«الشوق»..
جرعـات زائدة في كل الاتجاهات
كتب
محمود عبد
الشكور
كان يمكن أن يكون فيلم «الشوق» الذي كتبه «سيد رجب» وأخرجه «خالد
الحجر» أحد اللآلئ البراقة في عقد أفلام المهمشين، ولكنه وقع في فخ مزعج
للغاية،
إنه بامتياز النموذج الأمثل لما يمكن أن تطلق عليه «فيلم الجرعات الزائدة»
في كل
الاتجاهات تقريباً، ومن كل الأشكال والألوان.
لكي تصنع وجبة طعام جيدة لابد
من كمية مناسبة من الملح، وإلا أصبح الطعام غير قابل للأكل
أصلاً، ولكي تمنع آلام
المريض أثناء عملية جراحية يتم استخدام
كمية محدودة ومضبوطة من المخدر، ولو زادت
الجرعة سيدخل المريض قطعاً في غيبوبة قد لا يعود منها، في المثالين
السابقين هناك
مقادير محددة يمكن ضبطها (زي ما بيقول كتاب الطب أو كتاب طبخ) ولكن في الفن
لا يوجد
هذا الميزان الحساس إلا داخل الفنان، ولا يتكون هذا الميزان داخله إلا
نتيجة تفاعل
عاملي الخبرة والموهبة معاً بطريقة معقدة للغاية، وللأسف الشديد، لا نستطيع
أن نقول
إن هذا الميزان كان موجوداً عند صناع فيلم «الشوق»، صحيح أننا لا نستطيع
أبداً
تقديراً للمجهود الكبير الواضح، أن نقول إن الفيلم مات أو دخل في غيبوبة،
ولكنك لا
تستطيع أبداً أيضاً أن تقول إن الفيلم صحيح ومعافي وتتناسب قيمته الفنية مع
الجهد
الضخم المبذول فيه.
الجرعات الزائدة
ماذا تعني
بالضبط عبارة «الجرعات الزائدة»؟ معناها أن تعتقد أن المبالغات في شتي
الاتجاهات
يمكن أن تخدم هدفك في صناعة فيلم يتعاطي مع هموم المهمشين وأشواقهم للحصول
علي حياة
تليق بآدمية الإنسان، هذه نوايا «سيد رجب» وهي نوايا حسنة ومشكورة، ولكن
المشكلة أن
النوايا وحدها لا تكفي لأن المقارنات لن تتوقف مع أفلام المهمشين المعروفة
مثل «الساحر»
و«عصافير النيل».. إلخ رغم الملاحظات علي هذين الفيلمين مثلاً، إلا أن
هناك انضباطاً نسبياً في البناء وفي طريقة رسم الشخصيات، وفي اتساق
تصرفاتها، بل إن
هناك ظلالاً شاعرية تغلف السيناريو بأكمله بحيث تحب الشخصيات وتتفاعل معها،
وتتفهم
أشواقها للحياة الكريمة، ولكن الصورة مختلفة في فيلم «الشوق»، فكرة التشوق
إلي
تغيير الحياة الراهنة نفسها قد تكون واضحة عند بعض الشخصيات، ولكنها ليست
كذلك عند
شخصيات أخري، أي أن هناك شخصيات لديها فعلا هذا الشوق، وأخري تكتفي بالفاعل
مع
الحياة اليومية من أجل البقاء، موقف المؤلف أيضا من محاولات الانعتاق من
الفقير غير
واضح، هل هو مع فكرة الفرار من الحارة/ المستنقع القائمة في منطقة اللبان
بالإسكندرية؟ أم أنه مع فكرة التحايل علي المعايش «لحد ما تفرج»؟ بل إن
المؤلف نفسه
لم يسأل نفسه كيف يمكن أن يكون الهروب من المكان مفتاحا في حد ذاته
للتغيير؟
هذه الملاحظات في صميم الفيلم، وفي صميم مغزاه، وأتصور أنها أثرت علي
الطريقة التي رسمت بها الشخصيات وخاصة الشخصيات المحورية «فاطمة» التي
لعبتها
باقتدار الكبيرة حقا باذخة الموهبة والحضور «سوسن بدر»، وبسبب التشوش
انتهينا إلي
حالة غريبة تجاه أبطال الفيلم الذين ما إن تتعاطف معهم حتي تزدريهم، وما إن
تحتقرهم
حتي تعود للتعاطف معهم؟!
الهجرة إلي الخارج
يبدأ الفيلم بتعليق صوتي عن
البحر الذي يوحي بفكرة الهجرة، وعلي مشاهد من بحر الإسكندرية
وشواطئها، نسمع مقارنة
غريبة عن الطيور التي تهاجر ثم تعود، وعن
الإنسان الذي يهاجر فلا يعود، مقدمة كهذه
تعطيك انطباعا غير صحيح عن أن الفيلم موضوعه الهجرة إلي الخارج، ورغم قوة
هذه
المشاهد بصريا، إلا أنها ترتبط بخيوط واهية بالحكاية الأصلية الكائنة في
أحد
الشوارع الخلفية في منطقة اللبان حتي تستعرض الكاميرا بهدوء وبراعة وجوه
ضحايا
التهميش، ربما كان أفضل ما صنعته المقدمة فقط هذا الانتقال الحاد من البحر
المفتوح
إلي الزقاق الخانق بما يشبه وقع الصدمة.
