عن فيلم ”افاتار“
من إخراج جيمس كاميرون
دانييل ميندلسون
(طبختان) شعبيتان على نحو هائل, فيلمان منجزان بجهد شخصي
يخلقان على نحو ظريف مادة بالمجاورة من مصدرين مختلفين, يجعلان الأوساط
الآن على
شبكة الأنترنيت تسعى الى النيل من قنبلة جيمس كاميرون الجديدة الساحرة
بصرياً
والخرقاء آيديولوجياً, افاتار. إن المادة الهائلة غير المصورة
المأخوذة من مقدمة
فيلم الصور المتحركة الحائز على جائزة الأوسكار (بوكاهونتاس)- 1995, الذي
أنتجته
شركة دزني, قد أقحمت في مقطع من (افاتار) تحدث فيه, كما في (بوكاهونتاس),
مجابهة
بين السكان الأصليين السود والغزاة البيض المصممين على
الإستغلال التجاري تلطفها
قصة حب بين ثقافتين مختلفتين. (على الرغم من أن عالميهما مختلفان... فإن
مصيرهما
واحد), هكذا يترنم صوت الراوي المتسم بنبرة الطبقة العليا, يقاطعه صوت
بوهاتان وهو
يقول: (الزوار الشاحبون غرباء عنا).
الطبخة الأخرى تعكس النكتة. هنا, حوار من
افاتار- يمنح فيها جندي مقعد منتسب سابق للبحرية فرصة ثانية للحياة في عالم
جديد
غريب يدعى (باندورا), وهناك يغرم بفتاة من السكان الأصليين, وهو تعقيد يربك
ولاءاته- قد أقحم كذلك في مقاطع قصيرة من بوكاهونتاس. في آن
معاً, نرى صورة متحركة
لسفينة النقيب جون سمث بعد أن تقوم بهبوطها المشؤوم على (جيمزتاون), بينما
نسمع
شخصية في افاتار, عقيد صارم في البحرية وهو يرحب بالجنود الجدد القادمين
الى
باندورا, يقتبس على نحو تهكمي مقطعاً من حوار الفيلم أصبح
تعبيراً رمزياً عن جميع
أنواع النزوح الثقافي: (سيداتي وسادتي, لستم في كانساس بعد الآن), هكذا
يجأر العقيد
بصوت عالٍ عميق.
النقد اللاذع لهاتين الطبختين موجه الى ما نظر اليه بوصفه
الطبيعة القائمة على الإشتقاق بشكل كبير, إذا لم نقل على
الإنتحال الصريح, في فيلم
افاتار, من حيث الحبكة والشخصيات والموضوعات, تلك الموضوعات التي تبدو
فعلاً, من
أوجه عديدة, مثل تحديثات قصص خيال علمي لتلك التي تجدها في بوكاهونتاس. في
هذا
الفيلم, جندي البحرية (جيك سولي) المشلول الساقين الذي جرح
أثناء حرب في فنزويلا,
يبدأ بوصفه خادم سيدين مرتبكاً ومشوشاً.
فمن جهة, إنه ظاهرياً يساعد في تجربة
فائقة التقنية يقوم فيها بشر, وهم مستلقون في أوعية شبيهة بالتوابيت
الحجرية محشوة
بأسلاك تراقب موجاتهم الدماغية, بالتحكم عن بعد بكائنات (الأفاتار)
المخلّقة
مختبرياً على غرار شعب (النافي) سكان الغابات المحبين للطبيعة
ذوي البشرة الزرقاء
شديدي الشبه بالإنسان.
كل هذه التكنولوجيا يراد منها أن تساعد العلماء المصممين
بقوة على الإندماج مع شعب النافي والتفاوض معهم في آخر المطاف لغرض التوصل
الى حل
دبلوماسي لمشكلة استعمارية مزعجة: إن موطنهم, الذي يتخذ شكل خلية هائلة من
الأشجار,
يصدف أن يتربع على قمة مستودع غني بمعدن
نفيس قدم البشر الى باندورا لغرض
استخراجه.
المشكلة هي أن سيد جيك الآخر- الذي يعمل له سراً في البدء, مخترقاً
شعب النافي بهدف جمع معلومات ستراتيجية- هو جيش المرتزقة من
جنود البحرية
المستخدمين من لدن (شركة) غامضة تعمل على استخراج المعدن النفيس. (الشركات
الاسغلالية المجهولة الاسم هي فكرة مهيمنة ومتكررة في أفلام هذا المخرج).
