'أحمد
9 سنوات'... 'كان ياما كان'... جملة تُشطب من على شاشة
الجزيرة ليحل مكانها 'وما زال'. هذا ما يتبع مواجهة ذلك الطفل اليافع مع
ملايين
المشاهدين في الفواصل التي تبثها قناة 'الجزيرة' عن حال غزّة بعد العدوان.
سبق
وشاهدت أحمد مباشرة على الشاشة إثر الزيارة الخاطفة لأمين عام
منظمة الأمم المتحدة
بان كي مون لغزّة.
ومنذ تلك
المشاهدة الأولى وذاك الطفل لم يبرح مخيلتي. وصوته
لا
يزال رفيق وحدتي، أسمعه دون أن أراه، وتتجسد أمام ناظريّ شخصيته القوية
المتماسكة والمسؤولة. 'أحمد' بدا مسؤولاً عن كل أترابه الذين
يفترشون العراء أو
بلاط المدارس. عبّر عنهم ورسم صورة لواقعهم فيها كل أسباب المرارة. لكنه لم
ينحن
ولم ينكسر. هو نموذج لتلك الأجيال الفلسطينية المتلاحقة التي تكبر قبل
الأوان
وتتسلم راية الأرض والشعب وتختصر في حضورها القضية من جذورها
لتقول للعالم بأن
فلسطين أرض لشعبها يجسده أحمد في أبهى حُلة. أحمد إنتفض على حياة الحصار،
وشكا
إنعدام مقومات الحياة.
وما لم
يقله أكبر حجماً وأوسع صدى مما قاله. أحمد الرمز
للآلاف من مجايليه يختزن بين عينيه الغاضبتين تصميماً على أن المقاومة هي
السبيل
الوحيد لإسترجاع فلسطين. وفي نبرة صوته عتب واضح على عالم أدان
الضحية وطيب خاطر
الجزّار. أما في ذراعيه اللتين يجمعهما إستنكاراً لحال المتخاذلين عن نصرة
غزّة،
فثمة قوة وتصميماً 'تنقر' على تلك الضمائر المصابة بداء العمى وداء التخاذل
عن
مقارعة الحق بالباطل.
'أحمد
9 سنوات' صورة وصوتاً أظنهما باتا لصيقين بكل ذاكرة
حية. مشاعري نحوه فيها الكثير من الحب، والكثير من الفخر وأكثر بكثير من
الإعجاب
الذي أعجز عن وصفه. 'أحمد 9 سنوات' يختصر أطفال فلسطين، ويحمل
راية المستقبل، ويدين
المهادنين الباحثين عن فتات من فلسطين يتكرم بها المغتصب لصاحب الحق.
إلى 'أحمد 9
سنوات'
والذي تحول بفعل قوة حضوره وحسن تعبيره العفوي البعيد عن الحسابات
السياسية إلى جزء لصيق بروحي أجمـل تحية. وشكراً لقناة 'الجزيرة' هذا
الأختيار الذي
نتجمد دون حركة لنتابعه قبل النشرات الإخبارية.
مفاجأة
في هذا
الأسبوع
تنهي قناة 'أل بي سي' الأرضية بثها لمسلسل 'الإجتياح' وتقدم حلقاته الثلاث
الأخيرة، بعد أن كانت الوحيدة التي بثته في شهر رمضان لعام 2007 على القناة
الفضائية وحصدت مع فريقه نيله لجائزة إيمييه أوردس كأول مسلسل
عربي. وعلى الجبهة
الأخرى من الأقنية العربية الواصلة إلينا من دول الخليج العربي كانت
المفاجأة في
إطلاق 'أم بي سي' لحملة إعلانية جيدة قبل بدئها ببث 'الإجتياح'
إثر العدوان على
غزّة. لكنها ليست بالتأكيد موازية للحملات الإعلانية التي تواكب أياً من
المسلسلات
التركية. المهم في الموضوع أن 'أم بي سي' قررت بث المسلسل رغم
إبتعاد الأقنية
العربية عنه في حينه لأنها بحسب تعبير المنتج طلال العواملة 'لا تريد نكداً
لصفاء
المشاهدين' في شهر رمضان. أما وأن الـ'نكد' كان ملازماً 'لمن يرغب' من
المشاهدين
العرب خلال ثلاثة أسابيع من العدوان على غزّة، فلا مانع من
متابعة هذا الـ'نكد' عبر
مسلسل 'الإجتياح'.
وفي تعبير
آخر ربما تسعى 'أم بي سي' في عرضها المتأخر لمسلسل
'الإجتياح'
وإثر العدوان على غزة أن تُعبر عن ندمها لأن قطف ثمار النجاح لم يكن لها
بل
كان لسواها. والأهم من كل التحليلات السابقة الذكر في هذه العُجالة أن 'أم
بي
سي' ومعها مولودها الذي يحمل إسم 'قناة العربية' كانا طوال
العدوان على غزّة من
الذين ينكرون حق 'الغزّاويين' في مقاومة الإحتلال، في حين أن مسلسل
'الإجتياح' الذي
يجسد درامياً سيرة مقاومة وكفاح وصمود مخيم جنين في الضفة
الغربية، مسألة فيها
نظر.