محور الدراما كلها، أو «وتد»
الفيلم كله هو «فاطمة» البائسة (سوسن بدر) التي لا نعرف لها
عملا محددا سوي قراءة
الفنجان للجيران، مأساتها مزدوجة وقديمة
أيضا، لقد هربت من أسرتها في طنطا منذ
عشرين سنة لتتزوج صانع الأحذية الذي أحبته
(يقوم بالدور باقتدار سيد رجب)، وأنجبت
منه بنتين (علي وش جواز) هما: شوق (روبي)
وعواطف (ميرهان) لن تعرف بالضبط لماذا لا
تعمل الفتاتان مثلا، ولكن المأساة الأساسية التي تتفرع منها الدراما هي
معاناة
الطفل الصغير «سعد» -ابن فاطمة- من الفشل الكلوي، واضطرارها إلي احتراف
الشحاذة في
القاهرة؟! من أجل توفير المال لجلسات الغسيل الأسبوعية، ثم وفاة الابن،
هناك أيضا
حالة غريبة تنتاب «فاطمة» عند الغضب تجعلها تردد الشتائم بصوت أجش، ثم تضرب
رأسها
في الحائط بطريقة متكررة، في المفهوم الشعبي يقولون عادة إن هذه المرأة
«ملبوسة» أو «مخاوية»
لأحد الجان، ولكن الحالة يمكن تفسيرها علميا بأنها أعراض هيستيرية واضحة
لمعاناة نفسية هائلة، الجسد هنا يعلن احتجاجه علي أنين الروح، علميا أيضا
تمثل هذه
النوبات الهيستيرية نوعا من الهروب والتنفيس عن الكبت، وقد بدت لي أيضا كما
لو أنها
نوع من التكفير عن شعور فاطمة بالذنب لهروبها من أسرتها، مجرد حيلة دفاعية
يدافع
بها الإنسان عن نفسه في مواجهة ظروفه.
أفلام المهمشين
«فاطمة»
-إذن- هي الفيلم، ولكن أفلام المهمشين تكتسب قوتها أيضا من رسم
ملامح عريضة لمجتمع مغلق مكبوت وعاجز، كالمعتاد ستجد نماذج كثيرة داخل هذا
الزقاق
تستكمل ملامح الصورة: «أبوسالم» (يوسف إسماعيل) الذي أصيب في الحرب، ولم
يحصل إلا
مؤخرا علي كشك أصروا علي أن يكون داخل الحارة/ المقبرة، وزوجته التي تعاني
من عجز
زوجها الجنسي بعد إصابته، وابنهما «سالم» (محمد رمضان) طالب الهندسة وحبيب
«عواطف»
الذي يتخلي عنها ويهرب من المكان والناس والفقر، و«رجاء» الزوجة الشابة
التي تكره
زوجها بائع الغاز لرائحته، وتقيم علاقة مع مراهق يافع، والخردواتي
«إبراهيم» الأخرس
الذي لم أفهم مشكلته بالضبط ولعب دوره «أحمد كمال»، وابنه «حسين» (أحمد
عزمي) حبيب «شوق»
الذي يتعرض للإهانة في الحارة فيتراجع عن فكرة الارتباط بها، كما يتعرض
لمطالب «فاطمة» التعجيزية الباحثة عن زوج أفضل لابنتها، وهناك صعيدي يبيع
الخضروات،
ورجل كفيف.. و.. و.. و..إلخ.
لديك شخصية ثرية هي «فاطمة»، ولديك مكان علي
الهامش، ولديك نماذج متنوعة -رغم أنها
مألوفة في أفلام المهمشين- يمكن أن تصنع عملا
معقولا، ولكن طريقة الجرعات الزائدة ستجعل الفيلم يزحف ويعيد ويزيد ثم
يبالغ ثم
يترهل السرد ثم نسقط في بئر الميلودراما أحيانا وأخيرًا ننتهي إلي نهاية
غريبة.
