"نور"..
حدوتة مصرية
كتب
: محمود
الكردوسى
ذات يوم أدرت حواراً موسعاً مع نور الشريف لمجلة
«الفن السابع» السينمائية المتخصصة، التى كنت رئيساً لتحريرها، حول
صناعة السينما فى مصر. كان «نور» قد انتهى لتوه من فيلم
«العاشقان»، تجربته الأولى والوحيدة فى الإخراج السينمائى. بعد
الندوة قال لى مودعاً ومجاملاً: «أسمعنى صوتك».. قلت: «كيف وأنت
تغادر بيتك فى الثامنة صباحاً وليس لديك هاتف محمول؟».. فابتسم ولم
يعلق، ولم أستطع وقتها أن أسأله لماذا لا يحمل هاتفاً محمولاً وقد
أصبح المحمول فى أيدى كلاب السكك! (أحد المقربين من نور قال لى إنه
كان يقتنى محمولاً وتخلى عنه لأنه يجرح خصوصيته، ولأن بوسى -على
نجوميتها وهذا الجمال الذى يخطف القلب- كانت تغار على زوجها من
«بعض» معجباته).
كانت حالة «نور - بوسى» الأكثر تعبيراً عن توافق
استثنائى بين «ثقافة» الزوج الرفيعة و«جمال» الزوجة المبهر. زوج
مثقف وزوجة فاتنة، وكلاهما نجم. ليس سوبر ستار لأن حسبة نور وبوسى
من البداية لم تضع الحب فى مواجهة مع غول النجومية. كن نجماً كما
تريد.. لكن تذكر دائماً أن لقلبك وبيتك عليك حقاً. وقد عاش زواجهما
أكثر من ربع قرن دون أن يعكر صفوه شائبة من شوائب الوسط الفنى، وهى
كثيرة ومؤثرة، وبدا هذا الزواج تقليدياً، أشبه بزيجات أبناء الطبقة
المتوسطة فى ستيناتها: زواج مغلق على دفء ومودة وابنتين، لكنه
حتماً لا يخلو من قلاقل واشتباكات صغيرة. وبعد أكثر من ربع قرن
انفصل الزوجان وبقى الود موصولاً، لأنه كان وداً حقيقياً.
أسس «نور» شركة للإنتاج السينمائى باسم «إن بى
فيلم»، وهما الحرفان الأولان من اسميهما. لا أعرف كم فيلماً
أنتجتها هذه الشركة، لكننى أتذكر «حبيبى دائماً»، وكان الاثنان
بطليه: إبراهيم وفريدة. كانا حبيبين حقيقيين تماماً لولا أنْ غيّب
الموت «فريدة» فى نهاية الفيلم (الموت هو المتغير الوحيد الذى يضمن
للحب دواماً أقرب إلى الخلود)، وأظن أن كلاً منهما قال فى الفيلم
ما لم يستطع أن يقوله للآخر فى الواقع.. أقول «أظن»؛ لأنهما فى
«العاشقان» استعادا رجفة قلبَى «إبراهيم وفريدة» من دون أن ينسيا
أنهما فى منتصف العمر. وبين «حبيبى دائماً» و«العاشقان» كبر نور
الشريف. استوى على مهل. أنضجه التراكم والاجتهاد والقراءات الواعية.
روى لى سيد سعيد، وهو أحد أكثر نقاد السينما فى مصر
ثقافةً، أنه كان مسافراً مع «نور» على طائرة واحدة إلى المغرب
لحضور مهرجان تطوان، وحتى ذلك الوقت كان يعتقد أن ما يقال حول
ثقافة نور الشريف لا يعدو أن يكون جزءاً من وجاهته كنجم، فإذا به
أمام مثقف موسوعى يتحدث فى فلسفة التصوف بوعى لا يقل عن وعيه
بمهنته كممثل. وثمة ميزة أساسية فى «نور» على الرغم من شهادة
المقربين منه: يتحدث كممثل، أى كصاحب مهنة، لكنه يفكر كمثقف، أى
كصاحب موقف، وفى الحالين يظل بسيطاً، دافئاً وموضوعياً. إنها
إطلالة «محمد جابر»، ابن حى السيدة زينب ومسارح القطاع العام
وثلاثية نجيب محفوظ وواقعية عاطف الطيب ومحمد خان وبشير الديك.
ابتسامة نور الشريف جاذبة، لا خبثَ فيها ولا التواء، لكنها لا تخلو
من ترفّع. وثمة رصانة فى الصوت على تعدد طبقاته (من الهمس إلى
الصراخ)، وانحناءة خفيفة قرب الكتفين كأن صاحبهما يحمل «صخرة سيزيف».
