غسان
مسعود و«مملكة السماء»
الإنسان هو المحور والقيمة في السينما الغربية
حوار: حسين قطايا
غسان مسعود من الفنانين القلائل الملتزمين بهموم وقضايا المجتمع، ببعدهما
الانساني وليس السياسي، وهو منذ تخرجه من المعهد العالي للفنون المسرحية في
سوريا، لم يتوان او يتراجع عن مباديء الفن الأصيل، وكان على الدوام ملتصقاً
بالثقافة بما تعني له في كونها روح الفن وعمقه الحقيقي.
عمل غسان مسعود في المسرح، وخاض تجارب عديدة، مع المخرج العراقي جواد
الاسدي، ثم خاض تجاربه الخاصة في الاخراج والكتابة والتمثيل، وأطل على
الدراما التلفزيونية في مسلسلات اجتماعية، كان له فيها حضور مميز إلى جانب
المسلسلات التاريخية، مثل مسلسل «الحجاج» الذي ادى فيه دور (عبدالله بن
الزبير) فأبهرنا بقدرته على تجسيد ابعاد هذه الشخصية التاريخية ورفع العمل
الى مستويات فنية عالية.ومن المسرح والتلفزيون، انتقل غسان مسعود إلى
السينما العالمية، بادارة المخرج العبقري ريدلي سكوت، فقدم شخصية القائد
الإسلامي صلاح الدين في فيلم «مملكة السماء» .
الفنان حل ضيفا على مؤسسة دبي للاعلام، وكان لـ «البيان» معه هذا الحوار:
·
بعد دورك في فيلم «مملكة
السماء»، بدت الصحافة كأنها استيقظت على أهمية الممثل غسان مسعود، كيف ترى
ذلك؟
ـ تعودت كل مؤسساتنا في العالم العربي أكانت إعلامية او سواها ان تأتي الى
الحفل في وقت متأخر، فنحن لا نجيد التسويق، وفي أكثر الأحوال متأخرين، وعلى
الدوام ننتظر من الآخر ان يقدم قضايانا، فلا نعرف كيف نضع قضايانا، ولا
نلتفت إليها إلا حين يثير لها احدهم من الخارج.
·
لاشك ان هناك تقصير اعلامي في حق الفنانين والفن في العالم العربي، لكن الا
تعتقد ان غياب المؤسسات الفنية الخاصة تؤثر سلباً في هذا الاطار؟
ـ اتفق معك بالكامل حول هذه النقطة وأضيف ان الجهل الذي تتمتع به معظم
السلطات الرسمية وغيرها والجهل المقصود هو في عدم الإيمان بقدرة الفن، على
حمل صورتنا المتضمنة قضايانا، إلى الآخر. فالإعلام والثقافة والفن، تشكل
أداة قوية لأي مجتمع، وهذا أمر يعرفه غير العرب بقوة. لذلك ترى الغرب
عموماً يعي أهمية هذه المسائل وقدراتها، فيستخدمها جيداً، بنثر ثقافته
وراؤه.
ويحقق عبرها مصالحة في مستوياتها المتعددة وعلى هذا تتمكن دولة ما في ان
تنتصر في حربها ضد دولة أخرى، في حسن استخدامها لقطاعات الإعلام والثقافة
والفن.
فالصراع اليوم هو صراع صورة، وصراع قدرة في بناء مشروعك الثقافي الذي يحقق
غايات عليا وأساسية، فمؤسساتنا الإعلامية على سبيل المثل تنقل الخبر الحدثي،
الذي يشاركها فيه كل أجهزة الإعلام في الدنيا، فتظن انها قامت بواجبها،
وتتناسى أنها بذلك لا تقدم سوى توصيفاً للأشياء وحسب، ولذلك هي لا تهتم بعد
حادثة 11 سبتمبر التي شوهت وجه الثقافة العربية والإسلامية، بتقديم صورتنا
الحقيقية، المتضمنة التسامح الإسلامي والعدالة التي هي جوهر ثقافتنا.
بين المسرح والسينما
·
يعتبر المسرح أداة مدنية
بامتياز، فما هو الفرق بينه وبين السينما، في القدرة على التواصل؟
ـ الفرق كبير بين المسرح والسينما، لو التقيا أحياناً على نقاط غائية
واحدة. فالسينما هي لغة التسويق، لأن أعداد من يشاهدون الفيلم أكبر بكثير
ممن يشاهدون العمل المسرحي، المرتبط بالمكان أكثر من السينما، إضافة إلى ان
المسرح لا دخل له في مجالات التسويق.
