ليلى مراد.. ابنة المغنى والملحن "اليهودى المصري" إبراهيم زكى
موردخاى، مؤكد أن الجميع يعرف هذا الاسم المرتبط فى أذهاننا جميعا بتلك
الفتاة الرقيقة الجميلة، التى ربما لم تكن باهرة الجمال إلا أنها يمكن
اعتبارها خلطة من الجمال النادر الهادئ، شكلا وموضوعا وصوتا وأداءً، إذا
غنت تسحر القلوب وإذا تحدثت، كأنك تسمع صوت العصافير والبلابل..
قدمت كل تاريخها الفنى فيما يقرب من 21 عاما فقط ـ من 1934 حتى 1955 ـ
واعتزلت فى أوج مجدها، وأجمل سنوات عمرها، وهى فى السابعة والثلاثين
تقريبا، اعتزلت ولم نعد نرى ولو حتى صورة لها فى الصحف أو المجلات، ولم
نرها فى حديث تليفزيونى أو حوار لإحدى الفضائيات التى حضرت بداياتها حيث
توفيت 1995، وظلت تلك الصورة القديمة التى توقفت عندها مع آخر عمل قدمته
على شاشة السينما قبل اعتزالها الأضواء نهائيا ولمدة 40 عاما تقريبا.
تلك القيثارة الجميلة التى أثرت تاريخ السينما والغناء المصريين
بالعديد من الأعمال فى سنوات قليلة، لم تعد تعرف عنها الأجيال الحديثة
شيئا، وربما كان هذا وغيره باعتبارها قيمة فنية عالية، وثروة وجزءاً من
تاريخ هذا الوطن الفنى، هو ما دفع الكاتب مجدى صابر لكتابة عمل درامى يتضمن
سيرتها وحياتها فى عمل بعنوان "قلبى دليلي"، والتى تستحق من وجهة نظرى،
ووجهة نظر كثيرين عشرات الأعمال.
وهذا أيضا ما جعل المنتج إسماعيل كتكت لتبنى المشروع وإنتاج هذا العمل
الضخم، فربما لم تكن حياة ليلى مراد بنفس الإثارة والمغامرات التى كانت
عليها حياة المطربة الراحلة أسمهان، ولكن ما يميز ليلى أنها أعطت كثيرا، بل
والكثير جدا للفن والسينما المصريين، كان لها الفضل فى الكثير على تاريخ
السينما، كما أن حياتها امتلأت بالمواجع والأحزان، لم تلق التقدير اللائق
بها فى حياتها، سواء فى سنوات مجدها، باعتبارها إحدى نجمات السينما لسنوات
طويلة، بل تعد النجمة الوحيدة التى قدمت سلسلة أفلام سينمائية باسمها، وهو
ما لم يحدث لكبريات النجمات فى عصرها او أى عصر سابق أو لاحق، اللهم إلا
الكوميديان الكبير الراحل إسماعيل ياسين، ولم ينافسه أحد غيره أيضا، كما لم
تلق التكريم اللائق بها حتى بعد رحيلها، بالرغم من مصريتها التى لا خلاف
عليها، وبعيدا عن كون ديانتها السابقة هى اليهودية حيث أشهرت إسلامها وهى
فى مقتبل عمرها، هى وشقيقها الفنان الراحل منير مراد.
لذلك كله، وأكثر، فإن أقل ما يمكن تقديمه لمثل هذه الفنانة هو عمل
درامى مشرف يليق بها وبتاريخها واسمها، وأظن، بل أكاد أجزم ولست أظن، أن
الكاتب مجدى صابر قادر على أن يعطيها حقها كفنانة وكإنسانة خلال كتابة
حياتها وسيرتها، خاصة إذا كان يعتمد على مذكرات ليلى مراد نفسها التى صاغها
الكاتب الراحل صالح مرسى، فى عشرات الساعات كاملة بصوتها مع صالح مرسى، وتم
طبعها فى كتاب فيما بعد، ويخرجه السورى محمد زهير رجب فى تجربته الأولى فى
الدراما المصرية.
