137 فيلما
و27 مسلسلا و21 مسرحية، خلال 40 عاما من العطاء لم يقدم فيها ولو مرة شخصية
مسيحية، وهذا الأمر لم يشغله، ولم يؤرقه، وفى الوقت نفسه لم يجد وقتها
ضرورة ملحة للتفكير فيه. فالحساسية بين المسلم والمسيحى طوال مسيرته الفنية
غير موجودة، وحوادث الفتنة الطائفية على الساحة غير مطروحة. لكن فى الفيلم
رقم 138 وهو «الوعد» جسد دور «يوسف» وقدمه بدهشة وإعجاب شديدين بلاتردد ،بل
الأكثر من ذلك أنه تمسك به ، لأنه لم يلعب من قبل دور مسيحى، ورغم أن الدور
لا تتعدى مساحته 30 مشهدا، لكن تأثيره يأخذك ويحلق بك طوال أحداث الفيلم
حتى كلمة النهاية. إنه النجم الكبير «محمود ياسين» العائد بقوة للسينما بعد
غياب طويل..
فى حوارنا
معه تحدث عن فيلمه الأخير والشخصية التى قدمها وأشياء أخرى وقال :
فى رأيى
أن الإبداع الحقيقى فى الفيلم ينسب إلى «وحيد حامد» الذى أبدع بناء كل
شخصيات الفيلم، ورغم أن دورى فى الفيلم لا تزيد مساحته على ثلث مساحة
الفيلم، إلا أن موافقتى عليه جاءت للبناء المحكم الذى ارتفع بالشخصية
للدرجة التى أدهشتنى وصدمتنى فى آن واحد من روعة تفاصيلها، خاصة أنها المرة
الأولى التى أمثل فيها مثل هذه النوعية من الأدوار، وهو ما أكده لى مؤلف
الفيلم «وحيد حامد» من خلال خطابه الرقيق الذى أرسله لى مرفقا بالنص، ورغم
سطوره القليلة، إلا أن الخطاب كان أكثر عمقا، خاصة عندما أكد لى أنه وجدنى
فى الدور كما كتبه وأنه يعتز بهذا الدور كثيرا. ويقدر له مكانة خاصة
بداخله.
النسخة
الأولى
·
وهل وافقت على النص دون إبداء ملاحظات عليه
سواء بالحذف أو الإضافة
- لم
أتدخل إطلاقا، بل وافقت على النص من أول مرة ومن أول نسخة، فرغم أن الفيلم
تمت كتابته ثلاث مرات، وفى كل مرة كانت ترسل لى النسخة المعدلة، إلا أننى
كنت أصر على النسخة الأولى وأتمسك بها لإحساسى بها أكثر من النسختين
الأخريين ، وبالفعل استجاب الجميع لرغبتى فى تقديم دورى كما جاء بالنسخة
الأولى، فأنا أومن دائما بأن أفضل أداء هو الأداء الأول للممثل وليس
الإعادة، وأن أفضل كتابة هى الكتابة الأولى للمؤلف وليست الثانية، باستثناء
بعض الحالات التى يتفق عليها الجميع وتكون لصالح العمل، أما أنا فقد وجدت
أنه من صالحى ومن صالح العمل أن أتمسك بالنسخة الأولى.
·
وهل التغيير الحادث فى النسختين الأخريين كان
حذفا أم إضافة
- لم يكن
حذفا أو إضافة، وإنما كان فى تقديم وتأخير مشاهد. الدين المعاملة
·
قدمت 137 فيلماً و27 مسلسلاً و21 مسرحية ليس
بينها دور واحد مسيحى!.. ما تعليقك على هذه الملحوظة
- أنا لا
أهتم كثيرا بالمسميات، بأن يقال هذا مسلم وذاك مسيحى ،المهم هو التعامل
والتعاون القائم بيننا على المحبة والإنسانية، وكما نعرف جميعا أن الدين
المعاملة، ورغم أننى فى مرحلة الهواية قدمت العديد من الشخصيات المسيحية
التى ترجمت من المسرح العالمى لكثير من المبدعين من أمثال «تشيخوف» و«أبسن»
و«آرثر ميلر» و«ديستوفسكى»، إلا أن معظمها كانت أدوارا مستمدة من التاريخ،
وليست أدوارا معاصرة مثل دور «يوسف» فى «الوعد» يجوز لأن نظرية المسلم
والمسيحى لم ألتفت لها،ولم تشغل بالى فى وقت سابق نظرا لوحدة النسيج الوطنى
بين الطوائف حيث كان الجميع ينعم بالعيش فى أمان وسلام جنبا إلى جنب قبل أن
يشتد الصراع الوهمى، وحدوث المناوشات فيما بينهم والتى أعتبرها مؤامرة على
المجتمع المصرى وعلى المصريين، لم يعتادوا عليها من قبل. وحدة واحدة
·
وكيف ذقت طعم هذه الحالة الآمنة
- لقد عشت
طفولتى وصباى حتى سن 18 سنة فى منزل والدى فى الحى الأفرنجى ببورسعيد،
والذى تغير اسمه بعد جلاء الإنجليز إلى حى الشرق، وطوال هذه المرحلة
العمرية وحتى نهاية الثانوية العامة قبل حضورى إلى القاهرة للالتحاق بكلية
الحقوق، كان يجاورنا فى الفيللا المجاورة لنا مدام ماريا والخواجة نيكولا،
ومن قوة العلاقة، كنا نعتبر أنفسنا عائلة واحدة، كنت أشعر أن مدام ماريا
وكأنها خالتى، نظرا لقربها الشديد من قلب والدتى التى كانت تعتبرها بالفعل
كشقيقتها، وأن الخواجة نيكولا بمثابة عمى لقربه الشديد من قلب والدى الذى
كان يعتبره كشقيقه، فلم نشعر أبدا بفرق فى العلاقة أو المعاملة طوال حياتنا
معا، وكان أولاد العائلتين أصدقاء نلعب ونخرج ونتفسح ونذاكر معا.
