يستكمل فيلما «الصورة الناقصة» للكمبودي الفرنسي ريثي بان و«مشهدية
القتل» للأميركي جوشوا أوبنهايمر صَنعَتهما نحو وجهة واحدة: التاريخ
باعتباره شهوة تطهير سياسي. هذه الثيمة ملتبسة. كل طرف في المنازلة يؤمن
بأن ما يقوم به حقّ ضد عدو يجب مَحْقه. يلتقيان على «آسيوية» مقارباتهما
التوثيقية، لكن بصنعة مُستحدَثة، تنأى عن سيادة الريبورتاج المتلفز
وترتيباته للمعلومة الخبرية، في مقابل تثوير القول السينمائي بمزج نادر للـ«ديكيودرامي».
غَرّب بان الحدث التاريخي وكسّر سيرورته التشكيلية، بشأن مجازر منظمة
«الخمير الحمر» في كمبوديا، فاطناً إلى أن الاعتماد على الوثيقة المصوَّرة
القديمة لن تفي حكاية الدم حقها، إذ يقع نصّه لا محالة في حيّز التنميط
العادي وفجاجته بين مظلوم ومتجبّر، فأشاد عمله على ابتكارية حكائية مرتكزة
على شهادة شخصية تسرد المذابح ومسيرتها وتواريخها وصُوَرها وأشرطتها
التسجيلية. في حين بدّل أبطاله، الذين لا يمكن تجسيدهم، إلى دمى طينية،
تترتب مواضعها بحسب تفاصيل الأحداث وأماكنها (كوخ، حقل، معتقل، مرقص،
مدرسة، استديو تلفزيوني، وغيرها). يجبر المخرج بان مُشاهده على الإيمان بأن
هناك مساحة ناقصة مقصودة من دراميته، تدفعه إلى «ظنّ سحري» قائم على أن ما
يراه هو لعبة سينمائية لا تستغفل نباهته، بل تغويه للمشاركة في تغيير منطق
النص وتصوّره وتمثّله. فما هو مفقود ليس السينما، بل دهشتها التي أُزيحت
لصالح فعل خلاّق اسمه الوجدان.
لا ريب في أن انحياز هذا المخرج العنيد جلّي. فهو أندر السينمائيين
الآسيويين في التصدّي للتاريخ المظلم لـ«حماقات الإيديولوجيا»، وبالذات ما
قام به مجرمو نظام بول بوت الذين سفكوا دماء مليون وسبعمئة ألف شخص بين
العامين 1975 و1979. لعل نصّه الصاعق «أس 21: ماكنة مجازر الخمير الحمر»
(2003) أفضل دليل على قوّة فضحه القهر. في جديده وضع سؤالاً عمّا إذا حقّق
التاريخ صورة تامة عن الفظائع تلك، ليجد بفطنته أن واجب فيلمه تقصّي الناقص
فيها، والديه. كان بان في الثالثة عشرة من عمره عندما زُجّ بهما في «حقول
القتل» المشؤومة، ولم يسمع سوى حكايات عن شجاعة والده الذي قرّر الصوم
احتجاجاً على المهانات. فجاء عمله (جائزة «نظرة ما» في مهرجان «كانّ» في
أيار 2013) بمثابة نعي بطولة بشر أفنتهم لوثة حزبيّة دمويّة.
بينما وجد أوبنهايمر أن الطبائع الوحشية لجلادي انقلاب 1965 في
أندونيسيا لن تحتمل المغَالاة التاريخية، محقّقاً فُرجَة ملوّنة هي خليط
بصريّ تشخيصي، يضمّ أنساقاً شتى من فنون المسرح، والرقص التعبيري، والفيلم
داخل الفيلم، ونصوص الرعب والـ«كانيباليه» (أكلة لحوم البشر)، وغيرها. لئن
حَوّل المخرج الكمبودي شخصياته إلى عرائس، فإن زميله الأميركي أقنع قادة
فرق موت حقيقيين أندونيسيين في «مشهدية القتل» بأن يكونوا مهرّجين،
وراقصين، ورعاة بقر، ومتقمّصي شخصيات مافيات هوليوود وعرّابيها، يقودهم
العجوز أنور كونغو، ويعيدوا بصلافة تمثيل مشهديات إبادة كابوسية (من هنا
ترجمة عنوان الفيلم).
أتاح أوبنهايمر لـ«أبطاله» حرية كاملة في «ترتيب» حكاياتهم وحواراتهم
وأداءاتهم وتهكّماتهم. فهم ضد الشيوعيين «لأنهم يمنعون أفلام جون واين
وجيمس دين، ونخسر سوق بيع التذاكر»، وضد الإثنية الصينية «لأنهم ينتفعون من
حمايتنا»، وضد المثقفين «لأنهم لا شيء». فيلم أوبنهايمر محرّض هائل، لا
يدعو إلى القصاص، فهو أمر محال تعبّر عنه سخريتهم من غمزات المحكمة
الدولية، ولن يثير الشكوك بمنطق الحياة وعدم انصافها بموت مليون إنسان بسبب
غطرسة مجرمين، كونهم يبررّون سطوتهم كجزء من «نضال وطني»، جعل من بعضهم
وزراء وحكام ولايات ورجال أعمال نافذين. تستعيد مقاصد «مشهدية القتل»
قباحات العقائد ودمويتها، التي تجسّدت في مجازر لا يكفّ البشر عن ارتكابها
والتلذّذ بفَزَعها.
السفير اللبنانية في
01/08/2013
شيلا ويتكر.. حياة منذورة للسينما
زياد الخزاعي
غيّب الموت خبيرة البرمجة والكاتبة والناشطة السينمائية البريطانية
شيلا ويتكر عن عمر يناهز السابعة والسبعين (ولدت عام 1936) بعد صراع مع
المرض، لتنتهي حياة حافلة نذرتها للشأن السينمائي العالمي، منذ التحاقها في
قسم الصُوَر التابع لـ«الأرشيف القومي البريطاني للفيلم» (1968 ـ 1974)،
وانتهاءً بإشرافها على اختيارات قسم «سينما العالم» في «مهرجان دبي
السينمائي الدولي»، حتى وفاتها يوم الإثنين في 29 تموز 2013. انضمّت ويتكر
إلى أسرة المهرجان العربي الأكبر في منطقة الخليج منذ العام 2004 كمستشارة
برمجة، لتُصبح إحدى ركائزه في اختيار الأفلام والنجوم وتنظيم العروض
والندوات وغيرها. قبل هذا، اقتربت ويتكر من السينما العربية عبر اختيارها
عضوة في لجنة تحكيم الدورة الأولى لـ«مهرجان الشاشة العربية المستقلة»،
الذي أسّسه السينمائي الليبي محمد مخلوف في لندن وأشرف عليه (نيسان 1999)،
كما اختيرت لعضوية لجنة تحكيم الدورة الـ13 (2003) لـ«مهرجان دمشق
السينمائي».
