كانت فترة الخمسينات والستينات من القرن المنصرم فرصة لمشاهدة ثلاثة
أفلام عرضتها شاشات ألسينما في بغداد لنجم هوى وهو في قمة عطاؤه ألفني
وريعان شبابه .
كان هذا ألنجم هو فتى هوليود ألمتمرد ( جيمس دين ) ألذي عشقناه ممثلا
أدهشنا بتقمصه لأدواره في : ( شرقي عدن ) و ( تمرد بلا سبب ) و ( ألعملاق )
، هذه ألشرائط ألسيمية ألثلاثة ألتي لا تمل ألعين من مشاهدتها ، سحرتنا في
تصويرها وإخراجها وتمثيلها إضافة إلى حبكة قصتها ، حتى إستحقت أن تخلدها
ألسينما ألعالمية وتجعلها أيقونتها ألتي تبهربها ألأبصار .
جيمس دين أوألنجم ألمتمرد كما يطلقون عليه ، كانت ولادته في مدينة
فرمونت ألأمريكية ووالده ميلدريد ووينتون دين لانعلم عن حياته شيئا سوى انه
إنتقل به وبوالدته بعد خمسة سنوات على ولادته إلى لوس أنجلوس ، ولما بلغ
ألعاشرة من عمره توفيت والدته نتيجة لإصابتها بمرض خبيث فعاد ثانية إلى
مسقط رأسه في فرمونت ليعيش مع عمته وعمه في مزرعتهما ألتي شهدت مرحه وحبوره
ومغامراته ألرياضية وهو بعد صبي حتى إذا دخل ألثانوية برز كوجه رياضي في
ألمسابقات ألتي كانت تعقدها ألمدرسة ، وتمكن بما جمعه من مال أن يشتري
دراجة نارية تعّود زملاؤه ألطلبة أن يشاهدوه وهو يسرع بها بجنون ، حتى نصحه
أغلب أساتذته بأن يعدل عن تلك ألسياقة.
كان حلمه أن يقتني سيارة رياضية حتى يشبع شيطان ألسرعة لديه وبسبب ذلك
ألجنون فقد حياته وهو لم يتجاوز بعد ألرابعة والعشرون من ألعمر .
حلُم دين بالسينما فقد كان يمتلك ألموهبة لصعود هذا الجبل ألعالي حتى
تحقق حينما إختارته إحدى ألفرق ألمسرحية ليمثل ( أنظر للفهد ) و ( أللا
أخلاقي ) وتشاء ألصدف أن يشاهده مخرج ألروائع ( إيليا كازان ) صاحب مدرسة
ستوديو ألممثل ، فيعجب به ويرشحه لبطولة فيلمه ألشهير ( شرقي عدن ) ألذي
زلزل أرض هوليود فجعلها تركض وراؤه لاهثة لتوقيع عقدا جديدالفيلم ( تمرد
بلا سبب ) أمام ألنجمة ألشهيرة آنذاك ( ناتالي وود ) ، مما زاد من نجوميته
وترشحه لأكثر من جائزة للأوسكار .
كان دين قد أقنع ألمشاهدين في كل مكان بتقمصه لدور ألشاب أللاهي ،
ألعابث ، ألمتمرد حتى على نفسه ، فغرس في ألنفوس تلك ألصور ألمتقلبة
والجميلة أحيانا إلا أنها كانت تعكس حقيقة ما يعيشه من إضطراب نفسي ، تهكمي
، لايعرف كنهه .
في فيلمه ألثالث ( ألعملاق ) أبدى ألمخرج ( جورج ستيفنس ) أسفه لأنه
لم يعط لجيمس دين حرية أكبر لأدائه دوره في ألفيلم إلا أنه إستطاع أن يقف
أمام إثنين من عمالقة ألسينما ألعالمية هما ( أليزابيث تايلور ) و ( روك
هدسون ) وينافسهما في دور من أروع أدواره ألسينمائية ، إلا أن سوء طالعه لم
يمكنه من إكمال دوره بسبب موته ألمفاجئ إثر تحطم سيارته ألبورش في سباق
للسيارات ، تلك ألهواية ألتي لازمته حتى قضت عليه ، في حين كان دين متعطشا
للحياة أكثر ومتلهفا لإبرام عقود أفلام أخرى ، لكنها حتمية ألسقوط عندما
نعجز من رؤية حفرة ألقدر .