الابتزاز العاطفي
من أمثلة الجرعات الزائدة مثلاً
التطويل في سرد أوجاع الطفل «سعد» وآلامه التي بدت أقرب إلي
الابتزاز العاطفي
للمتفرج، ومنها أيضًا التطويل والتكرار في
مشاهد «فاطمة» وهي تشحذ في شوارع
القاهرة، ومنها عدم التوازن بين مشاهد
«فاطمة» ومشاهد الشخوص الأخري (خاصة ابنتيها)
في الربع الأول المترهل تمامًا من الفيلم، ولكن الجرعة الزائدة المحورية
التي لا
تصدق هي أن تذهب «فاطمة» إلي طنطا لمصالحة أهلها، وتتعرف عليها أختها، ولكن
«فاطمة»
هي التي تهرب لأنها لا تستطيع المواجهة، ليس هذا بالتأكيد سلوك امرأة قوية
الشخصية
ولا أم تحاول انقاذ طفلها من الموت التي لا تفكر بعقلها ولكن بعواطفها، ولم
يكن من
المعقول أبدًا أن تترك طنطا لتعمل شحاذة في القاهرة، كان الهدف تأزيم
الموقف وتكثيف
معاناتها، وكانت الوسيلة السهلة هي أن تزيد الجرعة بطريقة لا تتسق مع رسم
الشخصية،
وحتي بعد الوصول إلي القاهرة وجمع المال، بدا واضحًا جدًا أن الفيلم انتهي
تقريبًا
مع وفاة الابن رغم احتراف الأم للشحاذة، ولكن المؤلف يريد استمرار
المعاناة، فأصبحت
الأم تشحذ لكي تقوم بتجهيز ابنتيها بما يليق بعريس أفضل، ثم تصبح المشكلة
أنها تريد
أن تخفي عن الحارة عملها كشحاذة،
بل وتحاول أن تكسر أعين جيرانها بالمال
حتي لا ينتقدها أحد عند معرفة الحقيقة، وهكذا تلاحظون أن الجرعة الزائدة
الأولي
قادتنا إلي جرعات إضافية أضعفت الحكاية بأكملها خاصة أن «فاطمة» سترفض عريس
ابنتها
البسيط، وهو أمر لا يمكن تصوره في طبقة تسبق فيها فكرة «الستر» فكرة «أموال
العريس»، في هذه النقطة تحديدًا يتشابه موقف الأم الغريب مع موقف الأب
الأغرب من
عريس ابنته في فيلم «الساحر» ولو أن هؤلاء الفقراء يُفكرون كما يفكر
المؤلفون لما
تزوجت البنات أبدًا!
البائسة المسحوفة
لقد تورط
المؤلف تدريجيا في أمر خطير: «فاطمة» التي تصارع الفقر أصبحت في مصارعة
مفتعلة ولا
منطقية مع حارتها ومع ابنتيها، وهذه جرعة إضافية: الابنتان تدخلان في علاقة
مع
شابين، وجرعة إضافية زائدة: «فاطمة» تخشي معرفة جيرانها بكونها شحاذة مع
أنهم
جميعًا يمارسون الشحاذة بطريقة غير مباشرة!
كان السيناريو في حاجة إلي
احتراف تقني ينتقد الفكرة، ويحقق التوازن في عرض الشخوص، ويضبط
الموقف من فكرة
الهروب من الجارة، ويجعل سلوك الشخصيات
متسقًا مع ما نعرفه عنها، ولكن ذلك لم يحدث
ابدأ فأصبحنا لا نعرف هل نتعاطف مع «سالم» لأنه غير راضي أم تتعاطف مع حسين
لأنه
راضي؟ هل نتعاطف مع «فاطمة» لأنها تقاتل من أجل إنقاذ أسرتها أم نكرهها
لأنها دمرت
حياة ابنتيها؟ بل ما الذي يضيف أصلاً أن تموت هذه البائسة المسحوقة في
نهاية
الفيلم؟ كيف لم ينتبه صناع الفيلم إلي المفارقة بأن حرب هؤلاء الناس ضد
الفقر؟ وليس
ضد بعضهم، وكيف لم يشعروا بأن «فاطمة» حاربت فقرها ثم جارتها ثم ابنتيها؟
وما الذي
يمكن أن تفعله البنتان الهاربتان في نهاية الفيلم وأمامهما البحر الواسع
العريض؟ هل
ستحققان حياة أفضل مع أنهما باعا جسديهما لأول شابين في أول اختبار حقيقي
دون الأم؟
كلها أسئلة معلقة في الفراغ تؤكد ما نعرفه جميعًا من أن السيناريو بناء
متماسك، إذا بدأت بشكل صحيح ستصل إلي نهاية صحيحة، أما إذا بدأت بجرعات
زائدة فإنك
ستتورط حتمًا في جرعات أكثر.
مشكلات الشوق
هذه هي
مشكلات الشوق التي أراها جوهرية وموثرة، ولكن ذلك لا ينبغي أن يجعلنا
نتجاهل
المجهود الضخم المبذول ولا العناصر الغنية شديدة التميز، التشخيص والأداء
الاستثنائي للرائعة سوسن بدر، في أفضل أدوارها السينمائية علي الاطلاق، لقد
توحدت
تمامًا مع شخصية «فاطمة» واستخدمت ببراعة كل أدوات الممثل: الصوت والحركة
والتعبير،
بالعينين مع حضور طاغٍ جعلها حاضرة في أذهاننا حتي في المشاهد التي لا تظهر
فيها، «سيد
رجب» في دور لا ينسي صعوبته في أنه تجسيد متحرك لفكرة العجز، الحقيقة أنه
مشخصاتي متميز جدًا ولم يكن يعيبه أبدًا أن يشاركه في الكتابة في ضبط
السيناريو
كاتب أكثر احترافًا، بالتأكيد هو يعرف المكان وهذه الشخصيات ولديه مخزون من
التفاصيل ولكن ذلك لا يكفي لصناعة بناء متماسك، «روبي» وشقيقتها الوجه
الجديد «ميرهان»،
اختلت منهما بعض المشاهد الهامة خاصة في المواجهة الأخيرة مع الأم، «أحمد
عزمي»، و«محمد رمضان» كانا أيضًا أقل بريقًا واقناعًا لأسباب تتعلق
بالطريقة التي
رسمت بها الشخصيات المدهشة «منحة زيتون» في دور لافت ومؤثر جدًا، إنها
«تحية»
المرأة البدنية الجالسة طوال الوقت، والتي تركها ابنها ثم وجدت نفسها في
مساعدة
البائسة «فاطمة» والتعاطف معها، أعتقد أن هذا الدور يرشح هذه الممثلة
المجتهدة
والموهوبة والتي شاهدناها في أدوار صغيرة كثيرة، للمنافسة بقوة علي لقب
أفضل ممثلة
مساعدة، «يوسف إسماعيل» كان أيضًا جيدًا في دور «أبوسالم»، وأظن أنه يقترب
كثيرًا
من تطويع خبرته المسرحية في أداء أدوار سينمائية تتسم بالاقتصاد في المشاعر
والاتصالات.
