رحيل فاتن حمامة وجه القمر المنير أبدا
العرب/ حنان عقيل
سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة تفارق الحياة بعد تعرضها لوعكة صحية مفاجئة
مخلفة حزنا عميقا لكافة محبيها من أبناء مصر والوطن العربي.
القاهرة - كالأحداث الجلل، كالانتفاضات والثورات، تجعل ما قبلها مختلفا
تماما عمّا تلاها، هي فاتنة نهر الحب، التي رحلت عن عالمنا كـ”حمامة”
بيضاء، عقب أن غيّرت بظهورها مفاهيم السينما والفن، مؤسسة مدرستها الخاصة
التي لا ينافسها فيها أحد. هي المعجزة، حكاية العمر كله، سيدة القصر،
وأيامنا الحلوة، التي لا تطفأ شمسها، ملاك الرحمة الأبيض، سيدة الشاشة
العربية الفنانة فاتن حمامة، التي ستظل حاضرة بأعمالها الخالدة في تاريخ
السينما المصرية، وفي ذاكرة المصريين والعرب أيضا.
تعرضت فاتن حمامة لأزمة صحية قبل وفاتها استدعت نقلها إلى المستشفى، وخرجت
بعد أن تماثلت للشفاء، ثم تعرضت لوعكة صحية مفاجئة توفيت على إثرها، حدث
الكثير من التضارب في خبر وفاتها ما بين مؤكد للخبر وناف له، وذلك بسبب
رغبة أسرتها في التحفظ وعدم الإدلاء بأي تصريحات، حتى تم تأكيد الخبر من
قبل وسائل الإعلام المصرية الرسمية.
وفور تأكيد الخبر، نعت رئاسة الجمهورية المصرية فاتن حمامة، وجاء في بيان
الرئاسة “تنعى رئاسة الجمهورية ببالغ الحزن والأسى الفنانة الكبيرة فاتن
حمامة، التي وافتها المنية اليوم، وتتقدم لأسرتها وذويها وكافة محبيها من
أبناء مصر والوطن العربي بخالص التعازي والمواساة”.
وأضاف البيان” إن مصر والعالم العربي فقدا قامة وقيمة فنية مبدعة، طالما
أثرت الفن المصري بأعمالها الفنية الراقية. وستظل الفقيدة التي أضفت
السعادة على قلوب جموع المصريين والمواطنين العرب بإطلالتها الفنية وعطائها
الممتدّ وأعمالها الإبداعية، رمزا للفن المصري الأصيل وللالتزام بآدابه
وأخلاقه”.
شغف مبكر
فاتن حمامة حالة استثنائية في تاريخ السينما المصرية، وفي تاريخ الفن ككل،
ولدت في 27 مايو 1931، بدأ ولعها بعالم السينما في سن مبكرة عندما كانت في
السادسة من عمرها، حين فازت بمسابقة أجمل طفلة في مصر، أرسل والدها صورة
لها إلى المخرج محمد كريم الذي كان يبحث عن طفلة تقوم بالتمثيل مع
الموسيقار محمد عبدالوهاب في فيلم “يوم سعيد” عام 1940، ليكون الفيلم الأول
لها، والذي تلاه عدد من الأفلام البارزة، مثل فيلم “رصاصة في القلب” عام
1944، مع الموسيقار محمد عبدالوهاب أيضا.
ومع فيلمها الثالث “دنيا” أصبحت حمامة وجها راسخا في السينما المصرية،
لتدخل فيما بعد المعهد العالي للتمثيل عام 1946، وتنتقل إلى لعب عدد من
الأدوار التي تركت بصمة واضحة لها في المجال السينمائي.
كانت علاقة فاتن حمامة بالممثل البارز يوسف وهبي محطة أساسية وناقلة في
حياتها الفنية، إذ اشتركت معه في فيلم “ملاك الرحمة” عام 1946، والذي لعبت
فيه دور ابنته، وبعدها بثلاث سنوات اشتركت معه في فيلم “كرسي الاعتراف”،
لتنتقل إلى أدوار البطولة، بعدما نجحت في جذب اهتمام المخرجين، في الفيلمين
“اليتيمتين” و”ست البيت”. واصلت حمامة أداءها لأدوار البطولة في أفلام غلب
عليها الاتجاه نحو الواقعية، مثل فيلم “لك يوم يا ظالم” الذي اشترك في
مهرجان كان السينمائي.
