كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

مدخل إلى السينما الكردية (2)

النشاط السينمائي الكردي في إيران

بقلم: برهان شاوي

ملف السينما العراقية

   
 
 
 
 

 مـقــدمــة:

في مقال سابق حاولت ان اتوقف عن مفهوم (السينما الكوردية) وصحة إستخدامه من الناحية الاكاديمية والعلمية، كما توقفت بعد ذلك عند الافلام التي اُخرجت عن الاكراد سواء في السينما الروسية او في السينما السوفيتية فيما بعد. وهنا ساحاول التوقف، تاريخيا، ليس عند الافلام التي اخرجها الآخرون عن الاكراد، وانما عند الافلام التي اخرجها الفنانون الاكراد الذين عملوا في مجال السينما في البلدان التي قسرا قُسمت كوردستان بينها، بغض النظر عن مستوى تلك الافلام من الناحية الجمالية،او بمدى علاقتها بالكورد، وانتمائها الى ما يمكن تسميته بـ (السينما الكوردية). وسأبدأ في هذا المقال بايـران. 

يختلف النقاد والمؤرخون السينمائيون حول بدايات دخول السينما الى ايران أو بدقة اكبر حول أول تعرف للمشاهد الايراني على السينما، فرغم ان الامبراطور (مظفر الدين) شاهد صيف العام 1900 في فرنسا اول عرض للسينما، وانه أمر رئيس مصوريه (ميرزا ابراهيم خان) بعمل افلام قصيرة عديدة، اُعتبرت فيما بعد اول الافلام الايرانية، إلا ان المشاهد الايراني لم يتعرف على السينما الا بعد العام 1905 عندما افتتح (روسي خان- 1875 - 1933) دارا لعرض الافلام في طهران. ويذهب بعض المؤرخين بان أول دار عرض للافلام أُفتتحت العام 1917 وكانت تعرض أفلاما مستوردة من فرنسا والمانيا.

وفي نهاية العشرينيات وبداية الثلاثينيات من القرن العشرين كانت هناك محاولات لتنظيم انتاج أفلام روائية، ففي العام 1930 اخرج الفنان الأرمني (أوهانيان)، الذي كان يعمل سابقا في استوديوهات موسكو وباكو، أول فيلم ايراني روائي صامت واسمه (أبي ورابي).  لكن سرعان ما أعد تلاميذ (أوهانيان) أستوديوا بسيطا في طهرات واطلقوا عليه أسم (فارس فيلم)، وانتجوا افلاما عديدة ذات طابع فكاهي وشعبي مثل فيلم ( الفتاة اللعوب) وغيرها من الافلام، لكن هذه المحاولات كانت فاشلة لغياب القاعدة التقنية ، وندرة الكادر الفني، وغياب الحرفية والرؤية الفنية الناضجة.

وفي العام 1934، وفي بومباي، اخرج الفنان الكوردي الايراني ( عبد الحسين سيند)، اول فيلم ايراني ناطق باللغة الفارسية اسمه (دختر لور -  إبنة اللـور)، و(اللـور) كما هو معروف، قسم من الاكراد، يعيشيون في اقليم (لورستان) في جنوب كوردستان، في دولة ايران الحالية، ويدينون بالمذهب الشيعي، ولهجتهم (اللورية) تشكل احدى اللهجات الكوردية الاساسية، بل وفي هذه اللهجة كتب (بابا طاهر الهمداني) الملقب ب( العريان) أشهر رباعياته التي تُعد بمستوى رباعيات (الخيام). ولقد حقق هذا الفيلم نجاحا كبيرا، وحصل على شهرة واسعة آنذاك.

لقد سعى (عبد الحسين سبند) كثيرا لتطوير السينما الايرانية حينذاك، فاخرج خلال عامين (1934 - 1936) ستة أفلام باللغة الفارسية، وجميع هذه الافلام هي قصص أخذها من التاريخ الاسطوري الايراني، ومن الخرافات الشعبية، ومن الفولكلور. إلا ان محاولات (عبد الحسين سبند) لم تُدعم من قبل السينمائيين الايرانيين، على قلتهم، ولا من قبل الدولة، لذلك تؤكد المصادر التاريخية انه ما بين الاعوام 1937 ولغاية العام 1947 لم يعرض في ايران سوى الافلام الأجنبية، والاميريكية على وجه التخصيص.

