كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

"آلام المسيح" في قطر

تأكيداً على الإنفتاح والتسامح

محمد المكي أحمد

عن فيلم

(آلام المسيح)

   
 
 
 
 

أثار عرض فيلم "آلام المسيح" في قطر, في أول خطوة من نوعها في بلد خليجي وشرق أوسطي بعد الضجة التي أثارها في أميركا وأوساط دولية, نقاشاً في أوساط المجتمع والصحافة القطرية. وقال مدير شركة قطر للسينما والتوزيع عبد الرحمن محسن في حديث الى "الحياة" إن عرض الفيلم - الذي يتناول الـ12 ساعة الأخيرة من حياة المسيح وهو من إنتاج وإخراج ميل غيبسون, في الدوحة يأتي في إطار التحولات والانفتاح الثقافي والإعلامي الذي تشهده قطر على الثقافات الأخرى. وقال إن ذلك "تجسد في فاعليات مهرجان الدوحة الثقافي الثالث وعروضه التي اختتمت قبل أيام, وفي قناة الجزيرة وأجهزة الإعلام القطرية التي باتت أكثر انفتاحاً في منطقة الخليج".

وأوضح أن الفيلم يعرض حالياً في قطر في 7 دور للسينما لمدة شهر, وقال: "نحن أول دولة خليجية تعرض الفيلم وتوقعاتنا أن نكون الدولة الأولى والأخيرة". وسئل عن سبب هذا الاعتقاد فقال: "إن الرقابة الفنية في الكويت والإمارات والبحرين لم تبت حتى الآن في عرض الفيلم ويعتقد وفقاً للمقاييس المعروفة أنها سترفضه".

وعن الإقبال الجماهيري على مشاهدة الفيلم "المثير للجدل" بسبب "اللوبي الصهيوني في أميركا الذي اعتبره مصدر موجة جديدة من الكراهية ضد اليهود", قال إن الفيلم وجد اقبالاً منقطع النظير في الدوحة, ورأى أن هذا يعني أن "الجمهور يتابع ما يحدث في العالم وأصبح يتلقى معلوماته من أكثر من وسيلة من بينها الصحافة والانترنت وليس كما كان يحدث سابقاً". وفيما قال إن عرض "آلام المسيح" في الدوحة هو أهم حدث بعد عرض فيلم "تايتانيك" عام 1997, قال عن خطط الشركة المستقبلية: "إننا نحرص على مواكبة أكبر للأفلام وكان لدينا داران للعرض السينمائي عام 1996 وسيرتفع عددها الى 21 داراً للسينما خلال العام الجاري". وعزا سبب التوسع الى "وجود اقبال ووعي من الجمهور بأهمية السينما, وحدوث تغير اجتماعي إذ أصبح الجمهور القطري والعربي يقبل على دور السينما أكثر مما كان يحدث في سنوات مضت".

ونفى رداً على سؤال أن تكون الفضائيات وعالم الانترنت أثرت في الإقبال على السينما, وقال: "على العكس, إن هذا المفهوم ثبت أنه خاطئ لأن التلفزيون والإنترنت أسهما في ترويج المعلومات وتقديمها للجمهور بشكل أفضل وشمل ذلك المعلومات عن السينما".

إقبال الجمهور الآسيوي

وعن الجمهور الآسيوي الذي كان يتصدر مقاعد السينما في قطر خلال سنوات قال إن "الفيلم الهندي يمر بأزمة قاتلة منذ ثلاث سنوات وكان الجمهور الآسيوي يشكل 70 في المئة من جمهور السينما في قطر, أما الآن فتقلصت النسبة إلى أقل من 20 في المئة نتيجة عمليات القرصنة التي يتعرض لها الفيلم الهندي, وبالتالي اضحت نسبة الجمهور العربي في السينما في قطر نحو 60 في المئة من عدد الجمهور". وكشف أن المجلس الوطني للثقافة في قطر يدرس تنظيم مهرجان سينمائي. وكان عرض فيلم "آلام المسيح" أثار اسئلة في الصحافة القطرية, وبدأت جريدة "الوطن" أمس ما يشبه حملة نقاش في هذا الشأن. وفيما قال رئيس تحريرها أحمد علي إن عرض الفيلم في قطر وأعمال عالمية مثيرة للجدل "ما كان يمكن للمشاهد القطري أن يتابعها هنا (في الدوحة) لولا ظهور سياسة الانفتاح التي أرسى قواعدها الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني", وأضاف إن عرض الفيلم "يحسب لسياسة الانفتاح الثقافي والتسامح الديني".

لكن الكاتب دعا في خطوة ذات دلالات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية الى إبداء رأيها في عرض الفيلم, "خصوصاً أنه يدعم معتقدات من يؤمنون بالدين المسيحي ويؤكد الركن الأساسي في جوهر العقيدة المسيحية وهو طقوس عملية صلب السيد المسيح". وأضاف أنه "على رغم أن اليهود حاولوا قتل سيدنا عيسى بن مريم لكننا نحن المسلمين نؤمن بأنهم لم يستطيعوا ذلك وهو ما أكدته الآية القرآنية "وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبّه لهم", كما دعا الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي لابداء رأيه في عرض الفيلم. وخلص الى "أن صمت وزارة الاوقاف سيعني قبولها بالرواية الخاطئة الخاصة بصلب سيدنا المسيح عيسى بن مريم عليه السلام".

جريدة الحياة في

24.03.2004

 
 

"آلام المسيح"

يلقى إقبالاً كبيراً في لبنان ونجاحاً ساحقاً في سوريا

يلقى فيلم الاسترالي ميل غيبسون "آلام المسيح" اقبالا كبيرا في لبنان لكنه يحقق نجاحا ساحقا في دمشق. ويبدو ان الفيلم الذي عرض منذ اسبوع في عدد من دور السينما في بيروت وغيرها من المدن اللبنانية يلقى تقديرا من الجمهور وخصوصا بعد ان رأت الكنيسة المارونية انه "يثير الاعجاب" و"ليس معاديا للسامية".

وقال مسؤول عن واحدة من دور السينما في العاصمة اللبنانية لوكالة فرانس برس ان "جمهورا كبيرا يأتي ليرى الفيلم لكن ليس هناك اقبال غير عادي. لقد حقق النجاح الذي حققته الافلام الناجحة الاخرى". وفي منطقة جونية التي يقطنها مسيحيون خصوصا في شمال العاصمة يلقى الفيلم اقبالا وخصوصا في عطلة نهاية الاسبوع. وردا على سؤال حول ما اذا كان مشاهدون يغادرون القاعة خلال عرض الفيلم بسبب مشاهد العنف فيه قال احد بائعي البطاقات "هل يعقل ان يخرج اي شخص عند عرض فيلم كهذا؟". وقد منع الذين تقل اعمارهم عن 15 عاما من حضور الفيلم. وكان الفيلم عرض للمرة الاولى في لبنان بحضور الرئيس اميل لحود الذي عبر عن اعجابه الكبير به.

اما البطريرك الماروني الكاردينال نصر الله صفير فقد رأى ان الفيلم ليس معاديا للسامية. واضاف بعد ان شاهد الفيلم في احدى صالات السينما في جونية انه "فيلم مؤلم جدا ومثير للاعجاب ولم نر فيه اي معاداة للسامية".

لكن في دمشق حقق الفيلم نجاحا ساحقا منذ بداية عرضه في 17 آذار/مارس. وقد خصصت الايام الاولى من عرض الفيلم في قاعدة كبيرة في العاصمة السورية لجمعيات للعمل الخيري. وبسبب نجاح الفيلم اضيف عرض رابع الى ثلاثة عروض يومية بينما يشتري المشاهدون البطاقات منذ الصباح ليؤمنوا حضورهم في المساء وكثيرون منهم يذهبون برفقة عائلاتهم. وقال فايز وهبي "شاهدت الكثير من الاشخاص يبكون عند انتهاء الفيلم الناطق باللغتين الآرامية واللاتينية مع ترجمة باللغة العربية" موضحا انه وجد ان "مشاهد التعذيب مبالغ بها".

يذكر ان اللغة الآرامية ما زالت محكية في بعض المدن السورية مثل معلولا وصيدنايا قرب دمشق. واضاف هذا الرجل الذي حضر الفيلم ان "بعض الناس لم يكونوا يخفون اعجابهم عند سماعهم عبارات قريبة من العربية مثل +يا الهي". ورأى رجل آخر شاهد الفيلم ان "عرض الفيلم في السياق الحالي للنزاع في الشرق الاوسط بين العرب واسرائيل قد يكون سببا في نجاح الفيلم". وتتهم منظمات يهودية الفيلم بتغذية مشاعر العداء للسامية.

وفي المدن الاخرى من العالم العربي شهد الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات في مقره في رام الله الفيلم ووجد انه "مؤثر". وسيبدأ عرض الفيلم في مصر في نهاية الشهر الجاري مع منع القاصرين من مشاهدته بينما بدأت قطر عرضه الاحد. وما زال "آلام المسيح" يحتل المرتبة الاولى في شباك التذاكر بعد ثلاثة اسابيع من بداية عرضه في اميركا الشمالية.

موقع الـ MSN في

25.03.2004

 
 

"آلام المسيح"

نيتشوية غيبسون تقول لنا نهاية الإله

عماد البليك

أثار فيلم آلام المسيح الذي عرض منذ الخامس والعشرين من فبراير الماضي بالولايات المتحدة الأميركية، والذي تبلغ مدة عرضه ساعتين وست دقائق، زوبعة كبيرة، بين مؤيد ومعارض، وعلى مستويات عدة من مضمون الفيلم إلى مغزاه، فالرؤية الجمالية التي يحملها، إلى الأهداف التي يسعى لها، كذلك توقيت عرضه، الذي جاء مع بداية فترة الصوم لدى المسيحيين، مصوّرا بكل دقة  تفاصيل آلام المسيح في آخر اثني عشر ساعة من حياته، تضمنّت كافة أنواع العذابات، انتهت بصلبه وموته، لكن معظم التساؤلات دارت حول مضمون الفيلم، بعيدا عن المغزى الجمالي.

خلال الخمسة أيام الأولى للعرض حقق الفيلم إيرادا يقدر بـ 117.5 مليون دولار، وتشير المصادر إلى أن  الأوساط البـروتستانتية الأميركية هي التي دعمت فيلم غيبسون، بينما أبدت الكنيسة الكاثوليكية تحفظاً حياله، باستثناء التيار المحافظ، وقد استند نص الفيلم على عدة مصادر، بما فيها مذكرات القديسة آن كاثرين ايميريك (1774ـ1824).

على مستوى المضمون جاء الجدل المهم حول تجريم اليهود بتحميلهم ذنب صلب المسيح، رغم أن الأسقف الأميركي جون فولي رئيس المجلس البابوي للعلاقات الاجتماعية ومستشار البابا يوحنا بولس الثاني لشؤون الاعلام قال : " لا توجد أي معاداة للسامية في الفيلم ولم أخرج بأي انطباع بأن الفيلم قد يثير مشاعر ضد اليهود،، لقد شاهدته من منطلق مسؤوليتي ومسؤولياتنا في آلام المسيح، أما بالنسبة لليهود فعلينا ألا ننسى أن المسيح والعذراء والرسل كانوا يهوداً. حسب قناعتي فإن الفيلم قد يثير مشاعر ضد الرومان، وعليه فإنه اذا كان لأحد أن يحتج فهم الرومان".

الحاخام اليهودي شلومو بنزري من شاس قال بشكل مفاجىء : " اليهود بالذات قتلوا يسوع حقاً "، ليواجه بحملة شعواء ضده، وذهب من هاجموا الحاخام على تصريحه هذا إلى القول أن الحاخام يلعب لصالح كارهي اسرائيل.

واستغربت كتابات في الغرب عدم تعليق الرئيس بوش - بإفتراض أنه مسيحي- مع أنه شاهد الفيلم، وتمنى البعض أن يدحض بوش ما أثير من معاداة الفيلم لليهود، لكن بوش ظل صامتا، وعزى البعض سبب الصمت إلى أن بوش يفضل حملته الانتخابية ووقوف اليهود معه، لهذا أثر ألا يقول كما قال البابا يوحنا بولس الثاني "هذا ما حصل للمسيح فعلاً "، الذي شاهد الفيلم في عرض خاص، وأعجب به، إلا أن الناطق الرسمي باسم الفاتيكان نفى ما جاء على لسان البابا، وقال بأنه اثارة صحفية.

الممثل الفرنسي ديو دونييه كان قد قال منذ أيام عندما تعرض لانتقادات من اليهود بسبب مسرحيته الأخيرة التي يشير فيها إلى الممارسات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين: " مهما يكن من أمر، فإن الاعتراضات التي أثارتها المنظمات اليهودية في أميركا وفي العالم تكشف إلى أي مدى أصبحت مجموعة متطرفة صغيرة قادرة على مصادرة حرية التعبير وفرض آرائها بالقوة ". 

ميل غيبسون مخرج الفيلم - الأسترالي الأصل - أثناء زيارة لإيطاليا مؤخرا دافع عن الفليم، ونفى أن يكون هو أو فيلمه معاديا لليهودية، وأنكر الاتهامات التي وجهها اليهود إليه بمعاداته للسامية، وقال : " إن معاداة السامية منافية تمامًا لمعتقداتي الشخصية كما أنها تنافي رسالة الفيلم ". وأكد غيبسون أن الفيلم يعبر عن اعتقاداته الكاثوليكية، وأنه تحرى فيه ما جاء في " الأناجيل الموثوقة ". وأشار إلى  أن عددًا من القساوسة الكاثوليك ساعدوه أثناء تصويره للفيلم في إيطاليا.

بعيدا عن مضمون الفيلم، هل هو معاد لليهودية أم لا، وفي إطار المنظور الجمالي – لا غير – فإن  الفيلم يفيض بطاقة هائلة من الألم والعذاب، وقد توفيت سيدة أميركية أثناء العروض الأولى في أحد دور العرض بالولايات المتحدة، واستغرق الألاف في نوبات البكاء، وصاح أحد المسيحيين: "أوقفوا الضرب أيها القتلة ".

هذا الألم الفائض، يطرح تساؤلا حول الهدف الذي أراد المخرج أن يعكسه، من وراء المشاهد المؤثرة، هل يمكن أن تكون فكرة الألم هدف في حد ذاتها، في زمن يغرق بالدماء والرعب، والإرهاب ؟ وهل إراد غيبسون أن يخاطبنا نحن الشرقيين أم أنه استهدف المشاهد الغربي فقط ؟

يبدو لي أن الفيلم في مشروعه الأساسي عمل جمالي فني أراد فيه غيبسون استعراض مهاراته الفنية عبر التنقلات الدقيقة في التصوير وحركة الشخوص والخلفيات الجميلة للطبيعة والمكان، والتي تعمل على قتل حدة العنف، بما يقول للمشاهد، أن الألم والعنف في الوجود قيمة في حد ذاتها، نستطيع من خلالها أن نخلق تآلفنا مع منظومة العالم، خاصة إذا ما كان هذا العالم يختزن جمالا مدهشا، تمنعنا المشاهدة المباشرة للأشياء، دون النظر لما وراءنا من استيعابه.

الجانب الثاني يكمن في تحدي التكنيك الروائي، فالعمل يشتغل على قصة مدركة للمشاهد، بتوقعات مألوفة، وهنا تكمن البراعة في كيفية جذب المشاهد وإلى آخر لحظة من الفيلم، فقد تعودنا على رؤية أفلام وقراءة روايات لا ندرك نهاياتها، ولا نعرف ما هي الخطوة التالية التي سيصعد إليها النص. في " آلام المسيح " يختلف الأمر كلية، بأن يكون التحدي قائما على استقطاب المستقبل لما هو مدرك كائن، وهو تقليد ينقل الرؤية الجمالية والإبداعية إلى محطة جديدة من القراءة تنفي مفهوم السائد بشأن اجتذاب المتلقي.

ويبدو الأمر كما في رواية " الشيخ والبحر" لأرنست همنغواي، التي تشتغل على فكرة مقاومة الإنسان للطبيعة، بنفس طويل جدا، لا يمنع المتلقي من الانسجام مع النص، مع إدراكه التام لفكرة النص، وما سينتهي له. بيد أن الاختلاف الجوهري بين العملين، في أن مغامرة همنغواي تقوم على السرد، فيما تقوم مغامرة غيبسون على الصورة. مقاومة همنغواي اتخذت من مفهوم بسيط هو نزوح الإنسان نحو تحقيق الهدف، بالجلد وتحمل المعاناة ضد الآلام التي تخلقها الطبيعة، ليحقق اسطورته الخاصة. أما مقاومة غيبسون فاتخذت من مفهوم نزوح الانسان نحو مقاومة الإنسان، أو بمعنى أكثر دقة مقاومة الإنسان للرب – الإله – وانتصاره عليه، وهذا يقود لنتيجة يمكن أن تفضح مفادات مغايرة لما قيل عن الفيلم، وما أثير حوله، لنكتشف أن فكرة الفيلم " نيتشوية " تقوم على معنى مباشر هو " موت الرب"، أو " نهاية الإله"، ليصور لنا المخرج مغزى يفيد بأن الفيلم لا يقول التاريخ، ولا يهدف لرواية تاريخية، تعودنا عليها، بل يعيد كتابة التاريخ استنادا على الحاضر، بالفكرة السائدة والمعروفة في الفن، أن يأخذ المؤلف التاريخ ويعيده انتاجه فنيا ليقول به ما يتقاطع مع الحاضر، اي أن نفهم الحاضر من خلال التاريخ.

وهنا تكون " آلام المسيح " معبرة عن المسيح في صورته الجديدة، في حاضرنا، وهو الإنسان الشرقي / العربي، والروماني / المفاوض في الفيلم هو يعطي دلالة الأميركي، الذي لا يريد للمسيح أن يصلب، لكن يريد تأديبه فقط بالجلد، وقد بدا ذلك واضحا في أحد المشاهد بالفليم، وضُرِب المسيح إلى درجة الاقتراب من الموت.

لكن الرسالة الثانية التي يبثها الفيلم، أن عهد الألهة قد انتهى، فقد صلب المسيح مجددا على شاشة السينما بعد قرون طويلة من الصلب الأول، ولن يكون الصلب الثاني، الذي ليس هو الأخير، مجرد صورة مكررة لما حدث، أنه يعني في هذه المرة، بداية لزمن جديد، يكون فيه الإنسان هو السائد والمسيطر على الأشياء في العالم، بديلا لمعتقدات الماضي - ولا ننسى أن الرب يتجسد في الإنسان في المسيحية -  بمعنى أن الأرض سيرثها الإنسان بالدم والرعب، بعد أن قضى على الإله القديم مجددا، وهذا ما يحدث اليوم في واقعنا من سيادة عبر الحروب والدماء والمجاذر التي نشاهدها عبر شاشات التلفاز والسينما. هي بإختصار صورة الزمن الجديد، أن يكون المعادل الموضوعي للألم هو الانتصار، وللدم هو السيادة، وأن تكون الأرض للإنسان..... 

emadblake@hotmail.com

الرأي الأردنية في

26.03.2004

 
 

السيد المسيح

مائة عام على الشاشة

ماجد حبتة

صعب جدا إن لم يكن مستحيلا وضع رقم لفيلم آلام المسيح (الذي أنتجه وأخرجه وشارك في كتابته نجم هوليود الشهير ميل جيبسون) في قائمة الأفلام التي ظهر فيها السيد المسيح، فالقائمة طويلة وظهور السيد المسيح تكرر بشكل يصعب حصره، وكبديل عن ذلك حاول البعض أن يضعه في قائمة زمنية ليقول إنه يأتي بعد مائة عام من ظهور أول فيلم يتناول حياة السيد المسيح قاصدين الفيلم الذي أخرجه فردينان زيكا عام 1904 والذي حمل عنوان "حياة وآلام يسوع المسيح".

ورغم أن الفيلم ظهر في نفس العام ورغم أنه حقق نجاحا يفوق كل الأفلام التي شهدتها بدايات السينما، فإنه لم يكن الفيلم الأول؛ إذ سبقته أفلام أخرى كان أولها بعد أقل من عام من ظهور السينما تحديدا عام 1899، أي قبل 5 سنوات من الأعوام المائة.

تاريخ أفلام المسيح

وسواء كان الظهور الأول للمسيح على شاشة السينما قبل مائة عام أو قبل ذلك بخمسة أعوام فإن ما استطعنا حصره هو 390 فيلما ظهر فيها السيد المسيح، لكن أهم أفلام البدايات كانت "أليس جي" (1906) "حياة المسيح" (1908)، "قبلة يهوذا"، "ميلاد المسيح" (1909)، وفي العام نفسه قدم المخترع الأمريكي توماس أديسون فيلم "نجمة بيت لحم" وبعد 3 أعوام قدم المخرج سيدني أولكوت فيلمه "من المهد إلى الصليب" الذي يمكننا اعتباره أول فيلم سينمائي حقيقي عن حياة السيد المسيح، الشيء الذي يؤكده أن كنائس كثيرة ما زالت تعرضه خلال المناسبات الدينية، إضافة إلى أنه أحد أهم الأفلام التي في قوائم كلاسيكيات السينما العالمية.

بعد ذلك توالت الأعمال التي تتناول سيرة المسيح أو جوانب منها، بينها: "أوراق من كتاب الشيطان" (1922)، لكارل درايير المخرج الدانماركي "بن هور" الفيلم الصامت. وإضافة إلى كل ذلك، هناك أيضا فيلم "ملك الملوك" الصامت للمخرج الأمريكي الشهير سيسل دي ميل صاحب فيلم "الوصايا العشر"، والفيلم الفرنسي "جبل العذاب" (1935) لجوليان دوفافييه ... و...

ومع كثرة هذه الأفلام وإثارة الكثير منها للجدل بدأت الكنيسة تتدخل وتدرس هل تمنع ظهور المسيح على الشاشة أم لا، وهل تقوم بمراجعة الأعمال التي تتناول سيرته قبل عرضها أم بعد العرض.

مواقف كنسية

النقطة الأولى حسمها البابا بولس السادس حين وافق على تصوير "يسوع الناصري" للمخرج فرانكو زيفيريللي وأعلن مباركته لهذا الفيلم (في دولة كمصر لم يعرض إلا في سينما واحدة -رمسيس- ولمدة أيام‏ قليلة تم رفعه بعدها)، والشيء نفسه حدث مع الفيلم الذي أخرجه جوليان دوييه عام 1935. أما النقطة الثانية فرأتها الكنيسة ضرورة ملحة حين ظهرت أفلام أثارت غضب رجال دين مسيحيين كثيرين وأدانتها الكنيسة في الوقت نفسه مثل فيلم "الرداء" لهنري كوستر أو فيلم "بين هور" بنسختيه (أخرج الأولى الأمريكي فريد نيبلو عام 1925 والثانية أخرجها وليم وايلر عام 1959).

كانت هناك أيضا اعتراضات كثيرة على أعمال رأتها الكنيسة تركز على ضخامة الإنتاج والإيرادات دون أن تضع في اعتبارها أي قيم روحية مثل "ملك الملوك الناطق" الذي أخرجه هذه المرة لنيكولاس راي عام 1961 وكانت أبرز الانتقادات التي تم توجيهها لهذا الفيلم هي أنه قدم المسيح على أنه أشقر أزرق العينين (تم عرض الفيلم بالقاهرة في منتصف الستينيات وأحدث جدلا هائلا أدى إلى سحبه من دور العرض بعد أقل من أسبوعين)، و"أكبر قصة لم تخبر بعد" لجورج ستين عام 1965 و"يسوع المسيح سوبر ستار" لنورمان جويزون عام 1973، الذي أخرجه عن المسرحية الغنائية التي حملت الاسم نفسه، وظلت تعرض على مسارح لندن وبرودواي لأكثر من 12 عاما متصلة.

مسيح غير مسيحي!

طبيعي أن نرى مسيحيين يقدمون أفلاما عن السيد المسيح، لكن غير الطبيعي والذي تتصدر سوء النية المشهد فيه هو أن يقوم يهودي ملحد بتقديم فيلم عنه، وهذا ما فعله روبيرتو روسوليني عام 1976 حين قدم فيلم "المسيح"، فقد كان معروفا أن روسوليني يهودي ملحد، وهو الأمر الذي أثار حفيظة المتدينين المسيحيين واليهود على حد سواء، خاصة أنه أظهر المسيح في صور وصفها هنري فاسكييه بقوله: " روسوليني يهودي وأظهر المسيح في صورة باهتة غير قادر على قيادة تلامذته وأتباعه...".

هناك أيضا فيلم المخرج بيار باولو بازوليني الذي أخرجه عام 1964 (قبل عرض هذا الفيلم في مصر اعترضت الكنيسة الكاثوليكية فاكتفت شركة التوزيع بعرضه في نادي السينما‏).   بازوليني أهدى فيلمه المعنون بـ "إنجيل متى" إلى "ذكرى البابا يوحنا الطيبة"، لكنه أثار جدلا لما تضمنه من مشاهد جعلت صورة المسيح تلتصق بالفكر الثوري وبطبقة البروليتاريا في العالم الثالث في سياق رؤية بازوليني الاجتماعية والفكرية كداعية ترتبط دعوته إلى قيم روحية جديدة بالدعوة الاجتماعية إلى تغيير أوضاع الفقراء والبسطاء والمهمشين والبؤساء وسعيهم إلى خلق مجتمع جديد، وهي الآراء التي اعتبرها الأصوليون المسيحيون تحريفا وتشويها لصورة المسيح.

والشيء نفسه تقريبا حدث مع المخرج الإيطالي فيدريكو فيلليني فقد أقام الدنيا كلها، وطالته اتهامات عديدة أدت في النهاية إلى تأخير عرض فيلمه "الحياة حلوة"، وهذا كله بعد أن احتج الفاتيكان على المشهد الأول في الفيلم.

كل ذلك كان في كفة وفيلم "الإغواء الأخير للمسيح" في كفة أخرى، وهو الفيلم الذي أخرجه مارتن سكورسيزي عام 1988 عن رواية لكزانتزاكس، صور فيها المسيح في صورة الإنسان الضعيف أمام شهوات الجسد، ووقت عرض الفيلم قامت جماعات مسيحية بالاعتداء على عدد من دور العرض وانفجرت قنبلة بإحدى دور العرض في باريس، وأقيمت دعاوى قضائية عديدة ضد الفيلم ومخرجه في كثير من الدول بينها بريطانيا التي لم تجز عرض الفيلم بنسخته الكاملة إلا بعد فترة طويلة نسبيا "نظرا للنوايا الطيبة والمخلصة لصاحبه".

وعام (1989) قدم المخرج الفرنسي - الكندي دينيس أركان فيلمه "مسيح مونتريال" وهو عمل بصري أصيل غير مسبوق،  يحاول من خلاله كشف تناقضات ثقافة كاملة وانهيار العلاقات الإنسانية وتفككها في الغرب.