وكذلك اشتركت في أول فيلم للمخرج يوسف شاهين “بابا أمين” عام 1950، ثم في
فيلم “صراع في الوادي” 1954 الذي كان منافسا رئيسيا في مهرجان كان
السينمائي.
كذلك اشتركت في أول فيلم للمخرج كمال الشيخ “المنزل رقم 13” الذي يعتبر من
أوائل الأفلام المعتمدة على الألغاز، وفي عام 1963 حصلت على جائزة أحسن
ممثلة عن الفيلم السياسي “لا وقت للحب”.
اختيرت حمامة كأفضل ممثلة في عام 1996، أثناء احتفال السينما المصرية
بمناسبة مرور 100 عام على نشاطها، وتم اختيار 18 فيلما من أفلامها ضمن 150
فيلما من أحسن ما أنتجته السينما المصرية.
بعد غياب طويل عن العمل الفني، قامت بأداء آخر عمل لها عام 2000 وهو
المسلسل التلفزيوني “وجه القمر”، والذي انتقدت فيه العديد من السلبيات في
المجتمع، والذي اختيرت بعده كأحسن ممثلة.
وفي عام 2007 اختارت لجنة السينما بالمجلس الأعلى للثقافة في القاهرة
ثمانية أفلام ظهرت فيها فاتن حمامة ضمن قائمة أفضـل 100 فيلم في تاريخ
السينما المصرية.
سيدة الشاشة العربية تخطت حدود مصر إلى العالم العربي كله، ووصلت إلى أبعد
نقطة في العالم العربي
تزوجت فاتن حمامة باثنين من أعلام ورواد السينما المصرية، الزواج الأول كان
في العام 1947 من المخرج عزالدين ذوالفقار، عقب تصوير فيلم “أبو زيد
الهلالي”، وأسسا معا شركة إنتاج سينمائية قامت بإنتاج فيلم “موعد مع الحياة
“، والذي كان سببا رئيسيا في إطلاق لقب “سيدة الشاشة العربية” عليها، إلا
أنها انفصلت عن ذو الفقار وتزوجت فيما بعد من الفنان عمر الشريف، عقب
فيلمهما المشترك “صراع في الوادي”.
روايات أدبية
بلغت حمامة ذروة النضج الفني والأداء التمثيلي المتميز، في أدائها لعدد من
الأدوار المعقدة والمركبة، وهي أفلام مأخوذة عن روايات لعدد من أبرز
الأدباء، ويأتي فيلم “دعاء الكروان”، الذي اختير كواحد من أحسن ما أنتجته
السينما المصرية، المستند على رواية لعميد الأدب العربي طه حسين كمثال بارز
على ذلك.
وتلاه فيلم “نهر الحب” الذي كان مستندا على رواية ليو تولستوي “آنا كارنينا”،
وفيلم “لا تطفئ الشمس”، و”لا أنام” عن روايات للكاتب إحسان عبدالقدوس،
وفيلم “لا وقت للحب” عن رواية يوسف إدريس.
علاقتها مع السلطة
كثيرا ما أثارت فاتن حمامة الكثير من الجدل حولها، في تعاملها مع السلطات
الحاكمة لمصر، كانت أبرز المحطات أثناء فترة حكم الرئيس الأسبق جمال
عبدالناصر حيث غادرت مصر لمدة خمس سنوات احتجاجا منها على بعض القوانين
آنذاك، كما طلبت منها المخابرات المصرية أن تتعاون معها إلا أنها رفضت،
ورغم مغادرتها مصر إلا أن الرئيس عبدالناصر كان حريصا على عودة الفنانة
الراحلة إلى أرض الوطن، ومنحها وساما فخريا في بداية الستينات، ولكنها لم
تعد إلا بعد وفاته.
من جهة أخرى، كان آخر ظهور لسيدة الشاشة العربية في مايو الماضي، مع الرئيس
المصري عبدالفتاح السيسي، والتي أبدت تأييدها الكامل له، وفي حملته
الانتخابية التي ألقى فيها كلمة عن السينما المصرية توقف ليسأل عن فاتن
حمامة، ثم مضى إليها وصافحها وسط تصفيق الحضور. في السبعينات،اختلف نهج
فاتن حمامة في التمثيل، حيث بدأت بأداء أدوار ذات طابع نقدي بشكل أكبر،
وكان على رأسها فيلم “إمبراطورية ميم”، الذي حصلت فيه على جائزة تقديرية من
اتحاد النساء السوفيتي.
وكان فيلمها التالي “أريد حلا” بوابة لإصلاح قوانين الطلاق في مصر، بعدما
ناقشت في الفيلم المشاكل المُسببة لها تلك القوانين.
