«منذ اللحظة الاولى لاندلاع الثورة المصرية استطاع الفنان عمرو واكد ان
يعلن حضوره الداعم وان يلتحم مع صفوف الجماهير سواء فى ميدان التحرير او
عبر أجهزة الاعلام ليقوم كلمة لا- الرافضة
.
وحينما يذهب الى حرفته الفنية والسينمائية على وجه الخصوص فانه يذهب
الى تلك المضامين الفكرية التي ترسخ مضامين النضال والثورة ضد
الدكتاتوريات والظلم والتسلط. وهو في فيلمه «الشتا اللي فات» يذهب الى رصد
أحداثيات ثورة الخامس والعشرين من يناير المجيدة، بالذات تلك الممارسات
التعسفية التي لحقت بالعاملين بالاعلام على وجه الخصوص من قبل أزلام النظام
السابق.
ويؤكد الفنان عمرو واكد قائلا: كانت ولاتزال ثورة 25 يناير تلهمنا،
والفيلم حدث عاطفي، أثر فينا، فحولناه الى طاقة ابداعية.
ويقول بمناسبة فوزه بجائزة أفضل ممثل في مهرجان دبي السينمائي الدولي :
أولا أهدي جائزتي الى الثورة المصرية العظيمة والى الشعب المصري
العظيم والى أرواح الشهداء الذين اججوا نار الثورة ضد الظلم والدكتاتورية.
ويستطرد: كما أشكر دولة الامارات العربية المتحدة ومهرجان دبي
السينمائي على هذا التقدير والدعم والحفاوة التي استقبل بها الفيلم وفريقه.
وحول الفيلم يقول واكد: الفيلم يتحدث بصوت رجال ميدان التحرير، المؤمن
بان الثورة فجرت طاقة جهنمية استثمرتها لانتاج الفيلم، وانا مؤمن بالانتاج
المشترك في الصناعة السينمائية وتحديداً في الشرق الأوسط، الا انه تجنباً
للاشاعات واللغط حول الفيلم بأنه قائم على ممولين من الخارج، وكذلك لخصوصية
الموضوع، فضلنا ان نسلك طريق انتاجه بأموالنا الخاصة، حاملين احساساً
مصرياً بنسبة 100 في المئة، واستطيع التأكيد باننا انطلقنا بتصوير مشهده
الأول من لحظة تنحي الرئيس المصري السابق حسني مبارك عن سدة الحكم.
واسأل الفنان عمرو واكد عن تجاربه الاخيرة واللياقة العالية التي
يتحرك بها فيرد قائلا
:
نشاطي السياسي جزء من حياتي هكذا كنت وهكذا سأبقى من أجل بلدي وأمتي.
ودور الفنان الحقيقى يتجاوز الصيغ التقليدية للنجومية الى التفاعل مع قضايا
الانسان والشعوب، فكيف وانا ابن هذا الشعب لهذا تفرغت للثورة. وحينما دارت
عجلة الحياة قدمت عددا من النتاجات من بينها فيلمي الاخير «صيد السالمون في
اليمن» والذي يحصد اليوم الكثير من النجاحات الدولية هذا الايام .
ويعلق قائلا : فيلم «الشتا اللي فات» لم يكن ضمن منهجية حوار وسيناريو
تقليدي متكامل، بل اعتمد في معظم زواياه الانسانية على الارتجال، وهي
مجازفة من قبل المنتج ان يقبل بهذا العرض.
رأيت عبرها ان يمثل الفيلم أول انتاج سينمائي لشركتي زاد للانتاج
والاعلام أنه نضال وطني يستحق مواجهة التحديات الانتاجية والفنية. وقمت
بالتحضير لتفاصيل شخصية الناشط السياسي التي جسدتها في الفيلم عبر الاحتكاك
اليومي بميدان التحرير، من خلال مقابلة النشطاء السياسيين، ومن تعرضوا
للخطف والتعذيب والاغتصاب، الى جانب التجربة الخاصة به كمواطن مصري. ويشير
واكد انه لا يعتبر ان الانتاج الخاص دون الاعتماد على الانتاج المشرك هو
أفضل الطرق التمويلية في المجال السينمائي، مقدماً نموذجاً نوعياً للتعاون
العربي قائلاً: تخيلوا أننا ننتج أفلاماً تحمل معاني الشراكة النوعية، كان
يكون الممثل مصرياً أو من اي مكان من انحاء الوطن العربي، والمصور من
الجزائر ومدير الاضاءة من لبنان والعكس كذلك، متى نصل الى تلك المرحلة من
الوعي بأهمية تعزيز مكانة الصورة العربية.
وقال : ان السبيل الوحيد لتفعيل فكر التعاون هو ان لا نرى فيما بيننا
كمنافسين بل شركاء حقيقيين، لافتاً ان الأفكار الاستثمارية في مجال الأفلام
تحتاج الى مبادرات تخدمه بشكل مهني تأسيسي، لا تؤمن بالحدود الجغرافية في
تصنيفها، وان النهضة السينمائية ستقوم على مبدأ الانفتاح بين جميع البلدان
العربية. وقال حول ذلك: «دون مبالغة نحن نتآمر على بعض في تدمير بعض،
السياسة تلعب دوراً رئيساً في تعزيز مكانة المجالات الفنية، ودون وعي كامل
بما أشرنا اليه مسبقاً من أهمية التلاقي بيننا، لن نستطيع أحداث نقلة فعلية.
