كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

فنان الشعب شاعر الممثلين وأكبر من أفلامه

مايسة عواد

عن رحيل الإمبراطور

أحمد زكي

   
 
 
 
 

برهان علوية: أفضل أفلامه هي المقبلة

خسارة احمد زكي كبيرة جدا، هو فنان الشعب. خرج من الناس وتخرّج من مدرستهم، موهبته تكمن في قدرته على التقمص. ليس ممثلاً لدور واحد بل ممثل يؤلف الشخصية ثم يمثلها، الامر الذي نفتقده عموما في العالم العربي. لقد كسر احمد زكي قاعدة يعتمدها الكثير من الممثلين وتقوم على أداء دور ما كما هو دون اية إضافات.

كان احمد زكي يدهشنا كل مرة، وبقدر ما يتقمص الدور تمثيلا، يصبح جزءاً من شخصيته الحقيقية، فيُضفي لونا جديدا اليها، فأداء الدور يمتزج مع حياته وتفكيره واذا بشخصيته تنصقل بأدواره بقدر ما صقل الادوار في شخصه. الذهاب والاياب حاضران في داخله وكل إضافة كان يعبّر عنها بنضوج في علاقته بالآخرين.

كان أحمد زكي يقتحم عمق الشخصية ويأخذ منها ما يريد، المفاجأة البشعة هي أن يُداهمه المرض وهو ما زال في هذا العمل، لأنني اعتبر أن أهم أفلام احمد زكي هي تلك المقبلة، فبحسب عمره ونضوجه الفني يمكنني القول إنه من المؤكد أنه كان يخبئ لنا أدواراً وشخصيات غنية، وعندما توفّاه الله اخذ كل شيء معه.

التقيت به اكثر من مرة عن طريق محمد خان وخيري بشارة، أحببته شخصيا ووجدت ان كلامه يرسم تجربته الغنية، لقد كانت لديه قدرة ايصال تجربته من خلال كلامه وحديثه.

فقدانه خسارة للسينما والتمثيل في مصر، وخسارة اكبر لسينما العالم العربي، فزكي من النجوم المتميزين الذين بإمكانهم صنع سينما تكوّن الذاكرة وتبقى فيها، فمستقبل السينما هو ذاكرة الوطن.

استطيع القول إن احمد زكي صنع سينما عربية وليس مصرية فقط، وما اصراره على التمثيل وهو مريض وطلبه ان يمثل فيلماً ثانياً في الوقت نفسه، وهو يعلم ما سيلحق به، الا دليل على عشقه غير الاعتيادي لما يقوم به.

غسان سلهب: أهم من أفلامه

ممثل كأحمد زكي يستحق افضل من الافلام التي قدمها، هو أهم من الافلام التي مثل فيها.

نتأسف ان فنانا مثله لم يجد مخرجين يعرفون كيف يستغلونه، بالمعنى الايجابي للكلمة. حضوره قوي بغض النظر عن مستوى السينما في العالم العربي. كان يبتعد عن الإفراط والمبالغة في الأداء وليته وجد مخرجين يستحقونه.

كمشاهد وليس كمخرج، كنت أودّ أن أشاهده بأفلام لا تستعمل وجوده كأداة من دون أن يكتمل الفيلم بعناصره مجتمعة.

أسد فولدكار: دخل كل بيت

مما لا شكّ فيه أن احمد زكي من أهم الممثلين في مصر، هو من هؤلاء الذين قدّموا طريقة جديدة في التمثيل، فأتى كل ما يفعله غير اعتيادي.

لقد جعلنا مرضه ننتبه إليه اكثر، وجعلنا نتلمّس قربه من الناس كل الناس، فعندما مرِض أحمد زكي شعر الجميع بأن جزءاً من البيت أو فرداً من العائلة او قريباً قد مرض، والسبب في ذلك يعود إلى طبيعة تمثيله التي جعلته يدخل كل بيت، فكل الناس كانوا يريدون ان يعرفوا ما يعانيه هذا الممثل الذي لم يكن بعيدا عن الناس بل كان جزءا منهم فهو بالنسبة اليهم ابن البلد ورجل العائلة والانسان.

ربما لم يصل الى العالم، لأن الافلام المصرية بحد ذاتها لم تصل، فأفلامنا في العالم العربي موجهة الى سوق ضيقة، والسينما بحد ذاتها غير واضحة المعالم، ومصر هي البلد الرائد عربياً في هذا المجال، وحتى في مصر لا يتم التفكير بتوزيع الفيلم الى الخارج، الامر الذي يحد من السعي الى تحقيق نوعية افضل، ويكتفي البعض بترجمة سيناريو الافلام عن مثيلاتها الاجنبية.

في نهاية الامر، عندما ننظر الى السينما المصرية نجد لأحمد زكي مكاناً خاصاً، أذ انه قدّم ما لم يفعله غيره من الممثلين فقد لبس الشخصيات التاريخية ومشى في هذا الطريق، وعندما رأيناه في شخصية طه حسين قلنا إنه أجاد تقمص الدور، ففاجأنا بعدها وكان لنا التعليق ذاته عندما قام بتجسيد شخصية عبد الناصر والسادات. كان يتجرّأ على فعل أشياء لم يجرّبها أحد من قبله، وأعتقد انه لهذا السبب أصبحنا نسمع الجميع يقول سنذهب الى السينما كي نشاهد فيلما لأحمد زكي وليس فيلما لمخرج معين مثلا.

نادين لبكي: اكبر من الدور

أحمد زكي ممثل عظيم، هو اول من يخطر في بالي عندما يُقال لي <<ممثل مصري>>.

حزنت كثيراً لفقدانه، ما ميزه ان شكله الخارجي لم يكن همه الاول على الاطلاق، بل اعتقد انه اهتم بأدائه بالدرجة الاولى. مثّل أدواراً مختلفة، وكان في كل مرة يدخل عمق الشخصية، يغيّر فيها الكثير، يقلبها رأساً على عقب. الى درجة أنه يصدّق انه الشخصية التي يمثلها.

ما يثير إعجابي به، كممثلة، هو غنى الادوار التي قام بها وتنوعها، أما عفويته الطاغية فمسّتنا وحرّكت مشاعرنا.

لا أعتبر شخصياً انه مثل الكثير من الافلام التجارية ولا أعتقد انه كان يريد العالمية، اذ انه يملك كل المعطيات، والعالمية ليست الا شهرة على نطاق اوسع وترتبط كثيراً بالعلاقات والمعارف.

في بعض أفلامه، كان زكي أكبر من الدور وكان الممثل ينقذ الفيلم ككل ويغطي على الإخراج او السيناريو. هذا القول لا ينطبق على كل افلامه، هناك افلام اخذ فيها زكي حقه وبرز بشكل مميز.

لا استطيع ان اقول إن احمد زكي ظُلم، فلو كانت الامور كذلك، لما كنا سمعنا به.

رندى الأسمر : مدرسة بحق

هو ممثل عظيم، يكفي أن نذكر فيلم <<ناصر 56>>، الذي يساوي بغناه مسيرة فنية كاملة بحد ذاتها، كي نتلمس قدرته الابداعية.

بالنسبة إليّ، شخصياً، اعتقد ان احمد زكي عمل بذكاء، لم ينفذ ما هو مطلوب منه وحسب بل حرص على إضافة الكثير.

غياب أحمد زكي خسارة كبرى، لأنه بعد الخبرة التي امتلكها اصبح مدرسة بحق، والمؤسف ان نخسر الفنان وتجربته.

ما قدّمه يُمكن ان يفيد الكثير من الاجيال المقبلة، وعظمة الفنان هي ان يبقى من خلال فنه وأفلامه وهذه حال احمد زكي بكل تأكيد.

عصام أبو خالد : استثنائي وفتاك بفنه

أنا من جيل أصغر من جيل احمد زكي، أشك في ان يقول عنه احد سوى انه استثنائي على مستوى السينما المصرية، العربية والعالمية. قليل من الممثلين المصريين لا يتجاوزون اصابع اليد الواحدة استطاعوا ان يصلوا الى مستوى هذا الممثل.

انطلق من بيئة متواضعة فوصل الى ما وصل اليه، وهذا إنجاز كبير. ما فعله يستحق ان نتوقف عنده بصفته إنساناً وليس فقط بصفته ممثلاً. قد يُقال الكثير عن أحمد زكي وعن كونه شخصية لا تتكرّر.

لكن ما يُلفتني فيه هو هذا التناقض الواضح في المفاهيم الاجتماعية والبيئية التي خرج منها، تناقض بارز على مستوى ما هو مقبول وما هو غير مقبول. هو محافظ في بيئته الاجتماعية، وحر إلى أبعد مدى في فنه، كان يعتبر أن التمثيل والفن لا حدود لهما، حتى ولو كانت الأفكار السياسية التي قدّمها في بعض الاحيان بعيدة بعض الشيء عما يؤمن به شخصياً. كان جريئا وحرا على المستوى السياسي ايضا، ولامس الكثير من القضايا والشخصيات التي من الممكن أن تثير الحساسية لدى الكثيرين.

أحمد زكي شخصية شرسة بمعنى ايجابي، أي أن العواطف لديه جارفة الى ابعد مدى ويعطي كل ما لديه للدور، هذا الرجل لا يمر مرور الكرام، يستحق ان يغار منه الممثلون غيرة مختلفة عن الحسد، غيرة تتأتى من علاقته بفنه، وغالبا ما كانت هذه العلاقة تدفعه الى اماكن مختلفة فنجد مستواه التمثيلي في مكان والسيناريو المكتوب في مكان آخر.

ربما لم يكن أحمد زكي في حاجة الى ان يصل الى العالمية، فكل شيء اصبح اليوم صناعة، اعتقد انه كان يركّز على أن يكون قديراً بفنه عوض ان يكون شهيراً.

هو فتّاك بمهنته، قادر ان يضيف احساسا وانفعالا وطاقة في اماكن يعجز الآخرون عن الدخول اليها.

برناديت حديب : أعطى من قلبه

من أهم الفنانين المصريين العرب والعالميين، من المؤسف انه لم يدخل العالمية كعمر الشريف فهو يستحقها. كل الادوار التي لعبها كانت صعبة وجريئة وتهمّ المواطنين بمختلف طبقاتهم.

هو أحد أعلام هذه الحقبة من التاريخ واسمه سوف يتخلد فليس كل من يمثل يبقى في التاريخ، أما احمد زكي فسوف يبقى في العقل والقلب، والافلام التي صنعها ستكون بكل تأكيد ارشيفاً لذاكرة الشعب المصري.

أهم ما في أحمد زكي أنه لم يكن يمثل بل يؤدي بصدق وعفوية، وهذا ما جعل الناس يحبونه، ولم يكن كذلك لولا أنه أعطى من دمه وقلبه وروحه.

فادي أبي سمرا : غير مفهوم النجومية

غيّر أحمد زكي مفهوم النجومية في التمثيل عند العرب، فعادة كانت هناك مواصفات محددة لشكل وطبيعة الممثل العربي، اذ كان من المفترَض ان يكون وسيم الشكل، أحمد زكي كان جميلاً من ناحية أخرى وبطريقة مختلفة عن كل ما كان سائداً.

هو شاعر الممثلين، يملك حسا فطريا يميزه عن الآخرين، ودائما ما يترك بصمات خاصة بغض النظر عن المخرج. ربما لهذا السبب نُسبت الافلام الى احمد زكي عوض ان تُنسب الى المخرجين الذين عمل معهم.

أظهر زكي التصاقاً خاصاً بمجتمعه من خلال ادواره، فأتى تمثيله، بعيداً عن الكلاسيكية والنمطية فيه، متقرباً تقرباً مميزاً من الناس.

لأحمد زكي محبة روحية مميزة في قلبي، وفي قلوبنا جميعا، لقد كان ممثلاً استثنائياً في حياته ومرضه وموته.   

 

رحل أحمد زكي ..

سوف يفتقد المخرجون من يتجاوزهم باسمه والممثلون من يغارون منه

أخيراً هدأ بركان الإبداع وغاب ساحر السينما المصرية ورحل آل باتشينو السينما العربية. أخيراً غلب المرض النجم الأسمر بعد سنة من المعاندة والمواجهة الجسورة. رحل الممثل الذي استطاع أن يكون نجم عقدين من الزمن، وشغل الساحة الفنية على مدى ثلاثين عاماً، في السينما والمسرح والتليفزيون.

تربع أحمد زكي على 56 فيلماً وعدد كبير من الجوائز التي انهالت عليه منذ بدايات تجربته وهو لا يزال في المرحلة الثانوية، قبل أن يتحوّل إلى تلميذ لافت في <<مدرسة المشاغبين>>، مع نجوم الكوميديا المصرية وعلى رأسهم عادل إمام، وقبل أن يصبح نجم أفلام مهمة، ابتداء من تجربته الأولى في <<شفيقة ومتولي>>، ومروراً بأفلام ترك بصمته الدامغة عليها: موعد على العشاء، اسكندرية ليه، الباطنية، طائر على الطريق، العوامة 70، التخشيبة، عيون لا تنام، موعد على العشاء، زوجة رجل مهم، الراعي والنساء، ناصر 56، وأيام السادات، وصولاً إلى فيلمه الأخير <<حليم>> (عن شخصية المطرب عبد الحليم حافظ)، الذي لم يُنجز بعد وقد مثل منه 90 في المئة من المشاهد قبل دخوله في غيبوبة الموت، وقد أوعز لمخرجه شريف عرفة بأن يُدخل مشاهد جنازته في الفيلم بدلاً من جنازة عبد الحليم حافظ التي كان من المفترض أن يُختتم بها الفيلم، ظناً منه أن جنازة <<النمر الأسمر>> سوف تكون حاشدة هي الأخرى مثل جنازة <<العندليب الأسمر>>، فهو يثق أيضاً بأنه صاحب قاعدة جماهيرية واسعة.

كان على أحمد زكي العصامي، يتيم الأب الذي عاش بعيداً عن حضن الأم وحنانها، أن يبني نفسه بطموحه ورغبته ومبادرته الشخصية.. كان عليه ربما أن ينقذ نفسه من الجنون بالفن، بل أن يداوي عزلته بجنون التمثيل، وقد كان أداؤه يعبر عن ذلك الشغف الغريب بتقديم شخصياته، التي اختار نماذجها من كل فئات المجتمع، متحدياً نفسه وقدراته، فضرب بها، مرة، قاع المجتمع فمثل أدوار الناس الغلابى، ومرة أخرى رأسه فمثل أدوار الزعماء وعلية القوم، وكان في كل ما قدّم صاحب عبقرية متميزة في الأداء، أو، كما وصفه يوسف شاهين، كان عفريت تمثيل.

