غابت أول من أمس سلوى القطريب، صوت الشموخ والعنفوان بعد أن "سرقها
الوقت"، وغيبتها الحرب وهي في عزّ تألقها. صوت نحت في الذاكرة وقد نذرته
للأرض والوطن والمحبة.
شاء لها القدر أن تبدأ مسيرتها الفنية مع بداية الحرب اللبنانية التي
طالت، وطال معها انتظار سلوى القطريب. انتظار السلام وعودة الاستقرار كي
تعود إلى الخشبة والاستعراض في بلدها لبنان الذي طالما تمسكت به، ولم تؤمن
ببلد بديل منه.
عرضت عليها عقود عمل لا تحصى، من مصر والعالم الغربي، لم تغرها ولم
تكن أغلى أو أهم من وطنها، حتى في عز احتدام الحرب والصراعات بين الأفرقاء
في شوارع البلاد، رفضت الخروج، والذهاب إلى أي مكان خاصة في مصر كما فعل
العديد من الفنانين اللبنانيين خلال اكثر من خمس عشرة سنة من عمر الحرب
اللبنانية، وما قبلها وما بعدها، حيث لها آراء خاصة إزاء الفن والنجومية
والشهرة، وسلواها الوحيدة، أملها في عودة لبنان.
سلوى القطريب كتب عنها وحولها الكثير، لكن أكثر ما عرفت به إنسانيتها،
فهي تحمل روح الصفاء والإيمان والعقل وتوصف بأنها سيدة في رقي تعاملها مع
الجميع، مثقفة، وفية لأصدقائها، ولم تتوقف عن طموحاتها يوماً ودائما ما
كانت تحلم بأن تستكمل مسيرة العطاء الفني.
كانت تعلم تماماً موقعها بين الفنانين، ومن جهة أخرى مكانتها لدى
الجمهور، فمهما طال بعدها عنه كان في انتظارها باستمرار، وما أن تطل بعمل
جديد حتى تثبت مرة أخرى اشتياقاً متبادلاً بينها وبين المسرح والجمهور -
الذي كان هو الزوادة ـ على حد قولها عام 1999، حين عادت وقدمت ضمن مهرجانات
جبيل، مع روميو لحود، مسرحية "ياسمين" التي قدمتها في العام 1980، وهو أي
الجمهور، الذي "...منحني زخماً وحماسة وإصراراً على العودة والبقاء في زمن
ضاع فيه مفهوم الفن والعمل المسرحي".
[ أنا والحرب بدأنا سوياً
هل كان حظاً عاثراً أن تكون بداية إبداع سلوى القطريب مع بداية مأساة
لبنان حيث قاومت وحاولت الاستمرار بإصرار، لكن الإبداع والحرب لا يمكن أن
يلتقيا وهي اختارت الوطن لا الغربة. إذ قالت بأسى: "أنا والحرب بدأنا سوياً
واستمرينا في أحلك الظروف نقدم الاعمال دون توقف، المرة الوحيدة التي توقفت
فيها عن العمل كانت عندما حملت. آنذاك قدم روميو لحود عمله المسرحي
"النمرود" مع الممثل أنطوان كرباج. وتوقف أيضاً خلال السنتين الأخيرتين
(تقصد حرب عون عام 1990) فقمت يومها بتسجيل بعض الأغاني الوطنية.".
آخر مسرحية قدمتها الراحلة كانت "بنت الجبل" عام 1988، وحين قررت
العودة إلى المسرح وتسجيل كاسيت عام 1995 سئلت عن أسباب غيابها كل تلك
الفترة، عللت الأمر ب "...الحالة الأمنية الموتورة والأزمة الاقتصادية التي
مر بها لبنان جعلتا صناعة الأعمال المسرحية الكبيرة من المستحيلات نظراً
لتكاليفها الباهظة ولغياب الدعم المادي الرسمي لها، الامر الذي فرض
الغياب...". وأضافت: "...وفي فترة من الفترات كان الغياب ضرورة لإضرام نار
الشوق بيني وبين الجمهور ولتجنب التكرار الممل وقد عرضت علي أفكار ومشاريع
لم أقتنع بها فهي لم تحمل الدور المناسب...".
