تلك المرأة المتأنقة ستقودها قدماها إلى الشعر، والعالم برمته ضد الشعر، كل
ما يقع في هذا العالم يناهضه، يقف ضده، ضد جماله، وحياة تلك المرأة تمضي
بخطى وئيدة لئلا تفارق القصائد، لكنها سرعان ما تمسي سريعة جارفة وهي مصّرة
على التمسك بالشعر وقد وصلت إلى خريف العمر، لا بل شتاءه، هي الدافئة بينما
البرد يحاصرها من كل حدب وصوب.
حياة كاملة، حياتها هي بالذات تعاند الشعر أيضاً وهي تبحث عن ما يلهمها
كتابة قصيدة واحدة، تكون على قدر جمال ما تقع عليه ببصرها، وهي تشيح بوجهها
عن قباحة تأتيها من الآخرين.
فيلم المخرج الكوري لي شانغ دونغ
Poetry
«شِعر» يمضي في هذا الاتجاه، إنه تحية كبرى للشعر الذي أمسى ترفاً وهو يغيب
يومياً عن حياة البشر، وهم منهمكون في حيواتهم ومشاغلها التافهة، وعلى حراك
وتنازع دائم على لا شيء، لا بل إن دونغ يتساءل: لماذا أحس بذلك حيال الشعر؟
الأمر نفسه قد يصلح بالنسبة للسينما، لكن مازال هناك من يكتب الشعر ويعشقه
ويقدسه، كما هو الحال بالنسبة للسينما، وهو أي دونغ يصنع أفلامه بشغف من
يكتب قصيدة.
نقطة ارتكاز
الفيلم نال جائزة أفضل سيناريو في «كان»، وهو لكاتبه المخرج نفسه لي شانغ
دونغ، وللأمانة كنت أفكر طيلة مشاهدة الفيلم في أن على جائزة ما أن تطاله،
ولم يتبادر إلى ذهني أنه السيناريو، رغم أنه ما من شيء إلاه قد يكون نقطة
ارتكاز الفيلم الرئيسة، مع ميلي أيضاً إلى اعتبار أداء يون جانغ، وهي التي
قدمت شخصية يانغ ميجا، شيئاً يسترعي الانتباه والتوقف، لكن وبالمقارنة مع
الأفلام الأخرى في مسابقة هذا العام في «كان» فإننا ودائماً كنا نقف حيال
أداء ممثل، طالما أن تمحور الأفلام في الغالب كان حول شخصية رئيسة، وليكون
السيناريو في الفيلم بناء قادماً مما يطمح إلى تقديمه، فنحن حيال ميجا،
المرأة الستينية التي مازالت تعيش حياتها بكل ما تملكه من شغف بها، وهي
مصرة أيضاً على أن تكون بكامل أناقتها الكلاسيكية إن صح الوصف، إنها في
ثياب الحفلات الراقصة في خمسينات القرن الماضي، الورود لا تفارقها، القبعة،
وكامل العتاد والعدة التي تجعلها سيدة من عصر مضى ولن يعود، وهي في الوقت
نفسه امرأة متوسطة الحال أقرب إلى الفقر، تعيش من خدمتها رجلاً مقعداً،
وتعتني في الوقت نفسه بحفيدها.
منعطف رئيس
المنعطف الرئيس الذي يحدث في حياتها يتمثل بحدثين مفترقين، الأول يتمثل
بإقدام حفيدها برفقة رفاقه في المدرسة على التسبب في موت فتاة معهم
بالمدرسة بعد الاعتداء عليها، والتي يعثر عليها مرمية في النهر، وإلى جانب
ذلك تصادف وهي عائدة إلى بيتها إعلاناً عن دورة لتعلم كتابة الشعر فتسجل
فيها، وبين قسوة الحدث الأول ورقة الثاني تمضي أيامها، وعلى هدي إصرارها
على كتابة القصائد وهي تحمل دفتراً صغيراً تدون عليه خواطرها وملاحظتها،
ومشكلة حفيدها، ستكتشف أيضاً أنها مصابة بالزهايمر، لا بل عند ذهابها لدى
أم الفتاة المتوفاة لتفاوضها بخصوص قبولها تعويضاً عن ما ألم بابنتها، تنسى
تماماً ما جاءت لأجله، تحدثها في كل شيء إلا بخصوص ما جاءت من أجله، وقد
كانت كل الآمال معلقة عليها من قبل أولياء أمور الأولاد الذين شاركوا
حفيدها الجريمة.
قصائد تسمعها وهي تواظب على حضور الأمسيات الشعرية، محاولات مستميتة منها
لتكتب قصيدة حقيقية، وما قد يطال حفيدها يمضي معها أينما ذهبت، وفي مسعى
منها لتدبير مبلغ للمشاركة في تعويض يدفع لأم الفتاة الضحية، لا تجد إلا
الاستجابة لنزوات الرجل العجوز الذي تعتني به، وهو كل ما يسألها إياه أن
تفرغ ما يعتمل في داخله من شهوات.