المسيح في صورته الإنجيلية

وإذا جئنا إلى فيلم آلام المسيح لمخرجه ميل جيبسون سنجد أنها المرة الأولى التي يثير فيها فيلم عن المسيح جدلا رغم نقله الصورة المعتمدة كنسيا عن المسيح وآلامه، وإذا كان تاريخ السينما يحفظ لنا أن المنظمات اليهودية ثارت على المخرج الأمريكي ديفيد جريفيث؛ لأن فيلمه الذي تناول أشهر جرائم التعصب في التاريخ ضم مشهدا يصور المسيح وهو يُدقّ بالمسامير في الصليب على أيدي اليهود، إلا أن فيلم جريفث كان أقرب للتسجيلية، إضافة إلى أنه لم يصمد طويلا أمام ضغوط اللوبي اليهودي وضغوط وتهديدات المصالح المالية والصناعية التي تجاوز نطاق تهديدها المخرج ليشمل المؤسسات التي عملت في الفيلم ومن أجازوا عرضه الفيلم و... و... و... والرئيس الأمريكي نفسه، وهكذا...، لم يكتفِ جريفيث بحذف المشهد بل قام بحرقه!!

وهي أيضا المرة الأولى التي يظهر فيها فيلم عن السيد المسيح ناطق بلغات غير حية، ونشير هنا إلى أن المخرج كارل دراير كان يحلم بأن يجعل المسيح يتكلم الآرامية أو العبرية في فيلم يخرجه لكن ذلك لم يتحقق له.

ورغم ذلك أثار جدلا يفوق بمراحل ما أحدثته كل الأفلام التي تناولت حياة المسيح مجتمعة، وتبقى الإشارة إلى أن اللوبي اليهودي الأمريكي النشط الذي حاول جاهدا أن يمنع ظهور الفيلم لم يستطع أن يفعل شيئا غير توفير ميزانية ضخمة كان سيتكبدها ميل جيبسون في الدعاية لفيلمه الذي أخرجه وأنتجه ورفضت الشركات الكبرى في هوليود توزيعه!!

إسلام أنلاين في

27.03.2004

 
 
قائمة بما أمكن حصره من أسماء الذين قاموا بدور المسيح مع عناوين الأفلام
2004/03/27
 
 

إدارة المصنفات في البحرين تتحفظ على »آلام المسيح«

الأيام/ حنان سالم:

تحفظ قسم المصنفات الفنية بوزارة الإعلام على عرض الفيلم الأمريكي »آلام المسيح« الذي يثير جدلا حادا منذ بدء عرضه في دور السينما الأمريكية. وقال مصدر إن أسباب التحفظ على عرض »آلام المسيح« انه يجسد شخصية السيد المسيح وهو ما يتعارض مع الدين. واقترح أحمد العريان صاحب سينما الدانة في البحرين والذي يمتلك حقوق عرض الفيلم، على وزارة الإعلام تشكيل لجنة من المتخصصين في الأمور الشرعية ومن الإعلاميين والبرلمانيين والفنانين لتقييم الفيلم بشكل متعمق وإعطاء الرأي النهائي فيه.

الأيام البحرينية في

30.03.2004

 
 

السؤال الذي يدور في أذهان الأقباط حوله:

الجملة التي أثارت اليهود في فيلم ميل جيبسون عن «آلام المسيح»

روبير الفارس

كانت مغامرة كبيرة بكل المقاييس أن يقوم الفنان ميل جيبسون بتقديم فيلم عن آلام المسيح بعد أن رفضت كل شركات واستوديوهات هوليوود الضخمة إنتاجه وذلك منذ أن قدم الفكرة لهم منذ ما يقرب من 12 عاما وسبب الرفض طبعا معروف وهو سيطرة رأس المال والفكر اليهودي علي هوليوود، وعلي الرغم من هذا قام بالمغامرة وأنتج الفيلم بنفقة وصلت إلي 28 مليون دولار وهو يعلم جيدا أن هناك حالة تربص واصطياد له. وهذا ما كان.

تبدأ أحداث الفيلم كما ذكرت «النيوزويك»، بالسيد المسيح يصلي في بستان جسثيماني ويقترب منه الشيطان ليغريه فيدوس علي رأس الحية، ويبحث عن تلاميذه فيجدهم نياما وبعد أن يوقظهم يأتي اليهود والجنود الرومان ليقضوا عليه ولتستمر محاكمته وتعذيبه ـ وهي المرحلة التي يركز عليها الفيلم بشكل كبير وتأخذ نحو ساعتين من مدة عرضه، حيث يجلد بقسوة ويوضع فوق رأسه إكليل الشوك ويأخذون في تعذيبه والاستهزاء به حتي يتم الصلب.

وفي أثناء محاكمته علي يد بيلاطس البنطي الذي يعرض عليهم ـ وكان من عادته أن يطلق سجينا في كل عيد ـ أن يطلق لهم المسيح أم السجين بارباس، فيصرخون أطلق بارباس وعندما يسألهم ماذا أفعل بالمسيح يصرخون اصلبه، اصلبه، دمه علينا وعلي أولادنا... وهذه الجملة مربط الفرس الذي امتطته المؤسسات الصهيونية لتوجيه تهمة معاداة السامية للفيلم، فجملة «دمه علينا وعلي أولادنا»، تحمل اليهود الآن تبعية دم المسيح، وهم الذين كثيرا ما حاولوا الحصول علي وثيقة لتبرئة ساحتهم من دمه!!

والجملة منقولة بالنص من الإنجيل المقدس.. حيث ردت بعض المنظمات المسيحية والكنائس أنه وإن تم حقا حذف الآية من الفيلم فإن الإنجيل يصرخ بها. وأنه لا خوف من كراهية يبثها الفيلم نحو اليهود فالآية موجودة بالإنجيل ولم يكره المسيحيون في أمريكا اليهود أو يوقفوا تعاملاتهم معهم بسببها. إنها حقيقة تاريخية مؤكدة، وإذا حذفت من الفيلم لن تحذف من الوعي البشري الذي يدرك هذه الحقيقة جيدا.

أما الذي يثيره هذا الفيلم بكل ضجته في نفوس الأقباط فهو هل يمكن أن يعود الزمن الجميل ويتم عرض الفيلم بدور السينما كما حدث من قبل من أفلام قدمتها هوليوود عن حياة السيد المسيح، لعل أشهرها فيلم «ملك الملوك»، وغيره. إنه لا توجد مادة في القانون تمنع عرض الفيلم، فهل تحدث هذه المعجزة.. هذا ما نتمناه وينتظره الأقباط!!  

مجلة القاهرة في

30.03.2004

 
 

ضحية رابعة لفيلم ميل جيبسون "آلام المسيح"

عبدالله الدامون

عبد الله الدامون من الرباط: لقيت امرأة فنزويلية في الحادية والستين من العمر حتفها بعد أزمة قلبية انتابتها خلال مشاهدتها شريط "آلام المسيح". وذكرت مصادر طبية أن الأزمة القلبية التي انتابت "ماري بريكاسا" كانت بسبب "المشاهد القاسية والصعبة" في النصف ساعة الأولى من الفيلم حيث ظهر الجنود الرومانيون وهم يطاردون أتباع المسيح ويعذبونهم.

وكانت المرأة تشاهد الفيلم في قاعة عمومية بالعاصمة الفنزويلية "كاراكاس" رفقة صديقة لها قبل أن تحس ببعض العياء وتخرج من القاعة لاستنشاق بعض الهواء, لكنها انهارت بعد دقائق.

وذكرت صديقة المرأة أنها أحست بآلام في صدرها وضيق في التنفس بمجرد بداية الشريط وقبل أن تنتهي نصف ساعته الأولي بسبب مشاهده الواقعية جدا والمؤثرة.
ولم يستطع الأطباء الفنزويليون إسعاف المرأة بسبب ما أسموه "أزمة قلبية صاعقة".

وهذه هي الضحية الرابعة التي تموت بالسكتة القلبية خلال مشاهدة شريط "آلام المسيح" للمخرج "ميل جيبسون" الذي يحكي الساعات الإثني عشر الأخيرة لقيام اليهود بتعذيبه وصلب المسيح.

وكان اللوبي اليهودي في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية خاض حملة قوية ضد الشريط على اعتبار أنه "يقوي النزعة المعادية لليهود", لكن الفاتيكان أعطى الضوء الأخضر لعرض الفيلم لأن "كل مضامينه صحيحية".

وكان المخرج ميل حيبسون حذف الكثير من المشاهد القوية واضطر إلى تعديل بعضها بضغط من اللوبي اليهودي.

موقع "إيلاف" في

31.03.2004

 
 

سجل أرقاماً قياسية في الإمارات ومصر

جدل في القاهرة حول "آلام المسيح"

بدأ أول امس عرض فيلم “آلام المسيح” للمخرج ميل جيبسون في الامارات وقد شهد زحاماً على شباك التذاكر حيث سجل في يومه الأول 24700 تذكرة، وهو رقم قياسي.. كذلك الأمر في مصر حيث بدأ العرض في نفس اليوم بالقاهرة وسط زحام شديد لم يشهده عرض خاص لفيلم أمريكي من قبل ولأول مرة يتم البدء في العرض التجاري للفيلم في نفس يوم العرض الخاص وقد شهد العرض حضور مجموعة كبيرة من نجوم المجتمع والنقاد الذين جاؤوا قبل بدء الفيلم بفترة وتحاوروا في القضايا والمشكلات التي أثيرت حول الفيلم بدءا من منع عرض عمل فني يجسد حياة أحد الأنبياء ونهاية بانتشار أقراص الكمبيوتر على أرصفه الشوارع.

حول ظهور شخصية السيد المسيح في فيلم سينمائي اجمع القساوسة انه لا يوجد مانع من التعرض لحياة المسيح على اعتبار انه سوف يعرض ما حدث في الواقع وذلك ليصبح قدوة على تحمله كل هذه الآلام والعذابات وفي نفس الوقت أيضا للعظة ونشر روح التضحية بين الناس.

واتفق مع هذا الرأي أيضا مجموعة من النقاد من بينهم طارق الشناوي الذي قال إن حظر تجسيد شخصيات الأنبياء موجود في الدين الإسلامي فقط وليس في أي ديانة أخرى لذلك لا مانع من ذلك.

وبرغم قسوة أحداث ومشاهد الفيلم إلا أن الجميع أشاد بتقنيته العالية وجودته الفنية المبهرة وهو ما أثار انتباه الجميع بعد العرض مثل شريف الشوباشي رئيس مهرجان القاهرة السينمائي، والكتاب والنقاد رفيق الصبان، يوسف شريف رزق الله، ونادر عدلي، ويوسف القعيد، ومنة نفادي ورؤوف توفيق وخيرية البشلاوي والمذيع أسامة منير والمخرج اكرم فريد.

وأكد جميع الحضور على انه لا علاقة بالفيلم بمعاداة السامية كما أشيع من قبل مثلما تم الاعتراض أيضا على إحدى الجمل الواردة فيه: “إن الحاكم الروماني سيغسل يديه من دم المسيح والمسيحيون سيأخذون هذا الدم ليكون علينا وعلى أولادنا من بعد”.

غير أن هذه الجملة لم تترجم بالعربية في هذه النسخة التي عرضت في مصر بينما تمت ترجمتها أثناء عرض الفيلم في الخارج وتم نطقها باللغة الآرامية الناطق بها الفيلم، هذا إلى جانب الإشادة أحيانا والاشمئزاز في أحيان أخرى من العنف الكبير الذي أدخلته هوليوود في أفلامها بشكل عام وفي هذا الفيلم على وجه الخصوص.

الجدير بالذكر أن هذه النسخة للفيلم مستثناة لأنه غير مصرح بعرض اكثر من خمس نسخ فقط ولكن شركة ( efd ) وهي إحدى الشركات التي تقوم بتوزيع الأفلام الأمريكية وقد سبق لها توزيع فيلم “سبايدرمان” بذلت محاولات ضخمة لإمكانية توزيع هذا الفيلم داخل مصر في هذا الوقت على وجه التحديد وليس في شهر مايو/ أيار كعادة عرض الأفلام الأجنبية.

سيتم عرض الفيلم على 8 شاشات عرض ما بين القاهرة والإسكندرية والجدير بالذكر أن الرقابة رفضت اكثر من مرة عرض الفيلم وذلك في العرض الخاص الذي خصصه جابي خوري مدير شركة أفلام مصر العالمية مع أمين عام وزارة الثقافة قبل الدخول في مرحلة النزاع بينه وبين الرقابة على مضمون الفيلم وحضر هذا العرض كل من وزير الثقافة فاروق حسني وجابر عصفور وانتهت هذه النزاعات بصدور قرار وتعليمات من وزارة الثقافة بعدم حذف مشاهد من الفيلم وذلك بعد أن صدر أمر مباشر بعرض الفيلم على مسؤولية الشركة الموزعة ويكفي أن يخصص الفيلم “للكبار فقط”.

ميزانية الفيلم بلغت 28 مليون دولار وقد حقق حتى الآن أربعمائة مليون دولار خارج مصر والمنتظر أن يحقق إيرادات تتجاوز أضعاف هذا المبلغ وذلك لأن مخرجه ميل جيبسون أحكم صنعه متأثرا بكتاب الإنجيل الذي نص على كل هذه الأحداث الواردة في الفيلم من دون مزايدة.

إيرادات الفيلم في مصر توقع لها الجميع ارتفاعا غير طبيعي وربما يحقق ملايين أعلى الإيرادات، فقط الخوف من أن تتأثر إيرادات فيلم “أحلى الأوقات” الذي يعرض في نفس التوقيت في مصر بما حدث في إيرادات هذا الفيلم وهو سبب آخر للتعاقد على الفيلم سرا وسوف يستمر في دور العرض مدة عشرة أسابيع بشكل مبدئي ما لم يجدّ في الأمر جديد.

من جهة أخرى يتدافع مئات الفلسطينيين الذين شدتهم الضجة الاعلامية المحيطة بالفيلم على شراء اقراص منسوخة منه، ولم يكن البعد السياسي غائباً في رغبة البعض في الاراضي المقدسة في مشاهدة الفيلم حيث قالوا انهم شاهدوه تحدياً لوجهة النظر اليهودية وليس لأسباب دينية.

وقال رجال دين مسيحيون ان مجموعة من الشبان تمكنوا من تحميل الفيلم من موقع الكتروني عبر الانترنت ونسخوه على اقراص ليتم بيعها فيما بعد في المحال التجارية والمراكز الدينية والمدارس الخاصة، ولا يجاوز سعر الفيلم “المقرصن” الواحد ما يعادل أربعة دولارات مما يسهل اقتناءه، كما قامت كنائس ومراكز دينية مسيحية بعرضه مجاناً خاصة في منطقتي رام الله وبيت لحم اللتين تقطنهما أغلبية مسيحية.

الخليج الإماراتية في

02.04.2004

 
 

(آلام المسيح) مكدس على أرصفة القاهرة بعد أن نُسخ على أقراص

اليوم/ القاهرة - احمد عبد الفتاح:

فيلم (آلام المسيح) الذي أخرجه ميل جيبسون وأثار ضجة في العالم وما يزال يحقق نجاحاً جماهيرياً في أميركا وأوروبا وكثير من دول العالم ظهر مؤخراً في الشارع المصري لكن بشكل غريب حيث ظهر على سي دي منقول من السينما ومهرب ويباع على الأرصفة ببضع جنيهات وانتشر بشكل كبير على شاشات الكمبيوتر في كل مكان هذا في الوقت الذي كان السؤال فيه مطروحا حول إمكانية عرضه في مصر وجاء التهريب من خلال مافيا سرقة الأفلام ليحسم الأمر. وهذه ليست المرة الأولى التي ينتشر فيها فيلم قبل عرضه وقد حدث ذلك مع كثير من الأفلام العالمية مؤخراً ومع الأفلام المصرية أيضا مثلما حدث مع أفلام (الناظر) تأليف  احمد عبد الله وإخراج شريف عرفة وبطولة علاء ولي الدين و(اللمبي) تأليف احمد عبد الله وإخراج وائل إحسان وبطولة محمد سعد و(أيام السادات) تأليف احمد بهجت وإخراج محمد خان وبطولة احمد زكي  الذي كان منتجا للفيلم أيضا وظل يصرخ مستغيثا من هذه الأزمة كثيرا وكان العرض الخاص لفيلم (أحلى الأوقات) قد شهد في الأسبوع الماضي حالة التخوف التي تسيطر على الفنانين والمنتجين من هذه المافيا عندما توقف عرض الفيلم بعد بدايته لمدة نصف ساعة بسبب الشك في وجود كاميرات تصوير داخل العرض وردد الأمن في الميكروفونات الداخلية تعليمات خروج الكاميرات وتم تفتيش دار العرض لإخراج الكاميرات.. لهذه الدرجة أصبحت مافيا سرقة الأفلام تصيب الفنانين والمنتجين بالذعر وما يزال البحث جاريا عن حل لهذه الأزمة التي تهدد مستقبل السينما في مصر.

اليوم السعودية في

03.04.2004

 
 

زوجان يضربان بعضهما لخلاف حوله

البحرين تفكر في عرض "آلام المسيح" وحملة الكترونية تتهمه بالتبشير

المنامة - فيصل الشيخ، القاهرة - “الخليج”:

بينما تبحث وزارة الإعلام البحرينية السماح بعرض فيلم “آلام المسيح” وذلك بعد ان لمست ردود فعل عبرت عن استغرابها لهذا المنع خاصة مع موافقة عدد من دول الخليج والدول العربية على عرضه في دور السينما، تعرض الفيلم الى حملة هجوم الكترونية تحرض على مقاطعته بحجة انه محاولة للتبشير.

وكان جمال داود مدير المطبوعات والنشر في وزارة الإعلام البحرينية قد أعلن عن منع عرض الفيلم بسبب تجسيده لصور الأنبياء (النبي عيسى عليه السلام) إضافة الى مساسه بالعقيدة الاسلامية.

وأثارت صحيفة “الوسط” البحرينية موضوع منع الفيلم ونقلت بعض احتجاجات المسيحيين البحرينيين على ذلك. من ناحية أخرى، وعلى عكس المتوقع تحولت الشبكة الدولية (الانترنت) الى قنوات لإطلاق حملات الهجوم على الفيلم وتحريض على مقاطعته.

الحملات التي ارتدت عباءة الغيرة على العقيدة الاسلامية لم تخل أيضاً من انعكاسات سياسية تؤشر الى تأجج حالة التعصب لدى البعض وانتعاش جديد لحالة الاحتقان الديني الناتج عن الأزمات السياسية بين شعوب الشرق المسلم وحكومات الغرب.

فالفيلم لدى البعض من مروجي حملة المقاطعة على الانترنت “عمل تبشيري محض” ولم لا وهم ينسبون الى مخرجه ميل جيبسون قولاً نشره أحد المواقع من انه “يثق في كون الفيلم سيثير تعاطف الناس مع السيد المسيح ويدفعهم للمسيحية”.

وتجاوز الأمر ذلك الى اعتبار الفيلم مستهدفاً للتشكيك في نصوص القرآن التي تؤكد ان “المسيح لم يصلب لكنه رفع الى ربه صوناً لقدسية الأنبياء”.

حملات المقاطعة قللت من مؤشرات حالة العداء اليهودي للفيلم.. بل ذهب بعضم للقول بنظرية المؤامرة وانها “تمثيلية” لتمريره بينها، لكن وفي المقابل بدأت تجمعات المصريين من الأقباط والمسلمين على حد سواء في الاحتشاد لمشاهدة الفيلم في قاعات السينما الست التي سيعرض فيها لتتحول الى “ترمومتر” نجاح أو فشل حملات الهجوم على “آلام المسيح”.

وفي ولاية جورجيا الأمريكية تشاجر زوجان بعد ازدياد حدة النقاش بينهما بعد مشاهدة فيلم “آلام السيد المسيح”.

وأسفر الشجار عن تشابكهما بالأيدي مما حدا بالشرطة الى القبض عليهما بعد إبلاغ كل منهما عن الآخر. وطبقا لتقرير الشرطة عانت الزوجة من جروح في وجهها وذراعها، بينما عانى الزوج من طعنة مقص بيده وتمزق قميصه كما أنه على ما يبدو قام بإحداث ثقب في الحائط.  ووجهت الشرطة لهما تهمة التعدي بالضرب الا انه أفرج عنهما بكفالة قدرها ألف دولار. وكان الزوجان قد اختلفا بعد خروجهما من مشاهدة الفيلم حول نقطة لاهوتية.

يقول رئيس قسم الشرطة الذي قام بالقبض على الزوجين إنه شيء مؤسف حقا أن يذهب زوجان الى دور العرض ويتشاجرا بهذا الشكل، وإن ما قاما به يدل على فقدانهما لمعنى الفيلم الحقيقي وهو التسامح حتى مع الأعداء.

الخليج الإماراتية في

03.04.2004

 
 

هوليوود تفشل في مقاطعة ميل جيبسون

فشلت الدعوى التي تزعمتها بعض شركات الإنتاج ذات التمويل اليهودي لمقاطعة النجم الأمريكي ميل جيبسون بعد فيلمه 'آلام المسيح'.. حيث أعلن ريتشارد دونار، مخرج سلسلة أفلام السلاح القاتل بأنه يتمني أن يقبل جيبسون تصوير جزء خامس وأنه سوف يعتذر عن الفيلم في حالة رفض جيبسون له وإسناد البطولة لممثل آخر.. كما أبدي الكاتب الأمريكي بول بيري رغبته الشديدة في أن يكون جيبسون هو بطل الفيلم المأخوذ عن كتابه 'المسيح في مصر' الذي يعد من أكثر الكتب مبيعا في الولايات المتحدة الأمريكية ويتحدث عن سنوات هروب العائلة المقدسة إلي مصر لحماية الصبي الصغير من بطش الرومان. من جهة أخري أعلن المخرج الأمريكي ستيفن سبيبلرج عن عزمه إنتاج فيلم يتناول حكاية 400 يهودي إيطالي نجوا من معسكرات التعذيب يخرجه الإيطالي 'ميمو كالوبرستي' ويتم تصويره في ايطاليا.

03.04.2004

 
 

آلام المسيح"

تحبس أنفاس المشاهدين حتى النهاية

عز الدين الأسواني

لم يحظ فيلم في تاريخ السينما العالمية بهذا القدر من الاهتمام الاعلامي والجدل المثير ، كما حدث ويحدث حتى الان حول فيلم «آلام المسيح» الذي اخرجه وأنتجه «ميل غيبسون» بعد ان رفضت استديوهات هوليوود انتاجه، ولم يحدث على قدر متابعتنا ان خرجت الجماهير راضية كل الرضا عن فيلم سبقته هالات دعائية واعلانية.

وخلافية كماحدث ورأينا هذا الرضا على وجوه من تابعوا «آلام المسيح» فقد اكتظت دور العرض المحلية مساء الثلاثاء الماضي في عرض خاص بأعداد غفيرة من الجمهور فاق كل التوقعات خاصة وان العرض جاء بعيدا عن العطلة الاسبوعية وفي خضم الاعباء اليومية للمتابعين، ويجوز لنا ان نرجع اسباب هذا الاقبال الى الدافع الديني الذي يقف بقوة وراء حالات الترقب على الوجوه قبل دخول صالة العرض.

ومن ثم حالة الصمت المهيب التي سادت فترة العرض لدرجة ان احداً من الجمهور لم يشأ ان يتنفس بصوت عالٍ خشية ان يفسد اجواء المتابعة على الاخرين، لدرجة بدت فيها صالة العرض وكأنها تشهد قداسا او طقسا دينيا بحت، والحق ان الصورة التي اصر «ميل غيبسون» على تقديمها كانت آسرة بكل المقايس.

غير اننا يجب الا ننسى ان جمالية الصورة كانت مرتبطة بمشاعر عاطفية ودينية تجاه النبي عيسى ولا يمكن ان تفصل هذه المشاعر بأي حال من الاحوال عن أية جماليات فنية قدمها الفيلم، وحتى لا ننسى هذه الجماليات قبل تسجيل ملاحظاتنا فنحن نقول ان الموسيقى التي قدمها «جون دييني» كانت مؤثرة ورائعة ومتوافقة مع الصورة .

وتحمل طياتها روحانيات في غاية الرقة، كما ان السيناريو الذي شارك «غيبسون» في كتابته اتاح للمشاهد ولو قليلا ان يخرج عن الصورة الدموية التي سيطرت على الاجواء خصوصا وان المساحة الزمنية التي تدور من خلالها الاحداث ضيقة ولا تتجاوز الساعات الاخيرة من حياة المسيح، لذلك عادت بنا الكاميرا على طريقة «فلاش باك» الى مشاهد لا تتعدى مدتها نصف دقيقة او دقيقة على الاكثر.

وقد راعى «ميل غيبسون» ان يضفي الواقعية على الحدث، خصوصا وانه يتعامل مع نص تاريخي المفترض انه موثق في الكتب الدينية والمراجع التاريخية وقد برع في ذلك من خلال الملابس والديكور والاكسسوارات المستخدمة، وما زاد من واقعية الفيلم انه اعتمد على اللغة اللاتينية والدرامية المطعمتين بالمفردات العربية مكتفيا بالترجمة الانجليزية على الشاشة وبالطبع اللغة العربية في نسختها، ولعلنا نتفق الى ابعد حد مع الآراء المنتقدة للفيلم على انه دموي اكثر من اللازم.

واذا كان عنوان الفيلم يوحي بذلك باعتباره اول المفاتيح المقدمة للمشاهد فان الامعان في ظهور الصورة الدامية ما هو الا مغازلة للمشاعر الدينية لدى المسيحيين مذكرين ان «ميل غيبسون» ينتمي الى الكنيسة الكاثوليكية وهو لا يخفي تشدده لمذهبه وقناعاته الراسخة بمعتقداته في حين ان الكنائس الاخرى قد لا تتفق مع بعض ما طرحه الفيلم.

اما وجهة نظرنا الخاصة والمستمدة من الرؤية الاسلامية فهي ترفض اولا تصوير الانبياء والرسل او تجسيدهم في اعمال فنية، وفيما يخص صلب المسيح فقد جاء في القرآن ما معناه ان المسيح لم يصلب ولكن شبه لهم، والمشهد الاخير من الفيلم يناقض هذا القول، نحن عندما نذكر هذا فذلك لان التاريخ .

والحدث لا يحتمل اكثر من قراءة، من ناحية اخرى الاعمال التاريخية لا تحتمل ايضا ان نمسك العصا من المنتصف لارضاء جميع الاطراف، فقد قيل ان الفيلم يثير العدائية ضد اليهود باعتبارهم السبب في صلب المسيح فيما يذكر البعض الآخر وفي مقدمتهم «ميل غيبسون» وما شاهدناه يعتبر ادانة لا تقبل الشك حتى وان نوه بالمتشددين اليهود «الغربيون» الذين اصروا على عملية الصلب.

ومع هذا يأتينا يهودي ليساعد المسيح في حمل الصليب ويدافع عنه في وجه عسكر الرومان دون ان يتعرض للاذى في حين ان هؤلاء العسكر لا ناقة لهم ولا جمل مع ما فعله المسيح ومع ذلك يمعنون في تعذيبه، الفيلم من ناحية النص عرضة لان تتفق معه او تختلف، اما من ناحية الصورة فلا ننصح بمشاهدته الا للكبار فقط، واذا اردنا النصح اكثر فهو للكبار ما فوق الخامسة والعشرين.