ولا بد أنها في تلك الفترات من الانسحاب عن الحياة الفنية كانت تعيد
حساباتها وتراقب الأجواء وتتألم على ما يحصل من تغيرات، لكنها بعد الجردة
هذه تتوصل إلى خلاصة بأن الأصيل لا بد أن يبقى أصيلاً مهما داهمته الرياح
العاتية، وإن الدخيل يبقى دخيلاً وتسقط الأقنعة تباعاً بمرور الزمن وتتضح
الحقائق للجمهور، لذا كانت مقتنعة بمحبة الناس وتقديرهم لفنها، من هنا كان
عتبهم كبيرا على عدم تواصل تقديمها فنها الذي ينتظروه. إضافة إلى إيمانها
بأن الجيد قادر أن يشق طريقه في موجات الاعمال السيئة.
سلوى القطريب كانت ترفض الغناء في المطاعم والمقاهي وعللت السبب
بقولها "...لا يمكنني العمل في مكان للأكل والشرب لسبب بسيط هو أنني اريد
أن يكون الجمهور لي بكليته على الخشبة...".
كما أعربت عن أسفها من إعلان العديد من المطربين والمطربات أنفسهم
نجوماً، والسبب على حد قولها الحرب التي ساهمت في رواج هذا الفن كمتنفس
للتمويه والهروب، لكنها ايضاً آمنت بأن الفورة لا بد أن تخف لأن الجمهور
يعرف أن ليس كل ما يلمع ذهباً.وإن للمسرح اللبناني الأصيل أربابه وأصحابه،
رغم إن لدينا مشكلة في الجيل الجديد الذي تربى على هذه الموجة، ما سبب
بأزمة في التذوق الفني.
الفنانة القديرة قدرت في تصريحاتها الذين استطاعوا ان يستمروا في
المسرح اللبناني رغم كل المعوقات وفي ظل غياب الدعم المادي والتشجيع
الرسمي، وطالبت وزارة الثقافة بالتدخل لمساعدة الفنانين والمبدعين خاصة في
المسرح للقيام بإنتاج الأعمال الفنية الكبيرة.
وعن الأغنية وخاصة في لبنان، بدت الراحلة غاية في الأسف لما وصلت إليه
الأمور الإنتاجية، ففي إجابتها عن سؤال لمجلة الشبكة عام 1995، قالت: "إننا
اليوم في عصر التجارة الفنية الوقحة، التي تستبيح كل شيء في سبيل تحقيق
اهدافها المادية. صحيح إن هذه الموجة المبتذلة تجتاح العالم بأسره، لكنها
تأخذ في لبنان طابعاً رخيصاً وإباحياً يلعب على حبال الغرائز ويحاكي الجسد
مبتعداً كل البعد عن الفكر والعقل والاحاسيس النبيلة...وأتساءل عن دور
الرقابة في هذا المجال؟؟...".
كان البعض يتهم عائلتها بمحاصرتها واحتكار صوتها وفنها، فمنتج أعمالها
هو زوجها ناهي لحود ومكتشفها ومخرج مسرحياتها والذي قدم لها اكثر الألحان
شقيقه روميو لحود وشقيقتهم بابو لحود صممت أزياء المسرحيات، لكنها نفت
الأمر قائلة: "... ليس حصار عائلي، ولست ضد التعامل مع أحد خارج إطار
العائلة و تعاملت فعلاً مع كبار الملحنين أمثال إيلي شويري وملحم بركات
وزكي ناصيف والياس الرحباني وأنا مستعدة للتعامل مع أي فنان شرط تقديم
العمل الجيد وبالمستوى الذي آخذه من روميو لحود لا حصار من "آل لحود" على
"سلوى".