حياة شعرية
حياة تريدها شعرية في كل شيء، بدءاً من مظهرها وسلوكها والقصائد التي تحلم
بكتابتها، وإلى جانبها واقع متوحش من صنيع الآخرين، لكن إصرارها على الشعر،
سيكون إصراراً على الحياة كما تراها، كما تطمح إليها، ونحن نراها حين
تحاصرها الهموم في ناد تغني وحيدة، ولتتفق مع قصيدة تسمعها من بين قصائد
كثيرة تقرأ في الفيلم، بأن «كتابة الشعر فعل تذكر ليدي أم تغسل الرز
الأبيض.. أن تكتب الشعر يعني أن تستيقظ وحيداً وتبكي في منتصف الليل، أن
تبني عموداً من قلبك المحطم، أن تهدهد طيلة الليل زاوية عارية من نافذة بكل
ما أوتيت من قوة».
####
أفلام جزائرية في الدوحة
الدوحة ــ الإمارات اليوم
حفل الأسبوع الثقافي الجزائري في الدوحة عاصمة الثقافة العربية بحضور بارز
للسينما الجزائرية، وكان عشاق السينما على موعد مع عدد من الافلام الحاصلة
على جوائز عدة. منها فيلم «مسخرة» للمخرج الياس سالم، فضلاً عن الفيلم
الروائي الطويل «الأفيون والعصا» للمخرج أحمد راشدي، وهو من تأليف الكاتب
مولود معمرين وبطولة سيد علي كويرات، ويعري واقع سنوات النضال في الجزائر
إبان الاستعمار الفرنسي، ودفْع الجزائريين صغاراً وكباراً ضريبة المقاومة.
يمثل في الفيلم كوكبة من نجوم السينما الجزائرية، إضافة إلى ممثلين
فرنسيين.
ومن الأفلام التي عرضت أيضاً فيلم «نهر لندن» للمخرج رشيد بوشارب، وقد أثار
هذا الفيلم وهو من إنتاج مشترك فرنسي ردود فعل متباينة، وهو من بطولة سامي
بوعلجية، رشيد زام، صوتيقي كوباتى، وبراندا بليتينن. يسلط الفيلم الضوء على
أحداث تفجيرات لندن في عام ،2005 حيث تنسج خيوط صداقة بعيدة الاحتمال، ما
بين امرأة بيضاء انطوائية ومتعصبة من «جويرنسي»، ورجل إفريقي حط رحاله في
المدينة قادماًمن فرنسا، وجعل المخرج من الاختلاف الديني والثقافي وحدة
منسجمة.
ومن الأفلام الوثائقية عرض شريط «سينمائيو الحرية» للمخرج السعيد مهداوي،
الذي يبرز نشأة الحركة السينمائية الجزائرية إبان الثورة الجزائرية، ويتضمن
الفيلم شهادات حية لأهم الشخصيات الفاعلة في الحقل السينمائي من جزائريين
وفرنسيين مناصرين للثورة، على غرار بيا رشولي، والمخرج الفرنسي الراحل
بياركليمو الذي كان صديقاً للأب الروحي للسينما والسينمائيين الجزائريين
المخرج رونيه فوتييه.
ومن الأفلام الوثائقية عرض فيلم «بوعمامة» للمخرج عمر بختي، الذي يشارك فيه
كل من عثمان عريوات، أحمد بن عيسى، روبير بازيل وروني روسال، وينقل الفيلم
للعيان ملحمة الشيخ بوعمامة، أحد زعماء المقاومة الوطنية بالجزائر في فترة
الاستعمار الفرنسي، إذ تجري الأحداث في جنوب غرب الجزائر، لينقل مراحل
مختلفة من يوميات المقاومة، ومن بينها معركة أولاد سيدي الشيخ بوعمامة، حيث
عين وقتها الجنرال الفرنسي ليوتي لمحاولة وضع حد لها، وإطفاء فتيلها.
الإمارات اليوم في
02/06/2010
####
سرد آتٍ من المكسيك
«أبل».. البحث عن الأب المفقود
زياد عبدالله – دبي
ليس لك إلا أن تتابع هذا السرد القادم من المكسيك، ومتى تم إيراد اسم هذا
البلد فإن أفلاماً كثيرة تهبط من كل حدب وصوب تجدها تقع على الحدود مع
الولايات المتحدة الأميركية، كما لو أن شيئاً لا يحدث إلا على هذه الحدود،
بينما المناطق الأخرى غير المتاخمة لبلاد العم سام فلا حاجة لها للسينما،
طبعاً هذا افتراض متأتٍ من سيل من الأفلام التي شاهدتها وكلها تهجس بعبور
الحدود، بقصص تحدث بين طرفيها، هجرة غير شرعية، وأخرى شرعية لتهريب
المخدرات، ومحاولات لا تنتهي للعبور حتى وإن كان الموت مصير من يحاول
مراراً تحقيق معجزة الوصول إلى أرض الأحلام التي سرعان ما تنقلب إلى
كوابيس.
