كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

اقبال شديد من جانب الإعلاميين

رسائل البحر.. دعوة الى السلام ببعد عالمي

القاهرة – من رياض ابوعواد

عن فيلم

رسائل البحر

   
 
 
 
 

داود عبد السيد يعود الى الإخراج بفيلم يلقى إعجاب النقاد الذين رأوا فيه دعوة التسامح مع الآخر رغم الاختلاف الديني.

حاز فيلم "رسائل البحر" تأليف وإخراج داود عبد السيد على اعجاب النقاد الذين راوا فيه دعوة للسلام والتسامح مع الآخر رغم الاختلاف الديني او العقائدي وعرضا لحالة الضياع الإنساني الذي تعيشه الطبقة المتوسطة في مصر.

ويختلف الفيلم، الملىء بالشجن والشخصيات التي لم تحقق ذاتها، عن سياق الافلام المصرية التي عرضت خلال الموسمين السابقين وايضا خلال الاعوام السابقة لتقديمه رؤية متعددة الابعاد واكثر من قراءة لمستوى الحدث الواحد.

ويقيم المؤلف علاقات متعددة المستويات بين شخصيات الفيلم التي يربط فيما بينها البطل يحيى (النجم الجديد آسر ياسين).

واعتبر الناقد طارق الشناوي ان "رسائل البحر هو الابرز في مسار داود عبد السيد السينمائي لتميزه بالرقة والنعومة والسلاسة في تقديم الرؤية والصورة بشكل جمالي اخاذ".

ويتفق الشناوي مع باقي النقاد على ان "المخرج استطاع المخرج ان يدير حركة ممثليه وابداعهم بشكل هائل".

وتدعو الرؤية التي يقدمها داود عبد السيد في مستواها الاول كما يشير الناقد اشرف بيومي الى "بشكل غير مباشر الى تقبل الاخرين كما هم كما في حب يحيى لفريدة (بسمة) التي تعرف عليها كمومس ثم تزوجها".

ويؤكد المؤلف على ذلك في "الحوار بين السيدة الايطالية (مخرجة الافلام التسجيلية نبيهه لطفي) وجارها يحيى حول شخصية المومس وضرورة تقبلها والتعامل معها كما هي دون ان يحاكمها او يحاول تغييبها، وهذا ينطبق على الحوار بين صديقته ابنة الجيران الفتاة الايطالية (سامية سعد) وصديقتها (دعاء حجازي) التي ترتبطها بها علاقة جنسية".

ويقول الشناوي ان الفيلم يحمل "بعدا عالميا"، مشيرا الى ان "اختيار اسم قابيل للبطل الثاني في الفيلم (محمد لطفي) ليس اعتباطيا لانه يقدم رؤية مغايرة مع اتخاذه قرارا بعدم القتل اثر جريمة اولى".

ويرى الناقد في ذلك "دعوة للسلام والتسامح مع الاخرين المختلفين معك على مختلف المستويات فكريا ودينيا وعقائديا، التسامح والسلام مع الاخر المختلف عنك حضاريا مهما كان لنا من تحفظات على الاخر".

ويخصص المؤلف المساحة الاوسع لعرض "مستوى الضياع الروحي والانساني والعملي للطبقة المتوسطة في المجتمع المصري وبحثها عن ذاتها دون جدوى في ظل نظام قاس ينفي دور الطبقة المتوسطة في الواقع الاجتماعي والسياسي في الفترة التي تلت الحكم الملكي لمصر" كما تشير الناقدة علا الشافعي.

وترى الشافعي ان "اختيار المؤلف للاسكندرية ليس عبثيا فهي التي كانت منفتحة على الحضارات الاخرى في فترة الحكم الملكي والتي ملكت روحا مختلفة في العلاقة مع الاخر وفي تكوين شخصية عالمية قادرة على الانفتاح ما كان يعطي ابناء الطبقة المتوسطة في هذه المدينة رؤية مغايرة".

وتضيف ان "الفيلم يعبر عن ذلك من خلال علاقة يحيى بالسيدة الايطالية العجوز وابنتها وتجاورهم في عمارة لها جماليتها وخصوصيتها والانفتاح الانساني بين العائلتين خلال الطفولة واستمرار علاقة الحب حين عودته بعد غياب سنوات".

وترى ان الفيلم "يظهر الشرخ بين ابناء الطبقة المتوسطة انفسهم بعد تراجع دور المدينة وتراجع التسامح والانفتاح بين الانا والاخر من خلال علاقة يحيى مع نسمة صاحبة الحلم الروحي الذي تعبر عنه بالعزف على البيانو".

فالاحداث المتلاحقة "تبرز روحا مقموعة انسانيا مضطرة للزواج سرا من تاجر (احمد كمال) ياتيها مرة في الاسبوع لتحافظ على مستواها الطبقي ولكنها تكتشف تدريجيا انها تقبض ثمن نومها مع زوجها دون ان تملك اي مشاعر اتجاهه".

و"مساحات الايحاء الفني في الفيلم"، كما يقول الشناوي، "اقوى واعرض واعمق بكثير من التصريح بالمشهد الدرامي ومن الصورة وهو يترك مساحات ليضيف المتلقي ما يشاء مثل المشهد الاخير حيث تطفو الاسماك بعد قتلها بالديناميت على يد صاحب المحلات التجارية والعقارات (صلاح عبد الله) الذي يمثل سيطرة وقوة النظام وراس المال".

ويضيف ان في هذا المشهد "تحذيرا لبطلي الفيلم من انهما سيلاقيان المصير نفسه لوجودهما في القارب - الذي يحمل اسم القدس بما لذلك من دلالات سياسية - والسمك الميت يحيط بهما، اذا لم يعودا الى مائهما ليواجها هذا الراسمالي الذي يدمر الجمال في الحياة ولا يستمتع فيها سوى بجمع المال".

وحمل الناقد اشرف بيومي على "الرؤية الاخلاقية التي قدمها بعض الزملاء الصحفيين الذين اخذوا القراءة السطحية للفيلم ورأوا فيه دعوة للعلاقات الجنسية الشاذه وخارج الزواج، لكنهم لم يروا اسقاطات العجز وعدم التحقق في المشهد الجنسي العام".

ونبه بيومي من القراءة الخاطئة للفيلم الذي يرى انه "من اكثر الافلام عمقا خلال السنوات الاخيرة في السينما المصرية".

ميدل إيست أنلاين في

06/02/2010

 

 

فيلم (رسائل البحر) لداود عبد السيد دعوة للتسامح مع الآخر وتمرد هادئ على الواقع 

القاهرة ـ الفرنسية: حاز فيلم "رسائل البحر" تأليف وإخراج داود عبد السيد على إعجاب النقاد الذين رأوا فيه دعوة للسلام والتسامح مع الآخر، رغم الاختلاف الديني أو العقائدي، وعرضاً لحالة الضياع الإنساني الذي تعيشه الطبقة المتوسطة في مصر.

ويختلف الفيلم، المليء بالشجن والشخصيات التي لم تحقق ذاتها، عن سياق الأفلام المصرية التي عرضت خلال الموسمين السابقين، وأيضا خلال الأعوام السابقة، لتقديمه رؤية متعددة الأبعاد وأكثر من قراءة لمستوى الحدث الواحد. ويقيم المؤلف علاقات متعددة المستويات بين شخصيات الفيلم التي يربط فيما بينها البطل يحيى (النجم الجديد آسر ياسين).

واعتبر الناقد طارق الشناوي أن: "رسائل البحر هو الأبرز في مسار داود عبد السيد السينمائي، لتميزه بالرقة والنعومة والسلاسة في تقديم الرؤية والصورة بشكل جمالي أخاذ". ويتفق الشناوي مع باقي النقاد على أن "المخرج استطاع أن يدير حركة ممثليه وإبداعهم بشكل هائل".

وتدعو الرؤية التي يقدمها داود عبد السيد في مستواها الأول، كما يشير الناقد اشرف بيومي، إلى "بشكل غير مباشر إلى تقبل الآخرين كما هم كما في حب يحيى لفريدة (بسمة) التي تعرف عليها كمومس ثم تزوجها".

ويؤكد المؤلف على ذلك في "الحوار بين السيدة الايطالية (مخرجة الأفلام التسجيلية نبيهة لطفي) وجارها يحيى حول شخصية المومس وضرورة تقبلها والتعامل معها كما هي، دون أن يحاكمها أو يحاول تغييبها، وهذا ينطبق على الحوار بين صديقته ابنة الجيران الفتاة الايطالية (سامية سعد)، وصديقتها (دعاء حجازي) التي ترتبط بها علاقة جنسية". ويقول الشناوي إن الفيلم يحمل "بعدا عالميا"، مشيرا إلى أن "اختيار اسم قابيل للبطل الثاني في الفيلم (محمد لطفي) ليس اعتباطيا لأنه يقدم رؤية مغايرة، مع اتخاذه قرارا بعدم القتل إثر جريمة أولى".