البيان الإماراتية في

04.04.2004

 
 

"آلام المسيح"

دموع تتنزه

حسن النواب

حالي كحال أي متسكع في شوارع بغداد. يمضي قيلولته في سينما رخيصة. هربا من غيظ الحر ومفارز الإنضباطية عندما تنشط بعدة فترة الغداء؟؟ رأيت شتى الأفلام مثلكم طبعا ولا أجد مسوغا من ذكرها. ظل في ذاكرتي ثلاثة أفلام.

الأول شاهدته في عز المراهقة وهو من الأفلام الهندية بعنوان العاشق. أثر بي ذلك الفلم لسبب واحد. فلقد كان البطل عاشقا للخمرة. وقد  أصابني بلعنته الجميلة حتى اللحظة. ذلك أن عشقه للخمرة لم يكن لإجل الإنطلاق. إنما كان لمعاقبة الذات بكل رشفة.

الفلم الثاني هو الفراشة. وكلنا شاهدنا هذا المنلوج المذهل لرجل جل ما فعله هو أنه صاح أنا إنسان. هذا الفلم عرض في سينما سميراميس. وهي صالة تجعل المتسكع يشعر بإحترام نفسه لبداعة تصميمها وتبريدها المنعش. أذكر بعد خروجي من الصالة شاهدت أحد السكارى في المرحاض يرتب ملابسه ويمشط شعره وعندما خرج للشارع صار يصيح بوجوه المارة. تعالوا شاهدوا الحرية في سينما سميراميس. لم تمر سوى شهقات حتى تكالبت عليه الأكف الخشنة. وسحل سحلا والدم ينزف منه على إسفلت الشارع وهو يردد. لعد ليش( عرضتوه ). وكان يقصد فلم الفراشة. بعد يومين مررت على السينما. كانت وجوه العاملين بها فزعة وهي تعرض فلما وثائقيا عن ثورة 17 تموز مع فلم آخر يتحدث عن مسيرة التأميم وحين طالب الجمهور بالفلم الرئيسي للدخول. زعق بهم أحد الذين يرتدون الزيتوني. ( بره. بره. نغووله ).

الفلم الثالث شاهدته هنا في أستراليا وهو ( آلام المسيح ). ذهبت للفلم مع سيدة أسترالية. الواقع أنا الذي دعوتها لمشاهدة الفلم. بيد أن التذاكر كانت من حقيبتها. دخلنا الصالة وهي معتمة وثمة مقاطع لأفلام رخيصة تعرض قبل بداية الفلم. بعد أن تكيفت عيني للعتمة. دهشت أن الصالة تكاد أن تكون فارغة. وعجبت حقا لذلك المشهد.  فالمسيح بأوجاعه حقق أعلى الإيرادات خلال أسبوعين من عرضه. قلت في سري ربما هذه السيدة جاءت بي الى صالة سينما روادها ممن لا يحبون الصليب. وحمدت الله لأني وضعت في جيب بنطالي (ربع ويسكي) للطوارىء. والطوارىء هنا ربما يدق جرس دمي فجأة مطالبا إياي بجرعة من ماء الجنة. ومنذ اللقطة الأولى للفلم عرفت أني سأدخل في جو عاشورائي لا فرار منه. صحيح أني قرأت الكتاب المقدس وتأثرت به. أصحح تأثرت بشعريته الإنسانية العالية. لكن الذي يحدث أمامي هو مجزرة لا يمكن أن أتحملها. تفاقمت الدموع في دهاليز صدري. صرت أتنفس الهواء بصعوبه. بينما سيدتي تشرب الكوكولا بهدوء ساحق وتضع حبات الذرة المشوية في فمها خلسة. كان قدحي من الكوكولا في مكانه وحبات الذرة المشوية صرت أهرسها بين أصابعي. وعيني تتابع بدهشة غريبة مريم العذراء وهي تهرع لولدها الصغير عندما تعثر فجأة في تراب الناس.  فجأة أهدانا المخرج اللعين فسحة من هواء الحرية. حين رأيت المسيح منهمكا في صنع طاولة خشبية. كان مشهدا سحريا بمعنى الكلمة.  وصل ذروته حين دنت العذراء مريم منه لكي تسأله إن كان بحاجة للطعام. دارت الكاميرا تلك اللحظات بذكاء خارق حتى رأيت الماء يطش بحركة نبوية من كف المسيح على وجه أمه العذراء. لم أتردد حينها من تحرير ( ربع الويسكي ) من جيب بنطالي وشربت جرعة كبيرة وأنا أردد همسا. ( إنجويبل ). ( نايس ). بعدها. لم أتمالك نفسي. لم أتمالك نفسي حقا. حين شهدت مشهد التعذيب لهذا العجيب. قرب ساق شجرة مقطوعة.. لم أكن أظن أن الدم سيصل الى وجهي جراء التعذيب. سرحت الى سجن الرضوانية. حيث أدوات التعذيب المعلقة على مشجب. الفرق هنا أن المسيح ليس له حق الإختيار لإداة التعذيب. كلها مرت بمنتهى الوحشية على جسده الطاهر. في حين كنا هناك نختار أداة التعذيب التي تمرح على جسدنا.. الدم سال من شاشة السينما. صار يجري بين الكراسي. أسمع خريره. وهو يصعد على صدري ويغرق رأسي بلجته. وأنا أبكي. أبكي. بنشيج أربك الجمهور. صارت السيدة تربت على كتفي. مرتبكة. صار بكائي عراقيا بمعنى الكلمة.. أعني البكاء المصحوب بكلام مدغوم ومختنق غير مفهوم. مر الإمام الحسين أمامي. مرت المقابر الجماعية. مرت جثث أصدقائي الجنود في السواتر. مر رفاة أبي الذي لم ألحق به إلا ساعة نزوله الى القبر. مر التطبير أمامي وصوت الطبل وقرع الصنوج. اللطم على الوجوه والصدور مر أمامي أيضا. والمسيح يجاهد أن يرفع صليبه الى أعلى الجبل. آه ياربي إمنحني هذه اللحظة قلبا آخر فما عاد قلبي يستوعب هذا الألم. آه ياربي. عيناي تكاد أن تترمد من الدمع. والنصراني مازال يسعى أن يصعد الى الجبل. مع كل خطوة منه . كنت أفقد شيئا من جسدي. هاهو الآن فوق الجبل بمعونة أحد الأنصار. صرخت كفى. (إينوف. إينوف). ورحت ألطم وجهي.. وزجاجة الويسكي تغسل شفتي..

بينما العذراء تحتضن ولدها الجريح وهفهفة قلبها يسمعها العالم بأسره. ودمعتها طرية مازالت على يدي. 

askan13@yahoo.com

موقع "كيكا" في

04.04.2004

 
 

"آلام المسيح" معاناة بلا خيال أو إيحاء

عماد البليك

في الأسبوع الماضي تطرق هذا الناقد الى “آلام المسيح” في مساحة لا تفي الموضوع حقه. مع بدء عرضه في الدول العربية، ومع استمرار اللغط حوله، ووقوف بعض النقاد الغربيين (وبعض النقاد اللبنانيين ايضا) ضده، لابد من إتاحة الفرصة لحديث متكامل عنه.

لون الموت

فيلم ميل جيبسون الجديد يتعامل والساعات الاثنتي عشرة الأخيرة من حياة السيد المسيح على الأرض حسبما ورد في الاناجيل الأربعة ونفاه القرآن الكريم، ولا يتعامل مع اي شيء غير ذلك. وهي ساعات طويلة منهكة ودموية ليس لنبي المحبة فقط، بل للمشاهدين أيضا. ذلك أن “آلام المسيح” يكتنز رغبة التأكيد على المعاناة التي عاشها المسيح حتى النهاية ويقوم بتجسيدها كما وقعت (كسر الممثل جيمس كفيزل كتفه وهو يحمل الصليب). لا تمويه  هنا. لا مداراة ولا تنازلات. جزء من رسالة ميل جيبسون في فيلمه الثالث كمخرج (بعد “قلب الأسد” و”رجل بلا وجه”) هو أن يجسد المعاناة التي أصابت المسيح وما تحمّله من بلاء في سبيل التكفير عن ذنوب البشر. المشكلة هنا هي أن هناك أكثر من طريق لإظهار تلك المعاناة وجيبسون اختار الطريق المباشر والأكثر دموية. اي أمل في تجسيد ما حدث على نحو فني بحت، كما يأمل بعضنا،  يصطدم مباشرة بأن هذا الشكل من العرض يقضم من فن الفيلم ويحوله الى تسجيل لوقائع لا خيال فيه ولا ايحاء. لكن من ناحية أخرى، فإن هذه المباشرة في العرض، هذا التجسيد المباشر، ذلك التسجيل في سرد أحداث الساعات الأخيرة هي ما يريده ميل جيبسون بالتحديد. ولأن الفيلم يجسد هذه الرغبة جيدا وبأمانة فإن جيبسون يملك حرية اختيار وسيلة التعبير وافقنا عليها أو فضلنا عليها وسيلة تعبير أخرى أم لم نفعل.

يستند ميل جيبسون الى الأناجيل الأربعة لسرد ما حدث في تلك الساعات العصيبة. ويبدأ الفيلم به في بستان الزيتون وهو  بتوجهه الى الخالق تعالى يدعوه ويصلي له. انه ليس دعاء رجل مطمئن، بل نبي قلق يدرك الضغينة التي تحيط به ويسأل السكينة في الذات والمعرفة.  هذا يليه زيارة الشيطان (روزاليندا سيلنتانو) له في محاولة يائسة لإغوائه بعيدا عن رسالته كما لو أن دعاءه لم يوفر له الا سبيلا إضافيا لامتحان قدرته على الجلد والصبر. لكن المسيح ينهض عن الأرض وبضربة قدم ثابتة يقضي على الأفعى التي زحفت صوبه فيختفي الشيطان (ليظهر لاحقا في مشاهد متفرقة). هذا الفصل ينتهي بهجوم اليهود على المكان وقتالهم تلامذة المسيح ثم إلقاء القبض عليه وتكبيله وقيادته الى حيث تجمّع الأحبار ليتناقشوا أمره.

الى ذلك الحين، كان قرار مدير التصوير داشل كالِب تصوير الفصل الذي يقع في تلك الحديقة ليلا بلونين: واحد  يسوده الأصفر والبني في المقدمة، وآخر أزرق في الخلفية. إنه اختيار غير مبدع من حيث أنه بات تقليدا لدى الأفلام، بصرف النظر عن أحداثها، تصوير الليل بلون أزرق علما بأنه ليس كذلك مطلقا كما نعلم جميعا. السبب في هذا الاختيار هو أن اللون الليلي على الشاشة يناسب الفيلم الأبيض/ الأسود أكثر مما يناسب الفيلم الملوّن ولو أن هذا لا يعني أن الفيلم الملوّن لا يستطيع حل المعضلة وتقديم ليل موحٍ وسرمدي من دون أن يكون أزرق اللون.

رغم ذلك على هذا الناقد أن يعترف بأن هناك معنى متبلوراً في اختيار مدير التصوير للمشهد الأزرق هنا. انه لون الموت البارد المقبل وما ان يدرك المسيح مصيره حتى يلتزم الصمت معظم الوقت حيال ما يعلم  أن اليهود خططوا له. لقد قرروا قتله وما أمامهم سوى أخذ موافقة ممثل دولة روما  بيلات (الممثل البلقاني خريستو ناوموف شوبوف). لكن هذا غير مقتنع أن التهمة الموجهة الى المسيح (تهمة الهرطقة وادعاء النبوّة) تستوجب القتل وهو يقول للأحبار الذين تجمّعوا في باحة قصره “الى متى ستحكمون على المتهمين بالقتل قبل أن تُحاكموهم”. بناء على ذلك يأمر بمعاقبته جلدا. وهكذا يُساق المسيح الى ميدان تعذيب حيث يربط الى عمود في منتصف بئر (او ما يبدو بئرا مسدودة) وحيث يكيل له جنديان رومانيان رومانيين الضرب المبرح بسياط ذات مسامير وسط ضحك واستهزاء زملائهما وتشفي آمرهما المباشر. ومع أن الأوامر الصادرة كانت معاقبته بحدود،  الا أن  المسيح تعرّض الى تعذيب دموي عنيف وموجع الى أن تدخل رئيس الجند لإنقاذه.

حين يُعاد المسيح الى بيلات يحاول مجددا إنقاذ حياته عبر ثلاث وسائل: إقناع اليهود بالتخلي عن دعواهم بقتل المسيح، وعبر سؤال المسيح الدفاع عن نفسه ثم عبر تخيير اليهود العفو عن المسيح وتنفيذ حكم الإعدام بالشرير المارق باراباس (بدرو ساروبي)، لكن مساعي بيلات الطيّبة تصطدم أولا باستعداد المسيح للتضحية بنفسه وثانيا برفض اليهود اي مساومة. حينها يغسل يديه من دم المسيح تاركا مصيره رهن اليهود الحانقين ذوي القلوب المسودّة (الفيلم).

المشهد دال على درجة الضغينة العالية لدى اليهود. كل ذلك الصريخ المدوي المطالب بموت المسيح والرافض لأي تنازلات من جانبهم. كل ذلك التعنت والحقد وهيمنة الأحبار على الجموع، وتأييد هؤلاء لقراراتهم لا يُنسى.

التبرير

في حين أن أفلام المسيح السابقة، بدون استثناء، عولجت تبعا لعناصر وضرورات السرد المختار للموضوع، يصر جيبسون على سرد ملتزم بالزمن القريب من ذلك الذي وقعت فيه الأحداث. الفيلم عن الساعات الاثنتي عشرة الأخيرة، ولو أنه لا يستغرق اثنتي عشرة ساعة لكي يرويها، الا أنه يستنفد فصوله في منحى تطويلي مجسّم. جلد المسيح على أيدي الجنود الروم في الساحة يدوم أكثر من خمس عشرة دقيقة. أي فيلم آخر كان اكتفى بثلاث منها لو أراد. ومسيرة المسيح الى الصليب تستغرق نحو 20 دقيقة، بينما مخرج آخر كان يمكن له أن يصوّرها كلها، مع كل ما قد يحدث خلال تلك المسيرة، في خمس او سبع دقائق. لكن هم جيبسون هو الإشعار بضراوة التعذيب والبذل في المقابل.

يختلف عن كل الأفلام الأخرى التي اقتربت من مفهوم التضحية بالجسد بأنه يُلغي الإيحاء باعتماد الصورة المباشرة. المسمار يغرز (بالطبع يبدو يغرز) عوض أن نرى ما يرمز الى ذلك،  والجسد يتمزق نتفا بدل الاكتفاء بأثر السوط. وهو لا يشح بوجهه من كثرته، بل يصب الكاميرا عليه والى حد أن المرء يكتفي وبعد ذلك لا يتقدم كثيرا في قبوله. كل تلك السقطات على طريق الموت ثم الوقوف ثم السقوط والوقوف ثانية وتكرار ذلك تحت السياط تنال من المشاهد على نحو آو آخر. ما لم يرق لهذا الناقد هو غياب المبرر الدرامي عن الجلاّدين الرومان.  ما نراه هو عنفهم وساديتهم ووحشيتهم. ما هو غائب (وليس من باب الإيحاء او الرمز) هو لماذا كان عليهم ممارسة كل هذا القدر من الوحشية وعصيان الأوامر في ذلك؟ البعض أجاب بأن هذا ما حدث بالفعل، لكن الجواب عن هذا الجواب هو أن الطرح هنا لا يسأل اذا ما كان هذا واردا، انما ينتقد عدم إظهار السبب.

الجوانب الفنية

تحت سطح ما نرى هناك تجاذب بناء ما بين ميل جيبسون وموضوعه. النهاية واضحة منذ البداية. الساعات المختارة من السيد المسيح هي الأخيرة، والفيلم من أوله -على افتراض أن الداخل إليه لا يعرف كيف سيتجه الفيلم به- واضح في الخاتمة التي سينتهي اليها.  المسيح سيصلب. يبقى الطريقة وفي هذه الناحية تكمن براعة المخرج في تحويل النظر عن المتوقع وحشد الاهتمام بما ينتشر على طريقه وصولا الى النهاية. هذه لغة سينمائية مثيرة على أكثر من صعيد. كيف سرد المخرج فيلما مُتوقعا ومعروفا أهم من علم الناس بالحكاية. فإلى جانب المضمون الديني الذي سبق الحديث عنه، هناك ثراء في الوسيلة المستخدمة للتعبير عن ذلك المضمون وعن اي من أبعاده. المُشاهد ليس حياديا هنا. لا يمكن أن يكون. ليس  فقط لأن بطل الفيلم نبي من أنبياء الله ونحن معهم (نبحث عنهم في دنيانا اليوم) بل الأهم لأن الكاميرا تقوم بصفة المتكلم. الحركة التي تبتدعها تؤلِّف الإضافة الفكرية والحسيّة على الوجدان. لذلك ليست هناك حركة كاميرا مجانية ولا الفيلم خال من الإبداع ولو أن المشاهد لن يجد أمثلة من نوع نافر او بارز. السبب في أنه لا يجد مثالا فنيا او تعبيريا نافرا يمكن معه القول أن فيلم جيبسون عمل فني كبير، يعود الى أن المخرج اختار أن يشد المشاهد الى ما يدور. يمحي المسافة.  في أفلام أخرى عن المسيح هناك دوما الفاصل بين موقع الحدث وموقع العين. الجذب العاطفي ناتج عن تأييد الموضوع. أما هو فناتج عن طريقة صبّ الموضوع في كيان المشاهد. الطريقة التي تعامل فيها جيبسون مع مدير تصويره وفهمهما لكيف ستقوم الكاميرا بتصوير الفيلم كله هما السبب في ذلك.

البداية

اللقطة الأولى في المشهد الأول للكاميرا من زاوية عليا - أعلى قليلا من القامة. الكاميرا تهبط على “ونش” تدريجيا وتتقدم متابعة المسيح وهو يسير في ظلمة الليل بين أشكال غير واضحة. ظلال لأشجار وبيوت وشخوص. المشهد كله غامض وثمة ضباب. ونور ساطع في الوسط. عمود من نور إلهي حيث يجثو المسيح وسط البستان. التعامل مع الكاميرا. ليس هناك من قطع ظاهر، لكن تتخلل الحركة لقطات مأخوذة بكاميرا ستدكام محمولة. الذي حدث هنا هو أن المصوّر حمل وصوّر بكاميرا ستدكام بينما كان “الونش” يهبط به والسبب الوحيد الذي قد يدفع مخرجا لاستبدال كاميرا ثابتة بكاميرا ستدكام على “ونش” هو خلق هذا الحس بعدم الاستقرار وهو ما ينجزه هذا المشهد الأول.

ومن الدقة بمكان ملاحظة أنه بينما كان يمكن  الطلب من مصوّر الستدكام (روبرت دي أنجيليس) أن يتقدم من خلف الممثل جيمس كفيزل ثم يدور نصف دائرة لكي نتعرّف إلى المسيح في لقطة مواجهة. لكن ما حدث، وما لابد أن ميل انتبه إليه، هو انه ما ان تصبح الكاميرا وراء الممثل حتى يفهم المُشاهد أن هذا الرجل هو المسيح. لذلك لا داعي لوجهه.

ميل في كل ذلك ناجح في اختيار الوجوه بمعنى اختيار الممثلين ذوي الوجوه المميّزة، حتى في المشاهد التي تتطلب ممثلين- مجاميع، حين تقطع الكاميرا الى بعضهم لضرورات التنويع، فإن من تختارهم يبرزون بين ذويهم. ليس هناك الممثل الذي يحرّك رأسه تقليديا او اثنان ينظران الى بعضهما البعض ويهزان رأسيهما بالموافقة. كل من نراهم ممعن في دوره. يعيش الحالة والزمن ويجرنا معه الى الحالة والزمن شأنه في ذلك شأن باقي عناصر المعالجة.

الخليج الإماراتية في

04.04.2004

 
 

"آلام المسيح" والبشر

الخليج/ عمر شبانه

استطاع المخرج ميل جبسون أن يسقينا “آلام المسيح” بجرعات متتالية ومكثفة على مدى يزيد على ساعتين، يسقينا عذابات لا مثيل لها في ما تحيل إليه من قسوة البشر ووحشيتهم. لا أتعرض هنا إلى ما يريده الفيلم على المستوى الديني، فهذه مسألة قيل فيها الكثير، لكنني اقرأ المشهد البصري القاسي كما نقلته الكاميرا ببطء، لأرى ما الذي يجعل الجلاد على هذه الدرجة من الوحشية والدموية، سواء كان تجاه المسيح أو تجاه أي إنسان.

الفيلم يجسد الوحشية كما تمثلت في عقلية الحاخامات الذين أصروا على صلب المسيح بدعوى انه سيهدم الهيكل، وتنتقل الوحشية من هؤلاء إلى الجلادين بمجرد أن تبدأ عملية التعذيب، رغم إننا لا نعلم ما مصلحة هؤلاء الجنود الرومانيين في تعذيب المسيح، لكن ما يجري بعد ذلك من دخولهم في حالة عالية الوحشية يبدو مبررا ومفهوما إلى فهمنا الحالة النفسية والعصبية للجلاد حين يشاهد الدم.

يبدأ الجلاد عمله موظفاً أو دوراً يقوم به مكلفا من السلطة، لكن هذا الجلاد سرعان ما يندغم في دوره هذا ووظيفته، فلا يعود موظفاً، بل يغدو هو الدور نفسه. يغدو هو وعملية التعذيب كيانا موحدا.

المخرج اختار تكثيف القسوة على حساب المستوى الفني للعمل، ومع ذلك فنحن نشهد في هذا القسوة ما يمكن اعتباره “تفنناً” في اجتراح طابعها الأشد عنفا حتى إن المشاهد لابد أن يشيح بوجهه وعينيه عن بعض المشاهد، وهي قسوة مقصودة لذاتها في بعض الأحيان.

يقول الفيلم إن شيئا في الحياة لا يستحق كل هذه القسوة، ومع ذلك فانظروا كيف يتحول الإنسان إلى وحش، أو يستخرج كل ذلك القدر من الوحشية من داخله في مواقف معينة، فلا يعود هو نفسه الذي قد يكون رب عائلة ولديه أطفال وزوجه يقبلهم قبل خروجه إلى العمل. لكن الفيلم اختار الابتعاد عن هذه المنطقة الإنسانية في الجلاد، وتركه عاريا أمام وحشية تكاد تكون عدمية، بل هي عدمية فعلا.

ما رأيته في الفيلم ليس آلام المسيح فقط، وربما ليس آلام المسيح على الإطلاق، رأيت آلام الإنسان أينما كان. ورأيت آلامي وآلام شعب يعذب يوميا بوحشية لا مثيل لها. ولا يعنيني من هو الذي يعذب المسيح في الفيلم، ولماذا؟ هل هو معاد للسامية أم لا؟

الخليج الإماراتية في

05.04.2004

 
 

في أحدث تصريحاته الصحفية:

ميل غيبسون: غير نادم على "آلام المسيح" وأستعد لفيلم آخر

اكد الفنان ميل جبسون ان كثرة المشاهد الدموية في فيلم »آلام المسيح« ضرورية لتحريك المشاعر الانسانية. واضاف في احدث تصريحاته الصحفية لمجلة »نصف الدنيا« حول الحالة الروحية التي انتابته وشجعته لانتاج الفيلم:

- نعم هذا صحيح ولست الوحيد الذي يمر بمثل هذه الأزمات، فكل انسان يأتي عليه وقت يشعر بأن الدنيا واللهاث وراءها قد اخذه ويبدأ في مراجعة نفسه وتطبيب روحه وهذا حدث معي منذ 12 عاما وكنت تعيسا جدا ولم ينقذني من تعاستي سوى علاقتي الدينية.

·         وماذا عن الدموية والعنف المبالغ فيه في الفيلم؟

- مرة اخرى اكرر انني التزمت بنصوص »الكتاب المقدس« كما تحدثت كثيرا مع رجال الدين، وصلب المسيح في العقيدة المسيحية هو لخلاص الانسان من خطاياه و كان من الضروري ان المس مشاعر الناس وان اضطررت لتجسيد العنف والدم بهذه الصورة، وهذا هو حال السينما.

·     في الخمسينات والستينيات من القرن الماضي كانت هناك افلام مبنية على نصوص »الكتاب المقدس« وأنتجتها استوديوهات يملكها يهود مثل »ملك الملوك«و» اعظم قصة في التاريخ« وغيرها من الافلام ومع ذلك لم يهاجمها احد مثلما هاجم الناس فيلمك حتى قبل ان يروه.. ما تفسيرك؟

- فعلا انا لست ادري وهو امر غريب للغاية واول مرة ارى هذا الغضب والتحفز الذي بدأ حتى قبل ان انتهي من التصوير وقد كانت الفترة الاخيرة عصيبة بالنسبة لي. ولكن ما زلت اؤكد ان الهدف من فيلمي هو ابراز قصة وآلام ورسالة المسيح وليس القاء اللوم على احد او طائفة في مسألة صلبه، فكلنا في اعتقادي قتلناه.

·         هل صحيح ما سمعناه على لسانك بأنك قد لا تعمل بعد هذا الفيلم ولا تهتم ان تعمل؟

- يضحك قائلا: اعتقد انني كنت مازحا في هذا.

·         كان تجسيد السيدة مريم المجدلية بديعا تحت توجيهك، فما دور المرأة في حياتك خاصة زوجتك وابنتك الكبرى؟

- انا سعيد انك ذكرت دور المرأة في حياتي وانا ارى ان المرأة هي صانعة السلام في الحياة وانها مصدر العاطفة والدفء، وقد كانت عبر التاريخ هي الأم والحنان وهكذا احب ان اصورها في افلامي واعتقد انها عاطفيا وروحيا تعلو الرجل بدرجات.

·         وابناؤك السبعة وعلاقتك بهم؟

- مع ابنائي الثلاثة الكبار كنت اميل الى الحزم والقسوة في احيان كثيرة وقد تداركت هذا مع باقي »القبيلة« واعتقد ان الاب والام يتعلمان كثيرا في مجال تربيتهما للابناء وهو ان يتناسيا الذاتية وحب النفس ويؤثرا الابناء على نفسيهما وبشكل عام تربطني صلة وثيقة بأبنائي.

·         هل صحيح انك تدخلت في كتابة الفيلم؟

- لا ليس صحيحا فهناك فرق بين الكتابة والتعديل والتحرير وهذا استغرق 5 اشهر وحدث ملايين المرات وانا لا امل من الاعادة والتجويد واذكر انني في العرض الخاص كدت ان اضرب رأسي في الحائط لانني اردت المزيد من الاعادة والتجويد فهي عملية لا نهائية بالنسبة الي.

