يعرض اليوم في عمان تكريما لـ نور الشريف:
«بتوقيت القاهرة»… قهر المجتمع للمشاعر الإنسانية
آية الخوالدة
عمان ـ «القدس العربي»: تكريما للفنان المصري
الراحل نور الشريف، تعرض مؤسسة عبد الحميد شومان في العاصمة
الأردنية عمان فيلم «بتوقيت القاهرة» ضمن أيام الثلاثاء المخصصة
للأفلام.
الفيلم الذي أعاد نور الشريف بعد غياب دام ستة
أعوام، تجري أحداثه في يوم واحد وتدور حول ثلاث قصص، كما شهد عودة
ميرفت أمين وسمير صبري، بالإضافة إلى نخبة من الممثلين المصريين،
محققا نجاحا كبيرا لعام 2014.
يطرح الفيلم الروائي الطويل للمخرج المصري أمير
رمسيس، الكثير من الأسئلة الشائكة التي تدور في مناخات محملة برؤى
وأفكار مستمدة من واقع صعب يطل على المستقبل حينا، والماضي القريب
حينا آخر، عبر تحولات في العلاقات الإنسانية.
ويقدم الفيلم موضوعه الذي يبحث في مصائر أجيال من
الممثلين في السينما المصرية، بإحساس فطن ومتين للغة البصرية، وفيه
الكثير من قصص وحكايات أولئك النجوم السابقين في حياتهم الخاصة،
وهم على رغم خلافاتهم البسيطة، إلاّ أنهم أصدقاء يتضامنون معا في
المواقف الصعبة، بعد ان أجبرتهم ظروف مرورهم بخريف سنوات العمر،
إلى الانطواء والعزلة رغم ما يبدو حولهم من معارف وأقارب ومعجبين.
تتمحور قصة الفيلم حول ثلاث حكايات تحدث جميعها على
مدار يوم واحد في مدينة القاهرة، أولى هذه الحكايات مع الممثلة
المعتزلة ليلى السماحي وتقوم بدورها الفنانة ميرفت أمين التي تمر
بعلاقة متوترة مع زوجها سامح كمال، الذي يلعب دوره الفنان سمير
صبري، وثاني هذه الحكايات حكاية سلمى ووائل وهما آيتن عامر وكريم
قاسم وهي حكاية اثنين يتواعدان للمرة الأولى في شقة أحد الأصدقاء،
والثالثة حكاية يحيى وهو نجم سينمائي يعاني من بداية فقدان الذاكرة
(نور الشريف)، قابع في منزله وإلى جواره أسرته التي تنظر إليه بغير
حنان، بل في عتب على ماضيه، باستثناء ابنة تعمل قدر استطاعتها على
أن تقف إلى جواره، ثم يمضي هذا النجم الذي انحسرت عنه الأضواء في
طريق البحث عن نجمة زميلة له شكل معها ثنائيا ناجحا في أفلام حقبة
عقد السبعينيات من القرن الفائت يحتفظ بصورة لها من دون أن يتذكر
من هي.
لا يجد النجم من يصحبه إلى هدفه هذا، سوى مهرب
مخدرات شاب يعاني من المتابعة الكثيفة لدوريات مكافحة تجارة
الممنوعات، وهناك أيضا الجماعة التي يعمل لحسابها التي تلاحقه
للانتقام منه جراء تخليه عن شحنة ممنوعات تلافيا للقبض عليه من قبل
كمين للشرطة.
تجري غالبية أحداث الفيلم في الطريق وتلامس الهموم
التي طالما عانى منها نجوم السينما في خريف العمر، فالكاميرا في
الفيلم تظل مشدودة إلى الذاكرة والحنين معا لتلك اللحظات الحميمة،
ثم تنسج منها شخصيات آثرت أن تتوارى عن الأضواء تحت وطأة الزمن
بعيدا عن متطلبات الظاهرة النجومية في السينما العربية، بفعل ضغوط
الحياة اليومية، إلا أنها فجأة تجد ذاتها تدلف إلى واقع جديد تبدو
فيه كأنها هائمة وباحثة عن ملاذ للنجاة والاستقرار، رغم ما تتمتع
به من حضور طافح بقيم ومزايا الإيثار والإخلاص والحب والنبل
والبساطة، إلاّ أن الواقع يأبى إلاّ أن يواصل إلقاء ظلاله على
مصائر هؤلاء الأفراد من نجوم ونجمات الأمس.
في حديث للمخرج رمسيس عن الفيلم يقول «وأكد رمسيس
أن الفيلم يناقش قهر المجتمع للمشاعر الإنسانية وتجريمه للحب،
وكذلك نظرة المجتمع السلبية للفن، خصوصا بعد الفتاوى التي طُرحت في
الفترة الأخيرة ضد الفن والفنانين»، مشيرا إلى أن العمل لا يظهر
مجتمع مصر بشكل كئيب فهو مبني في إطار الكوميديا السوداء، ومن
الصعب أن يقدم المخرج الفن وهو بمعزل عن المجتمع، حيث أن سينما
المؤلف التي ينتمي إليها ازدهرت في الفترة الماضية، وهي جزء لا
يتجزأ من الواقع».
يرسم الفيلم خطوطا وفواصل تعرض كثيرا من الأحداث
داخل هذه الشريحة الاجتماعية، التي يبدو أشخاصها كأنهم محصورون في
البيت، نادرا ما يخرجون منه إلى الأمكنة المحيطة في شوارع القاهرة
الصاخبة والمليئة بالمصادفات التي تجعلهم يقتربون بعد غياب، الأمر
الذي يحفزهم على محاولة حل وفك وتركيب طلاسم ذكريات ومصادفات العمل
أمام الكاميرا السينمائية.
برع المخرج رمسيس في وضع هذه الشريحة المتنوعة من
الناس داخل بوتقة من المتعة والبهجة، رغم الكثير من المواقف
والمحطات السوداوية التي تنتاب حياتهم.
يحسب أيضا للعمل اختيارات مخرجه وإدارته المحكمة
والجريئة لطاقات أدائية راسخة إلى جوار تلك الوجوه الجديدة، جميعهم
ساهم في إثراء العمل بطاقات تعبيرية مشحونة بالأحاسيس والمشاعر
الإنسانية البليغة المغموسة بالحنين إلى تلك السينما الآتية من
زمان مضى، من خلال تتبع ملامح أطياف من ذكريات لثلاثة من نجوم
السينما المصرية ابني حقبة عقد السبعينيات من القرن الفائت: نور
الشريف ميرفت أمين وسمير صبري، بعد تمكن المخرج الشاب من إقناعهم
بالوقوف أمام الكاميرا بعد سنوات من الغياب.
الفيلم الذي أهداه المخرج إلى زمن شادية، يسلط
الضوء على حقبة ذهبية من تاريخ السينما المصرية التي كانت مجبولة
بأفلام الرومانسية قبل أن يأفل بريقها في الوقت الراهن، وهو من
الأفلام المصرية النادرة التي نجحت في تقديم إدانة ساخرة إلى ثقافة
سائدة اختلطت مفرداتها بين الحقيقة والخيال. |