في الثمانينات، قدمت الفنانة الراحلة فاتن حمامة مع المخرج خيري بشارة فيلم
“يوم حلو يوم مرّ”، الذي لعبت فيه دور أرملة في عصر الانفتاح، ليتبع ذلك
عملين من أبرز الأعمال الدرامية في التسعينات وهم “ضمير أبلة حكمت”، وأخيرا
“وجه القمر”.
الجوائز
حازت على عديد الجوائز، مثل شهادة الدكتوراه الفخرية من الجامعة الأميركية
بالقاهرة 1999، ونجمة القرن من قبل منظمة الكتاب المصريين 2000، ووسام
الأرز من لبنان، ووسام الكفاءة الفكرية من المغرب، ووسام المرأة العربية من
قبل رفيق الحريري، وشهادة الدكتوراه الفخرية من الجامعة الأميركية ببيروت
2013.
فاتنة الشاشة وسيدتها عاشت للفن الرفيع ورحلت في صمت
العرب/ عماد أنور
مبدعون من مصر والعالم العربي يودعون سيدة الشاشة العربية في الزمن الجميل
يرافقه حضور رسمي وشعبي لتشييعها إلى مثواها الأخير.
القاهرة - في مشهد مهيب، شيّع آلاف المصريين أمس (الأحد)، الفنانة المصرية
فاتن حمامة إلى مثواها الأخير، بعد أداء صلاة الجنازة في مسجد الحصري
بمدينة السادس من أكتوبر (غرب القاهرة).
وكان جابر عصفور وزير الثقافة، وعمرو موسى الأمين العام السابق للجامعة
العربية، وعدد كبير من الفنانين، تقدمهم حسين فهمي ومحمود ياسين وسمير
صبري، في مقدمة الحضور، بينما شهدت الجنازة غياب زوجها السابق الفنان عمر
الشريف.
احترام الجمهور
الفنانة الراحلة نالت قدرا كبيرا من احترام جمهورها البسيط قبل كبار
النقاد، وافتها المنية مساء أول أمس (السبت)، إثر وعكة صحية مفاجئة،
داهمتها منذ عدة أسابيع، استدعت نقلها إلى إحدى المشافي بالقاهرة، تحت
إشراف زوجها الطبيب محمد عبدالوهاب.
كانت رئاسة الجمهورية المصرية، قد نعت الراحلة في بيان لها، عبرت فيه عن
بالغ الحزن والأسى، وتقدمت لأسرتها وذويها وكل محبيها من أبناء مصر والوطن
العربي بخالص التعازي، وقالت الرئاسة في البيان، “إن مصر والعالم العربي
فقدا قامة وقيمة فنية مبدعة، طالما أثرت الفن المصري بأعمالها الفنية
الراقية”، كما نعاها عدد من المسؤولين والسياسيين وعلى رأسهم رئيس الوزراء
المهندس إبراهيم محلب.
كما أمر الملك محمد السادس ملك المغرب، بعودة السفير المغربي لدى مصر محمد
سعد العلمي إلى القاهرة قادما من بلاده على متن طائرة خاصة للمشاركة في
جنازة الفنانة الراحلة، وتقديم خالص العزاء لأسرتها من ملك المغرب.
نجحت سيدة الشاشة في تحقيق المعادلة الصعبة طوال مشوارها الفني الذي امتد
على نحو 70 عاما، وبدأته منذ نعومة أظفارها أمام الموسيقار الراحل محمد
عبدالوهاب، وحافظت على الرقي الذي تميزت به أعمالها الفنية، والابتعاد عن
الابتذال، وهو ما دفعها للابتعاد عن الأضواء في فترة الثمانينات، عندما
سيطرت الأفلام التجارية على سوق السينما، لتبتعد بقناعة من لا يجد له مكانا
وسط هذه الأجواء.
فاتن حمامة بلغت ذروة النضج الفني والأداء التمثيلي المتميز في أدائها لعدد
من الأدوار المعقدة والمركبة
معارضة الإخوان
موقفها المعارض من حكم جماعة الإخوان المسلمين، جعلها تلقى هجوما شرسا من
قبل مؤيدي الرئيس المعزول محمد مرسي، حيث لم يراع بعض شباب الإخوان حرمة
الموتى ودونوا تعليقات ساخرة على مواقع التواصل، وتوجيه نداءات بعدم الدعاء
لها بالرحمة، وهو ما يخالف العادات والتقاليد وسماحة الأديان.