·         لقد حقق فيلمك ايرادات خيالية وقيل انك تبرعت برقم كبير للاغراض الخيرية؟

- انا لا اتحدث عن هذه الامور واعتقد انها علاقة خاصة بيني بين ربي، ويكفي ان هناك الالسنة والاقلام التي تقوم بالكتابة والتحدث في هذا الشأن بما فيه الكفاية!

·         وما رؤيتك لاصحاب الديانات الاخرى الذين سيشاهدون فيلما يخالف عقيدتهم؟

- انا احترم كل انسان بصرف النظر عن عقيدته وكما قلت:" انا لست ضد السامية او اية ديانة اخرى واعتقد ان رسالة المسيح كانت ضد العنصرية وهذا ما نتعلمه في الكنيسة واعتقد ان الانسان العنصري انسان غبي.

·     هناك سؤال مهم: في السنوات الاخيرة قدمت فيلمي »كنا جنودا« و»علامات« وفيهما خط ديني واضح والآن تقدم هذا الفيلم... هل انتهى عصر ميل جيبسون في التمثيل الترفيهي؟

- لن احصر نفسي في اي قالب ولا اعلم ما يخفيه لي المستقبل ولكن بالتأكيد لست انوي ان اتوقف عن انواع الانواع الاخرى.

·     الجميع كان منبهرا باختيارك للممثل جيم كافيزيل وملاءمته لدور شخصية المسيح.. هل كان هو الاختيار الاول ام سبقه آخرون حتى استقر الرأي عليه؟

- اذكر انني رأيت فيلم »خط احمر رفيع« ولفت نظري بوجهه النقي البرئ واحسست ان بداخله طفلا به بساطة ونقاء وايضا قوة ولم اتردد كثيرا في اختياره وكان الامر كذلك مع اختيار بقية الممثلين والممثلات.

الدستور الأردنية في

05.04.2004

 
 

"آلام المسيح"

تستطيع أن تراه مرة أو أكثر.. لكنه مؤلم

خالد الرويعي/ مي الياس

منذ فيلم »القلب المقدس« وصولاً بـ»آلام المسيح« يركز ميل جيبسون مخرج الفيلمين على فكرة مهمة ألا وهي المعنى الحقيقي لمفهوم الحرية واحترام الآخر، فالمشاهد لفيلم »آلام المسيح« سيدرك تماماً ذلك.

الفيلم الذي مازال يثير ضجة من الأفلام التي تستحق أن تشاهد فعلاً، فهو مصنوع بحرفية قل أن تجدها في أفلام من هذا النوع، الفيلم يخاطب الحس الانساني والمتركز في خاصية التأثير، فمشاهد التعذيب والجلد والتي تأخذ حيزاً ليس بالبسيط من الفيلم تتوجه إلى جذب المشاهد وادخاله في كل ما مس سيدنا المسيح عليه السلام من صنوف التعذيب الجسدي، وهذه المشاهد تأخذك حتى لا يكون لك أن تلتفت.. هذه المشاهد بالذات ضرورية بما فيها التأثير الموسيقي.

وما يجعل المشاهد متأثراً بهذا كله هو العنصر الدرامي في الموضوع وهو مبرر استدعاد الذاكرة لطفولة المسيح من جانب ومرافقة الحواريين له في انحاء متفرقة وخصوصا من خلال العشاء الأخير والذي استخدم فيه المخرج المونتاج بشكل دقيق واسقاطه على حاضر التعذيب.. الفيلم قاس جداً وهذا مبرر بشكل كاف في الفيلم، ومن سيشاهده سيدرك بالفعل معنى الصدمات القلبية أو الدماغية التي نسمع عنها خصوصا اذا ما كان هذا الشخص المصدوم متعلقاً أيما تعلق بشخصية سيدنا المسيح عليه السلام.أ يضا.. من خلال السطور التالية نقرأ ماكتبته الكاتبة مي الياس من تورونتو بأمريكا. 

خالد الرويعي

 

كان من المفترض أن أحضر الفيلم خلال عرضه الخاص بالنقاد، لكن لانشغالي لم اتمكن من ذلك٫ وعندما نزل إلى صالات العرض لم أقاوم فضولي لأرى هذا الفيلم الذي شغل العالم وتصدرت أخباره نشرات الأخبار والصفحات الأولى لاكبر واهم الجرائد والمجلات في العالم٫ في العادة لا احبذ ان اذهب لحضور فيلم يوم الافتتاح بسبب الزحمة والطوابير على شباك التذاكر، و لكنني قررت ان اكسر عادتي في هذا اليوم واخترت عرض الساعة الرابعة متأملة ان يكون اقل ازدحاماً، وهو اول عرض للفيلم.

وصلت في الرابعة الا عشر دقائق إلى مسرح زباراماونت فيموس بلايرزس وسط مدينة تورونتو وهو احد افضل المسارح واكثرها حركة وازدحاماً. ولدهشتي لم اجد سوى ثلاثة او اربعة اشخاص يقفون قبلي على شباك التذاكر، هل يعقل ذلك؟

قطعت تذكرتي وتسلقت السلم الكهربائي للمسرح رقم (2) وفوجئت عند دخولي بأن القاعة ممتلئة بالكامل٫ بحثت لي عن مقعد بين الجمهور وجلست. تطلعت حولي أقيس نوعية الحضور فوجدتهم من جميع الأعمار وجميع الجنسيات، امامي كان يجلس بضعة يهود ميزتهم من لغتهم طبعاً، وعلى يميني مراهق بملابسه الرياضية وعلى يساري امراة آسيوية وزوجها٫ لم أرَ منذ حضوري الى تورنتو منذ عام ونيف قاعة السينما ممتلئة بهذا الشكل في عرض الساعة الرابعة بعد الظهر. انتهت فقرة الدعايات وبدأ الفيلم الذي يحكي قصة اخر ٢١ ساعة في حياة المسيح، حبس الجميع انفاسهم وساد القاعة صمت تام.

كان الفيلم غير كل الافلام التي شاهدتها من قبل والتي تناولت سيرة السيد المسيح كنبي ومصلح اجتماعي، صورته مختلفة وطريقة التناول مختلفة، فهذا العمل لا يسرد قصة حياة نبي وانتهى٫ انه يتناول جوهر الديانة المسيحية المبنية على مبدأ صلب المسيح من خلال تناوله للساعات الاخيرة من حياته »هذه الساعات هي الاهم والاكثر تأثيرا في حياة المسيح لذلك اخترت ان احصر فيلمي بها« هكذا اجاب جيبسون على تساؤل دايان سوير في لقاء بث في الاسبوع الذي سبق عرض الفيلم.

كان هذا السؤال بسبب الانتقادات التي وجهت لسيناريو الفيلم بأنه ناقص ولم يوضح للمشاهد من هو المسيح، ماذا فعل في حياته حتى وصل الى هذه اللحظة، ما سبب قيام اليهود عليه وما سبب صلب الرومان له٫ اصر جيبسون بانه غير معني في تقديم سيرة ذاتية للمسيح فمن يرغب بالتعرف على المسيح يمكنه ان يشاهد الافلام السابقة او ان يقرأ الانجيل »انا اقدم عملا برؤية محددة، اريد للعالم ان يدرك ما عاناه المسيح، ان يستوعب حجم التضحية، اردت ان اصدمهم«.

من يعيش في تورونتو ويركب مترو الانفاق يعلم جيدا ان سكان هذه المدينة يقتلون الوقت بقراءة الكتب في المترو، ولمن يتابع عنواين ما يقرأون يجد انها في الغالب كتب لافلام نالت شعبية واسعة مؤخرا ، فمن اكثر الكتب رواجا لدى قراء المترو »هاري بوتر« او »لورد اوف ذي رنغز« الخ، بالأمس صادفت اكثر من شخص في المترو يقرأ الانجيل، اذن نجح ميل جبسون في دفع الناس للعودة الى الانجيل للمطابقة بين ما هو مكتوب وما نقل على الشاشة، ويعد هذا جوابا واقعيا على كل منتقدي سيناريو هذا العمل، وتفسيرا لحماسة الكنيستين الكاثوليكية والانجليكية في دعم الفيلم وصانعه والترويج له ، حتى خصصت له مواقع على الانترنت تروج له، وقامت الكنائس بطبع بوسترات خاصة به وكتيبات وتوزيعها على الناس في كل مكان، فهذا الفيلم في نظر الكنيسة اكبر اداة دعائية لنشر المسيحية في عصرنا الحديث.

من يشاهد العمل سيتوقف عند 3 نقاط مهمة في الفيلم:

النقطة الاولى: كمية العنف وقسوة التعذيب ، فهناك مشهد لجلد المسيح طال حتى شعرت بان صدري ينطبق على ظهري ولم اعد اقوى على التنفس من شدة الضيق، اعتقد ان هذا المشهد استمر بين عشرين الى ثلاثين دقيقة، بدأ بجلد المسيح بالسياط العادية على ظهره ، ثم استبدال السياط العادية بسياط تحوي قطع معدنية وفي احدى اللقطات الاكثر قسوة في الفيلم تشاهد القطع المعدنية تنغرز في خاصرة المسيح وتنزع جزءا من جلده، لا اعتقد ان احدا في صالة العرض لم يصرخ استنكارا والماً امام هذه اللقطة٫ فبعد ان يتمزق ظهره تماما يأيمر القائد الروماني جلاديه »ان يقلبوه« على ظهره ليتم جلده على البطن والساقين ويستمر مشهد القسوة.

الفيلم بمجمله على هذا النسق من العنف »الفيلم قاس ويصدم ان كنت لا تحتمل ذلك لا تذهب لمشاهدته« هكذا اجاب على سؤال دايان سوير عن كمية العنف والمغالاة فيها »اردته للعالم ان يدركوا حجم الالم والتضحية، هذه هي حقيقة الصلب على الطريقة الرومانية، ان لم تشاهده كما كان يحدث لن تتمكن من تقدير حجم التضحية والشجاعة التي تحلى بها المسيح ليعرض نفسه لهذه الكمية من الالم لاجلنا ليفدينا«.

وفي مقابلة لباحثة انجيلية على احد المحطات الكندية قامت بعرض بعض اللوحات التاريخية التي تصور طقوس الصلب الرومانية والتي كانت وسيلة الرومان في معاقبة خصومهم السياسيين، وقالت بأن جيبسون كان دقيقا في تصويره، فاحدى الصور التي عرضتها تصور الملائكة وهي تجمع اشلاء المسيح عن الارض.

ومشاهدة اتصلت وذكرت انها تشاهد كل عام ليلة جمعة الالام تمثيلية الكنيسة لصلب المسيح لكنها لم تتأثر بها كما أثر بها الفيلم بعد مشاهدته، ميل جبسون جعلني ادرك تماما حجم التضحية. وهذه المشاهد بالذات جعلت احد المشاهدين يعلق لكاميرا التلفزيون الفيلم يجعلك تكره الرومان اكثر من اليهود. بينما انتشر الرعب بين الجمهور اليهودي بعد ان شاهد الفيلم خوفا من تأثيره على المشاهد المتعصب وخصوصا في اوروبا حيث نشطت في السنوات الاخيرة .

مجددا حركات معادية للسامية

ورغم ان كل من شاهد الفيلم اكد انه لم يشعر بالكراهية لليهود وانه يصور تاريخا معروفا ولا داعي لكل هذا الهلع والمبالغة، الا ان وجهات النظر اليهودية التي تملأ شاشات التلفزيون هذه الايام تصر ان الخوف ليس من كندا واميركا وانما من اوروبا، التي لم يبدأ عرض الفيلم فيها حتى الان٫

وكان اليهود قبل عرض الفيلم قد طالبوا جيبسون بحذف مشهد يقول فيه القائد الفريسي لبيلاطس »اصلبه دمه علينا وعلى اولادنا«. وعندما واجهت دايان سوير جيبسون بوجهة النظر هذه اجابها جيبسون »لم اخترع شيئا، فيلمي مبني على الانجيل وهذا مذكور في الانجيل«، اجابته في مداخلة ولكنها جملة واحدة اذا كانت ستشتري لك راحة البال لم لا تحذفها؟ فأجاب »إذا حذفتها سأكون كمن يعترف بأن الفيلم كان فعلا معاديا للسامية وان به خلل، وهذا ليس صحيح، الهدف من هذا العمل ابراز حجم التضحية وليس توجيه اصابع الاتهام لأحد«. والمثير في الامر ان التغطية الاعلامية في اميركا لهذا الفيلم تذكرني بالتغطية الاعلامية لحرب العراق، مراسلون في كل ولاية ورسائل اخبارية ، وحلقات نقاش، ساعات كاملة من البث تخصص يوميا لرصد ردود الافعال بين كل شرائح المجتمع. ولليهود حصة الاسد كالعادة، وبالامس شاهدت اعلانا لـ» دي في دي« نزل جديدا للاسواق وضحكت كما لم اضحك »شاندلر.. ليست متوفر الان في الاسواق« ولمن لم يشاهد هذا الفيلم الذي اخرجه وانتجه ستيفن سبيلبرغ عام ٣٩، نقول بأنه فيلم يحكي قصة الهولوكوست او المجازر التي ارتكبت في اوروبا ضد اليهود في معسكرات الاعتقال٫ فهي اذن آلية الاعلام اليهودي تتحرك لتذكر العالم وتحيي عقدة الذنب تجاه مآسيهم.

النقطة الثانية: تصوير ميل جبسون للشيطان بشكل امرأة حليقة الوجه والشعر بالكامل لها صوت رجل »اردته ان يكون جذاباً ومخيفا، رجولي وفي نفس الوقت انثوي، شيء عندما يأتيك لن يكون بالضرورة حاملا قطعة تقرأ .. انا الشر«. بنظر البعض، هناك بعض المشاهد التي اتسمت بالسذاجة واقتربت من افلام الرعب الهوليوودية خصوصا في المشاهد التي يبدأ فيها يهوذا الاسخريوطي بالهذيان الذي يقرب الجنون قبل ان يشنق نفسه على شجرة. ربما يقارن هؤلاء بين صورة جيبسون الحديثة والتكنولوجيا التي وظفها في فليمه ولم تكن متوفرة لأفلام سابقة، صورة انطبعت في عقلنا الباطن للشيطان.

النقطة الثالثة: اللغة المستخدمة في العمل، فجيبسون اختار ان تكون لغة الحوار »الارامية القديمة« لغة المسيح في وقتها والتي تقترب من العبرية مع بعض الكلمات العربية يمكن تمييزها بصعوبة خلال مشاهدة الفيلم الذي تمت ترجمته الى الانجليزية٫ ورغم دفاع جيبسون عن وجهة نظره في انه اراد للفيلم ان يقترب من الواقع وان يحكي بلغة المسيح الاصلية الا انني وجدت الامر مزعجا وخصوصا ان هناك بعض المشاهد تختفي فيها الترجمه والممثلون يصرخون وتحاورون وانت تجلس لا تعي شيئا٫ وفي معرض نقاشي حول هذا الامر مع بعض الزملاء، قالوا ان الحوار ليس مهما في هذا الفيلم فهو فيلم »غرافيكي« اي انه معتمد على الصورة وقوتها اكثر من اعتماده على الحوار ووجدتني اميل لوجهة نظرهم مع بعض التحفظ٫ خصوصا ان بعض الخبراء اشاروا الى ان نطق الممثلون للغة لم يكن سليما٫

مشاهد الفلاش باك كانت اجمل ما ميز العمل فهي تجعلك طرفا في تخيل ما كان يدور في رأس المسيح خلال هذه المسيرة القاسية، وطريقة الانتقال التي اختارها جيبسون من الحاضر للماضي البعيد او القريب كانت دائما تحفزها صور مشابهة يراها خلال مسيرة صلبه، ويمكن اجملها مشهد سقوطه ارضا اما والدته التي تراقب كل ما يدور وتهرع اليه ونشاهده يسقط طفلا وتركض مريم ونبقى نتنقل بين الحاضر والماضي حتى تحتضنه وتخضب وجهها بدماءه، السيدة التي كانت تجلس بجواري لم تتمكن من السيطرة على نفسها وبدأت تنتحب كذلك كان حال معظم الحضور٫

الموسيقى التصويرية والاضاءة والكادرات كانوا في منتهى الروعة، هناك مشاهد يجب ان تدرس في معاهد السينما كالمشهد الذي يترنح فيه المسيح ممسكا بيد الشاب اليهودي الذي يساعده على حمل الصليب، جسمه يدور في الفضاء وجهه الى السماء والكاميرا تأتي من منظاره يشاهد وجوه من حوله في حال شبه لاوعي بمصاحبة الموسيقى التي جعلت من هذه اللقطة كأنها لوحه باليه كلاسيكية٫ ميل جيبسون كمخرج تفوق على نفسه فنيا في هذا العمل، وبغض النظر عن وجهات النظر المتضاربة حول هذا العمل، اعتقد ان الفيلم يستحق المشاهدة حتى لو لم تكن لديك ميول دينية او لست معنيا بالمسيحية، فاعتقد بأن هذا الفيلم سيكون من اهم الافلام في تاريخ السينما الحديثة، رغم ان البعض يرى انه سيكون مقبرة حياة جيبسون المهنية٫الذي علق ضاحكا عندما سألته دايان ماذا ستفعل بعد هذا الفيلم اجاب »ساذهب حيث لن يجدني احد«، واكمل مازحا سأنصب خيمتي قرب اسلحة الدمار الشامل في العراق ، هكذا لن يتمكن احد من ايجادي«٫

الأيام البحرينية في

06.04.2004

 
 

من وحي "آلام المسيح" لمِلْ غيبسون أيضاً وأيضاً

على الكرسي كنت مسمّراً والناس في صمت رهيب

الخورأسقف يوحنا الحلو

فيلم يجمع بين العنف والحقيقة ويحبس الأنفاس في صدور المشاهدين على مدى ساعتين، إذ حاول المخرج أن يصوّر في شكل واقعي الساعات العشر الأخيرة من حياة السيد المسيح فوق أرض فلسطين استناداً الى نصوص الاناجيل الأربعة التي تنقل الى العالم بأسره ما سبق مباشرة عملية الصلب والنهاية المأسوية التي تمت على خشبة الصليب.

تسمّرت على كرسي في قاعة اكتظت من الناس في صمتٍ رهيب أشبه بصمت القبور، ولما انتهى العرض وبدأ الناس يخرجون من القاعة، كان الوجوم مخيماً على الوجوه، وقلّ من كان يتكلم مع فريق أو صديق او نسيب دخلا القاعة معاً وخرجا معاً والغصّة في الحلق والدمعة في العين وفي القلب ندامة على خطيئة دقت في كف السيد المسيح مسماراً وتركت في جسدها جرحاً نازفاً. وكم من كلمة اشعلت خلافاً وقتالاً دامياً في مجتمع فكانت سوطاً بيد جلاد ينهال به على المسيح الموثوق اليدين والمربوط الى صخرة يتلوى تحت ضربات الجلادين مخضّب الجه والجسم بالدم القاني من أعلى الرأس الى أخمص القدم، والناس عليه يتفرّجون، والجنود على ضربه يتناوبون، والكثيرون يشمتون به ويشتمونه، بينما كانت بضع نساء يبكين من دون أن يقوى على استثارة الشفقة والرحمة في قلوب الرؤساء الذين كانوا يدفعون الشعب الهائج الى المزيد من الاعمال الوحشية ضد من شفى مرضاهم واشبع حياتهم وأقام موتاهم ودعاهم الى السلام والمحبة والغفران فبادلوه كل ذلك بغضاً وعدواناً.

ويتساءل الإنسان امام ذلك المشهد الرهيب الذي يقدمه المخرج في عنف يعبّر حقاً عن النهاية المأسوية التي اوصله اليها ذلك الحاكم. ولا يقول في سرّه ولا جرأة لديه على الاعلان عنه: أهكذا يكافأ من قال: "احبوا بعضكم بعضاً كما أنا أحببتكم"؟ أهذا جزاء من يدعو الى المغفرة بلا قيد ولا شرط ولا حساب؟

ويعود المؤمن الى ذاته ويتساءل: ألم أتسبب بجرح في ذاك الجسم الطوباوي فجعلته ينزف وينزف طويلاً؟ ومن منا ساعة التخلي والانخذال لم يشارك ذلك الشعب الثائر في دار بيلاطوس صارخاً بكل قواه "اصلبه اصلبه دمه علينا وعلى أولادنا"؟ ومن منا لم يساهم في ما ارتكب من خطايا، عن وعي أو غير وعي، في جَلّْد المسيح ورفسه على طريق الجلجلة وطعنه بالحربة استنزافاً لآخر نقطة من دمه؟ أفكار محقة وتساؤلات ضرورية تساور الناس الذين بكثرتهم الساحقة يدفعون بيسوع الى العذاب والقهر والموت صلباً وجوعاً واضطهادا واذلالاً في الانسان الذي أحبه وبذل ذاته من أجلل خلاصه، وهو يردد ويقول: انا عطشان الى شيء من المحبة والحنان والرحمة والتسامح، والى قلة من إيمان أتشوّق اليه واستريح اليه في نفوس من متّ من أجلهم شفاء لغليلي. إلا أنه يتوجه الى أبيه السماوي قائلاً: "اغفر لهم يا أبتاه لأنهم لا يدرون ما يصنعون".

فيا ليت المغفرة تظل في القلوب وتثمر سلاماً ومحبة بين الشعوب ليفيدوا من آلام السيد المسيح الخلاصية.

النهار اللبنانية في

05.04.2004

 
 

ليس فيلماً رائعاً.. لكنه جدير بالمشاهدة

"التايمز" و"الجارديان" و"الإندبندنت".. لماذا أعلنت الحرب على

"آلام المسيح"

د. عبد الرشيد الصادق محمودي

دعيت منذ أيام إلي عرض خاص لفيلم آلام المسيح الذي أخرجه ميل جيبسون وأثار ضجة كبيرة ما زالت مستعرة في الغرب، وها هي قد امتدت إلي العالم العربي. وقد تحمست لتلبية الدعوة  إلي أن قرأت ثلاثة تعليقات عن الفيلم في الصحف الإنجليزية الثلاث: "التايمز"، و"الجارديان"، و"الإندبندنت". وكانت التعليقات الثلاث معادية للفيلم مخيبة للظن فيه. فقد أجمع أصحابها علي أن الفيلم هابط من الناحية الفنية لتركيزه علي مشاهد العذاب الذي تعرض له يسوع الناصري علي يدي جلاديه من متزمتي اليهود والجنود الرومان السكاري. وكان من رأي المعلقين الثلاثة أن ميل جيبسون بتركيزه علي هذا الجانب من القصة قد أهمل الجانب الآخر منها، وهو رسالة الحب والسلام التي حملها يسوع. وقد أدهشني إجماع المعلقين الثلاثة علي نفس النقاط، وترديدهم لنفس الكلام؛ فكأنما صدرت المقالات عن قلم واحد. (ثم قرأت بعد مشاهدة الفيلم تعليقا رابعا في "الصنداي تايمز"، وكان علي نفس المنوال). فلما قرأت التعليقات الثلاثة المذكورة فتر حماسي الأول وفكرت في الاعتذار عن عدم تلبية الدعوة، لولا أن خاطرا آخر خطر لي واستنهض عزيمتي، إذ كيف أترك للغير مهمة الحكم علي تلك القصة التي ترسخت في أعماقي منذ أن عرفت ـ ككل طفل مسلم ـ سورة مريم كما وردت في القرآن الكريم؛ وبعد أن قرأت الكتاب المقدس صبيا، فارتسمت في خيالي تفاصيل محنة الناصري بداية من صلاته ومعاناته الشعور بالوحدة في حديقة الجستنامة، مرورا بتسليمه ـ لقاء ثلاثين قطعة من الفضة ـ إلي خصومه، ومحاكمته الصورية، وتحريض أحبار اليهود للوالي الروماني عليه، ومطالبتهم بصلبه، إلي مسيرته حاملا صليبه في طريق الآلام مصعدا علي جبل الزيتون، والتعذيب الذي تعرض له وصرخته الأخيرة (بالآرامية): "إيليا إيليا لما شبقتني؟" (أي "إلهي إلهي لماذا تركتني؟")؟

وقد ذهبت إذن لمشاهدة الفيلم بعد أن عقدت العزم علي الانصراف عنه إذا لم يرق لي. ولكنني شاهدته حتي نهايته وتجرعت الكأس حتي الثمالة. ووجدتني لفترة متفقا مع المعلقين الإنجليز إلي أن بلغت ذلك المشهد الذي تساءل فيه بيلاطوس الوالي الروماني (وقد اختلط عليه الأمر بين إيمانه ببراءة يسوع ورغبته النزول علي حكم الضرورة السياسية): "ما هي الحقيقة؟" وردت عليه زوجته بما معناه أنك إن انصرفت عن رؤية الحقيقة، فلن يرشدك أحد إليها. وأخذ السؤال يتردد في ذهني إلي أن اقترب الفيلم من نهايته، وعندئذ رأيتني أقول لمن قرأت من المعلقين الإنجليز بالعامية: "يا ولاد الذين!؟"، أو بلغة العرب الأقحاح: "ألا قاتلكم الله!" أو بلغة الناصري: "يا أبناء الأفاعي!"

فما هي الحقيقة إذن؟ أعتقد أن ميل جبسون أراد أن يجعل من القصة مثلا. كان يسوع كما ورد ذكره في العهد الجديد يضرب الأمثال؛ وكانت حياته هي ذاتها مثلا. والمثل لا بد أن يكون تجسيما لفكرة أو عدد من الأفكار. وله إذن جانبان: الجسم المشاهد، والمعني الذي يجسمه. من هنا كان تركيز ميل جيبسون علي الساعات الأخيرة من حياة يسوع، وهي الساعات التي بلغت فيها المحنة ذروتها بداية من الصلاة في الحديقة حتي مرتفع الجلجثة. تلك هي الساعات الجوهرية التي تجسد فيها المعني وفقا لرواية العهد الجديد ورواية ميل جيبسون. فإذا ركزنا الآن علي هذه الرواية الأخيرة، قلنا إن المخرج عمد إلي تجسيم المحنة سينمائيا بطريقة رئيسية هي إبرازها كما وقعت علي جسد يسوع. ومن ثم كان تركيزه علي مشاهد التعذيب الدامية التي تعرض لها علي يد جلاديه من ضرب بالسياط الممزقة للجلد واللحم ودق للمسامير في الكفين والقدمين وبصق علي الوجه إلي آخر تلك التفاصيل المروعة التي تفنن المخرج في إبرازها بكل ما يسرت له تكنولوجيا هوليوود من حيل جبارة.

فما هو المعني الذي جسمه الفيلم؟ هناك في الواقع عدة معان أو عدة مستويات للدلالة. يتضح أولها وأقربها إذا لاحظنا كيف تتناوب مشاهد التعذيب مع مشاهد سريعة أخري ترجع إلي الماضي (فلاش باك) أو الحاضر. فهناك علي سبيل المثال موعظة الجبل والعشاء الأخير وغسل يسوع لقدمي يهوذا الإسخريوطي (الذي خانه وسلمه إلي أعدائه)، وحديث الحب والمغفرة: "اغفر لهم يا أبتاه" و"أحبوا أعداءكم". بهذا الجانب تكتمل القصة من حيث هي مثل. فقصة يسوع كما رواها ميل جيبسون تجسيد مروع للشر المتأصل في الطبيعة البشرية ولفكرة الحب رغم كل شيء. ولن يكتمل هذا الجانب دون ذاك. فكأنما أراد المخرج أن يؤكد هذه الفكرة الأخيرة بأن يبرز نقيضها ـ جانب الشر والرعب ـ بأن يجعل من جسد يسوع نقطة جذب لكل ما في نفوس جلاديه من قسوة وخسة. كأنما أراد أن يقول: "ها هو الجسد الفاني. هاتوا كل ما لديكم. افعلوا به ما شئتم." أو كما قال يسوع: "وأما الجسد فضعيف."