واضح
منذ البداية أن كلاً من الشركة وجنود البحرية يتلهفون الى تجنب الدبلوماسية
من أجل
حل عنيف ودائم لمشكلة شعب النافي. الجزء المثي من الفيلم هو
ذلك الذي يتعقب التحول
في وعي جيك حيث يصبح تدريجياً معجباً بثقافة شعب النافي بارتباطها العميق
والعضوي
بالطبيعة [وفي الحبكة الثانوية الرومانسية الحتمية, يفضي الى الإفتتان
بأميرة شعب
النافي الجميلة التي تحمل اسم (نايتيري) الذي يبدو اسماً
مصرياً]. في آخر الأمر,
يقف جيك في صفهم, ليقود الشعب الأصلي في انتفاضة ذروية وعنيفة الى أقصى حد
ضد
مضطهديهم الدمويين.
حتى الآن, قد يبدو الفيلم صحيحاً جداً من الوجهة السياسية.
مع ذلك فإن معظم الإنتقادات التي وجهت اليه منذ عرضه الأول في كانون الأول
تتعلق
بطبيعة سياسته أكثر من أصالة رؤيته. العديد من النقاد هاجم فيلم كاميرون
بسبب ما
يراه المعاني الأخرى الضمنية لصورة تقديم شعب النافي (البدائي)
المنحازة, إذا لم
نقل العنصرية؛ والرياء الضمني لاحتفاء علني, من جانب قنبلة هوليوود المرصعة
بالمؤثرات على نحو خاص, بالطبيعة وما يرافق ذلك من جدل ضد التكنولوجيا وما
يتصل بها
من طمع, والطريقة التي خرج بها الفيلم على مبدأ عقدة (المخلّص
الأبيض), بحسب تعبير
ديفيد بروكس الساخر في عموده في جريدة نيويورك تايمز.
الفيلم يقوم على الفكرة
الثابتة القائلة بأن الناس البيض عقلانيون وتقنيون بينما ضحايا الإستعمار
روحانيون
ورياضيون. إنه يقوم على افتراض أن غير البيض يحتاجون الى المخلّص الأبيض
ليقود
حملاتهم الصليبية.
إنه يقوم على افتراض أن الأمية هي طريق الفضيلة. كما أنه
يخلق نوعاً من امبريالية ثقافية ذات حدين. السكان الأصليون في مقدورهم إما
أن
يتركوا تأريخهم يشكله امبرياليون قساة أو امبرياليون خيرون, ولكن في كلا
الحالين
(سيكونون
ممثلين ثانويين في رحلتنا باتجاه الإعجاب بالذات).
إن انتقادات مثل تلك
التي وجهها بروكس لايمكن التغاضي عنها: ليس في الأقل لأن العقدة القبيحة
التي
يشخصها هي العقدة التي شوهت تمثيلات هوليوود للمجابهة الثقافية
ابتداءً من الأفلام
الغربية المبكرة وانتهاءً بآخر النتاجات التي أنتجت في عصر يفترض أن يكون
أكثر
تنوراً. [من بين العديد من الأفلام الجادة التي قورن بها افاتار على نحو
ساخر من
لدن منتقديه هو ملحمة كيفن كوستنر المنتج عام 1990(الرقص مع
الذئاب Dances with Wolves)
الذي يصبح فيه بطل حرب أهلية, على نحو مماثل, من المواطنين الأصليين ليقود
القبائل الهندية ضد مواطنيه السابقين]. ما يصدم في الأمر هو أن العديد من
الإنتقادات الموجهة الى عيوب افاتار السياسية تخرج عن مسارها
لتتجاهل أو تقلل من
قيمة نجاحات الفيلم الطاغية بوصفه عملاً سينمائياً- طاقته البصرية الهائلة,
أصالته
التخييلية المدهشة, الإستخدام الفعال على نحو مثير للتكنولوجيا الثلاثية
الأبعاد
التي تبدو أن لا مناص من أنها سوف تغير على نحو دائم طبيعة
التجربة السينمائية من
هنا فصاعداً- كأنها تعترف (أي هذه الإنتقادات) بأنه كم سيكون باهراً
الإقرار (بالضعف النقدي).
خير مثل على ذلك يمكن العثور عليه في نقد لاذع قدمه الناقد
كاليب كراين على موقعه:
[أنتم
بالطبع لا تصدقون ذلك حقاً. أنتم تعلمون بشكل
موضوعي أن ما تشاهدونه هو سلسلة من تمثيلات بالكومبيوتر عالية
المهارة وعالية
التكثيف.
ولكن لو أنكم توافقون على إرجاء عدم التصديق, فأنكم توافقن على أن
تحاولوا أن تشعروا بأن باندورا هي طبيعة ثانية محسنة وان شعب
النافي هو (شعب أصلي
رقمي) من أجل إعادة القصد بشكل حرفي لعبارة تعتمد على (الخدعة الآيديولوجية
ذاتها).
