الجريمة.. في أفلام (تارنتينو) والأخوين (كوين)..
رجا ساير المطيري
عندما
أعلن عن فوز (كوينتن تارنتينو) بالسعفة الذهبية عام
1994عن
فيلم (بلب فيكشين)؛ أخذ الأخوان (كوين) يندبان حظهما على ضياع سعفتهما
الثانية أمام مخرج مبتدئ في عالم السينما هو (تارنتينو). في تلك السنة كانا
قد
شاركا كمرشحين للسعفة عن فيلمهما الغريب والممتع
(The Hudsucker Proxy).
وها هما
الآن يعودان إلى (كان) من جديد في دورته الستين كمرشحين للسعفة أيضاً عن
فيلم (لا
وطن للعجائز)، لكن دون كثير اختلاف عن المرة السابقة لأن (تارنتينو)
نفسه لا يزال
يقف أمامهما وكأنه لعنة قد سلطت عليهما من سابع سماء.. فهو يأتي أيضاً
برغبة ملحة
لاقتناص ذات الجائزة عبر فيلم الجريمة المجنون
(Death Proof)
أحد جزئي
فيلم (غريندهاوس).
فهل تكون حظوظه مواتية لتكرار ذات الإنجاز وقطع الطريق أمام الأخوين
(كوين)؟.
لا يبدو ذلك لسبب بسيط هو أن الفارق كبير بين (بلب فيكشين) و(غريندهاوس).
الاختلاف
بين فيلمي (تارنتينو) يكمن في الصنعة وفي الحبكة وطريقة البناء، في
(بلب
فيكشين). هناك كسر جريء لأسلوب السرد وتدمير لعامل (الزمن) مع المحافظة على
وحدة الموضوع بطريقة مدهشة، في حين يعتمد (غريندهاوس) بقسميه على جنون وصخب
الأحداث
لا غير، إلا أن هذا الاختلاف لا يمنع من القول أن الفيلمين
يتشابهان كثيراً في
أجوائهما العامة، فهما يسبحان في فلك الجريمة، وما دمنا قد ذكرنا (الجريمة)
فهنا
نحن لا نضع رابطاً بين الفيلمين فحسب، ولا بينها وبين أفلام (تارنتينو)
الأخرى التي
تسبح في ذات الفلك، بل أيضاً أوجدنا رابطاً يربط (تارنتينو)
نفسه بالأخوين (كوين).
فالثلاثة
تخصصوا عبر أفلامهم المتعددة في صناعة أجواء الجريمة وبتنويعات مختلفة.
الجريمة
في عمومها كانت محور اهتمام العديد من المخرجين مثل (ديفيد لينش)، (ديفيد
كروننبيرغ)، (ديفيد فينشر) وحتى (مارتن سكورسيزي)، لكنها أخذت شكلها الخاص
والمميز لدى (تارنتينو) والأخوين (كوين) حين أصبحت هي نقطة الانطلاق وهي
الغاية في
نفس الوقت، ففي أفلامهم ستجد -لابد- صياغة خاصة للجريمة
وللمجرمين. بالنسبة للأخوين
(كوين)
فقد بدآ مسيرتهما السينمائية عام 1984مع فيلم جريمة مميز ورائع اسمه
(Blood Simple)
ومن خلاله يمكن تمييز نظرة الأخوين في الجريمة وطريقتهما الخاصة في
تصويرها، وهي طريقة تختلف اختلافاً كبيراً عن طريقة (تارنتينو)،
في فيلم Blood Simple
سنرى
مجرماً يخطط بدهاء لعملية ما فيصطدم بمجرمين آخرين يدورون حول نفس
الهدف، والنتيجة تقاطع للمصالح وخسارة ذريعة تلحق بالجميع!. هنا نجد مجرمين
يخططون
لكل شيء بدقة شديدة لكن الأمور تنقلب عليهم فجأة فيجدون أنفسهم
مطاردين.. وممن؟ من
الجريمة نفسها!. وهذه هي الثيمة الثابتة التي سيعزف عليها الأخوين في كل
أفلامهما
اللاحقة، في رائعتهما (فارغو-Fargo)،
في (O Brother،
Where
Art Thou?)،
في (بيغ
ليبوسكي)، في (تقاطع ميللر)، في (قتلة الليدي)، في (الرجل الذي ليس هناك)
وفي (رايسينغ
أريزونا)، في كل هذه الأفلام سنعثر على الثيمة ذاتها، حيث المجرمون
الفاشلون يسعون إلى الخلاص من مخططاتهم الشيطانية.