ولكن التركيز علي جانب التعذيب والمرور بسرعة علي جانب المحبة قد أخل بتوازن الفيلم من الناحية الفنية وقدم مبررا لنقد النقاد. فلنسلم إذن بأن الفيلم ليس بالعمل الرائع، ولكن ينبغي أن نسارع فنقول إنه عمل جيد وجدير بأن يشاهد. فهو في رأيي أقرب إلي صرخة الاحتجاج أو إلي قصيدة المناسبة أو أغنية المقاومة. والعمل الفني من هذا القبيل ليس مطالبا بالضرورة بأن يكون رائعة من الروائع. وذلك أنه يرمي إلي تحقيق غرض محدود في وقت محدد. وليس صحيحا أن ميل جيبسون صنع الفيلم إرضاء لشهوات محبي العنف الوالغين فيه من ساديين وماسوشيين. وكل ما هنالك أنه يريد أن يقول للناس: تعالوا حتي أريكم الرعب.

وما دمنا قد تحدثنا عن شعر المناسبات والاحتجاج والمقاومة، فقد اقتربنا من مستوي آخر لدلالة المثل الذي أراد ميل جيبسون ضربه من خلال قصة الناصري. وأنا لا أريد هنا أن أتكهن بنوايا الرجل وبما دار في ذهنه عند صناعة الفيلم. ولكن من الممكن أن يقال علي وجه اليقين إنه لم يصنعه دون ضغط من أحداث الشرق الأوسط وأحداث فلسطين بصفة خاصة علي شعوره أو لا شعوره. فالفيلم يستدعي بالضرورة ما يتعرض له الفلسطينيون من تنكيل علي أيدي جلاديهم من الصهاينة والأمريكيين. وكما تفنن أحبار اليهود في تحريض الإمبراطورية الرومانية علي يسوع بوصفه مثيرا للقلاقل، تمكن الصهاينة المعاصرون والمتطرفون في أمريكا والغرب بما لديهم من آلات إعلامية وفكرية جبارة من إقناع الامبراطورية الجديدة بأن الفلسطينيين إرهابيون. وقد كان لأحبار اليهود المحنكين حجج "وجيهة" لإقناع الوالي الروماني أو الضغط عليه وابتزازه؛ و"لأحبار" اليوم من محللين استراتيجيين ومفكرين وفلاسفة حجج فعالة في إقناع الامبراطور الجديد بأن تدمير العراق وما تبقي من فلسطين واجب لابد من أدائه لتحقيق السلام في الشرق الأوسط وفي ربوع العالم قاطبة. وليس من الممكن أن تشاهد آلات التعذيب الرومانية التي تبدو الآن بدائية دون أن تتذكر آلات التنكيل المعاصرة بما فيها من تقدم تكنولوجي رفيع ودقة وذكاء، آلات تطارد المقاومين وتصيبهم وتحولهم أشلاء أو رمادا انطلاقا من الأقمار الصناعية. ولا يمكن للمشاهد العربي أن يري مريم أم عيسي ومريم المجدلية في زيهما ـ الجلباب والطرحة ـ دون أن يتذكر أمهاته وأخواته في الريف وفلسطين. كلا ولا يمكنه رؤية "الشياطين" الصغار الذين يطاردون يهوذا الخائن ويرجمونه دون أن يتذكر أطفال الانتفاضة.

وقد أحسن ميل جيبسون صنعا عندما أنطق شخصياته بالآرامية والعبرية واللاتينية. ولم يكن ذلك من قبيل الزخرفة أو الحيل الفنية كما ظن بعض النقاد، بل كان رجوعا بالقصة إلي أرض الواقع، إلي أرض فلسطين التاريخية. فالآرامية والعبرية توأمان للعربية؛ ولن يفوت المشاهد العربي أن يلاحظ صلات القربي الموجعة عندما يسمع في الفيلم كلمات مثل "أب" و"رب" و"لا تناموا" و"ثلاثون".

أما السادة المنافقون أبناء الأفاعي، فإن أمرهم عجب عجاب. لقد نقبت فيما كتبوا عن كلمة واحدة تشير إلي فلسطين وما يجري فيها، فلم أجد شيئا من ذلك. (والأمر نفسه يصدق بالمناسبة عما قرأت بالعربية). وهؤلاء السادة تنقلب أمعاؤهم عندما يرون صور التعذيب والدماء علي الشاشة ويفزعون إلي الرمال يدفنون رءوسهم فيها، ولا تحرك فيهم ساكنا صور العنف الجاري علي أرض الواقع كما توردها وسائل الإعلام يوما بيوم وساعة بساعة. وهم في كلتا الحالتين ـ حالة دفن الرءوس في الرمال وحالة التحديق في المشاهد اليومية ـ يتصرفون وكأن الأمر لا يعنيهم. وهم في كلتا الحالتين لا يستطيعون ـ أو لا يريدون ـ استخلاص العبرة من المثل حتي ولو تكرر أمامهم يوميا. ولقد قدم لهم ميل جيبسون جرعة ضخمة من العنف لكي يتنبهوا فاحتجوا وأبوا أن يروا. فلعلهم إذن في حاجة إلي جرعات أكبر.

جريدة القاهرة في

06.04.2004

 
 

ميل جبسون يؤكد بأنه صنع هذا الفيلم بوحي من السماء: كل هذه الدماء في فيلم

"آلام المسيح"

أمل راغب

يأتي عرض فيلم «العاطفة»، الشهير بآلام المسيح في مرحلة حرجة من تاريخ البشرية يمر فيها العالم بمنعطف خطير من التغيرات العشوائية التي تنال من مختلف جوانب الحياة لتنهار معها المعايير والموازين السائدة دون أن يكون لها بدائل واضحة وإيجابية يستطيع الإنسان أن يتعرف علي نفسه من خلالها وأن يميز ملامح مستقبلة. فيشعر الإنسان بالتشتت والضياع ويفقد هويته ومعها الكثير من المعاني السامية في حياته ومنها قدرته علي الحب والعطاء.

ويجيء فيلم «العاطفة»، في هذه المرحلة ليذكرنا أنه منذ نحو ألفي عام كان العالم يعيش ظروفا تشابه ظروفنا اليوم. فالشر كان متفشيا في صورة حب السلطة والمال والسعي إليهما بكافة السبل حتي ولو كان هذا علي حساب الحق والرحمة فكانت الإمبراطورية الرومانية تحتل، دون وجه حق، أنحاء كثيرة من العالم القديم ومنها منطقة الشرق الأوسط وكانت اليهودية إحدي مستعمراتها، تقع في ذات الوقت تحت سيطرة الملك اليهودي المستبد هيرودس الذي لم يكن يعنيه ما وصل إليه حال شعبه من تدهور بقدر ما كانت تعنيه السلطة.

ومن ناحية أخري كان الشعب اليهودي يرزح تحت نير نوع آخر من أنواع الاستعمار متمثلا في هيمنة واستبداد السلطة الدينية علي يد رؤساء الكهنة والكتبة والفريسيين وغيرهم من الشيع الدينية التي كانت موجودة في هذا العصر، فكان هذا الاستعمار الثالث والأخير هو أشد أنواع الطغيان وطأة لأنه كان يقضي علي ما تبقي للشعب اليهودي من حرية وإرادة ورجاء ليصرخ إلي خالقه من الظلم البالغ الذي كان يقع عليه من كل جانب فكان الجهل والفقر والمرض متفشية بين الشعب والفساد بكافة أنواعه والرشوة رائجة التداول في مختلف الجهات وانحسرت ثقة الشعب في كل شيء حتي في أنفسهم وفي عقيدتهم ولم يعد لهم رجاء ملموس يلوح في الأفق.

في هذه الظروف بالغة الصعوبة أتي السيد المسيح برسالة حب وسلام هدفها إنقاذ الإنسان من عبودية سلطان الظلمة المتمثل في كل مظاهر الضلال والانحراف السائدة والتصالح مع الله. فلم يصدقه الكثيرون وأولهم القادة الذين خافوا علي سلطانهم منه فمنهم من ظن أنه جاء ليزيحه عن العرش كي يحتل مكانه كالملك هيرودس، ومنهم من خشوا أن ينزع المسيح بتعالميه هيبتهم من قلوب الناس وأن ينحو سطوتهم علي الشعب كرؤساء الكهنة والكتبة والفريسيين وغيرهم وبرغم التحديات شديدة القسوة التي واجهت المسيح، في نشر دعوته إلي الحب والتسامح والعطاء والإيمان بالله، إلا أنه استطاع بقدرة فائقة أن يلمس قلوب الكثيرين بسمو وصدق رسالته التي بذل حياته من أجلها ودواها بدمائه كي تنبت بذورها في قلوب كل من آمنوا بها صحيحة قوية فلا تتمكن منها وتخنقها أشواك الشر.

وقد سبق فيلم «العاطفة»، العديد من المحاولات للسينما العالمية في عرض حياة وآلام المسيح استنادا إلي الأناجيل الأربعة، لكن هذه المحاولات لم تنجح نجاح الفيلم الأخير الذي قام بإنتاجه وإخراجه الممثل الأمريكي الشهير استرالي المولد. ميل جيبسون وذلك علي الرغم من أن المخرج لم يتناول في فيلمه إلا عرض الاثنتي عشرة ساعة الأخيرة فقط من حياة المسيح لكن فيلمه توافرت له الكثير من العناصر المهمة لنجاحه وتفوقه علي رأسها إيمان ميل جيبسون العميق بأهمية أن يخرج هذا الفيلم إلي النور في هذه المرحلة، حتي إنه أدلي في العديد من التصريحات الصحفية واللقاءات التي جرت معه أنه أقدم علي إنجاز هذا العمل بوحي إلهي. فتجاهل ما قد يتعرض له من أخطار علي الصعيد الشخصي والعملي ومضي في تحقيق حلمه بكل ما أوتي من موهبة وإمكانية.

ويعرض «ميل جيبسون»، رؤياه للاثنتي عشرة ساعة الأخيرة في حياة المسيح بشكل ملحمي وكأنه يريد أن يتوقف عند كل لحظة منها حتي لا تفوت المشاهد فرصة التأمل في أدق التفاصيل التي سبقت ميلاد صفحة جديدة في علاقة الإنسان بخالقه تقوم علي الحب والعطاء.

ويبدأ فيلم «العاطفة»، بنبوءة أشعياء، أحد كبار أنبياء اليهود، عن آلام المسيح وهي نبوءة جاءت، وفقا للإيضاح المصاحب لها في الفيلم، في الإصحاح الثالث والخمسين لسفر أشعياء قبل 700 عاما من مجيء المسيح. وتعطي هذه النبوءة  في بداية الفيلم بعدا تاريخيا للأحداث وتؤكد أهمية الأسلوب الملحمي في معالجتها، والفيلم ناطق بالعبرية التي تتخللها اللغة اللاتينية، مما يقرب المشاهد من جو الواقع السائد في ذلك العصر. ثم يظهر المسيح علي ضوء القمر في بستان «جثمان»، وهو يتضرع إلي الله في تأثر بالغ والظلام يغمر المكان ليعطي المشاهد انطباعا بأنه أمام مستنقع تفوح منه رائحة الخطر والترقب. ويرمز المسيح في هذا المشهد إلي الإنسان الذي يمر بمحنة شديدة القسوة فلا يجد من يتضرع إليه ويطلب العون منه إلا خالقه. حتي تلاميذ المسيح الذين كانوا أقرب الناس إليه لم يستطع المسيح الاعتماد عليهم لأنهم كانوا نياما من الإنهاك ويظهر في الفيلم بعدا آخر للأحداث وهو وجود الشيطان والدور الذي يلعبه في بلبلة فكر الإنسان وإثنائه عن عزمه من خلال الوساوس التي يبثها. فرغم حالة الانهيار التي كان المسيح يعيشها علي شفا خيانة يهوذا له والقبض عليه ومحاكمته تمهيدا لصلبه، إلا أن الشيطان لم يتركه لحال سبيله بل ظل ملازما له يبث لديه سموم الشك والإحباط ليضاعف من قسوة التجربة. ويتضح من سياق حوار الشيطان مع المسيح في الفيلم أنه كان يجهل شخصيته ورسالته التي جاء بها للبشرية، مما يعطي المشاهد الانطباع بمحدودية وهشاشة الشيطان رغم سعة صلته ومع ذلك لا يستسلم الشيطان لفشله إنما يحاول تجربة المسيح بنفس الأسلوب الذي سبق أن جرب به آدم وحواء  فسقطا من الجنة، فيرسل إليه حية لكن المسيح، علي عكس آدم ينجح في الاختبار فيحدج الشيطان بنظرة واعية متحدية قبل أن يسحق رأس الحية بقدمه.

ويتنبأ هذا المشهد بنهاية الفيلم التي ينتصر فيها المسيح علي الشيطان بإتمامه رسالته علي أكمل وجه بدمائه، فيصرخ الشيطان ألما وحسرة علي هزيمته بعد الجهد الكبير الذي بذله طوال أحداث الفيلم في تحريك الناس وبث الشكوك والوساوس والفتن للإيقاع بالمسيح والفتك برسالته.

ومن أقسي مشاهد الفيلم، مشاهد التعذيب الشديد الذي تعرض له المسيح علي يد الرومان من إهانة وضرب وجلد بعصا خشبية 42 جلدة ثم جلده بسوط تتدلي من نهايته قطع معدنية حادة تنغرس مع كل ضربة في جسده وتخرج في بعض الأحيان بأجزاء من لحمه، ثم وضع إكليل من الشوك علي رأسه وسيره في الطريق المؤدي من قصر الحاكم الروماني إلي جبل الجلجثة حيث سيصلب وجسده غارق في دمائه وهو يحمل صليبا خشبيا ثقيلا يسقط ثلاث مرات من وطأة حمله.

وفي المرة الثالثة يرسل الحاكم الروماني حارسه الخاص ليطلب من الجنود الرومان أن يعينه أحد علي حمل الصليب فيطلبون من أحد اليهود المصطفين علي جانبي الطريق أن يساعده فيرفض في البداية ليوافق بعد ذلك أمام إصرار الحرس.. ومن أكثر مشاهد الفيلم ألما تلك التي تم فيها صلب المسيح، فحتي يدق الحرس المسامير في يديه في المواضع المخصصة لذلك علي الصليب اضطروا إلي شد ذراعه اليمني بشدة إلي الحد الذي تمزق معه جسده من أسفل الإبط.

أما من أجمل مشاهد فيلم «العاطفة»، تلك التي أبرزت:

·     البعد الإنساني لشخصية المسيح فعلي الرغم من أنه مكلف برسالة سماوية سامية لخلاص البشرية من قبضة الشر إلا أنه لم يغفل أحساسيه كبشر وهو يتذكر ماضيه من خلال لقطات «الفلاش باك»، التي تخللت رحلة آلامه إلي جبل الجلجثة أو الجمجمة حيث صلبه حرس الرومان بناءً علي طلب اليهود بتحريض من رؤساء الكهنة.

·     حيل الشيطان المتعددة للإيقاع بالإنسان ونجاح المسيح في الانتصار عليها بإيمانه بالله ووعيه وصموده ومن أهم هذه المشاهد، مشهد تجول الشيطان بين الجموع المحتشدة لمشاهدة جلد حرس الرومان الوحشي للمسيح، فالمشهد يصور الشيطان في ردائه الأسود وهو يحمل بين ذراعيه في حنو بالغ طفلا رضيعا قبيح المنظر ويمر به أمام المسيح الذي يقطر جسده دما ولا يقوي علي الوقوف من فرط آلامه وإنهاكه. وكأن الشيطان بسلوكه هذا يريد أن يقول للمسيح بأسلوب كيدي: أين هو هذا الإله الذي تدعوه بأبيك.. لماذا لا يأتي لينقذك من العذاب الذي أنت فيه.. لو كنت قد سمعت لي لما سمحت بأن يصيبك ما أصابك ولكنت الآن أهدهدك في حنان بين ذراعي كما أفعل مع هذا الطفل!

·     تحول يهوذا تلميذ المسيح الذي خانه من خائن إلي نادم يريد رد الثلاثين من الفضة التي أخذها من رؤساء الكهنة لتسليم المسيح. ثم إصابته بالجنون لعدم قدرته علي تحمل مسئولية فعلته وندمه الشديد عليها الذي استغله الشيطان ليدفعه للانتحار والهلاك. حث «قيافا»، رئيس الكهنة للشعب اليهودي علي الإطلاق سراح المجرم القاتل «باراباس»، بدلا من المسيح في عيد الفصح، عندما خيرهم الحاكم الروماني بيلاطس البنطي من يريدون أن يطلق لهم سراحه بهذه المناسبة في محاولة أخيرة منه لإنقاذ المسيح من الموت. فكان باراباس اللص في هذا المشهد رمزا للبشرية الجانية التي أعتقها المسيح بتعاليمه وتسامحه من تبعة فعلتها وسجن هو وتعذب بدلا منها مع أنه بريء ويعيد هذا المشهد إلي الأذهان قصة قابيل وهابيل التي تشهد إلي يومنا هذا أن أول نزاع وقع في تاريخ البشرية راح ضحيته الأخ البريء علي يد أخيه الظالم.

·     دور مريم العذراء شبه الصامت المليء بالمشاعر الصادقة والأحاسيس الفياضة وإلي جوارها مريم المجدلية التي قامت بأداء دورها باقتدار الممثلة الإيطالية العالمية «مونيكا بللوتشي»، الشهيرة بروعة جمالها فكانت اختيارا موفقا من المخرج لتجسيد شخصية مريم المجدلية المعروف عنها الجمال والإغراء قبل توبتها.

·     موت المسيح في نهاية الفيلم وسقوط قطرة ماء كبيرة من السماء علي الأرض وكأن السماء تذرف الدمع علي من أحب البشرية إلي الموت وتزلزل الأرض وانشقاق الهيكل وصراخ الشيطان من ألم الهزيمة وانهياره بينما يقوم المسيح منتصرا.

جريدة القاهرة في

06.04.2004

 
 

"المسيح" يتفوق علي "الساموراي"

في خمسة أيام فقط... وفي خمس دور عرض.. حقق فيلم "آلام المسيح" 368.196 ألف جنيه حتى اهتزت إيرادات الأفلام الأخرى وأهمها "الساموراي" وعودة مملكة الخواتم وكانا يتصدران الإيرادات.

وقد حظي فيلم "آلام المسيح" بعرض واسع النطاق في كثير من دول العالم في الوقت الذي يحتفل فيه اليهود والمسيحيون بعيد الفصح.. بدأ عرض الفيلم بالفعل في سوريا ولبنان والأردن ومصر. ولكنه لم يعرض في إسرائيل حتى الآن.

قال أحد الكتاب في صحيفة إسرائيلية: بالنظر إلي مقدار الضرر الذي وقع علي العلاقات المسيحية اليهودية. لا أتمني أن أكون في مكان ميل جيبسون يوم القيامة. وقررت الشركة صاحبة حق عرض الفيلم في إسرائيل. إن الوقت المناسب لعرض الفيلم لم يحن بعد.. بدأ عرض الفيلم في فرنسا مؤخراً حيث أكد المعلقون إن هذا الفيلم سيؤدي إلي تزايد موجة معاداة السامية في فرنسا. وفي ألمانيا قالت شارلوت كنوبلوخ نائب رئيس المجلس الأعلى لليهود. إن القوة الإيحائية لفيلم "آلام المسيح" ستعطي المزيد من قوة الدفع لموجة معاداة السامية السائدة الآن.. وكانت الزعامات الدينية المسيحية في الفاتيكان قد أثنت علي الفيلم الذي سيبدأ عرضه العام في ايطاليا اليوم. ولكن اليوم لم يحظ بإجماع زعامات الكنيسة علي الترحيب به. حيث وصف الكاردينال جان ماري لاستيجار كبير أساقفة الكنيسة الكاثوليكية الرومانية في باريس. مشاهد العنف في الفيلم بأنها "سخيفة".. وهو التعليق الذي أكده الأسقف النرويجي جونار ستالست خلال أحد الأحاديث التليفزيونية التي أجريت معه حيث قال: "إنها مشاهد مريعة للغاية. لقد أصابتني هذه المشاهد بالغثيان ودفعتني إلي التقيؤ". كما سيتم افتتاح العرض العام لفيلم "آلام المسيح" في روسيا الثلاثاء المقبل.. كان "آلام المسيح" قد حقق إيرادات هائلة في بريطانيا والولايات المتحدة وهي الإيرادات التي قد تضرب الأرقام القياسية لإيرادات السينما الأمريكية علي مدار تاريخها.

المخرج أوليفر ستون يقدم من خلال فيلمه هذا، إدانة جديدة لأمريكا وجنودها، كما يقدم إدانة لكل الحروب بشكل أو بآخر. لقد قدم المخرج فيلماً متقناً في حرفيته، يعد من بين أهم أفلام الحركة والتكنيك السينمائي الأمريكي، ولكن هذا لا يجعله يتميز كثيراً عن الجيد من أفلام حرب فيتنام.

07.04.2004

 
 

"آلام المسيح"

لماذا أثار كل هذا الجدل.. والنجاح

نادر عدلي

نجح اليهود في تعطيل إنتاج فيلم آلام المسيح لفترة غير قصيرة‏,‏ واستطاعوا اقناع الاستديوهات الكبري في هوليوود بعدم المشاركة في انتاجه‏..‏ ثم بذلوا كل الجهد في أن يكون توزيعه ـ داخل أمريكا وخارجها ـ محدودا‏..‏ ولم يتدخلوا فعلا ـ بشكل مباشر ـ إلا لحذف جملة واحدة‏,‏ تؤكد الإدانة الدائمة لليهود الذين صلبوا المسيح دمه علينا‏,‏ وعلي أولادنا‏,‏ ولكن من ناحية أخري بدأت حربهم الإعلامية للتقليل من شأن الفيلم‏,‏ ووصفه بالاعتماد علي المبالغة‏,‏ وزيف بعض وقائعه ولكن‏!‏

جاء تأكيد رجال الدين المسيحي‏,‏ والفاتيكان‏,‏ بأن فيلم آلام المسيح التزم تماما بما جاء بالاناجيل الأربعة‏,‏ ليصيب اليهود في مقتل‏..‏ ليبقي سؤال منطقي وضروري‏:‏ لماذا لم تتجه دعاوي اليهود لمنع الفيلم أصلا بوصفه معاديا للسامية‏,‏ وهي تهمة يوزعها اليهود علي كل من يعارض سياستهم؟‏..‏ هنا نصل إلي نقطة شديدة التعقيد‏,‏ وتتعلق بدولة إسرائيل نفسها‏,‏ لأنهم ينسجون كل سياستهم علي أنها أرض الميعاد‏,‏ التي سيأتي إليها المسيح‏,‏ ولأن المسيح أصلا يهودي‏,‏ وبالتالي فإن رفض الفيلم يوقعهم في مشاكل مخيفة سياسيا وعقائديا‏.‏

نأتي إلي النقطة الأهم‏:‏ لماذا كل هذا الجدل حول الفيلم؟‏..‏ مصدر هذا الجدل ـ في تصوري هذا النجاح المدهش للفيلم‏,‏ وتحقيقه لأرقام فلكية داخل أمريكا نفسها‏(335‏ مليون دولار في خمسة أسابيع‏)..‏ لقد كان الأمر مفاجأة حقيقية لشركات الانتاج والتوزيع في هوليوود نفسها‏,‏ أن يحقق فيلم ديني كما يبدو من عنوانه‏,‏ ووقائعه التاريخية هذا النجاح‏,‏ أو حتي‏10%‏ منه في زمن تتصدر فيه قائمة الايرادات أفلام الكواكب و الخواتم‏..‏ وقد أغفلوا جانبا شديد الأهمية يتعلق بالفيلم نفسه‏,‏ وهنا نأتي إلي القيمة الفنية لفيلم آلام المسيح‏,‏ ورؤية مخرجه ميل جيبسون‏.‏

إن فيلم آلام المسيح يمثل فنيا حالة سينمائية متفردة‏,‏ فالأفلام التي قدمت عن السيد المسيح ورسالته من خلال رؤي فنية مختلفة‏,‏ تعاملت بشكل مباشر مع تعاليم المسيحية وشخص السيد المسيح نفسه‏,‏ لكن الأمر هنا جاء مختلفا‏!..‏ فقد اختار ميل جيبسون الاثنتي عشرة ساعة الأخيرة في حياة السيد المسيح‏,‏ أي أنه اختار ساعات تعذيبه وصلبه‏,‏ وقدم التضحية التي قدمها السيد المسيح من أجل رسالته‏,‏ وما تحمله من عذابات وصلب‏,‏ ولم يتوقف أمام رسالة المسيح والمسيحية نفسها إلا من خلال لقطات فلاش باك لا يمثل مجموعها علي الشاشة أكثر من خمس دقائق‏,‏ لهذا جاءت مشاهد التعذيب كثيرة وشديدة القسوة ومليئة بالدماء‏.‏

هذا هو جديد فيلم آلام المسيح وما جعله متفردا‏,‏ ويقدم صورا سينمائية ليس لها مثيل‏,‏ ليس فقط فيما تضمن من آلام التعذيب التي تفنن فيها الرومان‏,‏ حيث كان العصر الروماني هو الأشد قسوة وابتكارا لأساليب التعذيب والتمتع بمشاهد الدماء‏,‏ وإنما أيضا بهذا الإصرار من كهنة المعبد ـ تاريخيا ودراميا ـ علي صلب المسيح‏,‏ وعلي رأسهم قيافا رئيس الكهنة اليهود‏,‏ حتي بدا الحاكم الروماني ببلاطس البنطي‏,‏ وكأنه حمل وديع وهو يغسل يديه من دم المسيح‏.‏

أيضا يكتسب الفيلم خصوصيته الفنية من استخدام اللغة الآرامية واللاتينية‏,‏ وهي واقعة غير مسبوقة‏,‏ لكن الأهم في هذا الاستخدام العبقري لزوايا التصوير‏,‏ واللقطات الكثيرة والمتتابعة لوجه السيد المسيح‏(‏ جيم كافيزيل‏)‏ التي تكاد تبدو أنها قد أعدت كلوحات تشكيلية لها خصوصيتها‏,‏ ومن الصعب أن تهرب من الذاكرة‏,‏ هذا إلي جانب التوظيف المتميز للغاية للضوء والظل في تكوين المشاهد وإكسابها دلالاتها الدرامية والتاريخية والموحية بالواقع المستوحي من الأناجيل‏..‏ ومن فنيات الفيلم التي جعلته حالة خاصة استخدام الموسيقي الشرقية بكل ما تملكه من نغمات حزينة وشجية‏,‏ وتوظيف المكياج‏,‏ وإشباع المواقف بمونتاج دقيق محسوب حتي تكاد ساعتا الفيلم أن تمرا سريعا‏,‏ أو تظن أنها تمتد لأكثر من ساعتين‏..‏ ثم هذا الاختيار الموفق للغاية لمجموعة الممثلين الذين تغلب عليهم الملامح الشرقية حيث إن الأحداث تقع في القدس‏..‏ وإن كنت أظن أن ميل جيبسون كان مبالغا في مشاهد التعذيب التي وقعت للسيد المسيح قبل صلبه‏,‏ لكن تبقي هذه المبالغة في إطار رؤية الفيلم نفسه للساعات الأخيرة في حياة السيد المسيح‏.‏

استطاع ميل جيبسون أن يقدم رؤيته للساعات الاثنتي عشرة الأخيرة لصلب السيد المسيح‏,‏ وأظنه نجح في تحقيق تصوراته السينمائية ببراعة‏,‏ ومهارة فنية عالية‏,‏ ومن خلال معالجة غير مسبوقة حققت كل هذا الجدل‏..‏ والنجاح‏.‏

الأهرام اليومي في

07.04.2004

 
 

إقبال شديد على "آلام المسيح" في قطر بتأييد من القرضاوي

قال مسؤول قطري في قطاع السينما لوكالة فرانس برس ان فيلم "آلام المسيح" المثير للجدل يقترب من تحقيق رقم قياسي في المشاهدة في قطر وهو يطوي الاسبوع السادس من عرضه في الدوحة مشيرا الى ان تاييد الشيخ يوسف القرضاوي لعرض الفيلم اسهم في الاقبال عليه.