وحول المرحلة المقبلة من تاريخ السينما المصرية يقول الفنان عمرو واكد
: أستطيع التأكيد بان السينما المصرية كما هو شأن مصر اليوم فانها امام
منعطف ومسيرة جديدة ترسخ حضور قضايا الانسان وتتطلع الى المستقبل بصيغ
ابداعية وفكر متحفز يتجاوز ما هو تقليدي وهامشي ومكرر. ويستطرد : السينما
اليوم في مصر على وجه الخصوص اليوم تتطلع الى صيغ انتاجية تأخذها من
الزاوية التي ذهبت اليها وفرضت عليها نوعية خاصة من النتاجات التي يفترض ان
تتسع دائرتها وقضاياها واهتماماتها وأهدافها. ويعود للحديث عن مشاريعه
الجديدة بقوله : مصر والانسان المصري والمحافظة على الثورة هي مشاريعي
الدائمة في المرحلة المقبلة .
النهار الكويتية في
23/12/2012
من بينها «هيتشكوك» و«المعلم» و«لامور»
تحف سينما 2013 حطت رحالها في دبي
عبدالستار ناجي
يحرص مهرجان دبي السينمائي الدولي، في كل عام على تقديم وجبة سينمائية
عالية الجودة، وتحت مظلة «سينما العالم» لطالما قدم هذا المهرجان العتيد
مجموعة من النتاجات السينمائية، التي وجدت طريقها الى الأوسكار ترشيحا
وفوزا بل نستطيع القول، بان مهرجان دبي، وضمن تظاهرة «سينما العالم» بات
يؤمن موعدا حقيقيا للتواصل مع تحف الفن السابع الذي تقدم طيلة العام.
ومن هذا الجديد، الذي حط رحاله منذ أيام في
دبي، يأتي الفيلم الفرنسي «لامور» «حب» لمايكل هينكيه والذي
نال جائزة السعفة الذهبية، وهو يزاحم الكثير من نتاجات العام، للترشيح
لأوسكار أفضل فيلم أجنبي، مسلطا الضوء على حكاية زوجين متقاعدين ، تصاب
الزوجة بأمراض تقعدها وتسبب لها الكثير من الألم، مما يدفع الزوج الذي يحمل
لها عاطفة جياشة، لانهاء ذلك الألم، عبر أداء رفيع المستوى للثنائي المتميز
جان لوي تراتينان وايمانويل ريفا.
وضمن عروض سينما العالم، تأتي تحفة أخرى، هي فيلم «السيد» أو «المعلم»
لبول توماس اندرسون، الذي يقدم لنا دراما سينمائية رفيعة المستوى، تغوص في
ثنايا النفس البشرية، مسلطة الضوء حول علاقة تربط بين جندي محطم عاد للتو
من أتون الجبهة، مع مؤسس دين جديد يمتلك كل خصال الحضور والهيمنة، مما
يدفعه الى السيطرة على الآخر، في أداء عالي المستوى للنجم جواكيم فينيكس
وسيمور هوفمان بدور المعلم.
وقد م المهرجان ايضا فيلم «هايد بارك في هادسون» المشبع بالكوميديا
ذات الأبعاد الانسانية، عن حياة قادة بارزين في التاريخ البشري، معتمدا على
وثائق نادرة تجمع رسائل ويوميات وحكايات نادرة.
ونرحل الى ذلك الفيلم، الذي تجري أحداثه في العام 1939، بالذات شهر
«يونيو» حينما بدأ الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت يستعد لاستقبال ملك
وملكة انكلترا، وكانت تلك أول زيارة للعائلة المالكة الى أميركا، والمطمح
ان تحظى بريطانيا بدعم الولايات المتحدة في الحرب التي يجري الاستعداد لها
ضد النازية، ولكن استعدادات روزفلت تتخطى الحدود والاعراف، ولابد من
الاشادة بالأداء المتفرد للنجم الكندي بول موراي.
وتتواصل التحف، لنشاهد فيلم «هيتشكوك» الذي يرصد علاقة الحب بين
المخرج البريطاني هيتشكوك وزوجته ابان فترة التحضير لفيلم «سايكو» واختلافه
مع ستديوهات بارامونت التي لطالما عمل معها والتي رفضت تقديم الدم او انتاج
الفيلم.
وقد تألق في تجسيد دور هيتشكوك النجم البريطاني القدير انطوني هوبكنز،
ومعه في الفيلم هيلين مورين وايضا الجميلة سكارليت جوهانس... والاخراج من
توقيع ساشا جيرفاسي.
وفي اطار الافلام الموسيقية قدم مهرجان دبي في تظاهرة افلام سينما
العالم فيلم «ذي سافيرس» أو «الياقوت الأزرق» عن حياة اربع شابات من سكان
استراليا الأصليين يرافقهن عازف ايرلندي يعانده الحظ، يؤسس معن فرقة «ذي
سافيرس» المذهلة والفيلم يعتمد على قصة حقيقية والفيلم من توقيع واين بلير.
وفي الاطار ذاته، الأفلام الموسيقية فيلم «رباعي» من توقيع النجم
داستين هوفمان، عن حكاية رباعي من مغني الاوبرا المتقاعدين الذين يمضون
خريف عمرهم بسعادة في دار نموذجية للموسيقيين المسنين.. والذين ذهبوا الى
النسيان.
في الفيلم عدد بارز من النجوم، منهم ماجي سميث وتوم كورتيني وبولين
كولينز وبيلي كونولي.