ويرى الناقد في ذلك "دعوة للسلام والتسامح مع الآخرين المختلفين معك على مختلف المستويات فكرياً ودينياً وعقائدياً، التسامح والسلام مع الآخر المختلف عنك حضارياً مهما كان لنا من تحفظات على الأخر". ويخصص المؤلف المساحة الأوسع لعرض "مستوى الضياع الروحي والإنساني والعملي للطبقة المتوسطة في المجتمع المصري وبحثها عن ذاتها دون جدوى في ظل نظام قاس ينفي دور الطبقة المتوسطة في الواقع الاجتماعي والسياسي في الفترة التي تلت الحكم الملكي لمصر" كما تشير الناقدة علا الشافعي.

وترى علا أن: "اختيار المؤلف للإسكندرية ليس عبثياً فهي التي كانت منفتحة على الحضارات الأخرى في فترة الحكم الملكي، والتي ملكت روحاً مختلفة في العلاقة مع الآخر وفي تكوين شخصية عالمية قادرة على الانفتاح، ما كان يعطي أبناء الطبقة المتوسطة في هذه المدينة رؤية مغايرة".

وتضيف أن: "الفيلم يعبر عن ذلك من خلال علاقة يحيى بالسيدة الإيطالية العجوز وابنتها، وتجاورهم في عمارة لها جماليتها وخصوصيتها والانفتاح الإنساني بين العائلتين خلال الطفولة، واستمرار علاقة الحب حين عودته بعد غياب سنوات". وترى أن الفيلم: "يظهر الشرخ بين أبناء الطبقة المتوسطة أنفسهم بعد تراجع دور المدينة وتراجع التسامح والانفتاح بين الأنا والآخر من خلال علاقة يحيى مع نسمة صاحبة الحلم الروحي، الذي تعبر عنه بالعزف على البيانو".

فالأحداث المتلاحقة "تبرز روحا مقموعة إنسانياً مضطرة للزواج سرا من تاجر (أحمد كمال) يأتيها مرة في الأسبوع لتحافظ على مستواها الطبقي، ولكنها تكتشف تدريجياً أنها تقبض ثمن نومها مع زوجها دون أن تملك أي مشاعر اتجاهه". و"مساحات الإيحاء الفني في الفيلم"، كما يقول الشناوي، "أقوى واعرض وأعمق بكثير من التصريح بالمشهد الدرامي ومن الصورة وهو يترك مساحات ليضيف المتلقي ما يشاء، مثل المشهد الأخير حيث تطفو الأسماك بعد قتلها بالديناميت على يد صاحب المحلات التجارية والعقارات (صلاح عبد الله) الذي يمثل سيطرة وقوة النظام ورأس المال".

ويضيف أن في هذا المشهد "تحذيرا لبطلي الفيلم من أنهما سيلاقيان المصير نفسه لوجودهما في القارب - الذي يحمل اسم القدس بما لذلك من دلالات سياسية - والسمك الميت يحيط بهما، إذا لم يعودا إلى مائهما ليواجها هذا الرأسمالي الذي يدمر الجمال في الحياة ولا يستمتع فيها سوى بجمع المال".

وحمل الناقد اشرف بيومي على "الرؤية الأخلاقية التي قدمها بعض الزملاء الصحفيين الذين أخذوا القراءة السطحية للفيلم، ورأوا فيه دعوة للعلاقات الجنسية الشاذة وخارج الزواج، لكنهم لم يروا إسقاطات العجز وعدم التحقق في المشهد الجنسي العام". ونبه بيومي من القراءة الخاطئة للفيلم الذي يرى أنه "من أكثر الأفلام عمقا خلال السنوات الأخيرة في السينما المصرية".

الشروق المصرية في

06/02/2010

 

شعار « للكبار فقط» يعيق « رسائل» داود عبد السيد

القاهرة - بسمة ثروت 

احتفل المخرج السينمائي داود عبد السيد، أول من أمس، بالعرض الخاص لأحدث أفلامه تأليفاً وإخراجاً «رسائل البحر»، الذي أثار جدلاً بين مشاهديه من النقاد والإعلاميين، كعادة أغلب أفلام «عبد السيد»، بسبب الجرأة الشديدة في بعض القضايا التي يتعرض لها الفيلم، ما جعل الرقابة الفنية تضطره لوضع لافتة «للكبار فقط» على إعلانات الفيلم.

عقب العرض الخاص الذي أقيم في إحدى دور السينما وسط القاهرة، بحضور حشد من الفنانين والنقاد والإعلاميين، تحدث داود عبد السيد لـ«أوان» موضحاً أنه يقدم من خلال الفيلم «رسائل عدة يوجهها إلى المجتمع، لإفادته وتنويره.. والإسهام في ثقافته، فهذا هو دور السينما وواجبها تجاهه».

وعن طاقم العمل، قال المخرج الكبير «أرى أن بطلي الفيلم، بسمة وآسر ياسين، كانا عظماء للغاية في هذا الفيلم.. وسيتبين ذلك لكل من يشاهد الفيلم». ولفت «عبد السيد» إلى أن جهاز «الرقابة على المصنفات الفنية» في مصر اشترط عليه وضع شعار «للكبار فقط» على كل «أفيشات» وبوسترات وإعلانات الفيلم، وقال «هذا القرار لم يثِر ضيقي، إلا أنني كنت أفضل أن يشاهد الفيلم كل شرائح المجتمع، حتى أتمكن من إيصال رسائلي لهم».

تدور قصة «رسائل البحر» عن البطل «يحيى»، وهو شاب بسيط يعاني من صعوبة في النطق تجعله يترك مهنة «الطب» بسبب السخرية منه، ليتحول إلى «صياد» في البحر.. ويحب فتاة يتضح له أنها «شاذة جنسياً»، فيقع في غرام أخرى «نورا.. أو بسمة» تخفي عنه أنها متزوجة، وتوهمه بأنها تعمل «فتاة ليل» في الملاهي.. ما يجعله يمر بأزمة نفسية خطيرة.

حضر العرض الخاص من فريق عمل الفيلم بطله آسر ياسين والفنان محمد لطفي، فيما غابت بطلته بسمة والفنانة مي كساب. وأشاد الحضور بالإبداع الإخراجي للفنان داود عبد السيد، والموهبة الكبيرة للممثل الشاب «آسر ياسين». بينما انتقد البعض أداء الفنانة «بسمة»، معتبرين أنها تجاوزت كل «الخطوط الحمراء» من مشاهد عري وقبلات، خلال دورها في الفيلم. وأبدى عدد كبير من الحضور استياءهم من علاقة «الشذوذ الجنسي» التي جمعت بين فتاتين، ورأوا أنه كان يمكن الاستغناء عنها في حوادث الفيلم.

أوان الكويتية في

05/02/2010

 

عمر الشريف يحتفل بـ"رسائل البحر"

كتب محمود التركى 

حضر أمس المخرج داوود عبد السيد والفنان آسر ياسين وبسمة ومحمد لطفى افتتاح عرض فيلمهم السينمائى الجديد "رسائل البحر" فى سينما "داون تاون" وسط اهتمام إعلامى شديد، نظراً لأن الفيلم يختلف عن معظم الأفلام السينمائية المعروضة حالياً، وجاء لتهنئة أبطال الفيلم فى العرض الأول عدد قليل من النجوم منهم الفنان رامى وحيد وبعض النقاد السينمائيين منهم نادر عدلى، رغم أن قاعة العرض كانت كبيرة وتتسع لعدد كبير من الحضور، وعرض العمل تحت لافتة "للكبار فقط".

وحرص المخرج داوود عبد السيد على الحضور مبكراً، وأكد أنه سعيد بخروج فيلمه إلى النور وعرضه فى السينما، لأنه جاء بعد مجهود شاق وتعب كثيراً فيه، مشيراً إلى أن دور البطولة عرض من قبل على الفنان الراحل أحمد زكى لكن ظروف مرضه منعته من المشاركة به، وتم تصوير معظم مشاهده فى الإسكندرية وكانت أصعب المشاهد التى تم التقاطها أثناء "النوة" واستغرق تصويرها أكثر من 4 ساعات تحت الأمطار الغزيرة.