بدأت الأفلام الايرانية، عمليا، في الظهور بعد الحرب، حيث ظهر اول فيلم ايراني طويل وناطق باللغة الفارسية، وتم انجازه داخل ايران، في العام 1947، وكان اسمه(عاصفة على الحياة)، وقد اختلف النقاد والمؤرخون على اسم مخرجه، فمنهم من يرى ان المخرج هو (إسماعيل كوشان)، ومنهم من يرى (محمد علي درياباغي)، ومنهم من يرى( كياي)، لاسيما وان الاخير أخرج في العام 1948 فلما باسم( الأمير الأسير).

إن النجاح الذي لاقته الافلام الوطنية الايرانية، وتأثيرها الكبير على المشاهدين، رغم مستواها الفني الهابط، دفع السلطات للاستفادة من السينما كوسيلة لزيادة الدخل الوطني، وكوسيلة للتظليل الايديولوجي، لذا أصدرت مرسوما باعفاء أفلام ستوديو (فارس فيلم) من الضرائب لعام 1948 وفرضت نسبة 15% في المئة على بقية الافلام لغاية العام 1970، على ان تكون بعد ذلك بنسبة 40% في المئة. إن هذا الاجراء ساعد على تطوير صناعة السينما في ايران فظهرت خلال الخمسة عشر عاما التي تلت صدور القانون افلام عديدة للمخرج (إسماعيل كوشان) مثل : (النادمة) - 1954، (الحب الأخير)-1956، وافلام تاريخية للمخرج (مختار) مثل: (نادر شاه )- 1957، و( آغا محمود خان)-1959، كما اخرج (مجيد محسن) فيلم ( سارق الحب)-1959، وغيرها من الافلام. ولكن يمكن القول ان معظم أفلام الخمسينات كانت هابطة من الناحية الفنية، وركيكة البناء وساذجة المضمون.

وفي نهاية الخمسينات أيضا، اخرج (فاروق جعفري) فيلم (جنوب المدينة)، وقد منع هذا الفيلم من العرض، وتعرضت النسخة السالبة منه الى التشويه، بسبب اسلوبه الواقعي في تصوير الحياة اليومية في الأحياء الشعبية بالعاصمة. وفي بداية الستينات اخرج الفنان (سيامبك باسمي) فيلميه ( ضفاف الإنتظار) و(دلاهو او الطلسمان العائلي)، واللذين يتحدثان عن حياة الناس البسطاء ومشاكلهم الاجتماعية في إقليمي ( لورستان) و(كوردستان).  

الموجة الجديدة في الستينات والسبعينات  

في بداية الستينات دخلت ايران مرحلة جديدة، لا سيما بعد التحولات السياسية، وبعد ثورة مصدق وتأميمات شركات النفط، ثم  ما سمي ب(ثورة) الشاه البيضاء التي دفعت ايران الى مرحلة متقدمة من التصنيع وسيطرة العلاقات الراسمالية على الاقتصاد والحياة الاجتماعية عموما. وعلى الطرف الآخر، تطورت القوى اليسارية، فمقابل بروز الطبقة البرجوازية ، التجارية والصناعية، برزت الطبقة العاملة، لا سيما في قطاع النفط. وعموما كان لكل هذه التحولات تأثيرها على السينما، لذا انتبه السينمائيون الايرانيون اليها وتوجهوا الى الموضوعات التي تجسدها. لذا فان نهاية الستينات وبداية السبعينات شهدت الميلاد الحقيقي  لحركة السينما الجديدة في ايران، فقد اخرج الشاعر (فريدون راحينما) أول فيلم تجريبي، طليعي في ايران، هو فيلم (سيافاخس في بيرسيوليس)، وكذلك أخرج الكاتب الروائي (ناصر تاكفاي) فيلم (اراميس) في العام 1969، كذلك قدم المخرج (درزيش مهرجوي) فيلمه (البقرة) في العام 1970، والذي حصل على جائزتي مهرجاني فينيسيا وشيكاغو، مثلما أخرج (سهراب شهيد سالس) فيلمه (حادثة بسيطة) في العام 1973، ومرة يعود (ناصر تاكفاي) ليخرج فيلما باسم ( صادق الكوردي) الذي بنى احداثه، من الناحية الخارجية، على غرار أفلام المغامرات الاميركية، اما من ناحية المضمون، فكان الفيلم يتعرض لحياة الكراد الاجتماعية، من خلال قصة رجل كوردي اسمه (صادق) يتحول الى ما يشبه قاطعا للطريق على سائقي الشاحنات الذين يمرون بالجبال لأن احدهم قتل زوجته. كما قدم المخرج (بهرام بيزائي) في العام 1972 فيلمه ( المطر الغزير)، اما ( امير نادري) فقدم في العام 1974 فيلمه( المصيدة)، كما توج المخرج ( مسعود كيميائي) الذي  بدأ بفيلم (قيصر) في العام 1969 مسيرته الابداعية بفيلمه ( سفر سنك - رحلى الحجر) في العام 1978، والذي غعتبره البعض أحد اهم الافلام الايرانية الحديثة التي تنبأت بالثورة الاسلامية، اما المخرج (بارفيز كيمافي) فقد اخرج في العام 1974 فيلمه الشهير ( الغول).. ولكن... ما علاقة كل ما تقدم بالسينما الكوردية؟؟  