كان اعتزازها كبيراً بلهجتها اللبنانية، وعرفت بالفلكلور اللبناني حتى
في أغنياتها الخاصة لا بد أن تبرز هذه الخصوصية اللبنانية، رغم أنها غنت في
مسرحياتها بعض الأغنيات من الفلكلور المصري وكانت تدندن في السهرات الخاصة
الكثير من الأغنيات التطريبية المصرية، لكنها آمنت بأن لكل مطرب لهجته،
والمطرب اللبناني الذي يعمد للغناء بغير لهجته "...فهو إنما يفعل ذلك لكسب
تجاري رخيص أنا أرفضه... في أحيان كثيرة أردد بعض أغنيات السيدة أم كلثوم
وأدندن أغنيات المطرب محمد عبد الوهاب وسيد درويش لأن لهذه الأصوات قيمة
نادرة...".
يقول جورج ابراهيم الخوري كنت في سهرة من سهرات الاهل والاقارب
الحميمين وطلب مني ان اغني، فغنيت ذات مرة "محلى الحبيب بين المي وبين
الاغصان" لعبد الوهاب وكانت الاغنية حوارية بينه وبين نجاة علي وكانت في
تلك السهرة سلوى القطريب التي غنت دور نجاة علي وسجلت تلك الاغنية على
شريط، واشكل الامر لدى سماعها على الكثيرين وحسبوا ان عبد الوهاب هو الذي
يغني وان سلوى هي نجاة علي، وهذا الشريط موجود اليوم في منزل الياس فرح.
أوائل السبعينيات سمعها الملحن الراحل محمد الموجي وأبدى اهتماماً
كبيراً بموهبتها ووعدها بأن يقدم لها ألحاناً، لكن الحرب كانت لها
بالمرصاد، وأصرت سلوى على البقاء في لبنان ما حال دون اتمام هذا التعاون.
الملحن محمد سلطان والمطربة فايزة أحمد سمعاها، فعرض عليها سلطان أن
يلحن لها وفايزة كانت ترغب في أن تتبنى انتشارها في مصر لكنها أيضاً فضلت
لبنان وبقيت فيه لتعيش فصول الحرب.
الأخوين مارواني اللذين كانا وراء انطلاقة المغني العالمي سيرج لاما،
عرضا عليها الغناء بالأجنبية في مسارح الغرب إذ كان لديهما إيمان كبير
بموهبتها وحضورها الطاغي في المسرح، ما يؤهلها اعتلاء اهم الخشبات في
العالم، لكنها أيضاً رفضت لأنها كانت مؤمنة بفنها الشرقي الذي يسير في
عروقها مسير الدم، وتفخر بهويتها العربية.
أما المغني خوليو إيغليزياس فعرض عليها هو الآخر استضافتها في برنامجه
العالمي الشهير بعدما سمعها وأعجب بصوتها وفنها بشكل عام إلا أن الظروف
الأمنية هذه المرة أيضاً تدخلت لتحول دون اتمام هذا التعاون.
الفنانة الشابة يارا غنت في الآونة الأخيرة واحدة من أغنيات سلوى
القطريب اللافتة، بثقة، من دون الخوف من مقارنتها بصوت قدير كصوت سلوى
ولكنها نجحت في التجربة على ما يبو رغم أن الأغنية أدتها سلوى بإحساس عالي
وشجن كبير، ولم نعرف تماماً رأي الفنانة قبل الوداع الأخير، لكن من الجيد
أن يسمعها الجيل الجديد شرط أن يتم نسبها لصاحبتها سلوى. وكان البعض يأمل
بأن إعادة يارا غناء الأغنية ربما كان سيحفز سلوى على العودة إلى الغناء
لكن لم يكن الرحيل في الحسبان بهذه السرعة والمفاجأة...
"...قالولي العيد بعيوني وعا درب بعيد دلوني غمضت عيوني تا شوف العيد
لا شفت العيد ولا درب بعيد وبعتم الليل رميوني".
يذكر أن آخر عمل قدمته سلوى القطريب كان في مهرجان جبيل في عام 1998
وفي عام 2001 قدمت للجيش اللبناني أغنيتين بمناسبة عيد الجيش.