 

أحمد زكي .. المشهد الأخير

زينب غصن  

أمس لف أحمد زكي بالعلم الأبيض والأسود والأحمر تماما كما يشيع الزعماء والشهداء في مصر.. جنازة أرادها الناس شعبية لبطلهم السينمائي الذي توفي ظهر الأحد عن عمر يناهز 56 عاما فكانوا هم الأبطال في فيلمه الأخير.. بدأوا بالتجمع قبل ساعات من وصول الجثمان إلى مسجد مصطفى محمود في منطقة المهندسين (جنوب غرب القاهرة). كانت الطريق المؤدية إلى المسجد تشهد زحمة من نوع غير عادي، زحمة مشاة كثيرين يعبرون الرصيف زرافات في اتجاه واحد، في اتجاه الشارع المقابل للمسجد. أقفلت قوات الأمن شارع المسجد نفسه بعدد كبير من الشاحنات والحواجز الحديدية. تحايل الناس على الاقفال، قرروا أن الجنازة هي جنازة حبيبهم، ذلك الفنان الأسمر الذي يشبه في تقاطيع وجهه وجوه من جاؤوا لوداعه، انتقلوا إلى الشارع الموازي للمسجد، افترشوا الأرض والرصيف وحشائش الحديقة الصغيرة المقابلة له. اتخذوا وضعية الصلاة وكبروا. كان الجثمان مسجى داخل المسجد ينتظر الصلاة عليه بعد صلاة الظهر. رجال نساء، شيوخ وأطفال، طلاب وطالبات حملوا كتبهم، جاؤوا إلى الجنازة.. بكاء وأصوات نحيب تعلو من هنا وهناك.. لا يمكنك تمييز مصدرها، فالجموع المرصوصة تحولت إلى جسد واحد بألف قلب وعين وكأنها تخترق جدران المسجد المقابل... إحداهن تشهق بكاء، تحاول أن تمسح عينيها ببقايا محرمة ورقية تناثرت أشلاء من فرط الدموع، تطبطب صديقتها على ظهرها <<الله يرحمه>> تقول وتكمل المسير في محاولة يائسة للبحث عن منفذ بين الجموع يقربهما أكثر من فنانهما الذي غاب. الأرض لم تتسع للحشد المحشور بين شارع <<جامعة الدول العربية>> المكتظ بالسيارات والجدار البشري الذي شكله رجال الأمن لمنع تدفق الجماهير. قدر عدد محبيه بعشرة آلاف من دون من اتخذ من شرفات البنايات المحيطة موقعاً له. تسلق الشباب الأشجار.. أصبحوا في موقع يمكّنهم من رؤية بابي المسجد الاثنين والفنانين المنتظرين خروجه في الباحة. كثيرون ارتدوا الأسود.. نساء وضعن نظارات سوداء على أعينهن مداريات الدموع. كان صوت القرآن يسمع بصعوبة.. وحده الأذان جعل حركة الناس تهدأ لينصتوا. كانت اللحظة تقترب.

على الضفة الثانية من الشارع، وبموازاة باحة المسجد وقف الصحافيون بكاميراتهم وميكروفوناتهم وأقلامهم يفصل بينهم وبين الفنانين رجال الأمن بالأسود. البعض تحسب لهذه الجموع فأحضر معه سلماً صغيراً مكنه الوقوف عليه من رؤية ما يحدث في الباحة، كإحدى الصحافيات التي صعدت لترصد الفنانين الموجودين، محمود عبد العزيز، محمود قابيل، وحيد سيف، عزت العلايلي، شريف منير، نور الشريف، سهير المرشدي، يسرا، رغدة، عماد الدين أديب وغيرهم كثر. كانت الأسماء تتوالى بين فنانين ورسميين حضروا لوداع زكي. وقف رئيس ديوان رئيس الجمهورية، زكريا عزمي، مندوباً عن الرئيس حسني مبارك إلى جانب وزراء الاعلام والثقافة والصحة أنس الفقي وفاروق حسني ومحمد عوض تاج الدين. قيل لاحقاً إن نجل الرئيس مبارك، علاء مبارك، حضر أيضا الجنازة. كما حضر خالد عبد الناصر نجل الزعيم الراحل جمال عبد الناصر.
توزع حشد الفنانين الذي حضر الجنازة بين داخل المسجد وباحته والسرادق المجاور له، والذي أقيم لتقبل العزاء عند المساء.<< الله أكبر... لا إله إلا الله>>، فجأة علت أصوات الشباب المتعلقين بالأشجار بالتكبير.. رصدوا طرف العلم المصري من أحد أبواب المسجد. كان النعش الذي ضمّ جسد أحمد زكي يشق طريقه نحو الخارج. بدأ البكاء يعلو بين الصحافيين.. ظهر هيثم ابن زكي يحمل النعش على كتفه. تقدمت الجنازة بضعة أمتار ثم توقفت. وضعت باقات من الأزهار الزرقاء والبيضاء والصفراء على النعش قبل أن ينطلق من جديد. تدافع الصحافيون والناس في اتجاه الجنازة، تحطمت كاميرات على الأرض.. فشلوا مرة أخرى من الاقتراب.

<<مع السلامة يا ابني.. مع السلامة يا ابني>> وقفت سيدة في الستين من العمر تصرخ وتنتحب على السور الفاصل بين الجموع ملوحة بيدها نحو النعش... هي ما زالت ترى فيه ابنها، الشاب الأسمر البهي الذي لم يكبر مع السنين والمرض. لم يطل الأمر حتى استقبلت جثمان زكي سيارة حمراء خاصة تعلق الناس بها وبسيارة الاسعاف البيضاء التي رافقتها. انطلقت السيارتان تشقان عباب الجمهور الذي ركض خلفهما حتى وصلتا إلى الطريق العام لتنطلقا في اتجاه مثواه الأخير في مدفن خاص في مدينة السادس من أكتوبر في الضاحية الجنوبية للقاهرة. وقد رافق نقل الجثمان أعداد كبيرة من الفنانين وأقارب وأصدقاء الفنان الراحل حيث ألقوا نظرة وداع أخيرة عليه قبل أن يوارى الثرى.

وبانتهاء مراسم تشييع الجثمان يكون انتهى المشهد الأخير من حياة الفنان أحمد زكي ومن فيلمه الأخير <<حليم>>. إذ تحدثت معلومات صحافية عن أن الفيلم سيبدأ بمشهد جنازة العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ لينتهي بمشهد مصوّر لجنازة النمر الأسود أحمد زكي.. بناء على وصيته.

 

عبقري ومجنون تمثيل وموهبة مئة بالمئة

(القاهرة) محمد الحمامصي

استطاع أحمد زكي أن يخلد اثنين من أهم الشخصيات الوطنية المصرية من خلال أدائه لدور الرئيس جمال عبد الناصر والرئيس أنور السادات في فيلمين حققا نجاحا لافتا، ويؤكد أحمد زكي اهتمامه هذا بمضمون شخصياته قائلاً (ظلم كبير أن يقول أحد إنني ركزت في شخصية من الشخصيات، حتى لو كانت عادية، على الشكل دون المضمون، فكل شخصية قدمتها بداية من عميد الأدب العربي طه حسين، وحتى السادات، وقبله ناصر، كان هناك تركيز غير عادي على المضمون مثل الشكل تماما، والتركيز على الشكل في مثل هذه الشخصيات مهم جدا وضروري، لأن الجمهور يحفظ الشخصيات خاصة المعاصرة منها، عن ظهر قلب، حركاتها ولفتاتها وسكناتها، وإذا كان هناك <<لزمات>> معينة يريد الجمهور أن يشاهدها مع الشخصية، وليس هناك ربط بين الشخصيات التي أقدمها، فلكل شخصية مجلد قائم بذاته يحكمني فيها فهرس محفور في ذاكرتي ولا أعتمد على الربط بين أداء شخصية وأخرى)..

ومن أطرف الأشياء التي لا تزال مثار تقليد أن حلاقة شعر الأطفال لدي أغلب الأمهات هي حلاقته الشهيرة في فيلمه (كابوريا)، وبشهادة المخرج الكبير يوسف شاهين (أحمد زكي عفريت تمثيل، يملك ألف وجه، ويعد من ممثلينا القلائل الذين يملكون الإحساس والوعي علي الرغم من أننا لم نقدم معا سوى فيلم واحد (إسكندرية ليه)، أما ابن جيله الفنان نور الشريف فقد قال رائعة، قال (إن موهبتي سبعون بالمئة، استكملها بالدراسة والجهد، أما موهبة أحمد فهي كاملة مئة بالمئة)، ولعبقرية أحمد زكي شهد أيضاً الناقد السينمائي كمال رمزي (عظمة الفنان تظهر من خلال تفانيه، وأحمد زكي يتفانى لآخر قطرة، لا يتوقف عن التفكير، طرح الأسئلة، مع كل فيلم جديد يتعامل معه كابنه الصغير، يقف بجواره ويحابي عليه. حتى يشب ويشتد عوده، هذه هي علاقة احمد زكي بفنه وبشخصياته.)..

أشبه بأبطال الأساطير

ولد أحمد زكي (أحمد زكي عبد الرحمن بدوي) في مدينة الزقازيق بمحافظة الشرقية في 18 نوفمبر العام 1949 وبعد وفاة والده وزواج والدته من آخر، تربى يتيما في كنف جده والتحق بالمدرسة الثانوية الصناعية واشترك فورا بفرقة التمثيل بها وبعد فترة قصيرة أصبح المسؤول عن هذه الفرقة، وفي اول تجربة له ألف ومثل وأخرج مسرحية قصيرة نال عنها جائزة علي مستوى المدرسة، وعندما أنهى دراسته الثانوية لم يكن يحلم بشيء سوى الحياة عبر تلك الشخصيات التي لا تموت مثل هاملت وعطيل وماندورز، فسافر إلى القاهرة وقدم أوراقه إلى المعهد العالي للفنون المسرحية العام 1970، ويذكر أنه حين ذهب أول يوم إلى المعهد وجد الكثير من الشباب والبنات وكان معه الفنان سامي العدل والفنانة شهيرة، وعندما نودي عليه دخل لجنة الاختبار وكانت مكونة من كرم مطاوع، سعد ادرش، جلال الشرقاوي، احمد عبد الحليم، عبد الرحيم الزرقاني، المخرج <<احمد زكي>>، وعلي فهمي ورشاد رشدي وكان المطلوب ان يؤدي مشهدين أحدهما بالعامية والآخر بالفصحي وبعد أن أداهما وجد اللجنة تطالبه بأن يؤدي مشاهد أخرى وفعل ذلك فقالوا له أنت ستنجح ولعل هذه من المرات القليلة التي يقال فيها هذا الكلام سلفا وقبل ظهور النتائج رسميا...

تزوج أحمد زكي مرة واحدة من الممثلة الراحلة هالة فؤاد ابنة المخرج السينمائي أحمد فؤاد وأنجب منها ابنه الوحيد هيثم إلا أن الحياة الزوجية بينهما لم تستمر وانتهت بالانفصال قبل أن يداهم مرض السرطان اللعين هالة فؤاد وترحل عن الحياة تاركة لأحمد جرحاً غائراً في نفسه فلم يفكر في الارتباط بغيرها، ربما تحت تأثير الإخلاص المثالي لقصة حب لم تنجح في الواقع فكان لا بد أن تنجح في الخيال، وربما خوفا على شعور ابنه الوحيد هيثم، حتى يجنبه ذلك الإحساس باليتم الذي عاشه أحمد في الصغر بعد رحيل والده وزواج أمه.

وبدأ أحمد زكي عمله السينمائي في مجموعة من الأدوار الصغيرة حيث شارك في أفلام مثل <<بدور>> و<<أبناء الصمت>> ثم <<العمر لحظة>> و<<وراء الشمس>> و<<شفيقة ومتولي>>، وكانت هذه الأدوار كفيلة بإظهار مدى الموهبة التي تسكن هذا الفنان المختلف الذي ما لبث أن لعبت ملامحه لصالحه أخيرا بعد أن لعبت ضده كثيرا، فأحدث انقلاباً في مقاييس النجم بعد تألقه في تجسيد شخصية عميد الأدب العربي طه حسين في المسلسل التلفزيوني الذي أخرجه الراحل يحيى العلمي بعنوان <<الأيام>>.

المخرج داود عبد السيد الذي قدم معه فيلم (أرض الخوف) يفضله في الأفلام الاجتماعية ويرى أنه من الفنانين القلائل في تاريخ السينما المصرية الذي وازن بين النوعية التجارية والفنية فهو قدم العديد من الأفلام الفنية ذات المستوي العالي جدا ونفس الحال في الأفلام التجارية، وهو أيضاً من نوعية الفنانين الذين يحبون ان يعيشوا حالة من التوتر والقلق خاصة أنه دائما ما يعمل علي الدخول في أدق تفاصيله الشخصية التي يلعبها وأقصد جوانياتها حتى يستطيع تجسيدها بأقصى درجه صدق ممكن...

يؤكد الناقد السينمائي رفيق الصبان أن احمد زكي أشبه بأبطال الأساطير اليونانية القديمة فهو يملك سحره الخاص في التمثيل، يذوب في شخصياته حتى الفناء، لذلك صدقناه في دور الفلاح البسيط والصعلوك والضابط والموظف والتاجر والمحامي. هو كل هذه الشخصيات لذلك أسميه ساحر السينما المصرية وعبقريتها الفذة التي ستظل مضيئة بتوهجها الفني الصادق..

ويرى المخرج الكبير علي بدرخان الذي قدم مع أحمد زكي أفلام مثل الكرنك وشفيقة ومتولي ونزوة والرجل الثالث والراعي والنساء أنه مجنون تمثيل، عندما يقرأ سيناريو يهتم به اهتماماً يؤرقه ليل نهار، كان يعيش الشخصية على مدار اليوم ويمكن أن يتصل في الفجر ليقول بإضافة تفصيلة في أحد المشاهد، مثلاً مشهد الفأر الذي خرج من بين فخذيه في فيلم الراعي والنساء هو الذي تخيله وغير ذلك، صعب أن تجد فنانا بحب أحمد زكي لفنه، وإخلاصه للدور الذي يعمل به، وعبقرية الأداء، وأحمد كممثل يعشق أن يستفزه المخرج، وعندما يستفز في مناطق معينه يخرج بالأداء الجميل الذي أريده، دائما كنت أتحداه خاصة في قدرته كممثل..

