبّل تلك العلاقة بخنوع واستسلام ما دامت توفِّر له الدخان، وهى علاقة
تمثل خطاً درامياً يتوازى مع سلوك ابنته الجميلة المراوغة «منال» بأداء طيب
لأيتن عامر التى تتلاعب بعواطف اثنين من شباب المكان.. زكى «بأداء واعد
لمحمد فراج» العاشق العصبى التائه والحائر بين حبه للفتاة وغيرته عليها،
والثانى منير «بأداء متوازن لرمزى لينر» الواثق الهادئ الذى يسعى لاختطاف
منال، بينما هى تستمتع بأن تكون محوراً لذلك الصراع المحتدم حولها وتعمل
على تأجيجه حين تقترب من هذا بقدر ابتعادها عن ذاك ويفوز بها فى النهاية من
يكسب مباراة فى كرة القدم، هى أقرب إلى مباريات صراع الدّيَكَة، وهى سعيدة
بكونها محل الرهان ومتواطئة كأبيها، وهى لم تخاطبه بتلك الصفة على مدى
الفيلم -الذى يقرر رعاية المباراة ليتكسَّبَ من ورائها غير عابئٍ بكونها
رهاناً على ابنته، بينما يُعلن «الكوتش» شريك زكى فى الچيم المتواضع
والمدرك لمدى تعلّق زكى بمنال، عدم رضائه عن إقامة المباراة التى تشهد لحظة
وفاته، بمجانية غريبة، لتشيّع جنازته فجر الاثنين/ مشهد البداية!
أسبوع كامل، تتوالى فيه الأيام والمواقيت من الاثنين إلى الاثنين، ومن
الفجر إلى الفجر، نتابع أحداثاً يومية تتكرر، وعلاقات ثابتة تدور حول نفسها
وشخصيات بلا جذور تصوِّر حالة بقدر ما تقترب من الواقع، فى الوقائع،
تتجاوزه عبر خيالٍ لا يفقد الواقع مذاقه ومصداقيته، بل يضيف إليه لمسة
سحرية ترتقى به قليلاً عن الواقعية الصارمة مقتربة من فانتازيا مُقيَّدة،
ومن ثم فإن سيناريو محمد ناصر على لا يحتاج إلى تاريخ شخصياته أو تفسير
سلوكها فهى هكذا، شخصيات متباينة تتقاتل سلمياً فى عالم افتراضى داخل مكان
أقرب إلى سجن بلا جدران.
«هرج ومرج» حالة فنية قد لا تخضع للتصنيفات الأكاديمية، بل هى محاولة
لتجاوزها من خلال خيالٍ لم يشأ أن يكون جامحاً حتى لا يُحلِّق فى الفراغ،
وواقعية تَتَأَبّى على المنظور الأكاديمى ولهذا قد تتعذر الإجابة -أو لا
ضرورة للإجابة- عن أسئلة مثل مَن هؤلاء؟ وأين هم؟ ولماذا يتصارعون؟..
وغيرها من الأسئلة التى تجاوزها السيناريو الذى نجحت المخرجة -وهى صاحبة
القصة- فى تجسيده، ببراعة تكشف عن تمكّن واضح من أدواتها الفنية، وقدرة على
إدارة ممثليها وتوجيههم، بحيث تظل تحكم أسلوبهم تلك اللمسة الواقعية
الممتزجة ببعض الغرائبية، ساعدها فى ذلك مدير التصوير النابه عبدالسلام
موسى، الذى حافظ، بحنكة وحكمة فنية، على ذلك اللوح الزجاجى الذى يفصلنا عن
الشخصيات ويمنع التماهى معها، ورغم تفاوت أزمنة الأحداث بين فجر وظهر
ومساء، فقد نجح فى أن تظل الإضاءة متناسبة مع تغيّرات الوقت، محافظاً على
الإطار الذى يسمح للمشاهد بالتأمل دون الانغماس أو التعاطف، كما استطاع -مع
المخرجة- متابعة لحظات الهرج والمرج وخَلْق جو أقرب إلى الأسطورى المشدود
إلى الواقع.. وأسهمت المونتيرة دينا عبدالمنعم فى توفير إيقاع خاص للفيلم،
يتناسب مع رتابة الحياة الظاهرية وما يمور بها تحت السطح وحالة الهرج
والتدافع والتزاحم المتكرر، وإن كان عليها أن تقلل من حجم الضوضاء والصخب
الزائد على شريط الصوت، والتى أثقلت على العمل فى بعض المواضع.
الفيلم -رغم أى ملاحظات أو تحفّظات- نموذج لسينما مصرية تسعى لارتياد
طريق جديد وتبحث عن صيغ إنتاجية وجمالية تتجاوز السائد والمألوف للتعبير عن
هموم وأشواق الإنسان المعاصر، مرتكزة على إنجازات سينمائيين كبار، عالمياً،
فى محاولة من جيلٍ شاب لأن يبعث الحياة فى هذه السينما ويحرك مياهها
الساكنة!!
«هرج ومرج» زهرةٌ ذات رائحة ذكيّة وإن لم تتفتَّح بكامل أوراقها بعد..
«المرأة..