ومهما
ذهبنا في التحليل والتفسير يبقى الأهم منها أن قناة 'الأسرة العربية'
'أم بي سي' إختارت أخيراً إمتاع مشاهديها بهذا العمل التلفزيوني الذي يحمل
في كل
مشاهده
وفي مساره الدرامي مقومات النجاح. مسلسل لا نمل متابعته، وهو في بعض مراحله
إلتقى مع موعد البث نفسه بين 'أل بي سي' الأرضية و'أم بي سي' الفضائية،
ولأن
الإعلانات التي جذبها على المحطتين كانت تفوق قدرتنا على
الإحتمال تنقلنا بين
القناتين نتابع أحداثاً بدأت هناك ولم تبدأ هنا، وهكذا دواليك. ومن
الشاشتين كنا
نتابع نبض الحياة الإنسانية في فلسطين بكل تفاعلاتها. فـ 'الإجتياح' دراما
وضعت
أمامنا إنساناً فلسطينياً من لحم ودم.
في حين
كنا نحن البعيدين جغرافياً وحسياً
عن
إلتقاط نبض الحياة الطبيعية للبشر في فلسطين ربما لا نهجس بأن مقاوماً
باسلاً قد
يقع في الغرام. وربما في مكان آخر كنا نتصور فلسطين بغير
الصورة التضامنية
التكافلية بين مختلف أطياف الشعب.
في 'الإجتياح'
سمعنا ورأينا 'الشعب كلو
مقاومة'. شاهدنا من يؤوي الأسر الهاربة من مكان غير آمن إلى آخر أكثر
أمناً. شاهدنا
النسوة بكل أعمارهنّ يتجندنّ دون طلب من أحد لتأمين وجبات الطعام
للمقاومين. شاهدنا
كل الفصائل الفلسطينية تُسلم راية القيادة 'لأبو جندل' وتأتمر
بأمره. وكان مهماً أن
ينقل لنا هذا المسلسل تأنيب الضمير الكبير الذي يشعر به المواطن الفلسطيني
الذي لم
يجد لنفسه مهمة في هذه المعركة.
في مسلسل
'الإجتياح' كان الإنسان الفلسطيني
كائناً حقيقياً، بشراً كما كل البشر. وهذا ما جعل منه كمسلسل قطعة فنية
لصيقة
بالذات، بعيداً عن الشعارات والكليشيهات. وهذا النجاح الكبير
للمسلسل وضع لبنته
الأولى نص الكاتب رياض سيف الواقعي، الإنساني والممزوج ببعض من خيال، كما
جسده عبر
الكاميرا المخرج المبدع شوقي الماجري، وكان صدق الممثلين وإيمانهم الكبير
بما
يؤدونه الرافعة المقابلة لتلك التي وضعها كل من الكاتب
والمخرج. في مسلسل 'الإجتياح'
عشنا في فلسطين ومعها. هو مسلسل أنهى المساحات الإفتراضية التي نبنيها
في
البال عن فلسطين وأهلها وأخذنا إليها أو أتى بها إلينا . لافرق. المهم أنه
كان
لقاءً مؤثراً.
آدم
مع إنهاء
الحلقة 154 من برنامج 'آدم' على قناة
'أم
بي سي' ووضع نقطة على سطر السنة الخامسة من عمره، إستحق البرنامج كل تلك
الإحتفالية التي جاءت لتؤسس للسنة السادسة. 'آدم' أراد كسر عزلة الرجل
العربي
المقصي عن برامج شاشاتنا التي لا تعد ولا تحصى فتوجه له
ببرنامج خاص. وكان لافتاً
أن
تكون نسبة مشاهدة النساء له أكثر من نسبة مشاهدة الرجال.
في محصلة
المتابعة
الدؤوبة لهذا البرنامج يمكن القول بأنه حاول إختراق بعض 'التابوهات'
الموجودة في
عالمنا العربي وبخاصة تلك المتعلقة بالجنس. لكن المطلوب منه المزيد بعيداً
الحسابات
الضيقة جداً التي يفرضها رجال الدين المتزمتين.
لقد قال
أيمن زيود معد البرنامج
وأحد مقدميه أن 'آدم' أصبح 'أسلوب حياة' ونحن نؤيده في ذلك. ونرجوه التركيز
وبإصرار
على جانب التوعية، وهي مطلوبة بقوة في وطننا العربي الغارق حتى
الأذنين بالموروث.
صحافية من
لبنان
zahramerhi@yahoo.com
القدس العربي
13/02/2009 |