ويقول الناقد السينمائي مجدي الطيب: إذا تأملنا أعمال أحمد زكي جميعا، ندرك دون جهد أنه فنان لا ينفي نفسه فقط وإنما ينقيها تماما ويدخل التجربة وهو محتشد لها واع بمتطلباتها ومتوحد مع دقائقها وتفاصيلها فلا أظنه دخل تجربة وهو مدعوم بمجموعة من التعبيرات الجاهزة أو الانفعالات الثابتة أو ردود الأفعال الجامدة التي تحد من انطلاقاته وإبداعاته بل ظل قادرا علي ان يفاجئنا دائما بما هو جديد ومثير، فإذا كانت النصيحة التي توجه للممثلين باستمرار أن يجسدوا الشخصية، وهم يفكرون بدلا من أن يغرقوا في عواطفهم، فإن أحمد زكي استوعب النصيحة وأضاف إليها اقتناعه الشديد بأن <<الشغل>> على الشخصية قبل الشروع في تجسيدها يضمن له الصدق ثم التجاوب الجماهيري مع العمل وهو ما تحقق في غالبية أفلام أحمد زكي بنفس الدرجة التي نجح فيها عندما أثبت للجمهور قبل النقاد أن الممثل الجيد ليس أبدا ذلك الممثل الوسيم المصقول الذي يجسد فقط النموذج المثالي للجمال في صورته السطحية والساذجة، فالمظهر لم يعد السبيل لتقديم الموهبة، وإنما براعة الأداء ومهارة الكشف عن مكنونات الشخصية وتناقضاتها وجر المشاهد للتعايش معها والغوص في صراعاتها، وهذا ما فعله احمد زكي مدعوما بروح قلقة لا تعرف الاستسلام، ومشاعر فياضة لا تعرف الاستقرار، وعطاء متجدد لا يعرف النضوب، فالبشرة السمراء لم تحل بينه وبين دخول معركة البحث عن إبداع جديد ومتجدد، بدليل أنه تخلى عن بعض هذه الأسلحة فور ان قرر التحول الى تقديم شخصيات الزعماء، وهي التجربة التي نظر إليها البعض بوصفها مغامرة مجنونة لا تقل جنونا عن شخصية أحمد زكي المشدودة على أوتار من الضعف والقوة والاستكانة والشراسة والكمون والتربص، وأيضا التحفز والتوهج، فالسؤال الذي كان يفرض نفسه على الجميع كيف يتأتى لمن أبدع في تجسيد شخصية رجل الشارع لأنه يعرف طبائع أهله كواحد منهم ومنتم إليهم أن يخرج منها؟ بل كيف يجرؤ <<جندي الأمن المركزي>> و<<الحلاق>> و<<سائق البيجو>> و<<الفلاح>> على ارتداء مسوح الرؤساء؟.. كلها أسئلة تعكس فهما قاصرا لشخصية أحمد زكي، الذي يملك مع روحه القلقة رغبة محمومة في تحدي المستحيل وقدرة منقطعة النظير على التقاط لحظة الإلهام التي يلامس فيها ذروة الشخصية حتى لو بدت بعيدة المنال في نظر قليلي الحيلة ومعدومي الموهبة.

ويقول المخرج رأفت الميهي أن احمد زكي أفضل ممثل في العالم العربي وهو لا يستطيع ان يعيش إلا من خلال التمثيل مثل السمكة التي لا تستطيع الحياة خارج الماء، ويذكر الميهي <<أن أحمد زكي قبل أن يعطي موافقته النهائية علي فيلم (اعترافات زوجية) وهو من تأليفي وإخراجي دعا طلبة وطالبات قسم السيناريو بأكاديمية الفنون لمناقشة العمل وتحديد ايجابياته وسلبياته، ودون أن يعرفوا مؤلفه، امتد الحوار لثلاث ساعات متواصلة واكتشفوا في نصف الساعة الأخيرة منها فقط أن العمل قصتي والسيناريو والحوار لي أيضاً فضجت القاعة بالضحك، وهذا يؤكد حرصه وتفانيه في العمل..

وتؤكد الفنانة ليلي علوي على هذا الجنون الفني الذي يتلبس أحمد زكي في أدائه، وتقول: لقد لمست عبقريته في فيلم (الرجل الثالث) وفيلم (أضحك الصورة تطلع حلوة)، فأنت تكاد تجزم أن هذا الفنان الذي يقف أمامك هو أحمد زكي، ولكنه الضابط الطيار ورب العائلة، هو مدرسة فنية مستقلة بذاتها وأدواتها وأساليبها، ولا أحد يستطيع أن ينكر عليه ذلك لا من النقاد ولا من الممثلين خاصة أبناء جيله الذين يؤكدون على تفرده كفنان..

رفضوه للونه

وتقول الفنانة يسرا: أحمد زكي عبقري بكل ما تحمله الكلمة من معان، تأمل أداءه في فيلم الراعي والنساء، أداء ممثل عالمي حركته، نظرة عينيه، طريقة كلامه، أيضاً قدمت معه (نزوة) للمخرجة إيناس الدغيدي، وأفلام أخرى أكد فيها أنه يملك طاقة فنية هائلة تمسك بزمام أدائه..

الكاتب الكبير أحمد بهجت يحكي قصته مع أحمد زكي فيقول: أتذكر أن أول لقاء لي مع الفنان احمد زكي كان قبل عملي معه فيلم (السادات) بنحو 10 سنوات حين جاء لزيارتي وقال <<انا عايز اعمل فيلم عن الرئيس السادات وعايزك تكتب لي السيناريو والحوار>> أول سؤال لي كان من ينتج هذا الفيلم فقال لي: أنا، <<والحقيقة انه بعد المناقشة الطويلة بيننا شعرت بارتياح للفكرة وكنت سعيدا بأن نكرم رئيسا بعد رحيله.. فمعروف عن تاريخنا أن كل فرعون يتولى الحكم يمحو آثار الذي سبقه.... ما لمسته من حماسة احمد زكي جعلني أنا الآخر أتحمس... يعني كده ممكن نقول أن حماسه عداني وفعلا شعرت بنفس الحماس للفكرة..>>.

ويضيف : كان أداء احمد زكي في دوره لونا من ألوان الإبداع الرفيع. وقد نجح احمد زكي أن يقنعنا أننا نشاهد السادات ولا نراه هو... إن قدرة الممثل على الانسحاب من شخصيته وتقديم شخصيه أخرى هي موهبة يودعها الله سبحانه وتعالى في نفوس بعض الناس. دون البعض... وأحمد زكي لديه هذه الموهبة... لقد شاهدنا السادات في الفيلم وهو غاضب ومعتكر المزاج.. وشاهدناه وهو راض وهادئ. وشاهدناه وهو يتصرف ويواجه مشاكله بأسلوبه الفذ الذي يثير حيرة الناس وعجبهم... وربما لا تنكشف حكمة التصرف للناس إلا بعد فترة من الزمان.. الفيلم متميز وراق. وأحسب انه علامة فارقة في السينما المصرية...

ويتوقف الكاتب الصحافي الكبير سلامة أحمد سلامة عند دور أحمد زكي في فيلم السادات ويقول: وقدم الممثل الكبير أحمد زكي شخصيه السادات بكل منحنياتها. أي بكل قوتها وضعفها. وطموحاتها وأخطائها بدقة شديدة.. أتقن ببراعة بالغة تشخيص السادات بكل ما في شخصيته من أبعاد، فلم يكن السادات شخصية سهلة كما أخطأ في الحكم عليه كثيرون. بل اختلطت لديه عوامل الطيبة والدهاء سواء في سياساته الداخلية او الخارجية. ونجح احمد زكي في أن يخرج هذه الشخصية ببراعة كبيرة.. فهو فنان فريد بامتياز..

ويذكر الكاتب الصحافي عاطف حزين حكايته مع احمد زكي قائلاً: بدأت بفكرة موضوع اقترحتها على رئيس قسم الفن في صحيفة أخبار اليوم منذ اكثر من خمسة عشر عاما، قلت له ألا تتفق معي في أن احمد زكي غير مقاييس النجم في مصر والتي كانت تعتمد على الوسامة اكثر من الموهبة، وعندما وافقني الرأي اتفقنا على عمل تحقيق يحتل أغلب مساحة الصفحة وعرضت الفكرة تلفونيا على أحمد زكي الذي كان انتهى لتوه من تصوير فيلم زوجة رجل مهم وبدأ تصوير فيلم آخر قال لي: أشكرك على هذه اللفتة الطيبة لكن إذا كنت ستسأل اكثر من شخص أرجو أن تعفيني من الحديث عن نفسي، لكنني أرجو ان تسأل المنتج حسين الصباح الذي رفضني في بداية حياتي بسبب لون بشرتي. وقال إنني لا أصلح أن أكون نجما.. قل له ما رأيك الآن؟ وامتثلت لنصيحة احمد زكي وتحدث في التحقيق كثيرون كان من بينهم حسين الصباح الذي قال لي ان امنية حياته الآن هي أن يسمح له أحمد زكي بالجلوس معه، لأنه على يقين من أن أحمد سيرفض العمل معه بسبب تلك الحادثة، ونشر التحقيق في مساحة كبيرة تليق بصاحبه الذي حلت صورته كبطل للتحقيق دون أن يتحدث هو بكلمه واحدة...

في اليوم نفسه اتصل بي على هاتف أخبار اليوم ليشكرني على التحقيق، ويؤكد أن مخاوف حسين الصباح غير صحيحة وأنه يشرفه العمل مع أي منتج ما دام الموضوع يليق به ثم قال لي فجأة: <<أنا بصور فيلم اسمه أحلام هند وكاميليا في مصر الجديدة... فوت عليا نتغدى سوا>>..

السفير اللبنانية في

29.03.2005

 
 

أكد أنه أنهى كل مشاهده فى فيلم حليم تقريبا

شريف عرفه: فنان مقاتل من أفضل النجوم فى تاريخ السينما

أحمد عطا

يعد شريف عرفه واحداً من أهم مخرجى السينما المصرية فبالرغم من صغر سنه إلا انه قدم مجموعة من الأعمال السينمائية شديدة التميز ليس آخرها رائعته مع العملاق أحمد زكى حليم الفيلم الذى يقاتل شريف لكى تخرج هذه الوثيقة السينمائية الفارقة للنور فى ظل ظروف قاسية بدأت منذ أن تم ترشيح شريف لإخراج الفيلم فى ظل الظروف الصحية التى يمر بها النجم الأسمر احمد زكى والتى وضعت شريف عرفه فى تحد مستمر حتى يخرج العمل بأفضل صورة، التقيناه فى هذا الحوار لنتعرف على الظروف الخاصة التى مر بها أثناء تصوير الفيلم وكيفية التعامل مع نجم فى ظروف أحمد ذكي.

·     كيف تعاملت مع نجم فى ظروف أحمد زكى الصحية وخاصة أن فيلم حليم يحتاج إلى تركيز وأداء تمثيلى عال المستوى من فريق العمل ككل وبالأخص احمد زكي؟

- كان هناك تحضير مسبق لكى يصور أحمد زكى جميع مشاهده وهذا ما حدث ولكن المفاجأة أداء أحمد زكى أمام الكاميرا لا أبالغ إن قلت أننى لم اشعر أن أحمد زكى مريض أو به ألم، فمجرد أن يسمع أحمد كلمة أكشن كان يتحرك بحيوية وبتركيز وقوة غير عادية حتى فؤجت أننى أمام عبد الحليم حافظ فى جميع المشاهد التى صورت وسيراها المشاهد المصرى والعربى وسيصاب بالدهشة من القدرة القتالية التى يتمتع بها هذا النجم غير العادي، فكان يخفى آلامه حتى يخرج عبد الحليم حافظ من داخله.

·         هل هناك أمور كان متفقا عليها للتعامل مع ظروف أحمد زكى بشكل يومي؟

- بالتأكيد لقد وفرت الشركة المنتجة الهدوء التام داخل البلاتوه حتى نتيح الفرصة لأحمد ليكون فى أقصى درجات التركيز وهذا ما تم بالفعل، بالإضافة إلى المتابعة الجيدة من الطبيب المعالج له أثناء تصوير المشاهد فكان كل شيئا معدا ومجهزا قبل بدء التصوير حتى أن الفنانين المشاركين فى هذا العمل كانوا مستوعبين هذه الظروف وأحييهم جميعاً على الالتزام الشديد والتركيز أمام الكاميرا حتى لا نعيد مشهداً واحداً سواء كان جمال سليمان أو سلاف أو عزت بدران أو غيرهم.

·         كم عدد المشاهد التى صورها النجم أحمد زكى فى هذه الفترة القصيرة وأعتقد أن هذا سؤال يشغل بال جمهور أحمد زكي؟

- أحمد استطاع بمقدرة فائقة أن يصور كل مشاهده تقريبا، وخرجت أكثر من رائعة دون مجهود الإعادة.

·         ماذا لو -لاقدر الله.. لم يستطع أحمد زكى أن يكمل الفيلم؟

- الأعمار بيد الله وحده، ولا يستطيع أحد مهما كانت صحته سليمة مائه بالمائه أن يضمن عمره لحظة واحدة، ودعنا لا نسبق الأحداث وندعو له بالشفاء فالمشاهد المتبقية لأحمد بسيطة جدا ولن تؤثر على العمل لأننا نستطيع أن نكمل هذا العمل الذى بذل أحمد فيه كل قطرات دم جسده لكى يصوره فى هذه الظروف القاسية التى يمر بها.

·         بصراحة هل حدث أن اعترضت على أداء احمد فى احد المشاهد وطلبت منه إعادته أكثر من مرة؟

- هذا لم يحدث على الإطلاق، وأعلنها صراحة، أن أحمد زكى كان مفاجأة بأدائه الرائع وخاصة أنه يجسد تركيبة فنان فى حجم عبد الحليم حافظ له أبعاد نفسية وإنسانية كثيرة فلابد أن تظهر ملامحها من خلال الاداء، وهذا ما حدث.

·         مشهد تم تصويره وتسبب فى ألم للمخرج شريف عرفه، ولن تنسى هذا المشهد خلال رحلتك الفنية؟

- كان هناك مشهد لعبد الحليم حافظ أثناء مرضه وكان مشهدا صعباً ولم نكن نعلم أن أحمد زكى فاجأه المرض بالفعل أثناء التصوير، ولم يطلب وقف التصوير وأكمل المشهد وتحامل على نفسه وجميع من فى الأستوديو ظنوا أنه أداء تمثيلى من أحمد زكى وصفقنا له جميعا، وبعدها طلب طبيبه الخاص وعلمنا جميعاً أنه كان يتألم من شدة المرض، وليس تمثيلاً فبكى جميع الفنيين الموجودين فى الأستوديو على الروح الفنية التى يتعامل بها هذا الفنان العبقرى الذى من الممكن أن يضحى بنفسه من أجل أن يتفانى فى عمله لأقصى درجة، ولآخر نقطة دم فى جسده.