والواقع فى السينما السورية»
على أبوشادى
الأحد 16-06-2013
وسط معاناة الشعب السورى الشقيق الذى يرزح تحت مطرقة نظام يصفه
معارضوه بالفساد والاستبداد وسندان قوى المعارضة الوطنية التى بدأت ثورية
تحاول اللحاق بما سُمّى الربيع العربى وانتهت فى أيدى جحافل التيارات
الإسلامية المتشددة، والمتعددة التى سَطَت، وقَضَت على آمال وتطلعات الثورة
السورية فى الحرية والديمقراطية.. وسط هذا الزخم من المعارك المحتدمة بين
الأطراف المتصارعة يظل شعبنا السورى يحمل بين جنباته جذوة النضال على مدى
تاريخه الطويل ضد كل قوى الشر والهيمنة، ويحاول أفراده الاستمساك بالأمل
والحفاظ على نبض الحياة وديمومتها من خلال عناصر ثقافته العريقة تأكيداً
لهويته وإصراراً على بقائها وحمايتها.
من هنا تأتى أهمية الدراسة المتميزة للناقدة والباحثة السينمائية
السورية لُمَى طيارة حول «صورة المرأة فى السينما السورية وعلاقتها
بالواقع» التى حَصُلَت بها على درجة الماچستير من معهد البحوث العربية
بالقاهرة، وربما كانت الملاحظة الأولى والأولية عن عنوان الرسالة، حيث كان
من الأجدر عنونتها بصورة المرأة فى «الفيلم الروائى السورى الطويل»، ذلك أن
كلمة «سينما» تعنى كل الأنواع الفيلمية من تسجيلى وتحريك وتجريبى وروائى
طويل وقصير، كما تطلق على صناعة السينما بأى دولة تمتلك بنية تحتية
سينمائية من معامل واستوديوهات ودور عرض كالسينما الأمريكية والبريطانية
والسينما الفرنسية والمصرية وهو ما لا يتوافر للسينما السورية.
جاءت الدراسة عبر ثلاثة محاور متقاطعة: وضعية المرأة فى الواقع السورى،
ثم صورتها على الشاشة وكيف تم تناولها فى تجلياتها ووظائفها ونوعياتها
المختلفة، وثالثاً عرض موجز وشامل لتاريخ الفيلم الروائى السورى من خلال
ثلاثة وعشرين فيلماً: ثلاثة من إنتاج القطاع الخاص، وعشرون من إنتاج القطاع
العام لمخرجين من أجيال مختلفة، واستخدمت الباحثة المنهج الوصفى الذى يعتمد
على بيان التراكم الكمى، لا التنوع الكيفى.. وهو منهج مضلل إلى حد كبير،
وقد لا يصلح للدراسات الفنية التى تعتمد على كيفية التناول لا حجمه أو عدد
مراته، فهو يباعد بشكلانيته وجموده بين الوصف الذى ينتهجه والكيف الواجب
قراءته فى ظل الظروف التى تعيشها المرأة السورية منذ عشرينات القرن الماضى
وحتى عام ٢٠١١، الذى توقفت عنده الباحثة باعتبار الحراك السياسى والعسكرى
الحالى بداية لحقبة جديدة من التاريخ السورى.
قدّمت الباحثة إطلالة موجزة لتاريخ الفيلم السورى منذ أول عرض سينمائى
تم فى مدينة حلب سنة ١٩٠٨ ودور القطاع الخاص منذ عرض أول فيلم سورى «المتهم
البرىء» لرشيد جلال عام ١٩٢٨ وعبر سلسلة من الأفلام التجارية المتهافتة
فنياً، وصولاً إلى إنشاء القطاع العام فى السبعينات ورصدت اتجاهات مخرجيها
وتطور أساليبهم والنهضة الفنية التى صاحبت إنتاج القطاع العام ودوره فى
تقديم العديد من شباب المخرجين العائدين من بعثاتهم لدراسة السينما، وهم
الذين وصلوا بالفيلم السورى إلى المهرجانات العربية والدولية، وحازوا عشرات
الجوائز.
تابعت الرسالة فى محورها الأول واقع المرأة السورية خلال تسعة عقود
(١٩٢٨ - ٢٠١١) على مختلف الأصعدة السياسية والاجتماعية والاقتصادية
والثقافية والمهنية وغيرها من المجالات التى شاركت فيها المرأة فى سوريا،
وجعلت من نتائج هذه المتابعة معياراً للحكم على مدى مطابقة وضعية المرأة فى
الواقع التى حققت فيها نجاحات ملموسة وصورتها على الشاشة التى لم تظهر أو
تهتم بإبراز تلك النجاحات.
