فيلم «فاليكري» الذي يعرض منذ شهر في سينما السيف يتعرض لنقد سياسي في
أكثر من
عاصمة أوروبية بسبب اعتماده رواية تتحدث عن فريق ألماني حاول اغتيال الزعيم
النازي
في العام 1942 وفشل في مهمته ما ادى إلى اعتقال رموزه وإعدامهم قبل فترة من
سقوط
الرايخ الثالث وانتصار دول الحلفاء.
الخلاف يبدأ من هناك. فهناك وجهة نظر
ترفض القبول بالرواية وتتعامل معها بوصفها دراما متخيلة لا
أساس لها من الصحة.
بينما تقابلها وجهة نظر تؤكد حصول الواقعة التي روتها زوجة الضابط الألماني
بعد نصف
قرن من إعدامه.
وبغض النظر عن كون الواقعة صحيحة أو مفتعلة (مفبركة) فإن
مخرج الفيلم يدعي أن زوجة الضابط التي توفيت في العام 2006 نجحت في الهرب
ناجية
بأسرتها إلى ملاذ آمن واستمرت تعيش سراً خوفاً على حياتها.
القصة تحتمل أكثر
من تفسير ولكن توقيت نشرها وتحويلها إلى شريط سينمائي بعد 60 عاماً يشير
إلى بدء
نمو توجه نقدي يرفض مقولة أن ألمانيا كلها كانت مع هتلر وأن الشعب كله كان
يؤيد
النازية. فالفيلم حاول في هذا المعنى توجيه رسالة تؤكد ان
ألمانيا ليست النازية
والنازية ليست ألمانيا من خلال رواية وقائع تعود بالذاكرة إلى العام
1942.
آنذاك كما تقول دراما الشريط السينمائي بدأ قادة الجيش يستشعرون بوجود
خطر على ألمانيا وأن الهزيمة واقعة مادامت الحرب مستمرة. حتى تمنع الهزيمة
لابد من
وقف الحرب وهذا الاحتمال لا يمكن تصوره مادام هتلر على قيد الحياة.
الفكرة
من حيث مبناها السياسي مقنعة لكونها لا تتحدث عن كتلة تكره ألمانيا وإنما
عن قوة
عسكرية تخاف على بلادها من الهزيمة والانهيار والاحتلال والتقسيم بسبب
أخطاء
ارتكبتها القيادة وأصرت عليها مهما كلف الأمر.
لكن الفكرة من حيث وقائها
السردية تحتمل التأويل ويمكن أن تكون حصلت فعلاً أو هي نسيج
خيال امرأة عجوز
اخترعتها قبل رحيلها بسنوات قليلة.
ماذا يقول السيناريو؟ تبدأ المشاهد
الأولى في تونس في العام 1942 حين اضطرت القوات الألمانية إلى
التراجع أمام اندفاع
القوات البريطانية التي زحفت عليها من مصر وبدأت بطردها من ليبيا. معارك
شمال
إفريقيا كانت علامة ملفتة على احتمال حصول الهزيمة ما جعل القيادة
الألمانية في
موقع صعب وأخذت تتردد بإعلان الانسحاب والعودة بما تبقى من
قوات إلى
البلاد.
اختيار المخرج تلك الفترة للبدء في نسج روايته عن محاولة الاغتيال
كان موفقاً لأن كل القراءات التاريخية تشير إلى أن هزيمة رومل أمام
مونتيغمري شكلت
الإشارة الأولى إلى بدء تعديل التوازن العسكري لمصلحة الحلفاء ضد دول
المحور.
بعد هذه اللقطات التي أصيب خلالها الجنرال (المعارض للحرب) بإصابات
بليغة يعود المخرج إلى ألمانيا ليسرد بالوقائع تلك المحاولة الفاشلة
لاغتيال
هتلر.
«فالكيري» هو اسم قطعة موسيقية كلاسيكية ولكنها أيضاً خطة طوارئ وضعها
جنرالات هتلر لحماية النظام في حال تعرض لمحاولة انقلاب أو حركة تمرد أو
رداً على
أخبار الهزائم في الخارج التي أخذت تتسرب إلى الداخل.
الجنرال الذي أصيب في
قصف جوي في تونس تحول بعد عودته إلى برلين إلى بطل قومي يحظى بالإعجاب من
الناس
والاحترام والتقدير من هتلر. وبسبب الثقة استغل الجنرال الشاب (المعارض
للحرب) هذه
الثغرة ليبدأ وضع خطة الاغتيال قيد التنفيذ مستنداً إلى تيار
سياسي يضم شخصيات
كبيرة ونافذة أخذت تتخوف من عواقب الهزيمة على ألمانيا مضافاً إليها نمو
شعور سلبي
في الجيش بسبب المغامرات العسكرية ما ساهم في تشكيل تيار صغير يمتلك
الاستعداد
النفسي على التضحية لإزاحة هتلر من القيادة.
بناء على هذه المعطيات المعقولة
نظرياً أسس المخرج سيناريو يعتمد على محطات واقعية ولكنها غير
مؤكدة تاريخياً.
فالدراما بوليسية تعتمد على السرية ونظرية المؤامرة بدءاً من إقناع هتلر
بتغيير
هيكل خطة الطوارئ وصولاً إلى فشل مجموعة الضباط المتعاونة مع
وجهاء في الدولة
بالانقلاب. طبعاً الخطة تفشل وهتلر ينجو من محاولة الاغتيال ويرتد بعنف على
الشبكة
السياسية - العسكرية ويحاكمها بتهمة الخيانة والغدر ويصدر بحقها سلسلة
قرارات
بالإعدام.
الجانب التاريخي من السيناريو حصل لاحقاً إذ انهزمت ألمانيا
وانتحر هتلر وتفرق جيشه وانقسمت البلاد وتدمرت كما كانت تتوقع تلك المجموعة
التي
حاولت إنقاذ الأمة من الهلاك وفشلت في اللحظات الأخيرة.
لا شك أن الفيلم نجح
في إرسال إشارة مقنعة وهي أنه من غير المعقول أن تكون ألمانيا من بكرة
أبيها مع
هتلر. وأنه لابد من وجود عقلاء في الحياة العامة أو في المؤسسات أخذت تفكر
بالمخاطر
المحدقة بألمانيا في حال استمرت القيادة النازية في سياسة
المغامرات والتورط في
حروب من دون تفكير بتلك التداعيات الكارثية. فكرة المخرج وصلت وهي من دون
شك صحيحة
لكونها منطقية ومقنعة ولكن السرد القصصي لوقائع الاغتيال افتقد إلى معلومات
تؤكد
صدقيتها التاريخية. وهذه الثغرة شكلت مناسبة للاعتراض والنقد.
الوسط البحرينية في
26/02/2009 |