هذا الموعد المتجدد مع التحف، ليس بالموعد الاستثنائي، بل بات موعدا
يتكرر.. وهو أمر لم تخلقه الصدفة، بل اقترن بكثير من الاشتغال والبحث،
وايضا العلاقات التي تقودها «شيلا ويتكر» تلك السينمائية البريطانية
العريقة.. وايضا البوصلة الذكية للمدير الفني للمهرجان مسعود أمر الله آل
علي، الذي يعرف ماذا يريد.. جمهور الذواقة في مهرجانه السينمائي الذي يرسخ
يوما بعد آخر مكانته على خارطة المهرجانات السينمائية الدولية.
سينما العالم.. أمنت لمهرجان دبي 2012 مجموعة من التحف التي سيظل
العالم يتحدث عنها طويلا.
anaji_kuwait@hotmail.com
مايكل أبتيد:
الشرق الأوسط أرضية خصبة لموضوعات الأفلام الوثائقية
«منطقة الشرق الأوسط بمثابة بركان من المواد الخام للافلام الوثائقية»
هكذا بدأ المخرج البريطاني مايكل ديفيد أبتيد الذي تم تكريمه خلال المهرجان
بجائزة «انجاز العمر» حديثه خلال ملتقى الحوار الذي شارك فيه أمس الاول.
وتابع: «ما شاهدته من أفلام وثائقية خلال المهرجان بصفتي رئيس لجنة تحكيم
المهر العربي للأفلام الوثائقية، بمثابة منجم من الموضوعات والقضايا
الانسانية والفكرية بصرف النظر عن كيفية تقديمها وان كانت في معظمها تنقل
الرسالة بصورة حرفية جيدة. وما أقوله مقارنة بواقع أفلام الشباب التسجيلية
في أميركا وتحديداً في الجامعة التي أدرس بها. والطريف في تجربته، مجموعة
أفلامه التسجيلية التلفزيونية البريطانية «فوق»، حيث يصور كل 7 سنوات
تطورات حياة 14 طفلا بريطانيا ابتداء من عام 1964 حينما كان عمرهم 7 سنوات.
وضم الفيلم 8 حلقات استعرضت 49 عاماً، بواقع عرض حلقة كل 7 سنوات، في محطة
بي. بي. سي. وغيرها. وفي عام 2005 تم اختيار مجموعته من قبل محطة تلفزيون 4
كأحد أفضل 50 عملاً تسجيلياً
وقال عن الجانب الخاص بالأفلام التسجيلية: «يشاهد الناس هذه الأفلام
في بيوتهم وعلى الانترنت، لذا فان مهرجانات السينما في غاية الأهمية لأنها
تقدم الفرصة لمشاهد الفيلم الوثائقي مع الجمهور. كما ان التقنيات الحديثة
ساهمت في اطالة عمر الأفلام حيث وجد قرص «دي. في. دي» والديجيتال
وغيرها».انتقل بعد ذلك ليتحدث عن سر نجاح أفلامه الروائية، «أحرص دائماً ان
تجمع قصة الفيلم بين محورين علاقة انسانية بين كائنين بحد أدنى حتى لو بين
انسان وحيوان أليف. كذلك الاهتمام بالعواطف مع التركيز على شخصيات لها
كريزما انسانية قوية خاصة من النساء».
استعرض أبتيد تجربته في صناعة الأفلام منذ بداية عمله على الأفلام
الوثائقية في أوائل السبعينيات التي لفتت انتباه صناع الأفلام في بريطانيا،
ليكتسب خبرة جديدة من خلال اخراج المسلسلات التلفزيونية.
من عروض مهرجان دبي السينمائي
«الياقوت
الأزرق».. حكايات الحب والحلم والموسيقى
قدم مهرجان دبي السينمائي في دورته التاسعة التي اختتمت أعماله منذ
ايام عددا متميزا من الاعمال السينمائية وفي هذه المحطة نتوقف امام فيلم
«الياقوت الازرق» او «ذا سفايرز» والذي يتوقع المشاهد لدى قراءة ملخص فيلم
«ذا سفايرز» أو «الياقوت الأزرق» للمخرج الأسترالي واين بلير، أنه سيشاهد
احدى قصص هوليوود التقليدية عن سيّر فرق الغناء منذ تأسيسها وحتى وصولها
الى النجومية. لكن سرعان ما يتغير هذا الانطباع منذ اللحظات الأولى لعرض
الفيلم، فالفرقة ليست الا ثلاث شقيقات من السكان الأصليين في أستراليا
اللواتي يتعامل «البيض» معهن بعنصرية، ويجد المشاهد نفسه يدور ضمن حكايات
انسانية مفعمة بالحب والكوميديا ومليئة بالموسيقى الرائعة. وما يستوقف
المشاهد لمرحلة طويلة من الفيلم وربما حتى نهايته، ان بطلاته خارج معايير
جمال نجمات سينما هوليوود، حيث يتجلى جمال كل منهن من خلال شخصيتها
وخصالها، فالأخت الكبرى بمثابة الأم الحاضنة والحارسة الحازمة حتى مع
مديرهن الذي ينجذب اليها، أما قريبتهن «كاي» ذات الملامح البيضاء فتتخلى عن
الحياة مع البيض التي رسمت لها، لتنضم الى الفرقة التي تسافر الى فيتنام
لتجرب حظها في الغناء للجنود الأميركيين بعد طرد البيض لهم من نواديهم في
بلدهم.