توصلت «لُمى» -عبر الإجابة عن عدد من الأسئلة التى طرحتها كأساس للبحث
عن وضعية المرأة فى أحداث الأفلام التى اختارتها بدءاً من مكان إقامتها
ومستواها الاجتماعى وعقيدتها الدينية وأخلاقياتها، مروراً ببيئتها وظروفها
الاقتصادية، وانتهاءً بكونها تدعو إلى الاحترام أو الاحتقار!!- إلى ما
أسْمَيتُه بالنتائج المضلِّلة، ذلك أننا إذا سلّمنا بهذه النتيجة فإن
المرأة فى الفيلم السورى هى سورية مسلمة شابَّة فقيرة غير متزوجة، هى عشيقة
أو حبيبة، قوية، شجاعة، لا تشارك فى العمل السياسى الأهلى عصرية الملبس
تدعو إلى الاحترام.. . وهى صفات عامة -وربما متناقضة- لا تعبر بدقة عن صورة
المرأة فى الدراما السينمائية، لأنها تعتمد على النسبة الأكبر مئوياً
للشخصية الرئيسية أو المحورية دون الالتفات إلى الشخصيات النسائية الثانوية
التى من الممكن أن تكون أقوى تأثيراً وأكثر تعبيراً عن وضعية المرأة، وإلا
كيف نرى وأين نضع الزوجة الخنوع والأم الحنون التى ترعى وتخدم أبناءها
وتساعد فى عمل زوجها فى فيلم «ليالى ابن آوى» لعبداللطيف عبدالحميد؟ أو كيف
نرى نساء «أحلام مدينة» و«باب المقام» لمحمد ملص وشخصيات «حادث النصف متر»
لسمير ذكرى وغير ذلك من الأعمال التى لعبت فيها شخصية المرأة -رئيسية أو
ثانوية- دوراً مهماً فى الدراما؟ وقد أفسدت هذه النتائج على الباحثة فرصة
القراءة الفاحصة والمتعمقة والمدققة، فالمنهج خادع، لذا ارتأت أن هناك
تقصيراً من السينمائيين السوريين بل وابتعادهم عن حقيقة الواقع السورى بسبب
طرحهم لبعض النماذج السلبية من وجهة نظرها ونظر المنهج، كما عابت على بعض
الأعمال عدم تقديم حلول للمشكلات التى يتم تناولها، وغاب عنها -وهى الناقدة
الحصيفة- أنه ليس من مهام الفنان تقديم الحلول، وإنما يقتصر دوره على كشف
الظواهر وتعريتها وبيان أسبابها وعللها بغرض إلقاء الضوء عليها من أجل
تغييرها فى الواقع.
خَلُصت الرسالة -من خلال العيِّنة التى اختارتها الباحثة وباستخدام
ذلك المنهج المراوغ- إلى أن الأفلام «لم تتعرض بشكل مميز لقضايا ومشكلات
المرأة السورية» وأن صورتها «ما زالت بعيدة عن الواقع ولا تتناسب مع
مكانتها ودورها الذى حققته فى المجتمع السورى»، كما أنها «اهتمت بالمرأة
الفقيرة ومتوسطة الدخل وغير المتعلمة أكثر من اهتمامها بالمرأة الغنية أو
المتعلمة تعليماً عالياً»، وهى نتائج تُجافى الحقيقة من وجهة النظر النقدية
التحليلية ولا تحتاج سوى لإعادة قراءة الأفلام فى ضوء منهج مختلف يحلل
الأفلام من داخلها لا من خارجها.. لكن النتيجة الأخطر -من وجهة نظرى- هى
اتهام المخرجين السوريين بالتقاعس عن طرح قضية إقليم الجولان الذى احتله
الكيان الصهيونى عام ١٩٦٧، مما يعنى «بشكل مباشر هزيمة وقصور السينمائى
السورى، كما لو كان الأمر مقصوداً منه تناسى تلك الأراضى» -حسب تعبيرها-
وهو اتهام ظالم ومجحف خصوصاً أنها تربطه بضرورة أن يصوِّر الفنانون
والفنيون بالجولان المحتل، وهو ما يرفضه السينمائيون السوريون لأنه يعنى
الاعتراف بسلطة الاحتلال التى سَتَصِمُ جوازات سفرهم بأختامها، وأعتقد أن
هذا موقف يستحق الإشادة.. لا الإدانة!
«رضوان»..
ليلة الحضور.. صباح الغياب
على أبوشادى
الأحد 09-06-2013
منذ أحد عشر عاماً، وفى مساء ليلة الرابع من يونيو عام ٢٠٠٢، كنت
والمخرجة الكبيرة نبيهة لطفى فى ضيافة الأخت العزيزة المخرجة الفلسطينية
ليال بدر نتأهب لمشاهدة نسخة ڤيديو من فيلم «زواج رنا» للفلسطينى الواعد
-حينئذٍ- هانى أبوأسعد، الذى حصل على جائزة لجنة التحكيم من «قسم نظرة ما»
عن فيلمه «عُمَر» فى مهرجان كان منذ أيام.. كنا بانتظار عدد من الأصدقاء
لمشاركتنا المشاهدة، ومن بينهم الصديق المخرج رضوان الكاشف، الذى كان يستعد
للسفر إلى دولة الإمارات صباح اليوم التالى لحضور حفل افتتاح عرض فيلمه
الجديد «الساحر» الذى قدّم فيه الفنانة منّة شلبى لأول مرة والتى كانت
ستصاحبه إلى الحفل مع الفنان القدير محمود عبدالعزيز.. تأخر «رضوان» فى
الحضور، اتصلت به تليفونياً فجاءنى صوته مختنقاً غاضباً.. لقد فاجَأَته
«مِنّة» باعتذارها عن عدم السفر -وهى بطلة الفيلم- بعد أن تم اتخاذ
الترتيبات اللازمة، مما أوقعه ومسئولى التوزيع فى حرج شديد.. سألتُه: أين
أنت الآن؟ رد باقتضاب: فى المكتب.. رَجوْته الحضور؛ فالمكتب بشارع شامبليون
بوسط البلد ونحن على مسافة قريبة بحى المهندسين.. بعد إلحاح منّى وليال
ونبيهة، جاء يسبقه صوته الغاضب» «ده شغل عيال» حاولنا تهدئته وتخفيف الأمر،
لكنه كان حزيناً لموقف لم يتوقعه.. حاولت «ليال» التسْرية عنه فقامت مشكورة
بإعداد عشاءٍ فلسطينى سريع من الأجبان والزعتر وزيت الزيتون.. جلس «رضوان»
-كعادته- على الأرض وبدأ يتناول بعض لقيمات يغمسها فى طبق الزعتر ثم فى طبق
الزيت.. فننفجر بالضحك، ينظر إلينا فى دهشة من ضحكاتنا.. «يا رضوان.. اللى
بتعمله ده عكّ.. انت كده بتعمل العكس.. ضع الخبز فى الزيت ثم فى الزعتر..