·         ماذا تقول للنجم أحمد زكي؟

- أقول له قوم يا أحمد وشوف أد إيه أنت عظيم وتفوقت على نجوم السينما العالمية التى تفخر بهم هوليوود، بل أنت أفضل منهم، كلنا نحبك ونحترمك وندعو لك من قلوبنا، نحن فى انتظارك.

 

بطلات أفلامه يتحدثن عنه

عبقرى وجدع وطيب

أحمد عطا 

هناك العديد من الحكايات والأسرار داخل كواليس الأعمال السينمائية التى لعب بطولتها النجم الأسمر أحمد زكى .. منها ما هو إنساني، يتعلق بعلاقة أحمد زكى بفريق العمل ومواقفه النبيلة معهم بدءًا من عمال الديكور حتى بطلات أفلامه.. بالإضافة إلى حالة التوحد والتواصل التى يفرضها أحمد زكى أمام بطلاته .. ومن خلال أعمال أحمد زكى السينمائية نتعرّف على العديد من الأسرار التى تتذكرها هؤلاء النجمات مع النجم المحبوب أحمد زكي، وتقريبًا وقفت جميع بطلات السينما المصرية فى بطولة أمامه، ومنهن نبيلة عبيد فى شادر السمك والراقصة والطبال، معالى زايد فى البيضة والحجر، نورا فى أربعة فى مهمة رسمية، منى زكى فى اضحك الصورة تطلع حلوة و أيام السادات، ميرفت أمين فى ولاد الإيه، زوجة رجل مهم، أيام السادات، هالة صدقى فى الهروب، إلهام شاهين فى البريء، لبلبة فى ضد الحكومة ومعالى الوزير، فردوس عبد الحميد فى ناصر 56، دينا فى كابوريا، نهلة سلامة فى مستر كاراتيه، وغيرهن، وكانت أغلب هذه الأعمال علامة فى تاريخ السينما المصرية فكان لنا أن نلتقى مع بعض من بطلات أفلام أحمد زكى لنتعرف منهنَّ على الكثير من الأسرار والحكايات التى جمعتهن مع أحمد زكى أمام الكاميرا، وخلفها.

فى البداية تقول النجمة نبيلة عبيد: قدمت مع النجم أحمد زكى اثنين من أهم أفلامى السينمائية وهما شادر السمك والراقصة والطبال ويتذكرنى بهما المشاهد فى جميع البلدان العربية سواء فى شخصية المعلمة فى شادر السمك أو شخصية مباهج الراقصة.. فلى مع أحمد مواقف جميلة وإنسانية لاتنسي، فهو إنسان، والفنان، رجل أبن بلد جدع، كريم مع كل صغير وكبير باكية .. مش لاقية حاجة أقولها لأحمد.

سألناها: نريد أن نتعرف منك ما هو الشيء الذى يميز أحمد زكى عن غيره من أبطال السينما المصرية وخاصة وأنك تعاملت مع العديد من نجوم السينما المصرية؟

قالت: بمجرد أن يقف أحمد زكى أمامى وتدور الكاميرا وخاصة فيلم الراقصة والطبال، كنت أشعر أن من يقف أمامى ليس أحمد زكى بل عبده الطبال المكافح البسيط الذى يتملكه طموح جارف مع مباهج، وهذه عظمة أحمد زكي.. كان يشعِر كل من يتعامل معه بأنه عبده الطبال، حتى آخر مشهد فى الفيلم، وسأتذكر موقفا له، لقد تملكتنى آلام شديدة أثناء تصوير الفيلم وتحملت على نفسي، واستوعب أحمد الموقف ووجدته يصرخ ستوب ودفعنى إلى سيارته فى حنوّ وحبّ وخوف غير عادى إلى أحد المستشفيات القريبة، ولم يتركنى حتى اطمأنّ على .. هذا هو أحمد زكي، كان يعمل كل شيء جميل بدون افتعال، على المستوى الإنسانى والفني، أما أحمد الفنان فهو حالة فريدة من نوعها تتكرر إذا جاد الزمن على أهل الأرض بموهبة غير عادية فى فن التمثيل مثل أحمد زكي. فهو من أفضل نجوم مصر والوطن العربى على الإطلاق.. ربنا معه.. ويكفى دعوات وحب الملايين لك يا أحمد باكية.

وتقول الفنانة صفية العمري: كان يأتى من البيت فى زى عبد السميع البواب، كلامه وحركاته وانفعالاته.. حتى أن فريق العمل وقتها كان يتعجل بدء التصوير وأتذكر أنه كانت معركة بين البوابين فى أحد المشاهد فوق أسطح أحد العمارات، فأصيب واحد من الكومبارس، فطلب أحمد من الإنتاج أن ينقل فى سيارة خاصة ويعالَج فى مستشفى خاص، بل فاجأنا فى اليوم التالى بزيارة هذا الممثل البسيط. مهما تناولنا وتحدثنا لن نفى أحمد زكى حقه كإنسان وليس معى كواحدة من بطلات أفلامه، ولكن هناك المواقف التى لا تُنسَى كفنان يتمتع بحضور طاغ أمام الكاميرا فهو لديه القدرة أن يسخّن المشاهد ويساعد البطلة التى تقف أمامه أن تُخرج كل ما لديها من أداء وهذا ما حدث فى فيلم البيه البواب.. الذى يعدّ علامة ومحطة مهمة فى حياة أحمد زكي.

أما النجمة ميرفت أمين فتقول: شاركت أحمد زكى فى ثلاثة أفلام سينمائية هى ولاد الإيه، فى شخصية زكى الحمصانى و زوجة رجل مهم وأيام السادات ويعتبر فيلم زوجة رجل مهم من أهم المحطات الفنية فى حياة أحمد زكى كنجم بشهادة النقاد ومازال يدرَّس فى معاهد السينما ومعهد الفنون المسرحية كوثيقة فى فن أداء التمثيل الراقى الذى يتمتع به أحمد زكي.

أما عن النجم أحمد زكى -الفنان والإنسان- قالت ميرفت أمين: أحمد أشبه بصدمة كهربائية قوية، تجعل النجمة التى تقف أمامه لا تهدأ لدرجة أنها تنسى تمامًا أنها فى بلاتوه ويحيط بها مخرج وعُمال ومساعدون وفريق عمل متكامل، وسأذكر للتاريخ أحد المواقف التى لا تُنسي، وهذا الموقف شاهد عيان على عبقرية النجم أحمد زكي، ففى أحد المشاهد فى فيلم زوجة رجل مهم وكان أحمد يلعب دور ضابط شرطة متجبر وقاس مع كل مَن حوله قام بصفعى بالألم فنظرت فى عينيه بعد صفع الألم وشعرْت بالخوف من شدة تقمص أحمد زكى وشعرْت بأننى أمام ضابط مباحث وليس أحمد الصديق والفنان، فوجدته يصرخ ستوب وبدأ يهدأ من روعي، وظل جميع مَن فى الفيلم يضحكون ثم قاموا بالتصفيق لى ولأحمد كما أن أحمد قام بدعوة الجميع على أكلة سمك كنوع من الترضية لي.. أما أحمد الإنسان فهو كريم وودود للغاية، آخر شيء يعمل له حساب الفلوس، أحمد حالة فريدة يعيش حالة حب مع الحياة، يقاتل من أجل التمثيل، يحب مَن حوله، لا يكره أحد مهما كان، بسيطًا ومتواضعًا، ولا أملك أنا أو غير سوى أن نقول يارب.

النجمة الشابة منى زكى أحدث النجمات من الجيل الحالى اللائى وقفن أمام أحمد فى ثلاثة أعمال من أفلامه، فى دور ابنته فى اضحك الصورة تطلع حلوة، وزوجته فى فيلم أيام السادات، ومؤخرا حليم، وقبل أن نسألها شيئا بادرتنا قائلة: أحمد زكى حالة غريبة من نوعها يدفعنى دائمًا بحب أن أتعجل تصوير المشاهد التالية معه، فكان فى أثناء تصوير فيلم اضحك الصورة تطلع حلوة أبا حقيقيا حتى آخر مشهد، حتى إذا اتصل بى تليفونيا ليطمئن على أو يناقشنى فى إحدى المشاهد كان يقول لى أبوكِ يا بنت على التليفون باكية وكانت ملاحظاته بالنسبة لى لا يمكن أن تجدها فى كتاب أو مرجع، وكان يهمس فى أذنى بحب وأدب جمّ إذا أراد أن يوجّه لى نصيحة أو ملاحظة حتى لا يشعر أحد.. وفيه شيء غريب شعرْت به أثناء تصوير فيلم السادات إذا شعر بالتعب كان يكمل التصوير بإرادة وقتال غير عادي، كأن التمثيل هو شريان الحياة بالنسبة له، مهما تحدثت وقلت فكان نعم الأب والصديق والأخ، والفنان العملاق.

أما النجمة هالة صدقى التى شاركت أحمد زكى فى فيلم الهروب إخراج عاطف الطيب، وهو من أهم أفلام السينما المصرية حيث لعب أحمد زكى شخصية منتصر الشاب الصعيدى الذى تربى فى أقاصى الصعيد، ويثأر للظلم والقهر الذى يتعرض له الإنسان فقالت: أحمد مدرسة قائمة بذاتها، كان يجعلنى دائما فى حالة تركيز وانشغال دائم بالشخصية التى ألعبها، وأتذكر واقعة مهمة أثناء تصوير الفيلم أن قام أحمد بصفعى بشدة وكان ألمًا حقيقيا ونزفت من فمى وتورم فمى فوجدت أحمد ينزوى بى بعيدًا ويتصل بطبيب ولم يبدأ التصوير مرة أخرى حتى اطمأن على تمامًا، وظل يعتذر لى حتى تم عرض الفيلم..

 

جمعهما حب الفن وعشق الوطن

دراما الألم والدموع فى حياة حليم وأحمد زكي

ماهر زهدي

الأربعاء المقبل تمر الذكرى الثامنة والعشرون على رحيل العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ، وفى كل عام من الأعوام السبعة والعشرين المنقضية، منذ رحيله عام 1977، وحتى 2005، كان الجمهور دون الانتظار للإعلام أو لهيئات أو مؤسسات يحتفى بذكرى العندليب الأسمر، ورغم محاولات الإعلام، صحف وتليفزيونات أرضية وفضائية، الاجتهاد فى البحث وتقديم موضوعات جديدة ، هى فى الأصل قديمة بتناول جديد، حتى ولو عن طريق اختلاق الأكاذيب عنه فى بعض الأحيان، إلا أن الجمهور لم يعد يلتفت لأغلب هذه الموضوعات، فربما كان فى السنوات الأولى ينتظر مفاجئة جديدة عن، أغنية لم تذع من قبل، لحن لم يكتمل، حفل خاص لم نستمع إليه، تسجيل نادر لم يسبق إذاعته، ثم بدأ يتبرع البعض بالادعاء بأنه يذيع سرا لأول مرة عن حياته، أو زواجه من هذه أو تلك، أو علاقاته بالساسة أو الملوك والرؤساء، والكارثة أنهم جميعا يدعون القرب والصداقة منه، حتى أفرغ المدعون وولاة الأمور ومن هم فى أيديهم هذه الأشياء كل ما فى جعبتهم، ومع ذلك يظل الجمهور متعطشا لأى شيء يمكن أن يقدم له عن العندليب.

هذا العام ومع حلول الذكرى الثامنة والعشرين، كان الاحتفال مختلفا، كأنه عام رحيل العندليب، تجددت الذكرى بكل آلامها، بل أن الآلام فيها تأتى مضاعفة، حيث أراد نجم نجوم مصر والوطن العربى الفنان العملاق أحمد زكى أن يكون الاحتفال على طريقته، أراد أن يجعل منه بحق لقاء السحاب بين الغناء والتمثيل، لم يرد أن يحتفى بشكل تقليدى على طريقة المدعين، بل أراد أن يعيد إلينا الذكرى أمام أعيننا كشريط سينمائى بكل مشاهد الألم والدموع والعذاب، أراد أن يسترجع شريط الذكريات ويتوقف به عند المحطة المؤلمة فقط، مجسدا هذه المشاهد على الشاشة وفى الواقع!
كعادته لم يرد أحمد زكى أن يكون الاحتفال كسابق من احتفوا، فعلى مدى رحلته الفنية كان يحركه الفنان بداخله وليس الإنسان، يختار له، ودائما تصيب اختياراته ويرى النتيجة فى نهاية كل اختيار، أعجاب.. دهشة.. جوائز.. إعجاز..حتى فاق كل تصور وإعجاب فى كل أدواره وشخصياته التى قدم.

ولأن من وقع عليه الاختيار هذه المرة هو معشوق كل الجماهير العربية ومعجزة الغناء العربى عبد الحليم حافظ، كان لابد أن يكون الاستعداد مختلفا، والتناول جديد تماما، فهو الحلم الذى داعب خياله كثيرا، وأرتبط به وتوحد معه، لأسباب كثيرة كشفت عنها ملحمة حياة كل منهما، رحلة طويلة قصيرة من اليتم والعذاب والمرض والألم، إلى النجاح والتفوق وإدهاش الجميع.

ولأن اختيار أحمد زكى هذه المرة مختلفا، فاستعداده له أيضا كان مختلفا، هذه المرة خطط ودبر كيف سيكون شكل وأسلوب وبداية تنفيذ الاختيار، لكنه لم يختر كيف ومتى ستكون النهاية، فهذه المرة قرار النهاية كان للقدر الذى سبقه ووضعها، ربما لم يكن فى حسبان أحمد أن يختتم الرحلة مع العندليب، فالطموحات كانت كبيرة وممتدة ليست لها حدود، ولكن القدر أراد أن يكتب كلمة النهاية فى لقاءه مع حليم.. الفيلم والذكري.

طريق طويل وصعب خطاه أحمد زكي، كما خطاه عبد الحليم حافظ، واجه كل منهما فيه العديد من العذابات والاحباطات، ولكنهما حولاها جميعا إلى نجاحات، تحديا كل شيء حتى نفسيهما، ليصلا إلى ما وصلا إليه من حب واحترام جماهيرى منقطع النظير، جعل كل منهما يتربع على قمة نجومية مجاله، هذا فى الغناء، وذاك فى التمثيل.

