عندما اتسعت مشاركة الممثلين العرب في الدراما المصرية قامت الدنيا ولم
تقعد بين معارض لهذه الوحدة الفنية العربية وموافق عليها. ولكن أيّ موقف
سيتّخذ اليوم إزاء الغزو القادم من تركيا؟ وهل سيحيل الممثل التركي نظيره
العربي إلى الأدوار الثانوية؟ وهل سيأتي اليوم الذي سيتمنى فيها الممثل
العربي لو أنه كان تركيا بما أن الفنانين الأتراك يعاملون في العالم العربي
معاملة "الباشوات "وفناني "الخمس نجوم"؟
لم يعد التوسّع التركي مقتصرا على الدراما التلفزيونية فحسب، بل فتحت جبهات
أخرى على غرار الكليبات والإعلانات. ضربة البداية كانت مع المطربة
اللبنانية رولا سعد التي استعانت بـ"مهند" لمشاركتها كليب "ناويهالو"
وتقاضى عنه مبلغا قياسيا بلغ 120 ألف دولار. بعدها جاء دور النجم التركي
ساروهان هانيل - الذي جسد شخصية "أسمر" في مسلسل "وتمضي الأيام"- ليشارك
المطربة الأردنية ديانا كرزون كليب "جرح".
كما اتجهت هذه الفتوحات "العثمانية" الفضائية إلى الإعلانات، فبعد النجاح
الباهر الذي حققته الدراما التركية بدأ الفنانون الأتراك يغزون التلفزيونات
العربية عن طريق الاعلانات. فقدم الممثل التركي كيفانج تاتيتوج أو "مهند"
بطل المسلسل التركي "نور" إعلانا لإحدى شركات السيراميك. كما تعاقدت إحدى
شركات المفروشات الشهيرة مع الممثل بولانت اينال الشهير بـ"يحيى" بطل مسلسل
"سنوات الضياع".
يبدو أن المسلسلات التركية المدبلجة لم تعد تشبع نهم الفضائيات العربية
التي أصبحت مدمنة على هذه الدراما. لذلك قررت ألا تكتفي بشراء المسلسلات
التركيّة، بل ستساهم في إنتاجها أيضا.
أول الغيث بدأ العام الماضي على خلفية نجاح مسلسلي "نور" و"سنوات الضياع"،
حيث كشف المخرج الكويتي رزاق الموسوي عن مشروع عمل عربي- تركي مشترك بعنوان
"ياصديقي" تقوم ببطولته نخبة من النجوم العرب بالاشتراك مع نجوم المسلسل
التركي "سنوات الضياع": الممثلة توبا بويوكستن "لميس"، وبولنت إينال
"يحيى". ويخرج العمل المخرج التركي أيدين بولوت، مخرج "سنوات الضياع".
وفي تصريح مشابه، أعلن فريق عمل المسلسل الخليجي "بيني وبينك3" عن مشاركة
النجمتين التركيتين توبا بويكستون وسونغول أودين الشهيرة بـ"نور". وستظهر
الممثلتان في المسلسل كزوجتي "مسيار" لبطلي العمل فائز المالكي وحسن عسيري
مقابل 60 ألف دولار للأولى و35 ألف دولار للثانية.
لقد فتحت الأبواب على مصراعيها أمام النجوم الأتراك ليتسيّدوا الدراما
العربية في عقر دارها. ففي سابقة "مثيرة للدهشة"، بدأ الغزو التركي يتغلغل
في الدراما المصرية وباللهجة المصريّة أيضا. فقد تلقَّى كيفانج تاتيتوج
"مهند"، جملة من العروض للمشاركة في مسلسلات وأفلام مصريّة، أثناء زيارته
للقاهرة لتصوير إعلان بمبلغ 300 ألف دولار. وكان "مهند" اشترط مبلغ 20 ألف
دولار نظير ظهوره لمدة ربع ساعة في أي برنامج تلفزيوني. وقد كان له ما
أراد، حيث تتناقل الأوساط الفنية خبرا مفاده بأن النجم التركي كيفانش
تاتيلونغ وافق على الاشتراك في المسلسل المصري "ملف خاص جدا" مع النجمة
ليلى علوي.