كده الزيت بقى كله زعتر».. ابتسم قائلاً فى سخرية: «وفيها إيه؟ هو الزعتر
فى الزيت حرام يعنى؟!».. ومضى يفعل ما يريد.. بدأ يشكو -بغضب ممتزج بالدهشة
والأسى- من موقف «منة» ورفضها المفاجئ للسفر الذى أربك الجميع.. تناقشنا
كثيراً وفى موضوعات شتى حتى نخفف من صدمته فى نجمته الجديدة التى منحها
فرصتها الأولى وموقفها غير المتوقع!
فجأة.. نهض واقفاً صارخاً: «ياه.. كده نسيتونى مشوار مهم.. الليلة
يحتفل الفنان محمود عبدالعزيز بعيد ميلاده ولازم أكون هناك».. تركنا
«رضوان» بعد أن بدا أكثر هدوءاً.. أكمل سهرته مع عشرات الأصدقاء والأحباء
من الفنانات والفنانين.. تحكى القديرة لبلبة التى شاركها مائدتها أنه كان
مهموماً قلقاً، ينظر إليها من حين إلى آخر ثم يسألها بشكل متكرر: «إحنا ما
اشتغلناش مع بعض ليه؟!».. تجيبه بطيبتها المعهودة: «إن شاء الله نشتغل مع
بعض الأيام الجاية كتير»!!
غادر «رضوان» الحفل عائداً إلى منزله بمدينة نصر.. نام قليلاً، وفى
السابعة صباحاً فى اليوم الخامس من يونيو (!!)، كما تروى زوجته وصديقته
وحبيبة عمره دكتورة عزة كامل، أم ابنيه عايدة ومصطفى، أنه استيقظ يشكو بعض
الألم فى معدته.. ذهبت لتعد له كوباً من الينسون وعادت لتجده قد سقط على
الأرض، مفارقاً الحياة التى أحبها..
جاءنى الخبر، ككثيرين غيرى، كالصاعقة.. مات رضوان وهو الذى كان يتضرع
إلى الله قبل أربعة أشهر ألا أموت حين أصبت بأزمة قلبية مفاجئة.. ما هذا
المشهد العبثى؟ كنا معاً بالمساء وفى الصباح يرحل! كان صديقاً وأخاً،
ودوداً عاشقاً للحياة، مثقفاً رفيعاً مُتيّماً بحب الوطن، ومقاتلاً شرساً
من أجل الحق والفن والحرية والعدالة الاجتماعية.. ثائراً حقيقياً يحلم
بالتغيير ودفع ثمن ذلك غالياً سجناً ومطاردةً وتشريداً وهروباً ومَنْعه من
السفر لاستكمال دراسته فى فرنسا ورَفْض تعيينه معيداً بالمعهد العالى
للسينما وهو الأول بامتياز بسبب ماضيه وحاضره السياسى!
كان «رضوان» قبل «الساحر» قد حفر مكانه ومكانته على خريطة السينما
المصرية والعربية وحصل على أكثر من عشرين جائزة محلية ودولية عن فيلميه
«ليه يا بنفسج» و«عرق البلح».. فى الأول الذى تميز بـ«الطزاجة» والحيوية،
تناول عالم المهمشين الذين اغتربوا داخل الوطن حين سدّ عليهم النظام الفاسد
كل السبل لحياة كريمة فعاشوا حياتهم بطريقتهم وخلقوا لأنفسهم أعرافا
وتقاليد خاصة تقدس الصداقة وتعلى من قيمتها وتبحث عن لحظات بهجة شاردة..
وفى تحفته السينمائية «عرق البلح» الذى أصبح واحدا من كلاسيكيات السينما
المصرية والعربية المعاصرة، يقدم مرثية لهؤلاء الذين اغتربوا -قسراً- بعد
أن ضاق عليهم الوطن.. ثم عادوا محبطين مهزومين خاسرين مهيضى الجناح، بعد أن
تبددت أحلامهم وارتبكت عائلاتهم عبر لغة سينمائية متفردة تتميز بالثراء
السمعى والبصرى وتُبرز انحياز «رضوان» إلى هؤلاء الكادحين المنسيين فى
الداخل والخارج.
حين انطلقت التظاهرات حاشدة صاخبة ثائرةً فى ميادين مصر فى الخامس
والعشرين من يناير تهتف: «الشعب يريد تغيير النظام.. الشعب يريد إسقاط
الرئيس» كدْت أُميّز صوته بين الجموع.. جَالَت عيناى تبحثان عنه.. لمحتُها
هناك وسط الآلاف تهتف بصوته.. إنها «عايدة» ابنته الكبرى، المخرجة
السينمائية الموهوبة الثائرة ابنة الثائر.. بها وبأقرانها من شباب مصر،
تحقق للشعب ما أراد، واستجاب القدر الذى غيّب «رضوان» عن المشهد الذى حَلم
به وناضل من أجله.. لكنه استبدل بنظام
قمعى فاسد مستبد نظاماً أكثر فاشية واستبدادا.. وأُوشك أستشعر يد «رضوان»
تربت على كتفى وأسمع صوت ضحكته المتفائلة: «ما تقْلقش.. مكمّلين.. الثورة
ما انتهتش».. لمحْتُه عن بعد يلتحق بالجموع الهادرة.. فى شوارع القاهرة.
«جاتسبى»..