ما الذى كان ينقص نور ليكون «ابن رشد»؟.. لحية
صغيرة وعمامة ومسافة بين الممثل والشخصية لكى لا تركبه ولا يكتم
أنفاسها. ما الذى كان ينقصه ليكون «ناجى العلى»؟.. هيئة بائسة
وغبار على الوجه ويدان معقودتان خلف الظهر، ثم خناقة صحفية مفتعلة
يراق فيها دم الممثل والشخصية. لا أظن أن أحداً سينسى صرخة نور
الشريف فى نهاية «سواق الأوتوبيس» وهو ينهال ضرباً على وجه نشال
صغير: «يا ولاد الكلب». الغل كان حقيقياً، ونبرة الصوت كانت
متحيزة، لأنها آتية من براءة عصر الأحلام الكبيرة: قوية.. يخدشها
شجن وبكاء مكتوم.
####
صانع النجوم فى كل المجالات.. والأب الروحى لـ3
أجيال
كتب
: سحر
عزازى وإيمان بسطاوى
سمير سيف: قدّمنى فى «دائرة الانتقام» ورفض طلب
الموزّع استبدالى بمخرج كبير.. وداود عبدالسيد: ثقافته ميّزته عن
أبناء جيله.. ووقف دائماً فى الجبهة المضادة للفساد
يرى كثير من أرباب العملية الفنية، أن نور الشريف
كان بمثابة صانع النجوم، ليس فى مجال التمثيل فقط، مع ما دفع به من
وجوه جديدة غزت الساحة الفنية، ولكن اعتماده أيضاً على كتّاب
ومخرجين شبان، ليرى من يستعرض سيرته الذاتية أنه صاحب الفضل فى
الضربة الأولى، لكثير من مخرجى السينما المصرية، سواء بتقديمهم فى
أعمال من إنتاجه الخاص مثل سمير سيف، ومحمد خان ومحمد النجار، أو
بمساندة انطلاقة عاطف الطيب، وداود عبدالسيد، حتى فى الدراما
التليفزيونية قدّم مدير التصوير حسنى صالح، الذى تحوّل إلى مخرج
متميز فى «الرحايا»، كما قدم معه «خلف الله»، وفى التأليف قدم
عدداً كبيراً من المواهب مثل عبدالرحيم كمال ووليد يوسف.. وغيرهما،
وعلى صعيد التمثيل احتضن نور الشريف كلاً من سوسن بدر وإلهام
شاهين، كما ساند الجيل الحالى الذى حصل على شهادة ميلاده بالوقوف
أمام نور الشريف، بداية من أحمد رزق، وأحمد زاهر، وحلا شيحة، فى
«الرجل الآخر»، وانتهاءً بجيل «الدالى»، عمرو يوسف، وأحمد صفوت،
وحسن الرداد، وآيتن عامر، ودينا فؤاد، وبينهما مصطفى شعبان، وسمية
الخشاب ومونيا، وغيرهم كثير من الأسماء التى نضحت بالموهبة، فلم
يكن نور الشريف صانعاً للنجوم الزائفة، لكنه كان صائداً للمواهب،
وصاحب مقدرة حقيقية على توظيفها فيما يناسبها ويظهر ما تحمله من
طاقات.
وقال المخرج سمير سيف: «بدأنا مشوارنا معاً وقدّمنى
من خلال إنتاج فيلم (دائرة الانتقام)، وبعدها أخرجت له 10 أفلام،
من ضمن 25 فيلماً قدمتها طوال تاريخى، وكثير منها يعتبر من الأعمال
المهمة أهمها (دائرة الانتقام)، و(غريب فى بيتى)، و(آخر الرجال
المحترمين)، و(المطارد)، و(عصر الذئاب)، ونور الشريف جزء منى، وكان
كثيراً ما يقول لى (انت ابنى البكرى)، رغم التقارب بين أعمارنا،
على اعتبار أن أول بداية لى كانت معه، كما أنه أنتج لى 3 أفلام،
ووجوده فى حياتى أمر أساسى، لأننى ارتبطت به منذ كنا طلبة فى مرحلة
الدراسة».