ثم جاء الفنان محمد لطفى الذى جسد دور البودى جارد "قابيل" وأيضاً الفنانة سامية أسعد، بينما تأخر كل من آسر ياسين وبسمة وحضرا بعد بدء عرض الفيلم بدقائق، ونال العمل استحسان الكثير من الحضور، نظراً لأنه يعتبر حالة سينمائية مميزة ويخرج عن الإطار المألوف للسينما العادية، وتصور أحداثه التى كتبها أيضا داوود عبد السيد قصة شاب "يحيى" يتوفى والده ويرجع للعيش فى شقته القديمة بالإسكندرية والتى كان يعيش بها فى طفولته، ويمر بعدة أزمات منها ما يتعلق بعدم مقدرته على التواصل مع الآخرين بشكل جيد، نظراً لأنه يعانى من التلعثم فى الكلام، ورغم أنه تخرج فى كلية الطب إلا أنه لا يمارس مهنته لسخرية المرضى وزملائه منه، ويضطر إلى العمل صياداً ليتغلب على ظروفه المادية الصعبة.

ومع عودة "يحيى" إلى الإسكندرية يرجع إلى قصة حبه القديمة مع سامية أسعد التى تؤدى دور "كارلا"، إلا أن قصة الحب ليست مكتملة، وتندمج كارلا فى قصة حب مع فتاة أخرى لنرى علاقة مثلية جنسية بين فتاتين حرص المخرج على توضيح تفاصيلها وتطورها فى مشاهد متعاقبة دون أى إسفاف، ورغم جرأة تلك المشاهد إلا أنها كانت شديدة التميز.

ورسم المخرج ملامح قصة حب بين بسمة "نورا" و"يحيى" تخرج عن الإطار المألوف فهو يعتقد أنها فتاة ليل، لكنه يصر على الارتباط بها ويقنع نفسه بمبررات لقائه بها، كما يحاول فك لغز رسالة وجدها داخل زجاجة فى البحر، وتدور الأحداث ليواجه يحيى عدة أزمات منها ما يتعلق بصراعه مع مالك العقار الذى يسكن به وأيضاً صراعه مع الجوع وعلاقته بفتاته.

وأقيم عرض ثانى للفيلم فى سينما نايل سيتى فى التاسعة مساء وحضره نخبة من النجوم منهم عمر الشريف ومحمود حميدة وإسعاد يونس، وشارك فى الفيلم العديد من الفنانين منهم صلاح عبد الله ومى كساب ونبيهة لطفى ودعاء حجازى.

اليوم السابع المصرية في

04/02/2010

 

سحاقيات "رسـائل البحر" يكتبهن داود عبد السيّد

محمد الكفراوي

استطاع المخرج داود عبد السيد أن يقدم معالجة جديدة لعديد من القضايا النفسية والاجتماعية وحتى الجنسية، في فيلمه الأخير "رسائل البحر"؛ ليثبت أنه مخرج متميز صاحب رؤية مختلفة عن السائد، وقادر على ترك بصمة جديدة في كل فيلم يخرجه.

القضية الأولى التي تناولها الفيلم، هي قضية الإعاقة في النطق "التهتهة" ممثلة في شخصية البطل الرئيسي يحيى الذي يقوم بدوره آسر ياسين، وهو شاب ابن لعائلة من الطبقة المتوسطة القديمة التي أوشكت على التآكل، يموت أبوه ويجد نفسه وحيدا في العالم. فشقيقه الأكبر، يعيش في الخارج ويكاد يكون منقطع الصلة به، يقرر البطل أن يترك القاهرة ويعيش في شقة الأسرة في الأسكندرية، بحثا عن عالم أفضل وأكثر اتساعا، مبررا ذلك بجملة مؤثرة قالها لأخيه قبل أن يسافر "العالم هنا بقى ضيّق عليّ قوي".

وفي الأسكندرية يتعرف يحيى على عوالم جديدة، بعضها كان يألفه مثل الجيران الإيطاليين الذين تربى معهم في طفولته، وحبيبته القديمة كارلا، وعوالم أخرى لم يألفها من قبل مثل عالم الخمّارات والسكر حتى الثمالة. وتتفتح أمامه عوالم جديدة نتيجة سماعه بالمصادفة صوت الموسيقا ينبعث من أحد المنازل، فيستمع ويشرب حتى يسكر تماما، ثم بكل براءة وبساطة وتلقائية يصفق محييا العازف ويهاجم المنزل بحثا عن هذا العازف، وينتهي به الأمر في قسم الشرطة.

ويفاجأ بأن أصحاب المنزل الذي هاجمه تنازلوا عن المحضر المقيد ضده، ليصبح هذا المنزل قبلته لسماع الموسيقا المنبعثة منه. حتى يتعرف على نورا التي تقوم بدورها بسمة، وتعرّفه على نفسها باعتبارها مومسًا.. ترحب بالمبيت عنده، بل وتسعى الى النوم معه في السرير، فيخبرها أنه لا يملك مالا، ويقترح عليها أن يقتسم معها 20 جنيها هي كل ما يملك.

ومع الوقت يقع يحيى في غرام نورا، إلا أنه ببراءته الفطرية يغضب لكونها مومسًا، ويسعى للاستحواذ عليها، بعد أن جرب مشاعر حب سطحية مع جارته وحبيبته القديمة كارلا، واكتشف أنها متعلقة عاطفيا وجنسيا بامرأة، وكانت هذه هي الصدمة التي جعلته يسقطها من حساباته، ويوجه مشاعره العاطفية كلها نحو نورا التي تعامله بحنو وحب بالغيْن، وهو يبادلها المشاعر برغم تحفظاته الأخلاقية عليها لكونها مومسا.

وبرغم أن المثليات جنسيا ، السحاقيات، تيمة تكررت كثيرا في الأفلام المصرية الأخيرة، وكان أشهر من جسّدها علا غانم وغادة عبد الرازق، إلا أن وجود هذه الشخصيات لم يكن مبررا دراميا في الأعمال التي ظهرت بها، وإن كانت التيمة أصبحت مستهلكة ووسيلة للإثارة وجذب الجمهور لمشاهدة الأفلام لما تحمله هذه التيمة من مغازي إيروتيكية مفرطة في الإثارة، لكن عبد السيد تمكن من توظيف تلك التيمة دراميا في سياق الأحداث بشكل جيد ومبرر تماما، مستغلا القيمة الإيروتيكية العالية للتيمة، وفي الوقت نفسه، مستخدما إياها في حسم تشتت البطل بين حبين أحدهما متاح وشائك وغير مقبول أخلاقيا واجتماعيا ممثلا في نورا، والآخر ممتنع بسبب شذوذ كارلا الجنسي.

المشاهد الجنسية في الفيلم ليست قليلة، ولكنها معبرة ومستساغة دراميا إلى حد كبير. وهي المشاهد التي استدعت كتابة عبارة "للكبار فقط" على أفيش الفيلم، لكن قد يكون الغرض من كتابة تلك العبارة شيء آخر وهو التأكيد على الحالة الخاصة التي يمثلها الفيلم، وتتطلب جمهورا من نوع خاص يدرك الأفكار المثالية التي يطرحها مؤلفه ومخرجه داود عبد السيد، والمعاني العميقة لقيمة الوحدة والإحساس المفرط بالاحتقار للذات من خلال الزوجة المنسية "نورا" التي تقيم علاقة مع البطل على أساس أنها مومس.

من المعروف أن عبد السيد لا يعمل في السينما التجارية، بل يعتبر أهم المخرجين في مصر الآن، الذين يقدمون أعمالا ذات بعد ثقافي ومليئة بالوعي والمفارقات الذهنية، ما يتضح جليا في اعتماد الفيلم على تيمة الموسيقا كحبكة درامية من خلال موسيقا راجح داود. وهي الأفلام التي عادة ما تستعصي على الجمهور، ولا تجد إقبالا كبيرا أو تحقق إيرادات عالية، ما دفعه في بعض الأحيان إلى محاولة الخروج من هذه المنطقة بتقديم أفلام متماسة مع الواقع الشعبي ومعبرة عنه تماما، مثلما فعل في "الكيت كات"، أو تقديم أفلام تمتزج فيها الكوميديا مع التراجيديا مع السخرية في قالب جماهيري أيضا مثل "مواطن ومخبر وحرامي"، مستفيدا من النجومية التي تمتع بها المطرب الشعبي شعبان عبد الرحيم في فترة ما.

ما يؤكد أن هناك سعيًا من المخرج لإحداث توازن بين القيمة الفنية والجماهيرية- المادية للفيلم. وهو ما حاول استدراكه في فيلمه الأخير. إلا أنه سقط في فخ الإغراق في الذاتية، فيما يتعلق بالشخصية المحورية. فبرغم أنها شخصية جديدة تماما على السينما المصرية، فالإعاقة النطقية- وليس الخرس- لم يتم استخدامها من قبل في شخصية رئيسية بأحد الأفلام. وهي شخصية ذات أبعاد نفسية تتعلق بالطفولة والبراءة، والإحساس الصافي النقي بالعالم. وتقترب إلى حد كبير في أدائها النفسي، وليس الفكري العدمي، من شخصية ميرسو في رواية ألبير كامي الشهيرة "الغريب"، وهي بالطبع شخصية فلسفية ذاتية وفريدة، وغير مستساغة شعبيا أو جماهيريا.

