رغم ارتباط موسم الصيف بأفلام الأكشن التجارية ذات العلاقة الطردية
بين النجاح الجماهيري والفشل النقدي، والتي تستحق بذاتها تأملاً لمعرفة سبب
تلك العلاقة بين أغلب ما هو ناجح تجارياً وفاشل نقدياً، إلا إن نماذج من
أفلام الأكشن، تبرز من وقت لآخر محققة المعادلة الصعبة: إقبال الجمهور ورضا
النقاد.
فيلم هذا الأسبوع هو لمخرج تميز في هذا الصنف من الأفلام ولكن مع حس
فني عالٍ. فهو لا يستهلك مشاهد الحركة الرخيصة لمجرد الإثارة إذا لم يكن
لها مبرر درامي يحقق رؤيته. وهذا الكلام ينطبق بشكل جلي على مسيرته
السينمائية الطويلة التي حقق خلالها مجموعة من العلامات في هذا الصنف كان
أبرزها فيلم (حرارة-Heat) الذي جمع نجمي السينما الأمريكية "روبرت دي نيرو" و"آل باتشينو" في
فيلم ظل وسيظل عالقاً في أذهان محبيهما طويلاً.
المخرج "مايكل مان" يعود بعد انقطاع دام ثلاثة أعوام ليقدم فيلم جريمة
وإثارة جديد يحمل بصمته المميزة وهو فيلم (أعداء الشعب-Public
Enemies) المبني على قصة حقيقية لمحاولة أجهزة الأمن الأمريكية الإيقاع
بالمجرم الشهير "جون ديلينغر" -يقوم بأداء دوره "جوني ديب"- الذي اشتهر
بتصدره لموجة من الجريمة اجتاحت الولايات المتحدة أثناء فترة الكساد الكبير
ثلاثينيات القرن الماضي.
القصة التي رافقت كتابة الكتاب المقتبس عنه الفيلم تبدو طريفة. حيث
بدأ مؤلف الكتاب "براين برو" تأليفه باعتباره مسلسلاً قصيراً تقوم شبكة
HBO التلفزيونية بإنتاجه. ولكون "براين" لا يملك خبرة جيدة في كتابة
السيناريو فقد خرج بعد مرور عامين من الكتابة بسيناريو وصفه هو بالسيء جداً
جداً. تنازلت
HBO
عن حق إنتاج المسلسل على اعتبار أن النص يحتاج للكثير من العمل والإصلاح.
وهنا رأى "براين" أن يتوج نتيجة جهده وبحثه خلال العامين بتحويل هذا الكم
الهائل من المعلومات التي جمعها إلى كتاب صارفاً النظر عن فكرة السيناريو.
بعد ذلك قام المخرج "مايكل مان" والممثل "ليوناردو دي كابريو" بشراء
حقوق الكتاب لتحويله إلى فيلم يقوم الأخير ببطولته. وعلى مدى ثلاثة أعوام
أخرى توقف المشروع لانشغال "دي كابريو" بتصوير مجموعة من الأفلام. وأخيراً
وبعد طول انتظار تفرغ "مايكل مان" للعمل وانتخب "جوني ديب" في دور المجرم،
و"كريستيان بيل" في دور المحقق الفيدرالي ورأى الفيلم النور.
بدأ عرض الفيلم في الولايات المتحدة نهاية الأسبوع الماضي محققاً ما
يزيد على الأربعين مليون دولار حتى الآن. وقوبل برضا نقدي جيد وخصوصاً
أداء "جوني ديب" الذي وصفه الناقد "روجر آيبرت" بالأداء المختلف عن
كافة أداوره السابقة وبأنه جسد شخصية المجرم الشهير "جون ديلينغر" بشكل
حقيقي للغاية.
الرياض السعودية في
17/07/2009
ثنائية مايكل مان في «عدو الشعب»
محمد الخليف
يجسد جوني ديب في فيلم (عدو الشعب -
Public Enemies) دور المجرم الأسطوري جون ديلينغر أمام كريستيان بيل في دور المحقق
ميلفين بورفيس، وبمعنى آخر، الفيلم عبارة عن كريستيان بيل ضد جوني ديب في
ثنائية جديدة تضاف إلى الثنائيات التي قدمها المخرج مايكل مان في أفلامه:
آل باتشينو ضد دي نيرو في فيلم (حرارة -
Heat) وتوم كروز ضد جيمي فوكس في (كوليترال -
Collateral).