الفيلم الذي نقدم له هنا ينأى بنفسه عن كل ما تقدم، وهو بعنوان «أبل» اسم
ذلك الطفل الذي سيحتل المساحة الكبرى من الفيلم، وستكون تلك الطفولة هنا
حاملاً محفوفاً بالبراءة لما يعدنا الفيلم بتقديمه، وليكون وفاؤه لهذا
الوعد متأتياً من أبل نفسه، الطفل الذي يعاني مشكلات صحية ونفسية تجعله
لسنوات طويلة مقيماً في مستشفى خاص لرعايته، بعيداً عن أمه وأخته وأخيه،
لكن في انتصار كامل للأمومة في النهاية وهي تسعى بكل ما أوتيت من حنان الى
استعادته.
تحالف خفي
فيلم «أبل» الذي كتبه وأخرجه ديغو لونا في أولى تجاربه الإخراجية الروائية
الطويلة، وعرض ضمن أفلام البرنامج الرسمي للدورة 63 من مهرجان «كان»،
يدعونا إلى فيلم مأخوذ بشخصيته، والتي ستكون طفولية تماماً، إنه لا يقول
لنا ما الذي حل بأبل، لمَ هو كذلك؟ ويترك لنا أن نعثر على ما ألمّ به وفق
مسار الأحداث التي سنقع عليها، والتي تكون في الغالب كوميدية وعلى تحالف
خفي مع جدية مفرطة سرعان ما تطفو في النهاية.
على كل، الحياة تدفع الى الضحك أولاً، وكلما كانت أكثر جدية كلما كانت
مضحكة أكثر، لدرجة قد نموت فيها من الضحك، وعلى هدي ذلك تمسي مأساة أبل
معبراً للضحك، فما أن تستعيده أمه وتعود به إلى البيت، حتى تلتبس عليه
الصورة، ويمضي هو الذي لم يتجاوز السبع سنوات إلى ممارسة دور الأب، وعلى
شيء من التسلط والتحكم بكل شيء، لا بل إن محاولة أخته تخليصه من هذا الوهم
ستدفعه الى الدخول بنوبة قاتلة من الجنون، بحيث سيكون قبول ما هو عليه وإن
كان شديد الوطأة أرحم بملايين السنين الضوئية مما سيلمّ به وما يصيبه من
نوبات هستيرية.
الأب الغريب
علينا أن نعرف أن الأب غائب وقد كان هجر أمه منذ زمن طويل، ولدى ظهوره
مجدداً في حياته فإن أبل سيتعامل معه بوصفه رجلاً غريباً، لا بل سيفرض عليه
سلطته، ولعل هذا التناقض بين مظهر أبل وتصرفاته سيكون دافعاً للضحك،
والمواقف التي ستترتب على ممارساته ستكون موضع استهجان من أخته الكبرى التي
سرعان ما تستسلم له حين تجده حريصاً عليها كأب هو الذي يصغرها بـ10 سنين أو
أكثر، كذلك الأم، وبالتأكيد أخوه الصغير الذي يقبل أبوة أبل من اللحظة
الأولى.
في الفيلم تشعبات كثيرة منطلقها ما يمارسه أبل، سنتعرف الى علاقة أمه
بأبيه، والخيانات المتبادلة، الأم التي حافظت على بيتها بكل ما أوتيت من
قوة في ظل غياب الأب الذي يلهو مع نساء أخريات، بينما لا يقبل ويجن جنونه
لدى اكتشافه أنها مرت بعلاقة وحيدة مع رجل في غيابه.
سيكون على الفيلم ايصال أبل إلى أقصى ما يمكن أن يصل به عند ممارسته دور
الأب، وذلك في اللحظة التي يمضي بأخيه الصغير إلى مسبح ليعلمه السباحة،
بينما يكون أبل نفسه لا يعرف السباحة، وهذا يحدث في اللحظة التي يقرر فيها
الأب اعادته إلى المستشفى الذي كان فيه.
الختام سيكون بنجاة أبل وأخيه من الغرق في مشهد مبني بدرامية تصعيدية،
وعودة الأول إلى المستشفى، وقبول الأم ذلك في عجز تام عن النأي به عن هكذا
مصير. طفل مثل أبل سيدفع أثماناً باهظة لغياب الأب، غياب لا يعوض إلا
بغيابه هو من وطأة ما ألمّ به من جراء ذلك.
الإمارات اليوم في
01/06/2010 |