هذه الشخصية جعلت إيقاع الفيلم بطيئا لدرجة الملل، إلا أن عبد السيد حشد شحنة من المفاجآت في نهاية الفيلم كسرت هذا الملل، وجعلته مسوغا تماما حتى يكون أثر المفاجاة أكبر وأكثر عمقا. ومنها اكتشاف أن نورا ليست مومسا، وأنها متزوجة من رجل ثري أدى دوره باقتدار- في مشاهد محدودة للغاية- الممثل المتميز أحمد كمال.

ومفاجأة أخرى تتمثل في اكتشاف أن نورا هي نفسها عازفة البيانو التي أدمن البطل عزفها، وأنها أقامت علاقة معه، لتخرج من حالة اكتئاب مزمنة وقعت فيها بسبب إهمال زوجها لها. فهو يزورها كل أسبوع أو أسبوعين لممارسة الجنس معها ويعود إلى زوجته الأولى وأولاده في القاهرة. وفجأة وجدت شخصا يهتم بها، ويشعر بوقع إحساسها من خلال الموسيقا التي تعزفها، فارتبطت به عاطفيا وحولت هذا الارتباط إلى ارتباط جنسي؛ لتكتمل الحالة بالنسبة لها، وتخرج من اكتئابها.

لا يخلو الفيلم من إسقاطات سياسية واجتماعية، دليل على التحول الكبير الذي طرأ على المجتمع المصري بسبب رجال الأعمال الجدد، أو محدثي النعمة. وجسد هذه الشخصية الممثل القدير صلاح عبد الله في دور صغير، إلا أنه مؤثر ودال جدا. فهذا الشخص يريد طرد سكان العمارة التي يسكن فيها البطل والتي تحمل عبق الزمن الجميل وروح الماضي، ليهدمها ويبني مكانها "مول كبير". وفي إحدى مناقشاته مع البطل تبدو مدى وحشيته وعدم إنسانيته من خلال حوار بسيط بينهما، إذ يخبر البطل أنه صياد، ولكن ليس لديه صبر على الصيد بالصنارة، وهي الهواية والمهنة التي احترفها البطل بعد سفره إلى الأسكندرية لكونه طبيبا فاشلا، يضحك المرضى وزملاؤه والممرضون من تهتهته، ولم يجد مصدرا يوفر له قوت يومه غير صيد السمك باعتباره منحة من البحر.

ويخبره الحاج هاشم الذي يقوم بدوره صلاح عبد الله أنه يصطاد بالديناميت، وهو ما يتضح في المشهد الأخير الذي يجمع بين نورا ويحيى في مركب بالبحر وحولهما كمية كبيرة من الأسماك الميتة، بعد انفجار مدوٍّ. ويشرح يحيى لنورا أن هذا الانفجار هو صوت الديناميت الذي يصطاد به الحاج هاشم، وينتهي الفيلم دون أن يدرك البطل معنى أو لغة الرسالة التي وجدها في زجاجة في البحر ذات يوم، ولم يستطع التعرف على لغتها، ليبدو الأمر وكأنها رسالة كتبها البحر بلغته لشخص مختار يتميز بالنقاء الكافي الذي يجعله يهتم بمثل تلك الرسالة.

السياسي الإلكتروني في

06/02/2010

 

رسائل داود عبدالسيد المشفرة فى البحر!

كتب طارق مصطفي

أصبح من الصعب فى السنوات الأخيرة أن تتعامل مع ظهور فيلم سينمائى جديد باعتباره حدثاً مهماً يستحق الاهتمام والانتباه.. مثلما لم يعد من السهل أن تجد فيلماً يعلى من قيمة المعنى والجوهر الحقيقى لعملية الإبداع السينمائى.. ألا وهو الإمتاع.. ذلك المصطلح الذى بقدر بساطته اللغوية بقدر صعوبة تحققه على أرض الواقع الآن، لأنه يحتاج إلى توافر عدة عناصر أساسية أولها وأهمها وجود مخرج جدير بأن يكون صانع سينما حقيقيا..

لديه من الأفكار والأدوات والخبرات الحياتية والفنية ما يجعله قادراً على تقديم وجبة سينمائية ممتعة بصرياً وفكرياً وإنسانياً.. كل هذه العناصر تستطيع أن تجدها بمنتهى البساطة فى مخرج بحجم داود عبدالسيد الذى يمكنك أن تعتبره رغم قلة عدد منتجاته السينمائية بأنه أحد صناع السينما الحقيقيين فى مصر والذين هم أقلية بالمناسبة.

وكل هذه العناصر أيضاً تجعلنا نتعامل مع أحدث أفلامه السينمائية رسائل البحر على أنه حدث مهم، لأنه لوحة بصرية ثرية بمفردات متنوعة.. متناغمة.. ناعمة رغم صخب المتناقضات التى تعبر عنها.

الرحلة

أنت هنا أمام لعبة داود عبدالسيد المفضلة.. الإنسان فى مواجهة القدر.. بعبثه.. بسخريته.. بغضبه.. وبظلمه.

أنت هنا أيضاً أمام سيل لا ينتهى من الخواطر والشكوك والأسئلة التى يثيرها الفيلم بداخلك.. هل أفعالنا نتيجة اختياراتنا وقراراتنا أم أن القدر دائماً ما يحمل أجندته الخاصة؟.. وهل نستطيع أن ندعى أننا وصلنا إلى الحقيقة أم أنها دائماً مختلفة الأوجه.. وأبعد مما نتصور.. وحينئذ أيهما الأصح والأفضل.. أن تسير وراء الحقائق المعلبة السهلة التى يتم تلقينك إياها، أم أن تسلك الطريق الصعب، وتقرر البحث بنفسك عن حقيقة أخرى.

بين ليلة وضحاها

الفيلم يبدأ بالتيترات تتخللها مشاهد شبه خيالية لمراكب فى البحر.. وزجاجة قديمة طافية على سطح الأمواج التى تسلمها لبعضها البعض تباعاً.. تستطيع أن ترى أن الزجاجة بها ورقة مطوية تحمل سراً ما.. يجد أحد الصيادين الزجاجة فيشعر بالخوف منها ويلقيها مرة أخرى إلى أحضان البحر.. بداية مناسبة لفيلم أشبه برحلة أسطورية لبطل غير عادى سرعان ما نتعرف عليه بعد التيترات.

يحيى أو آسر ياسين من عائلة أرستقراطية ضاق بها الحال، أخوه يسافر إلى الخارج فى أول الفيلم ويتركه وحيداً بدون رأس مال تقريباً ما عدا إيراد ضئيل من الأرض التى يملكونها وأموال سوف يقوم بتحويلها له فيما بعد.

يحيى يقرر أن يعيش حياته، فطوال السنوات الماضية لسبب أو لآخر لم يكن لديه حياة خاصة تذكر.. يترك الفيللا الكبيرة التى كانت أشبه بالجنة الآمنة ويسافر إلى الإسكندرية ليعيش بمنزل الأسرة القديم.. وليمارس مهنة الصيد التى يحبها.

يحيى لديه مشاكل فى الكلام التهتهة الأمر الذى يسبب له مشاكل مع الناس.. ولكنه سرعان ما يبدأ رحلته الحياتية من الإسكندرية.. لتفاجأ بأنه بمثابة طفل كبير يفقد عذرية تجاربه للمرة الأولى.. يذهب إلى بار قديم.. يتذوق الخمر لأول مرة.. يستيقظ فى اليوم التالى ليجد نفسه فى منزل لشخص لا يعرفه قابيل أو محمد لطفى الذى يبدو إنساناً مخيفاً بعضلاته وتقاسيم وجهه الحادة.

انطلاقاً من هذه الأحداث تبدأ دائرة علاقة يحيى بالبشر من حوله.. فهناك الجارة الإيطالية المسنة فرانشيسكا وابنتها كارلا.. حب يحيى القديم.. وهناك قابيل حارس الملهى الليلى.. وهناك نورا أو بسمة فتاة الليل التى تكتشف فى النهاية أنها ليست فتاة ليل.. وبيسا أو مى كساب جارة قابيل.

رسائل البحر يحمل مستويات مختلفة للطرح كعادة أفلام داود عبدالسيد.. هناك خيط أساسى يتمثل فى رحلة يحيى داخل هؤلاء البشر الذين إما أنهم يعودون مرة أخرى إلى حياته مثل فرانشيسكا وكارلا أو أنهم يقتحمونها للمرة الأولى مثل قابيل ونورا وبيسا.. أيضاً تجد شخصية أخرى تظهر وتختفى داخل أحداث الفيلم ألا وهى شخصية الحاج هاشم أو صلاح عبدالله الذى اشترى العقار القديم الذى يعيش به يحيى ويريد طرد السكان منه نظير شقة جديدة أو مبلغ مالى كبير.