التحقت ويتكر بـ«معهد الفيلم البريطاني» في العام 1979 رئيسة لبرمجة
العروض السينمائية في «دار السينما الوطنية» (ناشيونال فيلم ثياتر)،
الواقعة على الضفة الجنوبية لنهر الـ«تايمز» في لندن، التي تعدّ أحد
المعالم الثقافية والسياحية الهامة. بعد خمسة أعوام، تسلّمت إدارة «مهرجان
لندن السينمائي»، الذي شهد على يديها طفرة كبرى جعلته إحدى أهم التظاهرات
في أوروبا، وفتحت آفاقاً معتَبَرة لسينمات العالم الثالث، وبرمجت عروض
أفلامها، للمرّة الأولى، على شاشات «ساحة ليستر»، التي تُعدّ المركز الدولي
للسينما في قلب العاصمة البريطانية. تكلّلت اهتماماتها الدولية بإصدارها
كتاباً مشتركاً مع الناشطة اللبنانية روز عيسى عن السينما الإيرانية، نُشر
بموازاة أكبر تظاهرة لمنجزاتها تشهدها لندن في العام 1999، ثم أصدرت كتاباً
قيّماً عن السينمائية الأرجنتينية المميزة ماريا لويزا بيمبيرغ (2000).
استمرت ويتكر في منصبها حتى العام 1996.
للراحلة مساهمات أساسية في مهرجانات كبرى: «لوكارنو» السويسري كمبرمجة
(2002 ـ 2005)، وعضوة في لجنة تحكيم «مهرجان فينيسيا» الإيطالي (1992). كما
تسلّمت منصب القيّمة على «صندوق المخرج الهندي ساتياجيت راي». في العام
1996، كرّمتها الرئاسة الفرنسية بـ«وسام فارس للفنون والآداب»، بالإضافة
إلى التكريم الخاص بها من «مهرجان دبي السينمائي».
السفير اللبنانية في
01/08/2013
بريت مارلينغ.. صعود ممثلة ملتزمة
نديم جرجورة
من عالم المال والأعمال، القادمة إليه من دراسة جامعية في الاقتصاد،
انتقلت الشابّة الأميركية بريت مارلينغ إلى السينما. المولودة في شيكاغو في
السابع من آب 1983، باتت اليوم إحدى الممثلات الجميلات اللواتي ينطلقن من
هوليوود إلى العالم، وإن اشتغل بعضهنّ في مجالات «نضالية» عبر الفيلم
الوثائقي. اختصاصها الأكاديمي في جامعة «جورجتاون» منحها القدرة على العمل
كمحلّلة في إحدى الشركات المالية المعروفة، «غولدمان ساش»، وإن لفترة قصيرة
امتدّت على مدى صيف واحد. عثرت في السينما على ما أرادته: الوقوف أمام
الكاميرا لمعاينة الواقع الإنساني، هنا وهناك.
خطواتها الأولى معقودة على التمثيل والإنتاج والكتابة. هذا ما جعلها
تتعامل، منذ البداية، مع من تعاملت معه حالياً في فيلمها الروائي الطويل
الجديد «شرق»، وهو للمخرج زال باتمانغليج. التعاون الأول بينهما أنتج «صوت
صوتي» (Sound Of My Voice)،
في العام 2011، بعد مشاركتها كممثلة في فيلمين قصيرين. التعاون الثاني
بينهما حديث الإنتاج، في «شرق» (2013)، تؤدّي فيه دور امرأة تعمل لحساب
مؤسّسة صناعية ضخمة، تكلّفها بتنفيذ مهمة سرّية وخطرة تتلخّص بالانضمام، من
دون كشف هويتها الفعلية، إلى مجموعة تحمل إسم «شرق»
(East)
تمارس الإرهاب الصناعي. أي أن الشركة المذكورة تعمل على تدمير المصالح
الرأسمالية في أماكن مختلفة من الولايات المتحدة الأميركية، مدّعية أنها
بهذه الطريقة «تدافع عن المظلومين، وتعامل أصحاب الثروات الطائلة مثلما
يعاملون هم عامة الشعب، أي بالإجرام». بعد التحاق الجاسوسة سارة (مارلينغ)
بالمجموعة المذكورة، بهدف تحطيمها من الداخل، تكتشف أسلوب حياة يختلف
كلّياً عن ذاك الذي اعتادت عيشه يومياً. مع مرور الوقت، تُغرم بقائد
المجموعة، وتبدأ رحلة صعبة ومزدوجة الاهتمامات: تنفيذ المهمّة، وعشق من
يُفترض فيه أن يكون «عدوّاً» لها.
على الرغم من أنها بدأت التمثيل بعد ثلاثة أعوام فقط على انطلاق
مسارها المهني بكتابة أول سيناريو لها بعنوان
Boxers And Ballerinas (فيلم وثائقي)، متعاونة بذلك مع مخرجه مايك كاهيل،
إلاّ أن مارلينغ لم تتوقف عن الكتابة أثناء اشتغالاتها السينمائية
والتلفزيونية كممثلة، علماً أنها اكتفت، لغاية الآن، بإخراج فيلم واحد هو
الوثائقي الأول الذي كتبته. في جديدها هذا (شرق)، تعاونت مع المخرج في
كتابة السيناريو أيضاً: «جاءتني الفكرة الأساسية بعد متابعتي الأحداث
العالمية ونشوب الثورات هنا وهناك في مواجهة الظلم والطغيان. الشعوب تثور
ضد حكّامها. هناك من يثور ضد المؤسّسات العالمية الرأسمالية المتحكّمة في
مصير كثيرين، والتي تخطّط لمصالحها المالية فقط. ما يحدث كامنٌ في ظهور
مجموعات توصف بأنها إرهابية، تمارس مبدأ «المعاملة بالمثل»، كوسيلة لمكافحة
الطغيان. الموضوع يستحق اهتمامي». هذا ما حدث بالفعل، إذ تحوّلت الفكرة إلى
سيناريو تمّ إنجازه مؤخّراً، علماً أنها ترفض الاستعانة بالعنف، ولا ترى أن
العنف قابلٌ للعثور على حلول للمآزق والأزمات. بحسب الملفّ الصحافي الخاصّ
بـ«شرق»، فإنها تعرّفت إلى أناس يُشبهون أولئك الموجودين في النصّ
السينمائي: «ما حدث هو أننا، زال باتمانغليج وأنا، أمضينا صيفاً كاملاً قبل
ثلاثة أعوام مع مجموعة هامشية لا تشبه في الحقيقة تلك الموجودة في الفيلم،
بمعنى أنها لا تتخذ العنف وسيلة لمكافحة الرأسمالية، لكنها تعيش من دون
الحاجة إلى مال. هؤلاء ينامون في العراء، أو في منازل مهجورة، ويتنقلون
دائماً من مكان إلى آخر، ويُفتشون عما يأكلونه ويشربونه في نفايات المطاعم
و«السوبرماركت». عشنا معهم قبل أن نبدأ كتابة السيناريو». لكن، هل يتضمّن
هذا الأخير أناساً يمارسون العنف؟ هذا، بالنسبة إليها، نابعٌ من وجود
ممارسي العنف في الواقع، ومن رغبة في جعل الفيلم مشوّقاً أكثر، ومليئاً بما
يشبه المطاردات البوليسية.