ربما كان بروز نجم ابنتها ألين لحود، فيه بعض التعويض عن غيابها، أو
ربما كانت تعتبرها امتداداً لفنها، خاصة إن موهبة الفتاة الطرية برزت من
خلال جائزة شارل ترينيه للأغنية الفرنكوفونية، حيث قدمت أغنية من ألحان جاد
الرحباني وكلمات روميو لحود، وذلك في مهرجان ضخم أقيم في فرنسا...حيث غنت
في مسابقة عالمية، باللغة الاجنبية، ومن ثم دخلت الفن من بابه العريض من
خلال مهرجانات بعلبك بمشاركة فرقة كركلا وقالت ألين في مقابلة لها منذ
سنتين "...لا شك ان مهرجانات بعلبك كانت حلماً من احلام والدتي التي لم
تتحقق... كانت فرحتها تضاهي فرحتي عشرات المرات، وكوني احقق احد احلامها
واخذ على عاتقي وعداً بان اتحدى نفسي واثبت موقعي كما يجب.
والمعروف ان آلين تمتلك صوتاً قوياً فيه الكثير من التنوع في درجات
الغناء وبعض العرب والتطريبات. وأشارت الى ان والدتها هي اول من يستمع الى
تدريباتها الغنائية هذه فتنتظر ملاحظاتها بشغف كونها صاحبة مشوار فني
عريق..".
وكانت ألين لحود تتمنى أن تعود والدتها إلى الساحة الفنية لكن الامر
يحتاج لكثير من التفكير والتأني لان اسماً كبيراً مثل سلوى القطريب وتاريخ
فني حافل لا يمكن ان تفرط به لذلك افهم كثيرا موقف والدتي فسلوى القطريب
سيدة المسارح الغنائية لاتستطيع اليوم ان تقبل بأي عرض مع العلم أنه تأتيها
عروض كثيرة. كما عرضت عليهما فكرة المشاركة في عمل مسرحي واحد وأكثر من
سيناريو قصة واغنية ووقوفي مع والدتي حلم كبير بالنسبة لي.
اذن لنا السلوى بحضور صوت ألين لحود، وللأخيرة وللعائلة الصبر
والسلوان بغياب سلوى القطريب.
سيرة:
[بدأت أعمالها الفنية عام 1975 وقد اكتشفها
الموسيقي والمخرج المسرحي روميو لحود وعملت معه في أغلب مسيرتها، ثم تزوجت
شقيقه الأصغر ناهي لحود عام 1979 وهو كان الساعد الأيمن لأعمال روميو الذي
هو زوج شقيقتها الكبرى. وبات ناهي لحود منتج أعمال الراحلة والمسؤول عن
انتاجها، هو كل شيء حسب قولها.
[ بابو لحود شقيقة روميو وناهي، مصممة الأزياء
الخاصة بالمسرحيات التي قامت بها القطريب.
[قدمت مسرحيات، أولها "سنقف سنقف" في مسرح
الأليزيه شاركها فيها البطولة طوني حنّا.
[مسرحية "هرب شاهين" في بعبدات.
[مسرحية " بنت الجبل".
[مسرحية "اسمك بقلبي".
[مسرحية " الأميرة زمرد" التي شاركها البطولة فيها
ملحم بركات.
[مسرحية "أوكسجين".
[مسرحية "ياسمين".
[ قامت ببطولة مسلسل تلفزيوني بعنوان "ليالي
شهرزاد" غنت فيه ستة وعشرين أغنية من ألحان الموسيقي الراحل توفيق الباشا،
وكتبت قصته الدكتورة نجاة رفعت الخطيب.
[شاركت في مهرجانات "عمشيت"
["نمرود"
["حكاية أمل"
["الحلم الثالث".
[مهرجان "جرش" الذي عاد مع يوبيل الجامعة
الأميركية.
"ليالي الهنا". الذي جالت به على دول أميركية.
[ من أغانيها المعروفة: خدني معك، قالولي العيد،
اسمك بقلبي، على نبع المي، شو في خلف البحر، سرقني الوقت، بو العبا، مش كل
سنة، تشرفنا، عنقودي الحلو، قولولي وينن، يمكن بكرا، راحوا ولبسوا، يا رايح،
طال السهر.
