لن تتحالف معنا دور العرض المحلية بحضور أفلام أمير كوستاريكا، ولن
يكون التفكير بمشاهدة هكذا أفلام لمن هم مثله من مخرجين من «الحكمة
التجارية» في
شيء. سيكون على كل عاشق للفن السابع يتيماً في قاعات السينما
ينتظر أن يطل عليه بين
الفينة والأخرى فيلم متفق عليه ترويجياً أولاً يحمل شيئاً من قيم السينما
الجمالية
بالحد الأدنى، له أن يسكن جوعاً لا تبالي به آلة العرض المتواصلة لمصاصي
الدماء
وأفلام التشويق والإثارة.
مقدمة محلية بامتياز، مستوحاة مما يعرض غالباً في
كل أسبوع سينمائي،لكنها لا تطمح في النهاية إلا إلى نصرة الـ «دي في دي»،
وكل ما له
أن يلبي احتياجات الجوع السينمائي لما هو مغاير عما يتسيد
شاشات العرض المحلية
الهوليوودية والبوليوودية فقط لا غير.
في سابع أفلام أمير كوستاريكا
الروائية «عدني بهذا» يواصل المخرج الصربي ما بدأه في أول
أفلامه «عندما كان والدي
بعيداً يعمل» (سعفة كان الذهبية 1985) على شيء من الإصرار على مجاورة
الكوميدي
للمأساوي، والانتصار للأول، والانحياز له تماماً في فيلمه الأخير وما سبقه
أي
«الحياة
معجزة» .2004
جميع العناصر البصرية والسردية المرتبطة بكوستاريكا
موجودة في «عدني بهذا»، ولعل الأمر يتخطى ذلك إلى أنها وحدها المتسيدة وما
تبقى
ملاصق بعضه لبعض، فإن كان منبع أحداث «الحياة معجزة» يأتي من
بيت مجاور لسكة حديد
بما يكفي لزعزعة العزلة بكم هائل من لاختراعات، فإنه في «عدني بهذا» يستعين
بكامل
عتاد ما سبقه، مع محاولة لتقديم عزلة أشد، وفي بيت غائب عن العالم حوله، في
جبل
مغمور بالثلج، ولتطل أيضاً هنا الاختراعات التي ستكون وحدها
كفيلة بالانتصار على
وحدة الجد زيفوجين (ألكسندر بيرسك) مع حفيده الوحيد تساني (أروس ميلوفينفيك)
وكل ما
حولهما معلمة لها أن تدرّس تساني فقط بوصفه تلميذها الوحيد، والتي تقع تحت
سلطة
المسؤول الحكومي، و تكون كذلك معبر تساني الوحيد حينها إلى
العالم الأنثوي، وهو
يتلصص عليها بمنظار جده وهي تسبح عارية في خزان مياه تطفو على سطحه
التفاحات.
كل ما تقدم يؤسس لحكاية الفيلم الرئيسة التي ستمضي في سياق تلصصي
إن صحت الكلمة، دون أن ننسى أن صندوق كوستاريكا السحري موجود بقوة، وله أن
يخرج كل
ما في داخله، فاختراعات الجد تبدأ من منبه الساعة ولا تنتهي
بمنظاره العجيب الذي
يرصد من خلاله اللصوص الذي يتربصون ببقرته الوحيدة، مع الأفخاخ التي ستنال
من أي
سيارة قادمة باتجاه بيته، طبعاً مع حضور للأعراس والاحتفالات التي لا يتخلى
عنها
كوستاريكا في أفلامه، كما الأمر في من يطير، وإصرار الجد على
الانتصار على قوانين
الجاذبية، فالفيلم غير خاضع لقانون الجاذبية بل السحر الذي له أن يكون
المجال
الحيوي الذي تتحرك في فلكه الشخوص.
الخروج عما تقدم يكون عبر طلب الجد إلى
حفيده أن يذهب لبيع بقرته الوحيدة في قرية مجاورة، تبعد مسافة
ثلاثة جبال عن بيته،
ذلك أنه يحتضر، وعلى الحفيد أن يفعل ذلك طلباً أو وصية أخيرة. ينفذ الحفيد
هذا
الجزء بسهولة، لكن يبقى الجزء الثاني فجده يسأله أيضاً أن يعود ومعه زوجة،
الأمر
الذي يضعنا مباشرة أمام مغامراته مع جاسنا وكم هائل من المواقف
العاطفية والهزلية
والتي ستجعل من صندوق سيارة عش غرام ولذة.
يبقى «عدني بهذا» مغامرة رومانسية
كوميدية قد تكون مدهشة لمن يقارب سينما كوستاريكا من دون أن
يكون قد وقع على أفلامه
الأولى، ويمكن له أن يكون أيضاً استسلاماً كاملاً من مخرج «زمن الغجر»
لسينما
المواقف المتوالية بإيقاعه السريع المعهود، واللقطة المحتشدة بالطرافة
المتكررة،
بحيث تصير في أحيان كثيرة أقرب إلى الرسوم المتحركة، والهزلية
الصرفة.
الإمارات اليوم في
08/02/2009 |