الأكــراد والسينما في ايران

إن الصعوبة الأساسية التي تواجه الباحث في هذا الموضوع، واقصد السينما الكوردية، خصوصا في ايران، هو ذلك التفاعل والتمازج التاريخي، الغارق في القدم، بين الثقافتين الكوردية والفارسية، والتأثير المتبادل بينهما، الى جانب خصوصية  الظروف السياسية التي تحيط بالقضية الكوردية في ايرانن حيث ان النسب القومي والعرقي والثقافي واللغوي للفنا او الكاتب او السينمائي الكوردي لم يكن يثير تلك الحساسية التي يثيرها في تركيا او العراق او سوريا، وحتى فيما يخص الموقف الرسمي للدولة الايرانية ثم اختلاف واضح في الاساليب التي تم التعامل بها مع الاكراد عما هي عليه في بقية البلدان التي قُسمت كوردستان بينها، فقد اتبعت السلطات الايرانية قبل الثورة الاسلامية، طرقا واساليب ملتوية لإحتواء الاكراد فكريا وصهرهم قوميا، فقد خصصت البرامج التي تبث باللغة الكوردية، وأصدرت الصحف والمجلات التي تنشر باللغة الكوردية، والتي تؤكد دائما بان الاكراد والفرس هم من أصل عرقي واحد، وان لغتهم تنتمي لنفس العائلة اللغوية التي تنحدر منها اللغة الفارسية، وان عاداتهم وطباعهم وتاريخهم كلها متشابهة، لذا فهم شعب واحد، ويجب ان يتحدوا لا ان ينفصلوا..  ورغم ان كل هذه الحجج صحيحة، الا انها لا تبررعدم الاعتراف بحقوقهم القومية المشروعة.

عموما،لا اريد هنا ان ادخل في محاججة هذه الطروحات والافكار، بقدر ما اريد أن اصل الى نتيجة مفادها ان هذه الطروحات أثرت على السينمائيين الاكراد في ايران حقا، من حيث اننا نجد الكثير من الاكراد الذين عملوا في مجال الفن والثقافة والأدب في ايران ، لا سيما من ( اللور) بقبائلهم الشهيرة في ايران، والتي بعضها كان مقربا من الشاه، مثل قبيلة ( البختيار)، لم ينجزوا شيئا قوميا يخصهم كأكراد، إذ ان السلطة الايرانية إستفادت من الخلاف المذهبي بين (اللور) الذين جلهم من الشيعة، ويقطنون أقليم (لورستان)، وبين بقية الكرد في اقليم (كوردستان).  كما لعبت السلطة الايرانية على الواقع الاداري والجغرافي للدولة الايرانية، إذ ان ايران مقسمة اداريا وجغرافيا الى مقاطعات عديدة، وقد قسمت (كوردستان) الواقعة في ايران الى مقاطعتين هما (لورستان) و(كوردستان)، بينما كلاهما في الواقع تنتميان لكوردستان الكبرى، و(اللور)، الذين يسمون في العراق باسم (الأكراد الفيليين) هم جزء من الشعب الكوردي المتوزع بين العراق وستركيا وايران وسوريا..!

وبغض النظر عن السينما الايرانية التجارية التي انتجت افلاما عديدة لها علاقة بالاكراد مثل :( حسين كورد بهلوان)، و( ابو جاسم لـُر)، و( الفتاة الكوردية)، التي شاهدت معظمها في فتوي في العراق ولا اذكر أسماء مخرجيها الآن، فانني ومن خلال عرضي لتاريخ السينما الايرانية أود التوقف عند ثلاثة أسماء، اولها ( عبد الحسين سبند)، الذي اخرج اول فيلم ايراني ناطق في بومباي في العام 1932 وهو ( فتاة اللور)، وكذلك المخرج ( ياسماك ياسمي) الذي اخرج فيلم (دلاهو)، وكذلك الروائي والمخرج السينمائي ( ناصر تاكفاي) الذي اخرج فيلم ( صادق الكوردي).