المستقبل اللبنانية في
06/03/2009
سلوى القطريب... وداعاً «بنت الجبل»
باسم الحكيم
أمضت الأسبوع الأخير من حياتها في المستشفى ورحلت أمس عن 59 عاماً. ابنة
البيت الفني بامتياز، سطع نجمها عام 1974 في مسرحيّة «سنكف سنكف»، لتبدأ
مسيرةً فنيّة امتدّت على ربع قرن وجمعت بين الغناء والتمثيل
«الأميرة زمرد» تنازلت عن عرشها ورحلت. سلوى القطريب أمضت الأسبوع
الأخير من حياتها في غرفة العناية الفائقة في مستشفى «أوتيل ديو» إثر
إصابتها بجلطة دماغيّة، ثم رحلت بعد ظهر أمس عن 59 عاماً. سلوى كانت قد
غابت طويلاً عن محبّيها. انقطعت أكثر من ثماني سنوات عن المسرح والصحافة،
مكتفيةً بتاريخ فنّي متميّز، صنعته مع الفنّان روميو لحّود (سلفها وصهرها).
على امتداد ربع قرن تقريباً، وقفت سلوى على خشبة المسرح، كانت خلالها نجمةً
استعراضيّةً محبّبة وخفيفة الظلّ، عند جمهور يدرك جيّداً أنّه عندما يقصد
المسرح في عزّ الحرب الأهليّة، فإنّه سيتابع عملاً فنيّاً متكاملاً، ويشبع
أذنيه من صوت سلوى وأصوات زملائها من فناني ذلك الزمن: عبدو ياغي وملحم
بركات وغسّان صليبا وسمير يزبك وطوني حنّا والأمير الصغير. وسيمتِّع ناظريه
بلوحات استعراضيّة غنائيّة ألّفها روميو لحّود، ونصاً دراميّاً أبطاله نجوم
الغناء والتمثيل يومذاك، على رأسهم أنطوان كرباج. كذلك سيتعرف في الوقت
نفسه، إلى آخر صيحات الموضة والأزياء التي كانت تصمّمها خصيصاً بابو لحّود
(شقيقة روميو).
رغم قرارها الابتعاد عن الأضواء والمقبلات الصحافية، بذريعة أنّ «ما
من جديد للتحدث عنه»، وخصوصاً أنها لم تشارك في السنوات الأخيرة، إلا في
أداء التراتيل الدينيّة، تسنّى لنا إجراء مقابلة معها قبل رحيلها بثلاثة
أشهر تحدّثت فيها عن كل شيء. تذكرت والدها الفنان الراحل صليبا القطريب،
وتحدثت عن ابنتها ألين لحّود، وعن رأيها بالفن اليوم الذي تسمّيه
بـ«الخزعبلات».
ابنة البيت الفني بامتياز، تتلمذت على يد والدها الذي كان أحد أبرز
الفنانين في عصره، يغنّي الموشحات والأدوار الصعبة، وعنه ورثت ابنتاه سلوى
وألكسندرا (عرفت فنيّاً باسم كوثر) وابنه فؤاد حبّ الفن. وحين تسألها عن
تاريخ ولادتها، تسارع إلى الإجابة 17 أيلول (سبتمبر)، مكتفيةً بإجابة
دبلوماسيّة تتهرب بها من ذكر عام مولدها، «الإنسان، يولد كل يوم، وما سنة
ولادته سوى أرقام لا معنى لها على الهويّة». غاصت سلوى في الحديث عن تاريخ
والدها الذي التقى في الثلاثينيات محمد عبد الوهاب والشاعر أحمد شوقي
اللذين طلبا منه مرافقتهما إلى القاهرة، حيث شارك في فيلم «دموع الحب». غير
أنّه فضل العودة إلى بيروت سريعاً. وكانت والدتها، فدوى جبّور، محبة للغناء
والعزف. من هنا، نشأت سلوى على حب التراث الجميل.