قبل السفر، ترفض «كاي» في البداية استقبالهن حين وصلن باب بيتها في
ملبورن، لكنها سرعان ما تنضم اليهن لتعلقها بالغناء مثلهن في سن الطفولة.
تحقق الفرقة النجاح منذ وصولها الى سايغون، لتبدأ البطلات الفيلم خلال احدى
حفلاتهن في فيتنام ويعايشن فواجع الحرب التي تكثف من مشاعرهن وبالتالي
حماسهن للغناء على طول مواقع الفرق المتباعدة. كل ذلك والأخت الكبرى حريصة
على ضبط الجميع بما فيهم مديرها الذي يضع الفرقة في مأزق نتيجة شربه للكحول.
وعلى عكس سينما هوليوود، تجد كل فتاة منهن صوتها الداخلي في طريق
النجاح، اما لترتبط بعلاقة حب أو مصالحة مع القريبة أو مع الماضي. وعندما
تحقق الفرقة نجاحاً واسعاً يدفع أحد المنتجين للقدوم من أميركا لمشاهدتهن،
تقرر الفرقة العودة الى بلدها وتبني الحقوق الانسانية لسكانها الأصليين،
خاصة النساء.
النهار الكويتية في
19/12/2012
فجر يوم جديد:
أفلام وألغام في دبي (4- 4) «بيكاس»
كتب الخبر
: مجدي
الطيب
جاء عرض فيلم «بيكاس» في افتتاح البرنامج «العربي» في الدورة التاسعة
لمهرجان «دبي السينمائي الدولي»، رغم إنتاجه السويدي، من منطلق أن مخرجه
كرزان قادر ولد في «السليمانية» في كردستان العراق، ليخفف كثيراً من وقع
الألم، الذي اعترى الكثيرين ممن شاهدوا الفيلم، وتولد لديهم يقين جازم بأن
«بيكاس» لا بد من أن يكون فيلماً عربياً خالصاً؛ نظراً إلى السخونة التي
اتسمت بها أحداثه، والدفء الذي اعترى علاقات شخوصه، وخفة الظل التي وجدت
لنفسها طريقاً إلى السيناريو الذي كتبه كرزان، وما كان لكاتب سويدي أن يملك
تدفقها أو يعرف حيويتها!
أفلام كثيرة، خصوصاً الهندية، اتخذت من الطفل «اليتيم» نقطة انطلاق
ومحوراً لأحداثها، وترتب على هذا أن غرق الغالبية منها في طوفان
«الميلودراما» والبكائيات، لكن فيلم «بيكاس» تخلص من هذا الخطأ الفادح،
وأفلت من هذا المصير المتوقع، بفضل براعة المخرج في الاعتماد على سيناريو
مُحكم ومُتقن، واختياره الحاذق لطفلين جسدا «اليتم» بصورة لم نعهدها
سابقاً؛ إذ لم يُمعنا في التمسح بمظاهر الضعف والخنوع للقهر أو يلجآ إلى
الاستسلام للأقدار، لينتزعا الدموع والتعاطف، وإنما تحليا بالقوة والإرادة
والتلقائية والفطرة غير المصطنعة؛ فكان التعاطف معهما صادقاً والدموع على
أحوالهما طبيعية وحقيقية.
أخطأ المخرج بالطبع عندما تصور أن كلمة «بيكاس» معروفة ومتداولة
فاختارها عنواناً لفيلمه، وتركنا نبحث في «القواميس» عن تعريف دقيق للكلمة،
وبالكاد علمنا أنها تعني باللغة العربية «اليتيم» أو «من لا أهل له»، وهو
ما ينطبق بالفعل على الطفلين الكرديين اليتيمين، اللذين ضاقت بهما سبل
الرزق، وأغلقت الحياة أبوابها في وجوههما، وبعقلية الأطفال، وهيمنة الخيال
على مشاعرهما، صارا يحلمان بالسفر إلى أميركا ليلتقيا «سوبرمان» القادر،
حسب مفهومهما الطفولي القاصر، على إحياء الموتى (والديهما) وطرد الأعداء
(جيش «صدام»).
جاء الحديث عن صدام بشكل عابر، لكن زمن أحداث الفيلم (تسعينيات القرن
الماضي) أحالت المتلقي فوراً إلى جريمة «الأنفال»، التي أودت بآلاف
الأكراد في عمليات إبادة جماعية العام 1988، وتحمل مسؤوليتها التاريخية
نظام «الديكتاتور»، وهي معلومة لن تُربك عملية التلقي في حال الجهل بها،
لأن السيناريو توافرت له عناصر الإثارة كافة والتشويق والتعاطف والتوتر
التي جعلت منه وثيقة سينمائية، وشهادة حية على معاناة «الأكراد»، وحياة
الفقر والبؤس التي عاشوها في ظل نظام قمعي لا يعرف سوى الإرهاب.
