هناك أسباب كثيرة تؤدي إلى سحب فيلم من مهرجان أو قيام المهرجان برفضه بعد
الموافقة عليه، ولو أن هذا الأمر الثاني لا يقع الا في أحيان متباعدة.
المخرج المغربي نبيل عيّوش هو أحد آخر المخرجين العرب الذين تعرّضوا إلى
واقعة من هذا النوع عندما قام مهرجان الإسماعيلية بقبول فيلمه في مسابقته،
ثم منع عرضه حين استقر رأي إدارته على أن الفيلم يسيء إلى مصر.
المخرج التونسي نوري بوزيد رفض الحضور وتسلّم جائزته عن فيلم قصير أنجزه
وتم عرضه في مسابقة الأفلام التلفزيونية في القاهرة رغم فوزه بعدما لم
يستطع إقناع قناة الجزيرة التي أنتجته بسحب الفيلم بناءً على سوء تفاهم بقي
طي الكتمان، على الرغم من أن عروض الفيلم التجارية كانت جيّدة.
وحدث أن امتنع عدد من المخرجين العرب عن الاشتراك في مهرجانات استضافت
احتفالات بآخر كيان استعماري وعنصري في العالم، وهو الكيان الصهيوني،
مفضّلين التعبير بغيابهم عن وجهة نظرهم حيال ما وصفوه بأنه احتفال بكيان
معتد لا يمكن قبوله أو المشاركة فيه.
انسحاب المخرجين أو رفض أفلامهم بات أمراً متكرراً في الآونة الأخيرة أكثر
من سواه وعلى نطاق عالمي، فبعد أن هدد كن لوتش بسحب فيلمه الأخير “البحث عن
إريك” من مهرجان أدنبره لقبوله بدعم مالي (لم يزد عن بضع مئات من
الجنيهات)، قام بسحب فيلمه ذاته من مهرجان ملبورن السينمائي الاسترالي
للسبب ذاته. قبِل مهرجان ملبورن بقيام الكيان بدفع تذكرة السفر إلى المخرجة
تاتيا روزنثال لكي تتمكن من حضور عرض فيلمها “9،9” (نعم الأزمة وصلت إلى حد
أن المهرجانات ليس معها دفع تذاكر السفر لمخرجين تختار أفلامهم).
في الحالة الأولى، صرف مهرجان أدنبرة النظر عن تلك المنحة التي عرضتها
“إسرائيل”، لكن في الحال الثانية رفض مدير المهرجان قبول شروط المخرج لوتش
الداعية إلى إرجاع المنحة وقبل بها ما أدّى إلى قيام المخرج البريطاني،
المعروف بيساريّته كما بعدائه السياسي ل “إسرائيل”، لأن يسحب فيلمه من
العرض.
ومهرجان ملبورن تعرّض إلى محنة واتته من جانب آخر، ففي الأخبار الواردة
حديثاً أن الصين اعترضت على عرض المهرجان فيلماً يدور عن شخصية الناشطة
الصينية ربيعة قادر التي كانت أمضت ست سنوات في السجون الصينية لمواقفها
المؤيدة لتحرر مقاطعة شينجيانج المسلمة (وهي مسلمة بدورها).
غضب الصين تم ترجمته إلى الطلب من المخرجين الصينيين الذين كانوا أرسلوا
بأفلامهم إلى ملبورن بمقاطعة المهرجان. وبالفعل بعث جيا زانكي (الذي كانت
أفلامه موضوع هذه الصفحة قبل أسابيع قليلة) بطلب سحب فيلمه القصير “ابكي لي
نهرا”، كما استجابت المخرجة الصينية إميلي تانغ لطلب الحكومة وأرسلت بطلب
عدم عرض فيلمها الروائي الطويل “حياة متكاملة”.
وتبع ذلك قيام مخرج وثائقي صيني اسمه زاو ليانغ بطلب عدم عرض فيلمه
“العريضة” الذي يتحدّث عن سوء القضاء الصيني.
الفيلم الذي يتحدّث عن السيدة قادر عنوانه “عشرة شروط للحب”، ونفدت تذاكره
قبل أيام طويلة من انطلاق المهرجان قبل يومين.
