مهرجان القاهرة السينمائي..
التاريخ لن
يصمد طويلاً أمام المال
القاهرة ـ حمدي رزق
على الرغم من أن مصر "بلد المهرجانات"، كما يقال، وأن ثمة 15
مهرجاناً دولياً يقام فيها كل سنة (من بينها سينمائي أو مسرحى، أو تشكيلي،
أو غنائي، يعضها يحمل الصفة الدولية)، إلا أن المصريين لا يستشعرون
مهرجاناً من كل هذه المهرجانات سوى "القاهرة السينمائي الدولي".. الذي بدأت
فعالياته الثلاثاء الماضي، مستهلاً بذلك دورته التي تحمل الرقم 31.
نحن ـ إذن ـ بصدد أقدم مهرجان مصري. لا يوجد مهرجان سواه يحمل
رقم 31، ربما لأن المهرجانات في مصر تخرج، جميعاً، من معطف وزارة الثقافة
المصرية، وتعتمد على المؤسسة الرسمية تمويلاً وتنظيماً وإدارة، ويعين وزير
الثقافة رؤساءها والقائمين عليها، فتعرضت هذه المهرجانات لتقلب السياسات
الثقافية من وزير إلى وزير، ومن ميزانية إلى أخرى. أما مهرجان القاهرة فهو
الوحيد الذي نشأ بصورة مستقلة ـ فكرة، وفكراً، وتمويلاً وتنظيماً وإدارة ـ
وظل محافظاً على استقلاله، بأساليب شتى، طوال دوراته الإحدى والثلاثين.
غير أن مهرجان القاهرة ـ الذي انضم إلى مؤسسته ممولون من رجال
الأعمال، هم على وجه التحديد نجيب ساويرس وعمر بدر، وأصبح لوزارة الثقافة
إشراف إدارى على هياكله، من دون أن يفقد استقلاله، وهو المهرجان السينمائي
الوحيد الذي يحمل الصفة الدولية الرسمية "واحد من 12 مهرجاناً دولياً
للسينما حول العالم معترفاً بها"، هذا المهرجان يواجه تقلبات الزمن كأي
كيان ثقافي. المعادلات من حوله تتغير، والمساحات تتداخل، ليشهد ما لم يكن
يتوقعه القائمون عليه حتى وقت قريب.
المنافسون
الجدد
اللجنة الدولية للمهرجانات هي التي تحدد لكل مهرجان يحمل صفة
الدولية موعد انعقاده، وهذا الموعد يدور في حدود ثابتة. لذا فإن اللجنة
قررت إقامة مهرجان القاهرة السينمائي الدولي الواحد والثلاثين في نوفمبر ـ
تشرين الثاني، وكان من المقرر أن يبدأ في العشرين من هذا الشهر. لكن رئيس
المهرجان الممثل عزت أبو عوف أعلن إرجاءه إلى 27 منه... لكي يفسح المجال
للفنانين المصريين الذين توجهوا إلى "مهرجان الرباط" فرصة الرجوع وحضور
الافتتاح!
والمتابعون للمهرجان عن قرب، يعرفون أن أبو عوف بذل جهداً
شخصياً، بصفته ممثلاً مخضرماً في الوسط الفني، ليستطيع جلب من يستطيع من
الفنانين والفنانات إلى ليلة افتتاح المهرجان، وبعضهم أتى إلى الافتتاح لكي
لا يحرج أبو عوف، فالوجوه تتقابل في "البلاتوه" بعد ذلك، وسيكون أمراً
سيئاً ومحرجاً للطرفين أن يعتذر هذا الفنان أو تلك الفنانة بأنه لم يحضر
لأنه كان في فعاليات مهرجان الرباط...!
واضح ـ إذن ـ أن ثمة منافساً إقليمياً آخر!
لكن مهرجان الرباط ليس المنافس الوحيد لمهرجان القاهرة
السينمائي الدولي، هناك مهرجان أكثر خطورة منه، من حيث جذبه للنجوم
المصريين والعرب والعالميين، هو مهرجان دبي الناشئ قبل 3 سنوات، وأخيراً
المهرجان الذي ولد في أكتوبر ـ تشرين أول الماضى "مهرجان الشرق الأوسط"
المنعقد في "أبو ظبي"! حتى مهرجان دمشق ـ القديم نسبياً ـ انعقد هذه الدورة
في موعد مقارب لمهرجان القاهرة، والطريف أنه شهد إقبالاً متزايداً من
النجوم المصريين على حضوره.