الفيلم قوبل باحتفاء نقدي جيد نسبياً لدى عرضه في مهرجان لوس آنجلوس
السينمائي ودخوله قائمة أفضل 250 فيلما في الموقع الجماهيري
IMDB
قبل عرضه التجاري. وحكايته تبدأ مع هروب جون ديلينغر من
السجن وشيوع أخبار سرقاته للبنوك في الوسائل الإعلامية، ليتم تعيين ميلفين
بورفيس وهو محقق ارستقراطي من الجنوب من قبل رئيس مكتب التحقيقات
الفيدرالية جي إدغار هوفر لمطاردة سارق البنوك ديلينغر، وطوال ساعتين
وعشرين دقيقة من إطلاق الرصاص والمطاردات وسرقات البنوك، يجد الفيلم وقتاً
ليخلق حكاية رومانسية ما بين جون ديلينغر وبيلي فريشيت والتي ستجسدها
الممثلة الفرنسية الحائزة على الأورسكار ماريون كوتيلارد.
الرياض السعودية في
17/07/2009
النافذة السابعة
ريدز.. مؤثراً أمام وخلف الكاميرا
إعداد: عبدالله آل عياف
المكان: الولايات المتحدة الأمريكية
الحدث: صناعة فيلم ريدز
Reds
الزمان: أغسطس 1979م
للتو بدأ التصوير الرئيسي لفيلم (ريدز-Reds) للمخرج والكاتب والممثل وارن بيتي. شركة بارامونت تثق في بيتي
كثيراً فهو نجم جماهيري جذب الجميع في فيلم "بوني وكلايد" والذي أطلقته
شركة وارنر برذرز متوقعة آنذاك نجاحاً محدوداً له لكنه كان ضربة موفقة
نقدياً وجماهيرياً حقق ملايين لم يحلموا بها. بارامونت تمنح بيتي ثلاثين
مليون دولار تقريباً (تقارب 91 مليون دولار بمعايير اليوم) لينجز الفيلم
الذي صرح دائماً بأنه يحلم بصناعته (ريدز) ويجسد بيتي فيه سيرة الكاتب
الأمريكي الراديكالي جون ريدز والذي سافر للاتحاد السوفيتي وكان شاهداً على
قيام الثورة الحمراء هناك مما جعله ينبهر بها ويعود لبلاده محاولاً تحقيق
ثورة مشابهة هناك. كان بيتي قد كتب الفيلم في فترة طويلة واختار طاقماً
مميزاً ضم جاك نيكلسون وديان كيتن وانضم هو نفسه لاحقاً بعدما قرر لعب
شخصية ريدز بنفسه، وكل الأمور تشير أننا أمام عمل ضخم.
كان من المفترض أن يتم تصويره خلال 15-16 أسبوعاً لكن الرياح جرت على
غير ما اشتهته سفينة المنتجين. فالتصوير كان في عدد كبير من الدول
(الولايات المتحدة، إنجلترا، فنلندا، أسبانيا، السويد) وهذا يعني تأخيراً
في التنقل وصعوبات تنسيقية، فالطقس كان يتغير في كل من تلك الأماكن مما
اضطرهم مثلاً للانتظار لموسم سقوط الثلج في هلسنكي بفنلندا أو حتى انتظار
توقف المطر بأسبانيا ليتمكنوا من تصوير المشاهد التي كتبها وارن بيتي
بعناية.
لكن بيتي والشركة المنتجة واجهوا موقفين هما أغرب من غيرهما. الأول هو
التعنت غير المبرر من السلطات الفنلندية بشكل مثير للريبة فهم لا يكادون
يجدون طريقة لتعطيل عملية التصوير إلا ويغتنمونها، وبعد التقصي اكتشف
الفريق أن الاتحاد السوفيتي كان يضغط بشكل رهيب على جارته الصغيرة فنلندا
مجبراً إياها على خلق المصاعب لفريق العمل ولم يكن أمام الفنلنديين إلا
الرضوخ أمام طلبات السوفييت الصعبة في محاولة إفساد صناعة هذا الفيلم الذي
يتناول حياة أمريكي شيوعي.
أما الموقف اللآخر الغريب والطريف معاً فقد كان في وقت أسبق من الأول،
حيث أن بيتي اجتمع بالطاقم قبيل تصوير الفيلم في الولايات المتحدة وكان من
عادته أنه يطالب الفريق بالإلمام بملامح الشخصية التي يتناولها الفيلم،
فخطب فيهم متحدثاً عن شخصية جون ريدز وأوضح لهم الجوانب الإنسانية وكيف كان
يدافع عن حقوق العمال ومطالباته بعدم سلبهم حقوقهم وغيرها من المباديء التي
عرف ريدز بها. انصرف الطاقم وهم متأثرين كثيراً بما قاله بيتي على لسان
ريدز فما كان منهم إلا أن طلبوا لقاء بيتي في اليوم الآخر وأخبروه أن كلامه
كان له عميق الأثر عليهم وأنهم سيتوقفون عن العمل في الفيلم مالم يتم إصلاح
أوضاعهم، سلموا بعدها بيتي ورقة تضم مطالبهم وكان من بينها رفع أجورهم
وأخبروه قبل أن يغادروا بأنهم سيضربون عن العمل ما لم يتم تلبية طلباتهم.