كارلا وفرانشيسكا تعبران عن حالة الحنين لدى يحيى لأيام مراهقته وطفولته.. ذلك الحنين الفطرى للأشياء المألوفة.. للجذور.. أما قابيل ونورا وبيسا مع الأخذ فى الاعتبار دلالات الأسماء فيعبرون عن العالم الذى على وشك أن يكتشفه يحيى.. فتجربته الجنسية مع فتاة الليل نورا تبدو كما لو أنها تجربته الأولى.. يدور بينهما حوار على السرير يكشف مدى سذاجة هذا الطفل الكبير.

تقفز هى فجأة إلى سريره فيقول لها بس أنا مامعاييش فلوس.. لا تعلق هى.. ثم يعود هو ليقول معايا 20 جنيه.. تاخدى 10.. تبتسم فى حنو وتوافق.. وهكذا تمضى تجربته معها.

رحلة داخل البشر

على مدار ساعتين من الإمتاع يصطحبك داود عبدالسيد فى رحلة سينمائية عذبة الصوت.. ناعمة الصورة داخل مجموعة من البشر.. فهى ليست رحلة أحداث فى المقام الأول.. وإنما هى رحلة للبحث عن حقائق مختلفة للحياة.. يكتشف فيها يحيى لأول مرة معانى الجوع، القهر، عدم الأمان، الألم، والمتعة.. يناديه صوت موسيقى كلاسيكية تعزف على بيانو وراء ستارة فى فيللا أنيقة.. يقف كل يوم بالساعات لا لشىء إلا للاستماع إليها.. لأنها تعزف مشاعر الغضب والألم بداخله.. وحتى اللحظة الأخيرة من الفيلم لا يدرك أن نورا التى التقته فى الشارع خارج الفيللا فى إحدى الليالى.. هى التى كانت تعزفها.. ليس مهماً أن يعرف.. المهم أن يتلذذ بمتعة التلصص على هذه السعادة المسروقة.

يفترسه الجوع فى أحد الأيام فيذهب إلى البحر الذى لا يجيبه إلا بغضب ونوة تطيح بمن أمامها.. فجأة يجد يحيى نفسه يواجه البحر جيتلك وأنا محتاج اديتنى.. جيتلك وأنا جعان أكيد حتأكلنى.. ده ظلم ولا فوضى.

وكأنك أمام مشهد من ملحمة يونانية قديمة.. الإنسان فى مواجهة الآلهة.. فى الصباح التالى.. وبعد استقرار النوة.. ترسل إليه رسالة فى زجاجة.. تزيد من حيرته وقلقه وأزمته.. منشغلاً هو بالبحث عن معناها.. عاجزاً هو عن رؤية الحقائق.. لا يعلم أن المتعة الحقيقية ليست فى فك شفرات الرسالة.. وفى الحصول على ملخص قدرى وسحرى للحقيقة وإنما فى رحلته هو للبحث عن تلك الحقيقة فى أحشاء البشر والأماكن.. وعليه أن يعلم أنه لن يجدها فى رسائل البحر الحتمية القدرية والعابثة.

أثناء الرحلة يصطدم يحيى من وقت للآخر بـالحاج هاشم الذى يهدده باستخدام القوة التى تأخذ شكلاً أخلاقياً ودينياً فى بعض الأحيان.

فى النهاية يطرد يحيى ونورا من المنزل.. ولكن بعد أن أصبح الطفل رجلاً.. يهرب بها إلى البحر.. وينام الاثنان فى أحضان بعضهما البعض على سطح قارب صغير فى وسط البحر.. حولهما أطنان من الأسماك التى طفت على السطح بعد أن قام الحاج هاشم الحاضر الغائب بتفجير إصبع ديناميت كوسيلة لاصطياد السمك.

مشهد رومانسى قاتم وكئيب بدلالته.. الحب يولد على سطح قارب يعيش فى أحضان الموت.. هكذا يرى داود صراع الإنسان مع قدره. يحيى ونورا قادران على المقاومة والتمسك بحقهما فى الاختيار.. فى مواجهة ظلم وعبثية القدر.

البحث عن إجابات

يحيى كثير السؤال.. أشبه بطفل لم يتخل عن سذاجته بعد.. يبحث عن إجابات مريحة.. يبحث عن رحلة بدون ألم.. بدون تضحيات.. تغريه الحقائق التى لا يعرفها.. تغريه المتع التى لا يعرف مصدر سحرها.. يشغل نفسه طوال الوقت بالبحث عن هذا المصدر.. بحثه المضنى يلهيه عن تلك المتعة الأبدية.

ليس المهم نهاية الرحلة.. رسائل البحر والقدر ستظل مبهمة إلى الأبد.. ليس مهما أن تعرف فحواها ولكن عليك أن تعلم أن البحر هو الذى أرسلها إليك.. هناك مغزى وراء هذا العبث.. أكمل الرحلة حتى تصل إليه.. قاوم حتى تصل إلى اليقين الذى يبدو أشبه بوهم أو حلم بعيد المنال.. النهايات البسيطة المريحة ليست هى الحل. فى نهاية الفيلم تقول نورا لـيحيى: مش مهم الرسالة بتقول إيه.. ممكن تكون رسالة من بحار لأهله.. ممكن تكون وصية.. ممكن تكون صلاة راهب.. المهم إنك تبقى عارف إن البحر بعتلك رسالة.

مع إيقاف التنفيذ

فى رسائل البحر أنت أمام مجموعة من الأشخاص المختلفين.. أهم ما يوحد بينهم هو عجزهم.. جميعهم يعيشون مع إيقاف التنفيذ.. مكبلين بخوف يمنعهم من المضى بحياتهم.. البادى جارد المفتول العضلات ليس قوياً لأنه خائف من استخدام قوته.. يداهمه مرض خطير فيهرب من غرفة العمليات.. خائف من الإقدام على تجربة قد تفقده ذاكرته.. لا يملك إلا الذكريات. وفتاة الليل ليست حقاً فتاة ليل.. فهى متزوجة من رجل لا يمنحها ما تريده.. وأصبحت ترى نفسها مجرد عاهرة.

يحيى صغير فى مواجهة قوى ثلاثية الأبعاد.. بعد غيبى لا يراه.. بعد مادى يتمثل فى الحاج هاشم والمنظومة المادية والاجتماعية الجديدة التى طفت على سطح الواقع الاجتماعى فى مصر والتى عليه أن يتعامل معها.. وبعد سلطوى يتمثل فى علاقته المضطربة برجال الأمن.. ففى المرتين اللتين يتعامل فيهما مع رجال الأمن يكون مصيره الحبس وفى المرة الثانية منهما ينال علقة ساخنة يفقد فيها كرامته على مرأى ومسمع من الألعاب النارية التى تحتفل ببداية العام الجديد.

روز اليوسف اليومية في

06/02/2010

 

رسائل البحر..  سينما داود عبد السيد

وائل العزاوي

"رسائل البحر" هو الفيلم الذي تمكن المخرج داوود عبد السيد من تقديمه بعد أن قامت الرقابة على المصنفات الفنية بإجازته، وذلك بعد أن وضعت عليه ملصق "للكبار فقط" وقد يكون لديها الحق في ذلك بسبب أن الفيلم ليس تجارياً بالمعني الدارج لدى العديد من المشاهدين.. فهو يحمل فلسفة عميقة قد لا يستوعبها البعض ممن ليس لديهم خبرة أو رؤية الاستمتاع بالفن السينمائي الذي يعد من أهم عناصره الأساسية "الإبهار والإمتاع والتشويق".

فقد استطاع المخرج داوود عبد السيد أن يجمع هذه المعادلة الصعبة دون أن يكلف المشاهد عناء الاستيعاب مقدماً عدداً من الشخصيات التي تدور الاحداث حولها أو بمعنى أصح هى التي تحرك الحدث الدرامي في الفيلم موصلا عددا من "رسائل البحر".. التي قد لا نستطيع أن نترجمها إلى أنها رسائل قد تهم البعض منا وقد يخشاها البعض الاخر.. وصولا لحالة من الامتاع العميقة التي تجعل المشاهد يتفاعل مع الشخصيات دون أن يكون مدافعا عن أحد أو واقفا ضد البعض الاخر فكل منهم يعاني هما وله أسلوب حياة خاص إلا أن ما جمعهم هو هدف الحياة.. الابطال الذين قدمهم داوود عبد السيد في فيلمه الاخير الذي عاد به بعد ما يقارب من 10 سنوات لا يتعدون عدد أصابع اليدين إلا أنه استطاع أن يجعلهم يوصلون رسالة من "رسائل البحر".