المنافسون الجدد يتكاثرون، وثمة تخمينات بأن الدوحة (عاصمة
دولة قطر) تستعد لمهرجان مماثل العام القادم، ليزداد المنافسون واحداً...
وليتحدد الحديث عن تميز مهرجان القاهرة ومكانته وإن كانا مهددين وسط هؤلاء
المنافسين! ولكن، أين تكمن الإشكالية؟
مهرجانات دبي وأبو ظبي والرباط لا تحمل الصفة الدولية
كمهرجانات سينمائية، وليس لها تاريخ عريض في "الفن السابع"، لكنها تملك
أدوات لا تقل عن "الدولية" و"التاريخ". إنها تملك ـ أولاً ـ التمويل السخى
الذي لا يملكه مهرجان القاهرة، وتملك إدارات يضطلع بها مختصون من جنسيات
أوروبية وأميركية، لهم علاقات دولية ضخمة تمكنهم من تشجيع كبار النجوم حول
العالم على حضور هذه المهرجانات الناشئة، وهو ما يعطى لهذه المهرجانات
بريقاً لا يقل عن بريق "كان" أو "فينسيا"، ويعوض "نقص التاريخ" بإزاء
منافسهم العتيد "القاهرة ـ الدولي".
هذه الأدوات أكسبت المنافسين الجدد مكانة قوية تحصّلت لهم
سريعاً، وهي المكانة التي جعلت السينمائيين المصريين يخشون على شعبية
مهرجان القاهرة، والذي لديه معطيات مختلفة!
مهرجان القاهرة كان إلى وقت قريب التحول ذاتياً، يعتمد في ذلك على
الإعلانات وعلى النشرات الدعائية وعلى بيع مطبوعات سينمائية حول فعاليات في
سوق الصحف، وعلى أثمان التذاكر التي يدفعها الجمهور البسيط، ليشاهد الأشرطة
السينمائية التي يعرضها المهرجان، كونها لا تمر على "الرقابة على المصنفات
الفنية" ـ هكذا تقضى لوائح المهرجانات الدولية ـ هل تذكرون الإفيه الذي
قاله عادل إمام في شريط الشهير "المنسي"... الفيلم ده قصة ولا مناظر؟"، هذا
هو جمهور المهرجان ومموله الرئيسي.
ظل مهرجان القاهرة يتحول ذاتياً بتلك الطريقة، إلى أن عجز عن
جذب المزيد من الأموال التي كانت تلزمه، بالضرورة، ليحافظ على مظهره
كمهرجان دولي. لم يحدث أن واجه المهرجان إشكاليات تمويلية في بدايته، سواء
في عهد مؤسسة الناقد والصحافى الراحل كمال الملاخ أو خلفه القوى الذي ظل
يرأس المهرجان 17 عاماً الكاتب والسيناريست سعد الدين وهبة (الملقب "أبو
مهرجان القاهرة") حتى أن البعض قال أن وهبة كان يملك كنوز "على بابا"
الأسطورية التي كان يمول بها المهرجان!
غير أن الأزمة المالية ظهرت في عهد خليفته "حسين فهمي" (1998 ـ 2002) ثم
"شريف الشوباشي" ( 2002 ـ 2005) وكلاهما ظل يبحث عن رعاة من رجال الأعمال
أو من المؤسسات المالية ليستطيع تمويل المهرجان... من دون جدوى فيما يبدو.
البقاء
للأصلح
غير أن عزت أبو عوف ـ وهذه ثانى دورة للمهرجان في عهده ـ تمكن
من جذب نجيب ساويرس المستثمر المصري الشهير، ورجل الأعمال عمرو بدر لتمويل
المهرجان وإعادة وضعه على الخارطة بصورة لائقة. لكن خطوة أبو عوف ـ التي
أخرجت المهرجان من عنق الزجاجة ـ لم تكن كافية على ما يبدو، لأن مهرجانات
أخرى تلقى تمويلاً أكبر ظهرت شرقاً وغرباً...!
في مواجهة هذه المنافسة الشرسة والظرف الضيق، يستطيع عزت أبو
عوف أن يتمسك بابتسامته الصافية وضحكته الرنانة التي عرفها جمهوره عنه
كممثل طوال 25 عاماً. لا يبدى استسلاماً لهذا الواقع السخيف. يقول: لا نخاف
من المنافسين، ومن مصلحة مهرجان القاهرة أن يظهر له منافسون وأن يؤكد تفوقه
في وجودهم، وإلا لما استحق البقاء. لا نملك أن نمنع دبي أو أبو ظبي أو
الدوحة أو الرباط أو أية مدينة عربية من أن تقيم مهرجاناً سينمائياً.
