ربما تريد روسيا العودة إلى المنطقة العربية، ومثلما دخلت أميركا إلى
الصين بلعبة تنس الطاولة أيام الرئيس الأميركي الراحل ريتشارد نيكسون،
تحاول روسيا العودة إلى بلدان المنطقة بـ «طلة سينمائية» من خلال أسبوع
للفيلم الروسي تتواصل فعالياته حاليا في الأردن.
افتتاح الأسبوع جاء بكلمة صريحة من السفير الروسي في العاصمة الأردنية
عمان الكساندر كالوغين، قال فيها: كانت أفلامنا السينمائية أفلاما إنسانية
لكن بعد انهيار الاتحاد السوفييتي أنتجنا أفلاما مليئة بالعنف والإرهاب،
والآن نهضنا من جديد، وعادت للسينما الروسية طبيعتها الحالمة بالود.
فعاليات اسبوع الفيلم الروسي الذي تنظمه السفارة الروسية في العاصمة
الأردنية عمان انطلقت مساء السبت السابع من الشهر الجاري، بالتعاون بين
الهيئة الملكية الأردنية للأفلام ووزارة الثقافة. وقال السفير الروسي في
عمان: مرت حقبة على صناعة الأفلام انتجت خلالها أعمال دون المستوى، وتحث
على الكراهية والعنف وذات طابع استهلاكي خاص ببعض الفئات في الشعب الروسي.
ولفت السفير في كلمته التي سبقت إطلاق الأفلام إلى أن السنوات الأخيرة
شهدت تطورا هاما في مجال صناعة السينما، وكانت نتيجتها تقديم عدد من
الأفلام ذات المستوى العالي والمميز لمخرجين ومصورين كبار في روسيا ومن
بينها الأفلام التي ستعرض خلال هذا الأسبوع .. يتضمن أسبوع الفيلم الروسي
مجموعة من أحدث الأفلام التي أُنجزت خلال السنوات القليلة الماضية ولاقت
اهتماما وإقبالا في العديد من المشاركات بالمهرجانات الدولية بدءًا من
«كان» بفرنسا و«فينييسيا» بايطاليا، ومرورا بقرطاج والقاهرة وانتهاء
بمهرجان دبي أهم هذه الافلام : «باركوا المرأة» لستنسلاف جوفركين الذي
اختار فترة الحرب العالمية الثانية وما بعدها بقليل إطارا زمنيا لأحداث
فيلمه، ولامس فيه تلك المشكلات الممتدة من دواخل النفس الإنسانية وخصوصية
المرأة في الحياة والعلاقات الاجتماعية المتباينة وتبدلها السريع .
فالمخرج الذي جاء للسينما من معهد فن السينما وكان احد أعضاء اتحاد
السينمائيين السوفييتي من قبل على اطلاع واسع ودراية بجزئيات الفترة التي
يناقشها العمل، مسلطا الضوء على الكثير من حالات البطولة والفساد والمطبات
التي يصنعها أشخاص يتنافسون على الاستحواذ بمقدرات الآخرين بالرغم مما كان
يقدمه البعض من شهامة ونبل واندفاع بالواجبات في ظل ظروف شديدة جزئية من
تفاصيل الحرب التي عصفت بالاتحاد السوفياتي آنذاك، دون أن يمنحها أبعادها
الواقعية ومن دون أن يصدم المشاهد بلحظات ميلودرامية زاعقة تفيض فيها مشاعر
بليغة من الحزن والتعاطف، مع شخصياته العديدة الذين يحنو عليهم العمل،
ويبرزهم في هيئة الضحايا الذين طحنتهم الحروب.
أحداث الفيلم تدور حول قصة الفتاة الحسناء «فيرا» وهي امرأة في منتصف
الثلاثينات ترافق زوجها من حامية عسكرية إلى أخرى، وتواجه معه أشد التحديات
لخلق جو عائلي سعيد في منزلها الجديد، وتقضي فترة محبطة آملة أن تتحسن
أوضاع زوجها الذي عانى الكثير في عمله العسكري أثناء الحرب العالمية
الثانية، ولا تجد «فيرا» السعادة إلا بعد عودتها إلى البحر الذي تطل عليه
مدينتها في روسيا الجنوبية.
وكأننا أمام دائرة من الحياة المتصلة بالأحداث الجسام المليئة بالعذاب
والفراق والقهر والانزواء.
