آخر مرّة كان لدينا فيها موعد مع فيلم عصابات (او “غانغستر” كما هو المفهوم
العام لهذا النوع من الأفلام البوليسية) كانت حين قدّم مارتن سكورسيزي
فيلمه الجيّد “المغادر” قبل ثلاثة أعوام. هذا الأسبوع وفي مختلف الصالات
يبدأ انتشار فيلم عصابات آخر أحدث منه هو “اعداء الشعب” من إخراج مايكل مان
الذي سبق له وأن حقق فيلماً آخر عن عصابة هو “حرارة” مع آل باتشينو وروبرت
دي نيرو قبل نحو عشر سنوات.
لفيلم الجديد من بطولة كرشتيان بايل وجوني دب. الأول في دور رجل “الإف بي
آي” الذي يُلقي بكل ثقله لأجل اصطياد المدعو جون دلنجر الذي يقوم ببطولته
جوني دب. والأحداث حقيقية: جون دلنجر رجل عصابات وسارق بنوك من الثلاثينات
من القرن الماضي أيام ما كانت هذه الفصيلة من المجرمين تنتقم من الفقر
الاجتماعي والكساد الاقتصادي بمهاجمة المصارف. بعض هؤلاء المجرمين، كما حال
الثنائي بوني وكلايد، كانوا يسرقون ويصرفون بعض ما يسرقونه على الفقراء.
بعضهم الآخر كان يصرفه على نفسه. جون دلنجر لحين لُقّب بروبين هود.
وبصرف النظر عن الوضع الاقتصادي الذي كان سائداً والذي جعل المصارف صيداً
ثميناً، فإن الحكايات الحقيقية لهذه الشخصيات، ومن بينها جون دلنجر، كانت
دائماً ما تثير الفضول. حين كنّا صغاراً كان اسم آل كابوني يرن في البال من
دون أن نعرف عنه شيئاً سوى أنه مجرم كبير. الحقيقة، كما قدّمتها بضعة أفلام
عنه بما فيها رائعة برايان دي بالما “غير المرتشين” (مع روبرت دي نيرو في
دور الزعيم الإيطالي) هي أنه آل كابوني لم يُلق القبض عليه لجرائم قتل
ارتكبها (يُقال أنه هشم جمجمة أحد مساعديه ذات مرّة) بل وصلت اليه الحكومة
من باب أنه تهرّب من دفع الضرائب واستطاعت القاء القبض عليه لهذه الغاية
وإيداعه السجن ولم تستطع إثبات جريمة قتل واحدة عليه.
زمن آل كابوني كان مختلفاً قليلاً عن زمن جون دلنجر الذي نتعرّف إليه
مجدداً في شخص جوني دب بعدما كنا تعرّفنا إليه آخر مرّة في فيلم ممتاز من
المخرج المقل جون ميلوس بعنوان “دلنجر” من بطولة وورن أوتس في الدور وذلك
في العام 1973. آل كابوني ورد في الفترة الفاصلة بين العصابات العشوائية
لفترة الثلاثينات، كعصابة دلنجر وكلايد بوني وبايبي فايس نلسون وبريتي بوي
فلويد وسواها، وبين العصابات المنظّمة التي احتفى بها فرنسيس فورد كوبولا
برائعته “العرّاب” في ثلاثة أجزاء.
وبينما يجرّب “أعداء الشعب” حظّه مع جمهور سيتألّف معظمه من الراشدين الذين
تعني لهم السينما شيئاً مختلفاً عما تعنيه أفلام “العام واحد” و”ترانسفورمرز”
و”عصر الجليد”، تقوم مؤسسة الفيلم البريطاني عبر صالاتها السينمائية في
“الناشنال فيلم ثيتر” بتخصيص تظاهرة خاصّة بأفلام العصابات يجب عدم تفويتها
شريطة أن تكون في لندن خلال هذا الشهر. من بين ما تعرضه فيلم “آل كابوني”
نسخة العام 1959 التي تولّى بطولتها رود ستايغر وأخرجها رتشارد ولسون. كذلك
“بايبي فايس نلسون” تحت إدارة دون سيغال ومع ميكي روني (1957) و”الأم
الدموية” مع شيلي ونترز في الدور ومن إخراج روجر كورمان الذي يوفّر بعض
المرجعيات الفرويدية لعصابة تألفت من عائلة (بإسم باركر) كانت تحتوي على
مشارب نفسية بالغة التعقيد (الشاذ والمدمن والسادي الخ...).