دخل أحمد زكى قلوب الجماهير، وأمتلكها عبد الحليم، حفر كلاهما بأظافره طريقاً لنفسه إلى مقدمة الصف الأول فى وقت تعددت فيه المواهب وسيطر فيه الكبار، فلم يعش عبد الحليم فى القصور مثل عبد الوهاب، ولم يكن فى موهبته الموسيقية، ولم يكن موسيقارا أو ملحنا مثل فريد الأطرش، لكنه تفوق ودخل قلوب كل الجماهير العربية وتربع فيها، ولم يكن أحمد زكى يتميز بالوسامة مثل معظم فتيان الشاشة الحاليين والسابقين، فلم يكن الفتى الأول بمقاييس أنور وجدى أو عماد حمدي، وحتى عندما تبدلت المقاييس، لم يكن فى نعومة حسين فهمى أو وسامة محمود ياسين، أو رجاحة عقل نور الشريف، ولكنه نموذج عادى لأشخاص عاديين يمكن أن تقابلهم كل يوم عشرات المرات فى حياتك اليومية، بداية من بواب العمارة التى تسكن، مرورا بسايس الجراج، أو الميكانيكى الذى تتعامل معه، أو عامل المقهى الذى تجلس عليه، أو صديقك الموظف المطحون الذى لايملك ثمن شقة يتزوج فيها، أو عامل الكوافير الذى تقص شعرك عنده، أو ابن جاركم الموظف الغلبان الذى كافح والده طويلا من أجل أن يلحق أبنه بكلية الشرطة، فيصبح ضابطا متمردا متنكرا لكل من حوله، أوالشاب العاطل الذى يجلس مثل ملايين فى الحوارى والأزقة ،أو جندى الأمن المركزى الفلاح البسيط الساذج الذى يقف يوميا تحت الشمس الحارقة دون أن يدرى لذلك سببا أو ما يدور حوله، أو الموهوب الباحث فى حوارى وشوارع المدينة عن فرصة تنقله لعالم الكبار، أو الفارس البسيط الذى يأتى من الجنوب ليكون زعيم هذه الأمة، وغيرهم عشرات وعشرات تقابلهم وتتعامل معهم كل يوم.

لقد عشق أحمد زكى وعبد الحليم تراب هذا الوطن، عندما عشقا فنهما واخلصا له، وربما لكل هذه الأسباب كان اختيار أحمد زكى ل حليم، أراد باختياره الدخول فى تحد جديد يسعد به جماهيره وعشاق فنه، أراد أن يصل إلى قمة الهرم، لكنه فاجأ الجميع بأنه تخطاها وارتفع، للدرجة التى لم يعد معها هناك أى مستوى نجاح مازال فى الإمكان، ولم يحققه.

فلم يدرك أحمد زكى باختياره بداية النهاية أن ذكريات الألم والدموع ستتضاعف، ولكنه أراد أن يسعدنا كثيرا بهذه البداية، وأراد القدر أن يبكينا طويلا بهذه النهاية.

العربي المصرية في

29.03.2005

 
 

أحمد زكي..

فراشة كانت تحلم بأنها أنسان!

صلاح هاشم

كنت في أحيان كثيرة, وأنا أتأمل في أفلام أحمد زكي, وأدوار البطولة ألتي أضطلع بها علي الشاشة, وبخاصة في أفلام مثل فيلم "زوجة رجل مهم" للمخرج محمد خان, ألذي أعتبره أحد أهم أفلامه علي الاطلاق, أتخيل أني أشاهد روبير دو نيرو أو جاك نيكلسون, من حيث قوة الحضور وألا داء, وتقمص الشخصية التي يقوم بها , ألي حد الفناء والذوبان الكامل, وكان أحمد زكي هنا يشمخ بحضوره الفني علي الشاشة, ويستغرق أكثر وأعمق داخل الدور الذي يلعبه, حتي كنت لا تعرف إن كان أنسانا يمثل دور فراشة, أو كان فراشة تحلم بأنها إنسان.

حقق أحمد زكي بحضوره الفني " أحلام " جيل الثمانينات في السينما المصرية, عندما اختاره رواد ذاك الجيل لكي يكون " البطل " أو الشخصية الرئيسية في أفلامهم الواقعية الجديدة, فتألق وعن حق في أفلام عاطف الطيب " الحب تحت هضبة الهرم " ومحمد خان "أحلام هند وكاميليا " وداود عبد السيد " أرض الخوف " وعلي بدرخان " شفيقة ومتولي ", وغيرهم , ولذلك كان حضوره في تلك الأفلام, يقربها أكثر من جمهور السينما في بلادنا, ويزرع فيهم الأمل في سينما مغايرة, تكشف عن طموحاتهم والآمهم وعذاباتهم, , واستطاع أحمد زكي بتلك الأدوار, أن يزيح صورة " الفتي الأول " لوجون بروميير, التي كانت وحتى ذلك الوقت , مقتصرة علي شخصية الممثلين الوسيمين الشقر, من أمثال أحمد مظهر وحسين فهمي وغيرهم ,  من أبناء الطبقة الارستقراطية المصرية ذات الأصول التركية, لكي يضع في محلها صورة الفتي الأسمر, الخارج من حواري وأزقة مصر الشعبية العريقة, المعجون بالفقر والبؤس ومشاكل وهموم الناس العاديين كل يوم في وادي النيل. رحم الله أحمد زكي.

عزاء احمد زكي في مهرجان تطوان السينمائي

قبل ان يعرض مهرجان تطوان السينمائي12 فيلم " باب لبحر" للمخرج المغربي داود اولاد سيد في حفل الساعة العاشرة مساء, اعلن احمد حسني مدير المهرجان عن وفاة الفنان الكبير الممثل المصري احمد زكي, 57 سنة, وطلب من الحضور , ومن ضمنهم الفنانة المصرية بوسي عضو لجنة التحكيم, و اعضاءالوفد المصري في المهرجان وبينهم المخرج المصري محمد خان, بمناسبة تكريمه في المهرجان, طلب الوقوف حدادا ولمدة دقيقة, وكان احمد حسني نوه قبلها بمكانة الفنان الراحل الكبيره علي مستوي السينما المصرية والعربية والعالمية. والجدير بالدكر ان المهرجان المنعقد من 25 مارس وحتي 1 ابريل , يعرص فيلمان من بطولة احمد زكي في اطار تكريم محمد خان في المهرجان, هما فيلم " احلام هند وكاميليا " و" زوجة رجل مهم ".

فلام «البيه البواب» و«هستريا» و«مستر كاراتيه» و«كابوريا».

موقع "إيلاف" في

29.03.2005

 
 

آلاف المصريين يودعون أحمد زكي لمثواه الأخير

لقاهرة - من رياض عواد

·         الإجراءات الأمنية المشددة منعت آلاف المشيعين من المشاركة في وداع الفنان الاسمر احمد زكي.

شارك اكثر من 15 الف شخص بينهم الكثير من الفنانين والمسؤولين اليوم الاثنين في تشييع جنازة الفنان المصري احمد زكي وسط اجراءات امنية مشددة شكلت عائقا امام مشاركة الاف اخرين وقفوا بمحاذاة مسجد مصطفى محمود في ضاحية المهندسين في العاصمة المصرية.

وانتظر الالاف تحت وهج الشمس وصول جثمان زكي بينهم نساء محجبات والى جانبهن طالبات جامعة ونساء بالثياب العصرية السوداء من المعجبات بالفنان الراحل.

وتدافع الرجال والشباب في محاولة لاختراق صفوف رجال الامن للاقتراب من مدخل مسجد مصطفى محمود لمتابعة الجنازة والمشاركين فيها من الفنانين والفنانات.

وقبيل صلاة الظهر وصل عدد كبير من نجوم السينما وعالم الفن المصري للمشاركة في جنازة زكي الذي رحل صباح الاحد بعد معاناة استمرت اكثر من عام من مرض سرطان الرئة الذي شخصت اصابته به في كانون الثاني/يناير 2004.

ومن المشاركين زميلاه في مسرحية "مدرسة المشاغبين" التي عرفت الجمهور المصري والعربي به وهما الفنانان عادل امام وسعيد صالح.

وضربت قوات الامن المصرية طوقا في منطقة مسجد مصطفى محمود الذي انطلقت منه الجنازة ومنعت الصحافيين والجمهور من الدخول على بعد اكثر من خمسين مترا من مقدمة بوابة المسجد بعدما الغت اقامة الصلاة على جثمان الراحل في مسجد عمر مكرم في ميدان التحرير بناء على وصية زكي قبيل وفاته.

ورغم ذلك استطاع عدد كبير من الفنانين دخول المسجد وبينهم محمود ياسين ومحمود عبد العزيز وفاروق الفيشاوي والمطرب محمد منير والفنانات رجاء الجداوي ومنى زكي وفردوس عبد الحميد وكريم عبد العزيز وفتحي عبد الوهاب وماجد كدواني وكمال سليمان ومحمد هنيدي ومنى عبد الغني وحنان ترك واخرون.

وعلى الصعيد الرسمي، حضر عدد من الوزارء منهم وزير الثقافة المصري فاروق حسني وزير الصحة محمد عوض تاج الدين ومدير مكتب رئاسة الجمهورية زكريا عزمي ورئيس مجلس الشورى وامين عام الحزب الوطني الديمقراطي صفوت الشريف.

وفور انتهاء صلاة الظهر نقل النعش محمولا على الاكتاف وملفوفا بالعلم المصري الى سيارة نقل الموتى التي انطلقت به الى المدفن الخاص الذي اشتراه الفنان الراحل في مدينة 6 اكتوبر (40 كيلومتر جنوب غرب القاهرة) ليكون قريبا من شريكته في بعض اهم افلامه الفنانة سعاد حسني التي دفنت هناك قبل ثلاثة اعوام.

ويعتبر زكي من اهم الممثلين العرب. وقد اطلق عليه المخرج المصري الكبير يوسف شاهين لقب "عفريت تمثيل" فيما عرف شعبيا بلقب "النمر الاسمر".

وقد استطاع ان يحيا ذكرى شخصيات تاريخية اثرت على حياة الشعب المصري مثل عميد الادب العربي طه حسين من خلال مسلسل "الايام" الذي ابدع فيه في اداء دور الضرير اضافة الى "ناصر 56" و"ايام السادات" اللذين جسد فيهما شخصية الزعيمين جمال عبد الناصر وانور السادات.

اكتسب زكي حب الجمهور المصري من خلال تجسيده لمعاناته ومشاكله في العديد من افلامه خصوصا تلك التي قدمها مع المخرج الراحل عاطف الطيب ومنها "الحب في هضبة الهرم" و"البريء" و"الهروب" اضافة الى "زوجة رجل مهم" لمحمد خان و"احلام هند وكاميليا" و"المدمن" و"ضد الحكومة" و"ارض الخوف" لداود عبد السيد.

ولم يكن زكي يقبل ان يقوم اي بديل بتأدية اللقطات الخطيرة التي تتضمنها مشاهد الفيلم مثل قيامه بحمل اسطوانة غاز مشتعلة ليلقي بها خارج المبنى في فيلم "عيون لا تنام" كما تعلم السباحة خلال اسبوعين فقط حتى لا يستعين ببديل في فيلم "طائر على الطريق". ولم يتورع عن دخول ثلاجة الموتى لعشرة دقائق كي يصور لقطة الموت في فيلم "موعد على العشاء".

ومن اشهر افلام الراحل الاخرى "الباطنية" و"البيه البواب" و"سعد اليتيم" و"العمر لحظة" و"الامبرطور" و"الباشا" و"الرجل الثالث" و"امراة واحدة لا تكفي" و"وراء الشمس" و"اسكندرية ليه"، في اول واخر لقاء له مع المخرج المصري الكبير يوسف شاهين، و"النمر الاسمر" و"كابوريا" و"استاكوزا".

احيا احمد زكي بادائه شخصيتي الرئيسين جمال عبد الناصر في "ناصر 56" وانور السادات في "ايام السادات" لحظات تاريخية هامة في تاريخ مصر المعاصر وخصوصا حدث تاميم قناة السويس في "ناصر 56" الذي لم يعشه ابناء الجيل الجديد والذين كانوا من اهم مشاهدي هذا الفيلم.

ومن الافلام التي يعتبرها النقاد علامة في تاريخ احمد زكي الفني كانت بدايته مع الجوائز والتقديرات التي تجاوزت الثمانين جائزة محلية وعربية عن ادواره السينمائية حيث حوقد رحل الفنان قبل ان ينتهى من تصوير فيلم "حليم" عن حياة المطرب عبد الحليم حافظ، الذي كان تنفيذه حلم عمره، لما هناك من تشابه بين حياة كل منهما بسبب اليتم وصعوبة العيش وصولا الى الى القمة والمعاناة قبيل الموت من المرض.

ولكنه انهى ما يقارب 90 في المائة من مشاهد الفيلم.

وللفنان الراحل ابن وحيد هيثم من مطلقته الراحلة هالة فؤاد.

ميدل إيست أنلاين في

29.03.2005

 
 

تشييع أحمد زكي يسدل الستار على مشهد "حليم" الأخير

تحولت جنازة النجم السينمائي المصري أحمد زكي اليوم إلى مظاهرة حب وتقدير لما كان يمثله من قيمة في نفوس المواطنين الذين رأى بعضهم أن من واجبه أن يأتي إلى القاهرة من الأقاليم للمشاركة في تشييعه.

وشارك في وداع الفنان الذي توفي أمس أكثر من 15 ألف مواطن جمعهم ميدان جامع مصطفى محمود الذي خرج منه الجثمان متجها إلى قبره في مقابر مدينة السادس من أكتوبر غربي القاهرة ليكون قريبا من سعاد حسني التي شاركها بعدد من الأفلام.

وبدا الميدان الذي تدفق إليه المواطنون أقرب إلى الدوائر المتداخلة. فمن بعيد اصطفت عربات الأمن وشكل رجال الشرطة سياجا يحول دون وصول الناس إلى الدائرة الأخرى التي خصصت لسيارات الوزراء الذين شاركوا في الجنازة، أما الدائرة الأكثر ضيقا حول المسجد فكانت مخصصة للإعلاميين والفنانين.

وبمجرد خروج الجثمان الذي لف بعلم مصر, من المسجد تحركت الجماهير في مشهد أقرب إلى الموجات المتلاحقة وأسرع رجال الأمن لتأمين وصول الوزراء إلى سياراتهم لإخراجهم من وسط الزحام.

وشارك في تشييع الجنازة وزير الثقافة فاروق حسني ووزير الإعلام أنس الفقي وأمين عام رئاسة الجمهورية زكريا عزمي مندوبا عن الرئيس حسني مبارك.