مغامرة مختلفة
لا ينبغي أيضًا أن
نتجاهل بعض العناصر التقنية والفنية الرفيعة، موسيقي «هشام جبر» التي صنعت
معادلاً
سمعيا مليئًا بالشجن للمأساة التي نشاهدها، الصورة التي حققها نستور كلفو
التي خلقت
شعورا طاغيا بالوحشة والكآبة، مساحات اللون الأسود التي تحتل أجزاء كبيرة
من الصورة
كما في مشهد لقاء الفتاتين بالشابين، وضع الوجوه بأكلمها خارج النور، كما
في معظم
مشاهد «سيد رجب» وبعض مشاهد «سوسن بدر»، القدرة علي نقل شخصية المكان
الحقيقي ودمجه
بسلاسة مع ديكورات قليلة، فكرة وضع بعض المقاطع الغنائية علي شريط الصوت في
بعض
المشاهد لا بأس بها ولكن الظلمات كانت تتحدث عن البحر فيما كانت «فاطمة»
أمام
النيل! حتي ماكياج الشخصيات وخاصة «فاطمة» كان مقنعًا للغاية، ولكن ظلت
المشكلة
الواضحة في أن «خالد الحجر» لم يشأ أن ينقذ الفيلم من الترهل، كان الأمر في
حاجة
إلي حذف ما لا يقل عن 40 دقيقة امتلأ معظمها، بالصراخ والعويل والضرب
ومشاهد التسول
في الشوارع بصورة متكررة ومملة، المخرج مسئول أيضًا عن إفلات بعض المشاهد
من ممثليه
خاصة في حالة «روبي» و«ميرهان»، ولكن يذكر لـ«خالد الحجر» أن كل فيلم جديد
يخرجه هو
مغامرة مختلفة تمامًا عن أفلامه السابقة، بل أن الشوق - رغم مشاكله - هو
أفضل
أفلامه بصريا حتي الآن، ولا شك بأن اجتهاده - حتي مع الاخفاق - يستاهل
الاحترام
والتقدير.
روز اليوسف اليومية في
12/12/2010
«ميكروفون»..
صرخات شبابية بحثاً عن الحرية
كتب
:
سلامة عبد
الحميد
الحرية هي المطلب الأول والرسالة الحقيقية التي سعي لإبرازها
والتأكيد علي ضرورة وجودها كل صناع فيلم "ميكروفون" الحائز علي
الجائزة الأولي في
المسابقة العربية في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي الأخير.
كل الشخصيات
في الفيلم علي كثرتها تبحث عن التحرر، كل وفق منظوره وظروفه وطبيعة نشأته،
والحرية
في الفيلم بمنظورها الواسع تتعدي كل الخطوط الحمراء وتتجاوز كل
الأعراف والتقاليد
الثابتة في المجتمع لتصطدم بمخلبي التدين والشرطة اللذين يقاومان التحرر
بكل
الوسائل ويحرصان علي بقاء الوضع علي ما هو عليه وفق رؤية الشخصيات.
تم
تصوير الفيلم بالكامل في الإسكندرية ويظهر فيه عشرات الشباب
بشخصياتهم الحقيقية في
إطار درامي يجمعهم حيث تدور الأحداث حول شاب يعود إلي مدينته بحثا عن
حبيبته واصلاح
علاقته بوالده بعد سنوات قضاها في أمريكا لكنه يكتشف أن ما عاد من أجله
سراب،
وأثناء جولة يائسة في الشوارع يلتقي شبان وشابات مغايرون تماما
لما اعتاد عليه في
مدينته فيندمج في عالمهم بقوة ربما بتأثير اختلاطه بهم في غربته.
الشباب
تتراوح أعمارهم بين الخامسة عشرة والخامسة والثلاثين، لكن السمة الواضحة
التي
تجمعهم تتمثل في حالة عامة من الإحباط في امكانية تغير ظروفهم
أو تغير نظرة المجتمع
إليهم، منهم من يغني الراب أو الهيب هوب علي الأرصفة ومنهم من يعزف "الروك"
علي
الأسطح ومنهم من يرسم لوحات "جرافيتي" علي الجدران ومنهم من يتجول ليل نهار
في
الشوارع علي لوح تزلج "سكيت بورد".