كانت حمامة قد أبدت قلقها من حكم الإخوان في تصريحات صحفية متعددة، وتمنت
عدم عودتهم للحكم مرة أخرى، وقالت إنها تعيسة وحزينة لما يحدث في بلادها من
صراعات، وهو ما يتنافى مع طبيعة الشعب المصري، بينما أبدت تأييدها للرئيس
عبدالفتاح السيسي، وقت أن كان وزيرا للدفاع، وبادل الرئيس الفنانة الكبيرة
الاحترام، ففي لقائه مع الفنانين في مايو الماضي، ذكر في كلمته تاريخ
السينما المصرية قبل 50 سنة، ودورها في رقي الشعوب، وتذكر فاتن حمامة
وأفلامها، ثم قطع كلمته وقام ومضى نحوها وصافحها وسط تصفيق حادّ من
الجمهور.
رغم مغادرتها مصر إلا أن الرئيس عبدالناصر كان حريصا على عودة الفنانة
الراحلة إلى أرض الوطن
مواقف سياسية
يذكر أن للراحلة مواقف سياسية متعددة، كشفت عن احترامها لذاتها في المقام
الأول، ومن ثمّ احترامها لقيمة الفن وللجمهور، وهو ما دفعها للرحيل عن مصر
عام 1966 هربا من الضغوط السياسية التي تعرضت لها في فترة حكم جمال
عبدالناصر، بعد أن عرضت عليها المخابرات المصرية التعامل معها والوشاية
ببعض زملائها الفنانين، وهو ما رفضته وظلت تتنقل بين لندن وبيروت حتى عادت
إلى وطنها عام 1971.
رغم كل الضغوط كانت فاتن حمامة، حريصة على إبداء رأيها بصدق مهما كلفها
الأمر، وفي محاولة من الإعلامي المصري مجدي الجلاد لاستدراجها في أحد
الحوارات الصحفية نحو الهجوم على الرئيس الأسبق حسني مبارك، ردّت بهدوء
معهود قائلة: “أنا بحب حسني مبارك لأنه طيب وصاحب أصول”، قائلة لمحاورها
إنه أذاع هذه الكلمات أم لم يذعها فهذا رأيها.
كتاب عرب:
الرثاء لايليق بوجه طفولي فاتن
العرب/ مثقفون يتفقون على أن فاتن حمامة كانت من المبدعين النادرين جدا
والقادرين على زرع أرواحهم في الزمن.
محمد مستجاب: صورة البريئة الطاهرة
ربما يبدو كلامي غريبا، فاتن حمامة هي حبي الأول، حبي الذي كنت أتمزق فيه،
فاتن بالنسبة إليّ حلم كامل يجب المحافظة عليه، تجولت معها وهي تسير مع
حليم ورمزي وعمر في “أيامنا الحلوة”، وكنت سعيدا بأغنية “صدفة” التي غناها
لها حليم، بعدها كنت أتجول في الجامعة وهي تنتظر خطابات “صالح سليم” فــي
“الباب المفتوح”، أو وهي تقف بجوار رشدي أباظة، وتغني “توت توت” كي يبتعد
عن عساكر الأنكليز.
ظلت فاتن بريئة وطاهرة في ذاكرتي، كنت أتلوى معها وأبكي في “أريد حلا”، ذلك
العمل الذي لم يأخذ حقه من النقد سواء لها أو للمخرج سعيد مرزوق.
ثم تعلمت على يدها في “أبلة حكمت”، بحكمتها واتزانها وكمالها، كما أن لها
فيلما بعنوان “حبيبتي” مع محمود ياسين، وقد صور في لبنان، والفيلم وإن كان
غير مشهور لها إلا أنه فيلم حديث جدا بمنطق تلك الأيام التي نعيش فيها، قصة
حب بريئة وساخرة بين اثنين من الفقراء، وفيها تفاصيل الأنثى التي تكوّن عش
الزوجية مع حبيبها، حتى عندما تموت في نهاية الفيلم لا تنسى أن توصي
الممرضة على حبيبها، هكذا هي فاتن على الشاشة أو في الحياة.
إذا تحدثت عن مرحلتها الأولى سواء “دعاء الكروان” أو “سيدة القصر”، فقد
نجحت في التعبير عن السواد الأعظم من الشعب المصري، طموحه وطريقة تفكيره
وحبه، فهي الأنثى المكتملة، السر الدائم في قلوبنا نحن الرجال، الحب الأول
والأخير الذي نفتقده في الحياة، هذه فاتن حمامة: الجبروت والقوة والطموح في
“إمبراطورية ميم”، و”أفواه وأرانب”، هي تعبر ليس فقط عن المرأة المصرية،
ولكن عن المرأة العربية أيضا.