السفير اللبنانية في
01/08/2013
إنتصار العزيمة: فيلم دعائيّ نازيّ
صلاح سرميني ـ باريس
(عندما
كان حزبنا يضمّ سبعة أعضاء فقط، تمّسك بمبدأين : الإرادة، في المقام الأول،
أن يكون بتوجهاتٍ عالمية، والحصول على السلطة المُطلقة في ألمانيا بدون
تسوية....
في أجسادنا تتدفق أنقى الدماء، ونحن نُدرك ذلك، لقد قررنا الإستمرار في
قيادة الأمة، ولن نتخلى عن السلطة أبداً،....سوف يكون الحزب دائماً القائد
السياسيّ للشعب الألماني، لن يتغير في عقائده، إنه تنظيمٌ قويّ مثل
الفولاذ، ولكنه مرنٌ، وقابلٌ للتكيّف في تكتيكه، ومع ذلك، كيانه مشابهٌ
لنظام دينيّ، نطمح بأن ينضمّ كلّ الألمان إلى الحزب..).
من خطاب هتلر في "المُؤتمر السادس للحزب الوطني ـ الإشتراكي للعمال الألمان".
***
يُعتبر "إنتصار العزيمة" فيلماً دعائياً نازياً بإمتياز، لم يكن الوحيد،
الأول، أو الأخير في تاريخ السينما، أنجزته المخرجة الألمانية المُدللة
"ليني ريفنستال" خلال أيام "المؤتمر السادس للحزب الوطني ـ الإشتراكي
للعمال الألمان" الذي إنعقد في "نورمبرغ" عام 1934، وعُرض عام 1935 في يوم
عيد ميلاد "أدولف هتلر".
تمّ تصويره بالأبيض، والأسود، ويبدأ بشاشةٍ سوداء، وظهور تدريجيّ يكشف عن
لقطةٍ كبيرة جداً تُظهر النسر الألمانيّ فارداً جناحيّه الكبيرين، واحدةٌ
من الصور الأيقونيةٌ النازية، سوف تظهر في لقطاتٍ عديدة طوال مدة الفيلم
(114 دقيقة)، أقلّ بكثيرٍ من الصليب المعكوف، اللازمة البصرية الأقوى في
معظم اللقطات.
لا يمكن تحليل الصورة منفردةً عن الصوت الذي تمّ صياغته بإنتقائيةٍ قصوى،
حيث يتضافر الجانبان، البصريّ، والصوتيّ، من أجل تحقيق الهدف الدعائيّ الذي
من أجله تمّ تصوير الفيلم
.
وهكذا، سوف تبدأ الموسيقى من اللقطة الأولى (قاسمٌ مشتركٌ في معظم أفلام "ريفنستال")،
نصبٌ تذكاريّ مكتوبٌ على أحد جوانب قاعدته، وبالخط القوطيّ الحديث العنوان
الألماني للفيلم (Triumph des Willens) :
فيلمٌ تسجيليّ عن مؤتمر حزب الرايخ 1934
تمّ إنتاجه بأمرٍ من "أدولف هتلر" نفسه.
بعد هذه المعلومات، والفيلم نفسه، وعلى عكس الخلاف العلنيّ، أو المُضمر حول
موضوعية/ذاتية "آلهة الملعب" لنفس المخرجة، لن نُجادل في إثبات دعائية "إنتصار
العزيمة"، ولكن، كيف تجسّدت، وماهي المفرادات السينمائية التي أستخدمت لهذا
الغرض ؟
يستخدم الفيلم في البداية لوحاتٍ تفسيرية مكتوبة، وسيلة تعفي المخرجة من
الإعتماد على تعليق خارجي، وتبعده عن الأخبار الأسبوعية المُصوّرة التي
كانت رائجة في تلك الفترة، وتُعرض قبل الأفلام الطويلة :
(في
5 سبتمبر عام 1934، عشرون عاماً بعد بداية الحرب العالمية الأولى، 16 سنة
على بداية الألم الألماني، 19 شهراً على بداية النهضة الألمانية، ذهب
"أدولف هتلر" مرةً أخرى إلى "نورنبرغ" من أجل إستعراض عسكريّ).
يبدأ الفيلم بلقطاتٍ تمّ تصويرها من داخل طائرةٍ حربية تنقل "هتلر" إلى "نورمبرغ"،
تُرافقها، أو تحميها طائرات أخرى، تتأخر الكاميرا عند الغيوم، ومن ثمّ تحلق
في سماء المدينة، وتظهر معالمها، وبداية وصول الفرق العسكرية إليها.
تهبط الطائرة في المطار العسكري حيث ينتظرها آلاف المُحتشدين، يرفعون
أياديهم اليمنى، ويهتفون بحياة القائد.
ما هي الأسباب التي جعلت المخرجة تبدأ فيلمها من السماء ؟
هل هي حصيلة سيناريو متخيل، أو مكتوب بدقة، ويحافظ على منطقٌ سرديّ تقليديّ
لإظهار تتابع زمنيّ/مكانيّ لرحلة "هتلر" من "برلين" إلى "نورنبرغ" ؟ (وكان
بالإمكان البداية من لحظة وصوله إلى مطار المدينة).
هل هي الصدفة المونتاجية، رغبة في الإبهار، والعظمة، أم الإيمان (ورُبما
الخبث) في منح المشهد بعداً دينياً/روحانياً يُوحي بهبوط الزعيم من السماء
إلى الأرض الألمانية مع ملائكته ؟
في الدقائق الأولى من الفيلم، اللقطات عامة، تصوّر الحشود في المطار، وعلى
جانبيّ الطريق، وهو ينتقل في موكب، اللقطات المتوسطة، والكبيرة تبدأ معه،
ومن كلّ الزوايا، يملأ معظم مساحة الصورة، والحشود في خلفيتها، أجسادٌ
متراصّة، بالأحرى ظلال.
وفي مشهدٍ يدعو إلى التساؤل :
ـ كيف تمكنت إمرأة مع طفلتها من العبور، وإختراق حواجز الأمن بسهولةٍ حتى
وصلت إلى سيارة "هتلر" المكشوفة، قدمت له باقة من الورد، ولمست يده
المُباركة، ومن ثم ينقلنا المونتاج فوراً إلى صورةٍ كبيرة لأطفال، قطعٌ
مفاجئ، وغريب، إلاّ إذا كان المشهد قد تمّ تجيهزه مسبقاً، ماعدا ذلك، يمكن
أن نتوقع آلاف النساء يتقدمن نحو سيارة الزعيم للحصول على بركاته، لم نشاهد
المرأة تركض، ويبدو بأنّ السيارة تمهلت كثيراً كي تتمكن من تنفيذ ما طُلب
منها، وبعد ثلاث لقطاتٍ، أطفال يبتسمون، مبتهجون بهذا الحدث الجانبيّ، يعود
المونتاج مرة أخرى إلى المرأة، وقد نفذت مهمتها، تلاعب مونتاجيّ بإمتياز(مشهد
تمثيليّ رُبما) .
ومن أجل الإنصاف قليلاً، والتأكيد بأنّ اللقطات الكبيرة لم تكن من نصيب
"هتلر" وحده، فإنه حالما يصل إلى مكان إقامته، يحظى بعض الجنود الواقفين
بجانب المبنى على تلك الميزة السينمائية .