وقال عبد الرحمن محسن مدير عام شركة سينما قطر ان "خمسة وعشرين الف شخص شاهدوا الفيلم حتى الان" في قطر ليقترب بذلك من تحقيق الرقم القياسي الذي يملكه فيلم "تايتانيك". واضاف ان عرض الفيلم يتواصل "وسط اقبال شديد من العرب والهنود المسيحيين ومن النساء خاصة".

وبدا عرض شريط المخرج الاسترالي ونجم هوليوود ميل غيبسون في الدوحة في 21 اذار/مارس في البداية في ثماني قاعات ليستمر عرضه اثر ذلك في قاعة واحدة تتسع لالف متفرج ما يرشحه حسب محسن لتحطيم الرقم القياسي في المشاهدة الذي احرزه "تايتانيك" والذي بلغ 30 الف متفرج.

وفي الاثناء اظهر استطلاع اجرته صحيفة "الوطن" القطرية تأييد أغلبية القطريين لعرض فيلم "آلام المسيح" وقال 81 بالمئة من العينة العشوائية التي استطلعت الوطن آراءها انها تؤيد بشكل عام عرض هذا الفيلم في الدوحة بينما عارض ذلك 16 بالمئة ولم يعلق عليه 3 بالمئة.

لكن عرض الفلم في قطر لم يسلم من انتقادات شديدة على مواقع الانترنت وفي بعض الصحف واتهم المعارضون ادارة سينما قطر "بقلة الغيرة على الدين".

بيد ان الداعية الاسلامي المعروف الشيخ يوسف القرضاوي اباح مشاهدة الشريط للبالغين "كونهم لا يؤمنون بأن عقيدة الصلب صحيحة" وتحفظ على رؤية الصغار للفيلم "حتى لا تنطبع صورة صلب المسيح في نفوسهم".

واشار الى ان الفيلم "يجسد جريمة من جرائم اليهود التي ارتكبوها طوال الفي سنة وآخرها قتل الشيخ القعيد احمد ياسين".

غير ان القرضاوي اكد في الوقت نفسه ان "الاصل عند المسلمين عدم السماح بعرض صور الرسل الكرام على شاشات السينما او التلفزيون لان كل مؤمن عنده صورة لهؤلاء الرسل العظام كسيدنا محمد وابراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام فكل مسلم لديه صورة عظيمة في مخيلته لهؤلاء الرسل واذا وجد احد من هؤلاء الرسل يجسد سينمائيا فتهتز الصورة في نفسه".

وفي المقابل رأى الشيخ القرضاوي ان الفيلم يحمل ايجابية مهمة جدا حيث كشف الستر عن "جريمة اليهود في تقديم المسيح للصلب" وقال "رغم اننا نعتقد انه لم يصلب فهناك جريمة ارتكبت والذين مهدوا لهذه الجريمة وساعدوا بتقديم المسيح الى الصلب هم اليهود".

واكد عبد الرحمن محسن ان "اباحة الشيخ القرضاوي مشاهدة الفيلم لعبت دورا حاسما في الاقبال على الشريط".

ومع ان الرقابة في قطر درجت على حظر صور او مشاهد تجسد الرسل فانها "اجازت عرض فيلم الام المسيح كاملا" حسب عبد الرحمن محسن.

وعن تفسيره للاقبال الذي لاقاه الشريط عزا مدير عام سينما قطر الامر الى "الفضول لمشاهدة هذا العمل الذي اثار ضجة والى جدة الموضوع على المنطقة".

وترافق عرض فيلم "الام المسيح" مع حركة سينمائية لافتة في قطر. فقد تم الاعلان لاول مرة عن اشتراك قطر في انتاج شريط سينمائي مع فرنسا يحمل عنوان "المعركة البحرية" و يتم تصويره بين قطر واليمن حسب ما افاد منتجه الان ديباردييه ومخرجه بروني باتريك وسوف تكون مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع التي تراسها حرم امير قطر الشريك المحلي في انتاج الشريط.

وقال المستشار الثقافي لمؤسسة قطر الشيخ حسن بن محمد بن علي ال ثاني ان الفيلم "يهدف لاظهار صورة اخرى للعلاقة القائمة على التفاهم والحوار والتكامل بين الشرق والغرب".

من جهة اخرى بدات الصحف القطرية تنشر اعلانات حول افتتاح "اكبر مجمع سينمائي في الشرق الاوسط" حيث توجد 14 شاشة عرض في مجمع واحد تعرض احدث الافلام العالمية ومنها "الساموراي الاخير".

موقع الـ MSN في

29.04.2004

 
 

"آلام المسيح"

متحف هائل من الرعب

سلطان القحطاني

ليس من السهولة أن تتسنى لك الفرصة لمشاهدة ملحمة غيبسون "آلام المسيح "، ولكنني حصلت عليه، أعترف أنني مفتون بغيبسون منذ زمن بعيد وهذا هو المحفز الذي حفزني للحصول على الفيلم ومشاهدته ، دوما ماكان يتسرب لي يقينٌ واضح بأن غيبسون مؤدلج من رأسه حتى أصابع قدمية ، وبدأ يصبح أكثر تطرفا أيدولوجيا في أفلامه الأخيرة ، لكن أفلامه دوما ماتحتوي على صبغة مغرية، أقول هذا وأنا أسترجع مشاهدتي لأبرز أفلامه المهمة "القلب الشجاع " و"الوطني" و"آلام المسيح "، كان يتحدث في القلب الشجاع عن المقاتل الباحث عن الحرية "ويليم والاس" ، عندما كانوا يطلبون منه أن يركع مقبلا شعار السلطة ولكنهيرفض و يصرخ : حريــــة .... حرية ، كانت لمحة سينمائية مبهرة لم أستطع التخلص من نشوتها إلى هذه اللحظة.

"قبيل افتتاح فيلمه "آلام المسيح" في صالات السينما الأميركية أحدث دويا لايمكن تجاهلة ، بسبب تناوله موضوعا شائكا عن ساعات المسيح الأخيرة وفقا للأناجيل الأربعة التي تحمل اليهود مسؤولية دم المسيح .

إنها الموسيقى . وهكذا يبدأ الفيلم بمقطوعة حزن موغلة في نشيجها الموسيقى وقمر تحيط به حزمة من الضوء الأزرق وكأن " غيبسون " أراد أن يوصل الإيحاء بشكل سريع لتهيئة المشهد المقبل ، وهو مشهد روحاني حزين ، وتمضي الكاميرا المحمولة لتتجول بين الأشجار ويبدو واضحاً شبحُ شخص يبتهل ولكن المشهد لايسلط الضوء واضحاً.

ترتجف يدا المسيح وهو يحاول أن يسندهما على جذع شجرة مجاورة ، وتتماهى مع المشهد لمسة ضوء أزرق والكاميرا تستند عليه من الخلف ليستمر غموض المشهد حتى هذه اللحظة السينمائية كما أراد لها المخرج ، ولكن بعدها يظهر وجهه جليا وواضحاً وهو يسيرإلى أصحابه. ما زالت السماء زرقاء ونعيقٌ صارخٌ يعبر السمع في وسط هذه الروحانية عندما رفع أصحاب المسيح رأسهم للقمر، إنه القمر نفسه الذي ينظرُ إليه أحبار اليهود وهم يحادثون "يهوذا" الواشي الذي يدلهم على مكان المسيح، وهناك هلعٌ خفي ينبع من عينيه ، ولعل من روعة المشهد وقوفة أما مواقد النار ، ونشرها ضوءاً خافتاً عليه .

" ثلاثين .... اتفاق بيني ...وبينك " بهذه الكلمات العربية كانت النتيجة واضحة : يتسلم يهوذا ثلاثين قطعة نقد نظير وشايته ، هنا تبرز لمحة المخرج المبدع ، غيبسون عندما نسج هذا المقطع سينمائياً أراد أن يظهر إحتقاره الداخلي بحكم عقيدته المتدينة ، أراد أن يجعل من " يهوذا " دنيئاً أكثر مما تقتضيه الظروف ربما . صوت النقود يرتطم داخل حزمة من القطن ، ويقذفها الحبر في وجه يهوذا بقوة مما يجعلها تتساقط على الأرض الصخرية ، يهوذا ينحني لإلتقاطها بخوفٍ وهلع ، ينظرون إليه بإحتقار : إنه واشٍ رخيص ... وأحد حواريي المسيح ، لم يستطيعوا نسيان هذه الفكرة .. وانصرفوا ، إلى أين ؟ .. إلى المسيح بالطبع ، هناك ..هناك ، تحت تلك السماء الزرقاء والقمر الفاقع اللون ، والأشجار التي حفظت تراتيل المسيح المطارد ، وهو هناك .

المسيح تتعالى أنفاسه والكاميرا تتبع أصحابه الذين ينظرون إليه ، كان المسيح يدعو بقلبه وينظر للسماء وأنفاسه تتلاحق ، ويرفع رأسه وصدره وحواريوه ينظرون إليه بنظرات زائغه ، يقع على الأرض ويتألم وتنهمر الموسيقى بحزن شفيف لتكمل الروعة الساحرة . يخاطب السماء .. يتحدث للأب ، يطلب منه أن يحفظه ، ينحني على الأرض بشبقٍ وحزن ويرفع رأسه مرة أخرى ، يرى زرقة السماء وبياض القمر ، هناك في الأعلى من سينجدة ، هناك من يخاطبه : " لست وحيداً .... أبداً .. أبداً ..أبداً " ، ويرفع رأسه بعدها للسماء مخاطباً الأب ويدعو بحزن شديد .

غيمة تحجب القمر ، فيسقط بعدها المسيح على الأرض ، هناك من ينظر له ويحدثه  متسائلاً ومستذكرا الأب الذي في السماء ، الكاميرا تتخذ وضعا أفقيا والمسيح ممدد على الأرض ، وتتحول إلى وجهه مباشرة وهو يشد براحتيه على العشب ويسئل : من هو ؟ ، وبعدها يتسلل إليه ثعبان ، الكاميرا تعود لوضعيتها السابقة وترتفع بمشهدها للأفق ، حيث يبدو المسيح الممدد على الأرض وبجواره الثعبان ، وتعود بعدها الكاميرا إلى وضعيتها المعتادة ليبدو الثعبان مواجها للكاميرا وهو يعبر مقارباً ليدي المسيح ، ويقترب الثعبان ويوقظ المسيح ، وينهض بعدها بسرعة شديدة حتى يستوي واقفاً مرافقا لذلك نهوض للكاميرا وارتفاع للرتم الموسيقي الحزين ، ينظرُ بعينين زائغتين ، يترنح في كل الإتجاهات ، يستند على حائط صخري بيدية ويدهس بقدمة الثعبان ، ربما حان الوقت لقد جاء الجنود .

الغابة مليئة بالضباب تحولها السماء إلى أزرق ، ومن بين الضباب تتضح من بعيد ، من أول الغابة ضياء مشاعل النيران التي يحملها الجنود الرومان يرافقهم أحبار اليهود ، إنهم يمشطون الغابة بحثاً عنه ، المسيح يحادثه  حواريه  ولكنه لا ينتبه لما يقولون ويمضي ، يمضي مواجها الجنود : " إلى ماذا تنظرون ؟ " ، يتبينونه بضوء مشاعلهم ويحادثونه بأنهم يبحثون عن المسيح ، يقول بكل هدوء : " أنا هو " ، كان مع الجنود يهوذا الواشي ، قذفوا به على الأرض وترتفع بعدها آهة موسيقيه مرافقة للمشهد ، وتلتقي عينا يهوذا بأعين المسيح وحواريه الثلاثة الذين كانوا معه في الغابة ، يقترب يهوذا من المسيح ، تلتقي عيناهما وقبل يهوذا المسيح على خده الأيمن ، يخاطبه المسيح بحنو ورأفة ويكاد يهوذا يهوي من الرعب ، يقترب الجنود من المسيح وتلتقط الكاميرا تعابير وجه أحد حواريه ، وهنا أراد غيبسون أن يوحي للمتابع بهيئة المشهد القادم ، يقترب الجنود من المسيح ويشهرون مشعل الضوء في وجهه للتأكد من هيئته ، عندما تأكدوا .. لحظتها قبض أحدهم على كتف المسيح فركض مسرعا إلى الجندي ودفعه بقوة ، لحظتها هجم الجنود وتعاركوا مع حواري المسيح . يهوذا يهرب مسرعا وهو الذي كان يراقب المشهد ، المسيح ينظر له بعينين ذابلتين يرافقهما مشهد مشاعل الضوء وهي تتراقص في أيدي الجنود وهم يحاولون القبض على حواريي المسيح ، يأتي صوت الكمان المتتابع ليضيف نكهة باهرة على المشهد ، كانتا عينا المسيح تقول : لماذا فعلت بي هذا يايهوذا ..؟.

قُطعت أذن أحد الجنود ، تدخلت المؤثرات الصوتية لتشعل صوتا مزعجا ويهوي على أثرها صاحب الإذن المقطوعة على الأرض مجاوراً للمسيح، الجنود الآخرون يقتربون من عنق أحد حوارييه الذين رافقوه في الغابة ، يأمرهم المسيح بإلقاء السيوف ليعيد لصاحبهم أذنه واعادها ، تسمع الأصوات الغريبة وينهض الجنود بهلع ويقبضون على المسيح بخوف ، وصاحب الأذن المقطوعه ينظر له بإستغراب ، يقود الجنود المسيح ويضربه أحدهم بعنف بسلسلةٍ من الفولاذ لحظتها تنهض مريم من نومها مفزوعةً ، تخاطب النائمة معها : أنصتي . .. لماذا هذا المساء يختلف عن غيره ؟ ، تقتربان إلى ركن المنزل وبصرهما شاخصا يحدق بالباب ، المكان مظلم ، لحظتها ينكسر الباب بقوة وتتسرب حزم الضوء الزرقاء لتملأ المكان ، إنه أحد حواريي المسيح الذين هربوا من الجنود ، يخبرهما أنهم قد  أخذوه ... لقد أخذوا المسيح .

ضربوه بشراسة وأمعنوا في إهانته ، قذفوه إلى الأسفل حيث يسجن يهوذا ومن ثم سحبوه إلى الأعلى ، من تلك اللحظة أصبح يهوذا برى وحوشا تربص به وكأن هذا كان عقابا له على وشايته الدنيئة .

يحضرُ الجنودُ المسيح ليستجوبه أحبار اليهود ، ويحضر الحاكم الروماني ، توقفه مريم وتصرخ فيه لكن أحد الجنود يزيحهها ويتحدث للحاكم بلغة عربية معوجة : " هذي مرة ... خبلى " أي أنها مجنونة فيبتسم الحاكم ويمضي . بعينية الصامتتين ينظر المسيح لأحدهم وهو يطرق بالمطرقة على الآرض ، ويستذكر المسيح نفسه وهو يقوم  بالنجارة في بيتهم محاولا صنع طاولةٍ للطعام ، تناديه أمه من الداخل : " يسوع ...يسوع " ولكنه لايجيب لنه منهمك في العمل ، تخرج إليه وتنظر إليه من خلف الطاولة : " هل أنت جائع.. ؟ " ينظر إليها بهدوء : " نعم ... أنا كذلك" ترفع بصرها وتنهض وهي تتحسس الطاولة : " إنها طاولة طويلة جداً ...لمن هذه ؟ " الكاميرا تدور والمشهد يتتابع بموسيقى هادئة تضج بالفرح ، تطلب منه أن يغسل يديه لتناول الطعام ، يغسل يده ويسكب عليها قليلا من الماء ويقبلها .

تنتهي الذكرى وتعود الكاميرا لمشهد المسيح وهو ينحني في إطراقة إنكسار ، ويرفع رأسه ليشاهد امه تنظرُ إليه ، يدفعه الجنود ويرتفع صوت الناي بحزن متماهيا مع حزن المشهد ، وتدعو له ثم تضيف : " آمين " .

الحاكم الروماني حائرٌ في الداخل ودموع زوجته تنهمر ، يطرق الباب بقوة تنهض زجته مفزوعة وتتبعها بشهقة وهو يخاطب مساعده: " ماذا ... نحن في منتصف الليل ..؟ " ييبدي أسفه ويعاجله الحاكم : " مالمشكلة ؟ "  ويخبره المساعد بالحادثة .

يقوم أحبار اليهود بإستجوابه بسخرية وتهكم ، يحاولون سحق معنوياته عبر ضربه وشتمه وإهانته وإنكار صلته بالإله ، وأن بإستطاعته هدم الهيكل وبنائه في ثلاثة أيام ، وإنكار جميع معجزاته ، بل ونسبوها للشيطان الذي يتعامل المسيح معه على حد زعمهم ، بعدها تنهمر الصرخات / " الموت...الموت " ويتلقى المسيح صفعة من أحدهم  وتنهمر بعدها من الجميع ، الكاميرا تسير يرافقها الصوت الموسيقيُّ المبهر وهي تأخذ الوضع الإنتصافي في تصنيف الكادر ، وتمضي الموسيقى مرتفعا صوت الناي الحزين وصوت كمان يرتفع تارة ويدنو تارة أخرى .

يهوذا يشعرُ بندم شديد يتملكه ويأكل جسده ، يذهب للأحبار ويطلب منهم أن يأخذوا نقودهم ويتركوا المسيح لكن الجواب يأتيه حاسما : " خذ نقودك وأذهب ... اذهب الآن " ، يقذف يهوذا بالنقود بغضب ويمضي ، تنتقل الكاميرا لمشهد الأطفال الذين يلعبون ويصلون إلى حائط منزوٍ يقبع يهوذا خلفه حزينا نادما ، يحادثه الأطفال : " هل انت بحاجة للمساعدة " يصرخ : " أتركوني لوحدي .... سأعيش وحيدا " ويغرق في نوبة هيستيرية .

تذهب السيدة مريم لكي ترى أبنها في سجنه ، وبقلب الأم تهتدي مريم إلى مكان إبنها في الأسفل وتنحني على الأرض لتلامس بوجهها الفاصل بينها وبين أبنها ، وتغمس رأسها في الأرض الصلبه .

يهوذا يقرر أن ينتحر ، وفعل ذلك بالفعل .

كانت زوجة الحاكم الرماني تحذرة من قتل المسيح وتخبره بأنه أحد القديسين  الذين لايجوز المساس بهم لكن الحاكم يبدو واهيا وضعيفا أمام ظغط اليهود ، ولكن في الصباح أصر اليهود على قتله ولكن الحاكم تسائل : " مالذي فعله هذا الرجل ؟ " ، وبعدها يجيبونه بانه من أخطر الأشخاص على الدولة وعلى سلطة الرومان ونفوذ القيصر ، أثناء ذلك يرفع المسيح بصرة فيشاهد حمامة بيضاء ترفرف بالأعلى ، ويستمر الكادر مصوبا عليها ولكن ربما يلاحظ المشاهد أو المختص أن توقف الحمامة بهذه الطريقة هي خدعة تقنية واضحه ، بعدها يطلب الحاكم المسيح على انفراد يطلب من حراسة الذهاب يطلب من المسيح الشرب لكن المسيح لايتجاوب معه ويتحادثان إلى أن يأتي سؤال الحاكم : " هل أنت ملك ؟." فيجيبه المسيح :" مملكتي ليست في هذا العالم " .

يذهبون به إلى حاكم آخر ويحدثه : " هل أنت ملك ؟ .... أجبني " ويرفض المسيح الأجابة ويرفض الحاكم الحكم ويطلب منهم العودة إلى الحاكم الأول . الحاكم الأول يقرر تعذيب المسيح بشدة ولكن دون أن يؤدي ذلك لقتلة ومن بعدها يطلق سراحه.

يساق المسيح إلى جلاديه الرومان وهو محاط بثلة من اليهود الذين يبصقون عليه ويرمونه بالحجارة. يشد المسيح إلى صخرة ويبدأ الجنود بجلدة بسياط ثبت في أطرافها قطع من الحديد ، ويستمر الجلد حتى تتطاير قطع اللحم من ظهرة ويتسربل بالدم في أكثر اللحظات السينمائية دمويةً وقسوة في تاريخ الفن السابع ، حول غيبسون اللقطة إلى متحف موجع من الرعب والألم لم نشاهد لها مثيلاً .

ومريم التي تشاهد مايحدث لأبنها وتبكي ويجعلها غيبسون في موضع كلوز قريبا من الكاميرا وتبدو دموعها التي تنزلق على خدها وهي تتألم ، كل ضربة على ظهره كانت تعتصر قلبها هكذا جعل غيبسون المشهد يبدو ، ويتألم أيضاً " يوحنا " أحد حواريي المسيح الذي يعتصره الألم وهو لايستطيع أن يدافع عن معلمه .

في ذروة الألم تمر على المسيح ذكرياته عندما كان يداوي الناس ، وتنقطع الذكريات عندما يأتي أحد الأشخاص صارخا في معذبيه : " توقفوا .... توقفوا " ، يتركون المسيح وهو غارق في دمائة ، ويقومون بسحبة ، ويوضع في نهاية الأمر في احد السجون الرومانية ويضعون على رأسه إكليلاً من الشوك ، ويقومون بصفه والإستهزاء به .

يلتقي المسيح بالحاكم الروماني وينظر له الحاكم بحزن ، يسحبه من ذراعه ليطل به على جموع اليهود الغاضبه الكاميرا تأتي من الخلف ليتضح كثرة عدد المطالبين برأسه ، يأتون للحاكم بآنية من الماء الحاكم يهم بوضع يديه وتقترب الكاميرا من الماء مخترقة خيط المشهد الأول لتدخل في ذاكرة المسيح وهو يتذكر الآنية التي يغسل يدية فيها وطلابه أثناء العشاء الأخير ، يعود المشهد للحاكم الذي يغتسل بيديه ويخبرهم بأنه برئ من دم هذا الرجل ، ولكنهم يصرخون : " دمه علينا وعلى أبنائنا " هذه الجملة الشهيرة التي يعترفون فيها بمسؤليتهم عن دم المسيح تحدثوا بالعبرية وتم تجاهل الترجمة الإنجليزية لها رضوخا لظغط الجماعات اليهودية التي ظغطت على غيبسون ، لقد طالبوا غيبسون بحذف المشهد كاملا لكن غيبسون اكتفى بحذف الترجمة فقط .

يخرج المسيح وهو يحمل صليبه في طريق طويل " طريق الآلام " ، وفي الطريق يتعرض للضرب والإهانات ، ويقع عدة مرات مع صليبه الخشبي الثقيل ويركله الجنود بعدها وفي إحدى المرات التي يسقطُ فيها المسيح تشاهده أمه فتهرع إليه ، وتنتقل الكاميرا إلى مشهده صغيرا حين يتعثر في كومة القش بجوار منزلهم عندما كان صغيرا وتهرع أمه إلية .

ربما يكون غيبسون أسهب في إستنطاق الأزمنة الماضية التي كانت تصور ذاكرة المسيح عبر فلاشات أضافت للفيلم لمحة ساحرة .

يصل المسيح إلى مكان صلبه في لمحةٍ حزن يعاونه أحد حوارييه ،  وبعدها يأتي المشهدُ الأكثرُ إيلاماً في الفيلم حينما يتم شد المسيح على الصليب بقوة ويتم تثبيته بالمسامير على يدية ورجليه ، وينهمر بعدها الدم بغزارة مبهرة .، وتنهمر الموسيقى بنحيب مدوٍ وعينا معاون الحاكم تنظر للمسيح ، المسيح ثبتوا يديه بقوة لقد كان طرق المسامير في اليدين أبرع ماصورة غيبسون من ذروة الألم في الفيلم.

يقابله اليهود بسخرية ويقولون له طالما أنه رسول فلماذا لاينجيه الله ولكنه يجيبهم بجملة خالدة : " ربي اغفر لهم ..إنهم لايعلمون مايفعلون ".

أمه تنحت الأرض بيديها من شدة ألمها على ابنها ، يقلبون الصليب فيقع والمسيح مثبت عليه على وجهه فتسقط معه الكاميرا وتوازي بينه وبين أمه في المشهد ، يجمعهما الألم وهي تطلب منه أن يأخذها معه لتستريح من عذابها ورؤيته وهو ملئٌ بالألم ، ينصب الصليب والمسيح مثبت عليه, يقطر دما. تتوجه إليه أمه مريم وتقبل قدمه وتطلب منه أن يأخذها معه لتستريح من رؤيته وهو يتألم ، بعد أن صلبوه ارتجت السماء عندما نظر إليها نظرته الأخيرة قبل أن يسلم الروح ، طغت ريح مروعة على المكان واهتز الجبل المثبت عليه الصليب فأصيب الجنود بعدها بالهلع والخوف .

يأتي الزلزال فيحطم الهيكل على أحبار اليهود ، ويصرخ الشيطان بعدها من العزلة صرخة ترتفع للسماء مع ارتفاع الكاميرا بشكل أفقي يعتلي الكادر المحدد الأوسط ، ثم تأتي صورة للسماء الساطعه ، وتأخذ مريم ابنها وتحتضنه ، بعدها تنتق الكاميرا إلى مشهد مظلم ، ومن ثم بابٌ يفتح ليعم الضزء ، لنشاهد المسيح وهو معافى من كل الآلام وعلى أجمل صورة ولكن يديه مازال بهما فجوتين من آثار الصلب .