أيضا من بين الأفلام المحتشدة ال ،21 ثلاثة نسخ سابقة عن شخصية دلنجر من
بينها نسخة جون ميليوس ونسخة منسية لمخرج أسمه ماكس نوسك قام سنة 1945
بتقديم فيلم عن الموضوع بمقاس 70 مم العريض. هذا الى جانب فيلمين لم
يقهرهما الزمن. فيلم ارثر بن “بوني وكلايد” مع وورن بايتي وفاي داناوي حول
العصابة بذات الإسم وهو فيلم أراده المخرج طليعياً كما لو أن غودار او
تروفو أخرجه، وفيلم “حدث ذات مرّة في امريكا”، تحفة سيرجيو ليوني التجسيدية
المكثّفة لحياة عصابة من أفرادها روبرت دي نيرو أيضاً وأيضاً.
هناك عدة أسباب لإعجاب العديدين منا بهذه الأفلام، مثلاً الوجوه الشريرة
فيها. النجوم الأول الذين يلعبون أدوار الجريمة وهم سعداء بهذا الشرف،
الرشاشات القديمة ذات البكرة، القبّعات المستديرة تماماً وحقيقة أننا نشاهد
عالم الجريمة موديل الثلاثينات.
قطار دنزل واشنطن توقّف
هناك قطار محمّل بمواد كيماوية ملوّثة منطلق بأقصى سرعته على خط واشنطن
وارتطامه المحتمل بالمحطة سينتج عنه انتشار المواد القاتلة وتلويث المدينة
بأكملها بما فيها البيت الأبيض، او هكذا كان المفترض أن يحدث في 2010 حين
يحط فيلم “لا يمكن إيقافه” على شاشات السينما، لولا أن ما لا يمكن إيقافه
توقّف فعلاً وهو لا يزال في المحطّة.
المشروع هو التعاون الخامس بين المخرج توني سكوت والممثل دنزل واشنطن بعد
“تيار قرمزي” (1995) و”رجل يحترق” (2004) و”حالة مكررة” (2006) ثم “اختطاف
بلهم 123” الموجود حالياً في الصالات.
وفي حين أن الاستديوهات دائماً ما رحّبت بمخرج من وزن توني سكوت (شقيق
ريدلي سكوت الأشهر نوعاً) وبنجم من وزن دنزل واشنطن، الا أنها في هذه
المرّة تتلكأ خصوصاً بعد النتائج العادية التي آل اليها فيلم “اختطاف بلهام”
تجارياً.
سبب إيقاف المشروع الجديد يعود الى قلق الشركة المنتجة (فوكس) من تكلفته
العالية. الفيلم يتطلّب عملية إنتاجية واسعة على الأرض كما لاحقاً في غرف
التصاميم الفنية والمؤثرات كون القصّة تواكب أحداثاً داخل وخارج القطار
الذي فلتت ضوابطه ولم تستطع المراكز الإدارية التحكّم به والسيطرة عليه
لإيقافه، لكن هذا هو السبب المعلن اليوم.
السبب غير المعلن هو أن الفيلم الأخير بين سكوت وواشنطن يدور أيضاً حول
قطار ولو أن مشكلته مختلفة، ففي هذا الفيلم تتسلل عصابة لاختطاف القطار ومن
فيه مقابل فدية وهناك جزء من الفيلم يدور أيضاً حول تلك المقطورة المنطلقة
من دون قدرة أحد على إيقافها قبل اصطدامها ومقتل من فيها.