عندما يطلّ "هتلر" من نافذة مكان إقامته/أو مكتبه ينقلنا إختفاء، وظهور
تدريجيّ للصورة إلى لقطاتٍ ليلية في نفس اليوم، أو في اليوم التالي.
حتى تلك اللحظة، كانت الموسيقى المُصاحبة مضافة مونتاجياً من خارج الحدث
نفسه، ولكن، مع هذا الإنتقال الزمني/المكاني، تنطلق الموسيقى من داخل الحدث
نفسه، فرقة موسيقية عسكرية تعزفها.
وعلى الأرجح، يستخدم البناء الصوتيّ تناوباً بين موسيقى مُضافة، وأخرى
موجودة في داخل المشهد نفسه.
من المفيد الإشارة، بأنها هي العنصر الصوتي المُسيطر، يأتي بعدها، في
الدرجة الثانية، هتافات الحشود، كانت المؤثرات الصوتية منتقاة بعناية،
إحتفظت المخرجة بقدرٍ منها، وحذفت أخرى (على سبيل المثال، لم تحتفظ بأصوات
محركات الطائرات، أو سيارات الموكب...)، بإنتظار العنصر الصوتي الأهمّ :
خطابات "هتلر" المُدوّية.
يجمع البناء المونتاجيّ تنوّعاً مذهلاً في أحجام اللقطات، والزوايا، تخلق
إيقاعاً بصرياً يتضافر مع الموسيقى الحماسية المُتواصلة، مع هذا التكرار
البصريّ/الصوتيّ، يبدأ المتفرج بالدخول في خدر ذهنيّ حتى يصل إلى حالةٍ من
الإستلاب، لقد أصبح مسكوناً، ولم يعدّ قادراً على التفكير، يقوده الفيلم
بسهولةٍ نحو أهدافه الدعائية.
تتغير التيمة الموسيقية، تصبح اقلّ إثارةً للحماس، وتتجول الكاميرات في
أرجاء المدينة التي تسبقبل يوماً جديداً.
سوف تظهر إنتقائية المخرجة لمُؤثرات الجو العام عندما تصوّر كنائس تنطلق
أجراسها مختلطة مع الموسيقى، يحتفظ شريط الصوت بصداها على الرغم من
الإنتقال إلى لقطاتٍ لاحقة، تُساهم هذه المفردة الصوتية في توجيه المتفرج
نحو أجواء روحانية تغلف ذلك الحدث
.
تظهر خيام الكشافة، وإستعداداتهم
ليومٍ جديد، بينما تعود الموسيقى إلى طابعها الحماسي، وتصبح في أوجها عندما
تُقرع الطبول، هناك عمل جماعيّ كحال كلّ المُعسكرات الضخمة، وتردد الجموع
غناءً جماعياً .
بعد ربع ساعة، يمنح الفيلم هؤلاء الشباب بعض إنسانيتهم، يصحون من النوم،
يغسلون وجوههم، يحلقون ذقونهم، هناك من يجمع الحطب، آخرون يجهزون الطعام،
يأكلون، يلعبون، يضحكون، وهنا، يؤكد البناء الصوتي إختياراته المُتعمّدة في
إظهار ضحكاتهم، وملامح صوتية خفيفة من الجوّ العام، بينما تبقى الموسيقى في
مقدمة ما عداها من الأصوات.
مع بداية الإستعراضات الفولكلورية، وتحية "هتلر" لبعض نساء المواكب، إنه
ليس حامياً للتقاليد الألمانية فحسب، لقد أصبح رمزاً شهوانياً عندما يقدم
الفيلم لقطاتٍ منتقاة بعناية تظهر وجوه النساء تطفح شبقاً جنسياً مختفياً
خلف إبتساماتهم، وكي ننصف المخرجة، نجدها تحتفظ أيضاً بلقطاتٍ، وفيها
يتبادل "هتلر" التحيات، وكلماتٍ (لا نسمعها) مع بعض الشباب.
فيلمٌ يهدف إلى التوثيق المُحايد، يمكن أن يبدأ هنا، مع إفتتاح "المؤتمر
السادس للحزب"، أيّ مع خطاب "هتلر" الأهمّ في مناسباتٍ كهذه، ولكن، هناك
رغبة متعمدة من المخرجة بتخدير المتفرج عن طريق الصورة، والصوت لمدة أكثر
من عشرين دقيقة، وليس من قبيل الصدفة أيضاً، أن يبداً هذا الجزء من الفيلم
بلقطةٍ كبيرة للصقر المُجنح تصاحبه موسيقى حماسية تصل إلى ذروتها، ومن ثمّ
التذكير برحيل الفيلدمارشال "هايندون بيرغ" رئيس الرايخ.
أمام الحشود، يقول أحد القادة العسكريين عن "هتلر" :
ـ أنتَ ألمانيا، عندما تتحرك، الأمة تتحرك،... عندما تحكم، الشعب يحكم.
هنا أيضاً، وكي لا يتحول الفيلم إلى وثيقةٍ تقريرية، فقد إختارت المخرجة
مقتطفاتٍ دالة من خطابات "هتلر"، وبعض القادة، توقفت الموسيقى التي كنا
نسمعها دائماً، أو بالأحرى تحولت إلى موسيقى، طريقة الإلقاء، نبرات الصوت،
حركات الجسد، تعابير الوجه، المحرك الجوهري في توصيل الأفكار التي تلهب
الحشود.
طريقة مونتاج الإستعراضات العسكرية تُحيل المتفرج إلى الأفلام الملحمية
الأسطورية في زمن الرومان، والإغريق.
من بداية الفيلم، وحتى ثلثه الأول، عندما يبدأ بعض الجنود المُختارين
بإعلان كل واحد منهم عن المنطقة التي جاء منها، يتضح بأن الفيلم لا ينقل
مؤتمراً حزبياً فحسب، ولكن، عرضاً مسرحياً ضخماً يُحيلنا إلى المسارح
الأغريقية، في تلك اللحظة، يتحول الجنود إلى جوقةٍ منشدين تُعلق على
الأحداث، "هتلر" يحيطه مجموعة أساسية من الممثلين، وحشود ضخمة من المجاميع
التي تتعامل معه كبطلٍ تراجيديّ، نصف بشر/نصف إله.
آلافٌ ينشدون مثل جوقة في مسرح أغريقي :
ـ نحن هنا، مستعدون أن نقود ألمانيا إلى حقبةٍ جديدة، المانيا.....شعب،
فوهرر، رايخ، ألمانيا
ويكمل هتلر تلك التراجيديا النازية
:
ـ نحن
نريد شعباً مُطيعاً، ويجب أن تكونوا مطيعين..
في الخطاب الختاميّ، وبعد حوالي 20 دقيقة إضافية من لقطات الإستعراضات
العسكرية، والموسيقى المُصاحبة، وبعد الكثير من الهتافات، يختتم أحد القادة
المؤتمر الإحتفالي
:
ـ الحزب هو ّهتلر"، ولكن "هتلر" هو ألمانيا، وألمانيا هي "هتلر".