يُطِلُّ من جديد
على أبوشادى
الأحد 02-06-2013
ربما لم يَدُر بخَلد الكاتب الأمريكى الكبير سكوت فيتزجيرالد
(١٨٩٦-١٩٤٠) أن روايته الشهيرة «جاتسبى العظيم» ستصبح منهلاً للسينما ئيين
فتصدر طبعتها الرابعة - سينمائياً عبر إخراج للأسترالى باز لورمان الذى
حاول تقديم عمل مبهر يتجاوز الطبعات السينمائية التى سبقته مستخدما تقنية 3D،
مستفيدا من خبراته السابقة فى عمليْه الاستعراضيَيْن البارزيْن «قاعة الرقص Strictly Ballroom
والطاحونة الحمراء Moulin Rouge»
لكن الرياح -عادة- تأتى بما لا تشتهى السفنُ، فالنسخة الجديدة من «جاتسبى»
تراجعت كثيرا عن سابقاتها رغم كل محاولات العاملين بالفيلم وراء وأمام
الكاميرا.
نشر فيتزجيرالد روايته «جاتسبى العظيم» فى عام ١٩٢٥ والتى تدور
أحداثها فى مدينة نيويورك عام ١٩٢٢ فى فترة الازدهار الاقتصادى الذى صاحبه
بزوغ طبقة جديدة من الأثرياء الجدد الذين كوّنوا ثرواتهم من تجارة المخدرات
والخمور المهربة بعد أن صدر قانون تحريم بيع الخمر وما صاحب ذلك من سيادة
أنماط جديدة من السلوك وظهور صرعات فنية كالهِب - هُب وموسيقى الجاز
والشارلستون وانغماس الطبقة الجديدة فى هذه الموضات التى جاءت لتلبى
احتياجاتها المادية والثقافية.
«جاتسبى» هو واحد من هؤلاء الأثرياء الجدد الذين حققوا ثروات هائلة فى
فترة زمنية قصيرة والذى أصبح حديث هذه الأوساط نتيجة لتلك الحفلات الصاخبة
التى يقيمها فى قصره المنيف حيث يفتح أبوابه لكل من يرغب فى المشاركة دون
دعوة لكنه لم يكن يشارك مدعويه فلم يسبق أن رآه أحدهم وإن كان يراقبهم من
نوافذ القصر وكأنه فى انتظار من يريده أن يأتى.. ولم يأتِ!
كانت هذه الحفلات الباذخة فرصة لورمان لاستعراض مهاراته، بمساهمة
فعالة من عناصر المونتاج والموسيقى والتصوير، فى تقديم هذه الحشود التى
تملأ جنبات القصر والموسيقى التى تصدح فى كل أرجائه والخمر التى يَعُبُّ
منها الضيوف حتى الثمالة.. كانت تلك الدقائق كافيةً، أحيانا، لأن تبعث
الحياة فى خمول الأحداث وافتعال الغموض فى العلاقات المضاف إلى غموض شخصية
جاتسبى، فالمُشاهِد ظل لفترة ينتظر ظهوره إلى أن يقدمه لورمان فى مشهد
ليلى.. تصوره الكاميرا من الخلف وهو يحاول -عبثاً- الإمساك بشعاع ضوء أخضر
ينبعث من شرفة المنزل المواجه لقصره على الجانب الآخر من الخليج وكأنه
يأمُل اقتناص طيف هارب، وإن لم نرَ وجهه إمعاناً فى التغميض، وحين نتعرف
على شخصه تزداد معرفتنا به غموضاً حيث تتناثر الأقاويل والشائعات حوله وحول
مصدر ثروته الفاحشة والبذخ الجنونى الذى يمارسه وتأتى المعلومات متناقضة،
على لسان زواره، فهو جاسوس للألمان أثناء الحرب أو مجرم وقاتل، ينقلها
إلينا جاره نيك كاراواى الذى يلعب دور الراوى من خلال كتابته للأحداث التى
مرّت به أثناء علاقته بجاتسبى، بناءً على نصيحة طبيبه النفسى.
يذكر كاراواى أنه حين التقى جاتسبى فى إحدى حفلاته، اكتشف أنه الوحيد
الذى وُجهت إليه دعوة، فجاتسبى يحتاج إليه كى يدبر له لقاءً بمنزله مع ابنة
عمه «ديزى»، التى ينبعث الضوء الأخضر من قصرها، دون أن يعرف أنها حُب
جاتسبى القديم الذى ما زال متقداً، وهى حالياً زوجة الثرى ذى الأصول
العريقة «توم بوكانان» زميل كاراواى فى الدراسة بجامعة ييل، والذى يتخذ «ميرتل»
الجميلة زوجة «چورچ ويلسون» صاحب محطة للوقود فى ضاحية فقيرة تدعى «وادى
الرماد» عشيقة له.. ترحب ديزى بدعوة ابن عمها دون أن تعرف أنها سوف تلتقى
جاتسبى الذى تنتابه حالة من الارتباك الشديد فهو أخيراً سيلتقى حُلمه بعد
خمس سنوات اختفى فيها من حياتها ليحقق طموحه المسعور فى الثراء مخلفاً
وراءه نشأته الفقيرة المتواضعة التى حالت بينه وبين الارتباط بتلك الفتاة
الجميلة ابنة الأسرة الموسرة التى رق قلبه لها وأوهمها كما أوهم الجميع أنه
ابن عائلة ثرية وأنه خريج جامعة أكسفورد.. يُعبّر ليوناردو دى كابريو (جاتسبى)،
بطريقة تقليدية تفتقر إلى الخيال، عن قلقه وتوتره واضطرابه ومحاولته كبح
جماح مشاعره الملتهبة، المتلهفة للقاء عاش من أجله، ورغبةً عارمةً فى
استعادة الماضى واسترداد ديزى وتحقيق ما خطّط له سنوات طوالا.. تُدهش ديزى
فى البداية لكنها سرعان ما تستجيب لمشاعر جاتسبى خاصة أنها تزوجت «توم» دون
حب كما تعرف بخياناته المتكررة، ويقرر جاتسبى مصارحة توم.. فى مشهد من أقوى
المشاهد درامياً، يتنازع جاتسبى وتوم قلب ديزى.. تدور بينهما معركة كلامية
«متحضرة» حول أحقية أى منهما بقلبها! إلى أن يفقد جاتسبى أعصابه ويمسك
بتلابيب توم كاشفا عن وجه آخر همجى غير متحضر بعينى قاتل كما يصفه كاراواى..