ولكن (معرفتنا الموضوعية) بشأن الآليات التي تنتج الإيهام المسرحي تقف
في صالح هذه النقطة. أن ترى ناقداً يعمل بجد كبير لا يسلم بعدم
التصديق- وهو هدف
الدراما, بعد كل شيء, منذ نشوئها- يعني, من ناحية ما, إدراك مدى قوة
الآليات التي
تسعى الى إنتاج هذا التسليم حقاً.
كما يحدث فعلاً, إن الفيلم الذي يلاحق افاتار-
الفيلم الذي أقر كاميرون مراراً بأنه فيلمه المفضل- هو ذلك الفيلم الذي
يأخذ شكل
حكاية خرافية عن الإختلاف (وأحياناً العلاقة المتبادلة) بين الخيال
والواقع؛ فيلم
تتمحور ذروته الدرامية حول اللحظة التي يفهم فيها البطل أن الإيهامات
الطاغية
بصرياً والمناورة سياسياً يمكن أن تكون نتاج (تمثيلات عالية
المهارة وعالية
التكثيف) (وهو واقع, على أية حال, لايقلل من إعجاب الشخصيات وإعجابنا
بالإستخدامات
الجمالية والمعنوية وإيجابيات الخيال, الإيهام).
ذلك الفيلم هو, في الواقع,
الفيلم الذي يقتبسه عقيد البحرية: (ساحر أوز The Wizard of Oz).
الصباح الجديد
العراقية في
26/03/2010
أفاتار.. الفصل الأخير في قصة «الأفلام الأكثر دخلاً» في
التاريخ
تُردد وسائل الإعلام هذه الأيام نبأ تصدر فيلم (آفاتار-Avatar) لقائمة الأفلام الأكثر دخلاً في تاريخ السينما بعد حصده لأكثر من
ملياري دولار حول العالم منذ بدء انطلاق عروضه السينمائية في 18 ديسمبر
الماضي. وقد أكد التناول الإعلامي على فكرة واحدة فقط هي تحطيم "أفاتار"
للرقم القياسي السابق الذي كان مسجلاً باسم فيلم (تايتانيك) منذ العام
1997، من دون ذكر الحكاية الكاملة لتاريخ الأفلام الأكثر دخلاً منذ تأسيس
السينما وحتى اليوم. حيث لا يعتبر "أفاتار" سوى محطة من محطات تطور هذا
التاريخ الكبير المطرز ببريق المال والنجاح.
وبطبيعة الحال فإن هذا التاريخ محصور بالسينما الأمريكية فحسب،
وبهوليود تحديداً، نظراً لاتساع سوق الفيلم الأمريكي الذي يمتد لكل ركن في
الكرة الأرضية، عكس بقية سينمات العالم والتي لا توزع إلا في نطاقها
الإقليمي. لذا فإن الحديث عن تاريخ الأفلام الأكثر دخلاً يعني في جانب منه
الحديث عن تاريخ السينما الأمريكية ككل.
في البدء كانت صالات السينما
اعتمدت السينما الأمريكية منذ بدايتها على سوق ضخم يتكون من آلاف
الصالات السينمائية، وقد اعتبر هذا العدد الكبير عامل الحسم الأول الذي
أعلن تفوق أمريكا على دول العالم قاطبة في مجال السينما الشعبية، حيث كانت
تمتلك أكثر من عشرة آلاف صالة عرض سينمائي في العام 1910 في الوقت الذي لم
يكن لدى بقية دول العالم أكثر من ثلاثة آلاف صالة. وبحسب المؤرخ الفرنسي
جورج سادول في كتابه المهم "تاريخ السينما في العالم" فإن سبب انتشار
الصالات في أمريكا يعود لارتباطها أولاً بالمهرجانات الشعبية مثل السيرك ثم
رخص قيمة تذكرة الدخول والتي لم تكن تتجاوز نيكلاً واحداً حتى عرفت هذه
الصالات ب"منتديات النيكل".
ازدياد الإيرادات.. وثبات المعدل
وقد أدى تضخم عدد الصالات في العقود الأولى من القرن الماضي إلى
ارتفاع كبير في إيرادات الأفلام داخل أمريكا ومنح شركات الإنتاج قوة ماليّة
تمكنت بفضلها من خلق نظام فعّال لتوزيع أفلامها إلى بقية دول العالم. لتنشأ
من ذلك قائمة سنوية للأفلام الأعلى دخلاً حول العالم. وتوضح هذه القائمة أن
معدل الدخل لكل فيلم ينتمي للفترة من 1918 وحتى 1972 لم يتجاوز أبداً حاجز
المائة مليون دولار حيث تراوحت الإيرادات من مليون وسبعمائة ألف دولار
لفيلم
The Painted Veil عام 1934 إلى ستة وتسعين مليون دولار سجلها فيلم الكاوبوي الحائز على
الأوسكار
Butch Cassidy and the Sundance Kid عام 1969.