اللقطة الأخيرة، كبيرةُ جداً للصليب المعكوف، تتداحل بصرياً مع لقطة يظهر
فيها صفوف طويلة جداً من جنود يتقدمون نحو الكاميرا، ويستمر النشيد
الحماسيّ الجماعيّ.
وُفق المؤلف الفرنسي "جان بيير دلارج" :
ـ "إنتصار العزيمة "، تحفةٌ من الكراهية، الغرور الإستفزازيّ، الفخر
الشيطانيّ، وعلى الرغم من ذلك، هو تحفة".
الجزيرة الوثائقية في
01/08/2013
المخرجة الإيرانية مانيا أكبري:
السينما تهدد الحكومة
ترجمة: نجاح الجبيلي
أقام معهد الفيلم البريطاني في لندن معرضاً احتفائياً للمخرجة
الإيرانية مانيا أكبري بعنوان" من طهران مع الحب: سينما مانيا أكبري"
واستمرّ حتى الثامن والعشرين من تموز. التقى توم سيمور من صحيفة الغارديان
المخرجة التي تحدثت عن قضايا السينما والرقابة والمرأة والمشهد السياسي في
إيران:
بين الكمبيوترات المحمولة وأكواب القهوة بالحليب في بهو معهد الفيلم
البريطاني في الوست بانك في لندن تجلس منشقة ومنفية. هربت المخرجة "مانيا
أكبري" من مدينتها طهران في الصيف الماضي. وهي عازمة على تحري قضايا الزواج
والإجهاض والزنى والسحاق في وطنها إيران. لقد تحرت عما يحدث في حالة فقدان
الثدي نتيجة السرطان. وصنعت أفلاماً أزعجت وصدمت المؤسسة الدينية. والآن
بعد خمس عشرة سنة من الرقابة و"العيش في حالة الخوف والإحباط" ترى أكبري
أخيرا أفلامها تعرض بشكل تجاري لأول مرة.
إن وجود هذه الممثلة والكاتبة والمخرجة التي تبلغ التاسعة والثلاثين
في المملكة المتحدة ليس بمحض إرادتها. فخلال إنتاج فيلمها الأخير" من طهران
إلى لندن" والذي عنوانه أصلاً:" نساء بلا أثداء" تم القبض على طاقم الفيلم
من قبل السلطات الإيرانية مفترضين أن الفيلم قد جرى تصويره دون موافقات
رسمية. ولخشيتها أيضاً من السجن فإن أكبري هربت من طهران إلى لندن. تقول
بالفارسية:" هجرت مسقط رأسي وأنا أحمل الأسى والخوف والإحباط. لكني مغتربة
ومنعزلة. لم أستطع أن أحصل على إجازة صنع الأفلام أو عرضها. ما زلت أحب
إيران. ومازلت مفتونة بها. لقد منحتني الإبداع. لكني مضطرة إلى المغادرة".
افتتح الفيلم الرئيس في موسم أعمال أكبري في معهد الفيلم البريطاني
بعنوان" من طهران إلى لندن" بإهداء مشحون سياسياً إلى "كل صناع الأفلام في
إيران الذين تعرضوا لأحكام بالسجن وإلى الذين ما زالوا فيه". ومع ذلك فإن
أفلام أكبري لا تدعو إلى حمل السلاح. ولكونها عصامية فقد صنعت خمسة أفلام
طويلة – وكلها صنعت بشكل سرّي وبميزانية قليلة- في عشر سنوات بينما كانت
تعمل كذلك كمصورة فوتوغرافية ورسامة. وقد عرضت أفلامها في أكثر من 40
مهرجاناً؛ أول أفلامها "عشرون اصبعاً" فاز بأحسن فيلم في مهرجان البندقية
السينمائي في فئة الأفلام الرقمية. أما أفلامها الوثائقية فهي تنغمر في
السياسة أكثر من أفلامها الدرامية: في عام 2011 صنعت ما أطلقت عليه "فيلماً
وثائقياً تحذيرياً حول الغضب والانتقام والعنف والقانون" حول طفل يدعى "بنهوود"
تعرض للموت من قبل الدولة في إيران.
لكن أفلامها الطويلة إنسانية على نحو راسخ: فهي دراسة قاسية وقوية
للكفاح العائلي والصراع من أجل السعادة- والهيمنة- في العلاقات الجنسية. إن
نساء أكبري اللاتي خلعن حجابهنّ يمكن أن يكنّ عاملات اجتماعيات في شفيلد أو
مصففات شعر في جنوب لندن يتحدثن بشكل مرهق عن الصراع من أجل الأم العاملة
والحب الذي تشكله الألفة.
برزت أكبري في عام 2002 في دور رئيس في فيلم "عشرة" لعباس كياروستامي
وهو فيلم يتكون بأكمله من أحاديث داخل سيارة. تقول:" علمني كياروستامي أن
أتخلى عما يثبطني كي أستغرق تماماً في العمل وأن أكون في منتهى التجرد
والكشف". في عام 2007 تم الكشف عن أصابتها بنوع خبيث من سرطان الثدي. في
فيلمها "10+4" وهو أشبه بتكملة لفيلم كياروستامي، تتحرى فيه العيش في كل
"من الحياة والموت".
تقول:" السرطان ليس مجرد مرض بل يغير مظهرك كما يغير من ذاتك
الداخلية. نحن نختفي وراء جلودنا. هذه هي إحدى مفاهيم الفن: أن يحدد
المعاناة أو حتى الموت بشكل مختلف. أن يعطيه معنى جميلاً".
إن تأثيراتها ليست محصورة بالسينما. فهي تصف فيلم "حب" الفائز بجائزة
السعفة الذهبية كونه "رقصة بين الحياة والموت"- لكن أيضا "الأجساد المضطجعة
لمنحوتات هنري مور وراقصي لوحات هنري ماتيس والكرسي الأحمر في لوحة بابلو
بيكاسو". إن مشهداً واحداً من أفلام أكبري، تقطعه العاطفة أو الادعاء، دون
لقطات كلوز آب أو مونتاج أو موسيقى نشطة، يمكن أن ينكشف بلا تحرير ما بين
10 إلى عشرين دقيقة. وتستطيع أن تشعر أنك تشاهد تقاطعاً ما بين الخيالي
والوثائقي ومع ذلك تخطط أكبري وتتدرب على كل ثانية من أفلامها " أشهر
مقدماً". إذا ما توقف رجل في منتصف الجملة كي يمسد خصلة من وجه زوجته فليس
من الصدفة. تقول:" مع السينما تستطيع إن تأخذ جمهورك بأيديهم وتدلهم من
خلال حياتك. أحمل كل تجربة كانت معي دائماً".
من وجهة نظر غربية يمكن أن يكون من الصعب فهم السبب في أن الدولة
الإيرانية ربما تنظر إلى أفلام أكبري كونها تحدياً لوجودها. لكنها تتحدث
بشكل واقعي عن القضية قائلة:" السينما تستطيع أن تجعل الناس واعين لهذا فهي
تهدد الحكومة. الحكومات تريد أن تفرض أيديولوجيتها على شعوبها".