وأضاف «سيف»: «هناك نوع من التآلف الروحى، والتوافق
الفكرى والفنى جمعنى بنور الشريف، وكان يعرف قدراتى جيداً، وقدّمت
معه الأكشن والدراما النفسية والاجتماعية، وفى ذاكرتى موقف لن
أنساه له أبداً، كان فى فيلم (دائرة الانتقام)، وفى بدايات أى عمل
كان المنتج يحصل على مبلغ من الموزع لمساعدته فى الإنتاج، لكن
الموزع قرر أن يمنحه المبلغ المطلوب، وزيادة 5 آلاف جنيه، وهو ما
يعادل فى ذلك الوقت 20% من تكلفة العمل ككل، فقط فى مقابل أن
يستعين بمخرج كبير له اسم، لكن نور الشريف رفض العرض وتمسّك بى،
وحقق الفيلم وقتها نجاحاً كبيراً، وبقى فى دور العرض لـ25 أسبوعاً،
فكان رحمه الله إنساناً مثقفاً منح أول فرصة لمحمد خان فى (ضربة
شمس)، ومحمد النجار فى (حاكم طهران)، ودعم بقوة عاطف الطيب، لأنه
كان يضع ثقله وراء المواهب الشابة التى يؤمن بها، ويرى أنها ستضيف
لصناعة السينما».
وقال المخرج داود عبدالسيد: «نور الشريف ممثل كبير،
مستوعب لتكنيك السينما، بكل روافدها من الإخراج والتصوير والكتابة،
ودائماً ما يحب تقديم المساعدة على قدر الإمكان، لإنجاز كل شىء فى
كل عمل يشارك به، وهو ما يدفعه دائماً لإنتاج أعمال متميزة، فعقلية
نور الشريف وطريقة تفكيره منفتحة، وثقافته ميّزته عن كثير من أبناء
جيله، فكان يجلس بين كل مشهد والآخر، يحمل كتاباً ويقرأ، ليكون
ثقافة كبيرة، وكانت لديه رغبة فى تقديم عمل فنى جيد، فكلنا نعمل فى
سينما تجارية، لكننا نحاول تقديم عمل فنى مختلف».
وأضاف «داود»: «نور الشريف من أكثر الشخصيات التى
عبّرت عن مراحل مختلفة، بداية من أواخر الستينات، ومروراً بأوائل
السبعينات، وانتهاءً بفترة الثمانينات، التى نصبته كنجم كبير يدعم
أى تجربة جديدة، لأنه كان ذكياً ومدركاً لوظيفة المخرج وأهمية
دوره، وكان دائماً يقف فى الجبهة المضادة للفساد، وينحاز إلى
اتجاهات سياسية مختلفة، ويساند الطبقات الأقل حظاً». وقالت: «هو
فنان اتسم بالالتزام وحب الناس واحترام الفن والثقافة، كان يشع
فناً على كل من حوله، وتميز بمساعدة الأجيال التى تأتى من بعده،
وتأهيل جيل قادر على استكمال المسيرة الفنية، وفى كل لحظات عمره لم
يكن يحب أن يكون بمفرده، لكنه كان يرعى ويساند أجيالاً يعطيها من
طاقته وشخصيته، وذلك جزء من عطائه، لأن الممثل الأنانى الذى لا يرى
أحداً يكون فناناً ناقصاً، ونور الشريف كان يستثمر عطاءه فى البشر،
من خلال اكتشاف أجيال صغيرة. وقال مروان حامد: «فقدت السينما
المصرية والعربية أفضل الرجال فى تاريخها، لأن العظيم نور وتشرفت
بالعمل معه فى أول فيلم أخرجته (عمارة يعقوبيان)، وكان يساندنى حتى
فى فيلمى الأخير (الفيل الأزرق)، ولم يتركنى لحظة واحدة، وكان
يتابعنى لحظة بلحظة فى خطواتى».
وأضاف: «أعماله القيمة استطاعت أن تجعله يتربع فى
قلوب جمهوره، كما أنه فنان مثقف من الدرجة الأولى، ورجل وطنى عظيم،
وله العديد من المواقف الوطنية.
وقالت المخرجة رباب حسين: «فقدت رفيق العمر بعد
زمالة استمرت 4 سنوات أيام معهد الفنون المسرحية، كما استكملت معه
قصة نجاحه، بالعمل معه فى أكثر من عمل تليفزيونى، مثل «حضرة المتهم
أبى»، و«عمر بن عبدالعزيز»، و«هارون الرشيد»، و«لن أعيش فى جلباب
أبى»، فتحولت علاقتنا إلى صداقة قوية، فهو إنسان بمعنى الكلمة، كما
أنه مثقف للغاية ويحب عمله.