ويبدو ان تطور وسائل الاتصال، التي استفادت منها السينما وفنون أخرى، لن
يستطيع المسرح الاستفادة منها، فهو بهذا المعنى مرتبط بالهم الثقافي
الإنساني أكثر من السينما، المرتبطة بالهم نفسه إلى حد ما لكنها أيضاً تعمل
أبعاداً أخرى تصنيعية وتجارية والخ...
على الدوام فوق
·
خشبة المسرح تظهر صراعاً بين
ثلاث سلطات، المخرج، السيناريو، والممثل إلى من تنحاز أنت؟
ـ مررت وتعودت المرور في المستويات الثلاث، فأنا مخرج، وممثل، وكاتب.
وأعتقد ان ما تسميه صراعاً بين ثلاث سلطات، اعتبره ضرورياً، لأنه يؤدي إلى
الحوار الذي يولد الرؤية، أي السينوغرافيا. والسلطة بهذا المعنى على
الخشبة، هي مشاركة بين أصحاب العمل الذين هم في الواقع المخرج والممثل
وكاتب النص.
·
هل هذا ممكن مع مخرج مسرحي مثل جواد الأسدي، الذي يستخدم سلطة كاملة، إلى
حد ان المشاهد يتلمس رؤية المخرج، ومن ثم الممثل وكاتب النص؟
ـ دعني أقول أنني لا أوافقك الرأي. فلقد عملت مع جواد الأسدي في أعمال
كثيرة، وهو من المخرجين الكبار في العالم العربي، ولم أشهد انه يمارس هيمنة
سلطوية، لأنه في الأساس يبحث عن الممثل الموهوب والمحترف، الذي يستطيع ان
يقيم معه شراكة. فلذلك عملنا معاً كشركاء في صنع أعمال مسرحية دمجنا فيها
الرؤى بين الممثل والمخرج.
·
هل تمارس سلطة ما، على ممثليك في
أعمالك الإخراجية، أو على تلاميذك الذين تدرسهم؟
ـ إذا كان الممثل الذي يقف أمامي يفتقد إلى المبادرة، وعدم القدرة على فهم
المناخ العام للعمل، بالطبع أمارس سلطة من موقع المسؤولية التي اتحملها
وأريد من الآخرين أن يتحملوها معي. وأمارس سلطتي كمدرس في المعهد على
التلميذ الانتهازي والكسول. فالترشيد هنا ضروري، لحث التلميذ على التعاطي
الجدي مع ما هو مطلوب منه.
·
بين سبعينات وتسعينات القرن الماضي، تخرج من المعهد العالي للفنون المسرحية
في سوريا، كوكبة كبيرة من الممثلين الموهوبين والمحترفين، وبالمقارنة مع ما
بعد تلك الفترة الزمنية نلمح تراجعاً حقيقياً في مستوى المتخرجين من ممثلين
وفنيين، ومبدعين لماذا برأيك؟
ـ مرحلة ما بعد التسعينات شهدت سقوط الاتحاد السوفيتي، مما أدى إلى تغير
شكل العالم، وبسقوط هذا الاتحاد الممتلك لرؤى وأدبيات وأخلاقيات معينة، سقط
معه التوازن القائم مع الغرب في طرح الأشكال الفنية والثقافية. ولست أقصد
هنا أي معنى إنساني في اصطلاحي كلمة التوازن بل أقصد الشأن الثقافي
الإنساني فقط. وهذا يفسر التراجع الثقافي المتنوع أمام الاتجاه الواحد،
الذي يسميه البعض «العولمة».
·
كيف تقيم الدراما التلفزيونية
السورية التي نافست الدراما المصرية؟
ـ التنافس في الفن حق مشروع، وهذا يدفعك إن كنت مصرياً أو سوريا، لأن تقدم
الأفضل. والدراما السورية حققت أعمالاً ممتازة، واستطاعت ان تصمم اللهجة
السورية على كل الأقطار العربية، فأصبحت مفهومة، وهذا أمر مهم للغاية تحقق
بفضل تراكم نوعي وكمي للأعمال التلفزيونية.