وتحرك الجثمان ببطء لحرص كثير من المواطنين على الوصول إليه حتى كبار السن الذين قال بعضهم "مع السلامة يا ابني". وأمام سيارة الجثمان سارت الممثلات المصريات نادية الجندي وهالة صدقي وإلهام شاهين ولبلبة التي كانت آخر من ألقى من زملاء زكي نظرة الوداع على النعش.

تصوير التشييع

وقبل بدء التشييع أعلنت شركة غودنيوز المنتجة لفيلم "حليم" أنها ستقوم بتصوير جنازة الممثل المصري الراحل وإضافتها إلى مشهد تشييع المطرب الراحل عبد الحليم حافظ في الفيلم الذي غيب الموت أحمد عن تصوير مشاهده الأخيرة.

وقال صاحب الشركة المخرج عادل أديب إن الجهة المنتجة لفيلم حليم اتخذت هذا القرار بناء على وصية أحمد زكي, ولأن تخليد الجنازة في الفيلم سيكون بمثابة تكريم للفنان الذي فارق الحياة قبل أن يتم حلم عمره بإكمال المشاهد المتبقية من الفيلم والتي لم تتجاوز 10% منه.

وأوضح المخرج عادل أديب أن أحمد زكي أوصى قبل وفاته بأن تشيع جنازته من مسجد عمر مكرم في ميدان التحرير بالقاهرة إلى قبره, غير أن الظروف الأمنية حالت دون ذلك. وقال أديب الذي أخرج لزكي قبل سنوات فيلم "هستيريا" إن زكي صور معظم مشاهد دوره في فيلم "حليم" وأهمها مشهدا البداية والنهاية وهما أغنيتا "رسالة من تحت الماء" و"قارئة الفنجان".

وأضاف أديب المشرف على إنتاج الفيلم الذي كتبه محفوظ عبد الرحمن ويخرجه شريف عرفة أن المتبقي من الفيلم مشاهد قليلة جدا عبارة عن خلفيات لأغاني عبد الحليم في شوارع بيروت وباريس والمغرب.

وينظر بعض النقاد إلى التماثل الكبير بين مسيرتي الراحلين أحمد زكي وعبد الحليم حافظ.

وقد رحل أحمد زكي صباح الأحد إثر صراع استمر أكثر من عام مع مرض سرطان الرئة الذي انتشر في جميع أجزاء جسمه وأصابه في أيامه الأخيرة بعدة جلطات دماغية.

وفور سماعهم الخبر هرع العشرات من نجوم السينما المصرية إلى مستشفى دار الفؤاد لإلقاء نظرة أخيرة عليه وتعزية ابنه الوحيد هيثم, ومن هؤلاء محمود عبد العزيز ومنى زكي ويسرا ورغدة ومحمد هنيدي وكريم عبد العزيز.

تونس تعزي

على الصعيد الرسمي وجه الرئيس التونسي زين العابدين بن علي برقية تعزية إلى نظيره المصري حسني مبارك إثر وفاة النجم المصري الشهير. وثمن بن علي في البرقية "إسهامات هذا الفنان الكبير المتميزة في خدمة الثقافة وإثراء السينما العربية".

وسادت موجة من الحزن أوساط الساحة الفنية والشارع التونسي. كما تصدر النبأ أخبار الإذاعات  التونسية التي خصصت برامج وشهادات عن حياة الراحل وطغت أغاني عبد الحليم حافظ الحزينة على أغلب البرامج الاذاعية. وكانت تونس التي يحظى فيها أحمد زكي بإعجاب كبير، كرمته عام 2002.

واعتبر نقاد سينمائيون النجم السينمائي المصري أحمد زكي من أبرز الفنانين الذين خرجوا من "أحراش المجتمع" ليمنحوا فن التمثيل أهمية ترجع إلى طبيعة الشخصيات التي اختار تمثيلها فضلا عن إبداعه الشخصي في طريقة الأداء.  

حظي أحمد زكي باحترام محبيه (رويترز)

وقال الناقد السينمائي كمال رمزي إن أداء زكي يعد إضافة لفن التمثيل مشيرا إلى أن تفوقه على معظم الممثلين المصريين يرجع إلى قدرته على الإبداع الشخصي والجدية والحرص على الإلمام بتفاصيل الشخصية قبل أن يؤديها بطريقة رفيعة المستوى تنتمي إليه وحده. فعندما قدم شخصية الدكتور طه حسين "شعرنا أن جسد زكي تحول إلى آذان وكانت ملامح وجهه تجسيدا للعزيمة والعناد معا".

وأضاف أن زكي قدم في أفلامه بانوراما لشخصيات تعطي تفاصيل واضحة لخارطة المجتمع المصري خلال ربع القرن الأخير "من الأحراش إلى القمة كانت أدواره معرضا شديد الثراء والصدق بفضل عينيه اللتين تجيدان تجسيد وتلخيص اللحظة المركبة كما في المشهد الأخير من فيلم (ناصر 56) وهو خطبة ناصر في الأزهر, فنظرة عيني زكي وهما تكادان تدمعان تعبران عن الخوف والتصميم والشعور بغموض المستقبل وقوة الإرادة أيضا".

المصدر: وكالات

الجزيرة نت في

29.03.2005

 
 

طارق الشناوي يكتب:

فيلم «حليم» مجرد «صفقة» وليس مشروعا خيريا لإنقاذ أحمد زكي

* كلام عماد أديب لم يكن ليجرؤ أحد أن يصرح به وأحمد زكي في حالته الطبيعية، لأنه يتضمن إهانة للنجم الكبير

* لا أحد يعرف مصير الفيلم.. والغموض يحيط به خاصة مع صمت محفوظ عبدالرحمن وشريف عرفة أول خبر موثق عن حالة أحمد زكي انفردت به إذاعة نجوم F.M بعد أن أصدر وزير الصحة د. عوض تاج الدين تقريرا عن انتشار الورم الخبيث في جسده.. استمعت للخبر قبل أكثر من ثلاثة أسابيع في تلك الإذاعة الشبابية الجماهيرية واستوقفني أن الخبر أضيفت له عبارة، وجدير بالذكر أن «أحمد زكي» قد انتهي من تصوير 90% من مشاهد فيلم «حليم»!! وهذه المحطة يملكها الإعلامي «عماد الدين أديب» منتج فيلم «حليم»!!

استشعرت شيئا غريبا في الخبر.. لأن انتشار الورم وإصدار بيان رسمي لا يتيح لأحد أن يسأل عن مصير فيلم «حليم».. إن مصير «أحمد زكي» بالطبع هو الذي يأخذ اهتماما ومشاعر، ولا يمكن أن يضاف تعبير وجدير بالذكر!!

في البداية اعتبرت أن الأمر مجرد ـ فذلكة ـ من المذيع وما أكثر تلك ـ الفذلكات ـ في ظل القنوات التليفزيونية والمحطات الإذاعية!!

إلا أن الحكاية لم تتوقف عند هذا الحد.. كل تصريح خاص بالحالة الصحية لـ«أحمد زكي» يعقبه تصريح يطمئن الجمهور علي فيلم «حليم» حتي حالة غياب أحمد زكي.

أصبحت المعركة التي نشاهد فصولها الأخيرة حاليا ليست حياة أحمد زكي ولكن مصير مشروع فيلم «حليم»!!

ولن أجادل في أن «أحمد زكي» صور 90% أو حتي 100% من مشاهد الفيلم لأن تلك قضية لا يملك أحد التشكيك فيما تعلنه جهة الإنتاج، وذلك انتظارا لما نراه علي الشاشة إلا أنني لاحظت أن كل المشاهد التي ذكرت أن أحمد زكي صورها علي لسان جهة الإنتاج.. كل هذه المشاهد تصور معاناة عبدالحليم حافظ في سنواته الأخيرة..وفيلم «حليم» يروي كل حياة عبدالحليم وليست أيامه الأخيرة وصراعه فقط مع المرض، فهل كتب محفوظ عبدالرحمن مخلا بإيقاع السيناريو 90% من مشاهد فيلمه عن أيام عبدالحليم الأخيرة متجاهلا أهم مراحل حياته وكفاحه ومنذ نهاية الأربعينيات وحتي الخمسينيات أعتقد أن هذا لا يمكن تصديقه علي كاتب بحجم وفكر محفوظ!! لاحظت أيضا أنه توجد تعليمات مشددة لكل النجوم والنجمات الذين شاركوا «أحمد زكي» في بطولة الفيلم أن يعلنوا في كل اللقاءات الصحفية والإذاعية والتليفزيونية أنهم صوروا كل لقطاتهم في حين أنهم في حواراتهم الشخصية ـ غير المسموح فيها بالنشر ـ يؤكدون أن القليل فقط هو الذي تم تصويره أو أنهم لم يصوروا شيئا علي الإطلاق مع أحمد زكي!! لاحظت أيضا أنه قد تردد اسم هيثم أحمد زكي لاستكمال دور أبيه في مرحلة شباب عبدالحليم التي لم يمثلها «أحمد زكي» وفي البداية اعتبرت الأمر مجرد اجتهاد صحفي إلا أنني قرأت أكثر من تصريح علي لسان عماد الدين أديب يؤكد فيه أن هيثم سوف يكمل الدور للتشابه بينه وبين أحمد زكي في الملامح وتعجبت أولا هل يؤدي هيثم دور أحمد زكي أم دور عبدالحليم!! والمهم أن يتشابه مع عبدالحليم وليس أحمد زكي! الملاحظة الثانية من الذي قال إن هيثم يملك موهبة فن الأداء حتي لو كان يتشابه في الملامح مع أبيه فلا يوجد توريث في مجال الفن! الملاحظة الثالثة أن هيثم نفسه نفي ذلك رغم تأكيد عماد والرابعة أن هذا هو دور المخرج شريف عرفة الذي لم يعلق لا بالتأكيد ولا بالنفي!

ثم توالت بعد ذلك المفاجآت الخاصة بالفيلم منها أن المخرج يصور بثلاث كاميرات بثلاث زوايا حتي تتسع أمامه القدرة في المونتاج علي الاختيار بين ثلاث زوايا رغم أن الفيلم السينمائي عادة يصور بكاميرا واحدة.

وتذكرت أن أول إعلان رسمي أصدرته الشركة المنتجة عن الفيلم هو أنه يتم تصويره كمسلسل وفيلم في نفس الوقت، وفي التصوير التليفزيوني يتم الاستعانة بثلاث كاميرات ولكني استبعدت وقتها علي صفحات «روزاليوسف» أن يتم استثمار أحمد زكي في فيلم ومسلسل معا لأننا نصبح في هذه الحالة أمام مشروع استثماري وليس عملا فنيا.. لأن قانون الإخراج السينمائي يختلف تماما عن الرؤية التليفزيونية علي الورق وأيضا في «الديكوباج» تقطيع اللقطات.. وأغلب الظن هو أن شريف عرفة أصر ألا يجهد أحمد زكي في التصوير أمام أي احتمال خطأ ما نظرا لظروف أحمد زكي الصحية ولهذا كان ينبغي أن يستثمر الوقت القادر فيه أحمد زكي علي الوقوف أمام الكاميرا أو الجلوس أو حتي الارتماء علي السرير أمامها لتصوير مشاهد معاناة حليم مع المرض موازية لآلام أحمد زكي مع المرض!وينبغي فقط التوقف أمام قاعدة فنية مهمة جدا وهي أن أداء دور المريض بصدق وإبداع يحتاج أن يستدعي الممثل لحظات معاناة من الذاكرة الإبداعية لا أن يعيش هو هذه اللحظات في الواقع.. إن في إبداع الممثل هو في هذا الهامش المحدود جدا بين قانون الحياة وقانون الفن.. الحياة تصبح مادة خام ثرية في إطار الفيلم التسجيلي لكنها لا تقدم مباشرة في فيلم روائي في هذه الحالة تصبح نغما نشازا في العمل الروائي.. ولكن علينا أن ننتظر حتي ينتهي العمل الفني لنصدر حكما فنيا بعد المشاهدة.. إلا أن حكايات الفيلم المثيرة لم تتوقف لأنني قرأت علي لسان مدير إنتاج الفيلم «عادل أديب» شقيق عماد أن هناك خطتين أعدتا لتصوير الخطة ألف والخطة باء.. الأولي تنفذ في حالة حياة أحمد زكي والثانية في غيابه.. وأنهم مازالوا ملتزمين بالخطة «ألف» علي الأقل حتي كتابة هذه السطور!

أي أن مدير الإنتاج يعترف أنهم وضعوا في خطتهم لإنتاج الفيلم أن احتمال غياب أحمد زكي أو عدم قدرته علي التصوير واردة جدا، ولهذا فإن هناك خطة بديلة لا نعرف بالطبع تفاصيلها لكنها في النهاية تؤكد علي أن جهة الإنتاج مدركة تماما أن حالة أحمد زكي حرجة جدا منذ أن وقع عقد تنفيذ الفيلم!! ولا استطيع أن أوجه اللوم المباشر للإنتاج عندما يتم تصوير فيلم لفنان في مرحلة صحية حرجة وذلك لأن هناك فريقا طبيا من مستشفي دار الفؤاد هو المسئول الأول عن التصريح لأحمد زكي بالوقوف أمام الكاميرا ولا يمكن أن يسمح الطبيب للمريض حتي ولو كان هذا المريض نجما مثل «أحمد زكي» بارتكاب خطأ يؤدي بحياته.. رغم يقيني الشخصي بأن التمثيل بالنسبة لفنان مثل أحمد زكي مرتبط بجهازه العصبي وأنه يجهد نفسه كثيرا ويضع كل ما لديه من طاقة أثناء حالة التشخيص إلا أنني سوف أتنازل طواعية أمام كل ذلك لأن المسئول الأول والأخير عن التصريح لأحمد هو الفريق الطبي وهؤلاء يحكمهم ضميرهم المهني ولهذا سمحوا لأحمد زكي بالتصوير ليس استجابة لإرادة أحمد زكي ولا لإرادة عماد الدين أديب ولكن لأن التمثيل لا يؤثر علي الحالة الصحية سلبا علي أحمد زكي بل طبقا لما أعلنوه التـأثير إيجابي!