هي فنانة المصادفة. لولا التقاؤها بروميو لحّود وإبداء إعجابه
بموهبتها، ولولا عرضه عليها أن تكون بطلة مسرحه، لما عرفها الوسط الفني ولا
الجمهور. انطلاقة سلوى القطريب جاءت من خلال مسرحية «سنكف سنكف» (1974) مع
جورجينا رزق ورضا كبريت وألان مرعب وطوني حنّا الذي قدّم فيها أغنيته
الشهيرة «من شردلي الغزالة»، بينما غنّت سلوى «خدني معك على درب بعيدة»
و«طال السهر» و«حوّل يا خيّال اللّيل». شبّهت وقفتها الأولى على خشبة
المسرح بوقفة الطالب الذي حضّر جيّداً للامتحان، وينتظر النتيجة. هكذا،
كانت تنتظر لتعرف «مدى تجاوب الجمهور، ثم الأقلام الصحافية التي لا تجامل
ولا تهادن». وحين سمعها الملحن محمد الموجي، عرض أن يلحن لها، غير أن
الأوضاع الأمنيّة في البلد حالت دون هذا اللقاء. سلوى القطريب كانت بطلة
المسرح الدائمة منذ عام 1974، وخصوصاً بعدما غابت الشحرورة صباح عن مسرح
روميو لحّود. وسطع نجمها، في مسرحيّة «سنكف سنكف»، ثم في «بنت الجبل»
(1977) مع أنطوان كرباج، «اسمك بقلبي» (1978)، ثم «الأميرة زمرد»
و«أوكسجين» (1979) مع إيلي شويري، «ياسمين» (1980)، «سوبر ستار» (1982)،
إضافة إلى «حكاية أمل» (1982) مع غسّان صليبا. وأعادت تقديم مسرحيّة «بنت
الجبل» عام 1989 في كازينو لبنان، ثم قدمت الجزء الثاني من مسرحيّة
«ياسمين» ضمن مهرجانات بعلبك عام 1998. وتعاملت سلوى خلال مسيرتها الفنيّة
مع الراحل زكي ناصيف، في أغنيتي «ميجانا يابا ميجانا» و«وحدك يا عسكر
لبنان» ومع إيلي شويري في أغنية «بلدك بلدي»، ومع ملحم بركات في أغنية «لا
أكثر من غيري». كذلك غنّت «الورد جميل» لسيد مكاوي وموشح «خفيف الروح» لسيد
درويش. رغم عشقها العمل مع روميو لحّود، لم تكن تخفي رغبتها في الوقوف على
خشبة المسرح الرحباني. لكن لم يحصل أي لقاء من هذا القبيل. وحين عرض
الأخوان رحباني عليها أن تعيد مسرحيّة «الشخص»، كانت حينها مشغولة
بمسرحياتها ولم تتمكّن من السفر إلى الخارج للمشاركة معهما في «ساعة
وغنيّة».
يُصلّى لراحة نفسها في الثالثة من بعد ظهر غد الجمعة في عمشيت. وتُقبل
التعازي اليوم ابتداءً من الساعة العاشرة في كنيسة «سيدة العطايا» (الأشرفية)
نقمة على الوسط الغنائي
غابت سلوى القطريب طوعاً عن الساحة الفنيّة، بسبب نقمتها على الوسط
الغنائي الذي لا يهتم إلا بالأغنيات الهابطة. وانسحبت بهدوء رافضة عروضاً
لم تتوقف طوال السنوات الماضية. كذلك نجحت بإبعاد ابنتها ألين لحّود
(الصورة) عن هذه الأجواء. في العامين الأخيرين، كانت تخطط لعمل استعراضي
ضخم مع ابنتها والفنان روميو لحّود، غير أنّ الأوضاع الأمنيّة في البلاد،
حالت دون تحقيق المشروع. وتبقى وصية سلوى التي أسمعتها مراراً لـ
poupina،
كما كان يحلو لها أن تنادي ابنتها، بأن تسير على خطاها، وتختار إطلالاتها
بعناية لتظل نجمة ساطعة عند جمهورها.
الأخبار اللبنانية في
05/03/2009 |