ربما إنتهى الفيلم لكن الدهشة لم تنته بعد ، لقد إستطاع غيبسون أن يبرهن أنه رقمٌ صعب في الإنتاج السينمائي العالمي ، واسم أمامه العديد من الإشارات الحمراء وعلامات : قف .

Sult19@hotmail.com

سلطان القحطاني

موقع "إيلاف" في

02.05.2004

 
 

شاهدته مرتين: مع الجمهور الأمريكي وبين الجمهور المصري

فيلم ميل جيبسون يثبت تاريخيا عروبة المسيح

لؤي محمود سعيد

* باحثة أمريكية: نصف الأمريكيين لا يعرفون من هو المسيح والجمهور تعامل معه باعتباره «فيلم رعب» دمويا!

* لغة المسيح وملابسه وبيئته التاريخية تؤكد أنه عربي صميم

* مشاهدة مسلمة تصيح وهي تبكي علي المسيح «يا حبيب قلبي يا خويا»

* مشاهد مسلم: هل توافق الكنيسة المصرية علي عرض فيلم عن المسيح من وجهة النظر الإسلامية؟

إنها حقا تجربة مثيرة أن تشاهد فيلما مثيرا للجدل مثل «آلام المسيح»، وسط مقاعد الجمهور الأمريكي.. ترصد انفعالاتهم وردود أفعالهم تجاه هذا الفيلم، وتتناقش معهم وتستمع لآرائهم حوله وحول أسباب نجاحه المذهل في أمريكا، لكن الأكثر إثارة حقا أنني قد كررت نفس التجربة وسط جمهور مصري عربي محاولا رصد اختلافات ردود الأفعال والآراء عن الجمهور الأمريكي فكانت النتيجة في الواقع غير متوقعة تماما!!

المسيح في أمريكا

منذ اليوم الأول الذي وطأت فيه قدماي أرض الولايات المتحدة الأمريكية كان لدي هدف أساسي هو مشاهدة فيلم «آلام المسيح»،  فلم يكن الفيلم قد عرض بعد في مصر، ولم تكن توجد أية مؤشرات بعد علي أنه سيعرض بها.

تعجب في البداية مرافقي كارتر لبتون أمين متحف ميلووكي من رغبتي تلك، لكنه اصطحبني في النهاية لمشاهدة الفيلم الذي كان الشغل الشاغل لوسائل الإعلام الأمريكية المختلفة وقتها. كان الفيلم معروضا في إحدي صالات العرض الاثنتي عشرة التي يضمها مجمع ضخم في مدينة ميلووكي ومع أن الحفلة كانت في ظهيرة يوم عمل عادي فإن القاعة كانت مكتظة بالجمهور الأمريكي بالطبع.

طوال عرض الفيلم لم يكن يقطع حالة السكون العميق سوي صوت نحيب متقطع أو بكاء مكتوم بل كانت تنطلق أحيانا صرخات أو آهات خافتة... كان حرصي علي متابعة الفيلم لا يقل أبدا عن اهتمامي برصد ردود أفعال جماهير المشاهدين داخل القاعة. قناة إيه. بي. سي نيوز الأمريكية فعلت ما هو أكثر من ذلك، فقد تمكن مراسلها من أن يخفي كاميرا تصوير ليلي من ذلك النوع المستخدم في العمليات العسكرية وذلك في إحدي دور العرض، وتمكن من تصوير ورصد ردود أفعال الجمهور تجاه مشاهد الفيلم المختلفة... فكانت النتيجة مثيرة عندما عرضتها القناة التليفزيونية.. كانت النساء بالطبع هن الأكثر تأثرا بمشاهد التعذيب، بعضهن كان يغطي وجهه عندما تشتد حدة تلك المشاهد، والبعض الآخر كان ينتفض من فوق كرسيه مع كل ضربة سوط فوق جسد المسيح، بينما كانت أخري تمسك بمنديلها تجفف دموعا منهمرة لا تنقطع.

علقت بتسي بريان أستاذة  المصريات بجامعة هوبكنز الأمريكية علي ذلك الاهتمام الجماهيري بالفيلم في أمريكا في حواري معها بأنه يأتي من منطلق لا علاقة له بالبعد الديني، فهي تري أن الجمهور الأمريكي تعامل معه باعتباره «فيلم رعب»، فيلم مليء بمشاهد دموية من النوع الذي يجتذب جماهير الشباب والمراهقين! تعجبت وسألتها: ولماذا لا يكون التعاطف مع شخص المسيح ومعاناته هو سر النجاح؟! أجابتني بثقة: يمكنني أن أؤكد لك أن ما يقرب من نصف الأمريكيين لا يعرفون شيئا عن المسيح أو من هو!! وأضافت: أنا أعتقد أن هذا الفيلم لن يؤدي إلي شيء سوي تعميق إيمان المتدينين بالفعل، لأنه لا يقدم قيما أو أخلاقيات مسيحية يمكن أن تجتذب غير المؤمنين، واتفق معها الأثري كارتر لبتون قائلا: إن هذا الفيلم مثلا لا يقول لنا سبب ودوافع العداء الشديد الذي دفع اليهود الفريسيين إلي الإصرار علي قتل وصلب المسيح.. فغالبية الجمهور ليست لديه أدني فكرة عن أصل هذه الواقعة وأحداثها في الكتاب المقدس... فالفيلم مجرد تسجيل دموي لأحداث لا يفهمها.

قلت لهما: لكن هذا الفيلم وغموض أحداثه قد يؤدي ببعض المشاهدين إلي التساؤل والبحث ومحاولة الحصول علي معلومات أوسع حول المسيح وتعاليمه وصراعه مع اليهود... واستشهدت علي رأيي هذا بما اهتمت القنوات الأمريكية بإذاعته وقتها حول اعتراف قاتل بجريمته ولص بسرقته بعد مشاهدتهما لفيلم ميل جيبسون حسبما أكد كل منهما للشرطة. نظر إلي الجالسون وكان أغلبهم من الأثريين الأمريكيين وقال لي أحدهم: وما  رأيك أنت في الفيلم كعربي مسلم؟ أجبته بلا تردد: لا يمكنني أن أخفي سعادتي البالغة بالفيلم مبدئيا... وواصلت حديثي بعد أن لمحت علامات الدهشة تعلو وجوه الحاضرين: لقد أثبت ميل جيبسون أنه ليس من الصعب هزيمة اليهود، «دراميا»، علي الأقل رغم كل ما يتمتعون به من سطوة ونفوذ، ورغم كل ما يحاولون أن يوهموا به العالم من أنهم أقوي من أية مواجهة.. فرغم محاولاتهم المستميتة لقتل الفيلم حتي قبل تصويره فإذا بهم يفشلون في ذلك بل ويتحول عداؤهم له لواحد من أهم أسباب نجاحه في العالم. قال لي أحدهم: وبعيدا عن السياسة فما رأيك فيه؟ قلت له: أنا أراه في الأساس فيلما سياسيا وليس دينيا نتيجة للظرف التاريخي الذي خرج فيه للنور... وأضفت: لقد أثبت ميل جيبسون أن المسيح عربي مائة بالمائة من حيث لا يدري... وتلك ليست مبالغة بل حقيقة علمية. وقبل أن يتهمني أحدهم بالتميز شرعت أوضح وجهة  نظري:

لقد اجتهد جيبسون كمنتج ومخرج ومشارك في كتابة الفيلم أن يستلهم الملابس والموسيقي التصويرية والوجوه واللغة والديكورات بصورة أقرب للواقعية وللظروف والأماكن التاريخية التي عاش فيها المسيح، فجاءت جميعها عربية من حيث لا يدري.

فاللغة الآرامية التي استخدمت كأساس للنص الحواري في الفيلم باعتبارها لغة المسيح رغم أن أقدم إنجيل كتب باليونانية ليست سوي إحدي اللغات «العروبية»، القديمة كالسيريالية.. والفينيقية والكنعانية والعربية بل وحتي العبرية نفسها.... وغيرها. فجميعها ليست سوي لهجات تنتمي للغة أم قديمة واحدة عروبية حتي إن اختلفت طريقة كتابة كل منها.. نظر الحاضرون بعضهم لبعض مندهشين.. ثم واصلت: ودليلي علي ذلك هو قدرتي مثل أي عربي علي فهم الكثير من كلام الفيلم ولغته الآرامية بما فيه الجملة المحذوفة من الترجمة «تحت ضغط اللوبي اليهودي في أمريكا»، وهي: «دمه علينا وعلي أبنائنا»، حيث بدت واضحة كأنها عربية فصيحة حينئذ علق صبري عبدالعزيز رئيس قطاع الآثار المصرية قائلا: نعم لقد لاحظت أنني أفهم الكثير من كلمات الحوار كأنها بالعربية: ثم أكملت متسائلا: ألم يكن المسيح الناصري الجليلي من منطقة فلسطين؟ فردوا بالإيجاب... فسألتهم: إذن فقد كان عربيا وليس مجرد شرقي فلماذا تبدو ملامحه في الفيلم كأنه أوروبي أو أمريكي؟ وواصلت بدون توقع أي إجابة: إن ملامح جميع ممثلي الفيلم هي عربية شرقية أصيلة إلا ملامح المسيح الذي اعتمد فيه جيبسون علي الصورة الغربية التقليدية التي صورته وكأنه مواطن أوروبي أو أمريكي غربي وتناست أصله العربي الصميم... وهو تناقض يظهره الفيلم بوضوح، وأنتم كأثريين يجب أن تنظروا للموضوع بمنظور علمي محايد.

قال لي أحدهم والدهشة ترتسم علي وجهه: أنا لم أفكر في هذا من قبل لكن الأمر يستحق الدراسة فعلا.

حينئذ ختمت استعراض وجهة نظري التي أثارت البعض قائلا: أنا أعتقد أن التحالف غير الشريف بين الوالي الروماني بيلاطس وقيافة اليهودي رئيس الكهنة ليس سوي التجسيد لنفس التحالف القائم بين أمريكا وريثة الإمبراطورية الرومانية وإسرائيل ضد العرب، وهو التحالف غير المقدس الذي اتفق فيه الطرفان مع اختلاف دوافعهما علي التخلص من الإنسان البار البريء. ـ عــلي حد قول بيلاطس ـ صاحب القيم النبيلة ورسول الحق والحقيقة للبشرية الذي هدد بتعاليمه السامية نفوذ اليهود المادي واحتكارهم الكاذب للإيمان والشريعة الإلهية.

عندما عدت إلي مصر كانت دهشتي كبيرة عندما عرفت أن الفيلم قد صرح له بالعرض الجماهيري وتساءلت مندهشا: هل وافق الأزهر علي ظهور المسيح علي الشاشة؟ قيل لي إن الأزهر لم يعترض ولم يوافق وآثر السكوت... ربما بسبب موقف اليهود من الفيلم فلم يشأ أن يكون سببا لمنعه في مصر بما قد يفهم خطأ أنه موقف مساند لليهود.

حينئذ حرصت علي مشاهدة الفيلم وسط الجمهور المصري لعلي أرصد رد فعله تجاهه مقارنة بالجمهور الأمريكي واخترت لذلك ليلة عيد القيامة التي ترتبط بأحداث الفيلم ذاته ارتباطا وثيقا أول ما لفت نظري أن الإقبال علي مشاهدته في مصر عكس ما هو متوقع متواضع جدا وهو شيء غريب رغم الضجة المثارة حوله، كما أنني اندهشت كثيرا من أمرين في غاية الأهمية... أن عرض الفيلم تصدرته جملة بالعربية لا أعرف من وراءها... هل هي الرقابة أم مستوردو الفيلم.. وهي تقول: «الفيلم يعبر عن وجهة نظر صانعيه فقط»، وذلك لأنها حقيقة بديهية أن أي عمل درامي يعبر بالضرورة عن رؤية صاحبه لكنها أعطتني انطباعا أن ذلك نوع من التملص من المسئولية أو الاتهام «بمعاداة السامية»، خاصة أن منتجي الفيلم أنفسهم لم يكتبوها.

أما ما أزعجني جدا فهو أن الترجمة العربية للفيلم قد خلت من الجملة التي اعترض علي ترجمتها اللوبي اليهودي إلي الإنجليزية من الآرامية علي لسان كهنة اليهود: وهي «دمه علينا وعلي أبنائنا»، عندما غسل بيلاطس يده متبرئا من دم المسيح... وأنا أتساءل: لماذا لم تترجم هذه الجملة؟ وهل كان ذلك ضمن شروط عرض الفيلم في مصر؟ أرجو ألا يكون ذلك صحيحا.

لكن دهشتي الحقيقية كانت في ردود أفعال الجمهور المصري.. فهي وإن لم تختلف كثيرا عما شاهدته في دار العرض الأمريكية، لكن لفت نظري بشدة أن بعض المحجبات كن ينتحبن حزنا علي التعذيب والصلب!!

حتي إن إحداهن وكانت جالسة خلفي ولم تتوقف عن البكاء بحرقة طيلة مشاهد التعذيب كانت تكرر بصوت مرتفع «يا حبيب قلبي يا خويا»، قاصدة المسيح بالطبع: بينما كان زوجها يتمتم من وقت لآخر خاصة عند الجمل المتعلقة بألوهية المسيح ـ «استغفر الله العظيم».

لم أتمالك نفسي بعد انتهاء العرض وسألته عن سبب استغفاره فقال لي: إن الكثير من المسلمين قد يعتقد بعد مشاهدة هذا الفيلم أن المسيح، قد تم صلبه بالفعل وهو ما يخالف العقيدة الإسلامية وما ذكره القرآن الكريم صراحة:

«وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم».. وأضاف: لقد تأثرت زوجتي بشدة بالفيلم وتعاطفت مع البطل متخيلة أنه المسيح فعلا.... أنا نادم أنني قد جئت بها. قلت له: لكن هذا لا يمنع أن نطلع علي رؤية وعقيدة الآخرين حتي ولو اختلفت معنا. فسألني: هل لو أنتج المسلمون فيلما عن المسيح من وجهة النظر الإسلامية وقالوا فيه إنه لم يصلب... هل سيسمح بعرضه في مصر؟ وهل ستوافق الكنيسة المصرية مثلا علي إنتاجه أصلا؟ لم أستطع الإجابة عليه... لكنه أضاف: أعتقد أن تلك الأمور العقائدية الخلافية لا يجب أن تتصدي لها الدراما حتي لا تحدث خلافات أو انقسامات... قلت له: هذه وجهة نظرك وقد يختلف معها البعض انتهي حواري مع المشاهد... ولكن لن يتوقف الجدل حول هذا الفيلم لمدة طويلة بالتأكيد.

جريدة القاهرة في

04.05.2004

 
 

المسيح السوبر ستار:

تداخل الديني .. والسياسي

سالمة الموشي

لم يكن ظهور فيلم الآم المسيح هو الأول من نوعه الذي وظف السياسي في السياق الديني ، فقد استغلت قصة المسيح على نحو كبير في الدراما الغربية على مدارا لسنوات الماضية. ففي العام 1964انتج فيلم ( انجيل متى) وهو فيلم عمل على ربط مأساة المسيح بالفكر الثوري ، وطبقة البروليتاريا في العالم الثالث ، بدت فكرة الأفلام التي تتناول حياة المسيح من أكثر الأفلام تأثيرا ، لأسباب دينيه ،وسياسية ، واجتماعيه ، وتسويقية . وقد سبق فلم الآم المسيح أفلام تناولت ذات الفكرة والهدف مثل فيلم (أليس جي) (وحياة المسيح) (وقبلة يهوذا) (ميلاد المسيح) (نجمة بيت لحم) (ومن المهد إلى الصليب) والقائمة تطول فهناك أفلام صامته ايضا تناولت حياة المسيح مثل فلم ( بن هور) و( ملك الملوك) ومسرحيا  مسرحية يسوع المسيح سوبر ستار) الذي ظل يعرض على مسارح لندن لمدة اثنا عشر عاما متواصله.

في محاولة شبه يائسة لم تتوقف الدراما الغربية عن الاتجاه الى إعادة تكريس القيم الروحية التي بدأت في التلاشي في مجتمعاتهم، هذه المجتمعات التي تحولت الى الصناعية والرأسمالية ثم الى فقدان الكثير من القيم الروحية وهذا الفقد للقيمة الروحية اعتبر احد أهم محرضات السينما الغربية في توجهها الدرامي الى إنتاج الفيلم الذي يلامس الروح الدينية ، والقيم الانسانيه العليا، ويأتي ظهور فيلم الآم المسيح او the passion تعبيرا عن الحاجة الى إعادة مثل هذه الروح الى ثقافة المرئي .

ذات زمن بعيد عبر المخرج اليهودي (ميل بروكس) عن رأيه في صورة اليهودي في السينما العالمية قائلا : .. كيف يمكن ان نصنع دراما دون يهود، أو شواذ، او غجر .!!. منذ ذلك الوقت وحتى اليوم تغيرت رؤية اليهود إلى ذواتهم وصناعة تقييمهم، ونظرتهم للسينما العالمية ونلمس هذا التحول في عبارات مرفين هير مؤسس مركز سايمون – وهو مركز يهودي أمريكي قائلا: (ان فيلم الآم المسيح يصور اليهود بشكل فظيع ويتسبب في ضرر بالغ لهم، ويستعدي كل أعداء اليهود...) ومن هنا بدأت الحرب العملية على الفيلم ومخرجه ميل جيبسون .

حاول اليهود عبر الحقبة الماضية والطويلة تجميل صورة اليهودي في السينما العالميه ، فكان اليهود من أكثر الجماعات غضبا لظهور فيلم الام المسيح ، فقاموا على اثر ذلك بإعادة عرض فيلم ( قائمة شندلر) الذي يصور مزاعم اليهود في محارق النازيه الذي ظهر في العام 1994 وهو فيلم لم تتوانى اليهودية العالمية من تسويقه مثلما سوقت لفكرة الهلوكوست ، حيث قامت باستغلالها سياسيا وعلى نحو فريد لسنوات طويلة وحتى يومنا هذا .

في رواية (الإغواء الأخير للمسيح) كذلك نجد مثل هذا الجدل حول تناول المسألة الدينية في حياة المسيحيين والتي عادة ما تربط بالكنيسة ، وتعاليم المسيح ، فرواية الإغواء الأخير للمسيح لنيقوس كزانتزاكي من الروايات التي ارتبطت بالسينما العالمية في فيلم من إخراج مارتن سكورزيزي في العام 1988 ، وشهدت اثر ذلك جدلا واسعا واختلافا في تقييمه, وتقبل الأفكار المطروحة فيه، فقد اعتبرها النقد اللاهوتي تمثل شخصية المسيح على انه شخص عادي وليس له تأثير قوي على أتباعه مما اثر التحفظات حوله .

باعتبار كل هذه الأفلام تناولت فكرة حياة المسيح ، ما الجديد في فيلم الآم المسيح ل ميل جيبسون…؟؟! الحقيقة ان الفيلم ظهر في توقيت مختلف عما كانت عليه الحال في عرض الأفلام السابقة ، فهو قد ظهر في الوقت الذي يعاني العالم صراعا بين الحضارتين الغربية والشرقية ، صراعا بين الأديان متمثلا في المسيحية والإسلام ، واتساع الهوة بين الأطراف كافة ، وبين هذا وذاك لايمكن إغفال وجود اليهود كطرف خفي ، وأكثر شرا سه في مؤثر الدراما الغربية مثلما هو كذلك في السياسة الغربية .

اعتبر فيلم الآم المسيح من وجهة نظر يهودية – معاديا للسامية _ لأنه يجعل اليهود في مواجهة تاريخية عن مسؤوليتهم التي لا يريدون الاعتراف بها في حقيقة صلب المسيح ، وهو ما وضحه القرآن الكريم في قوله تعلى ( وقولهم انا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وان الذين اختلفوا فيه لفي شك منه مالهم من علم الا إتباع الظن وما قتلوه يقينا...الاية/ النساء. هذا الآية الكريمة ايضا تفسر طبيعة الجدل والتحفظ على عرض الفيلم في كثير من الدول العربية والخليجية.

يأتي ظهور فيلم (الآم المسيح..) لـ"ميل جيبسون" بعد مرور مئة عام على ظهور أول فيلم من هذا النوع (وهو حياة والآم يسوع المسيح) الذي تدور أحداثه حول، وعن حياة المسيح ، بمعنى انها ليست المرة الأولى التي تتناول فيها السينما الغربية حياة المسيح ، ولكن الضجة الاعلاميه، ومقابلها- الاحتجاج من قبل اللوبي اليهودي في المحافل الدولية – ظهر نتيجة التطورات السياسية المستجدة والتي عززها اليهود لصالحهم ، إضافة إلى اختلاف مواقع ، وقوة اليهود في العالم كافه، و تحولهم من أقليه منبوذة ،إلى اقليه ايضا ولكن بقوة ضاربه على المستويات كافة لدرجة التأثير الجدي في ، وعلى وسائل الإعلام الغربي ، والتدخل في صنع الأفكار بما يتناسب وتوجههم السياسي .

يعمل اليهود لتغيير صورتهم التاريخية لدى الشعوب ، فقد أدركوا حجم صورتهم المشوهة في الثقافة الاوروبيه من رواية ، ومسرح، وسينما والتي أظهرت بدورها اليهودي بصورته فظه سواء في الدراما، او الكوميديا؛ وكأنهم ليسوا إلا أولئك الأشخاص الجبناء، والبخلاء، المرتزقة، والمخادعين، المرابين ..... الخ كما في مسرحية (يهودي مالطا) (وشيلوك) في رائعة شكسبير تاجر البندقيه، ولهذا يتفهم الأوروبيون انتقادات اليهود تجاه تاريخهم المشوه في حقيقته، وقد استطاع اليهود تحقيق بعضا من هذا التغيير نتيجة لتخفف المجتمعات المدنية من سيطرة الكنيسة وسطوة اللاهوت عليهم.

في اتجاه أخر عبر ميل جبسون القائم على العمل الآم المسيح في مقابله أجريت معه قائلا..(انه انما يعرض في الفيلم رؤيته للساعات ال12 الأخيرة من حياة المسيح طبقا لرواية الإنجيل ، وان معاداته للسانيه ليست صحيحة وانها مخالفه لمعتقداته..) وهو ما عبر عنه الفاتيكان يوحنا بولس بعد مشاهدته للفيلم قائلا (.انه مطابق لما حدث تماما وانه تصويرا صادقا لما ورد في الإنجيل للساعات الأخيرة في حياة المسيح.

salmoshi@yahoo.com

موقع "إيلاف" في

08.05.2004

 
 

على هامش فيلمه الأخير "آلام المسيح"

ميل جيبسون..

الفنان الذي غزا هوليوود عن طريق استراليا

عندما وصل الممثل ميل جيبسون الى هوليوود في العام 1984 ليقوم ببطولة فيلم المغامرات التاريخي «السفينة باونتي» بعد ان حقق شهرة عالمية كنجم سينمائي في استراليا، ظن الكثيرون بعد ان سمعوه وهو يتحدث باللكنة الاسترالية انه ممثل استرالي. وفي حقيقة الامر ان ميل جيبسون اميركي ولد في بلدة بيكسكيل بولاية نيويورك ولم تطأ قدماه ارض استراليا الى ان بلغ سن الثانية عشرة في العام 1968 بعد ان قرر والده الذي كان عاملا في محطة للقطار.الهجرة الى استراليا مع زوجته واولاده الأحد عشر بسبب معارضته للحرب في فيتنام وخشيته من تجنيد ابنائه الستة في تلك الحرب.وقد بنى الممثل ميل جيبسون على الشهرة السينمائية العالمية التي حققها في استراليا منذ وصوله الى هوليوود ليتبوأ مكانا بارزا بين نجوم الصف الاول في عاصمة السينما العالمية مثل توم كروز وتوم هانكس وبروس ويليس وهاريسون فورد وجوليا روبرتس، ليس كممثل متعدد المواهب فحسب، بل وكمخرج قدير حاز على ارفع الجوائز ومنها جائزة الاوسكار، وكمنتج سينمائي قدم مجموعة من الافلام المتميزة.وقد توج الفنان ميل جيبسون انجازاته السينمائية هذا العام باخراج فيلم «آلام المسيح» الذي قام بانتاجه كما شارك في كتابة سيناريو الفيلم وقصته، وحقق ذلك رغم الحملة الاعلامية غير المسبوقة التي شنتها المنظمات اليهودية والضغوط الهائلة المتعددة الاطراف التي تعرض لها ميل جيبسون وفيلم «آلام المسيح» الذي موله من جيبه الخاص خارج نظام استديوهات هوليوود الرئيسية التي رفضت تمويل الفيلم او توزيعه. وبلغت تكاليف انتاج الفيلم 25 مليون دولار.

وقد جمع فيلم «آلام المسيح» بين النجاح الفني والتجاري. فقد حظي باعجاب معظم النقاد، كما ان النجاح الذي حققه على شباك التذاكر فاق كل التوقعات. فقد زادت ايراداته في دور السينما الاميركية حتى الآن على 360 مليون دولار، وصعد الى المركز السابع على قائمة الافلام التي حققت اعلى الايرادات في الولايات المتحدة في تاريخ السينما. يضاف الى ذلك اكثر من 100 مليون حققها الفيلم حتى الآن في دور السينما الاجنبية التي عرضت الفيلم بعد افتتاحه في الولايات المتحدة بعدة اسابيع. ومن المتوقع ان ترتفع ايرادات الفيلم في الدول الاخرى حيث تسجل ارقاما قياسية في بعضها لتزيد خلال الاسابيع المقبلة على ايراداته في الولايات المتحدة.

وقد تصل الايرادات العالمية الاجمالية لفيلم «آلام المسيح» على شباك التذاكر الى 800 مليون دولار. واذا اضيفت الى ذلك ما سيحققه الفيلم فيما بعد من ايرادات من تأجير ومبيعات اشرطة الفيديو وحقوق عرضه على التلفزيون ومبيعات البومه وشريطه الموسيقي والمنتجات المرتبطة بالفيلم، وخاصة الكتب والملصقات فان من المتوقع ان يبلغ الربح الصافي للمخرج ميل جيبسون، بصفته منتج الفيلم، نصف مليار دولار، وهو مردود مذهل لاستثمار اقتصر على 25 مليون دولار فقط.

وقد زادت مبيعات البوم الموسيقى التصويرية للفيلم في الولايات المتحدة على نصف المليون نسخة خلال الشهر الاول لعرضه. وتتألف الموسيقى التصويرية من 15 مقطوعة من تأليف الموسيقار جون ديبني.

يشار الى ان فيلم «آلام المسيح» هو ثالث فيلم من اخراج ميل جيبسون، ولكنه اول فيلم يخرجه ولا يقوم ببطولته. وقد سبق له ان اخرج فيلمين قام ببطولتهما، هما كل من الفيلم الدرامي «رجل بدون وجه» في العام 1993، والفيلم التاريخي «القلب الشجاع» في العام 1995 والذي رشح لعشر من جوائز الاوسكار وفاز بخمس منها بينها جائزة افضل فيلم وافضل مخرج التي منحت لميل جيبسون.