وكل هذه الإثارة المفترضة لم تحرك الجمهور على نحو يجعل شركة فوكس متحمّسة
لفيلم تدور أحداثه ايضاً على السكك الحديدية.
الى ذلك، فإن هناك مشكلة أكبر تواجهها هوليوود هي مشكلة أسعار النجوم من
وزن دنزل واشنطن، فسعر موهبة هذا الممثل يبلغ 20 مليون دولار في الوقت
الراهن والاستديوها تتململ من ذلك كما من حقيقة أن العديد من النجوم الذين
يتقاضون خمسة عشر مليوناً وما فوق عن الفيلم الواحد باتوا ثقلاً كبيراً على
الإنتاج خصوصاً حين دراسة ما آلت اليه أفلام قاد بطولتها نجوم لكن الجمهور
انصرف عنهم من دون اكتراث.
في هذا العام وحده شهدنا تهاوي فيلم نيكول كيدمان وهيو جاكمان “استراليا”
وفيلم جوليا روبرتس وكلايف أوون “ازدواجية” وبعدهما لم يحظ “المنفرد” من
بطولة روبرت داوني وجايمي فوكس بأي نجاح، كما أنجز فيلم توم هانكس “ملائكة
وشياطين” ايرادات معتدلة بينما اندثر فيلم ول سميث “سبع باوندات” من دون
أثر يذكر، كذلك يفعل حاليا فيلم “تخيل ذلك” من بطولة ايدي مورفي. في الوقت
ذاته، جنح المشاهدون الى الأفلام التي إما تخلو من النجوم، او أن لهم فيها
حيّزاً محدوداً يكاد لا يشعر به أحد، مثل الفيلم الكرتوني “فوق” ومثل فيلم
“ترانسفورمرز 2” وفيلم “ستار ترك”.
ورغم ذلك لا خوف على دنزل واشنطن من الانحسار، حالياً ينجز تصوير فيلم
فانتازي بعنوان “كتاب ايلي” الذي يدور حول رجل اسمه إيلي (دنزل واشنطن)
يقطع الولايات المتحدة بعد أن أصابها دمار شامل. مع ايلي كتاب يتضمّن
الوسيلة لإعادة الحياة الى الأرض او هوليوود الى صوابها.
قبل العرض
سوينتون تختلف
تقوم الممثلة تيلدا سوينتون بإدارة مهرجانها السينمائي بطريقتها المختلفة،
فعوضاً عن اقامته في مكان واحد ودعوة الناس اليه، يقوم مهرجانها بالدوران
حول المدن الاسكتلندية الصغيرة طوال الأيام الثمانية المقبلة. بكلمات أخرى
سيذهب المهرجان الى الناس في بلداتهم وقراهم بدلاً عن أن يكون حدثاً من
نصيب غلاسكو او سواها من المدن الكبيرة.
DVD
WOODSTOCK (1970) ****
في 1969 احتشد مئات ألوف الشباب بيض وسود وهيبيين ومستقيمين ويساريين
وفوضويين في ساحة خضراء كبيرة لبضعة أيام في أكبر تظاهرة موسيقية الى
اليوم. هذه التظاهرة سُميّت بوودستوك وأمّها عدد كبير جدّاً من نجوم
الموسيقا والغناء الذين غنّوا للحب وعنه وحيّوا جمهوراً أراد تغيير وجه
امريكا المحافظ والملتزم واستطاع، ولو الى حين.
هذا الفيلم الوثائقي خرج في العام التالي من تحقيق مايكل وادلي الذي عاد
الى السينما ببضعة أفلام لم يكن من بينها ما هو أفضل من هذا الفيلم
وتأثيره.
أفلام القمّة
الجزء الثاني يواصل
بعد أن حقق “ترانسفورمرز” الأول نحو 700 مليون دولار عالمياً كان من
المتوقع تحقيق جزء ثان وها هو الآن في طريقه لإنجاز الرقم المذكور او
لتجاوزه.