وحول انتخاب رجل الدين المعتدل حسن روحاني تقول أكبري أنها متفائلة
بشأن هذا التقدم:" إننا نشاهد طاقة جديدة لدى الشعب الإيراني. دون أمل يصبح
الإنسان عبارة عن جثة تمشي. وهو تطلع مخيف، كلا؟ إن المجتمع الخالي من
الأمل يصيبه الاضمحلال.. يجب أن نؤمن كلنا دائماً ونرحب بالتغيير".
المدى العراقية في
01/08/2013
الهنغاري ساس يقرأ "الدفتر الكبير"..
و"بابوشا" أجمل بالأبيض والأسود
كارلوفي فاري/ قيس قاسم
فوز السينما الشرق أوربية بأهم جوائز الدورة الـ48 لمهرجان كارلوفي
فاري السينمائي، يعكس حضورها في المشهد السينمائي العالمي ويبرر للمهرجان
تصنيفه كواحد من المهرجانات السينمائية العريقة التي تقدم منجزاتها بأكبر
عدد ونوعية جيدة من الأفلام الجديدة الإنتاج، وبعيداً عن لعبة الجوائز
ولجان تحكيمها فالمنافسة ووفق ذائقة نقدية صرفة ما كانت ستتقاطع معها، بل
قد تختلف على خروج الفيلم البولندي "بابوشا" بتنويه مجامل كان يستحق أكثر
منه بكثير لكن ما يهمنا هنا هو انتماءه الى منطقة شرق أوربا وبموضوع شائك
يخص واحدة من المشاكل الجدية التي تواجهها وتضع "ديمقراطيتها" الناشئة على
المحك ونعني بها "مشكلة الغجر" وكيفية النظر الى وجودهم البشري بين
ظهرانيهم، على غرار ما فعله التشيكي يان هرجبيك حين عالج "المثلية الجنسية"
في فيلمه "شهر العسل" واستحق عليه جائزة أفضل مخرج، وعلى مستوى الوثائقي
جاء فيلم الروسي فيتالي مانسكي "أنابيب الغاز الطبيعي" ليكرس هيمنة اضافية
حين توج بجائزة أفضل فيلم "فوق ثلاثين دقيقة" أما الأقل من ثلاثين دقيقة
فكانت من نصيب الدنماركي أميل لانغبول عن وثائقية "صبي الساحل". فيما
تقاسمت ممثلات فيلم "الطائر الأزرق" وهو من إنتاج سويدي أمريكي مشترك جائزة
أحسن ممثلة ,ذهبت الكرة البلورية لأحسن ممثل الى الآيسلندي أولفور داري
أولفسون عن دوره في فيلم "قياس أكبر" أما العربية فشعبيتها كانت أكثر بين
الجمهور الذي وضع "عمر" لهاني أبو أسعد و"وجدة" لهيفاء منصور بين الأفلام
العشرة التي أحبها.
ساس يقرأ "الدفتر الكبير"
يعود الحائز على الكرة البلورية المجري يانوش ساس في "الدفتر الكبير"
الى الحرب العالمية الثانية من خلال حكاية طفلين عاشا مآسيها مستعرضاً من
خلال تجربتيهما المتغيرات التي شهدتها بلادهما بين حكم النازيين الألمان
و"المحررين" الروس والتي ستترك آثارها عليهما وعلى المجتمع الهنغاري ككل.
ربما يضع هذا النص التاريخي المقترح الفيلم في خانة "أفلام المراجعة
التاريخية" وأن مال ساس الى تقديمه كرؤية لحالة إنسانية محددة في ظرف
تاريخي محدد يمس حياة طفلين شهدا انقلاباً هائلاً في مسيرة حياتهما على أثر
وجود طارئ، مريع لا تفسير له عندهما سوى بوصفه قدراً جُرا الى مواجهته وهما
في سن صغيرة، وكنوع من التحدي وحتى لا ينسيا ما غيرهما نحو قساوة مبكرة
سجلا تفاصيله في دفتر مدرسي قام المخرج ساس بتقليبه وفق رؤيته الخاصة
لتاريخ بلاده أثناء الحرب العالمية الثانية والتي أراد من خلاله لعنة الذين
حكموهم بالقوة وقرروا شكل النظام الذي عليهم الخنوع له. في محاولة تميز
أراد "الدفتر الكبير" تسجيل موقف نقدي للروس والألمان على حد سواء، بل أراد
والى حد ما عرض صورة النازي بشكل مغاير عن صورته النمطية والروس على عكس ما
ثقفوا به على مدى نصف قرن، فهم في فيلمه مغتصبون وقتلة، وما ادعوه من قيم
التحرر والعدالة تناقضت في أول ظهور لهم فوق مدرعاتهم التي اغتصبوا فتاة
مشردة فيها ثم رموها ميتة، أما درجة التمزق الاجتماعي السياسي فستتجلى
تعابيرها في رحلة الصبيين من بيتهما الى بيت الجدة القاسية والنهاية
الدرامية التي يقرر فيها أحدهما الهروب خارج حدود بلاده تاركاً أخاه ليعاني
ما عاناه الشعب الهنغاري تحت سلطة الدولة القائمة على سحق النازية وترسيخ
نهجها الشمولي البديل.
بالأبيض والأسود.. أجمل
التنويه الخاص من لجنة التحكيم يشير في الأغلب الى حرجها جراء حرمانها
فيلم "بابوشا" ليوئنا كوس ـ كراوزه وكرشتوف كراوه من نيل احدى الجوائز
الرئيسة مع ان الأمر لا يغير من أهمية الفيلم الذي يبقى على مستوى البصري
واحداً من أجمل الأفلام المصورة بالأسود والأبيض المعاملان بتقنية حديثة
تمنح الضوء المنعكس من تفاصيل اللقطة لوناً داخلياً حاراً ما يزيد من
الجمالية المشهدية التي اشتغل عليها المخرجان بشكل مدهش. أما على مستوى
الحكاية فهي استثنائية تخص حياة الشاعرة الغجرية البولونية "بابوشا" التي
خرجت عن كل الأعراف الثابتة لأبناء جلدتها ومثلت تحدياً للمجتمع الأكبر
الذي يعامل الغجر بدونية ولا يتوقع منهم أي مبادرة للارتقاء الى مستوياتهم
"المتحضرة" والوصول الى أعلى دراجاتها المتمثلة في كتابة الأدب، والشعر،
على الخصوص. فحقل التعليم ظل حصراً على "البيض" وبالمقابل لم يعبأ الغجر
بجهلهم الكتابة والقراءة فهم، وكما يشير موروثهم الثقافي، لا يريدونها
بوصفها شكلاً من أشكال تدوين الذاكرة "والغجري لا يريد تسجيل ذاكرته" لأنه
رحال لا يعود الى مكان مرتين والذاكرة موجعة قد تدفعه للتوطن، وهو ما
لايريده ومن هنا عارضت قبيلتها رغبتها بالتعلم كما امتعضت المؤسسة الرسمية
من خروج شابة غجرية من شرنقتها طامحة في الانتقال الى صف "المتفوقين" وهو
أمر تحملت تباعته كثيراً، خسرت شعرها وحبيبها وخضعت لشروط عيش قاسية. "بابوشا"
التفاتة سينمائية لمشكلة حقيقية تعاني منها أوربا الشرقية على وجه الخصوص
بعد انتقال دولها من الاشتراكية الى الرأسمالية وهو تحفة بصرية ممتعة بكم
الجمال الذي ينتقل منه الى مشاهدي فصل طويل وحزين من تاريخ حياة شاعرة
موهوبة جاءت من مكان لا يحب الكتابة وعاشت في وسط لا يحب الغجر.