كاتب
محمد صالح البحر: حمامة الروح البيضاء
نادرون جدا هؤلاء المبدعون القادرون على زرع أرواحهم في الزمن، فالأمر لا
يحتاج إلى الموهبة فقط، ولا حتى الموهبة الفذة، بل يحتاج إلى حياة كاملة،
وأيضا شريطة أن تكون متسقة مع روح المبدع وليست صنيعة إعلامية، وكأن الله
قد خلقه مبدعا خالصا، فالناس في الزمن يقدرون دوما على كشف الحقيقة،
واستخلاص الصدق، إنها حالة تشبه إلى حد كبير حالة الصوم في كونه علاقة خاصة
بين الإنسان والله، لا يفيد فيها أن تخرج للناس بوجه أصفر، أو شفتين
جافتين، ولا تتوقف عند حدود الطعام والشراب، وفاتن حمامة إحدى هذه البصمات
النادرة في حياتنا وتاريخنا الفني، ليس فقط لكونها ممثلة فذة، ولا لأن
وجهها ملائكي جدا، وبريء جدا، قادر في ذات الوقت على تجسيد كل التعبيرات
المتباينة، ولا لأنها كانت تعرف كيف تختار أدوارها بعناية فائقة، وذائقة
فنية غاية في الذكاء والوعي في فهم كل مرحلة عمرية وفنية تأتي، بحيث سيصعب
عليك تماما أن تشير إلى فيلم سيّئ لها، أو حتى متوسط القيمة، بل لأن فاتن
حمامة استطاعت بحرفية وصدق أن تجسد حالة الصوم كاملة بينها وبين الفن،
فجاءت حياتها مثالا ونموذجا لما يجب أن يكون عليه المبدع، والإبداع لا ينكر
أبناءه المخلصين أبدا، بل يهبهم من محبة الناس ما يبقيهم في الزمن، حيث
الخلود غاية المبدع السامي”.
سيدتي الجميلة، فاتنتي الأبدية، حمامة الروح البيضاء التي نزلت بالسلام
وبالمحبة، ارقدي فوق قلوب محبيكِ بسلام آمن، فالصحراء التي تركتها من خلفك
ستظل تردد نداءك العذب ‘إنتي فين يا هنادي’ بأبدية خالصة، ستتباهى به دوما
في وجه الكروان كلما حنّ إلى حديقته الصباحية، وستذكرنا به دوما كأيقونة
للبحث عن ذواتنا المفقودة، أما قلوبنا المكلومة فلن تكلّ من الدعاء لك.
روائي
محمود قاسم: موحدة القلوب
عندما رحلت المطربة صباح قبل شهرين قامت الإذاعات المصرية بملء يوم الوفاة
بأغنياتها فاستعدنا أجمل أزمان المصريين، صباح دفنت وسط بهجة.
واليوم فاتن ترحل وسط محبة والناس كلهم اتفقوا على فاتن حمامة في هذه
الرحلة الإنسانية والفنية الطويلة، وامتلأت الأجواء من حولنا بالحب الذي
أشعته فاتن علينا بنفس المشاعر التي نكنها لها، لقد توحدت قلوب المصريين
بقوة عند رحيل نجومها ونجماتها الكبار الذين ملأوا حياتنا بهجة، وشعر الناس
أن كل هذه الأسماء ذات قيمة طيبة سوف تبقى مع كل الأجيال.
هكذا يوحد الفن بيننا بينما تفرقنا السياسة، لكن هل يمكن أن يأتي لنا الزمن
بمثل فاتن حمامة؟ لا أعتقد، رحمك الله بالقدر نفسه الذي تسربت الشخصيات
التي جسدتها إلى دواخلنا، فصرنا منك مثلما أنت منا سيدة مصرية حقيقية.
ناقد سينمائي
منصورة عزالدين: الممثلة الأولى
فاتن حمامة كانت أول ممثلة عرفت اسمها في طفولتي. كنت في الخامسة تقريبا،
وظننت أن الاسم يشير إلى أي بطلة لفيلم مصري. في ذلك الوقت كنت أميز بالكاد
الاختلافات في أشكال ممثلات سينما الأبيض والأسود.
وهكذا أطلقت على شادية “فاتن حمامة الحلوة”، وعلى ماجدة “فاتن حمامة اللي
بتتكلم بشكل غريب”، ونادية لطفي “فاتن حمامة اللي شعرها أصفر”.