بريطانيا تمول وأمريكا تكسب
حين يدخل الجمهور البريطاني صالات السينما لحضور الأفلام الأمريكية الكبيرة
والمنتشرة مثل “خطف بلهَم 123” أو “حالة اللعب” أو “غزو تارميناتور” أو حتى
“إحرق بعد القراءة” فإن آخر ما قد يجول في رؤوسهم هو أن هذه الأفلام
مموّلة، ولو جزئياً، من قِبل شركات بريطانية بحيث يجوز للفيلم أن يحمل هدية
إنتاجية مشتركة.
لكن الواقع هو أن الإسهام البريطاني في الأفلام التي تنتجها “هوليوود”
مرتفع إلى حد كبير ويأخذ أشكالاً مختلفة ويتم أيضاً عبر طرق متعددة. من بين
هذه الطرق هو أن تسعى شركة محلية مثلاً إلى الارتباط باستديو أمريكي كبير
(حال شركة “هايمان” منتجة سلسلة “هاري بوتر” مع وورنر، التي تقوم بتمويل
وتوزيع الفيلم) بعقد عمل طويل، أو ترتبط باتفاق يُسمى اتفاق النظرة الأولى
First Look Agreement.
وحسب هذا الاتفاق على الشركة المحلية عرض ما تود إنتاجه على الاستديو
الأمريكي المعيّن الذي تعاقدت معه لتمنحه فرصة الخيار الأول. إذا ما قرر أن
المشروع لا يثير إعجابه، مضت عنه لسواه أو استبدلته.
وهناك الطريقة التي تناسب -على الأخص- منجزي الأفلام الفنيّة، فهي تموّل
محلياً بالكامل (عادة ضمن ميزانية محدودة) ثم يباع الفيلم إلى شركات
متوسّطة أو كبيرة في الولايات المتحدة لتوزيعه.
في كل الحالات، فإن العائد المادّي لبريطانيا كبير وفي ازدياد مطرد ما يبرر
استمرار هذه العلاقة، التي بدأت منذ عقود، ولو أن المشاكل الناجمة عنها
بالنسبة لصناعة الفيلم البريطاني وهويّته هي أيضاً في اطراد.
في عام ونصف العام (أي من مطلع العام الماضي) هناك نحو 60 فيلماً تم
إنتاجها كأعمال أمريكية- بريطانية مشتركة. معظمها لم يعلن عنه ولم يُعرف
عنه إلا أنه فيلم أمريكي قلباً وقالباً بما في هذه الأفلام العملان اللذان
تم تحقيقهما عن رئيسين أمريكيين: “عن جورج دبليو بوش” الذي أخرجه أوليفر
ستون، و”فروست/نيكسون” الذي حققه رون هوارد.
فيلم ماكجي “خلاص ترميناتور” مصنوع تماماً ليبدو أمريكياً محضاً ولا يمكن
القبول به غير ذلك بالنسبة للمساهمين البريطانيين لسبب مهم: الجمهور قد
يبتعد عن افلام بريطانية حتى ولو كانت على هذه الشاكلة التجارية المحضة.
كمثال على ذلك، ليس لنا سوى العودة إلى ثلاث سنوات مضت حين قام جيمس ماكتيغ
بتحقيق “ف للانتقام”: عن شخصية من الكوميكس نشرت في مجلات أمريكية. لكن
القصّة والشخصيات بريطانية ما جعل المغامرة التي تكلّفت نحو 60 مليون دولار
تعاني من فتور الإقبال الذي لم ينجم عنه سوى 123 مليون دولار. الفارق بين
الرقمين ليس ربحاً.
هذا وسواه من العوامل الناتجة عن التلاحم الإنتاجي له عوامل إيجابية وأخرى
سلبية، والسلبية لا تقل أهمية ولو أنها تبقى في الخلفية. فعلى صعيد، يؤمن
كل ذلك استمرار العمل لأهل الصناعة البريطانية من فنانين وفنيين واستديوهات
تصوير الخ... لكنه من ناحية أخرى يواصل نزع الهوية البريطانية عن الإنتاج
البريطاني إلا في نطاق الأعمال الفنية المحدودة.
في الستينات وما بعدها بقليل، كانت السينما البريطانية تنتج أفلاماً تجارية
من دون تلوينها بألوان العلم الأمريكي. أفلام مثل سلسلة أفلام الرعب التي
كانت تطلقها شركة “هامر” والتي لا تزال حين مشاهدتها اليوم تؤكد طابعاً
خاصّاً ومعالجة فنية مختلفة عن أفلام الرعب الأمريكية آنذاك أو اليوم، ومثل
سلسلة “Carry on”
الأفلام الكوميدية المعروفة بأنها كانت -كالسلسلة الأخرى- تشهد توزيعا
عالمياً ناجحاً يمتد من الهند إلى الولايات المتحدة.