الصيغة العامة للفيلم كانت موفقة إلي حد
كبير في التعامل مع هؤلاء الشباب الذين لا يمكن طرح مشكلاتهم أو آرائهم في
فيلم
تقليدي لأنها بالتأكيد أفكار ومشكلات غير تقليدية وربما كان العائق الوحيد
أمام
المخرج أحمد عبد الله، وهو نفسه المؤلف، في "تربيط" التفاصيل
داخل قصة مشوقة تصلح
في النهاية كفيلم سينمائي.
الأسلوب الذي استخدمه المخرج في التسلسل الدرامي
للفيلم كان مختلفا وربما صادما للبعض ممن أدمنوا السينما التقليدية
واعتبروها
الصيغة السينمائية الوحيدة المقبولة، لكنه كان الأسلوب الأنسب لطرح أفكار
شبابية
مشوشة ومحاولات ضبابية لتحقيق الذات من جانب أشخاص لا يجدون جهة أو شخصية
واحدة
تساندهم في تحقيق أحلام يعتبرها المجتمع متطرفة، في حين أن
رؤيتهم للتطرف تتمثل في
رفض المجتمع نفسه للتغيير.
ربما كانت الحلقة الأضعف في الفيلم هي الخط
الدرامي الخاص بعلاقة البطل "خالد" بحبيبته التي جسدتها "منة شلبي"، فكلما
ظهرت
الحبيبة كان الفيلم "يفصل" المشاهد عن التحرر القائم في أحداثه، حيث ينتقل
من مشاهد
الشوارع العشوائية غير المدققة سينمائياً بشكل مقصود إلي مشاهد تقليدية
لحبيبين
يجلسان في مقهي ساحلي هادئ ليتحدثان عن وقائع قديمة قصد المخرج
أن يرتبها في الفيلم
بطريقة عكسية ليؤكد علي الوضع المعكوس اليائس الذي يعيشه الشباب. لكن لا
يمكن القول
إنه كان من الأفضل إلغاء هذا الخط الدرامي أو قصره علي مشاهد محدودة لأنه
بات واضحا
في نهاية الفيلم أنه الرابط الدرامي المنطقي بين كل الشخصيات
التي تحولت الحوارات
بين البطل وحبيبته إلي صيغة تفسير لها في بعض الأحيان وصيغة تزيد من غموضها
في
أحيان أخري.
خطان دراميان آخران لا يمكن اغفالهما الأول خاص بشخصيتي "مجدي"
و"سلمي" اللتين قدمهما أحمد مجدي ويسرا اللوزي، وهما الصيغة الرمزية الحية
للفيلم
حيث يسعيان طوال الأحداث لإنجاز فيلم عن الفرق المستقلة ليطرح "ميكروفون"
من
خلالهما كل مشكلات صناع السينما المستقلة الشباب، ربما كنوع من الإنحياز
إلي النفس
كون معظم المشاركين في الفيلم يعملون في تلك السينما أو ينتمون
إليها بالأساس.
والخط الآخر هو شخصية بائع أشرطة الكاسيت الشاب الذي قدمه عاطف يوسف، والذي
يسعي طوال الفيلم للهرب من قبضة الأمن رغم أنه يقوم ظاهريا
بعمل مشروع ويقضي يومه
في الشارع بحثا عن مورد رزق، لنجد الأمن يكف يده عنه حين يحتمي بلافتة مرشح
حكومي
في الانتخابات، ثم يضربه بلا رحمة في نهاية الأحداث بعد دمار اللافتة في
مشهد هزلي
واضح الدلالة.
نعود إلي اختيار الإسكندرية لتصوير الفيلم لما فيها من
خصوصية شديدة، فالمدينة الكوزموبوليتانية تضم حشدا من الثقافات
وبالتالي يتوقع من
البشر فيها أن يقدموا علي التحرر أكثر من غيرهم من سكان مدن أخري بينها
العاصمة
القاهرة.
لكن وفي المقابل فإن الإسكندرية الحالية تعد أحد أبرز معاقل
التشدد الديني الذي فرض علي أهلها حالة من الحصار ــ إن جاز
التعبير ــ ظهرت في
مشاهد محدودة في الفيلم لكن بدلالات واضحة منها السيدة المنتقبة المستنكرة
لما تراه
ومجموعة المصلين الذين يعترضون علي إقامة حفل غنائي في الماهي دون تصريح
رسمي
ويتحدثون بأسلوب أقرب للأسلوب الأمني المعروف. إشارات كثيرة
سريعة لكنها واضحة
الدلالة ضمها الفيلم أيضا، منها ما له علاقة بمحاولات تغيير الفكر السائد
لدي
الأجيال الأقدم فيما يخص الذوق الفني تحديدا، فالمسئول الحكومي يرفض تمويل
الفريق
الغنائي الشبابي لأنه يقدم صيغة فنية جديدة ويمنح التمويل
لفتاة تعيد غناء تراث
كوكب الشرق أم كلثوم، والمسئول نفسه يعتبر "الجرافيتي" تشويها للجدارن
والمباني
بينما لا يجد غضاضة في تشويه نفس الجدران بملصقات قبيحة خاصة بمرشحي
الانتخابات.