ذهب مع الريح.. استثناء في كل شيء
لكنْ هناك استثناء لافت خلال هذه الفترة لصالح الملحمة الرومانسية
الخالدة (ذهب مع الريح-
Gone with the Wind)
التي حصدت أكثر من 390 مليون دولار حول العالم. فمع هذا الفيلم، الذي أخرجه
فيكتور فيلمنغ ولعب بطولته كلارك غيبل وفيفيان لي، تحطمت جميع الأرقام
القياسية وبشكل مثير نظراً لأن الفترة التي ظهر فيها –عام 1939- سجلت
انحساراً لسوق الفيلم الأمريكي في العالم بسبب نذر الحرب العالمية الثانية
والصراع مع العالم الشيوعي.
العراب.. يبدأ مسيرة "أكثر من مائة مليون"
ومع رائعة المخرج فرانسيس فورد كوبولا فيلم (العراب-The
Godfather) انطلقت المسيرة الحقيقية للأفلام الأعلى دخلاً حول العالم، حيث
تجاوز الجزء الأول من هذا الفيلم في سنة ظهوره –عام 1972- حاجز المائة
مليون دولار، مُدشناً بذلك مرحلة جديدة بمستويات قياسية في الأرباح لم
تتراجع عنها السينما الأمريكية حتى هذه اللحظة. وقد حقق فيلم "العراب"
حينها أكثر من مائتين وخمسة وأربعين مليون دولار رغم أن كلفته الإنتاجية لم
تتجاوز ستة ملايين دولار فقط.
وفي السنة التي تليها -1973- حصد فيلم الرعب الشهير (طارد الأرواح-The
Exorcist) حوالي أربعمائة مليون دولار حول العالم وذلك للمرة الأولى في تاريخ
السينما الأمريكية. ليستمر التصاعد في العام 1975 مع فيلم
Jaws للمخرج ستيفن سبيلبرغ والذي حصد أكثر من أربعمائة وسبعين مليون دولار
مقترباً من حاجز النصف مليار ومؤسساً لمفهوم "موسم أفلام الصيف" ذات
الإيرادات الضخمة.
حرب النجوم.. الانفجار الأكبر
اللحظة الأكبر في تاريخ الأفلام الأكثر دخلاً في تاريخ السينما ستأتي
عام 1977 مع الجزء الأول من سلسلة (حرب النجوم) للمخرج جورج لوكاس والذي
حصد أكثر من سبعمائة وثمانين مليون دولار حول العالم ليحتل المرتبة الأولى
في القائمة وسيبقى ثابتاً فيها حتى العام 1982 مع فيلم
E.T للمخرج ستيفن سبيلبرغ الذي كسر الرقم السابق بفارق ضئيل واحتل
المرتبة الأولى بمجموع إيرادات بلغ تسعمائة وتسعين مليون دولار. وسيبقى
المقعد الأول من نصيب ستيفن سبيلبرغ بعد أن كسر -هو بنفسه- رقمه السابق مع
الجزء الأول من سلسلته الشهيرة (الحديقة الجوراسية-Jurassic
Park) عام 1993 بمجموع تجاوز حاجز التسعمائة مليون دولار.
سفينة التايتانيك.. تغرق في بحر المليار
لم تكن الموجة التي نشأت عن غرق سفينة التايتانيك في العام 1912
لتنتهي إلا بعد أن جرفت السينما معها وأغرقتها في بحر المليارات للمرة
الأولى في التاريخ، حيث جاء الفيلم الذي يحمل نفس الاسم للمخرج جيمس
كاميرون في العام 1997 ليحصد ملياراً وثمانمائة مليون دولار مسجلاً رقماً
قياسياً سيبقى ثابتاً وعصياً على الكسر حتى هذه السنة 2010 التي جاء فيها
جيمس كاميرون ذاته برائعته الجديدة (أفاتار) ليحطم كل شيء بإيراد لا يزال
يتضخم رغم تجاوزه لحاجز الملياري دولار.
نادي المليار ليس حكراً على كاميرون
ورغم أن المخرج جيمس كاميرون هو من نافس نفسه على صدارة القائمة منذ
العام 1997 بفيلميه الكبيرين (التايتانيك) و(أفاتار) إلا أن هذه الفترة
تحديداً قد شهدت دخول ثلاثة أفلام أخرى في نادي المليار دولار لكن دون أن
تتجاوز رقم "تايتانيك" وهي: الجزء الثالث من سلسلة (ملك الخواتم-The
Lord of the Rings) عام 2003، الجزء الثاني من سلسلة (قراصنة
الكاريبي-Pirates of the Caribbean)
عام 2006، وفيلم (فارس الظلام-
The Dark Knight) عام 2008.
الرياض السعودية في
26/03/2010 |