تكتفى ديزى بالصراخ فى كليهما حتى يكفا عن هذه المهاترة، لكنها ما تلبث أن
تعود إلى منزلها فى سيارة جاتسبى التى تقودها بعصبية وسرعة جنونية لتقتل،
فى طريقها، ميرتل عشيقة توم، الهاربة من زوجها ويلسون بعد أن تشكك فى
سلوكها.. يحاول جاتسبى إخفاء معالم الجريمة وتهدئة هلع ديزى واضطرابها
ويعدها بأنه سيتحمل المسئولية على أمل عودتها إليه.. على الجانب الآخر
يُقنع «توم» «ويلسون» أن جاتسبى هو عشيق ميرتل وأنه هو الذى قتلها.. وبينما
يقف جاتسبى فى قصره على حافة حمام السباحة منتظراً قدوم ديزى، يفاجأ برصاصة
من مسدس ويلسون تخترق صدره ممزقة قلبه لتنهى رحلة طموح مستعر لاكتناز
الثروة الغائبة على أمل أن تعيد الماضى وحين ينبهه كاراواى إلى أن الماضى
لا يمكن أن يعود يرد بثقة السطوة وغطرسة الثروة بأنه سوف يعود.
رغم الجهد الإبداعى والاجتهاد الخلاق لعناصر التصوير «سايمون كريج»
والمونتاج «چيسون بالانتينى ومات ڤيللا وچوناثان ردموند» والموسيقى «كريج
أرمسترونج»، لم يستطع لورمان بسبب ضعف السيناريو الذى كتبه مع كريج بيرس
والأداء الباهت والمتمسرح لمجموعة الممثلين والممثلات (كابريو/ جاتسبي-
توبى ماجوير/ كاراواى- كيرى موليجان/ ديزي - چويل إدجرتون توم بوكانان،
والهندى أميتاب باتشان فى مشهد وحيد/ ماير فولفشايم عمدة نيويورك المافيوزى
اليهودى) أن يقترب من تألقه فى «قاعة الرقص أو مولان روج» أو ينجو من
المقارنة مع المعالجة الثالثة للرواية سينمائيا من إخراج جاك كلايتون وأداء
روبرت ردفورد وميا فارو «١٩٧٤» التى جاءت لصالحهم، وكانت المعالجة الأولى
قد أُنتجت فى فترة السينما الصامتة عام ١٩٢٦ من إخراج هربرت برنون وتمثيل
وارنر باكستر ولويز ويلسون، ثم الثانية لإليوت نوجينت عام ١٩٤٩ مع ألان لاد
وبيتى فيلد، هذا عدا اجتهاد كاتب السيناريو بشير الديك والمخرج محمد خان فى
تمصير الرواية فى فيلم «الرغبة» عام ١٩٧٩ بأداء نور الشريف ومديحة كامل.
ربما يحمل «جاتسبى» الجديد الصاخب بعض الثراء البصرى وفَّرتْه
التقنيات التكنولوجية التى عجزت عن ابتعاث الحرارة والدفء والحيوية فى
أوصال عمل جاء بارداً رغم صخب موسيقى الجاز والرقصات الماجنة المجنونة،
ومخيباً لآمال عشاق السينما ومحبى المخرج الكبير باز لورمان!
الوطن المصرية في
02/06/2013
حضور خليجي محتشم في مهرجان 'ايماجيما'
ميدل ايست أونلاين/ باريس
أربعة أفلام فقط لمخرجين خليجيين، بينهم بحرينيان وقطري
وإماراتي، إضافة إلى فيلم رسوم متحركة من إنتاج قطري، في
مهرجان السينما العربية في باريس.
انطلقت الجمعة فعاليات مهرجان السينما العربية "ايماجيما"، الذي ينظمه
كل من معهد العالم العربي بباريس وشركة "كومنبرود انترناشيونال" في الفترة
من 28 يونيو حتى 3 يوليو على مسرح رفيق الحريري.
وتشارك أربعة أفلام لمخرجين خليجيين، بينهم بحرينيان وقطري وإماراتي،
إضافة إلى فيلم رسوم متحركة من إنتاج قطري، في مهرجان السينما العربية "إيماجيما"،
الذي انطلق الجمعة في "معهد العالم العربي في باريس"، ويستمر إلى 3 يوليو/
تموز.
ويضم برنامج المهرجان فيلم "لحظات" للإماراتي إبراهيم ناجم الراسبي،
الذي فاز بالجائزة الأولى في "المسابقة الخليجية لأفلام الطلبة القصيرة"،
في الدورة السادسة لـ"مهرجان الخليج السينمائي"، فيما حاز الراسبي نفسه
جائزة أفضل مخرج. ويتتبع الفيلم في سبع دقائق خطى صديقين يقومان بزيارة
صديقهما الميت، ليستعيدا أعماله الطيبة والخيّرة.