لتتفتح كل زهور السينما، والبقاء في النهاية للزهرة الأصيلة... لأنها
الأصلح للبقاء!
ويضيف أبو عوف: هذه المهرجانات تملك تمويلاً يفوق تمويل مهرجان
القاهرة السينمائي الدولي بمراحل، كما يملك مديروها شبكة علاقات دولية ـ
بحكم عملهم في هيوليود وفي أوروبا ـ تسهل لهم جذب النجوم العالميين إلى هذه
المهرجانات الناشئة. لكن هؤلاء النجوم الكبار أنفسهم إذا سئلوا عن المهرجان
الوحيد الذي يعرفونه في الشرق الأوسط فستكون إجابتهم ـ يقيناً ـ مهرجان
القاهرة!
هذه المهرجانات الجديدة ـ يتابع أبو عوف ـ تملك المال الكثير،
ولديها شبكة علاقات دولية، فماذا نملك؟ نحن لدينا التاريخ، وهو ما يمكننا
من الحصول على أفضل أشرطة سينمائية في العالم لعرضها في المهرجان المصري،
سواء داخل مسابقاته المتعددة أو على هامش فعالياته. ولمن لا يعلم فإن نوعية
الأشرطة المعروضة في أى مهرجان وأسماء أبطالها وما يصاحبها من ندوات
ومشاركات، هي المحدد الرئيسي لقيمة المهرجان ومدى نجاحه. كذلك فإن "تاريخ"
مهرجان القاهرة جعل كوادره الإدارية متمرسة بالتنظيم، الأمر الذي يحافظ
للمهرجان على صفته الدولية، ومهرجان القاهرة يتلقى ثناء مستمراً من اللجنة
الدولية للمهرجانات لحسن تنظيمه!
ويؤكد أبو عوف: مهرجان القاهرة هو الوحيد في المنطقة الذي حمل
صفة "الدولي"، وهو واحد من أهم 12 مهرجاناً سينمائياً حول العالم... لكل
هذا، فنحن لا نخاف على مصير مهرجاننا، وإن كنا نعترف بشراسة التنافس من
حولنا، ونحن لا نملك ـ بشكل واقعي ـ لهؤلاء المنافسين، سوى أن ننسق معهم
مواعيد بدء الفعاليات، وأنا لم أخجل من التأجيل لصالح "الرباط". كنت سأخجل
ـ حقاً ـ لو بدأنا في موعدنا وتأخر النجوم في الرباط... ولا تزال إدارة
المهرجان قادرة على أن تنسق مع الآخرين، مستغلين شبكة علاقات المهرجان
العربية القوية!
ويختتم أبو عوف قائلاً: مصر هي أم السينما العربية، ولا بأس
لأي دولة عربية أن تؤسس مهرجاناتها الخاصة، لكن البقاء للبلد الذي يملك
تاريخاً في فن السينما، فهو يستطيع أن يجعل من مهرجانه عرساً لهذا الفن.
ولو لم يكن مهرجان القاهرة مصرياً، لما استطاع ـ مثلاً ـ أن يحتفي بمرور
مئة عام على بداية فن السينما في مصر من خلال المهرجان في دورته الحالية،
ولو لم يكن مصرياً لما أمكنه أن يحتفى في دورته هذه بعملاق الكوميديا نجيب
الريحانى ويكشف صفحات نادرة من تاريخه الشخصي أدهشت كل الحضور...!
دورة
المفاجآت
ربما يملك عزت أبو عوف حججاً قوية يستدل بها على حيوية
المهرجان القديم، وهو محق فعلاً فيما يختص بمعادلة "البلد الأقدم في
التاريخ السينمائي"، فبها استطاع المهرجان هذا العام أن يدشن احتفالاً
داخلياً بمئوية السينما المصرية، أكسب هذه الدورة زخماً متزايداً.
وفي إطار هذا الاحتفاء، يجري عرض عدد من الأشرطة التي أراد من
خلالها المهرجان أن يقول "أنا الأقدم، أنا صاحب التاريخ".. وهذه الأشرطة هي
"الحرام" لفاتن حمامة ـ 1965 و"البوسطجي" لشكري سرحان وصلاح منصور وإخراج
حسين كمال ـ 1968 و"المومياء" لنادية لطفى وأحمد مرعى وإخراج الراحل الكبير
شادى عبد السلام (1974) وهي درته اليتيمة التي لم يقدم سواها للسينما
..وغيرها من كلاسيكيات السينما المصرية.