·
هل فى شخصية «يوسف» تقترب فى ملامحها حسب
كلامك من الخواجة نيكولا
- لقد
خرجت شخصية يوسف التى قدمتها فى «الوعد» من عباءة الخواجة نيكولا حيث
استحضرت ملامح وتفاصيل شخصيته رغم المسافات والظروف التى باعدت بيننا وبدأت
أدرس هذه التفاصيل وكيف كان يتعامل مع الناس بروحه الطيبة، خاصة أنه كان
المسئول عن المعدية التى تنقل الناس من بورسعيد إلى بورفؤاد وبالعكس،
وبالمناسبة هذه الروح الطيبة لم تكن فقط فى بورسعيد باعتبارها ساحلا يرسو
عليه مختلف الجنسيات والأديان، ولكن هذا كان يحدث على الأرض المصرية كلها
من الإسكندرية حتى أسوان، فكان الجميع يعيش فى سلام وأمان، لدرجة أن الشعب
المصرى كله ـ مسلمين وأقباطاً ـ فى المناسبات كانوا يتبادلون الأكلات
والحلويات أو كانوا يشاركوننا ونشاركهم الصيام، أذكر أن خالتى ماريا فى
أعياد ميلادنا - أنا وأخواتى - كانت تأتينا بتورتة كبيرة تضع فى داخلها
ريال السلطان حسين الفضى وكان علينا أن نبحث عن الريال، كل فى القطعة التى
يفوز بها، وكل واحد وحظه.
·
فيلمان وهما «العربجى» و«الوعد» ومسلسل إذاعى
فقط مع وحيد حامد، أليس هذا الأمر يدعو إلى الاستغراب لاسمين كبيرين مثلكما
- علاقتى
بوحيد حامد بدأت مع نهاية الستينيات وبالتحديد مابين عامى 67 - 68 عندما تم
التعارف بيننا فى المسرح القومى وكنا نجلس يوميا على مقهى زهرة الميدان
بجوار المسرح، كنا وقتها فى بداية طريق الشهرة والبحث عن فرص تحقق لنا هذا
وبدأ كلانا يتكئ على الآخر فى بدايات المسيرة الفنية، إلا أن مشاغل الحياة
أخذت كلينا من الآخر، ورغم أننى كنت أتمنى العمل كثيرا مع وحيد حامد إلا
أنه انشغل ولفترة طويلة من رحلته الفنية مع عادل إمام وكان تركيزه معه
أكثر.
·
كيف تواصلت مع حالة الترقب التى أصابت
المشاهد عند تتبعه لشخصية يوسف
- لابد أن
نعترف بأن الدور كان يغلب عليه روح الشعر، والفن إن لم تغلب عليه الروح فلن
يكون هناك فن، وبما أن الدور والفن لهما علاقة بالشعر، والشعر يحتاج دائما
إلى حالة من الترقب ومتابعة للقادم، فإن الدور كان به نفس الحالة التى
أصابت المشاهد بها، فكان يوسف يأخذك معه لتشعر بحالة القلق التى يعيشها بل
وتتعاطف معه أيضا رغم تاريخه المتردى إنسانيا، إلا أنك لا يمكنك إلا أن
تنحى تاريخه جانبا وتشعر معه باللحظات المتبقية من حياته حيث إن مآله إلى
الموت خلال هذه اللحظات، وهو ما يدعو إلى حالة من الترقب الدائم والملاصقة
للشخصية. انقطاع غريب
·
أكثر من 18 سنة منقطع عن السينما.. لماذا
- أنا لم
أنقطع عن السينما، لكنها هى التى انقطعت عنى، بل وانقطعت عنا جميعا، انقطعت
عنى لأننى لم أجد نفسى فى كثير من الأعمال التى كانت تقدمها السينما فى
سنوات سابقة، وانقطعت عنا جميعا بسبب توقف الإنتاج السينمائى فى أعقاب صدور
قانون 2003 لسنة 91، والذى سمح بإنشاء قطاع الأعمال والذى حول كل شىء فى
حياتنا إلى خصخصة وشركات قابضة، منها الشركة القابضة للإسكان والفنادق
والسينما، هذه الشركات هى وغيرها من الشركات القابضة وضعت يدها على أصول
الدولة وعملت دراسات وتسويات للتخلص من هذه الأصول، أو بالقليل لتأجيرها،
فبعد أن كان لدينا شركتان كبيرتان هما شركة «مصر للاستديوهات» وشركة مصر
للتوزيع ودور العرض تم بيعهما وتأجير أصولهما، لدرجة أن معمل السينما
الموجود بمدينة السينما والذى يعد أكبر معمل فى الشرق الأوسط كان مهددا
بالبيع أيضا لولا وزير الإعلام الأسبق «صفوت الشريف» الذى تحدى الجميع ووقف
فى وجه المنتفعين ورفض بيع المعمل بعد أن عرض الأمر على الرئيس مبارك،
وأوضح له مدى أهمية هذا المعمل بالنسبة لنا ومدى خسارتنا لو تم بيعه.
روز اليوسف المصرية في
17
يناير 2009 |