وهذا ليس غريبا على المخرج داوود عبد السيد الذي يستخدم ادواته الإخراجية باحتراف شديد دون أن يغفل شيئا قد يجعل الفيلم باهتا، ودون تفاصيل كثيرة، فمجموعة الحالات التي استطاع أن يقدمها جعلت من فيلمه يطرح تساؤلات عديدة داخل أذهان من استوعبوا الفيلم وتعايشوا مع الحالة الدرامية.

فاستطاع أن يقدم "مستر سين" ـ مشهدا اساسيا ـ خلال الفيلم ليحمل بعدا دراميا عميقا والكثير من المعاني الكاملة لحالة بطله.. جاعلا بطل الحدث الحقيقي هو "نوة" شتاء الإسكندرية ليقدم حالة سينمائية كاملة وقد يكون ما قدمه من صعوبة في تصوير "نوة" شتاء عنصرا اساسيا للتميز، فكان صوت الرعد حقيقيا والاضاءة وكل عناصر المشهد حقيقية ولذلك أوصلت المعني أو رسالة من البحر.

التوقع

كان من أهم العناصر التي لعب عليها مخرج فيلم "رسائل البحر" داوود عبد السيد صاحب التاريخ السينمائي الكبير ليس بعدد الافلام إنما بقدر الافلام التي قدمها والتي أثرت بكافة الأشكال فى تاريخ السينما المصرية.

فخلق من كل مشهد توقعا داخل المشاهد ليتوقع ما يمكن أن يحدث.. ليقدم داوود عبد السيد خروجا عما هو متوقع لدى المشاهد ليخرج من التقليدية في سرد الحدث الدرامي وهذا ما مكنه من أن يبدأ في اللحظة التي يريدها تحديدا ويتوقف بعد أن يقدم الرسالة التي يريد أن يتوقف عندها.

الإغراء

تعاني صناعة السينما المصرية في الوقت الحالي من تقديم العرى على أساس أنه موظف دراميا.. إلا أنه استطاع أن يقدم إغراء حقيقيا دون أن يقدم عريا مبتذلا فنظرة العين التي تحمل الكثير من الشبق والرغبة في الاستمتاع وكذلك الصورة "الفلو" التي توقع الجميع أن الكشف عنها سيحمل الكثير والكثير من التغير الدرامي في الحدث وصلت حالة مقنعة لهدف المشهد ليثبت مدى قدرته على تحريك المشاعر من خلال ما يستوعبه المشاهد دون أن يقدمه بشكل مباشر صريح قد يعاب عليه أنه قدمه من الاساس فالإغراء في هذا الفيلم افتقدته السينما المصرية منذ أن توقفت الفنانة القديرة هند رستم عن تقديمه.

الموسيقى التصويرية

راجح داود اسم من الاسماء المصرية التي تستطيع أن تقدم موسيقى تصويرية حقيقية تحمل الكثير من المعاني التي تفيد المشهد دون أن تكون مشتتة له بأى شكل من الاشكال.. فما قدمه في هذا الفيلم ليس غريبا على تاريخه الفني الزاخر بالعديد من المقطوعات التصويرية ومشاركته للمخرج داوود عبد السيد هو نوع من الدويتو الذي نتج عن فهم كل منهما للاخر واستيعاب كامل لما يريد الاخر توصيله من عمل وحالة درامية.

الديكور

الدكتور أنسي أبو سيف هو مهندس الديكور والادارة الفنية لهذا العمل جعل من كل ديكورات الفيلم لوحات مستقلة بذاتها فالدفء الموجود في شقة "فرنشيسكا" هو الجو الاكثر تناسبا والمساحات الشاسعة داخل شقة "يحيي" هو الذي أوصل الحالة الرائعة لوحدته التي يعيشها فكل ما قدمه سواء من ديكورات بالفيلم أو "ارت ديركتور" إدارة فنية أثبت قدرته الفنية وتاريخه الذي لا يمكن أن ينكره أحد على الاطلاق فهو قادر على استخدام ادواته جيداً.

الصورة

ما قدمه أحمد المرسي من إدارة التصوير السينمائي هو إدارة حقيقية لكل كادر ليقدم مجموعة من الكادرات السينمائية التي استطاعت أن توصل "رسائل البحر" لمستقبليها.. مستخدماً عدداً من الفلاتر التي زادت من الجمال والعمق الدرامي للمشهد بالاضافة إلى أنه استطاع أن يجعلنا نشعر في كل لحظة باستمتاع شديد من خلال عدساته.

آسر ياسين.. يحيى

مما لاشك فيه أنه فنان قوي جدا قدم عددا من الادوار التي أهلته أن يكون بطلا لهذا العمل الفني المتكامل فكان عنصرا اساسيا في الفيلم ليس لكونه البطل فقط بل لانه استطاع أن يكون محورا مهما سواء على المستوى الدرامي للاحداث أو لادائه التمثيلي الرائع الذي استطاع أن يقدم شخصية قد نصادفها في حياتنا العادية.. فالتلعثم بالكلام ليس دورا سهلا على ممثل طوال أحداث فيلم بالكامل فقد أعطى انطباعا حقيقيا وواقعيا لصعوبة مخارج الفاظه.

ليس هذا فقط فحالة الوحدة التي يعانيها كشاب قدمها بمنتهى العمق مما يؤكد أنه درس الشخصية باحتراف كامل.. في بعض الاحيان كان يتحدث بشكل سليم دون أن يتلعثم في الحروف ليس اغفالا أو استسهالا منه إلا أن ذلك كان في حالات السعادة التي كان يعيشها داخل الحدث الدرامي.. كما أنه قدم فلسفة جديدة داخل أحداث الفيلم.. فكان صمته أشد قسوة.. من جمل كثيرة قد ينطقها بطريقة شديدة الاحتراف.

فقد استطاع أن يقدم شخصية جديدة ستكون نقلة اساسية في تاريخه السينمائي الذي بدأ بالفعل منذ فيلم "زى النهارده".. يتبقى أن نقول له استمر في التقدم للأمام.

بسمة.. نورا

هذا الدور نقلة جديدة في حياتها الفنية فقد جسدت دورا جديدا كعادتها فأكثر ما يميزها أنها لم تكرر نفسها في أى دور جسدته أمام عدسات الكاميرا.. أوصلت العديد من الاحاسيس وظلت علامة استفهام غامضة طوال منتصف احداث الفيلم لينكشف عنها القناع ونعرف من هى بالتحديد في مشهد قدمته بمقدرة عالية جدا.. لتزيد التأكيد على قدراتها التمثيلية التي يتم اكتشافها في كل مرة تقف فيها أمام عدسات الكاميرا.

سامية أسعد.. كارلا

حالة الشبق مع الشعر المنهدل على ظهرها بحركة الشفاه التي تريد من يلتهمها.. هى التفاصيل التي حافظت عليها سامية في تجسيد دور "كارلا" الفتاة ذات الاصول الاوروبية والتي تعيش مع جدتها.. لتدخل في تجربة جنسية "شاذة".. قامت بتجسيدها بخبرة فنية استطاعت أن توصل كل الاحاسيس دون أن يرى المشاهد من جسدها الكثير لتقدم إغراء حقيقيا من خلال نظرات العين وحركات الوهن والحب والاستمتاع.

دعاء حجازي.. مدام ريهام

بالرغم من ما قدمته من عرى إلا أنه ليس عريا بالمفهوم الدارج فليعتبر ما كانت ترتديه "مايوه".. لان ما قامت به من دور مسيطر على مشاعر "كارلا" التي كانت في حاجة ملحة لهذه الاحاسيس المتلهفه لها.. فبالرغم من قله مشاهدها في الفيلم إلا أنها استطاعت أن تقدم دورا حقيقيا موصلا الاحاسيس الكاملة.. لكل مرة ظهرت فيها داخل أحداث الفيلم.

صلاح عبد الله.. الحاج هاشم

ظهور خاص للفنان صلاح عبد الله.. هكذا تم تقديمه على تتر المقدمة لفيلم "رسائل البحر" ليقدم من خلال قدراته التمثيلية الرائعة دورا ممتازا في عدد من المشاهد التي تضمنتها دراما الفيلم.. فهو مما لاشك فيه لديه قدرات تمثيلية جبارة سواء تراجيديا أو كوميديا ففي كل مرة يثبت أنه بالرغم من تفوقه إلا أنه يتقدم بخطى ثابتة جدا.

محمد لطفي.. قابيل

"قابيل" هو حالة من بين الحالات التي قد نلتقي او لا نلتقي بها في الحياة إلا أن حالة التعاطف والفلسفة التي قدمها من خلال دوره في الفيلم أثبتت أنه فنان بدرجة جيد جدا إلا أنه كان منتظرا أن يعاد اكتشافه واستخدامه داخل احداث فنية حقيقية تستطيع اخراج الممثل القوي داخله.. فهو من نوعية الممثلين الذي يمكن أن يخرجوا كل ما بطاقتهم الفنية لكن مع توجيهات مخرج قوي وهذا ظهر جدا في فيلم "كباريه".. فكان دوره بمثابة الصدمة للجميع ليثبت أن بداخله طاقات فنية لم تخرج بعد.. وتريد من يخرجها.