أرى أن فاتن حمامة بدأت تتعامل بجدية مع اختياراتها كممثلة بداية من
السبعينات فقط، ومع هذا احترمت دوما موهبتها وحضورها على الشاشة.
روائية
فخر الدين فياض: آخر طيور الحب
زمن بدئنا، كانت كل الأشياء حقيقية في حياتنا؛ في السياسة والاجتماع
والثقافة والفن، كان زمنا جميلا ومجتمعاتنا تسير بخطى حثيثة نحو الأمام،
نفكر ونتعلم ونتقدم، ونعيد التفكير ثانية.
لم تكن الأيديولوجيات والعقائد والعسكرة قد غزت حياتنا حقا، ولم تكن قد
عششت بعد في مفاصل ثقافتنا ويومياتنا المدنية، وكأن العالم خلق طيبا،
متكاملا ومتعاونا لا “خيانة” ولا “تكفير”، في ذاك الزمن أزهرت مدنيتنا شعرا
وقصصا ورواية وغناء وموسيقى وسينما. طالما تساءلت عن السر الذي يجعل نجوم
ذاك الزمن العربي يشبهون نجوم الغرب، هند رستم ومارلين مونرو، نادية لطفي
وإنغريد بيرغمان، فاتن حمامة وريتا هايوورث. كذلك عمر الشريف وكلارك غايبل،
فريد شوقي وأنطوني كوين، رشدي أباظة ومارلون براندو. لم نكن لنتخلف في شيء
عن الحضارة العالمية.
طه حسين، أحمد شوقي، كنفاني، غادة السمان، درويش ونزار قباني. لدينا
برلمانات وانتخابات وأحزاب. أديان ومذاهب وأعراق متنوعة تتناغم على أرضية
من التعاون والقبول والاندماج في فضاء وطني واحد، مجتمعات تنازع نحو العالم
المتحضر.
في ذاك الوسط الفني أتت فاتن حمامة؛ صبية فاتنة، موهوبة، في صوتها دفء
وطيبة ذاك الزمن، تبرق الشاشة الكبيرة مع حضورها، تصفق لها القلوب وتنشدها
الأعين بهذه الإطلالة الساحرة. سميت سيدة الشاشة العربية بحق، اختارت
أعمالها بعناية وحرص عليها جميع من حولها ألا تقدم شيئا يقل سحرا عن
بداياتها المتألقة.
ما يملأ القلب بالغصة أن طيور الفن والأدب والثقافة في ذاك الزمن لم
يتكرروا وكأن مجتمعاتنا كفت عن التوالد الإبداعي، فلا محمود درويش ولا نزار
قباني بعد غيابهما، ولا طه حسين ولا الحكيم، ولا أم كلثوم ولا عبد الحليم،
ولا فريد الأطرش.
ورحلت فاتن حمامة أيضا، وظل مكانها في دفاتر الفن وبين طيات القلوب شاغرا،
فاتن حمامة آخر طيور الحب والإبداع التي نودعها ونحن ندرك جيدا أن لا سبيل
لتعويضها ولا سبيل لإيجاد تحفة فنية تداعب مخيلتنا بشتى المشاعر والأحلام.
كاتب
زين عبدالهادي: أسطورة مصرية خالصة
أحب فاتن حمامة منذ أن رأيتها للمرة الأولى في فيلم عام 1962، كانت فاتن
حمامة أسطورة مصرية خالصة، أحبها الجميع في الشرق والغرب، كنت طفلا صغيرا
لكنها كانت رمزا لي. رمزا للحب والسلام.
فاتن حمامة إشراقة دور السينما قبل ظهور التلفزيون، الطفلة الفلاحة
الغلباوية مع الموسيقار محمد عبدالوهاب في فيلم “يوم سعيد”. المرأة التي
تتفجر حبا في “الخيط الرفيع” مع محمود ياسين. المناضلة في فيلم “بورسعيد”
مع رشدي أباظة. الفتاة البريئة العاشقة مع أحمد مظهر في “دعاء الكروان”.
“سيدة القصر” التي لا تتنازل عن حبها مع يحيى شاهين. والمحامية في
“الأستاذة فاطمة” مع الراحل كمال الشناوي كرمز للمرأة الجديدة في مصر.