الى جانب هذه الأفلام كانت هناك الموجة الفنية المحضة التي كانت نشطة
بالمواهب وناجحة في الأسواق لدرجة تؤمن استمرارها.
حتى جيمس بوند، الذي هو أفضل عملة سينمائية بريطانية تم إنتاجها انتقلت من
طابعها البريطاني إلى آخر مختلط في أفضل الأحوال.
تعبيراً عن هذا الوضع فإن الأفلام “الفنية” البريطانية، ومنها “جوع” لستيف
مكوين، و”سعيدة محظوظة” لمايك لي و”بعيداً نمضي” لسام مندِز لم تستطع إنجاز
النقلة التجارية ما يضع السينما البريطانية بين فكي كماشة.
أوراق ناقد
مهرجانات
المزيد من المهرجانات العربية في المنطقة، والمزيد من المهرجانات العربية
في أوروبا، لكن النسبة ذاتها من الإنتاجات التي تتراوح ما بين 100 فيلم
روائي طويل و50 فيلماً وثائقياً. في بعض السنوات يرتفع هذا المعدّل قليلاً
أو ينخفض قليلاً.
طبعاً ليس كل الأفلام جيّدة تستحق المهرجانات أو تناسبها. نصف هذا العدد
ربما يستحق الترشيح. ربعه يستحق التسابق وهكذا.
بانضمام مهرجان الدوحة إلى جملة المهرجانات المقامة في المنطقة، وبتجديد
مهرجان أبوظبي عدّته وتجهيزه فإن المنافسة بينهما ستكون قوية، ومنافستهما
لمهرجان دبي كذلك.
في البداية أشيع أن مهرجان الدوحة في قطر لن يكون سوى نسخة من مهرجان
“ترايبيكا” الذي تديره مؤسسة “ترايبيكا” التي من بين رؤسائها روبرت دينيرو،
لكن هل هذا صحيح؟ أهل المهرجان هناك يتكتّمون حول الموضوع ولهم الحق.
المنطقة تستطيع أن تربح أو تخسر تبعاً لخبر قد يبقى طي الكتمان أو يتسرّب
فينكشف.
مهرجان أبوظبي استبدل طاقمه القديم وجاء بجدد. رئيس مهرجان “ترايبيكا”
النيويوركي استقال والآن مدير مهرجان الشرق الأوسط وهو ليس هاوياً بل من
أهل الخبرة، والمنافسة مع المهرجانات الأخرى ستنبع من أن عضد مهرجان الشرق
الأوسط اشتد به.
لكن ما العمل إذا ما كانت الأفلام العربية الصالحة (وكل مهرجان سيحاول
استحواذ أفضلها، كذلك مهرجانات دمشق والقاهرة ومراكش) محدودة؟ كيف سيؤمن كل
مهرجان أفلاماً ينفرد بها و-بالتالي- يتميّز بها عن سواه؟ وما الذي سيحدث
لو أنه في عام أو عامين على التوالي انخفضت نسبة الأفلام الجيّدة؟
وما يحدث في هذه البقعة من العالم مطروح للحدوث خارجها.
حالياً في فرنسا وأوروبا أكثر من مهرجان للسينما العربية مقام أو يتم
التحضير له (في باريس وحدها خمس جهات تعمل على خمسة مهرجانات)، هل تساءل
مهرجان ما كيف سيؤمّن؟
هناك حلول، لكن أهل الاختصاص والمعرفة عادة ما يتم تحييدهم، فالأمور عربياً
لا تتم حسب الخبرة والتجربة، بل حسب اقتراب أو ابتعاد الهوى الشخصي.
المسألة برمّتها لا أعتقد أنها تقلق المخرجين العرب ذلك إنه إذا رفض فيلمه
هنا، توجّه به إلى هناك. وإذا كان فيلماً متميّزاً فالجميع يريده. بذلك
يعتقد المخرج أنه هو الرابح في كل الأحوال وهذا خطر آخر يمكن إضافته فوق
المخاطر الأخرى المذكورة.
م .ر
merci4404@earthlink.net
http://shadowsandphantoms.blogspot.com
الخليج الإماراتية في
26/07/2009 |