المدى العراقية في
01/08/2013
لوكارنو.. خمسة افلام سورية.. وتكريم هيرزوغ
لندن/ فيصل عبد الله
-لا
تخلو التفاتة الناقد الإيطالي والمدير الفني الجديد لدورة مهرجان لوكارنو
السينمائي، في طبعتها السادسة والستين ومن 7 ولغاية 17 آب/أغسطس القادم،
كارلو شاتريان من بعد سياسي يختلط بالدهشة. أو في الأقل، هذا ما يقوله خيار
تسليط الضوء على نتاجات سينمائية بعينها قادمة من منطقتنا، وفي بادرة أولى
في تاريخ هذه الاحتفالية العريقة. فان حضرت السينما المصرية سابقاً، ومثلها
اللبنانية والسورية والفلسطينية والشمال أفريقية، ضمن فقرات برنامج هذه
التظاهرة الشبابية أصلاً، فقد كانت عبر عدد من الأفلام السينمائية او أشرطة
الفيديو المحققة هنا او هناك. نذكر، على سبيل المثال، عرض العمل الفيديوي
للراحل عمر أميرلاي "طبق السردين"(18 د) قبل أكثر من عقد ونيف.
-وعليه فان عرض خمسة أفلام فيديوية منجزة بأيد سورية دفعة واحدة، وضمن
بانوراما من 34 عملاً حملتها فقرة "خارج المسابقة" المهمة، الى جنب الحفل
التكريمي للمخرج الألماني وورنر هيرزوغ وعبر العرض العالمي الأول لعمله
الماراثوني "المحكوم عليهم بالإعدام" باجزائه الأربعة، والتي تفتتح بشريط
"موجة لدرء الظلام" للبريطاني بن ريفرز والأميركي بن راسل، لا يترك مجالاً
سوى الإشارة السياسية التي يريد المهرجان من إيصالها. إذ سيكون زوار
المهرجان على موعد مع شريط "حجر أسود" (64 دقيقة 2006) الوثائقي للمخرج
نضال الدبس ويقارب فيه واقع الطفولة في بلده بلغة سينمائية رائعة، و
"حكايات عن الحب والحياة والموت.. وأحياناً عن الثورة"(65 د. 2012) لنضال
حسن، عن شهادات نساء غائبات وأخريات ما زلن يحلمن بالحب والحياة.. وأحياناً
الثورة. و "أفق خفيف"(7 د. 2012) لرندا مداح وفيه متابعة لمصير قرية دمرتها
القوات الإسرائيلية في العام 1967، و "حكايات غير مروية"( 45 د. 2013)
لهشام الذوقي في عرضه السينمائي الأول عالمياً، و "زبد" (41 د.2008) لريم
علي، سبق وان منعت سلطات بلدها عرضه في مهرجان قرطاج السينمائي الدولي
وقتها، حيث يتناول ظروف اعتقال ومعاناة سيدة شيوعية عبر شهادة شقيقها
المقعد.
-إلا ان التغييرات الكبيرة التي أصابت برمجة فقرات هذه التظاهرة لم تنل
من ثوابتها. إذ ظل مهرجان لوكارنو السينمائي وفياً لخطه العام في اكتشاف
الأصوات والمواهب السينمائية، وبما يعزز من حظوظ صناعها في عرض نتاجاتهم،
ودفاعه عن القيم السينمائية والجمالية التي تشكل العمود الفقري للفيلم
السينمائي. لذا أختار كارلو شاتريان عنواناً لافتاً لبرنامج هذه الدورة، إذ
أطلق عليها "سينما التخوم". إذ، يرى، ان فكرة التخوم لا تعني البعد او
العزلة، ولم تعد فكرة "الطليعية" المفردة الموفقة في عالم اليوم المتداخل.
إذ لم يعد الرهان في الوصول الى بقعة ما هو مقياس النجاح، إنما السؤال
الأساسي يتمحور حول الرغبة والقدرة بتوفير فرص لنتاجات سينمائية يصعب عليها
الوصول الى المشاهد الأوربي، بما تحمله من رؤى فنية تجاهد في التعبير عن
ذاتها. ولعل فقرة "المسابقة الدولية"، مثلاً، والمخصصة للعمل الأول او
الثاني، تعبر عن ذلك أفضل تعبير. فقد شملت 20 شريطاً، منها 18 شريطاً تعرض
لأول مرة عالمياً، حيث طغى عليها صوت "سينما المؤلف"، ولتتنافس فيما بينها
للظفر بجائزة الفهد الذهبي. ووقع الخيار على المخرج الفيليبيني لاف دياز
على رأس لجنة تحكيم من خمسة أشخاص. من بين عروضها العالمية شريط "حكاية
موتي" للإسباني ألبرت سيرا، و "حقيقي" للياباني كيوشي كوروساوا، بعد خمسة
أعوام من الصمت، و "دم" للإيطالي بيبو دلبونو عن صعود منظمة الألوية
الحمراء في بلده، و"وقت في كوشي" للتايواني تسو تشاي تشانغ، و"حين يحل
المساء على بخارست..أو تبدلاته" للروماني كورنيليو برومبوي. ولعل حضور
السينما الفرنسية المكثف، أربعة أفلام، هي العلامة المميزة لهذه الفقرة.
-وجرياً على تقاليد الدورات السابقة، جرت جدولة متأنية لعروض الـ "غراندا
بيازا" السينمائية، واحدة من معالم هذا المهرجان الأثيرة عبر شاشتها
العملاقة حيث تتسع الى 8000 مشاهد من عشاق السينما في الهواء الطلق، وفي
بلد يتكلم سكانه أربع لغات. وعليه، تصبح عملية اختيار العناوين بمثابة مهمة
تتطلب فتح نوافذ، وقبلها مرآة، لواقع عالمنا الذي نعيش فيه. ولمحاكاة ذائقة
شبابية، في أغلبها، جرت جدولة عروض هذه الفقرة بعناية فائقة غرضها جذب أكبر
عدد ممكن من المشاهدين، منها "بندقيتان" للأميركي بالتسار كورماكور، ومن
بطولة دينزل واشنطون ومارك واهلبيرغ، حيث ستتفتح به هذه الدورة أعمالها.