وحرص الفيلم طوال أحداثه علي الابتعاد عن المناطق الملتهبة حتي لا يصطدم
بعوائق رقابية، لكنه ضم اشارات سريعة للكثير من الأحداث
السياسية القائمة بينها
الانتخابات كطقس مجتمعي له الكثير من الخصوصية في مصر، إضافة إلي مشاهد
سريعة خاطفة
لتظاهرات واعتصامات ظهرت في إحداها واضحا صورة الشاب السكندري خالد سعيد
الذي
مازالت قضيته تحتل مكانة بارزة في علاقة المواطنين بالجهاز
الأمني.
لا
يمكننا
أن نغفل أبدا في استعراضنا للفيلم اعتماده تلك الصيغة الواقعية جدا في سرد
الأحداث من خلال حوار طبيعي جدا بين الشخصيات يبدو أنه في
أغلبه مرتجل حتي أن بعض
الألفاظ فيه تصل السينما ربما للمرة الأولي، وإن كان البعض ممن حضروا العرض
الأول
للفيلم أبدوا انتقادات واسعة علي مستوي الحوار المتدني، وكأن المطلوب من
السينما أن
تزيف الواقع وتقدم للجمهور علي لسان أبطالها حوارا لا يستخدمه
هؤلاء الأبطال في
حياتهم الطبيعية.
تبقي أيضا الإشارة إلي المغامرة التي خاضها صناع الفيلم
بتقديم عمل مختلف يركز علي شباب يتم تهميشه لأسباب مختلفة أبرزها الخوف من
أفكاره
المتحررة التي تطالب بتغيير الكثير من التفاصيل اليومية في المجتمع وتجاوز
تابوهات
عدة باتت من تكرارها سمة أساسية لحياة المصريين رغم أنها ليست جزءا من
تكوينهم
الثقافي أو الحضاري.
ولابد من توجيه الشكر لفريق الفيلم الذي أتاح للجمهور
فرصة معرفة مجموعة من الفرق الموسيقية الشبابية المتميزة، والدفع في اتجاه
منح تلك
الفرق وغيرها فرصا لتقديم فنونهم والتعبير عن أنفسهم في إطار قانوني بدلا
من اللجوء
إلي أطر غير قانونية معروفة جميع أنحاء مصر للهرب من الملاحقات الأمنية
التي تعتبر
هؤلاء الفنانين الشباب مارقين أو متجاوزين رغم أنهم يحاولون فقط استخدام
حقهم
الدستوري في التعبير عما بداخلهم.
وكان اختيار الأغنيات ومواقع تداخلها في
الأحداث موفقا بشكل كبير، حتي أنها كانت الأفضل علي الإطلاق في الأحداث
واستجلبت
لمرات عدة تصفيقا حادا في العرض الأول من جانب جمهور فوجئ بمدي الوعي
السياسي
والثقافي الكبير لدي شباب يعيشون علي هامش المجتمع، لكنهم
يستحقون أن يكونوا في
صدارة المشهد.
روز اليوسف اليومية في
12/12/2010
بعد تكريمها في مهرجان القاهرة
السينمائي
صفية العمري: أخيراً انتبهوا!
القاهرة ـ من محمد عاطف
أكدت النجمة صفية
العمري انها سعيدة بتكريمها في مهرجان القاهرة السينمائي، لأنهم أخيرا
افتكروها وهي
مازالت على قيد الحياة، وتعمل بجد واجتهاد، رغم انها حققت نجاحا كبيرا في
مجالات
عديدة منها منصب سفيرة النوايا الحسنة، ولم يكرمها أحد في مصر، رغم تكريمها
في دول
أخرى عديدة، لكنها تعتبر تكريم بلدها له طعم خاص.
·
هناك انتقاد لك لظهورك في
فيلم 'وتلك الأيام' بدور أم محمود حميدة، كيف وافقت هل لمجرد العمل والظهور
في
السينما؟
*
عندما جاءني المخرج وقال لي هذا الدور سيكون مهم لأنك تظهرين أم
محمود حميدة، الا انني رفضت السيناريو لمدة شهرين خوفا منه، لكن في النهاية
وجدت
الشخصية جديدة عليَّ فوافقت.
·
لماذا لا تعملين في التلفزيون،
رغم انك كنت نجمته
لسنوات؟
*
مسلسل 'ليالي الحلمية' أشبعني منم التمثيل بكل المراحل التي مررت بها،
وكلما جاءني سيناريو اعتذرت، الى ان توفيت أمي وجاءني بعدها سيناريو 'هوانم
جاردن
سيتي' وأعجبني وصورته واعتقد انه عمل جيد.