وفي البرنامج فيلم "بـدون" الروائي القصير للقطري محمد الإبراهيم،
وفيه يواجه عبدالعزيز العديد من المشاكل في حياته بسبب نسبه ووضعه
الإجتماعي، وعندما يقع في حب فتاة من أسرة معروفة، يقنعه والده بالعدول عن
الفكرة، والزواج من أخرى، فيفقد عبد العزيز ثقته بنفسه، ويحاول الفرار من
المواجهة، لكن الفتاة التي تحبه ترفض الإستسلام ،وتصر على تحقيق مرادها
والزواج من فتى أحلامها.
وفي المهرجان فيلم الرسوم المتحركة القصير "مطر"، للمخرجة المصرية
الأميركية رحاب العويلي، وهو من إنتاج "مؤسسة الدوحة للأفلام". وهذا الفيلم
الذي تبلغ مدته 13 دقيقة، مستوحى من حكاية شعبية من منطقة الشرق الأوسط.
ويتبع الفيلم الشخصية الرئيسة "مطر" خلال رحلته في الصحراء. إثر تعرضه
لحادث مأساوي، يبحث "مطر" عن مأوى في مخيم بدوي يعاني من الجفاف، حيث يواجه
تحديات غير متوقعة، ويلجأ عندها إلى الروحانية والأمل.
ويعرض المهرجان أيضاً فيلم "لعبة" للبحريني صالح ناس، عن تلميذ يصطحبه
والداه خلال عطلة نهاية الأسبوع إلى متنزّه المنطقة لمباراة جديدة في كرة
القدم، وها هو يواجه حقيقة متكرّرة في الحياة.
ومن البحرين، يعرض فيلم "هنا لندن" للمخرج البحريني محمد بوعلي، عن
سيناريو للكاتب الإماراتي محمد حسن أحمد، وهو فيلم قصير بنكهة الكوميديا
السوداء، يتناول قصة زوجين يريدان إرسال صورة نموذجية إلى ابنهما في لندن،
وهي مهمة كانت ستبدو سهلة، إلا أن رفض الزوجة الذهاب إلى أستديو التصوير،
يعقد الأمور على مصور فوتوغرافي يواجه العديد من المصاعب، نظير خلاف
الزوجين بشأن شكل الصورة المثالي.
ميدل إيست أنلاين في
30/06/2013
نجوم يشاركون المصريين في 'تمرد'
ميدل ايست أونلاين/ القاهرة
فنانون يتهمون الرئيس الاخواني باهانته للشعب، ويشددون على ان الحكومة فقدت
مصداقيتها.
يشارك عدد كبير من الفنانين المشاركة في مظاهرات "تمرد"، للمطالبة
بسحب الثقة من الرئيس محمد مرسي وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة.
واتهم احمد بدير ارئيس الاخوان باهانة الشعب المصري وقال لصحيفة اليوم
السابع، إن "ملايين المصريين الذين سيشاركون في مظاهرات 30 يونيو، لن
يغادروا الميادين إلا بعد التخلص من 'المصيبة' التي تمر بها مصر"، موضحا
أنه "إذا تعرض 'لص' إلى أي منا فمن الطبيعي ألا نتركه وسندافع عن أنفسنا
حتى آخر نفس، وهذا ما يحدث مع مصر حاليًا".
واضاف "الخطاب الأخير الذي وجهه الرئيس للمصريين لم يختلف كثيرًا عما
قيل خلال 'جمعة لا للعنف'، التي قام بها 'أهله وعشيرته'، فكلاهما استفز
مشاعر الشعب وحرضهم على النزول، خاصة أن من تابع الخطاب شعر أن الرئيس
يتكلم عن بلد آخر غير مصر'.
من جانبه، قال الفنان حسين فهمي، إنه سيشارك في المظاهرات، منذ صباح
الأحد، مبررًا ذلك بـ"حالة التراجع التي شهدتها مصر على كل المستويات طوال
العام الماضي"، ومشددًا على أن "مرسي وحكومته وجماعته فقدوا مصداقيتهم في
الشارع، وحان الوقت لإنقاذ مصر منهم".
وأشار إلى أنه سيكون في مقدمة الصفوف، للمطالبة بإجراء انتخابات
رئاسية مبكرة، مؤكدًا أنه ساند حملة تمرد وجمع لها 30 ألف جنيه تبرعات
تساعدهم في الإنفاق على حملتهم، لإيمانه واقتناعه بالفكرة.
وأعربت الفنانة إلهام شاهين في تصريح لصحيفة "الراي"عن سعادتها
بالمشهد الذي تراه في مصر حاليا، قائلة "منظر الميادين المصرية مشرف جدا
ويجعلني أشعر بفخر أني مصرية".
وأضافت ان "الشعب أعلن عن موقفه صراحة وقرر اسقاط النظام بلا تراجع
ولا تردد ولم يخش التهديد والإرهاب، الذي تخصص فيه رجال الجماعة وأهل
الرئيس مرسي وعشيرته الذين اعتادوا على إرهاب وترهيب المصريين لضمان بقاء
رئيسهم محمد مرسي".