وعن أجر النجم التركي الشهير، قال فتحي الجندي مؤلف المسلسل: "نجحت الشركة
المنتجة في توقيع عقد معه مقابل مليوني جنيه، رغم أنه اشترط في البداية
أجرا أكبر من ذلك".
أن تشارك النجمتان التركيتان "لميس" و"نور" في مسلسل خليجي موضوعه زواج
المسيار أمر عادي وطبيعي خاصة وأن مثل هذه المواضيع مطروحة بقوة في
المجتمعات الخليجية، أما أن يقوم النجم التركي الشهير بمهند ببطولة مسلسل
مصري فهو أمر مثير "للدهشة" خاصة وأن قصة المسلسل قصة عادية ويمكن أن
تستغني عن هذا "الباشا التركي، والسيناريو لم يخرج عن المألوف ولو في جزئية
بسيطة، الاستثناء الوحيد يتمثّل في أن البطل هو النجم التركي "الظاهرة"
"مهند".. حيث تدور أحداث المسلسل في إطار اجتماعي رومانسي وتحوم حول مسألة
اضطهاد العلماء وصورة المرأة في المجتمع المصري. فهل أصاب العقم الساحة
الفنية من المحيط إلى الخليج ولم يعد فيها ولو نجم واحد بمواصفات "مهند"
قادر على لعب دور حبيب ليلى علوي، وباستطاعته تحمل أعباء نجاح مسلسل عربي،
حتى "تستنجد" الدراما العربية بفحول الأتراك؟.
إن الأعمال التركية المدبلجة مدينة في جزء كبير من نجاحها للهجة السورية.
وهنا نتساءل عن اللغة التي سيتكلّم بها "مهند"، فكما هو معروف لا يتقن هذا
الممثل اللغة العربية ولا يفهمها، فهل سيتم تنفيذ المسلسل على طريقة "قص
ولصق"، سيصوّر الممثل التركي دوره باللغة التركية أو الانجليزية ثم يتولى
المخرج لصق المشاهد وجمعها، بعد دبلجة المشاهد التي مثّلها؟، أم سيصاحب صوت
"مهنّد" شريط ترجمة يظهر أسفل الشاشة كما اعتدنا في بعض المسلسلات التي
يتحدث فيها الممثل بلغة أجنبية؟.
نسبة نجاح المسلسل عالية جدا، كذلك نسبة فشله. ولئن كان من غير المنصف
الحديث عن هذه التجربة وهي لا تزال مجرّد خبر تتناقله وسائل الإعلام، فإن
الأمر يؤكد أن "فيروس" "انفلونزا" الدراما التركية استشرى بطريقة سريعة
وغريبة في الفضائيات العربية، حتى باتت نواقيس الخطر تدقّ محذّرة مما
أحدثته هذه الدراما من "انقلابات" في المجتمعات العربية، وصلت إلى حد هدم
الأسر وارتفاع نسب الطلاق، إضافة إلى تعميق فجوة الضياع التي يعيش فيها
الشباب العربي بين أحلام رومانسية شبه مستحيلة وواقع قاس مخالف تماما لما
تعرضه المسلسلات.
لكن لا ينبغي تحميل كامل المسؤولية على المنتجين وأصحاب رؤوس الأموال، فمن
حقهم استثمار أي وسيلة للربح، فذلك مبدأ السوق. وعوض مهاجمة رجال الأعمال
والمنتجين واعتبارهم سبب هذا التوسع التركي، الأولى بالجهات العربية
المسؤولة أن تنتج أعمالا فنية قابلة للتصدير، لا أن تكتفي بممارسة واجب
الضيافة مع كلّ ثقافة جديدة تأتي إلينا، نفتح فضائياتنا واسعة أمامها
لتتوسع كما تشاء في حين نبقى عاجزين عن تصدير ثقافتنا.
العرب أنلاين في
19/07/2009 |