وتركيزاً على التاريخ في منافسته مع "الجديد"، كشف مهرجان
القاهرة عن وجود ابنة مجهولة للراحل نجيب الريحاني، الذي لم يعرف عنه أنه
أنجب من زوجته بديعة مصابني، لكن الريحاني أنجب هذه الأبنة ـ التي تخطو نحو
عامها السبعين وتدعى جينا ـ من صديقته الراقصة الفرنسية لوسي التي كانت
تقيم في مصر في الثلاثينيات والأربعينيات، وقضى الريحانى في حبها 18 عاماً.
ولوسي تحيا بين الإسكندرية وباريس، والمهرجان فجر هذه المفاجأة ليلة
الافتتاح مع شريط تسجيلى عن حياة الريحانى أخرجه وكتبه المخرج المصري محمد
كامل القليوبي لصالح هذه الدورة المكرسة لروح الراحل نجيب الريحانى،
ليحققوا نصراً صحافياً "تاريخياً" أهداه إليهم مهرجان القاهرة الذي بات
يتقن "لعبة التاريخ" جيداً! وجاء هذا الكشف عبر مخرج يخطو نحو الثمانين
ربطته علاقة بالريحانى في أواخر حياته يدعى زغلول الصيفي!
سينما
عربية
في المهرجان هذا العام رقم قياسي، يتمثل بـ151 شريطاً تعرض في
فعالياته وهو الرقم الذي لم يحدث أن اضطلع به مهرجان سينمائي في الشرق
الأوسط من قبل... الأشرطة آتية من 55 دولة، من بينها 16 شريطاً تشارك في
المسابقة الدولية ـ المسابقة الرئيسية ـ ولمصرفيها شريط "ألوان السما
السابعة"، لليلى علوي وفاروق الفيشاوى، وتشارك مصر أيضاً في المسابقة
العربية بشريط "الغابة" للممثلة الشابة حنان مطاوع.
فيما تضم المسابقة الدولية لأشرطة الديجيتال 12 شريطاً من 10
دول فيما يشهد المهرجان حضوراً عربياً كثيفاً، يتنافس خلاله 13 شريطاً من 5
دول عربية. فضلاً عن مصر هناك لبنان والمغرب والجزائر وسوريا، يتنافسون على
جائزة أفضل شريط عربي.
تم تخصيص قسم بعنوان "سينما عربية جديدة" يعرض ثلاثة أشرطة من
الجزائر والسعودية ولبنان وجميعها إنتاج عام 2006 كما ستعرض في قسم السينما
المغربية الجديدة ستة أشرطة تمثل تيارات مختلفة.
إدارة المهرجان اختارت السينما البريطانية ضيف شرف المهرجان
هذا العام، كما تم اختيار الفيلم البريطاني "الموت في جنازة" للمخرج فرانك
أوز ليكون شريط الافتتاح، إضافة إلى مشاركة بريطانيا بأكثر من جديد تمثل
أحدث ما أنتجته خلال العامين الماضيين. وحرص المهرجان على عرض بعض الأشرطة
العالمية التي أثارت جدلاً في مختلف دول العالم في قسم خاص بعنوان "أفلام
مثيرة للجدل" ويضم القسم شريطين هما: الأميركي "الشرق في أميركا" إخراج
هشام عيسوى وهو أميركي من أصل مصري ويستعرض أحوال العرب في كاليفورنيا عقب
أحداث 11 سبتمبر 2001 من خلال قصة مهاجر مصري.
الشريط الثانى من كرواتيا وأنتج عام 2007 بعنوان "الأحياء
والموتى" إخراج كريستيان بليك ويحكى قصتين عن الجد والحفيد حيث شارك كل
منهما في الحرب في نفس المكان ولكن في زمانين مختلفين حرب 1943 وحرب 1993
ليؤكد الفيلم على الآثار السيئة التي تتركها الحرب الواحدة رغم اختلاف
الزمن.
وشعار المهرجان في دورته رقم 31 تتكون من تمثال إيزيس رمز
الخصوبة والتضحية والعدالة والسلام حاملة الهرم رمز الخلود والإبداع
الهندسي، وسيتم تكريم كل من أحمد رمزى ونور الشريف والكاتبين أحمد صالح
ومصطفى محرم... في دورة المهرجان هذا العام .
|