وقالت "أعرف أن الأمر ليس سهلا لأن الإخوان للأسف حولوا الموقف إلى
معركة، ومن المعروف عنهم العنف لأنهم مدربون على السمع والطاعة ولا يعملون
العقل، إلا في التخريب والقتل والسحل، ولكن وحدة وتصميم الشعب المصري أقوى
بكثير من تهديد ووعيد وتعذيب الإخوان والجماعات المتطرفة التي للأسف وقعنا
تحت أيديها، ومع كل هذا أرى أن نهاية هذه المهزلة اقتربت جدا".
وقالت الفنانة تيسير فهمي، إنها "ستقود إحدى المسيرات اليوم من ميدان
السيدة زينب وستتجه بها إلى ميدان التحرير".
وأوضحت أن من "يتحدث عن أننا نطالب بعودة الجيش للمشاركة في الأوضاع
الحالية، بعد أن كنا نطالب بإسقاط حكم العسكر ويتهمنا بأننا فلول أو ثورة
مضادة أو غيرهما، فهو لا يفهم ما نريده فنحن نريد عودة الجيش حاميا وليس
حاكما".
وذكرت ان "مشاركة الجيش في الأوضاع الحالية التي تمر بها مصر، ما هو
إلا مجرد حماية للثوار الذين يطالبون بإسقاط حكم الإخوان، والذين أثبتوا
أنهم لا يصلحون لأي مشاركة في الحياة السياسية في مصر، وطالبت شباب الثورة
الذين أشعلوا فتيل ثورة 25يناير، أن يصمدوا حتى يذكر التاريخ أن الشباب هم
من صنعوا مستقبلهم، مشيرة إلى أن الذي سيتمسك بمنزله في يوم 30 يونيو قد
ترك حقه ويستحق ما يحدث له".
واتهمت الفنانة آثار الحكيم، الرئيس مرسي بإهانة الشعب أمام العالم
أجمع بعد خطابه الأخير الذي قالت عنه "لم أستفد من أي كلمة قيلت في هذا
الخطاب مثلي مثل جميع المصريين".
وأضافت، ان "أيام نظام الإخوان باتت معدودة في مصر، والهدف الأساسي من
يوم 30 يونيو هو إسقاط النظام الإخواني الفاشل، الذي أضر بالشعب المصري
وأهانه وأحدث بينه فتنة كبيرة أودت بحياة الكثيرين".
في السياق نفسه، أشار الفنان عزت العلايلي إلى أن "الرئيس محمد مرسي
يحكم مصر بنظام فاشي، وجماعة الإخوان المسلمين متغوله في كل مؤسسات
الدولة"، موضحًا أن "خطاب مرسي الأخير كان مملًا، وكشف نجاح ضغط 'حملة
تمرد' عليه، فظهر فاقدًا التوازن، وتجلى خوفه الشديد من تحرك الشعب".
وأكد العلايلي أن حملة تمرد ستحقق النجاح، لأنها نتاج جهد شباب مصري
يمثل مستقبل هذا الوطن، خاصة أنهم أعلنوا سلمية المظاهرات، للمطالبة بتحقيق
العدالة الثورية، متمنيًا ألا يؤدي الوضع لإراقة المزيد من الدماء في
الشارع.
واوضح الفنان خالد يوسف "ان الأعداد الهائلة الثائرة على الحكم الفاشي
والفاشل والموجودة بمحافظة واحدة تفوق أعداد المؤيدين برابعة العدوية،
موجها رسالته للإخوان قائلا: "هل تحتاجون إلى دليل آخر على أنكم ساقطون".
وأضاف يوسف "بروفة 30 يونيو وجهت الإنذار الأخير لهذه العصابة أن ترحل
عنها، ولابد أن تفهم قبل فوات الآوان".
وعلق الفنان خالد أبوالنجا على مظاهرات "30 يونيو"، قائلًا "لا يوجد
مصري عنده قليل من العقل إلا وسيؤكد أنه سيشارك في المظاهرات، أو شارك
بالفعل في 'تمرد'".
وأضاف "الإخوان بدستورهم ومرسيهم ونايبهم انتهوا، والعد التنازلي
لانهيار أكذوبة 'الإخوان' في مصر و العالم العربي بدأ الآن، وانتهت فرصتهم
التاريخية لكسب الربيع العربي بغباء تاريخي".
وأكد الفنان عمرو واكد أنه ألغى سفره لمهمة عمل خارج مصر للمشاركة في
مظاهرات "30 يونيو"، مؤكدًا أن "مرسي فقد شرعيته بعد أن احتكر كل السلطات
وضرب بالشرعية عرض الحائط"،.
وأضاف "على الجميع أن يتحرك قبل أن تقع ' الفأس في الرأس'"، موضحًا
أنه "قرر التظاهر ضد 'الاحتلال الإخواني' لمصر حتى يسجل رأيه بأن تيار
الإسلام السياسي لا يصلح لقيادة مصر، وأنه لا يجوز الخلط بين الدين
والسياسة'، معتبرًا أن 'عامًا واحدًا يكفي الإخوان في الرئاسة، خاصة أن
جميع المؤشرات التي ظهرت خلال هذا العام كانت فاشلة، وتنذر بخطر على
المستقبل وعلينا أن ننقذ البلد قبل أن ينهار'.
من جانبها، قالت الفنانة معالي زايد، إنها "كانت تخشى في الماضي على
نفسها من المشاركة في المظاهرات بسبب تقدم العمر"، مضيفة "توريط مصر
المتعمد في مشاكل وتفضيل مجموعة على غيرها جعلني أقرر النزول إلى الشارع
ومشاركة الشباب ثورتهم الحقيقية".
ميدل إيست أنلاين في
30/06/2013 |