الأمر الذى يجعلنا نقف مندهشين من اعتراض زكى فطين عبد الوهاب نجلها
من المخرج فطين عبد الوهاب، وأسباب اعتراضه على تقديم حياتها فى عمل
درامي!!
فأعتقد ـ كما يعتقد المؤلف وتتفق معه جهة الإنتاج ـ أنه ليس هناك فى
حياة هذه الفنانة العظيمة ما يشينها أو يسيء لأسرتها، تاريخها مشرف،
كإنسانة وكفنانة، لم تقدم يوما على فعل شيء يمكن يسيء لها كإنسانة أو
لأسرتها من بعدها، وكفنانة هى واحدة من أهم نجمات عصرها والعصور التالية
لها فى التمثيل والغناء، ولذا فمن الأحرى أن تكون أسرتها ـ الممثلة فى
نجلها ـ هى الأحرص على تقديم هذه الصورة المشرفة، للأجيال الجديدة.
لا أعرف سر اعتراض نجلها على تقديم هذا العمل المشرف، وقد أصبحت ليلى
مراد شخصية عامة ملكا للشعب المصرى، والشعوب العربية، وليس ملك أسرتها
فقط؟!
لا أعرف سر اعتراضه أو اعتراض أسرة أى فنان أو فنانة من تقديم حياتهم
على الشاشة ـ سواء تليفزيون أو سينما ـ إلا إذا كان هناك أسباب أخرى تتعلق
بالنواحى المادية، وهذا أمر آخر!!
لا أعرف سر اعتراضه قبل أن يقرأ حرفا واحدا من السيناريو الذى يكتبه
الكاتب مجدى صابر ـ ولم ينته منه بعد ـ ولم يعرف إذا كان الكاتب سينصفها أم
سيسئ إليها؟!
لا أعرف سر اعتراضه وهناك أناس يعملون بجهد حقيقى من أجل إنصاف فنانة
من أهم وأكبر فنانات مصر والوطن العربى، ظلمت فى حياتها ولم ينصفها أحد بعد
رحيلها؟!
وكما قال مجدى صابر إن قلمه لم يشط ولو مرة واحدة فى الدراما
الاجتماعية، وكانت عيناه دائما على الأسرة، باعتباره أولا "أبو بنات" وليس
ككاتب، فما بالنا بسيرة فنانة يصفها بأنها نقية جدا، ويصعب على الدراما
الاقتراب منها إلا بحساب!!
وأكد مجدى ان التناول فى المسلسل سيكون خلال ثلاثة ثوابت فى رصده
لسيرتها، الأولى وطنيتها ومصريتها التى لا جدال فيها، ورفضها للغناء فى
أمريكا أمام الجالية اليهودية مقابل ملايين الدولارات، وكانت وقتذاك فى
زيارة لابنها زكى فطين عبد الوهاب أثناء دراسته الإخراج هناك، مفندا بذلك
ما اشاعه عنها أنور وجدى ـ بعد طلاقهما ـ من أنها تبرعت لإسرائيل!
الشق الثانى هو حرصها على تعليم ابنيها "زكى وأشرف" تعاليم الدين
الإسلامى فى أسرة مصرية طبيعية.
أما الشق الثالث فهو رصد لرحلتها الفنية خلال أعمالها كمطربة لها ما
يقرب من ألف أغنية، وكممثلة لها أعمال محفورة فى تاريخ السينما المصرية،
وذلك خلال خلفية سياسية اجتماعية لتلك الفترة التى ولدت وعاشت فيها هذه
الفنانة الكبيرة. لذلك أعتقد أن دور زكى فطين عبد الوهاب من الممكن أن يأتى
بعد عرض المسلسل، ليرى كيف تم تقديم صورة والدته.. وليس الآن.
وإذا كان من وجهة نظره أنها قد اعتزلت قبل رحيلها بما يقرب من 40
عاما، فإن هذا لا يضعها فى خانة السيدات العاديات، كما لا يمحى تاريخها أو
اسمها المحفور فى ذاكرة وتاريخ الفن المصرى، ولذا وجب تخليد ذكراها خلال
عمل فنى يؤرخ لهذه الفنانة العظيمة.
العربي المصرية في
17/02/2009 |