بعد أن كانت
السينما السورية في سنوات سابقة (أفلام متميزة ينقصها الكم) تحولت في
السنوات
الأخيرة إلى نوع متواضع لا يترك صدى ولا يلقى الاحتفاء... تلك حقيقة تؤكدها
الأفلام
الأربعة التي عرضت في مهرجان دمشق السينمائي الأخير أواخر
العام 2008، والتي تتفاوت
فيما بينها بين الرديء والمتوسط... وهي حقيقة - أو وجهة نظر شائعة على
الأقل- لم
ينفها الناقد السينمائي محمد الأحمد، المدير العام للمؤسسة العامة للسينما
في
سورية، حين تحدثنا معه حول أفق الإنتاج السينمائي المقبل، في
زيارة أخيرة لمبنى
المؤسسة في حي الروضة الراقي بدمشق، والمزين بصور ضخمة للرئيس بشار الأسد
تكاد تغطي
واجهة المبنى كله.
الناقد محمد الأحمد، في حديث جانبي، أشار إلى أن ضآلة
الإنتاج الذي ميّز إنتاج المؤسسة السينمائي على الدوام، قد أدى إلى هذه
الحال من
تراجع النوع، والتي عبّر فيها عن عدم رضاه حيناً، وعن أمله
حيناً آخر ببروز مواهب
جديدة، وبتقديم أفلام جديدة هامة في المستقبل... لافتاً إلى أن زيادة وتيرة
الإنتاج
قد تهيئ لتقديم الأفضل، وقد تفرز جيلاً جديداً، كما حصل على صعيد الدراما
التلفزيونية.
دمشق غادة السمان في (حراس الصمت)!
وفي إطلاع على
جديد (المؤسسة العامة للسينما) في مجال إنتاج الأفلام الروائية الطويلة،
يبرز اسم
فيلم (حراس الصمت) الذي تم إقراره مؤخراً، وهو من إخراج سمير ذكرى، صاحب
أفلام:
(حادثة
النصف متر- وقائع العام المقبل- تراب الغرباء - علاقات عامة)... واللافت أن
العمل مأخوذ عن (الرواية المستحيلة- فسيفساء دمشقية) للكاتبة الدمشقية غادة
السمان،
في أول مقاربة لأدبها على صعيد السينما.
و(الرواية المستحيلة) التي صدرت طبعتها
الأولى في بيروت عام 1997، هي الرواية الأولى للأديبة غادة
السمان، التي تدور
أحداثها في دمشق، وكأن هذه الأديبة اللامعة التي تعيش منذ سنوات طويلة،
حالة اغتراب
عن المدينة الأم، أرادت أن تعلن بهذه الرواية بدء رحلة العودة ـ ولو على
الورق فقط
ـ إلى المدينة التي أحبتها، وحملتها في دورتها الدموية، وطافت
بها الدنيا والأزمنة
على حد تعبيرها..
ففيها نقرأ عودة إلى سنوات الطفولة والصبا، إلى البيئة التي
انتمت إليها، والتي تمردت عليها.. إلى رحم المكان وطقسيته العامرة بالألفة
والغرابة، في محاولة لترتيب الوقائع والصور، واستعادة ذكريات
ومشاعر وآلام وندوب،
طالما صاغت علاقتها الإشكالية بدمشق، وبمن تختزلهم هذه المدينة عبر
تقاليدها
الراسخة!
إلا أن الإنتاج السينمائي الجديد، يطرح إشكالية تناول البيئة الدمشقية
التي برزت في السينما السورية في الآونة الأخيرة، ومن قبل مخرجين بعيدين
غالباً عن
فهم خصوصية الأجواء البيئية وتعقيداتها، والتي هي جزء من نسيج مجتمع دمشق
القديمة
التي كانت، والتي تختلف كلية بعلاقاتها وقيمها ومرجعياتها عن حال المجتمع
الدمشقي
اليوم، بعد أن أصبحت دمشق خليطاً هجيناً، لا مرجعية بيئية
لشخصيتها المعاصرة!
من
هنا لم تغب عن البال بعد، الصورة البائسة التي ظهر عليها الفيلمين
الأخيرين، اللذين
أنتجا عن روايتين دمشقيتين هامتين، لألفة الأدلبي وخيري الذهبي... إلا أن
النتائج
تبقى مرهونة بما سيقدمه الفيلم حصراً، بعيداً عن اعتبارات قد تفرض نفسها في
السياق،
لكنها قد لا تشكل معياراً للحكم على الفيلم ككل.
المراهنة على جيل شاب!
وفي السياق ذاته، الذي يستلهم الأدب الروائي، علم أن المخرج ماهر كدو،
قد
أنهى تصوير كافة مشاهد فيلمه الروائي الثالث (بوابة الجنة) المأخوذ عن
رواية بالاسم
نفسه، للروائي الفلسطيني حسن سامي يوسف، أحد أبرز كتاب السيناريو في
الدراما
السورية...
ومن جيل الشبـــاب، تتـــــطلع المؤسسة إلى إعطاء فرص أكبر، تتجاوز
الأفلام القصيرة، ومن هنا فقد تم إقرار مشروع فيلم روائي طويل للمخرج الشاب
جود
سعـــيد بعنوان (مرة أخرى) كما ستكرر المؤســـسة، تجربة ناجحة
في إنتــاج أفلام
رسوم متحركة طويلة، بمــشاركة شركة (تايغر برودكشن) السورية الخــــاصة،
بعد أن
حققت تجربة فيلم (خيط الحياة) قبل عـــــامين نجاحــاً فنيا ًواضحاً...
ويحمل
الفيلـــم الجديد اســــم (رحلة اليمام الماسي) وهو من سيناريو
ديانا فارس، وإخراج
رزام حجازي، التي أخرجت (خيط الحياة) من قبل!
في كل الأحوال، تسعى السينما
السورية لتسريع وتيرة إنتاجها، بالتزامن مع تثبيت مهرجان دمشق
السينمائي، كمهرجان
سنوي، بعد أن كان يقام مرة كل عامين بالتناوب مع مهرجان قرطاج السينمائي في
تونس...
وتبقى الأفلام الأربعة الجديدة، رهينة ما
ستفسر عنه مواهب صانعيها من جهة، وتكامل
عناصرها الفنية من جهة أخرى!
القدس العربي في
17/02/2009 |