ومثله الشريط الكوميدي "رجال الشرطة الخطأ" لمواطنه كوينتن دوبيي، و"أنا
وفيجاي" للألماني سام غابريسكي، و"الشرط الإنساني" للإيطالي برونو أوليفيرو،
و"حارس الأسباب المفقودة" للدنماركي ميكيل نوغارد، و"حب السيد مورغان
الأخير" لساندرا نتيلبليغ ومن بطولة مايكل كين في دور بروفيسور متقاعد يقع
في حب فتاة باريسية. بالمقابل نقرأ في فقرة مسابقة "سينما الحاضر"، حيث وقع
الخيار على 16 شريطاً، منها 14 شريطاً تحمل توقيع التجربة الأولى لصناعها
وفي عرضها الدولي الأول. وفي إشارة الى قدرة المهرجان الذي يضع في سلم
أولوياته اكتشاف الأصوات الجديدة وتشجيعها في المضي في مشاريعها. وكجزء من
الاحتفاء بالمنجز السينمائي وقدرته على تجديد ذاته من جهة، وانغمار كامل في
عالمنا السوريالي عبر تجلياته التعبيرية، حيث يتجاور فيها الفيلم الروائي
الى الوثائقي، الدرامي بالكوميدي، التجريبي بفنون الأنشاء السينمائي. في
حين ستركز عروض فقرة "أبواب مفتوحة" على النتاجات القادمة من القوقاز
وأرمينيا وأذربيجان وجورجيا.
-ستكرم هذه الدورة المخرج الأميركي الراحل جورج كوكر وعبر عرض مجمل
أعماله، وعلى رأسها شريطه "ثري ومشهور"(1981)، الذي سيتعرض ضمن فقرة الـ "غراندا
بيازا وبحضور بطلته جاكلين بيسيه.
-توجه هذه الدورة تحيتها الى المخرج الألماني وورنر هيرتزوغ بمناسبة
بلوغه سن السبعين.
-تكريم الممثل البريطاني كريستوفر لي.
-تكريم المغنية الدنماركية/ الفرنسية الجنسية آنا كارينا.
-تكريم الممثلة الأميركية فاي دوناوي وعبر عرض شريط "تشاينا تاون"
لرومان بولانسكي.
-تكريم المخرج الجورجي اونار أوسيليني.
-تكريم المنتجة الهنغارية/ الألمانية/ الفرنسية مارغريت مينوكوز.
المدى العراقية في
01/08/2013
مخرج أميركي يبدأ تصوير "رائحة لنا" في باريس
ترجمة/ عبد اللطيف الموسوي
بدأ المخرج الأميركي لاري كلارك مؤخراً تصوير فيلمه الجديد "رائحة
لنا"
The Smell of us
في باريس بعد ان وقع اختياره على مواطنه النجم مايكل بيت بدلا
من الممثل الإنكليزي بيت دوهرتي الذي كان من المقرر ان يؤدي دور البطولة
مع فرقة من المتزلجين في باريس.
وكان اسم بيت دوهرتي قد تردد خلال انعقاد مهرجان كان السينمائي الأخير
بوصفه احد الخيارات الجديدة للمخرج كلارك. لكن دوهرتي الذي عرف بأغنيةBabyshambles
لم يعد جزءا من مغامرة مخرج الفيلم الذي انطلق تصويره بالفعل في باريس
باللغة الفرنسية. وقد حرص منتجو الفيلم على ان تكون مشاركة الممثل مايكل
بيت حتى وقت متأخر في غاية السرية. وسيكون بيت الممثل الشهير الوحيد في هذا
الفيلم الذي تقع احداثه وسط مضمار تزلج ويشاركه الأدوار الرئيسة أربعة
مراهقين باريسيين غير معروفين هم(ثلاثة أولاد وبنت).
وكان مايكل بيت قد خاض غمار تجربة مماثلة منذ أحد عشر عاما، عندما ادى
دور شاب قاتل في فيلم مستوحى من قصة حقيقية ،مثل فيلم
The Smell of us
المستوحى أيضا من أحداث حقيقية ،كتب قصته الشاعر الفرنسي الشاب
ماثيو لانديس الذي اخذ يتمنى ان يطلق عليه اسم الكاتب. وقد وجد"بيت"،32 سنة
، في المخرج لاري كلارك واحدا من الموجهين له. بعد ان كان تعويذة مخرجين
معروفين امثال برناردو برتولوتشي في (الأبرياء)، وجوس فان سانت في (الأيام
الأخيرة) ومايكل هانيك في(ألعاب مضحكة).
الفيلم الذي يستغرق تصويره 35 يوماً خصصت له ميزانية تبلغ 3,45 مليون
يورو وهو يتحدث عن الشابين ماث وجي بي اللذين يشتركان في حب التزلج ويعيشان
حياة أسرية معقدة فيقومان بعمليات مراقبة على الآخرين بواسطة الأنترنت وهما
جزء من مجموعة تضم ايضا باسمان وصديقته ماري اللذين يشكلان ثنائيا فوضويا
يقع في شر اعماله فتتكشف مظاهرهما الخادعة وتتبخر احلامهما.
عن: صحيفة ليبراسيون الفرنسيةn
المدى العراقية في
01/08/2013
نقاد يرفضون دعوة المهن السينمائية لقطع العلاقات الفنية مع
تركيا
كتبت - صفاء عبدالرازق
أعلن عدد من النقاد رفضهم لدعوة نقابة المهن السينمائية وجمعية مؤلفى
الدراما العربية لقطع العلاقات الثقافية والفنية بين مصر وتركيا بعد
مواقفها السياسية اﻷخيرة تجاه مصر، وهو ما يهدد بعدم عرض المسلسلات التركية
على القنوات الفضائية المختلفة، لعدم إقحام الفن بالسياسة.
وقالت الناقدة صفاء الليثى، إن التصعيد فى السياسة انفعالى، ويجب أن
تبقى العلاقات الثقافية بين الشعوب بعيدة عن السياسة، قائلة: لدينا مواقف
معادية لدى سياسة النظام الأمريكى فى المنطقة العربية ومع ذلك يتم عرض
الأفلام الأمريكية على كل القنوات وفى السينما، فمنع عرض الأعمال الفنية لا
يحدث إلا فى حالة تهديد الأمن القومى فقط، مشيرة إلى أنه عام 1967 منع
الزعيم جمال عبدالناصر عرض الأفلام الأمريكية فى الفترة التى كان يرأس فيها
مصطفى درويش جهاز الرقابة على المصنفات الفنية والمنع لم يستمر طويلاً،
فالسياسة متغيرة والثقافة والعلاقات الإنسانية يجب أن تستمر.
وقال الناقد كمال رمزى، إنه ضد أن يدخل الثقافة والفن طرفا فى
الخصومة، وإصدار نقابة المهن السينمائية بيانا تطالب فيه بقطع عرض الأعمال
التركية على القنوات الفضائية، ووضع السياسة طرفا فى خصومة، واستشهد رمزى:
لو أصبح عندنا مشكلة بين مصر وسوريا هل الشعب المصرى «يبطل» يتفرج على
الفنان «دريد لحام» بأعماله الكوميدية، ولا يتوق لقراءة أشعار نزار القبانى؟
وقال دكتور صفوت العالم، أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة: من العبث أن
نقحم الخلافات السياسية فى خلط العلاقة الفنية بين المنطقتين، مشيراً إلى
أنه يوجد علاقة تاريخية وسياسية واقتصادية واجتماعياً مهمة بين البلدان.
اليوم السابع المصرية في
01/08/2013 |