مى كساب.. بيسه

لا بد وأن تخرج عن هذا الدور الذي تقدمه باحتراف كامل لتعطي الفرصة للحكم عليها بشكل جيد كممثلة.. فدورها قد يكون بينه وبين "شوقية" في مسلسل السيت كوم "تامر وشوقية".. تشابه كبير فالاختلافات طفيفة جدا مما يصعب الحكم عليها في دورها بهذا الفيلم.

نبيهة لطفي.. فرنشيسكا

هذه السيدة الجميلة التي استطاعت أن تجسد دورا غاية في البساطة بالرغم من عمقه الشديد وتفاصيله التي تظهر من خلال خبراتها الكبيرة بالحياة وحبها لها.. فصمتها كان تمثيلا مقنعاً.. فالدور اجمالا قدمته بجدارة.

اجمالا الفيلم يعبر عن لوحة فنية رائعة لمن يريد مشاهدة الفيلم يجب أن يدرك أن ما قدمه داود عبد السيد فنا سينمائياً متكامل العناصر.. فهو وجبة دسمة من الاستمتاع والمشاعر التي قد نستشعرها جميعا من خلال عدد من الشخصيات التي تعاني مما نعانيه وتحب وتعشق ما نحبه.. فجميع هذه المشاعر التي استطاع أن يخرجها على شاشة السينما هى أحاسيس مجموعة من الشخوص كل منها يعيش في جزء من داخلنا.. كما أن للفيلم فلسفة عميقة يمكن أن نستوعبها إذا كان لدينا هذه القدرة على الاستيعاب.

"رسائل البحر" هو رسالة قد تكون مبهمة التفاصيل لا يستطيع أحد على ترجمتها إلا أنها تحمل الكثير من المعاني والاحاسيس.. الفيلم حاصل على منحة من وزارة الثقافة وأخذ الجائزة الاولى مناصفة في السيناريو الذي كتبه مخرج الفيلم بعناية شديدة جدا من جمعية نجيب ساويرس.

ليبقى سؤال هل وصلتك رسالة من "رسائل البحر"؟ الإجابة حتما ستكون في دراما الفيلم فلتبحث عنها بنفسك... بداخلك وبداخل أحداث العمل الفني المتكامل.

مدونة شخصية في

07/02/2010

 

رسائل البحر.. رسائل داوود

بقلم: أحمد مختار عاشور

"ما وراء الرسائل "

"هذا الفيلم لو لم أشاهده .. لكنت كتبته .. لا إدعاءً للموهبة .. بقدر ما لمسني"

فيلم "رسائل بحر" .. هو تأكيد آخر على عبقرية "داوود عبدالسيد" .. قنبلة سينمائية بكل المقاييس ..

وعلى ما اعتقد .. هو الفيلم المصري الوحيد الذي يستحق المشاهدة لهذا الموسم ..

"لو حسبت وَسَط التقييمات النقدية لأفلام "سارق الفرح" و"البحث عن سيد مرزوق" و"أرض الخوف" و"الكيت كات" و"أرض الأحلام" .. وأضفت إليهم "رسائل بحر" .. لاعتبرت "داوود عبد السيد" أفضل مخرج مصري على الإطلاق!

أن تسلم حواسك لمخرج فاهم ..

هناك مقولة لــ"بول فاليري" : (أوصيك بالدقة , لا بالوضوح)

تلك التي اختارها "إبراهيم أصلان" كمقدمة لروايته "مالك الحزين" التي شاهدناها في فيلم "الكيت كات"..

هذه المقولة أكاد أقسم انها مقدسة -لا فقط مفضلة- لدى "داوود عبد السيد" ..

الدقة على المخرج .. والوضوح يستخرجه المشاهد.

أنظر مثلاً على "يحيى" وهو يمارس الجنس مع "نورا" أمام أحد أبواب البناية ..

بسرعة تساءلت : هل الشقة مسكونة وجماح الشهوة أطار لبيهما؟؟

حتى لمحت قفلاً معلق على الباب ..

عكس ما وجدته مثلاً من فيلم "ويجا" لـ "خالد يوسف" ..

عندما دخل "هاني سلامة" ومنة شلبي" إلى بيتها وهي سكرانة .. ولم يُغلقا باب الشقة خلفهما
بل ومارسا الجنس أيضاً !

كنت أشاهد هذا وأنا ممتعض لدرجة إني تمنيت أن أقوم أنا لأغلق الباب!!

هناك فرق بين مخرج يحترم عقلية المشاهد .. وبين آخر يستفزه.

الرسائل

"بعضها تصويري .. غيرها مُقدَس"

الرسالة الأولى : "المُقدَس"

زجاجة في البحر , محكمة الغلق .. بها رسالة ..تعبث بها موجة .. فتسلمها لموجة تليها .. حتى تصل إلى يد بحار عجوز

.. يُرعبه منظرها .. فيلقيها وهو يقول : "بسم الله الرحمن الرحيم" , ويستعيذ..

هي حيلة درامية بارعة من "داوود عبد السيد" ليبدأ الفيلم بالبسملة وكأنه يخبرك إنك بصدد عمل مقدس , سِفر فني ..

يجب أن تنصت وتسلم إليه كل حواسك تماماً !

الزجاجة عندما تصل إلى "يحيى" .. في وقت كربه .. يحاول فك طلاسمها..

لم يفعل مثلما فعل البحار العجوز الذي تركها مغلقة , خائفاً من معرفة محواها..

أراد يحيى فهم الرسالة , المكتوبة بلغة غريبة .. لا يتحدث بها أي من أهل الأرض..

"نفسي أعرف الرسالة مكتوب فيها ايه"

تخبره "نورا" -واسمها مشتق من التنوير- انه لا يجب أن يهتم بما في الرسالة .. فليكتفِ فقط باعتبارها رسالة من البحر إليه

.. وكفى.

عندما تضيق الظروف بــ "يحيى" .. وقبل أن يفكر في بيع ملابسه .. يذهب ليصطاد القليل من السمك ليبيعه فيأتي له بالقليل

كالعادة .. لكن وقتها كانت هناك نوة شديدة .. أعجزته عن الصيد ..

فصرخ في البحر :

"جيتلك وأنا مش محتاج اِدتني .. جيتلك وأنا جعان صدتني .. ده ظلم ولا فوضى؟؟؟"

الرسالة الثانية : "الوِحدَة"

لم يتبقَ من أهل "يحيى" إلا الأخ الأكبر الذي هاجر للخارج مع أسرته .. وبقى "يحيى" وحيداً مع ظروف مادية أصبحت سيئة جداً .. بعدما تناقصت إيرادات الأرض ..

فضل "يحيى" الذهاب ليقيم في شقة الأسكندرية المهجورة ..

حيث الذكريات والآلهة القديمة ورائحة البحر .

الرسالة الثالثة : "الحنين"

يلتقي بجارته اليونانية العجوز التي تقيم مع ابنتها "كارلا" .. ويتبادل معهما الأحضان والذكريات القديمة ..تخبره "كارلا" بعدما يستعيدا معاً ذكريات القبلات الماضية أن أشياءً كثيرة قد تغيرت فيها .. وسنعرف بعدها أن من هذه الأشياء ميولها الجنسية ..

"الذكريات تموت حين نسترجعها"

الرسالة الرابعة : "الحيرة"

دور "يحيى" كان سيذهب في البداية للراحل "أحمد زكي" .. وكان سيجيده بالطبع.. لكن القدر لم يمهله!

بعدها اندهشت من عرض هذا الدور على "خالد صالح" و"كريم عبد العزيز" و"مصطفى شعبان"..

فالأول لن يجيد هذا الدور رغم عملقته .. والثاني بارع في الأدوار الغير معقدة .. بينما الثالث لا أحسبه ممثلاً أصلاً!

ربما كان سيصبح الفيلم أكثر روعة لو قبل "هاني سلامة" أو "خالد أبوالنجا" بالدور .. لكن "آسر ياسين" لم يخذلنّا قط .. وشهدت له بالعبقرية التمثيلية في آداء هذا الدور المعقد .. رغم قلة خبرته .. إلا أني لم ألمح أي افتعال في تمثيله ..

هذا الدور تشعر انه تكثيف أكثر عمقاً على شخصية المواطن في "مواطن ومخبر وحرامي" ..

"يحيي" يتهته وهو يتحدث مع الناس , لكنه لا يفعل وهو يتحدث مع نفسه .. لكنه يريد أن يتحدث مع الناس..

التهتهة هنا حالة نفسية رمزية عن الإنسان الحائر .. الذي لا يستطيع أن يجزم بالموجود ولا يستطيع أن يؤكد شكوكه أيضاً

تجده في مشهد مع "نورا" وهو لا يتهته .. لأنه كان سعيداً ..