·
كل نجوم ليالي الحلمية استمروا
في
العمل ماعدا صفية العمري لماذا؟
*
لأن العمل الاجتماعي عملت به، وظهرت إشاعات
انني تركت التمثيل وأعيش في أمريكا وأعمل
بالأمم المتحدة كسفيرة للنوايا الحسنة،
وكلها أكاذيب ظهرت ضدي وأنا موجودة
وتليفوناتي مفتوحة وأي مخرج يستطيع
محادثتي.
·
هل تنقصك العلاقات الاجتماعية
بالوسط الفني؟
*
فعلا، والمفروض
أنني من أبناء الوسط الفني وليس مطلوبا مني الإلحاح لأعمل، لن
أفعل ذلك.
·
أنشطتك الفنية تقلصت كيف تقضين
وقتك بعيدا عن الفن؟
*
خدمة المجتمع والإنسانية
مهمة جدا في حياتي وهي أمور طيبة أشعر بحلاوتها.
·
ألا تخشين من العمل مع مؤلفين
ومخرجين من الشباب ؟
*
أبدا، أنهم أفكار المستقبل ونواة الفن، ودوري الوقوف
بجوار الشباب.
·
اختيارك في فيلم قصير هل أفادك
فنيا؟
*
فيلم '5 جنيه' مع
أحمد الفيشاوي تحمسنا فيه جدا وصورناه في يومين فقط وليس في
اسبوع كما كان مقررا
له.
القدس العربي في
12/12/2010
مهرجان القاهرة للسينما والدعاية والملابس
'السواريه':
سجادة 'الأوسكار الحمراء' .. شعار غير معلن للتأييد
الأمريكي!
القاهرة ـ من كمال القاضي
في غياب الوعي والفكر
والثقافة والمشروع تتحول الاحتفاليات الى تظاهرات صاخبة وفارغة خالية من أي
مضمون
حقيقي أو مجازي.
بيد أن كل ما يحدث لا يعدو كونه سباقا محموما تتراجع فيه
المعاني الحقيقية لمفهوم الفن الراقي وتتقدم فيه نجمات الصف الأول والثاني
والثالث
والكومبارس، ليس من ممثلات السينما فحسب ولكن من مذيعات الفضائيات اللاتي
تأثرن
بالجو السينمائي العام وانتقلت اليهن عدوى العري فصرن ينافسن
نجمات الإغراء بالكشف
عن سيقانهن وصدورهن وظهورهن كي يصبحن أكثر جاذبية عساهن أن يجدن الفرصة الى
الشاشة
الكبيرة ويخطون على السجادة الحمراء في حفل الافتتاح الساخن بوصفهن وجوها
شابة تخطو
خطواتها نحو المجد كالذين تزدحم بهم ردهات دار الأوبرا المصرية وتملأ
أصواتهم فراغ
المسرح الكبير .. تلك الأمنيات باتت تراود كل الإعلاميات والإعلاميين بعدما
صار
نجوم السينما ونجماتها هم النماذج في النجاح والشهرة والتأنق
والثراء فقد حضر حفل
افتتاح مهرجان القاهرة السينمائي لا يقل عن عشرين ألف ضيف ما بين ممثلين
وممثلات
وإعلاميين وصحافيين ورجال أعمال وشخصيات عامة جاؤوا للقاهرة ليشهدوا
ويشاركوا في
مراسم العرس السينمائي السنوي.
أو بالأحرى يأخذوا نصيبهم من الأضواء ويدلوا
بأحاديث عن آخر مشروعاتهم الفنية وأحدث صيحات الموضة في فساتين السواريه
وقصات
الشعر ولا ينسون التنويه عن أهم بيوت الأزياء التي صممت لهن الجديد والفريد
من
ملابس السهرة، وبالطبع يشمل ذلك عمل دعاية مجانية للمتخصصين في
المكياج والمساحيق
والمانيكير والباديكير، وفي خضم الإنشغال بمثل هذه الجوانب لا يأتي ذكر
للقضايا
السينمائية وما يهدد الصناعة ولم يجرؤ واحد فقط من الضيوف أن يشير الى
محاولات
الاختراق الصهيوني للمهرجان الرسمي للبلاد ومحاولة تحقيق
التطبيع الثقافي بالتسلل
عبر شركات أمريكية أسست برؤوس أموال يهودية، غير ان أحدا أيضا من المهمومين
بالحركة
السينمائية لم يكلف نفسه عناء السؤال أو الاستفسار حول .. لماذا الإصرار
على أن
يكون فيلم الافتتاح أمريكيا كل عام ؟!