الزوجة التي أكلت كوز البطاطا في “الحرام” مع شكري سرحان عن قصة ليوسف
إدريس غاية في الفتنة. اليتيمة في “اليتيمتين” مع فاخر فاخر. وكثير هي
أدوار العاشقة التي تضحي بروحها وحياتها مثل “بين الأطلال” مع عماد حمدي،
و”نهر الحب” مع عمر الشريف. وأم الأولاد المكافحة في “أفواه وأرانب” مع
الراحل فريد شوقي. والحائرة بين أبنائها في “إمبراطورية ميم” أو المدافعة
عن حقها في الحرية في “أريد حلا”، والفيلمان مع الراحل رشدي أباظة. أفلامها
العديدة مع الرائع عماد حمدي والموسيقار فريد الأطرش والموسيقار محمد فوزي.
قصة زواجها بعمر الشريف التي أقامت الدنيا وقتها. ظلت في قلب كل أجيال
المصريين والعالم العربي.
شاعر
تويتر ينعى سيدة الشاشة العربية:
اختفى وجه القمر
المطربة اللبنانية ماجدة الرومي تعرب عن حزنها لوفاة أيقونة السينما
المصرية فاتن حمامة وترثي الفقيدة شعرا.
العرب/ القاهرة – خيم الحزن على مواقع الشبكات الاجتماعية العربية وتحولت
فاتن حمامة في غضون ساعات إلى "سيدة تويتر العربي" وحصدت الهاشتاغات
المتعلقة بوفاتها مئات الآلاف من التغريدات.
كتبت ماجدة الرومي على تويتر “ضحكتها كالفرح المنصوب شراعا فوق الخلجان،
سمراء النيل فاتن حمامة… وداعا”.
وكتبت الفنانة اللبنانية أيضا على حسابها على فيسبوك نـاعيـة الراحلة فاتن
حمامة “رحلت فاتن حمـامـة.. رحلت سيدة القلوب والشاشة العـربية.. رحلت
فاتنـة كل دار.. ووجه القمر وتـوأم الإبداع ووردة الخلود.. رحلت فاتنتنا
جميعا.. فيـا مصـر الغالية مـاذا أقول لك الليلـة؟ تعـازينا وأكتفـي”.
وتابعت “يا أيها الشرق الحزين كيف أعزيك وكيف أعيد لكَ بسمة زمنكَ الجميل
يا من لك في كل يوم دمعة تزاد على دموعِكَ؟ يا سيدتي لو فقط تعلمين كم
أحببتك.. وكم سأحبك دوما؟ كنتِ مذ كنتِ وكنت وستبقين إلى الأبد مثلي الأعلى
وحبيبة قلبي والفاتنة والسيّدة المجلّلة بالعَظَمة والبساطة والوقار..
الرافعة علم مصر الحبيبة بسموّ وأي سموّ.. يا الغالية جدا.. سيدتي”.
واختتمت “حتى نلتقي على دروب السماء تفضلي بقبول فائق تقديري واحترامي
لمصرك العظيمة وفنّك الخالد.. مع بالغ التأثر.. ماجدة الرومي- بيروت- في
17-1-2015”.
قال مغردون تناقلوا نعي الرومي لحمامة إنها “اختزلت كل ما قيل وكل ما
سيقال”.
وتحولت فاتن حمامة في غضون ساعات إلى “سيدة تويتر العربي” وحصدت الهاشتاغات
المتعلقة بوفاتها مئات الآلاف من التغريدات.
وبادر نجوم الفن على مستوى العالم العربي بنعي حمامة على مواقع التواصل
الاجتماعي منهم عمرو ذياب وكاظم الساهر وهاني شاكر وغيرهم كثيرون.
ونشرت الصفحة الرسمية للفنان عادل إمام صورة من لقائه مع فاتن حمامة خلال
اللقاء الذي أجراه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي للفنانين والمثقفين في
مايو 2014، والذي كان آخر ظهور عام لفاتن حمامة.
وقال الفنان المصري نبيل الحلفاوي “المبدعون بحجم فاتن حمامة يرحلون عن
أسرهم وأصدقائهم، لا يرحلون عن محبيهم وجماهيرهم على مر الأجيال، متسائلا
هل رحل أحمد زكي أو الريحاني أو محفوظ أو درويش؟”. الفنانة شريهان، كتبت
عبر تويتر”: تنعاك من عايشتك جارة وأما وحبيبة وصديقة لأمي وأخي.. تنعاك
بنايتنا التي ولدت وكبرت فيها على يد كبار المبدعين، وأنا أيضا لا أدري..
وسبحان ربي، حتى أن أولى أعظم جوائزي كانت في فيلم الطوق والإسورة”.