الفيلم الثاني هو «أربعة سائقين تاكسي وكلب» لـ فيدور بوبوف تدور
أحداث الفيلم حول كلب صغير هو محور أحداث هذا الفيلم. يُنقل «فيغارو» إلى
عيادة بيطرية لقتله بسبب ضعفه، لكنه يصل بالصدفة إلى مركز تجمع لسيارات
الأجرة، يقلب الكلب حياة العاملين فيه رأسا على عقب، يعتني أربعة سائقين
بفيغارو ويجدون أنفسهم في مغامرة خطرة رفقة كلب شجاع لا يعرف الخوف.
أما فيلم الإيطالي لاندريه رومانوف فيحكي قصة «فانيا» طفل صغير ويتيم
في السادسة من عمره تتبناه عائلة تقطن في ايطاليا، حياته الجديدة على وشك
أن تبدأ لكنه يشعر بالحاجة إلى معرفة حياته السابقة أولاً فيقرر البحث عن
أمه، يكتشف في إيطاليا عالما مليئا برجال الشرطة الفاسدين وبيروقراطيين
طماعين حيث تبني الأطفال الأجانب مصدر دخل قوي فيما مصيرهم لا يهم أحداً،
بخلاف الأطفال الآخرين في سنه يقبل فانيا على تحمل المسؤولية واتخاذ
قراراته بنفسه.
حاز هذ الفيلم على جوائز عديدة منها جائزة أفضل فيلم روائي في مهرجان
برلين الدولي عام 2005.
وهناك فيلم عن «الحب في أي مناخ» لـ ألا سوريكوفا، يحكي قصة صحافية
شابة من موسكو تبدأ أولى خطواتها المهنية في مدينة بعيدة عن العاصمة، مسقط
رأسها. تقابل شاباً إسمه بيريشكين وتقع في حبه على الرغم من فقره، وتكتشف
أنه يختلف تماما عن شباب المدينة المتهورين، تتطور علاقتهما وتتوطد إلى حد
أن الفتاة تبذل كل ما في وسعها لإنقاذ حبيبها من السجن.
وأخيرا فيلم الإجازة الأخيرة لـ بافل سنايف، وتدور أحداثه حول قرار
سافدج المجرم السابق إرسال شقيقه الوحيد ميشا لاستكمال دراسته في أميركا،
يقيم الأصدقاء حفلة وداع غير أن ميشا يُقتل صدفة في حادث ويجد أصدقاؤه
أنفسهم في أزمة ويخافون من انتقام سافدج لمقتل أخيه، يشرعون في إحراق الجثة
في مكان بعيد عن المدينة ويأملون أن لا تكون هذه إجازتهم الأخيرة...
الناقد السينمائي ناجح حسن قال: الافلام المشاركة في الاحتفالية لا
تزال مشدودة إلى الفن الأكثر تعبيرا عن العصر، وتتميز بقدرة صانعيها على
تجسيد حساسية المبدع والتعبير عن احوال معيشية بغضب وحب وتمرد وقسوة ورقة
تصل إلى حد الشفافية الشعرية، إن فيلما مثل باركوا المرأة الحاصل على جائزة
الهرم الفضي في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، واحد من بين الأعمال
السينمائية الروسية التي تصطف بقوة إلى جوار تلك الكلاسيكيات السينمائية
التي حققها مخرجون مكرسون لما يقدمه من نموذج فريد يسبغ فيه على المرأة
قدرا من الاحتفاء والتكريم.
ومكانة لائقة في المجتمع تقف ندا متكافئا لشريكها الرجل في أقسى
الأوقات وأحلك المواقف الصعبة، وكل هذا يجري في أسلوب سمعي بصري خلاب مبتكر
بالجماليات والبناء الفني والدرامي الدقيق، يزيده جاذبية وسحرا أداء ممثليه
المتقن والفائق الالمام بحساسية الكاميرا في فترات الضعف والقوة وتبدل
الأحوال والمكان.
كان أمين عام وزارة الثقافة الأردنية الشاعر جريس سماوي بادل السفير
السوفييتي في عمان الحديث في افتتاح فعاليات الأسبوع بكلمة قال فيها: إن
الجمهور الأردني الذي انقطع لسنوات عن متابعة صناعة السينما الروسية يعود
الآن ليتواصل معها، نتيجة الجهود الحثيثة التي بذلتها السفارة الروسية في
عمان، ووصف الأمين العام لوزارة الثقافة روسيا الإتحادية بالصديق الدائم
للأمة العربية، واعتبر أن أسبوع الفيلم الروسي يمثل إضافة نوعية للحراك
الثقافي الذي تشهده الأردن خلال هذه الفترة.
البيان الإماراتية في
13/02/2009 |