الجميع مشغولون بحضور النجم الأمريكي
العالمي ريتشارد جير الذي خطف الأضواء من عمر الشريف وبقية نجوم العالم،
وعلى ذكر
فيلم الافتتاح فإنه برغم الضجيج الذي سبق اختياره إنصراف الحضور تماما من
قاعة
العرض بعد إنتهاء مراسم التكريم ولم يهتم بمشاهدة الفيلم
المختار 'عام آخر' غير
نسبة قليلة تعد على أصابع اليدين وهو ما يعكس عدم الاكتراث بالمشاهدة
والتركيز فقط
على متابعة تفاصيل الاحتفال الكرنفالي، إنه لجدير بالذكر في هذه المناسبة
التنويه
الى خطاب سعد الدين وهبة التاريخي في واحدة من دورات المهرجان المهمة، حيث
أعلن في
حفل الافتتاح أن مهرجان القاهرة السينمائي أصبح مستهدفا من
إسرائيل وعلينا أن نعي
هذه الحقيقة ونتعامل بموجبها فأول ما يجب أن نفعله والكلام لسعد وهبة أن
نقطع
الطريق على أي مشاركة صهيونية ونحافظ على هوية المهرجان كحدث
سينمائي عربي قومي، هو
بالأساس فرصة ثمينة لإلتقاء الثقافات العربية العربية وواجهة حضارية لمصر
أمام
العالم كله .. وهبة ثاني رئيس لمهرجان القاهرة بعد كمال الملاخ ومنتزع
الشرعية
الدولية له من الاتحاد العام للمنتجين الدوليين أصبح ذكرى
منسية لم يشر اليه لا من
قريب أو بعيد سوى في الفيلم التسجيلي القصير جدا الذي يؤرخ للدورات ويحصي
منجزاتها
وضيوفها، يأتي ذكر سعد وهبة على استحياء وبشكل عابر شأنه شأن حسين فهمي
وشريف
الشوباشي باعتبارهما رئيسين سابقين، علما بأن الفرصة كانت
سانحة تماما لتصوير
بانوراما كاملة عنه أو إصدار كتاب تذكاري يحمل اسمه يتضمن سيرته وأعماله
والجهد
الذي أفناه من أجل رسوخ المهرجان السينمائي الوحيد الذي يتمتع بالصفة
الدولية، خاصة
أن ذكرى وفاته لم يمضي عليها سوى أسابيع قليلة، مشكلة الرئيس
الأسبق لمهرجان
القاهرة السينمائي ومحمد سعد الدين وهبة انه كان كاتبا مرموقا ومثقفا كبيرا
ورجل
دولة فهو ضابط بوليس قديم ووكيل أول لوزارة الثقافة وسياسي مخضرم، كل هذه
المزايا
جعلته قامة كبيرة يتقزم أمامها أي مسؤول آخر يحاول أن يملأ
مكانه الشاغر ويتبوأ
مكانته! يضاف لمزايا وهبة إيمانه بالفكر الناصري العروبي القومي وتصرفه في
مسؤولياته العديدة من هذا المنطلق، حيث الحديث عن السينما
المصرية هو حديث عن
الثقافة العربية ككل فمن غير الوارد في قاموسه الثقافي التفرقة بين ما هو
مصري وما
هو عربي، لذا كان يضع القضية الفلسطينية نصب عينيه ولا يغيبها في أي من
الاحتفاليات
وحتى إذا ما نظر للثقافة الأمريكية أو الأوروبية تكون مرجعيته هي القضايا
القومية
الكبرى فمعظم ما وجه اليهم الدعوة لحضور فعاليات المهرجان في
حياته كانوا من
المناصرين للقضية الفلسطينية بشكل أو بآخر فمن بين ما وجهت اليهم الدعوة
كان أنطوني
كوين بطل فيلم عمر المختار والمفكر العالمي الكبير روجيه جارودي الذي زار
القاهرة
في احتفالية خاصة أقيمت له بفندق سميراميس حضرها كبار المثقفين المصريين
والعرب
وناقشوا خلالها قضية الصراع العربي الصهيوني من شتى جوانبه
الفكرية والسياسية
والثقافية وكشف جارودي عن وجه إسرائيل القبيح وكيف أنها تخطط بدعم من
أمريكا
للهيمنة على منطقة الشرق الأوسط وسلب الفلسطينيين كل حقوقهم، وبعيدا عن
السياسة
إستضاف سعد وهبة من النجوم المحايدين غير المتعصبين للصهيونية
النجمة الإيطالية
صوفيا لورين والنجم الأمريكي آلان ديلون لعمل نوع من التنشيط السياحي، كما
دعا أيضا
المخرج الكبير إيليا كازان والنجم الهندي أميتاب باتشان وكان لحضوره صدى
ودوي واسع،
فهكذا كان يدير الرئيس الأسبق مهرجان الدولة الأم بحرفية سياسية ودراية
فنية
وثقافية عالية المستوى فحينها لم تكن مؤهلات رئيس المهرجان
السينمائي مختزلة في
مجرد إجادته للغة الإنكليزية وشذر اللغة الفرنسية وإنما كانت الرئاسة
المهرجانية
منصبا قياديا يضاهي في تأثيره وأهميته الدولية دور الوزير المفوض، موقعا لا
يرقى
اليه الا من هو أهل له، فالمهرجان ثقافة وسياسة وفن ودبلوماسية
ونظم إعلامية
وبروتوكولات .. مفردات غابت بغياب عميد المهرجان وثاني فرسانه وحامي بوابته
الشرقية
من غزو المتربصين ممن يسعون لتغيير لغته من العربية الى العبرية .. حفظ
الله
مهرجاننا ورحم الله سعد وهبة.
القدس العربي في
12/12/2010 |