وأضافت شريهان “كنت أنتِ من تأخذي بيدي في مهرجان نانت باريس وكنت تصفقين
لي وتبكين، بنيتِ في شريهان الطفلة والإنسانة والفنانة قواعد ومبادئ، دون
أن تدري شريهان أن قدرها جعلها تعيش مع سيدة الشاشة العربية، كنت وستظلين
علما مصريا رائعا مبدعا كنت قيمة وشرفا وكبرياء ووقارا للفن والإبداع”.
ونعاها راغب علامة قائلا “إنه فعلا خبر محزن جدا (..) فنانة أعشقها منذ
صغري”.وكتبت نانسي عجرم “مشوار حافل بالتواضع والاحترام والعطاء”. ووصفها
الفنان سامو زين “جميلة الجميلات”.
وقال عنها الفنان أسر ياسين “رائدة زمن الفن الجميل”. ووصفت الفنانة سيمون
يوم وفاتها بـ“يوم مر”.
وقالت الفنانة التونسية هند صبري، إن الفنانين دائما يطمحون إلى إسعاد
الجمهور، والترفيه عنه، والفنانة الراحلة فاتن حمامة وصلت إلى قمة حب الناس
وإسعادهم. وأضافت، في تغريدة لها على تويتر “فاتن حمامة فتحت طريقا يمتد
إلى جيلي والأجيال القادمة، وأجبرت الملايين على احترامها، وأثبتت أن الفن
مهنة، مثل أي مهنة أخرى”.
ووجهت هند رسالة إلى روح الفنانة فاتن حمامة “ورغم معاناتنا التي تستمر إلى
اليوم، سنظل أبدا ممتنين لك، شكرا يا سيدتي”.
كما نعاها إعلاميون مصريون وعرب فوصفوها بـ”نجمة جيل الكبار وإحدى أهرامات
السينما العربية”.
وقالوا عنها إنها “من الفئة النادرة التي تبقى روحا وفكرا وإرثا لنا ولمن
يأتي بعدنا”.وذكروا أنها “نهر الحب.. سندعو لك دعاء الكروان يا وجه القمر،
بأي عين ننام يا فاتن حمامة”. من جانب آخر، وعلى نطاق واسع تداول مغردون
صورا قديمة لفاتن.
وانتشرت لها فيديوهات خاصة فيديو بالأبيض والأسود سجلته لصالح التلفزيون
الفرنسي (1964) أبرز تمكنها من اللغة الفرنسية. وبدت فاتن تتحدث بـ”لباقة
ومهارة واحترام وذكاء وحضور ومهارة”، وفق مغردين مؤكدين أنها رمز وقدوة.
خبر وفاة فاتن حمامة استقطب مئات الآلاف مــن التغريدات وحــولها إلى "سيدة
تويتر العربي"
ودشن النشطاء على موقع تويتر هاشتاغات مختلفة. ونقل مغردون كلماتها
وأقوالها من بينها “حجاب المرأة عقلها.. وعندما يهترئ ذلك الحجاب يهترئ معه
شرفها حتى ولو تبرقعت بالحديد”، مؤكدين أنها “أفضل فنانة في تاريخ السينما
المصرية.. معظم بل كل أفلامها قصص روائية مليئة بالدراما والعبر..” وصنفت
كـ”أفضل ممثلة عند الكثيرين”. وغرد ناشط “فاتن حمامة الله يرحمها، لم تكن
ممثلة، بل هي معلمة وأستاذة من طراز فريد، أنت سابقة لزماننا، لو كنت في
هذا الزمان لاختفى كل الإسفاف الموجود في السينما”.
وقالوا “رحلت الرقة ورحل الرقي..” غير أن بعضهم قال “الأساطير لا تموت” فقد
“تركت لنا إرثا عظيما”. وأثنى مغردون على “عبقرية” فاتن حمامة التي أوصت
بعدم إقامة سرادق عزاء لها.
من جانب آخر، أثارت تعليقات “حاقدة” على الفنانة وتاريخها استياء المغردين،
غير أنهم قالوا إنها لا تستحق الرد أصلا.
وهاجم الفنان خالد الصاوي، من انتقدوا الفنانة الراحلة. وقال في تغريدة له
عبر تويتر “ما قدمته السيدة فاتن حمامة لفن التمثيل العربي وللمرأة العربية
يجعلها أحد أهرامنا البشرية”. وتابع “لكنها تموت فنجد حثالة فاشلين
يسبونها، فلنوقفهم بأيدينا”. |