في «بيكاس»، يلجأ الطفلان إلى «مسح الأحذية» والتصعلك، وهما يواجهان
قسوة الطبيعة والفقر، لكن شيئاً لا يحول دونهما ومشاهدة «سوبرمان» خلسة
لحظة وصوله إلى صالة عرض القرية المتواضعة، ووسط مظاهر البؤس يُشيع الفيلم
حالة من البهجة والتفاؤل والسخرية، وطوال الأحداث تُبهرك «كاريزما» الطفل
الصغير الذي يتمتع بشخصية قوية وخيال خصب، وقدرة فائقة على الإيثار وحب
الآخرين من حوله، بينما لا تستطيع أن تتجاهل نهاية الفيلم، التي يُهدد فيها
لغم أرضي الطفل الأكبر، وعندما يهرول شقيقه الأصغر إلى القرية العراقية
طلباً للنجدة يخذله أهلها، ويلجأ إلى الرب لإنقاذه، وعندما ينجو الطفل
بأعجوبة «درامية» يتعانق «الشقيقان»، وتسقط «أسطورة البطل الخارق»، وتتجلى
رسالة الفيلم على لسان الطفل الأصغر: «أريدك أنت وحدك... وليذهب «سوبرمان»
إلى الجحيم»!
قدم المخرج كرزان قادر فيلمه بأسلوب عاطفي لا يخلو من العذوبة والشجن،
ولم يلجأ إلى ابتزاز العواطف أو تبني «الخطاب السياسي» المباشر؛ فالماضي
عنده ذكرى أليمة لكن ينبغي تجاوزها، والانطلاق بعدها إلى المستقبل
«المجهول»، ولأن المخرج يُقدم رحلة طفلين في عالم مضطرب فإنه لا يتخلى عن
الروح الطفولية البريئة والبساطة الأخاذة، التي تتحول في بعض المشاهد إلى
تبسيط مُخل، لكن الفيلم يلتزم بالخط الإنساني الذي اختاره منذ البداية، ولا
يستخدم «السياسة» بالشكل المجاني المعتاد، ويحالف التوفيق المخرج في
اختياره للطفلين، وتتجلى براعته الفائقة في توظيف عفويتهما، رغم وقوعه في
فخ «الإفيهات» الحركية المستهلكة، كالصفعات التي انهالت على الطفل الأصغر
من الجميع، ولا يمكن القول مُطلقاً إنها ذات صلة بالكوميديا؛ فقد اتسمت
بقسوة غير مبررة، وتناقضت مع الحس الإنساني العذب والساخر الذي ميز «بيكاس»،
ودفع الدموع إلى التقافز من عيني كل من ابتسمت له الأقدار وشاهده، تأثراً
بأحداثه وتعاطفاً مع مأساة بطليه، وإعجاباً برؤيته التي لم تخل من رسالة
تعرف طريقها إلى السياسة ولكنها لم تغرق في دهاليزها!
الجريدة الكويتية في
04/01/2013
فجر يوم جديد:
أفلام وألغام في دبي (2- 4) «الصدمة»
كتب الخبر:
مجدي الطيب
ثاني الأفلام التي أثارت جدلاً وتحولت إلى قنبلة موقوتة اختير لها أن
تنفجر في الدورة التاسعة لمهرجان دبي السينمائي الدولي فيلم «الصدمة»، الذي
عُرض ضمن برنامج «ليالي عربية» من إخراج اللبناني زياد دويري وإنتاج لبنان
وفرنسا وبلجيكا وقطر ومصر, وحصد قبل أيام من عرضه في «دبي» الجائزة الكبرى
للدورة 12 للمهرجان الدولي للفيلم في مُراكش.
بدا الفيلم ملتبساً بشكل كبير، وفي حين أشاد «البعض» بموضوعيته في
الطرح، اتهمه آخرون بالتطبيع، ليس فحسب لأنه صور غالبية مشاهده في «تل
أبيب»، واختار غالبية ممثليه من الجانب الإسرائيلي، وغلب على حواره الحديث
بالعبرية، بل لأنه أظهر «الإسرائيليين» في صورة «المتحضرين» في حين أقر
بوحشية «الفلسطينيين» الذين لا يمكن لأحد أن يأمن غدرهم وشرهم أو يسبر
أغوار حقدهم «التاريخي»! بداية يلفت النظر أن الترجمة الصحيحة للعنوان
الإنكليزي للفيلم هي «الهجوم» بينما «الصدمة» هو عنوان الرواية، التي كتبها
الجزائري محمد مولسهول تحت اسمه المستعار «ياسمينة خضرا»، وصدرت طبعتها
العربية عن دار «الفارابي» اللبنانية. فالمخرج الذي كتب السيناريو مع زوجته
جويل توما سعى إلى إرضاء الجمهور الغربي بعنوان «الهجوم» ومخاطبة ود المؤلف
بالاحتفاظ بعنوان روايته، وهو يُقدم الفيلم للجمهور العربي، وبالطريقة
المراوغة نفسها جامل الإسرائيليين، وألقى باللائمة على الفلسطينيين قبل أن
يتراجع عنها!
كانت المراوغة سبباً أيضاً في ترويج «دويري» لأكذوبة كبيرة بإدعائه أن
جمعية الجراحين الإسرائيليين منحت جائزتها، التي تضاهي في أهميتها جائزة
«الأوسكار» للجراح «العربي»، الذي لم يجرؤ على القول إنه فلسطيني، وتبنى
الخطاب الإسرائيلي نفسه عندما وصف العملية «الاستشهادية بأنها «انتحارية»
و»بربرية» أودت بحياة 17 إسرائيلياً من بينهم 11 طفلاً، ولم يمانع في
القول، على لسان أحد ضباط «الشاباك» أو»الشين بيت» (جهاز الأمن الداخلي
الإسرائيلي)، إن أعضاء «حزب الله» و»حماس» و»الجهاد الإسلامي» جماعة من
«المعتوهين»، وأن عرب الأراضي المحتلة لا يستحقون ثقة دولة إسرائيل،
وتعاملها الحضاري معهم، وإن «الانتحاريين»، ومن بينهم وفاء إدريس ومن حذا
حذوها، هم ثلة من الفاشلين اجتماعياً، والمُصابين بأمراض نفسانية!