الشخصيات
في أفلام الأخوين (كوين) تعاني دوماً من الفشل والخيبة والخسران
المبين، وليس هناك من رابح أبداً، فالكل يخسر وبطريقة شنيعة أيضاً. في
(فارغو) يخطط
بطل الفيلم لقتل زوجته، فيقوم باستئجار قتلة مأجورين لتنفيذ
العملية، وفي لحظة
معينة يفضل التراجع عن مخططه ويقرر إلغاء المشروع.. لكن مأساة البطل
الحقيقية تبدأ
من
هنا لكونه غير قادر على الوقوف أمام القتلة المصممين على تنفيذ العملية.
وفي
فيلم (رايسينغ أريزونا) يؤدي -نيكولاس كيج- دور عاطل يخطف
طفلاً صغيراً من أجل
إسعاد زوجته التي لا تنجب، لكن اللعنة تظل تطارده حتى النهاية. وليست
اللعنة مرتبطة
بشرطة تلاحق مجرماً كما نرى في أفلام الجريمة التقليدية، بل هي
مرتبطة ب(الجريمة)
ذاتها،
فالجريمة هنا -في أفلام الأخوين كوين- تتحول إلى كائن عملاق يطارد المجرمين
ويفتك بهم بلا رحمة. إن الأحداث تتحرك من زاوية الجريمة نفسها، فهي التي
تقرر متى
تنقلب على المجرمين، وهي المتحكمة في زمام الأمور. والضحية هم
المجرمون الذين يجدون
أنفسهم في مواجهة مع أفكارهم الإجرامية وقد تجسدت على هيئة عملاق مخيف
ومدمر.
إذن
فأفلامهما مكونة من عنصرين ثابتين، من الجريمة، ومن المجرمين، والمواجهة
الكبرى تكون دوماً بين هذين الطرفين. ومهما تنوعت الحكايا والقصص التي
يصورانها،
فإن النتيجة تبقى ثابتة، هي أن (الجريمة) تتضخم بشكل مخيف
وتلتهم (المجرمين) بعد أن
تسحقهم. هذا هو الشكل الثابت للجريمة في أفلام الأخوين (كوين) فهما يصوران
منطق
الجريمة.. لكن ماذا عن (كوينتن تارنتينو)؟ إنه كما قلنا يسبح في نفس
التيار،
وأفلامه تحوي العنصرين، الجريمة، والمجرمين، لكنه يركز على
عنصر واحد هو (المجرمين)،
فنجده يبدأ أفلامه من خارج الحدث ليخترق الجريمة نفسها متوجهاً إلى
المجرمين الذين صنعوا الجريمة، فيتوقف تماماً عند هؤلاء ليعرض لنا (منطقهم)
الخاص،
في (بلب فيكشين) هناك إغراق في الحوارات الجانبية بين
المجرمين، نرى (سامويل
جاكسون) وهو يتحدث عن (المايونيز) في هولندا، و(تيم روث) في المطعم يجادل
صديقته في
أمور ليس لها علاقة بالجريمة، هنا لا حديث مباشر عن الجريمة،
بل حديث عن مواقف
حياتية تافهة، وكأنه لا وجود للجريمة. (تارنتينو) يكرر الأسلوب ذاته في
(كلاب
الخزان) وفي (اقتل بيل) فيصور (منطق) المجرمين، ويبسط نظرياتهم
في الحياة، وفلسفتهم
الشاذة، على عكس الأخوين (كوين) اللذين ينطلقان من الزاوية المعاكسة
ويصوران (منطق)
الجريمة ذاتها
####
أسماء
من كان2007
أندري
زفيغايتسيف
يشارك
المخرج الروسي الشاب (أندري زفيغايتسيف) في الدورة
الحالية بفيلم (النفي) محمولاً بسمعة كبيرة كان قد حققها قبل أربعة أعوام
مع فيلمه
الأول (العودة). ولد (أندري) عام 1964وقد بدأ حياته السينمائية كطالب في
مدرسة
نوفوسبيرسك للتمثيل وتخرج منها عام 1984ليتجه إلى العاصمة
موسكو بحثاً عن فرص للعمل
كممثل لكن سوء الحظ لازمه حتى العام 2000.في تلك السنة قدم له أحد أصدقائه
عرضاً
غريباً مفاده أن يقوم بمهمة إخراج مسلسل تلفزيوني فخاض المغامرة الجديدة
وحقق من
خلالها نجاحاً لافتاً جعله يفكر في تحقيق فيلمه الأول كمخرج
وهكذا صنع فيلم (العودة)
عام 2003وانتزع بفضله جائزة الأسد الذهبي في مهرجان البندقية السينمائي في
مفاجأة أدهشته هو قبل الآخرين. هذا النجاح انتشله من حياة الفقر التي كان
يعيشها
فأصبح نجماً روسياً لامعاً. وهو الآن يقدم لجمهور (كان) فيلمه
الثاني (النفي) الذي
يحكي قصة عائلة من المدينة تذهب في رحلة إلى الريف لتكتشف هناك جانبها
المظلم
والكريه.