وقال أحمد زاهر: «نور الشريف صاحب الفضل الأول فى
اكتشافى، وقدّمنى فى عالم الفن بأول بطولة درامية فى مسلسل (الرجل
الآخر)، وتعلقت به كثيراً، فهو أبى الروحى، وجمعتنى به مواقف
إنسانية كثيرة، وهو معروف بحبه الشديد للناس، وتعلمت منه الإخلاص
فى العمل والتفانى، وتقديم المساعدة لكل المحتاجين، وفقدانه الآن
خسارة للبشرية». وتابع: «كنت أجلس معه قبل بدء التصوير بساعتين،
وعندما أستشيره فى شىء يمزح معى ويقول (أنت غول تمثيل)، وكنت أقضى
معه أجمل الأوقات. وقال المخرج حسنى صالح: كانت تجمعنا صداقة قوية
لأكثر من 20 عاماً، وهو معروف بمساعدته من حوله من الناس، وأنه لا
يتأخر فى تقديم المعروف لأى شخص يطلبه منه، كما أننى لا أنسى أنه
قدمنى لأول مرة كمخرج، وساعدنى فى دخول هذا المجال، وهذا دين فى
رقبتى، كما أننى عملت معه فى مسلسلى (الرحايا)، و(خلف الله)،
وكلاهما من أهم الأعمال فى حياتى، لكن ما كسبته ليس العملين، وإنما
صداقة أخ وفنان مهذب ومحترم».
####
"الدبلوماسية"
كلمة السر فى التعامل مع رؤساء مصر
كتب
: أحمد
العميد
هاجم عبدالناصر فى «الكرنك» وقال «أنا ناصرى»..
وانتقد فساد مبارك فى «الحقونا» وباركه فى «سنوات التحدى»
دبلوماسياً فى تناوله للأعمال الفنية التى كانت انعكاساً لما يجرى
داخل المجتمع المصرى، راح الفنان الراحل نور الشريف يؤرخ لما جرى
فى مصر مع كل رئيس يتولى الحكم بدءاً من انتقاده للتعذيب والتنكيل
داخل السجون فى فترة حكم عبدالناصر كما فى «الكرنك» إلى استنكاره
لما أصاب المجتمع من كوارث اقتصادية واجتماعية من سياسة الانفتاح
غير المدروسة فى عهد أنور السادات كما فى «أهل القمة» حتى الفساد
الذى استشرى فى المجتمع بكل أركانه فى عهد المخلوع محمد حسنى مبارك
فى فيلمه «الحقونا».
«كنت
فى شبابى ناصرياً وحتى الآن أرى أن عبدالناصر لو عاش لكان خاض حرب
أكتوبر، وفعل ما فعله الرئيس السادات، لأنه لم يعد فى هذا الوقت
توازن فى قوى العالم، ولأننا لسنا دولة غنية كى تستمر فى موقف
المحاصر، وعبدالناصر لم يكن يعلم ما يدور فى المعتقلات وإلا ما بت
ناصرياً».. هكذا تحدث «الشريف» فى أحد لقاءاته الصحفية عن رأيه فى
الرئيس جمال عبدالناصر فى الوقت الذى كان ينتقد فيه ما يدور فى
السجون من تنكيل فى فيلم «الكرنك» عام 1975.
على أن علاقته برجل الأعمال عثمان أحمد عثمان أتاحت
له أن يتدخل الأخير لإزالة سوء التفاهم بين نور الشريف والرئيس
الراحل أنور السادات بسبب مسرحية «بكالوريوس فى حكم الشعب»، إلا أن
ذلك لم يُثنِه عن انتقاده لسياسة التغيير التى انتهجها السادات من
انفتاح غير مدروس تسبب فى كوارث اقتصادية واجتماعية لأنه كان بداية
اختلال الطبقة الوسطى التى هى عقل المجتمع المصرى، ليقدم فيلمه
«أهل القمة» عام 1981 ليناقش الانفتاح الاقتصادى الذى تم فى فترة
السبعينات وتأثيره على المجتمع المصرى من خلال ثراء أحد النشالين
الذى تقمص دوره فى تهريب البضائع من الجمارك فى الميناء، حيث أشار
إلى أنه انتقد سياسة الانفتاح فى فيلميه «أهل القمة» و«زمن حاتم
زهران»؛ مما دفع أحد المسئولين إلى رفض عرض فيلم «أهل القمة»،
ولكنه اتصل بالسادات وطلب منه أن يعرض عليه الفيلم، وبالفعل شاهد
الفيلم وصرح بعرضه، بعد أن طلب منه أن يحذف لقطة واحدة لرشوة توضع
فى جيب ضابط.
وفى مرحلة أخرى من انتقاد الفساد الذى نخر فى
المجتمع ومؤسسات الدولة، يقدم فيلم «الحقونا» ليعكس عبره ما وصل
إليه المواطن المصرى البسيط من قهر وظلم لم يصل إلى سلب قوته فقط
بل إلى سلب أعضائه أيضاً، حيث لعب «الشريف» شخصية سائق يتعرض
لعملية نصب عندما يقوم أحد الأطباء بعمل جراحة له، وبعد أن يفيق
يكتشف ضياع كليته وزرعها فى جسد أحد الأثرياء «عادل أدهم» ويفشل فى
استعادة حقه بالطرق القانونية، لكنه يعود ليقدم مسلسله الإذاعى
«سنوات التحدى» يجسد فيه شخصية مبارك وهى المسلسل الأكثر حساسية فى
تاريخ الفن المصرى، حيث يتناول الحياة العملية والإنسانية لمبارك
ويتطرق إلى حياة أفراد أسرته أيضاً.