ولهذا سوف أقفز مباشرة فوق هذه النقطة لكي أتابع كلمات «عماد الدين أديب» عن الفيلم وأحمد زكي وهو يؤكد مرة بلسانه ويؤكد أصدقاؤه الصحفيون عشرات ومئات المرات بلسانهم أنه يقدم هذا الفيلم حبا في أحمد زكي وليس من أجل استثمار أحمد زكي.. وأن هذا المشروع خاسر لا محالة لو كان الهدف هو التجارة لكن الصداقة بين أحمد زكي وعماد هي الهدف من المشروع! أولا هذا الكلام لم يكن يجرؤ عماد أو غير عماد علي التصريح به وأحمد زكي في حالة وعي كامل لأن هذه الكلمات تهين أحمد زكي الذي يبدو أمام الرأي العام ينتظر مشروعا لإنقاذه، حيث إن عماد لم يقدم عملا خيريا لأحمد زكي ولا لابنه هيثم عندما وقع معه عقد تصوير هذا الفيلم أو أفلام قادمة أخري من المؤكد أن عماد كرجل يعمل في ـ بيزنس ـ الإعلام والإنتاج الفني يعلم تماما أن فيلم «أحمد زكي» صفقة مربحة له كمنتج أولا وبالمناسبة هذا لا يتعارض مع إقرارنا بأن عماد صديق شخصي لأحمد.. ولكن علينا أن ندرك أن عماد صاحب شركة جود نيوز.. تعاقد مع أحمد زكي لكي يقدم صفقة مربحة للشركة وفي نفس الوقت فإن أحمد زكي لم يجامل عماد أديب ويتنازل عن أجره، ووافق علي الصفقة وحصل علي المقابل المادي الذي أراده!!

الطرفان تعاملا في إطار المشروع الاقتصادي إلا أن عماد الدين أديب ربما لإحساس غامض بالذنب أو بالخوف من أن يتهمه أحد باستثمار أحمد زكي يسارع بالتأكيد علي أنه تعامل معه فقط كصديق وأن الصفقة ماديا خاسرة.. عماد أديب لا يهين فقط أحمد زكي كصديق ولكنه يهين أيضا. عقولنا.. كانت وصية أحمد زكي في كلماته الأخيرة قبل أن يذهب في غيوبة أرجوكم لا تهينو أحمد زكي وأتمني من عماد الدين أديب أن يعمل بوصية أحمد زكي!!

في قانون الملاكمة يمسك المدرب بـ«فوطة» يلقيها علي اللاعب أثناء الجولة لينهي بها المباراة إذا وجد أن هناك خطرا ما يهدد حياة اللاعب إذا أصر علي استكمال «الجولة».. هل تأخر عماد في إلقاء «الفوطة» علي صديقه «أحمد»!!

 

لابد أنك ضحكت علي أحمد أبو كامل البيه البواب

الكوميديا علي طريقته  

بدأ أحمد زكي بالكوميديا.. تعرف عليه الجمهور من خلالها.. استقبلته الابتسامات، ابتسامات الاستمتاع والإعجاب فبدايته المسرحية كانت بداية كوميدية مع مشهد "هالو شلبي" ودوره في مدرسة المشاغبين في أواخر الستينات وأوائل السبعينات وفي بطولته الكوميدية الكبيرة في مسرحية العيال كبرت.

ولكن بدايته السينمائية لم تكن كوميدية علي الإطلاق، وكذلك تميزه لم يأت من هذه المنطقة، كانت بدايته جادة وتراجيدية في فيلم "بدور" وفيلم "أبناء الصمت" عام 1974، وظل أحمد زكي يقدم الأدوار الجادة والتراجيدية في السينما حتي صنع لنفسه مكانة كبيرة وتميزاً هائلاً جعلاه من نجوم الصف الأول السينمائيين محققاً هدفين يبدوان بالنظر لظروف وتاريخ السينما في مصر، هدفين بعيدين جداً عن بعضهما إلي حد التقابل والتناقض، وهو أن يكون نجماً جماهيرياً وأن يكون فناناً حقيقياً يجيد الاختيار، والأداء، وبعبارة أخري أن يجمع بين الشباك والفن، إلا أن احمد زكي عاد مرة أخري للكوميديا عام 1987 بفيلميه الشهيرين وربما الأكثر نجاحاً له علي مستوي الأفلام الكوميدية التي قام بها والأبقي في أذهان المشاهدين وهما فيلما "أربعة في مهمة رسمية" و"البيه البواب"، ومن المفارقات أن هذين الفيلمين جاءا بعد فيلمين من أكثر الأفلام جدية وتراجيدية وهما "الحب فوق هضبة الهرم" "البرئ" 1986 وأعقبهما أيضاً فيلمان من أكثر الأفلام جدية وأهمية في حياة أفلام أحمد زكي المهنية وهما "زوجة رجل مهم" و"أحلام هند وكاميليا" 1988.

إذن القيام بهذين الدورين الكوميديين كان مغامرة بلا شك ومقامرة ذلك أن أحمد زكي بين نجوميته وتميزه بحوائط الأدوار الجادة والتراجيدية.. هي مغامرة ومقامرة، فهل سيقبل المشاهدون والجماهير هذا الممثل الجاد والذي عرفوه في فيلم "البرئ" و"الحب فوق هضبة الهرم" في قمة جديته بل وتراجيدية الموضوع في أدوار كوميدية، وفي موضوع ساخر مثير للضحك؟

ويقدم أحمد زكي أفلاما كوميدية علي الرغم من أن الكوميديا رغم نجاحاتها الجماهيرية لا تزال النظرة إليها يشوبها كثير من الإهمال والتعالي، أما أحمد زكي والذي كان يحظي وقتها بتأييد كبير من النقاد حيث يعتبرونه رمزاً وجزءاً هاماً من موجة ثورة فنية هامة يحققها جيل الواقعية الجديدة ضد السائد وضد التقاليد الفنية البالية وضد أفلام المقاولات، والذي لم يكن يعاني من نقص الاهتمام أو النجاح بل علي العكس كان محققاً للمعادلة الصعبة بل والمستحيلة، كما سبق وأوضحنا، حيث كان يحقق النجاح الجماهيري والنقدي أيضاً، علي الرغم من كل نجاحاته هذه قرر أن يغامر علي كل المستويات النقدي والجماهيري، وتوقفت عجلة الروليت عند الرقم الذي اختاره أحمد زكي ورحب المغامرة/ المقامرة وأحرز بفيلميه الكوميدين نجاحاً جماهيرياً ونقدياً، بل وأيضاً فاز بتحد جديد لنفسه ولموهبته وقدراته التمثيلية غير المحدودة.

أربعة في مهمة رسمية.. البطولة الكوميدية الأولي:

في يوم 28/5/1987 بدأ عرض الفيلم الكوميدي "أربعة في مهمة رسمية" في دور العرض، وهو قصة محمد دوارة وسيناريو عبد الجواد يوسف وحوار علي سالم وأخرجه علي عبد الخالق، يدور الفيلم حول أنور عبد المولي المرشد السياحي الذي يقيم بالأقصر والذي يستعد للهجرة، إلا أنه لايزال عليه أداء مهمة أخيرة في عمله قبل السفر، ألا وهي تسليم تركة أحد القراداتية المتوفين والذي كان يعمل مع وزارة السياحة، سيقوم بتسليم هذه العهدة في الوزارة وهي عهدة رسمية لابد أن تؤول إلي بيت المال في القاهرة، وتأتي الكوميديا في الفيلم من مكونات العهدة الرسمية وهي حمار وقرد ومعزة، والفيلم باختصار يكشف عن الروتين الحكومي الخانق ويعرض لعدد من النماذج والأنماط الفاسدة في المجتمع المصري في الثمانينات من خلال قصة ساخرة وحبكة تصنع المفارقات الكوميدية وربما من أهم نقاط تميز هذا الفيلم من وجهة نظري هي أنه أول الأفلام السينمائية علي الإطلاق وربما آخرها في تاريخ السينما المصرية الذي تشارك الحيوانات فيه دور البطولة مع الممثل البشري بل وأن هذه الحيوانات تصنع مواقفاً تفجر الضحك من خلال هذه المشاركة.. دون أن يقوم أحد الممثلين بأدوار هذه الحيوانات كما اعتادت السينما المصرية أن تستسهل وتقدم الحيوانات.. إذن من نقاط تميز وتفرد هذا الفيلم علي مدار تاريخ السينما المصرية والعربية، ربما هو الدور الهام للحيوانات (الحقيقية) والتي من خلالها تسير الأحداث وتتفجر الكوميديا.

ولكن هنا سؤال هام من هذا الممثل الكوميدي الذي غامر وقبل أن يعمل مع هذه الحيوانات التي عرفت مما كتب عن كواليس الفيلم أنها لم تكن مدربة أو علي أحسن الاحتمالات لم تكن مدربة كفاية.. كان أحمد زكي الممثل الجاد الذي صنع تميزه بأدواره الجادة.. وهذه نقطة تميز جديدة للفيلم وبالطبع للممثل وهذا ما يدفع الناقدة والصحفية الكبيرة إيريس نظمي أن تقول: "إن فيلم أربعة في مهمة رسمية خطوة كبيرة للنجم أحمد زكي الذي يقدم لنا مع كل فيلم دوراً جديداً والذي شاهدناه من قبل وهو يؤدي بعض المشاهد الكوميدية في بعض الأفلام ولكن هذه المرة يقدم نفسه نجماً وبطلاً لفيلم كوميدي كامل... بشكل يجعلنا ننتظر منه أدواراً وبطولات لأفلام كوميدية أخري لتكسب الشاشة نجماً كوميدياً مختلفاً عن الآخرين لسبب بسيط أنه لا يقلد احداً فله شخصيته الخاصة وسط نجوم الكوميديا الآخرين".

إذن لم يفاجئ أحمد زكي الجمهور فقط بدوره الكوميدي الجديد في الفيلم بل فاجأ النقاد أيضاً ولكنها كانت مفاجأة جيدة جعلت تقريباً جميع النقاد الذين تصدوا للكتابة عن الفيلم يثنون علي أداء أحمد زكي الكوميدي المتقن وعلي قدراته اللامتناهية علي إثارة الضحك، ولابد أيضاً أن نرصد هنا التجربة بأكملها، حيث جاءت أقرب إلي الكمال الفني وفي وقت سيطرت وهيمنت علي السينما المصرية نوعية الأفلام الجادة التي تمثلها الواقعية الجديدة أو أفلام المقاولات فكان المخرج علي عبد الخالق موفقاً في غدارته وتحقيقه لهذا الفيلم، "كما كان علي عبد الخالق موفقاً في اختيار ممثلي الفيلم، وبالذات أحمد زكي في دور أنور عبد المولي الذي يؤكد بهذا الفيلم قدراته الكبيرة علي أداء مثل هذه النوعية من الأفلام الكوميدية".

* إذن كان أحمد زكي في هذا الفيلم الذي جاء ليخالف تيار السينما الجادة وليعالج ربما نفس المواضيع التي اضطلعت بها افلام الواقعية الجديدة ولكن في قالب كوميدي ساخر، ربما هذا الفيلم وفيلم "البيه البواب" لحسن إبراهيم هما الوجه الساخر والكوميدي لأفلام الواقعية الجديدة، وربما يكون أنور عبد المولي هو الوجه الآخر لعلي، " إذن جاء أداء أحمد زكي نجمه الشمال الأكثر إضاءة بين نجوم السماء جميعها في فيلم علي عبد الخالق فربما اختلف بعض النقاد علي بعض النقاط في الفيلم دون أن ينال هذا الاختلاف أداء أحمد زكي.. فتقول الناقدة خيرية البشلاوي عن الفيلم "الفكرة كما تري كئيبة (فكرة الفيلم) لكن الفيلم عالجها بنزعة ساخرة وفكاهية ساهم في إبرازها أداء أحمد زكي الفاهم لطبيعة وخصائص الدور الذي أداه بقدرة كممثل موهوب وساعده حوار لاذع وفطن لعلي سالم".

**

كما يتضح من النماذج التي اقتبستها واقتبست عنها ـ وهي للعلم مجرد نماذج ـ الاتفاق الكبير بين النقاد علي اداء احمد زكي المبدع في بطولته الكوميدية الأولي.. ومن وجهة نظري أُزيد علي النقاط التي تُشير إلي تميز أحمد زكي في أدائه، بعضاً من نقاط أخري لم يلتفت إليها، وتتلخص في أن أحمد زكي كممثل يقوم بتطويع أدواته وأدائه ليقوم بالأداء في بعض المشاهد بمصاحبة أحد الحيوانات أو ربما الحيوانات كلها فقط دون وجود أي من الممثلين البشريين في المشهد، وذلك أمر صعب وجديد لم يختبره الممثل المصري من قبل، فكما يقولون بلغة الصناعة أنه يمكن للممثل أن يضبط أدائه وفق أداء الممثل الذي يشاركه المشهد.. أما مع الحيوان فالأمر يبدو صعباً جداً.. ومع احتمالات الإعادة المستمرة لأن الحيوان قد يأتي بحركة مخالفة للديكوباج، بشكل قد يفسد اللقطة أو المشهد فهذا يزيد من الضغوط النفسية التي تُثقل كاهل الممثل.

أيضاً لابد أن نضع في الاعتبار المخاوف الشخصية والاحترازات الصحية التي ربما تكون عند الممثل ويتجاهلها للقيام بالدور، وضع في اعتبارك أن الحيوانات غير مدربة فهذا يضاعف كل شئ ويخلق شكلاً من أشكال الخطورة، إلا أنه علي الرغم من كل هذا جاء أداء أحمد زكي متقناً مرتاحاً لايبدو عصبياً، بل ربما ظهر علي العكس، وهذه من النقاط التي أراها في صالح أحمد زكي، إنه الأمر العادي الذي ينتظر منه دائماً ومهما كانت الظروف والملابسات.

البيه البواب: خطوة واسعة أخري نحو الكوميديا

"الميزة الأولي لهذا الفيلم هي التمثيل العبقري لأحمد زكي الذي يعيش كل شخصية تماماً وأياً كانت أبعادها وتنوعها، فهو اكثر ممثلي مصر إكتمالاً وصدقاً وتوهجاً الآن؟

سامي السلاموني ـ مجلة الإذاعة والتلفزيون ـ 1987

هكذا رأي أحد كبار النقاد ـ الناقد الراحل سامي السلاموني ـ فيلم البيه البواب، وهكذا للمرة الثانية يكون أداء أحمد زكي أكثر نقاط الفيلم الكوميدي تميزاً وهو الضيف الجديد علي عالم الكوميديا.