أمير
كوستريكا
تبدو
العلاقة بين المخرج البوسني الشهير (أمير كوستريكا)
ومهرجان (كان) علاقة حميمة وخاصة جداً. ذلك أن نصف أفلامه تقريباً قد حجزت
مكانها
ضمن المرشحين للسعفة الذهبية. وفي هذه الدورة يأتي بفيلم (عدني بذلك) يدفعه
أمل
لحيازة السعفة للمرة الثانية في تاريخه بعد إنجازه الأول
والأكبر الذي حققه عام
1995مع
تحفته ومرثيته الساحرة (تحت الأرض-Underground). (كوستريكا)
من مواليد
سراييفو عام 1954.درس الإخراج في أكاديمية الفنون في العاصمة
التشيكية براغ وتخرج
منها عام 1978ليبدأ في ذات السنة مسيرته الإخراجية بمسلسل تلفزيوني ثم
أتبعه بفيلم
بسيط. وسينتظر حتى العام 1981ليلفت الأنظار إليه بفيلمه الثاني (هل تتذكر
دولي بيل)
الذي حقق أسد (البندقية) الذهبي. ومع فيلمه الثالث (عندما ابتعد الأب عن
عمله) الذي
صنعه عام 1985بدأت علاقة (كوستريكا) مع مهرجان (كان) حين نال ترشيحه الأول
للسعفة
الذهبية. ليتكرر المشهد لاحقاً في أربعة محطات أخرى كان أبرزها المحطة
الثالثة عام
1995والتي
صنعت مجد (كوستريكا) الحقيقي وقدمت له سعفته الذهبية الأولى والأخيرة حتى
الآن.
####
هموم السينما اللبنانية في ندوة عقدت في "كان" ضمن
فعاليات
اليوم اللبناني
كان (ا ف
ب): شكلت تطلعات وهموم السينمائيين اللبنانيين الشباب محور ندوة
عقدت الاثنين ضمن فعاليات اليوم اللبناني في تظاهرة "كل سينما العالم" التي
تستضيف
هذا العام
اضافة الى لبنان كلا من الهند وافريقيا وبولندا وكولومبيا.
واستهلت
ايمي بولس رئيسة "مؤسسة سينما لبنان" الندوة بالحديث عن دور المؤسسة
الخاصة في دعم وضعية الفيلم اللبناني وقالت "نحاول خلق
ديناماية كما نحاول ايصال
الفيلم اللبناني الى الخارج ونساعد المشاريع الجديدة ونسعى لايجاد نتاجات
لها".
وبدأت
الندوة بالتطرق الى موضوع تدريس السينما في لبنان حيث يوجد 6مؤسسات ومعاهد
تدرس مادة السينما.
وتبين من
خلال الافلام التي عرضت في اطار هذا اليوم ان الجيل الأحدث سنا تكون
كليا في لبنان بينما تخرج الجيل الاكبر سنا من معاهد في فرنسا والولايات
المتحدة
وغيرها.
تلك كانت
حالة ميشال كمون الذي عرض فيلمه "فلافل" ضمن التظاهرة والذي درس
السينما في باريس وكذلك حالة اسد فولدكار الذي يعمل حاليا في مصر والذي درس
السينما
في الولايات المتحدة وعرض له فيلمه "لما حكيت مريم".
أما غسان
سلهب الذي عرض له فيلمه "الرجل الاخير" فقد تكون على نحو عصامي بينما
جاء الثنائي جوانا حجي توما وخليل جريج ("يوم آخر") من الأدب
وفضاء الفن التشكيلي
الى الفن السابع.