في الرواية التي كتبها «ياسمينة خضرا» يكتشف الجراح العربي الناجح،
الذي يحظى بحفاوة وحسن ضيافة «أصدقائه الإسرائيليين»، أن زوجته الشابة
مسؤولة عن التفجير الذي وقع في أحد مطاعم «تل أبيب»، وتنتابه مشاعر الصدمة
لأن زوجته «خدعته»، وأثناء بحثه عن الحقيقة والدوافع التي أدت بها إلى هذا
المصير الذي ينكره ثم يرفضه، تتغير قناعاته ويستعيد هويته، وعلاقاته
المفصومة بأهله وعشيرته، لكن السيناريو الذي كتبه دويري وزوجته يُقدم رؤية
«كوميدية» عندما يجعل من الزوجة «المسيحية» بطلة للعملية الاستشهادية،
بمباركة من قس الكنيسة في نابلس، رغم تناقض هذا مع المعتقدات الدينية
المسيحية، التي لا تؤمن بالعمليات الاستشهادية، ويُظهر «الشيخ» بوصفه
«إرهابي» يقود «ميليشيات» تعصف وتنكل بمن يقترب منه حتى لو كان يريد أن
يحاوره! الأمر المؤكد أن زياد دويري سعى في فيلمه إلى نبذ العنف، والدعوة
إلى الحوار، والتأكيد على أهمية تبادل الثقافات، لكنه في سبيل الوصول إلى
غايته ساوى بين «السجين» و»السجان»، وأسقط من حساباته أحقية الشعب
الفلسطيني في انتزاع الحق المسلوب، واجتهد في مطالبتهم بالقبول بالأمر
الواقع، وفتح قنوات اتصال تمكنهم من التماهي مع المجتمع الإسرائيلي،
والاندماج في نسيجه، والترويج لديمقراطيته،وتحضره وتسامحه وبعدها يمكنهم أن
ينالوا حق الوجود!
فعل «دويري» هذا في «الصدمة»، لكنه في تكريس صارخ للمراوغة، التي لجأ
إليها لتمييع موقفه حاول الإيحاء بأن بطله تذكر أخيراً أنه فلسطيني، وأدرك
حقيقة الوهم الذي كان يعيشه، وفتح عقله قبل قلبه لأهله وأبناء جلدته، الذين
كانوا دائماً موضع اتهام، وهي الحيلة التي لا تبرر مطلقاً روح التسامح
والسماحة وملامح البشاشة والتحضر، التي ظهر عليها الإسرائيليون الذين لم
يبخلوا على «العربي» بالجنسية والقيمة والمكانة، ولم يجدوا منه سوى الغدر
والخيانة!
بالطبع ستجد الجرعة العاطفية المكثفة، والحرفية الفنية التي تبرهن على
مقدرة المخرج زياد دويري وموهبته، من ينبهر بها بين الجمهور العربي الذي
يعشق «الصدمة»، لكن المشاهد الغربي الذي لا يرضى عن الموضوعية والعقلانية
بديلا، سيُدرك مغزى الرسالة، ويعلم أن «الهجوم» أظهر وحشية ودموية
«الفلسطينيين» الذين لا يتورعون عن خيانة أقرب الناس إليهم.
الجريدة الكويتية في
28/12/2012
فجر يوم جديد:
أفلام وألغام في دبي (1- 4) «خلفي شجر الزيتون»
كتب الخبر
: مجدي
الطيب
في الكثير من الأحيان يتحول بعض الأفلام إلى قنابل موقوتة تنفجر في
العروض الأولى في الصالات أو في عروض المهرجانات، مثلما حدث في الدورة
التاسعة لمهرجان دبي السينمائي الدولي، الذي حفل بعدد من الأفلام التي
أثارت جدلاً أغلب الظن أنه سيحتد ويحتدم مع التوسع في عرض الأفلام في
المقبل من الأيام.
أول فيلم كان بمثابة لغم خطير تمت السيطرة عليه، واحتواء شظاياه داخل
جدران القاعة التي عرضته، حمل عنوان «خلفي شجر الزيتون»، بطولة وسيناريو
وإخراج اللبنانية باسكال أبو جمرة، التي توغلت في منطقة شائكة للغاية عندما
اختارت الاقتراب من أزمة ابنة عميل في «جيش لحد»، الذي تشكل بدعم من
إسرائيل، تضطر وشقيقها الأصغر إلى الهروب مع والدها إلى إسرائيل، عقب
انسحاب القوات الإسرائيلية من الجنوب اللبناني في مايو من عام 2000، وبعد
عشر سنوات تعود وشقيقها بعد وفاة والدها إلى بلدتها في الجنوب. لكن الجميع،
وعلى رأسهم صاحب المعصرة، لا يغفرون لوالدها جريمة العمالة للعدو، وهو ما
يعبر عنه صاحب المعصرة بقوله: «لن يُسامحني أهل الضيعة إذا علموا أنني
ساعدتك». ويؤكد لها أن «الغدر والخيانة لا يمكن نسيانهما سوى بالموت».