في فيلم "البيه البواب" قصة وسيناريو وحوار يوسف جوهر وإخراج حسن إبراهيم والذي عرض في أواخر شهر أغسطس 1987 يدور حول رحلة عبد السميع الصعيدي الذي يهجر الصعيد إلي القاهرة بحثاً عن فرصة أفضل ويعمل بمساعدة أحد أقربائه بواباً لإحدي العمارات ويبدأ في السمسرة حتي يستطيع بإحدي الحيل، أن يشتري قطعة أرض ويبدأ في بيعها وهكذا حتي يبدأ في رحلة صعوده الطبقي حتي يبدأ في التحكم في مجريات حياة من كانوا بمثابة أسياد له من خلال معالجة ساخرة وكوميدية وكما سبق وأوضحت أنها رحلة صعود طبقي تعتمد في أجزاء كثيرة منها علي الاستغلال والطفيلية.. قصة معتادة لأفلام الواقعية الجديدة المسيطرة وقتها علي السينما المصرية ولكن الجديد أن هذه الرحلة تم معالجتها بطريقة ساخرة وكوميدية.. كما سبق وأوضحنا بأنه الوجه الساخر من أفلام الصعود الطبقي لأفلام الثمانينات.

وكما هو واضح من تفاصيل حكاية الفيلم المساحات التي يمكن أن تثير المواقف المضحكة والكوميديا فهذا هو الصعيدي القح الذي يحتك ويصطدم بالمدنية لأول مرة وها هو أيضاً الصعيدي وهو يحاول اللحاق بركب الصاعدين طبقياً في الثمانينات وها هو يحاول أن يقيم رابطة للبوابين ويصبح بطلاً وزعيماً لأبناء مهنته بشكل جعل الجميع يؤكد أنه "لم يكن يستطيع أن يتحمل بطولة هذا الفيلم سوي فنان قدير هو أحمد زكي الذي أدي دور البواب بتمكن وقدرة فائقة.. لقد اختار أحمد زكي منذ بدايته الطريق الصعب، الشخصيات المركبة التي تتطور مع تصاعد الأحداث وهذا ما حدث مع البيه البواب الفقير المعدم الذي استطاع أن يدخل عالم السمسرة.. وقد أتاح له الفيلم أن يمثل ويغني ويقدم استعراضات مرحة... تمثيل رائع مع خفة ظل غير مفتعلة مع اهتمام بكل تفاصيل الشخصية التي درسها دراسة مستفيضة كما إهتم بكل صغيرة وكبيرة، الجلسة والشكل وطريقة الأداء والسلوك العام للشخصية إن أحمد زكي هو الوحيد بين نجوم السينما الذي لم يكرر حتي الآن شخصية سبق وأن قدمها في فيلم سابق.. استطاع أن يثبت أنه نجم أيضاً في عالم الكوميديا وبدت بجانبه الشخصيات الأخري مكملة لشخصيته"

* أدي أحمد زكي دوراً تكاملت فيه أدواته الجسدية والصوتية ليجيد تقديم شخصية الصعيدي في تصادق مع عالم المدينة، وقد بلغ أحمد زكي من الإجادة للدور ما دفع الناقد أحمد صالح أن يقول "هذا الممثل البلدوزر المدهش يقتحم أي فيلم فيأكله كله ويغوص في اعماق أي شخصية فيبرز ما فيها، ويخترق أي دور فيجسده علي طبيعته، إن أحمد زكي ليس قادراً فقط علي توظيف مشاعره وأحاسيسه لخدمة الدور والشخصية بل وملامحه وشكله ايضاً.. حتي لنتصور أنه يصنع أوداجاً جديدة لوجهه تتناسب مع الشخصية الجديدة أو يضيف لغداً فوق رقبته أو يوسع من محور أذنيه أو فتحتي أنفه!!!

وإذا كنت قد كتبت في هذا المكان من قبل إن أحمد زكي في البريء قد استطاع أن يمثل بقفاه ليوحي أنه نفر نطع في الجهادية فقد رأيته في البيه البواب يمثل بجبهته العريضة ليوحي بها أنه قفل أبله، ساذج، عبيط، قابل للضحك عليه بسهولة، أشاع في نفسي الإحساس بأن جبهته تزداد عرضاً وسلطحة لتوحي بأن خلفها فراغاً كبيراً حيث لا عقل بالمرة. ثم عاد فأشاع في نفسي الإحساس في الجزء الثاني من الفيلم أنها تضيق وتلتف لتحتضن في حذر عقله الذي بدأ يعمل بدقة الكمبيوتر"

**

هذا الاستغلال لسيماء الوجه ـ وهو ما سبق وأوضحناه في الفصل السابق عندما تحدثنا عن سيماء الوجه والجسد للنجم أحمد زكي ـ تكمن وراءه خبرة كبيرة واتقان واطلاع واسع وهو ما مكن أحمد زكي من استغلال تحكمه في تفاصيل وجهه الجسدية ليقنع المشاهد بشخصيته وليثير الكوميديا يستخرج "من طاقاته المختزنة ما أذهلنا وقادنا إلي عتبة النشوة، إن أحمد زكي في دور البيه البواب يحلق إلي أفاق جديدة فوق الآفاق التي وصل إليها في أيام طه حسين وطبال إحسان عبد القدوس"

***

وهكذا قدم أحمد زكي نفسه من خلال خطوتين مفاجئتين كبطل كوميدياً مستغلاً أدواته الأدائية التي سبق وأن جعلته من اهم نجوم وأبطال الصف الأول السينمائيين، مستغلاً هذه الأدوات ليطرح نفسه كممثل كوميدي من الطراز الأول، وتعددت بعدها خطواته الكوميدية، ولكن علي استحياء محققاً كل مرة نجاحات تجعلك تغادر الفيلم حتي لو اعترفت أحياناً بتواضع مستواه الفني مثل فيلم "سواق الهانم" الذي لم يعكس قدرات غير عادية كما تعودنا منه من قبل، لكن يظل أحمد زكي مبدعاً بشكل يستحق التقدير، ليصبح إحدي أهم قيم السينما المصرية، وخاصة سينما الواقعية الجديدة.

 

منال العارف بكت علي الهواء وهي تذيع رسائلها عن النجم الأسمر في البرنامج العام

يوميات مراسلة إذاعية نقلت مقر إقامتها إلي غرفة أحمد زكي

كرم محمود عفيفي  

منذ أسابيع قليلة أذاعت إحدي القنوات الفضائية تنويها يحمل أخبارا غير سارة تتعلق بحياة الفنان الكبير أحمد زكي في بداية مرضه الأخير فأسرعت إلي الريموت لاتنقل بين القنوات الفضائية مرارا وتكرارا لعل الأمر يزداد وضوحا ببرنامج أو بلقاءات مع أطبائه توضح لملايين المشاهدين الحالة الصحية للنجم أحمد زكي ولكن للأسف لم أجد ما أريد، وفجأة تناهي إلي سمعي عبر موجات الأثير صوت ملائكي حزين ينقل للمستمعين لحظة بلحظة من إذاعة البرنامج العام الحالة الصحية الحقيقية لأحمد زكي في سبق إذاعي أعاد لي مرة أخري الثقة في إذاعتنا.. فعلي مدار يومين استطاعت المذيعة الموهوبة منال العارف أن تقدم رسائل يومية في تغطية إخبارية شاملة أعادت بها البسمة إلي شفاه ملايين من عشاق النجم الأسمر حينما علموا باستقرار حالته الصحية نسبيا عبر لقاءات مع نجله هيثم وأقاربه وأطبائه.. لذلك كان هذا اللقاء أو تللك المشاعر الجياشة التي ستحكيها لنا المذيعة الموهبة منال العارف من وجهة نظرها الخاصة كمذيعة يوميات ـ أو يشبه اليوميات ـ مراسلة إذاعية في مهمة إنسانية جدا دون تدخل مني ولنبدأ من البداية.

الأربعاء 9 مارس

أذاعت إحدي القنوات الفضائية تنويها يحمل أخبارا غير سارة تتعلق بحياة النجم أحمد زكي فكان لزاما علينا أن نوضح للمستمعين حقيقة الأمر لذلك تكون فريق عمل إذاعي من منوعات البرنامج العام كنت أنا واحدة منه.. وصلنا إلي المستشفي فوجدنا كل القنوات التليفزيونية والمحطات الإذاعية سواء عامة أو خاصة موجودة في مستشفي دار الفؤاد، وبالتالي أصبحت المهمة أصعب مما تصورنا فالضيف الواحد ستقاسمه عشرات الفضائيات والإذاعات حتي نستطيع الحصول منه علي لقاء عابر ومن هنا تأتي المعاناة فهذا الضيف المشطور يجب أن تقنعه أولا بالتسجيل ثم تتصل باستديو الهواء حتي تكون معهم علي الهواء قبل أن يختطف هذا الضيف لقناة فضائية أو لإذاعة خاصة وهذه المغامرة مغامرة إقناع الضيف لا تأتي بسهولة بل يجب أن تكون لديك ثقة في النفس لكي تستطيع أن تستحوذ علي اهتمام الضيف فلا يتركك لأي سبب.

حينما وصلت إلي المستشفي كان علي أن أجد سبيلا مختلفا عن الآخرين حتي أحصل علي أخبار يأخذها الجميع فما سيقوله بيان مطبوع أو مدير المستشفي سيـأخذه الجميع فكان لابد من التقرب من موظف المستشفي ومن طاقم التمريض وموظفي الأمن والعمال وعن طريقهم ستصل إلي أخبار متميزة وخاصة جدا وبالفعل استطعنا في اليوم الأول أن نقدم تغطية شاملة بثت الأطمئنان في قلوب الملايين ممن يريدون معرفة حالة النجم الكبير أحمد زكي لقد دخلت منزلي في هذا اليوم بعد منتصف الليل وذهبت إلي المستشفي في اليوم التالي.

الخميس 10 مارس

في السابعة والربع تقريبا كنت أجلس في بهو الاستقبال بالمستشفي حينما دخل علي موظف الاستقبال فاندهشوا من وجودي في هذا الوقت واقسموا فيما بينهم أنني لم أغادر المستشفي منذ الأمس لكي أحصل علي سبق إذاعي. في هذا اليوم وقبل أن أخرج من منزلي اتصلت بالزميلين حمدي عبدالمجيد وإيمان عبدالحليم لأنسق معهما كيف سنكون معا علي الهواء في هذه الفترة الصباحية التي تكون نسبة الاستماع فيها مرتفعة جدا فوجدت من حمدي وإيمان كل الحماس والملاحقة عبر تليفوني المحمول.. في التاسعة إلا ربع حدثت المفاجأة فلقد شاهدت هيثم نجل الفنان الكبير أحمد زكي وهو يصطحبه إلي الحديقة للترويح عنه والسؤال الآن كيف سأخترق تلك الحواجز الأمنية لكي أصل إلي النجم وإلي نجله أيضا وعلي الفور خرجت من باب المستشفي إلي الحديقة من الخارج حتي يبدو الأمر وكأنني من المتواجدين في المستشفي وأقوم برياضة التمشية في المستشفي ولا استطيع أن أصف مشاعري حينما وجدت نفسي وجها لوجه أمام عصفور الجنة أحمد زكي وقدمت رسالتي في ذلك اليوم إذ ذكرت أن أمامي الآن الفنان الكبير أحمد زكي في حديقة المستشفي علي كرسيه المتحرك بصحبة ابن خاله الفنان التشكيلي سمير عبدالمنعم ونجله هيثم وطبيبه الخاص بالعلاج الطبيعي ولكن كان لابد أن أدعم ما أقوله بأقوال شخص آخر حتي يتأكد المستمع من صحة الرسلة كذلك جاءت الرسالة الثانية علي لسان ابن خاله سمير عبدالمنعم المقيم معه دائما بالمستشفي لكي يطمئن الجماهير علي صحة النجم وأثناء تلك الرسالة أو بعدها وأنا لا تفصلني عن النجم الأسمرالكبير إلا بضع سنتيمترات فجأة اجهشت بالبكاء ولم اتمالك نفسي ألم أقل لكم إنه عصفور من الجنة استطاع أن يغرد عبر سنوات طويلة من الكفاح والمعاناة بألحان شجية ستظل محفورة في ذاكرة الملايين من عشاقه ومحبيه الذين تدقوا بالعشرات وبالمئات حول المستشفي، فهذا مهندس ديكور ترك عمله وجاء إلي المستشفي للاطمئنان علي صحته حاملا معه أدعية مطبوعة قام بتوزيعها علي الجميع لعل الله يفرج عنه كربته وذاك معجب ترك عمله وأخذ إجازة لمدة ثلاثة أيام لكي يطمئن علي نجمه المفضل يأتي في الصباح ولا يترك المستشفي إلا في العاشرة مساء موعد انتهاء الزيارة وهناك عشرات من القصص الإنسانية التي وجدتها أمامي وهي إن دلت فإنما تدل علي مدي عشق المصريين لهذا النجم الأسطورة.. لقد نجحت في هذا اليوم أيضا في تسجيل حي مباشر مع هيثم نجل الفنان الكبير وإقناعه بالتسجيل مع الإذاعة لكي يطمئن المستمعون علي النجم وعلي حالته الصحية وفي هذا اليوم أيضا استطعنا اختراق الحواجز الأمنية بمساعدة ابن خالة الفنان أحمد زكي فكنت المراسلة الوحيدة التي استضافت الطبيب المعالج وأمامه أحمد زكي وبجواره الفنانة شهيرة والفنانة رغدة وبطل العالم المصارع كرم جابر.. لقد كانت مهمة شاقة لكنها بحمد الله أصبحت يسيرة بفضل دعاء أمي لي الذي تذكرته كلما انتهت مشكلة وأرسلت رسالة صوتية تبعث الأمان في نفوس الملايين من عشاق أحمد زكي لقد تذكرت دعاء أمي الدائم لي وهو: «إلهي يحبب فيك خلقه».. فأخذت أدعو له. هامش جانبي مهم في المذكرات

لقد سقط سهوا من ذاكرتي حتي حين أن أطمئن علي ابنتي آمال وابني أحمد وزوجي المخرج الإذاعي علي عبدالعال بحكم ما كنت فيه انتهت كلمات المراسلة ولكن لم تنته الدلالات التي تستطيع أن تستخرج منها شواهد تدل علي إمكانية حدوث الريادة المزعومة حينما تتاح الحرية للإعلاميين وإعطاء الفرصة للكوادر الشابة كمال العارف لإثبات قدراتهم.

فالإذاعة كما يعرف الجميع مثقلة بالمشاكل التي تنتظر حلا من الوزير النشيط أنس الفقي وزير الإعلام فهذه رسالة موجه له للاهتمام بالإذاعة وتطوير أدائها وتفعيل رسالتها وتحديثها وتنقية الإذاعة ودروبها الضيقة ممن يريدون اغتيالها وتكفينها وإحالتها إلي المعاش المبكر فإذا كان التليفزيون هو عقل ماسبيرو فإن الإذاعة هي روحها.

جريدة القاهرة في

29.03.2005

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2016)