وبسبب ألشهرة ألواسعة ألتي حظي بها دين ، مع أن رصيده في ألسينما لم
يتجاوز ألثلاثة أفلام ،تم تنظيم رحلة لحطام سيارته وهي من طراز ( بورش ) في
مختلف أنحاء ألولايات ألأمريكية من أجل إقناع ألأمريكيين بشكل عملي وملموس
بأهمية ألتحلي بالحرص وألحكمة عند قيادة ألسيارات ، ولكن بدلا من ذلك
إحتشدت حول ألحطام تلك ألجماهير ألغفيرة ألتي كانت تعشق دين إلى حد ألهوس
وألتي كانت تلهث وراء أي أثر خلفه هذا ألنجم . (1 )
وعلى ألرغم من أن وفاة ألمشاهير في ظروف غير طبيعية عادة ما تثير في
ألنفوس ألريبة وألشك وتجعل ألكثيرين يجنحون لتفسيرات غريبة ، إلا أن ألأمر
إختلف مع دين ألذي إعتبر عشاقه أن موته ألمبكر ليس إلا جزئا من سحره ،
فرحيل جيمس دين عن ألدنيا في سن صغيرة جعله يعلق في أذهان الملايين غضا
يانعا وليبقى أشبه ب ( بيتر بان ) تلك ألشخصية ألكارتونية ألخيالية ألتي
لاتكبر أبدا ولكن دين كان بيتر بان عصريا ويرتدي ألجينز وألسترات ألجلدية
ألقصيرة ألتي أصبحت موظة ألعصر لفترات طويلة . ( 2 )
كتب عنه ( ديفيد تومسون ) ألناقد ألسينمائي ألكبير وبشكل يتقد حماسة
في ألباب ألخاص بدين في قاموسه ألسينمائي ألرائع أن سبب تفرد وتميز هذا
ألعملاق يعود إلى ألشباب وألحيوية أللذين كانا يشعان منه بشكل مستمر ،
ومثله مثل ألكثيرين ، يضرب تومسون ألمثل بالنجم ألشهير ( مارلون براندو )
كنقيض لظاهرة دين من حيث كون براندو قد عاش حتى بلغ سنا متقدمة مما أدى إلى
تضاؤل شهرته بشكل ما بعد أن فقد وسامته ويقول تومسون بهذا ألصدد : ( إن
ملامح براندو تحولت من ألوسامة إلى ألدمامة ) بعد أن تقدم به ألعمر وهو ما
لم يحدث لدين ألذي ظل على حاله لم يتغير .
وكما يقول ( ريتشارد شيكيل ) كاتب ألسيرة لبراندو بأن وفاة ألفنان في
سن مبكرة ، وفي ظروف دراماتيكية تؤثرإيجابا في صورته ألذهنية لدى ألجماهير
، مضيفا أن ألأمر يختلف مع من يعمرون طويلا من ألفنانين مما قد يؤدي في بعض
ألأحوال إلى أن يطمر ألنسيان صورتهم ،هذا ألمثل ينطبق على نجوم ألسينما
ألعربية ألذين رحلوا في سن مبكرة كالفنان أنور وجدي ومحمد فوزي وإسمهان ،
ومن ألمؤكد أن جيمس دين لم يعش حتى يصبح بدينا ، أو ليرتكب حماقات كتلك
ألتي وقع فيها مارلون براندو خلال مشواره لم تتح له ألفرصة في ألأصل ليحقق
إنجازات مماثلة لتلك ألتي حققها براندو في مراحل متقدمة من حياته مثل
بطولته للفيلمين ألشهيرين ( ألتانكو ألأخير في باريس ) و ( ألأب ألروحي ) ،
كما أن دين لم يحالفه ألحظ ليتمكن من تطوير نفسه وموهبته .
كان دين يحلم بتقديم رواية ألكاتب أنطون إكسويري ( ألأمير ألصامت
)للسينما أما ألفيلم ألثاني فمأخوذ عن مسرحية وليم شكسبير ألشهيرة ( هاملت
) ليجسد شخصية ذاك ألإبن ألمرتبك ألذي لا يعرف كيف يرضي روح والده ألقلقة ،
وربما كان قيام جيمس دين بأداء دور ألأمير ألصغير أو هاملت سيشكل خطوة لها
قيمتها في مسيرة هذا ألنجم ليطور من خلالها نفسه ويصبح بعدها مؤهلا لأن
يحظى بمكانة فنية أكبر ، لكنه ودعنا قبل أن يجمع هذه ألشخصيات إلى شخصيته
ألإنفلاتية ألتي ما فتأت تتحرق شوقا للعبثية وألإهمال .
ألهوامش /
( 1 ) إسلام ألسعدني / كاتب مصري
( 2 ) المصدر السابق
أدب وفن في
25/07/2009 |