«الأبناء يدفعون ثمن جرائم الآباء»... هكذا أرادت المخرجة الشابة
باسكال أبو جمرة أن تقول في فيلمها الروائي القصير الذي يتسم بالجرأة، ولا
تغيب عنه روح التمرد، وإن بدت متعاطفة بدرجة محسوبة مع جيل وجد نفسه ضحية
لجريمة لم يرتكبها، وإثم لا ينبغي أن يُسأل عنه أو يُحاسب عليه، وتبدو على
قناعة بأن من حق أبناء «العملاء» أن يعودوا إلى أوطانهم ويندمجوا مع
مجتمعاتهم، وعلى الجميع أن يرحبوا بهذه العودة، وألا ينبذوهم أو يتبرأوا
منهم!
لا تكتفي «باسكال» بهذه الرؤية المثيرة، والمدخل غير المسبوق في تناول
قضية لم يتم التطرق إليها سابقاً في السينما العربية، لكنها لا تتخلى عن
الحس الإنساني العذب، وهي تقدم قصة الشقيق الأصغر للفتاة الذي طُرد من
المدرسة بعد اعتدائه على أحد زملائه لأنه سبه بأبيه «العميل»، وترصد مظاهر
القطيعة التي فرضها أصحاب الضيعة على الفتاة، غير أنها تواصل مشوار الجرأة
والتمرد إلى نهايته عندما تختتم فيلمها بالفتاة وشقيقها، وهما في طريق
العودة إلى إسرائيل، بعد أن أغلقت أبواب الوطن في وجهيهما!
هذه النهاية الصادمة التي استشعرت وأنا أتابع أحداث الفيلم، كيف كانت
سبباً في زلزلة مشاعر الجمهور، وإلى أي حد زادت وتفاقمت بعد توجيه المخرجة
عبر «تترات النهاية» الشكر إلى «حزب الله»، دعتني إلى سؤال المخرجة في
الندوة التي أعقبت عرض الفيلم عن السر وراء الإشارة إلى «حزب الله»، فأكدت
لي أنها عرضت السيناريو على «الحزب»، نظراً إلى أن أغلب مشاهد الفيلم تدور
في الجنوب اللبناني، الأمر الذي تطلب موافقة قياداته التي لم تمانع، ولم
تبد أي تحفظ على رؤية الفيلم.
خطوة لا تخلو من ذكاء، لأن انتزاع موافقة «حزب الله»، والتنويه إلى
هذا في «التترات»، جنَّبا المخرجة الشابة عواصف عاتية كان يمكن أن تضرب
جسدها النحيل قبل فيلمها؛ فاتهام الفيلم بالدعوة إلى التطبيع كان وارداً
بقوة؛ بدليل استنكار البعض عودة البطلة وشقيقتها إلى إسرائيل، ورأوا فيها
هزيمة واستسلاماً وتسليماً، بل اعترافاً علنياً بأن «العدو» أكثر رحمة من
«الأهل» و{الوطن»!
أفلتت المخرجة اللبنانية الشابة باسكال أبو جمرة من الاتهامات، التي
كانت تنتظرها، والعقاب الأكيد الذي كان سيلاحقها، بسبب وجهة نظرها المتمردة
والمغايرة، وطرحها الجريء الذي يعكس طموح وجرأة جيل اختار طريقاً مختلفاً،
وأسلوب تفكير غير معتاد وموضوعية لا يمكن تجاهلها، فضلاً عن الإنسانية التي
تعاملت بها مع قضيتها، من دون أن تتجاوز «الخطوط الحمراء» المتعارف عليها
في مثل هذه الأحوال؛ فالثوابت الوطنية مكفولة و{الخيانة» مرفوضة، لكن
المخرجة عندما تؤكد أن «العمالة» جريمة لا تسقط بالتقادم فإنها ترفض أن
تنتقل إلى الأبناء بالوراثة، وتُدرك يقيناً أن «الآباء يأكلون الحصرم
والأبناء يضرسون»!
«خلفي شجر الزيتون» تجربة سينمائية مهمة لفتاة نجحت في فيلمها الأول،
الذي يُعد مشروع تخرج، في أن تجد لنفسها هوية وخصوصية، بفضل بساطتها
وحيويتها وتدفقها الإنساني، ووعيها السياسي قبل الفني.
الجريدة الكويتية في
24/12/2012
فجر يوم جديد: أصوات خليجية
كتب الخبر
: مجدي
الطيب
هموم العرب من المحيط الهادر إلى الخليج الثائر ظلت الشغل الشاغل
لمهرجان دبي السينمائي الدولي، في دورته التاسعة (9ـ 16 ديسمبر2012)؛ ففي
توقيت متزامن مع الإعلان عن برنامج «ليال عربية» يؤكد المهرجان التزامه
الثابت حيال السينما الخليجية الوليدة، ويعزز اتجاهه الدائم إلى تشجيع
المواهب الشابة ودعم التجارب الإنتاجية، من خلال برنامج «أصوات خليجية»،
الذي يحتفي بالأفلام الخليجية الشابة التي تعكس واقع المنطقة ومتغيراتها،
وترصد هموم أهلها في مملكة البحرين، المملكة العربية السعودية، العراق
وسلطنة عُمان.
«أصوات
خليجية» تتبنى تقديم خمسةَ أفلام قصيرة وفيلماً روائياً طويلاً هو فيلم
«أصيل» للمخرج العُماني خالد الزدجالي، ويُعرض للمرة الأولى في منطقة
الخليج العربي، التي يخشى الزدجالي من ضياع هويتها واندثار تراثها، فيقدم
رحلة كفاح طفل بدويّ لم يتجاوز التاسعة من عمره لحماية قريته وتراث أهله.