كان بيتي مذهولاً من الموقف الغريب الذي أوقع نفسه فيه لكنه اضطر لاحقاً أن
يخضع لما طالبوا به، فتمت زيادة رواتبهم بالفعل.
الزمان: اليوم، الجمعة 17 يوليو 2009م
لا يزال فيلم "ريدز" محتفظاً بلقب آخر فيلم يتم ترشيحه لجميع أوسكارات
التمثيل الأربعة (أفضل ممثل، أفضل ممثلة، أفضل ممثل مساعد، أفضل ممثلة
مساعدة)، كما يعتبره معظم النقاد أحد أفضل الأفلام الملحمية الرومانسية في
السينما الأمريكية. أما بخصوص بيتي نفسه فهو لا يزال الشخص الوحيد الذي يتم
ترشيحه في سنة واحدة للأربع جوائز الأهم في الأوسكار (أفضل فيلم، مخرج،
كاتب، ممثل) والغريب أنه فعلها مرتين الأولى في
Heavn Can Wait
عام 1979م والثانية في فيلم (ريدز -Reds) عام 1982م، ليبلغ عدد ترشيحات الأوسكار التي حصل بيتي عليها 13
ترشيحاً، بالإضافة لفوز واحد بأوسكار أفضل مخرج عن فيلم ريدز.
الرياض السعودية في
17/07/2009
حياة من الانتظار في
The Terminal
بدر الراشد
هل الانتظار خطيئتنا المفضلة؟ أم هو العادة التي ندأب على ممارستها
دون ملل؟ نعتادها حتى تغدو تلقائية ولا نشعر حيالها بشيء؟! يبقى الانتظار
هاجساً بشرياً يومياً، يكبر أو يصغر، يصبح شأنا تافهاً، لا نفكر فيه، كأن
ننتظر دورنا أمام جهاز صراف آلي أو في محل الحلاقة، ويتضخم ليرتد حياة
بأكملها كأن ننتظر إتمام دراستنا لنسعد –نعتقد هذا- أو أن يكبر أبناءنا، أو
أن نمتلك بيت الأحلام وسيارة فارهة، أو نسافر لاكتشاف جهة مجهولة.
نجد أن كل ما حولنا هو انتظار دون أن نعي، أو بوعي منقوص، كأن نتخيل
أن انتظارنا يوقف الزمن بصورة ما، يتكثف الزمن في نقطة مفارقة لحياتنا، فهل
نستطيع أن نحذف هذا الزمن من عمرنا؟ نوقف الوقت كلما شعرنا بحاجة إلى ذلك؟.
في فيلم (صالة الانتظار -The Terminal)
الكل ينتظر.. ف"إميلي" -كاترين زيتا جونز- تنتظر حبيبها باختيارها، وتنتظر
رقماً على جهاز النداء الصوتي، ليعلن رحلتها القادمة، وفيكتور نافورسكي
-بطل الفيلم توم هانكس- ينتظر رغماً عنه ولمدة تسعة أشهر في مطار نيويورك
لحظة دخولها أو عودته إلى الديار.
نحن ننتظر حتى دون وعي منا، مثل غوبتا ران "عامل النظافة الهندي" الذي
هرب من مدينته "مدراس" بسبب جريمة اعتداء، واستمر لثلاث وعشرين سنة في
انتظار سبب كافٍ ومحفز ليعلن عودته إلى وطنه وزوجته وأبناءه، ليكون السبب
هو خدمة نافورسكي وإيقاف الطائرة ليحدث بعدها أي شيء.
يستمر الانتظار خوفاً من ردة الفعل، فإنريك كروز "عامل المطبخ" يريد
خطبة شرطية الجمارك، لكنه يخشى رفضها، أو "ديكسون" الذي انتظر ترقيته لتصبح
سلطاته "مطلقة" على أمن المطار.
يمتد الانتظار حتى بعد الموت، حين شعر فيكتور نافورسكي بأنه ملزم
بإكمال ما شرع به والده قبل موته، الذي استمر ولمدة أربعين سنة يحاول جمع
تواقيع نجوم الجاز الذين شاهدهم في صورة نشرتها إحدى الصحف، وراسلهم على
مدى هذه العقود وحظي بتواقيع جلهم، ما عدا عازف الساكسفون "بيني غولسن".