«مملكة السماء»
·
ما الذي تعرفت عليه في أسلوب
العمل خلال قيامك بدور القائد صلاح الدين الأيوبي من السينما الغربية
العالمية؟
ـ أول ما تعلمته هو ان الإنسان هو مالك الأشياء كلها، وهو القيمة الحقيقية
والفعلية للعمل. وثاني مسألة تأكدت منها أنهم يتعاطون مع فن السينما كقطاع
إنتاجي وعلى انه قطاع خطر للغاية، لما يحمل من تأثيرات على المجتمع
والإنسان والثقافة، وشؤون الحياة الاخرى. وهم يصرفون الميزانيات الكبرى على
العمل من دون حساب، لأن الهم أولاً هو هم فني قبل كل شيء.
·
ما هو الجديد الذي رأيته ولم
تراه من قبل؟
ـ معظم ما رأيت، رأيته لأول مرة، وكان جديداً علي بالكامل، ولكن هذا الجديد
كله لم أكن أنا في خدمته، بقدر ما كان هو موضوعاً لخدمتي كفنان وممثل.
·
هل واجهت صعوبات؟
ـ كما قلت لك، عندما تكون كل الوسائل والتقنيات في خدمتك كممثل لن تجد
صعوبة تذكر. وهذا ما حصل معي.
·
كيف تنظر إلى إدارة، ريدلي سكوت
للعمل؟
ـ هو مخرج مهم ودقيق، ويعرف ماذا يريد من هذه اللقطة أو تلك تماماً،
فالرؤية العامة موجودة كلها في رأسه. وهو يستمع إلى ممثليه جيداً ويناقشهم
بموضوعية ويتوصل على الدوام إلى رؤية مشتركة مع الممثل حول كل مشهد.
·
ماذا اقترحت عليه وقبله منك؟
ـ في مشهد من الفيلم يكون الصليب مرمياً على الأرض حين يدخل الجيش الإسلامي
مدينة القدس، فاقترحت على المخرج ان لا يكون الصليب على الأرض، بل ان يرفع
إلى الطاولة، كون صلاح الدين يحترم الديانات الأخرى. وكون الجيش العربي
الإسلامي كان يضم بين صفوفه من المسيحيين العرب الكثير.
·
تقول في الفيلم جملة شهيرة،
كإجابة على سؤال ماذا تعني لك القدس؟ «لا شيء وكل شيء، ما المقصود بهذه
الجملة»؟
ـ ان كانت القدس فقط قطعة أرض جغرافية فهي لا شيء، أما القدس التي تعني
أبناء الدين المسيحي والدين الإسلامي فهي كل شيء بالضرورة، وأخشى أننا نحن
العرب وأقصد أكثر الحكومات العربية، ان القدس لا تعني لهم شيئا، لأنهم يرون
فيها الجغرافيا فقط ليس أكثر.
·
بعض النقاد في الغرب قالوا عن
الفيلم انه سيعمق الشرخ بين الشرق والغرب كيف ترى إلى ذلك؟
ـ أنصح هؤلاء بقراءة الفيلم جيداً. فهو لا يشكل دعوة للعنف أو للحرب أو
القتال. بقدر ما هو رسالة، لنكف عن كل هذا أو نعيش معاً في عالم يسوده
السلام والعدالة، والقبول بالآخر مهما اختلفت قناعاته عن قناعاتنا.
·
هل دورك في هذا الفيلم سيؤثر على
اختياراتك المستقبلية؟
ـ أهمية ان يعرف الفنان ماذا يريد ضرورية. وتجربتي في السينما الغربية هي
جزء من تجربتي العامة في سوريا وخارجها، من الصحيح ان كل تجربة لها
خصوصيتها، ولكنها تبقى في إطار مسيرتك العامة.
·
بعد ان راكمت بتجارب كثيرة، هل
تستطيع ان تقدم جديداً، أو أنك استهلكت كل قدراتك؟
ـ عندما يكتفي الفنان أو المثقف بما وصل إليه من معرفة وهي بسيطة لأن العمر
لا يسمح، يكون قد وصل إلى حافة القبر، أي أنه مات معنوياً بالفعل قبل الموت
الجسدي.
فكلما تعلمت عرفت كم أنا جاهل. ونحن نحاول أن نعرف، ولكن ما نحصل عليه هو
القليل من بحر لا ينضب. فالثقافة والعلم دائماً يتجددان. والجاهل هو الوحيد
الذي لا يرى إلا ما يطفو على السطح وهو مرتاح إلى عدم القلق، على عكس الذي
يحاول ان يعرف، فهو على قلق دائم.
|