يبحث المخرج العراقي كاميران بيتاسي في فيلمه «سيلهوته»، في عرضه
العالمي الأول، عن العلاقة بين الحياة والأمل والسعي وراء الحصول على
السعادة، ويترك للمشاهد مساحة كبيرة للتفكير والتأمّل. وفي مفاجأة غير
متوقعة، لا تكتفي السعودية بالمشاركة في برنامج «أصوات خليجية» بفيلم
تقليدي «فولكلوري» أو «صحراوي» ينأى بها عن المشاكل، وإنما تُعلن عن
مشاركتها بفيلم يُعرض للمرة الأولى في العالم، وينتمي إلى نوعية سينما
التشويق السياسي، يحمل عنوان «مصنع الكذب»، وينطلق مؤلفه ومخرجه حمزة جمجوم
من صحارى المملكة العربية السعودية إلى شوارع مدينة شيكاغو الأميركية ليكشف
الجانب الإجرامي والوحشي لمجتمع المال والأعمال الأميركي.
الطريف أن المخرج والمؤلف البحريني محمد راشد بوعلي لم يكتف باختيار
فيلمه الروائي الطويل «الشجرة النائمة» (يوثّق لحياة عائلة بحرينية ويلقي
الضوء على العناصر الثقافية التي اعتمد عليها المجتمع البحريني كسبيل
للحفاظ على هويته) للترشُّح لجائزة «السينمائيين الخليجيين للفيلم الروائي
الطويل»، وإنما آثر المشاركة في برنامج «أصوات خليجية» بفيلمه الروائي
القصير «هنا لندن» (رغبة زوجين في الحصول على أفضل صورة تعكس حبّهما
الأبويّ ليرسلاها إلى ابنهما المقيم في الخارج).
في سياق متصل، يقدم المخرج السعودي نواف الحوسني في فيلمه «مجرد صورة»
بحثاً على الشاشة عندما يقتفي أثر رحلة استكشافية يخوضها ثلاثة من الباحثين
للتوصل إلى أفضل لقطة فوتوغرافية للصحراء، بينما يوثق المخرج العراقي حيدر
الكناني في فيلم «48 ساعة»، الذي يُعد الفيلم الرابع في البرنامج الذي
يُعرض للمرة الأولى في العالم، كفاح ومعاناة الجيل الجديد للخريجين
العراقيين في عراق الحاضر، ومدى قدرتهم على التكيف مع الظروف المحيطة بهم،
والأحداث الساخنة التي تخيم على وطنهم.
الأمر المؤكد أن برنامجاً مثل «أصوات خليجية» سيجعل الفرصة مواتية ليس
فقط للتعرف إلى تفاصيل المجتمع الخليجي وخصائصه، وإنما معاينة ما يمكن أن
نسميه خارطة المتغيرات التي اجتاحت الحياة في المنطقة، ووضع أيادينا على
آثارها السلبية والإيجابية، وانعكاسها على المواطن الخليجي بصورة خاصة. وهي
فرصة ما كانت لتتوافر لأي متابع للسينما أو مهتم بها لولا الجهد الوافر
لإدارة «مهرجان دبي السينمائي الدولي»، الذي اندلعت مخاوف كثيرة مع تدشينه،
وانطلاق دورته الأولى، خشية أن يتحول إلى سوق للسينما العالمية، ووجهة
سينمائية لمخرجيها، على حساب السينما العربية والخليجية. ومع تعاقب الدورات
أثبت المهرجان أنه يضع نصب عينيه الارتقاء بالسينما العربية، سواء
بالاحتفاء بمبدعيها أو الإسهام في دعم منتجيها، وهو الدور نفسه الذي يؤديه
المهرجان بدأب يحسد عليه، على صعيد السينما الخليجية التي باتت تحظى
باهتمام واسع محلياً وإقليمياً وعالمياً.
مع الاتجاه إلى تدشين فكرة إقامة مهرجانات سينمائية في منطقة الخليج
تعالت أصوات يتساءل أصحابها، بلهجة لا تخلو من السخرية والاستنكار، عن جدوى
تنظيم مهرجانات في بلاد لا تعرف صناعة السينما، ودورة بعد الأخرى نجح
مهرجان «دبي»، ومن بعده مهرجان «أبو ظبي»، ومهرجان «الدوحة ـ تريبيكا»، في
الفترة الأخيرة، في تفنيد هذه الدعاوى ودحضها، بعد أن أسهمت جميعها في
تشجيع إقامة صناعة سينما خليجية، من خلال دعم المواهب الشابة الأقدر على
مقاربة الواقع الخليجي، وملامسة هموم المواطن، عبر تجارب ربما تفتقد الخبرة
الكافية أو تفتقر إلى عمق الرؤية ولكن لا يعوزها صدق الطرح ودفء المشاعر،
والاقتراب الحميمي من عوالم كانت مجهولة إلى وقت قريب، ونجح أبناء الجيل
الجديد من المواهب الخليجية الشابة، بفضل التقنيات السينمائية المتوافرة
لعدد كبير منهم، في إلقاء الضوء عليها وتسليط الأنظار حيالها، ومن ثم أصبح
للسينما الخليجية تواجد في مهرجانات العالم... والفضل في هذا يرجع إلى
المهرجانات التي أثارت سخرية البعض... واستنكارهم!
الجريدة الكويتية في
17/12/2012 |