فيما يخص (عبد الحسين سبند) لا توجد اية معلومات شخصية عنه، وعن اصله، لأنه عاش في الهند، ووقوفي عنده متأت من لقبه( سبند) وهي مدينة وموقع تقع في الأراضي الكوردية، الى جانب إخراجه لفيلم يتحدث عن فتاة (لورية) وهو في الهند، ولم يختار أي موضوع آخر، علما انه كان آنذاك يخرج فيلمه الأول، وهو اول فيلم ايراني ناطق، ولم يختار أي موضوع آخر، ولا اية قصة من التراث الفارسي العريق ولا من أساطيره الشهيرة، انه مجرد تساؤل لا أكثر..!!!!

أماالمخرج (ياسماك ياسمي) فقد أخرج فلمين، هما كما تقدم(دلاهو) و( ضفاف الانتظار)، وتجري أحداث الفلمين في (لورستان) و(كوردستان)، وفي هذين الفلمين اللذين يتحدثان عن الحب كان (ياسمي) يتناول العلاقات الاجتماعية بكل تعقيدها وبكل ثقلها وهيمنتها في تحديد المصائر الفردية للأبطال..، ومن الواضح ان الذي دفع (ياسمي) الى إختيار هذه المناطق، الناس في هذه المناطق ليكونوا ابطالا في فلميه كونه ينتمي الى هذه المناطق، ويعرف الحياة فيها بشكل جيد..!

أما المخرج والكاتب( ناصر تاكفاي)، فهو يسمي فلمه بأسم ( صادق الكوردي)، واحداث الفيلم تجري في كوردستان، لكنني لم أعثر، للأسف، على اية معلومات وافية عن هذا المخرج، كسابقيه..، وهناك، كما حدثني بعض الثقاة من المثقفين الاكراد من ايران بأن هناك فيلما ايرانيا ناطقا باللغة الكوردية اسمه( فرسان كوردستان) تجري احداثه في جبال (زاغروس)، ولكنهم لم يتذكروا اسم مخرجه، كما انني لم اجد ذكرا له في المصادر السينمائية التي تتحدث عن السينما في ايران.

إنني هنا، وكما هو واضح تماما، احاول ان اضع بعض اللمسات حول الافلام التي تقترب من عالم الاكراد بهذا الشكل او ذاك، واجد نفسي في وضع لا يمنحني الحق باطلاق اي حكم جازم او اي إدعاء حول إنتساب هذا المخرج او ذاك الى الكورد، او إلحاق هذا الفيلم أو ذاك الى قائمة الافلام الكوردية، لعدم توفر المصادر التاريخية والفنية التي تضيء لي الطريق..؛ وإنني لعلى ثقة بان هذا الطريق لا زال شائكا ومليئا بالأسرار، ويستحق الانتباه من قبل المثقفين الاكراد في ايران، ومن هنا جاء عنوان المقال عن النشاط السينمائي للاكراد وليس السينما الكوردية في ايران..، رغم ان السينما الايرانية، بعد الثورة الاسلامة تقدمت خطوات جبارة، وحققت منجزات شاهقة وبارزة، وخلقت لنفسها جيشا من المخرجين والممثلين والفنيين السينمائيينن ومن بينهم الكثير من الاكراد، والأرمن وغيرهم من القوميات التي يتالف منها الشعب الايراني، بما فيهم الفرس.

ولكي لا نغفل شيئا في هذا الصدد نشير الى ما انجزته الحركة التحررية الكوردية في ايران خلال نضالها الطويل والمستمر في العقود السابقة، فقد انجز بعض السينمائيين الاكراد من ايران افلاما وثائقية عديدة عن اوضاع الشعب الكوردي في ايران، عرضت في محطات التلفزة الاوربية، وبعضها كان بدعم من هذه المحطات، لا سيما الفرنسية، كما حاول بعض السينمائيين والسينمائيات الكراد انجاز بعض المشاريع الروائية، وقد تناقلت المحطات الكوردية في كوردستان العراق اخبارا عن مشاريع اخراجية لسينمائية كوردية من ايران جاءت الى كوردستان العراق لتنجز فيلما روائيا  ناطقا باللغة الكوردية هناك. ,انا متاكد بان هذا الجانب في الثقافة الكوردية لم يتم الانتباه له، ولو صار ذلك لتضحت لنا الكثير من المساهمات سواء في العقود السابقة او في الوقت الحاضر.

نقلاً عن موقع "تيريز" (http://www.tirej.com/index0020.htm)

موقع تيريز في

07.12.2003

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2016)