وعرضت ضمن
التظاهرة افلام قصيرة لكل من ديما الحر وهاني طمبة وقصي حمزة وشادي
روكز ومعظم هؤلاء الشباب تخرجوا من لبنان.
وتم
التطرق في الطاولة المستديرة الى المضامين التي تعاطى معها الفيلم اللبناني
فقالت جوانا حجي توما "نحن نهتم بلبنانية أفلامنا ونحن منتبهون للصورة التي
نريد
ايصالها عن بلدنا".
لكن خليل
جريج الذي يشاركها العمل اشار الى ان السينما ليست سفيرة للبلد.
اما ميشال
كمون فعقب بان "مدارس السينما لا تعلمنا كيف نصنع أفلاما لكنها تعلمنا
التركيز وتزيد احساسنا بماهية السينما التي هي الالف باء التي استخدمها
لاعبر عن
نفسي".
واضاف
"أريد ان اكون صادقا في أفلامي وان اعمل سينما وليس فيلما لبنانيا فقط".
اما
المخرجة الشابة ديما الحر التي قدم لها فيلمها القصير "ام علي" فقالت ان
السينما تتكلم "عني وعن احاسيسي. وفي السينما احكي قصصا من
بلدي".
وستبدأ
ديما الحر تصوير فيلمها الطويل الاول في ايلول المقبل في بيروت وتدور
احداثه حول يوم الاستقلال في لبنان.
وطرحت
خلال الطاولة المستديرة اسئلة حول اولوية السينما في بلدان تعاني مشاكل
وحروب واقتصادها هش مثل الاقتصاد اللبناني وحيث لا يخصص للسينما في وزارة
الثقافة
سوى ميزانية قيمتها 50الف دولار سنويا تمنح لانتاج الافلام
القصيرة والطويلة على
السواء.
ويغيب
وجود صندوق دعم فعلي في لبنان يساعد على دعم السينما كما هو الحال في تونس
او
المغرب او في مصر حيث تعتبر الدولة منتجة في معظم الاحوال.
واشتكى
البعض من كونه ينفق الكثير من الوقت والجهد في العلاقات العامة والبحث عن
انتاج اكثر من الوقت الذي يصرفه على العمل الفني.
وركز غسان
سلهب على ان انتاج الفيلم اللبناني يظل مغامرة واضاف كمون شارحا بلغة
صورية "ان كل فيلم لبناني هو عبارة عن قطار يفبرك سكته بنفسه".
من ناحيته
اشار فولدكار الى ان السينمائيين اللبنانيين لا يعملون مع بعضهم البعض
وانما كل واحد لوحده ولكل طريقته في الوصول الى انجاز فيلم.
وعقبت
ايميه بولس على كلامه بالاشارة الى بدء تكون فرق عمل فنية في لبنان بفضل
المدارس فيما اراد آخرون الحفاظ على تفاؤلهم لافتين الى بدء ولادة سوق
عربية للفيلم
وبدء اهتمام التلفزيونات به ايضا.
واذا كانت
السينما اللبنانية ما زالت متواضعة في الافلام الطويلة لناحية الكمية
فهي تنتج ثلاثة افلام سنويا غير ان هذه السينما تشهد شبابا جديدا يتجسد
خاصة في
الافلام القصيرة وتنوعها ومحاولات معالجتها لمواضيع اخرى غير
الحرب.
وفي وقت
أوجد بعض المخرجين موزعين لهم في الخارج ونجحوا في تسويق أفلامهم فان
البعض الآخر فضل انجاز نتاجات تجارية تجد لها جمهورها المحلي الذي يقبل على
العمل
بكثافة.
تلك كانت
حالة فيلم "بوسطة" الذي حقق 150الف بطاقة دخول في لبنان والذي اخترق
السوق المصرية وبعض السوق الخليجية وهذه ايضا حالة فيلم "دلوعة
بيا" الذي يعرض
حاليا في لبنان.
ويبيع
السوق اللبناني 3ملايين بطاقة سنويا وتعد بيروت نحو 90صالة عرض.
وتصور
اربعة افلام طويلة هذا العام في لبنان رغم حرب الصيف الماضي التي تركت
آثارها المدمرة على هذا البلد ودخلت حتى الى قلب الافلام التي كانت حاولت
الابتعاد
عن هذه الموضوعات والالتفات اكثر الى مواضيع مدينية اجتماعية.
|