كما تدخل «مبارك» فى أقوى المحن التى تعرض لها نور
الشريف التى أعقبت فيلمه «ناجى العلى» وبعد الهجوم الشرس عليه من
الصحف على مدار ستة أشهر تبعت عرض الفيلم وهو ما دفعه للتفكير فى
الهجرة إلى أوروبا، حتى إنه صدر قرار بمنع تداول أفلامه فى دول
الخليج ووضع على قائمة الممنوعين التى كان على رأسها الكاتب الصحفى
محمد حسنين هيكل، واستمرت أزمته حتى كلفه «مبارك» بتقديم مسلسل
«الثعلب» حيث كان من إنتاج التليفزيون المصرى، ويتناول إحدى عمليات
الفريق رفعت جبريل حينما كان يعمل ضابطاً فى المخابرات العامة
المصرية، وهو ما أوحى للجميع بأن الدولة لا تقف ضد نور الشريف.
####
نجيب ونور.. الولى والدرويش
كتب
: محمد
أبوضيف
«قصر
الشوق» و«السراب» و«الشيطان يعظ» و«السيرة العاشورية».. أبرز ما
قدم «الشريف» من أعمال «محفوظ»
«أنا
من مريدى نجيب محفوظ».. هكذا نصَّب نور الشريف «محفوظ» ولياً، ووضع
نفسه أمامه فى مقام واحد من دراويشه، لم يكن الأمر مجرد تسعة أعمال
روائية، كان فيها «الشريف» ممثلاً لقلم المبدع الكبير، ولكن جمعهما
الكثير من الأمور، منذ تجسيد شخصية «كمال عبدالجواد» فى «قصر
الشوق»، والتى قال محفوظ إنها تمثله فى فترة شبابه، ونهاية بشهر
أغسطس الذى جمع رحيل الثنائى.
كانت بداية التلاقى حين رشحه المخرج حسن الإمام
للقيام بدور كمال عبدالجواد، وحينها كان يتمنى «نجيب»، كما أورد فى
أحاديث له عن نور الشريف، أن يقوم بتجسيد تلك الشخصية كما وضعها هو
بقلمه دون أن يغير فيها، وكانت المفاجأة لـ«نجيب» أن جسدها «نور»
أفضل تجسيد ممكن، وبرع الشاب والوجه الجديد فى التمكن من الشخصية
على الشاشة.
لم يتوقف التواصل مع نجيب محفوظ عند «قصر الشوق»،
ولكن امتد مع ذلك الشاب ضعيف الشخصية، الذى أفسدته والدته بتدليلها
حتى انتهى به الحال إلى الفشل فى تكوين أسرة، فى رواية «السراب»
التى قدمها المخرج أنور الشناوى عام 1970، ليصفه الناقد الكبير
كمال رمزى فى دراسة لأدب نجيب محفوظ: «نور الشريف من أكثر الممثلين
الذين جسدوا المهزومين والخاسرين فى أدب نجيب محفوظ».
يمتد الوصال، وتعود الثلاثية لتصل حبل الود بين
الثنائى من جديد، يكبر ويشيخ قبل الأوان، ويعود مرة أخرى كمال
عبدالجواد، ولكن فى «السكرية»، بشعره الأشيب، وعينيه الزائغتين بعد
عشر سنوات من تجسيده للشخصية نفسها فى قصر الشوق، ولكن عاد مصقولاً
بخبرات فنان ومبدع أكثر من تلك الموهبة التى برزت فى قصر الشوق.
وفى واحد من أهم الأفلام التى وثقت الحقبة الناصرية
وما شابها من ظلم، كان لقاء آخر للثنائى ولكن بشكل مختلف، أمام
السندريلا سعاد حسنى، ومن إخراج زوجها على بدرخان، فى رائعة نجيب
محفوظ «الكرنك» عام 1975.
ويتكرر تلاقى الثلاثى مرة أخرى، نجيب ونور وعلى
بدرخان، وتزينه سندريلا الشاشة، ولكن فى رائعة أخرى توثق مرحلة
جديدة من تاريخ مصر، فى فيلم «أهل القمة»، الذى شهد اعتراضاً
كبيراً من وزير الداخلية آنذاك النبوى إسماعيل، حتى تدخل السادات
وسمح بعرض الفيلم الذى يهاجم بشدة سياسة الانفتاح الاقتصادى التى
انتهجها السادات خلال فترة حكمه.