والسعادة أعطته حالة من الثقة .. حالة من اليقين .

"يحيى" يخبر "كارلا" انه ترك مهنة الطب .. لأن المرضى والممرضات كانوا يضحكوا من طريقة كلامه ..

هو لا يستطيع مداواة الناس وهو أشدهم مرضاً بحيرته هذه ..

ويشعر بالذنب تجاه أبيه الذي يعتقد أنه مات مقهوراً من الحسرة عليه!

ويغتاظ من صديقه "قابيل" عندما يسخر من تهتهته .. لكن "قابيل"-ابن البلد- يعود ليصالحه معتذراً ..

وتجد مالك العمارة "الحاج هاشم" -صلاح عبدالله- الذي يرمز لمادية العالم من حول "يحيى" -الإنسان الحائر- وهو يثور من تهتهته .. فلا وقت لديه ليعرف حيرة يحيى .. الوقت لديه من أجل المال فقط..

تخبره "نورا" بنكتة عبقرية عن زبون يتهته , طلب طعاماً من جرسون كان يتهته أيضاً..

ولما أتى زبون آخر .. كانت طريقة نطق الجرسون طبيعية بلا تهتهة .. فثار الزبون الأول وسأل الجرسون عن سبب سخريته منه؟

فأخبره الجرسون بتهتهة انه يسخر من الزبون الثاني لا منه !!

ضحكنا قليلاً مع "يحيى" على هذه الدعابة .. ولما قالت "نورا" : النكتة بتضحك أكتر من كدة على فكرة ضحكنا أكثر معه !

وكأن النكتة ترميز مُصغر لفلسفة الفيلم :

ما الطبيعي وما هو غير الطبيعي؟؟

هل وُلدنا بالحيرة أم اكتسبناها نتيجة مواقف؟؟

هل لو أصبحت كما السواد الأعظم من الناس , تكون هكذا سليماً أمام نفسك أم فقط أمامهم اصطناعاً؟!

الرسالة الرابعة : "المزيكا"

كنت انتظر بالطبع وجبة موسيقية رائعة طالما الفيلم لــ "داوود عبد السيد" .. والموسيقى كانت أساس الفيلم .. للموسيقار "راجح داوود" ..

يتذوق "يحيى" الخمر لأول مرة .. ويهيم في الشوارع ثملاً .. حتى يتوقف أمام بيت تصدح منه موسيقى خلابة .. يقف مسحوراً أمامه .. ومن شدة سحر المزيكا يحاول اقتحام البيت لتسجيل إعجابه بالعازف .. فينتهي به المطاف في قسم شرطة.

بعدها ..تصبح وقفته الثابتة أمام بيت الموسيقى من الطقوس اليومية المقدسة التي يفعلها ..

تمنى أن يعلم من الذي يعزف هذه الألحان الخلابة .. حتى تعرف مصادفة على "نورا" التي أرادت السير معه تحت شمسيتها , أسفل زخات المطر ..

وتصعد معه إلى بيته.

يتعارف على "نورا" بطريقة فانتازية , غير واقعية .. هكذا فهمنا في البداية!

الرسالة الخامسة : "الصداقة"

يتعرف في البار على "قابيل" .. البودي جارد مفتول العضلات .. الذي سبق له وأن قتل إنساناً في الماضي , بعد ضرب أفضى للموت .. فتاب عن فعلته , وأقسم على ألا يضرب أي إنسان مرة أخرى .. وإن كان لم يفلح في مهنة أخرى بمنظره المرعب هذا غير "بودي جارد" .. وطلب من "يحيى" ألا يخبر أحداً أنه لن يَضرِب ثانية .. حتى لا يُقطع عيشه ..

ها هو "محمد لطفي" الممثل محدود القدرة التمثيلية .. تجده فجأة أصبح وحش تمثيل على يد "داوود عبد السيد" ..

سنعرف أن "قابيل" يعاني من الصرع , وأن ورماً ينمو في مخه يجب إزالته سريعاً لكن للأسف العملية ستجعله يفقد الذاكرة .. فنجد "قابيل" يهرب من غرفة العمليات قبل التخدير .. ويخبر "يحيى" انه لا يريد أن يفقد ذاكرته ولو عاش كثيراً !! ..

هو يريد أن يعيش قليلاً على ذكرياته .. كما أنه يخشى أن يقتل إنساناً آخر .. لو نسي ماضيه!

ها هو "داوود عبد السيد" وهو يجسد صورة رمزية عن توبة "قابيل بن آدم" عن قتل أخيه!

الرسالة السادسة : "المهمشون"

يتعرف "يحيى" على بيسة .. صديقة "قابيل" .. اسمها يدل على السلام .. الذي يعيش فيه معظم مهمشي الوطن ..

السلام وراحة البال ومتعة الجنس وحب الحياة .. الأشياء التي تبقى البشر أحياءً رغم الصعاب.

الرسالة السابعة : "السلطة"

"يحيى" يدخل القسم مرتين .. مرة بعد تهجمه على بيت المزيكا , والمرة الثانية بعد أن اعتقد ظابط الدورية أنه لص وعجز "يحيى" أن يدافع عن نفسه أو أن يتكلم أصلاً .. فدفع الظابط في صدره .. فانهال عليه العساكر ضرباً ..وقت سطوع أضواء بداية عام جديد , وبات ليلته في القسم!

الرسالة الثامنة : "المادية"

هناك مشهد لقاء "يحيى" بالحاج "هاشم" في السوبر ماركت الذي يملكه .. فيه الكاميرا تركز على كل أنواع البضائع ..

كأنها تقول : "مرحباً بكم في عصر الإعلانات المادي" ..

الحاج "هاشم" صاحب البناية يحارب "يحيى" بكل الطرق لكي يجعله يترك البيت .. يغريه بالمال .. ولما فشل .. سلط عليه بلطجيته الذين حاربوه بالبذاءة والدين .. حتى طردوه !

المادية المسيطرة وجنودها المخلصين .. التدين السوقي والبلطجة..

المادية هي التي تحكم كل شيء ..

وقبلها عرفنا أن العجوز اليونانية وابنتها سيرحلا من مصر .. فهما لن يقبلا بالعيش في مكان آخر في مصر غير المكان الذي نشأت فيه ذكرياتهما ..

الرسالة التاسعة : "طفولة"

"يحيى" لا يزال طفلاً .. لذلك حاولت "نورا" أن تصدمه علّه يفهم طبيعة هذا العالم الذي أُلقي فيه .. ذلك العالم الذي لا مكان

فيه للحائرين أو الضعفاء ..

عندما صعدت معه أول مرة لبيته , ظن أنها عاهرة .. فعرض عليها مالاً :

"أنا معايا 20 جنيه بس , تاخدي 10 ؟؟"

فتوافق "نورا" على تمثيل هذا الدور .. وإن عرفنا فيما بعد أنها الزوجة الثانية -الإسكندرانية- لرجل أعمال -قاهري- يأتيها كل حين ليرضي شهوته ويمنعها عن التدخين .. فيتملكها إحساس أنها عاهرة بالفعل ..

الفنانة "بسمة" أجادت الدور ببراعة .. وأيضاً أستاذ التمثيل "أحمد كمال" - المشترك الرائع في كل أفلام "عبد السيد"- في المشهد القصير هذا ..

الرسالة العاشرة : "المجهول"

ينتهى الفيلم على "يحيى" و"نورا" وهما على مركب في وسط البحر .. بينما تدوى أصوات القنابل من حولهما .. تلك التي يفجرها "الحاج هاشم" كطريقة أفضل لصيد السمك ..

الأسماك الميتة تطفو على سطح المياه من حول المركب..

ويبقى بين السمك الميت -البشر المطحونين- يحيى ونورا - الشك والفن - بينما الحاج "هاشم" يسيطر -المادية المسيطرة برجالها على العالم- !

هنالك ملاحظة رائعة للصديق "أيمن عبد الحميد" .. أن المركب في مشهد النهاية كان مكتوباً عليه "القدس" .. وبإضافة مشهد الأسماك الميتة من حوله .. يأتي بعد سياسي آخر في الفيلم .. قد يكون مقصوداً !

"يحيى" لا يعلم في النهاية أن "نورا" ليست مومس .. لكنها يحبها ويتقبلها كما هي .. بعد معاناة وصراع..

لكننا نعلم !

"يحيى" لا يعلم انها من كانت تبث الموسيقى , ومن بعد.. أثارها منظر تهجمه على البيت إعجاباً بالألحان .. فتقرر التعارف عليه ..

لكننا نعلم !

"يحيى" لا يعلم ما المكتوب في الرسالة !

وكذلك نحن ..

موقع "حريتنا" في

07/02/2010

 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2016)