وهو واحد من سبعة ممثلين فازوا بجائزة الاوسكار لافضل مخرج دون ان يفوزوا بها عن التمثيل، والستة الآخرون هم كلينت ايستوود ووارين بيتي وروبرت ريدفورد وكيفين كوستنر وودي الين ورون هوارد. كما فاز ميل جيبسون عن اخراج فيلم «القلب الشجاع» بجائزة الكراة الذهبية وبجائزة نقابة المخرجين الاميركيين وبجائزة جمعية نقاد السينما الاميركيين في الاذاعة والتلفزيون.

ومن المفارقات ان ميل جيبسون اعتذر عن اداء دور البطولة في فيلم «القلب الشجاع» باديء الامر لاعتقاده بانه غير مناسب للدور لانه اكبر سنا من شخصية بطل القصة زعيم التحرير الاسكتلندي وليام والاس، وعرض على منتجي الفيلم عوضا عن ذلك اخراج الفيلم، وعندئذ تم التوصل الى حل وسط يجمع بين قيام ميل جيبسون ببطولة الفيلم وباخراجه.

ورغم المقومات المهنية التي اسهمت في نجومية الممثل ميل جيبسون في سن مبكرة، وفي مقدمتها مواهبه في التمثيل ودراسته الاكاديمية في التمثيل وخبرته المسرحية ووسامته وشخصيته الجذابة، فقد لعبت الصدفة دورا حاسما في حياته الفنية. فقد كان ميل جيبسون يطمح في التخصص في دراسة الصحافة بعد التخرج من المدرسة الثانوية في مدينة سيدني الاسترالية في العام 1974، ولكنه اكتشف ذات يوم انه حصل على قبول للدراسة في المعهد القومي الاسترالي للفنون المسرحية التابع لجامعة نيو ساوث ويلز بمدينة سيدني.

فقد كانت شقيقته الكبرى قد ارسلت طلب قبول الى ذلك المعهد نيابة عنه دون علمه. وكان بين رفاقه في المعهد الممثلان الموهوبان جودي ديفيس وجيفري راش اللذان فازا فيما بعد بجائزة الاوسكار، بل ان جيفري راش تقاسم مع ميل جيبسون نفس الغرفة في السكن الداخلي بالجامعة.

ويقول ميل جيبسون ان المعهد اتاح له فرصة ذهبية للتدرب على التمثيل المسرحي في مئات المسرحيات بعد ان تغلب في باديء الأمر على رهبة المسرح التي سببت له ارتباكا عند الوقوف على المسرح امام الجمهور. وظهر ميل جيبسون في فيلمه الاول «مدينة الصيف» في العام 1977 قبل ان يكمل دراسته، وحصل على 400 دولار استرالي لقاء ظهوره في الفيلم.

وبعد التخرج من المعهد انضم الى الفرقة المسرحية لجنوبي استراليا حيث قام بصقل مواهبه التمثيلية في عشرات الادوار المسرحية، كما قام خلال تلك الفترة باداء عدد من الادوار التلفزيونية. وفي العام 1979 عاد ميل جيبسون الى السينما حيث قام ببطولة فيلمين، الاول هو فيلم «تيم» الذي يقوم فيه بدور شاب متخلف عقليا، وقد فاز عن دوره في ذلك الفيلم بجائزة افضل ممثل من معهد الافلام الاسترالي.

اما الفيلم الثاني فهو فيلم المغامرات «ماكس الغاضب» الذي حول ميل جيبسون الى نجم سينمائي عالمي في سن الثالثة والعشرين. فقد انتج هذا الفيلم بميزانية صغيرة لم تتجاوز 400 الف دولار، ولكن ايراداته العالمية تجاوزت 100 مليون دولار. وبلغ اجر ميل جيبسون عن دوره في هذا الفيلم 000ر15 دولار. وقام ميل جيبسون ببطولة فيلمين اخرين في هذه السلسلة السينمائية هما كل من فيلم «محارب الطريق» «1981» و«ماكس الغاضب وراء قبة الرعد» «1985«، وبلغ اجره عن هذا الفيلم 2ر1 مليون دولار، وبذلك اصبح اول ممثل استرالي يتقاضى مليون دولار عن الفيلم.

وكان ميل جيبسون قد قام قبل ذلك ببطولة فيلمين متميزين للمخرج الاسترالي بيتر وير الذي حقق نجاحا كبيرا في هوليوود في السنوات اللاحقة كما فعل الممثل ميل جيبسون. واول هذين الفيلمين هو فيلم «جاليبولي» «1981» الذي تقع احداثه خلال الحرب العالمية الاولى والذي عاد على ميل جيبسون بجائزة افضل ممثل للمرة الثانية من معهد الافلام الاسترالي. والفيلم الثاني هو فيلم «سنة العيش في خطر» «1983» الذي تقع احداثه خلال فترة الاضطرابات في اندونيسيا في عقد الستينيات.

ومع ان فيلم «السفينة باونتي» باكورة افلام الممثل ميل جيبسون في هوليوود لم يحقق نجاحا يذكر، فقد اشاد النقاد باداء ميل جيبسون في الفيلم الذي اعقب في العام التالي بالفيلم الدرامي «السيدة سوفيل» الذي اثبت فيه من جديد قدرته على اداء الادوار الجادة.

الا ان ميل جيبسون عاد في العام 1987 الى افلام المغامرات المثيرة في فيلم «السلاح القاتل» الذي استهل فيه سلسلة من اربعة افلام مع الممثل الاسمر داني جلوفر استمرت حتى العام 1998 وتحولت الى واحد من اكثر المسلسلات نجاحا على شباك التذاكر في تاريخ السينما.

غير ان ميل جيبسون لم يغفل الافلام الجادة خلال تلك الفترة، وقام ببطولة العديد منها، ومن بينها فيلم «هامنيت» المبني على المسرحية الشهيرة لشيكسبير والذي ادهش فيه النقاد بقوة ادائه. ومن الافلام المتميزة الاخرى الذي قام ميل جيبسون ببطولتها منذ ذلك الوقت الفيلم الغرامي «شاب الى الابد» «1992«، وفيلم رعاة البقر «مافريك» «1994»، والفيلم البوليسي «نظرية المؤامرة» «1997«، والفيلم التاريخي «الوطني» «2000«، والفيلم الحربي «كنا جنوداً» «2002».

وفيلم التشويق والغموض «اشارات» «2002»، وقد ارتفع اجر ميل جيبسون عن الفيلم الى 25 مليون دولار منذ قيامه ببطولة فيلم «الوطني» في العام 2000، وكان من اوائل نجوم هوليوود الذين حققوا هذا الانجاز.

ويقوم ميل جيبسون حاليا بتصوير مشاهد فيلم «ماكس الغاضب: طريق الغضب» وهو الحلقة الرابعة في سلسلة افلام «ماكس الغاضب». وسيكون هذا الفيلم جاهزا للعرض في العام المقبل.

يشار الى ان الممثل ميل جيبسون يجمع بين الكثير من السمات الشخصية المحببة التي جعلته واحدا من اكثر الفنانين شعبية بين اقرانه. فهو معروف بسعة اطلاعه وعمقه الثقافي وسرعة بديهته، وبمساعدته للممثلين الناشئين وبتواضعه المتناهي رغم شهرته العالمية.

كما انه معروف باشاعة جو من البهجة اثناء العمل بفضل حبه للدعاية وولعه بنصب «المقالب» الظريفة لزملائه الفنانين اثناء تصوير مشاهد افلامه. كما يتمتع ميل جيبسون بحياة زوجية وعائلية حميمة تندر مثيلاتها في الوسط الفني المعروف بانتشار الطلاق، وهو اب لسبعة ابناء وبنات، ويحرص على مرافقتهم له مع زوجته الى مواقع تصوير افلامه مهما كانت نائية كلما كان ذلك ممكنا.

البيان الإماراتية في

12.05.2004

 
 

عن فيلم آلام المسيح لميل غيبسون:

الفادي، الفدائي، الشهيد

د.راضي شحادة *

الي روح الشهيد ابراهيم الراعي الذي قدم حياته من اجل شعبه ومن اجل قضية عادلة وسامية آمن بها، والذي اعدمه الاسرائيليون في غرفة سجنه بعد تسعة اشهر من التعذيب الوحشي المتواصل واتهموه بالمنتحر، والي سائر الشهداء الذين تعذبوا اقل منه او اكثر منه وقدموا ارواحهم من اجل قضيتهم العادلة . البطل الهوليوودي هذه المرة هو ابن بلادنا فلسطين، وهو قريب جدا منا ومن تراثنا. انه بطل المعاناة والألم المكبوت. انه البطل الكاتم لآلامه، المتوجع بصمت، انه ابن بيت لحم والقدس والناصرة وكفر كنا. هو مصنوع في هوليوود ولكن روحه من روحنا وآلامه تخفيف لآلامنا، وصيغته الانسانية حملت شكلا عالميا وانسانيا جدا.

اول ما يلفت الانتباه بعد مشاهدة فيلم المسيح لميل غيبسون هو تركيزه علي طبيعة المسيح كانسان، كبشري وليس كنبيً، وان تحوله الي نبي او الي انسان اسمي قدرا من البشر نابع ليس من سموه جسديا الي اعلي بل الي سمو ورقي الفكرة التي حملها والي المبدأ الثوري الذي حمله، المتمثل في ان صاحب الحق وحامل الحقيقة علي استعداد للتضحية من اجلها مهما كلفه ذلك من آلام وتضحيات، وهذه هي فكرة الفادي، الفدائي، الشهيد..تري هل هذا هو سبب تهافت الفلسطينيين لمشاهدة هذا الفيلم منذ اللحظات الأولي لانتشاره؟

هذا الكم الهائل من العذاب والألم من اجل المبدأ ومن اجل الإيثار، أي تقديم نفسك بكرم من اجل الآخرين، يبدو من طرف طريقة صناعة الفيلم وكأنما هو اسقاط لصور نعرفها من خلال عصرنا هذا تنطبق علي قضيتنا الراهنة، فالمسيح الذي يتنازل عن مصلحته الشخصية ويقدم حياته للأصدقاء وللأهل يشبه الفادي، الفدائي، الشهيد..

قال المسيح لمن حوله وهو في قمة العذاب والألم: أعظم حب هو ان يقدم الانسان حياته من اجل اصدقائه . مقابل هذا الحب لم يحمّل جميلا لأحد، ولم يطالب لنفسه بشيء، فهو رمز للعطاء بدون مقابل، ولكن الغريب في الأمر، وهذا هو تساؤلي التالي والخطير: ماذا قدّم الكثيرون من هؤلاء الأصدقاء بالمقابل من اجل ذلك المحب العظيم والسامي؟ هذا الموقف وهذا النوع من الحب الفعلي للقضية التي اسس المسيح ثورته من اجلها، وبين اصدقائه الذين لا يزال الكثيرون منهم يخونونه مئات المرات قبل صياح الديك، او يتقاعسون عن الهبة لاستعادة حقه او المطالبة بتقديم الجناة لمحاكمة دولية انسانية موجهين لهم تهمة القتل مع سبق الاصرار وبابشع الوسائل وبسادية مرعبة ووحشية، بالرغم من انه لم تثبت ضده أية تهمة ولم يكن مذنبا ولا معتديا ولا عدوا لأحد.

لماذا تركتموه وحيدا ايها الأصدقاء؟ لماذا يصر هذا الثائر ان حامل السيف بالسيف يُقتل؟ ماذا يقول الأب المربي لابنه المعتدي عليه ؟ ايقول له: اذا اعتدي عليك احد او ضربك، فلا تدافع عن نفسك. دعه يضربك ويهينك ويؤذيك، وان تطلّب الأمر رد فعل فاظهر له انك لا تفضل اختيار طريقته في الاعتداء، أي دعه يختار طريق القاتل والمعتدي، وابق انت المقتول والمعتدي عليه. هذا هو التسامح يا بني .

هل سيفهم الخصم انك متسامح ام انه سيتمادي باعتدائه وسيتعامل مع ضحيته علي اساس انها ذليلة وضعيفة وليست متسامحة ، وتماديه هذا يجعله يتساءل بناء علي منطقه قائلا: لماذا لا ازيحها من طريقي واستولي علي مكانها وممتلكاتها وازيلها من الوجود؟ .

حتي لا يرتبك ابني في قضية التفريق بين التسامح والذل، بين كرامة القوة وذل الضعيف، افضل ان اقول له المعادلة التالية: يا بني، لا تعتدي علي أحد، ولكن اذا اعتدي عليك احد وانت من دون ذنب تستأهل بسببه ان يُعتدي عليك، فانني اطالبك ان استطعت الي ذلك سبيلا،او بكل الوسائل المتاحة من مقاومة، ان تكيل له الصاع صاعين وتوقفه عند حده كي لا يتمادي في ايذائك .

ان تسامح المسيح منذ الفي عام الي يومنا هذا جعل فلسفة عصر الغاب تقوي. ان فلسفة القوي في ضعفه لم تؤدّ بالقوي ان يصبح بطشه وقوته واعتداؤه ضعفا.

طوال الفيلم شاهدنا كمية الألم والعذاب الذي تعرض له هذا الفدائي الفادي الشهيد ولم تبدر منه أية ردة فعل للدفاع عن نفسه، بل كان تصرف اعدائه معه علي هذا الشكل عبرة لمن يجب ان يعتبر، فاتباعه تنكروا له وخافوا ان يلقوا المصير الذي يلاقيه، ومعلمهم يلومهم انهم وقت الكلام يشبعونه شعارات وانهم علي استعداد ليفدوه بارواحهم، وعندما تقع الواقعة، يختفون ويتنكرون له ويصيبهم الذل والهوان.

ان قضية المسيح ومن خلال هذا الفيلم تثير تساؤلي التالي الأشد خطورة من تساؤليّ السابقين:

ايها السادة، ايها القضاة، يا حكام لاهاي والامم المتحدة ومجلس الأمن، امامكم انسان بريء تعرض لأقسي انواع التعذيب، وبالرغم من انه اثبتت براءته من التهمة الموجهة اليه، وبالرغم من ان احد القضاة اعلن علي الملأ انه بريء من دم هذا الرجل، فقد حكم عليه بالاعدام بأبشع صورة، فانه حتي عصرنا هذا، العصر الذي يتشدق بالانسانية وبالعلم وبالعولمة، لم يقدَّم القاتل للمحاكمة ولم يسع احد المطالبة بالاعتراف بحق هذا المقتول بانه كان بريئا. ايها السادة القضاة، انني اتهمكم بالتقاعس وبعدم ممارسة قوانين العدالة الصحيحة، فلا يعقل ان يتهم المقتول الفادي الفدائي الشهيد البريء بالارهاب وان ننصب القاتل قاضيا يشرع بما معني الارهاب وما معني الديمقراطية والعدالة.

لقد ركز الفيلم علي تلك الطاقة الانسانية النبوية التي تستطيع ان تمتص هذا الكم الهائل من الألم والعذاب وان تجعلنا نستهجن لهذه الهمجية البشرية في السادية وحب الايذاء للآخرين. لقد شاهدنا ذلك الفدائي علي صورته البشرية ، من لحم ودم ، ولكن صموده حتي آخر لحظة من حياته تسمو به الي مصاف الأنبياء ، وفي ذلك فلسفة قوية ودرس لأصحاب القضايا العادلة والمبادئ السامية، تعلمهم وتعلم اتباعهم والمؤمنين بقضيتهم بان العذاب من اجل الأصدقاء وتقديم حياتنا من أجلهم هو ما يجعلهم الأعلي سموا ونبوة ومقاما وانسانية من اولئك الظالمين الساديين، او من هؤلاء المتقاعسين الهاربين. ان تحديد معني القوي والضعيف من خلال هذه الفلسفة واضح جدا، فالقوي الظالم لا يستطيع ان يتباهي بافضليته علي الآخرين لأنه يقتل ويعذب ويسلب حقوقهم ويعتدي عليهم. هو من هذا المنطلق موجود في اسفل درجات السلم السامي، والفادي موجود في اسماها.

اتذكر كلمات الفادي الأخيرة عندما توجه الي الله قائلا:

ـ الهي الهي لماذا تركتني؟

هل هو وصل الي مرحلة اليأس؟ هل اظهر لنا انه عاجز عن عمل أي شيء ينقذ حياته به سوي طلب النجدة من الله؟ هل يئس من اتباعه المقهورين الذليلين المختبئين رعبا خلف عجزهم وخيانتهم وتقاعسهم فلجأ الي من هو اسمي منهم وهو الرب في الأعالي الذي هو ايضا تركه لوحده يلاقي مصيره المؤلم والصعب؟

ألم تشعروا ايها المشاهدون ان هذا الشاب العظيم قدّم زهرة شبابه وتنازل عن متطلباته الحياتية التي من المفروض ان يعيشها في وضع طبيعي، ان يحب، ان يتعلم، ان يتنزه، ان يأكل ويشرب من طيبات هذه الدنيا، ان يتزوج وينجب الأطفال، ان يعتني بهم ويجعلهم يعيشون طفولتهم بسعادة وبأمان؟ ألا ترون انه ضحي في كل ذلك، وحارب طبيعته الشخصية ومتطلباته الذاتية كي يحارب من أجلكم؟

* مسرحي من فلسطين

القدس العربي اللندنية في

02.06.2004

 
 

آلام المسيح بين التوثيق التاريخي والخلق الفني

نوار جلاحج

منذ زمن بعيد لم يثر فيلم ما أثاره «آلام المسيح» من جدل وسجال لم ينتهيا حتى اللحظة ، ولئن كان من المتوقع أن تتمحور هذه السجالات في معظمها حول قضايا دينية وتاريخية وسياسية تأتي من خارج الفيلم ، لتشكل أحداثه بذلك مجرد حافز لانطلاقها ، وهو أمر شبه تقليدي في هذه النوعية من الأعمال ،غير أن البناء الدرامي والفني للفيلم ساهم بصورة كبيرة بل وحاسمة في تكريس هذا التوجه فالفيلم يصور الساعات الـ 12الأخيرة من حياة السيد المسيح ، ويدعي ارتقاءه إلى مستوى الوثيقة التاريخية المقتبسة حرفياً عن الأناجيل الأربعة . وهذا التوجه من ناحية التكثيف الزمني يحمل الكثير من المجازفة في حد ذاته ، إذ يجعل من الصعوبة بمكان رسم بورتريه إنساني لشخصية السيد المسيح ، من دونه يصبح التماهي أو التعاطف مع عذاباتها التي يقدمها الفيلم على مدى أكثر من ساعتين عملية صعبة إن لم تكن مستحيلة .

الطبع هذا الكلام يبدو متناقضاً مع الوقائع الكثيرة التي بثتها وسائل الأعلام حول الأثر الكبير الذي تركه الفيلم في نفوس مشاهديه رجل( دين أصيب بأزمة قلبية مات على أثرها ، مجرم اعترف بجريمة ارتكبها منذ زمن . . الخ) ، لكن هذا الأثر نابع في جوهره من خارج الفيلم وليس من داخله . فهو منذ البداية استند إلى المخزون المعرفي والوجداني والمتخيل المتأصل في وعي المشاهدين عن حياة وشخصية السيد المسيح، لذلك لم يجد ضرورة في إعادة بناء الشخصية درامياً ، فبدت مجردة من مكوناتها النفسية والثقافية والأخلاقية ، ومستلبة عن السياق التاريخي الذي جاءت فيه، وبدا تفاعلها مع الآخرين ومع القضية التي كرست حياتها لها في كثير من المواضع.

لا مبالياً أو حيادياً بل ومتعالياً ، ليعجز بذلك عن أنسنتها لا نستطيع الجزم بعدم قصدية ذلك من منطلق تغليب «الإلهي» على «الإنساني» في الشخصية من جهة ، والأمانة لتوثيق السرد الإنجيلي من جهة أخرى . وفي هذه الحالة يضعنا الفيلم أمام أكثر من إشكالية ، فالحديث عن آلام يستبعد قطعا ً« الإلهي» بصفته مجرد لا يمتلك أحاسيس ويدفع إلى المقدمة الجانب الإنساني لشخصية السيد المسيح ، والتي يمكن أن نجد لها حقاً مرتكزات في العهد الجديد تدعم هذا الجانب وتحيط بأبعاده النفسية والأخلاقية ، غير أن الفيلم لم يقم باستغلالها وتسليط الضوء عليها . هذا دون التأكيد على الخيال الخلاق الذي لا غنى لأي عمل فني عنه والكفيل بخلقها . لكن هل ثمة مجال للخلق الفني في فيلم لم يرد أن يختلق شيئاً ؟ الأمر الذي يعيدنا إلى النقطة الثانية ـ التوثيق . كما هو معروف لم ترو الأحداث الأخيرة من حياة السيد المسيح بذات التفاصيل في الصفحات الأخيرة من الأناجيل الأربعة ، وقد تبدو الخلافات الصغيرة بينها ليست بذي أهمية ، لكنها تؤكد هنا أن الدوافع الفنية وأحياناً السياسية التي حددت الخيارات التي وقعت على بعض التفاصيل دون غيرها لم تكن غائبة عن نسيج الفيلم . فنجد مثلاً بيلاطس البنطي يغسل يديه من دم المسيح فيرد كهنة اليهود عليه «دمه علينا وعلى أبناءنا» فقط في إنجيل متى ، وغيبسون اختار هذه الحادثة تحديداً ، وفي نفس الوقت لم يقم بترجمة هذه العبارة إلى التترات الإنكليزية ، وهذا خيار أخر لا يمكن تجاهل دور الحملة التي شنتها الجمعيات اليهودية ضد الفيلم واتهامه باللاسامية في تحديده . الأمر نفسه يتكرر مع حادثة إرسال السيد المسيح إلى هيردوس التي لم ترد سوى في إنجيل لوقا ورغم ذلك وقع خيار غيبسون عليها في الفيلم ، لأسباب تتعلق بتكثيف حالة ما قبل الصلب في الفيلم . هذا بالإضافة لوجود تفاصيل أخرى لا علاقة لها بأي من الأناجيل كحادثة تعليق المسيح من قدميه فوق الجسر ، أو قيام الغراب بفقيء عيني أحد اللصين المعلقين إلى جانبيه على الصليب ، والتي ربما تكون مقتبسة من مراجع أخرى قيل أن الفيلم أعتمد عليها مثل مذكرات راهبة من القرن التاسع عشر تدعى آن كاثرين اميرتش . ثم من أين جاء هذا التوصيف لعملية الجلد القاسية كما يقدمها الفيلم ، أيضاً كان خياراً ليس له علاقة بأي توثيق من داخل الأناجيل. خلاصة القول أن اتكاء الفيلم على «التوثيق» وإيجاد مسوغات للتركيبة التي طلع بها على هذا الأساس لا يبدو دقيقاً ، فالفيلم كان في النهاية قائم على خيارات محددة بدقة تعكس رؤية محددة لصانع الفيلم تجاه الأحداث التي يصورها ، وهذا هو شأن الفن ـ فهو في النهاية خيار فكري وإبداعي وتخيلي من دونه يفقد العمل روحه وأصالته ، و «آلام المسيح» فقدها في جوهره أي في شخصيته المحورية والوحيدة عملياً عندما قام بتعريتها من وجهها الإنساني . نعم حاول الفيلم خلق علاقة تراكمية بين بعض المشاهد ـ الأوقات التي عايشها السيد المسيح ماضياً وصولاً إلى النهاية التي آل إليها ، لكن المحاولة لم تكن فاشلة لاستنادها لذات البعد «الإلهي» المجرد للشخصية ، أو لاختزال هذه المشاهد واقتطاعها عن سياق يفترض المخرج إدراك المشاهدين لماهيته فحسب ، وإنما كذلك بسبب القطع المونتاجي الفظ لحالات درامية قوية والعودة إلى الوراء فلاش( باك) إلى مشاهد تسبق الساعات الأخيرة من حياة السيد المسيح ويفترض أن تؤسس للحالة الراهنة. ، فلا هي أسست ولم تدع المشاهد المقطعة توصل شحنتها الدرامية للمتفرجين لكن عن أي متفرجين نحن نتكلم ؟ لماذا التركيز على ذلك المتفرج البعيد معرفياً ووجدانياً عن شخصية السيد المسيح وحياته وتاريخه والذي لم يصنع بكل تأكيد ميل غيبسون فيلمه لأجله ، وهو ما يمثل الخيار الأكبر له ؟ السبب ببساطة أننا نتناول فيلماً وليس وثيقة دينية ، وكل فيلم سينمائي هو عالم له استقلاليته وقوانينه ومنطقه الخاص ، وعندما يعجز أي فيلم بهذا المستوى أو ذاك عن خلق هذا العالم ، هذه الوحدة الدرامية والفنية المتكاملة والمتجانسة عضوياً ، يعني أن ثمة خللاً بنيوياً في داخله ، وهو ما حاولنا الإشارة إليه . من جهة أخرى لن نكون منصفين إذا ما اتهمنا غيبسون بأنه لم يكن واعياً وموقناً لذلك الخلل ، وهو المخرج أوالممثل لأفلام هوليوودية بكل المقاييس مثل «قلب شجاع» و«الوطني» لا مكان فيها لخلل بهذا الحجم . أي أنه لم يكن مجرد خطأ أو صدفة ، بل كان تعبيراً عن رؤية واضحة ذي خلفية دينية متزمتة تحاول أن تعيد للسيد المسيح في السينما الوجه «الإلهي» بعد أن حاولت أعمال سينمائية كبيرة مثل «الإنجيل كما رواه متى» لبازوليني و «الإغواء الأخير للمسيح» لسكورسيزي إعادة الاعتبار لوجهه الإنساني وهو ما جعلها تواجه في حينه بالكثير من العداء والهجوم من قبل الكنيسة ، وفي ذات الوقت تقوم بامتهان هذا «الإلهي» على المستوى المادي المتمثل بجسد السيد المسيح من خلال تعريضه لشتى أنواع العذاب ، الأمر. الذي لابد أن يترك الأثر الكبير في النفوس وهو ما حدث بالفعل إلى ذلك لا يمكننا الحديث عن الفيلم دون الإشارة إلى القضية التي أثارت الكثير من النقاشات حوله ، ونقصد تحديداً مسألة العداء للسامية التي رفعت شعارها جمعيات وتنظيمات وشخصيات يهودية مختلفة ، وأنساق إليها ومعها بعض الكتاب والصحفيين العرب الذين وجدوا مسوغاً في الفيلم للهجوم على اليهود والصهيونية وإسرائيل جميعاً ، مؤسسين هجومهم على «المسؤولية التاريخية» لليهود في قتل السيد المسيح وتحميلها إلى جميع يهود الأرض حيثما وأينما وجدوا . وهو أمر عدا عن أنه يصب في ذات الإدعاء العنصري بأن اليهود «شعب الله المختار» طالما أن التعامل معهم يجري على ذات الأساس العرقي المطلق ، يؤسس لذات المنطلقات العنصرية التي تطلقها الصهيونية حول «الحق التاريخي» في فلسطين . فبماذا يفيدنا مثل هذا الانسياق الأعمى لمفاهيم تقوم الصهيونية نفسها بالترويج لها؟ 

موقع "سينمائيون" العراقي في

01.07.2004

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2016)