وفى العام نفسه يتجدد اللقاء ولكن مع شخصية «شطا»
الحالم بأن يصبح فتوة فى «الشيطان يعظ» أمام الكبير فريد شوقى،
الذى يطلب منه أن يراقب وداد، ليتأكد من أخلاقها فيقع فى حبها
ويتزوجها ويهرب معها.
لم يتوقف العطاء الذى يقدمه الثنائى للدراما
المصرية، حيث قدما ملحمة الحرافيش، فى فيلم حمل اسم «المطاردة»،
وبعدها بثلاثة أعوام يعودان ليقدما عملاً آخر ولكنه لم يحظَ بشهرة
واسعة، للملحمة نفسها، ولكن حمل اسم «أصدقاء الشيطان»، وبعدها بعام
واحد يجسد الشريف رواية «قلب الليل»، وينهى نور الشريف كل ذلك
بتجسيد السيرة العاشورية للتليفزيون عام 2002.
وجد «الشريف» فى «محفوظ» أنه أكثر من يستطيع رسم
الشخصيات، كما وجد «محفوظ» فى نور الشريف أكثر من يستطيع تجسيد ما
رسمه، لدرجة تصل إلى أنه يتماهى مع تلك الشخصية التى رسمها محفوظ،
وتختفى شخصيته الحقيقية، تحدث عنه فى حوار نشر بمجلة «آخر ساعة» فى
ديسمبر 1980: «إن نور الشريف حينما يمثل لا يكون ذاته وإنما يكون
الشخصية التى رسمتها، والحقيقة أنه مثل لى روايات عديدة ودخل فى
نسيج العديد من رواياتى مثل قصر الشوق والسكرية والسراب والكرنك
وأهل القمة والشيطان يعظ وغيرها لكن إذا بحثنا عن شخصيته الأصلية
فلن نجدها».
####
من "ناجى العلى" إلى "مبارك".. تعددت الصور والأصل
واحد
كتب
: محمد
على زيدان
كان أكثر أبناء جيله من الممثلين عملاً على تجسيد
شخصيات تاريخية، سواء كانت شخصيات معاصرة أو شخصيات إسلامية لها
مكانة بارزة فى التاريخ الإسلامى، عمل الممثل الراحل «نور الشريف»
على الاهتمام بتفاصيل الشخصيات التى كان يجسدها، وبرع فى أداء
العديد من الأدوار التاريخية التى حظيت بنجاح وقبول كبير من
الجمهور، ومنها من تعرض أيضاً للانتقاد وكان أكثرها فيلم «ناجى
العلى».
عام 1992، عمل نور الشريف فى تجسيد شخصية رسام
الكاريكاتير الفلسطينى «ناجى العلى»، والذى تعرض فيه «الشريف»
وقتها لانتقادات حادة، ودخل فى معركة شرسة للدفاع عن فيلمه، حيث
واجه الفيلم هجوماً فى العديد من الدول العربية، كما واجه هجوماً
عنيفاً فى مصر بقوة، وظل الفيلم ممنوعاً حتى تم عرضه فى التليفزيون
عام 2014.
وفى عام 1995 جسد الشريف شخصية خامس الخلفاء
الراشدين الخليفة «عمر بن عبدالعزيز»، وحظى هذا المسلسل التاريخى
على مشاهدة عالية من الجمهور، وبعد،، بعامين جسد «الشريف» عام 1997
شخصية الخليفة «هارون الرشيد» الخليفة العباسى وأظهر مدى ازدهار
الحضارة العباسية فى ذلك العصر، وعمل فى نفس العام على تجسيد شخصية
الفيلسوف الإسلامى «ابن رشد» فى فيلم المصير من إخراج يوسف شاهين،
وكان آخر أعماله الدرامية للشخصيات الإسلامية، هو مسلسل رجل
الأقدار عام 2003، والذى جسد فيه شخصية الصحابى «عمرو بن العاص» فى
مسلسل رجل الأقدار عام 2003. كما عمل «الشريف» على تقديم مسلسل
إذاعى عن قصة حياة «مبارك»، جسد فيه قصة الرئيس السابق وحياته. فى
آخر حوار للفنان الراحل مع قناة «سى إن إن» العربية، قال عندما تم
سؤاله حول أهم الشخصيات التاريخية التى كان يحلم بتجسيدها قال «أنا
كنت بحلم أعمل شخصية الخليفة عمر بن الخطاب، وإن أهم شخصية كنت
بحلم أنى أعملها سيدنا الحسين، فأنا دائماً شاغلنى شخصيات تاريخية».