في أيامه الأولى أنجز مائة مليون دولار ومع نهاية الأسبوع وصل الى مائتي
مليون دولار علما بأن عشرة آلاف صالة أمريكية وكندية أفردت له شاشاتها.
على هذا الأساس لم يكن غريباً أن يحط فيلم من بطولة بشر، هو “نمضي بعيداً”
في المركز العاشر بإيراد حفلة واحدة من حفلات الفيلم السابق. كذلك لم يسع
فيلم كاميرون داياز الجديد “مربية أختها” الا التوقّف عند حدود المركز
الخامس.
أوراق ناقد
جيل الغرافيكس
المال عصب الحياة وخطيئتها الأولى، لأجل الربح والربح وحده، هناك عقول جيل
ناشيء يُعد بالملايين ويمتد فوق القارات الخمس جميعاً، باتت مدمنة على
سينما الغرافيكس التي لا تعترف بأي جانب آخر من جوانب العمل السينمائي الا
بكيفية تنفيذ المؤثرات الخاصّة على نحو يتقدّم، ولو بقيد أنملة، عن الفيلم
الآخر. وكلما كان الفيلم كبير الإنتاج كلما تم منح هذه الجوانب الصناعية-
التقنية وقتاً وجهداً ومالاً أكثر لإتمام عملية احتواء الحواس والغرائز
النفسية عند المتلقّي.
نقطة في هذا الصدد تتضح مع عرض الفيلم الأمريكي الجديد “ترانسفورمرز 2”
الذي هوجم من قبل النقاد واحتضن من قبل الجمهور: فالجزء الأول منه خرج قبل
ثلاث سنوات وفيه اشتعلت الشاشة بالانفجارات والحرائق والأصوات الضاجّة
والألوان الفاقعة. تحرّكت الشاشة بفعل ما اختزن عليها من تصاميم عليها أن
تبهر وتسطل وتتحوّل الى كتلة من الهواجس التي تعيش لما بعد العرض ولو لحين
يطل فيلم آخر من النوع نفسه.
الجزء الثاني أراد أن يبز الأول في المجال البصري ذاته وكان له ما أراد:
معارك أكثر، ضجيج أعلى وعقول أصغر.
بعض المؤثرات يمكن أن يحسّن مستوى الفيلم. انظر الى فيلم “تنبؤ” مثلاً حيث
يشهد نيكولاس كايج تحطّم طائرة ثم تحطم قطار وحيث تقع كارثة كونية قد تكون
مدخلاً لحياة جديدة في مكان آخر، حسب الفيلم. ستجد أن استخدام المؤثرات بقي
منضوياً تحت عناصر الفيلم الفنية الرئيسية وكلّها ذهنية وبشرية تتعامل
والمشاكل البشرية على الأرض.
وفي معظم الأفلام الأخرى، فإن العكس هو دائماً الصحيح. ولا ريب في أن سكين
هذا النوع التافه من الأعمال أنجز مهمّة الذبح: 80 مليون دولار هي حصيلة
فيلم “تنبؤ” بعد أكثر من أربع أشهر على عرضه، و220 مليون دولار في أسبوعين
فقط من عروض “ترانسفورمرز 2”.
المأساة أن الساعة لا تعود الى الوراء، وكان هناك زمن كانت لا تزال فيه
السينما الأمريكية قبل غيرها توفّر لكل المشاهدين كل الأنواع وفي كل نوع
قصّة وشخصيات وجهد في الإتقان وتعامل مع المشاهد كما لو كان الفيلم موجّه
الى كل منا بالاسم. كانت المؤثرات شغلة فنانين وكانت تشعل الخيال عوض أن
تقتله وتترك المشاهد مجرد جثّة جالسة على كرسي تستقبل الخرافات كما هو
الحال اليوم.
م.ر
merci4404@earthlink.net
http://shadowsandphantoms.blogspot.com
الخليج الإماراتية في
05/07/2009 |