هنا شعر ابنه – نافورسكي- بأن واجبه يحتم عليه إتمام المهمة، تتويج انتظار
والده، وكل تلك العقود، بإكمال التواقيع.
لذا جاء إلى نيويورك من وطنه "كراكوزيا"، وعاش بشكل قسري لتسعة أشهر
في المطار، وانتظر لحظة دخوله المدينة، وانتظر لقاءه بغولسن، ثم انتظر
إتمامه لعزف وصلته الموسيقية، وبعد الاستماع إلى مقطوعة الجاز من أسطورة
الساكسفون، حظي بالتوقيع الأخير، الذي كان حلمَ كل هذا الانتظار، في هذه
اللحظة جاءت عبارة "العودة إلى الوطن".
كل هذا الزمن، تسعة أشهر من عمر نافورسكي، وأربعين سنة من عمر والده،
و21 سنة من عمر إميلي، و23 سنة من عمر غوبتا، هل يمكن أن نعتبرها لحظات
مفارقة لما نعيش، لحظات لا علاقة لها بالعمر لأنها لحظة انتظار تُكثف
الزمن؟.
تقول إميلي لنافورسكي: أهدى نابليون لجوزفين ميدالية ذهبية، محفور
عليها كلمة واحدة "القدر".
الرياض السعودية في
17/07/2009
روزيتا -
Rosetta
عبدالمحسن الضبعان
الأخوان البلجيكيان جان ولوك داردين يعدان من أبرز وجوه السينمائية
الأوروبية المعاصرة، وعلى الرغم من أن تجاربهما الإخراجية المبكرة كانت في
أواخر السبعينات، إلا أن ظهورهما على المشهد السينمائي العالمي لم يتكلل
إلا عن طريق مهرجان كان الفرنسي وذلك في عام 1999 عندما شاركا فيه بفيلمهما
الدرامي المؤلم (روزيتا –
Rosetta)،
وحققا مفاجأة لم تكن في الحسبان عندما اختطفا جائزة المهرجان (السعفة
الذهبية) لأول مرة وفي أول مشاركة من نوعها في المسابقة الرسمية، وهما
اللذان عادا في عام 2005 ليخطفا السعفة الذهبية مرة أخرى عن فيلمهما الآخر
(طفل –
Child) في ظاهرة لا تتكرر كثيراً في مهرجان كان.
في قصة الفيلم نشاهد ونتتبع رحلة الفتاة روزيتا وهي تبحث عن عمل يؤمن
لها ولوالدتها العيش بسلام في عالم لا يرحم المحتاجين والمشردين، حيث تسكن
هي ووالدتها في بيت من صفيح، أو كما يطلق عليه كابينة، تلك التي يعيش فيها
الغجر الرحل في أوروبا، هي غير راضية وغير مقتنعة بحياتها، ودائماً تثير مع
أمها الكثير من الشجار، يصل في إحدى المرات إلى الضرب، وفي خضم حالتها
النفسية السيئة تتعرف على شاب بسيط يعمل في كشك لبيع السندوتشات يعيش حياة
هادئة ومستقرة، ولكنها لا تود الارتباط معه بصداقة، لكنها تحلم في نفس
الوقت بأن تصبح مثله.
وعند هذا الحد، يصور لنا الأخوان داردين كم أن حجم الأماني ومبلغ
الطموح يتدنى عند المرء كلما تدنت مكانته الاجتماعية، ويقدمان كذلك من
زاوية أخرى درساً قاسياً في طرحهما لمشكلة العشوائيات والمشردين الذين
يسكنون في أطراف المدن ومعاناتهم نفسياً ومادياً، حيث لا يمكننا أن نتخيل
عندما تنتقل عدسة الكاميرا إلى مسكن روزيتا وأمها أن هذا المكان ينتمي إلى
زمننا الحاضر بأي حال، حيث البؤس يغلف المكان.
وفي كل أفلامهما اللاحقة، بعد هذا الفيلم، سيتمسك الأخوان داردين بذات
الأسلوب، في سرد القصة وطريقة المعالجة وإدارة الممثلين، وفي التصوير أيضاً
الذي يتم دائماً عن طريق كاميرا محمولة تهتز طوال الوقت. وعلى الرغم من أن
هذه الأفلام شديدة الواقعية إلا الأخوان داردين يحبان الأفلام التي تجنح
إلى الخيال، وفي هذا الصدد يقولان: "نحن لسنا سبيلبيرغ .. سبيلبيرغ ناجح
أما نحن فلا"!.
الرياض السعودية في
17/07/2009 |