ويصف الناقد الفنى نادر عدلى، الفنان الراحل نور
الشريف بأنه كان موهبة ضخمة، حيث كان يستطيع أداء كل الشخصيات سواء
التاريخية أو المعاصرة والتى كانت أكثر صعوبة، فنحن لدينا عامة
جفاء فى التاريخ، فقليل ما تجد ممثلاً قادراً على تقديم الشخصية
التاريخية من لحم ودم، ويقدمها بصورة تقنع المشاهد، فكان «الشريف»
يجيد ذلك بعناية، فى كافة تفاصيل الشخصية سواء فى الأداء والملابس
وغيرها من تفاصيل الشخصية، والتى تخرج للمشاهد فى النهاية، كأنه
يرى أمامه الشخصية الحقيقية، وبالفعل برع «الشريف» فى تجسيد ذلك فى
شخصية عمرو بن العزيز وهارون الرشيد.
####
"نور"
و"بوسى".. حب حتى آخر العمر
كتب
: نورهان
نصرالله
تتشابك الأيدى لتصبح كتلة واحدة، تتقارب الوجوه حتى
تتحد الأنفاس وتفصح النظرات عمّا يدور داخلها من حب يرقد مستكيناً
للقدر، وابتسامة يظل سرهما معلقاً بها ويجمع بها كل السحر لتكون فى
النهاية حكاية حب وحياة كاملة تجاوزت 40 عاماً، وظلت محفورة قوية
فى الروح قبل الجسد، فما جمع بين نور الشريف وبوسى كان أقوى من
الموت، كان الحياة بعينها التى تجسدت فى «سارة» و«مى». «الشبه مش
تقاطيع وملامح، إنما تعبير وروح وإحساس وانت ساكن جوه روحى بشوف
الدنيا بعينيك ببتسم بشفايفك بتكلم بطريقتك بمشى بخطواتك»، لم يكن
هذا مجرد حوار جمع بين النجمين فى الفيلم الذى جسد قصة حبهما
«حبيبى دائماً» فقط، بل يعبر عن طبيعة العلاقة التى بدأت منذ أن
كانت بوسى تسمى «صافيناز قدرى» ورآها الفنان الشاب محمد جابر للمرة
الأولى أمام مبنى الإذاعة والتليفزيون أثناء مشاركتها فى برنامج
للأطفال، ليدرك وقتها عثوره على نصفه الأول، ليتجدد اللقاء مرة
أخرى بعد سنوات أثناء مشاركتهما فى مسلسل «القاهرة والناس» فتبدأ
علاقة الحب فى الطفو لتظهر على السطح، فعندما تتلاقى الأرواح تكون
الأجساد مجرد عائق وهمى وتكون خطوة الزواج هى الباب لحياة جديدة،
وهى ما لم تكن بالخطوة السهلة بعد مرور علاقتهما بعدد من الصعاب
كان أهمها رفض عائلة الفنانة الصغيرة تحت أسباب أنها ما زالت صغيرة
أو أنها لم تكمل دراستها، وكانت محاولة انتحار فاشلة قامت بها بوسى
لرفض عريس ثرى أمام إصرار أهلها عليه، هى السبب وراء خطبتها للفنان
الشاب بعدما ظل الحب معلقاً لمدة 4 سنوات، وتحصل على شهادتها
الجامعية وهى متزوجة.
لا تسير الحياة على وتيرة واحدة، فيبدأ الروتين
والتجاهل ينخر تصدعات فى جدران الحياة فبعد ما يقرب من 30 عاماً من
الزواج فى عام 2006 ينتشر عدد من الشائعات حول انفصال أشهر ثنائى
فى السينما المصرية وهو ما تؤكده الفنانة بوسى خلال مشاركتها فى
أحد اللقاءات التليفزيونية «نور لو احتاج أى حاجة هكون أول واحدة
تحت رجليه وأنا متأكدة إنه كمان هيعمل معايا كده». وكما تأتى
الصعاب لتكسر، يرسل الله معها الرحمة لتداوى، عندما أصابته الأزمة
الصحية الأخيرة لم تفترق عنه للحظة وذهبت معه فى رحلة علاجه إلى
لندن وظلت متمسكة بوجودها إلى جانبه، لتصدق جميع التكهنات بعودتهما
مرة أخرى بعد انفصال دام 9 سنوات ليتم الزواج للمرة الثانية فى
فيلا نور الشريف قبل خطوبة ابنته سارة بأسبوع، والتقت أنفاسه
الأخيرة بجانبها ليكون مشهد النهاية فى حياة نور الشريف.
####
"نور"
فى المسرح.. مخرج ومنتج وممثل
كتب
: سحر
عزازى
رغم تحقق نجومية نور الشريف مبكراً، وتصدره لعشرات
البطولات السينمائية والتليفزيونية، إلا أنه لم ينفصل عن المسرح
طوال تاريخه، وكانت له الكثير من المغامرات المسرحية، التى أراد
منها أن يقدم رؤى مغايرة للمطروح على خشبة المسرح المصرى، فلم يسع
لتقديم عروض تجارية، بقدر سعيه لطرح أفكار تحمل رؤى فلسفية لهذا
المجتمع وتفاعلاته مع محيطه العربى. ويقول الناقد د.عمرو دوارة:
«رحلة نور الشريف بدأت مع المسرح، بمجرد تخرجه عام 1967 فى المعهد
العالى للفنون المسرحية، وبدأ العمل فى العام التالى لتخرجه
بالمشاركة فى عرض «روميو وجولييت»، ولكن العرض لم يظهر للنور.
وأضاف «دوارة»: «نور الشريف، كان عضواً فى فرقة
المسرح القومى، وقدم مجموعة عروض متميزة، منها «الأمير الطائر»
1969 على مسرح العرائس، والقومى للأطفال، و«شمشون ودليلة» 1970،
و«ست الملك» 1976، و«لعبة السلطان»، و«يا مسافر وحدك» 1998، و«لن
تسقط القدس»، 2002، و«الأميرة والصعلوك» 2008، على المسرح القومى،
و«كاليجولا» لفرقة أكاديمية الفنون 1992، كما قدم لمسرح التليفزيون
عرض «يا غولة عينك حمرا» فى 2004، وقدم للقطاع الخاص «العيال
الطيبين»، ثم «بكالوريوس فى حكم الشعوب»، و«سهرة من الضحك» 1982،
و«المليم أربعة» فى 1989، و«انت فين يا على» فى 1992. وتابع: يحسب
له أنه شارك فى إنتاج أعمال مسرحية بمشاركة الكاتب على سالم، فى
«سهرة مع الضحك»، وأعطى فرصة لمها عطية فى «بكالوريوس فى حكم
الشعوب»، وعلى الشريف، ويحيى الفخرانى، ومجموعة من الشباب من خريجى
المعهد، من بينهم ممدوح وافى، وأحمد بدير، وتميز أسلوبه فى المسرح
باختيار القضايا الآنية التى تحارب الإرهاب والتطرف والانحياز
للقضايا الوطنية».
####
"اللجنة"
و"الحسين ثائراً".. أحلام لم تكتمل
كتب
: سحر
عزازى
فى حياة نور الشريف، أحلام لم تكتمل على المستوى
الفنى، ويروى المخرج مراد منير، إحدى هذه التجارب مع الراحل نور
الشريف، بعد عمله لـ8 أشهر على بروفات مسرحية «اللجنة»، المأخوذة
عن رواية صنع الله إبراهيم، والتى مُنعت من العرض، لاعتراض نظام
مبارك عليها لطرحها لفكرة التوريث. ويقول مراد منير: «قمت بعمل
إعداد للمسرحية، ورأيت فى نور الشريف مثالاً لأغرب فنان تعاملت معه
فى حياتى، فكان يحضر قبل البروفة بساعتين، رغم أنه كان وقتها يصور
أحد المسلسلات، وعندما سألته عن السبب، خاصة أنه يتقاضى من المسرح
«ملاليم»، إضافة إلى تحمله كثيراً من المشكلات السياسية، التى
طاردت المسرحية وقتها، واستمراره فى البروفات رغم تأجيلات العرض
المتكررة، وكانت إجابته عن تساؤلاتى بقوله أنا أعيد بناء كيانى
كممثل من خلال المسرح، وأرجع لأتدرب من جديد وكأننى طالب فى
المعهد». وتابع: «المؤسف هو أن أمن الدولة رفض خروج العمل إلى
النور، بعد ما انتهينا من البروفات واشترينا الملابس والديكورات،
والعمل كان يتعارض وبشدة مع الحالة التى كان البلد يشهدها أثناء
حكم مبارك، خاصة أننا نسعى للانتهاء من مسرحية «اللجنة» وعرضها،
قبل أن نلتفت إلى العمل الأهم الذى سعى لتقديمه، بتجسيد دور
«الحسين» من خلال نص عبدالرحمن الشرقاوى «الحسين ثائراً.. والحسين
شهيداً»، وكنا نسعى للحصول على موافقة الأزهر، ولكننا لم نتمكن من
ذلك، وكان يقول دائماً: «لو خرج هذا العمل للنور، سيتحول المسرح
إلى مزار»، وقاتل معى كثيراً، ولكن للأسف رحل قبل تحقيق هذا الحلم. |