للمرة الثانية كين لوتش يفوز بالسعفة الذهبية..
ايران تستحوذ على السيناريو والتمثيل
احمد الزبيدي
تابع عشاق الفن السابع والمهتمين بصناعة السينما على مدى 12 يوما
فعاليات مهرجان كان السينمائي الدولي في دورته التاسعة والستين
والتي جرت ما بين 11-22 ايار 2016،وهذا الحدث السينمائي الهام
ينتظره الملايين كل عام لجودة الافلام المشاركة فيه والمستوى
العالي الذي تتميزبه،ترأس لجنة التحكيم هذا العام المخرج الاسترالي
جورج ميلر،ليلة الافتتاح كانت مع أحدث أفلام المخرج الأمريكي
الشهير وودي ألن( كافيه سوسايتيه )مقهى المجتمع ،الفيلم كان من
بطولة كريستين ستيوارت وجيسي أيزنبرغ ويحكي لنا قصة شاب يصل إلى
هوليوود في ثلاثينيات القرن الماضي، للعمل في مجال السينما، لكنه
يقع في حب فتاة ويغوص في عالم “مقهى المجتمع“، النابض بالحياة
والذي يرسم ملامح ذلك العصر.
مدير مهرجان كان تييري فريمو قال عن المخرج الكبير: “وودي ألن هو
ذلك الشخص الذي نوليه اهتماما خاصا، إنه يأتينا من أجواء منتصف
الستينات، وحين اصبح مخرجا كان يرسل أفلامه إلى مهرجان كان دون أن
يحضر بنفسه، أعتقد أنه من أعظم المبدعين، فهو مخرج وكاتب سيناريو
متميز ونحن سعداء جدا بحضوره على خشبة المسرح ليلة الافتتاح.تنافس
واحد وعشرون فيلما هذا العام على جائزة السعفة الذهبية.
السعفة الذهبية تنتصر للناس الضعفاء
هذا العام انتصرت السعفة الذهبية وهي الجائزة الكبرى لمهرجان كان
للناس الضعفاء حين تم منحها لفلم (انا دانيال بلايك) للمخرج
البريطاني كين لوتش وهو على اعتاب الثمانين التي سيصلها في منتصف
الشهر المقبل،وقد سبق له ان فاز بالسعفة الذهبية في عام 2006 عن
فلم(تهب الرياح) كما ان لديه فيلما تدور احداثه في العراق انتهى
منه قبل ثلاث سنوات بعنوان (اريش روت)
يقدم لوتش في "انا دانيال بليك" أحد اجمل أفلامه وأكثرها تأثيرا،
ويصل فيه إلى ذروة دربته في جعل مشاهديه يتماهون مع أزمة بطله،
ونموذجه الانساني، الذي يمثل الانسان العادي البسيط الذي يسحق وسط
اختلالات النظام الاقتصادي المهيمن وما ينتجه من اغتراب وأزمات
اجتماعية.
إنها سينما تهدف الى خلق هذا الشعور بالتضامن، وبالتالي تحض على
الفعل والعمل على التغيير، وهي ما يجيده كين لوتش الذي بات يقف على
رأس هذا النهج الواقعي النقدي منذ سلسلة أعماله التلفزيونية التي
قدمها لبي بي سي منذ منتصف الستينيات مرورا بأعماله السينمائية
التي تزيد عن ثلاثين فيلما.
وببساطة ساحرة وتقشف في استخدام التقنيات السينمائية يقدم لنا لوتش
جماليات تنهل من العادي والمألوف واليومي، في عمل يذكرنا بأعمال
الواقعية الجديدة الايطالية التي تربى لوتش عليها.
فتراه يرصد لحظة انسانية صافية، ويحرص على ادخال مشاهده في قلبها
في نوع من التقمص العاطفي، مالئاً إياه بمشاعر الغضب والتعاطف
والتضامن.
قصة الفلم تتحدث عن النجار دانيال بلايك الذي يضطروهو يقارب الستين
من العمر إلى الانقطاع عن العمل بعد أزمة قلبية، فنتبعه في مواجهة
متاهات نظام عبثي مبهم من وكالات العمل إلى هيئات الخدمات
الاجتماعية، وسط مساءلات تشبه التحقيق الأمني حول صحته وورشات
إعادة الإدماج المهني. وهذه الإجراءات تقسو على الرجل المنهك فهي
إجبارية والتخلف عنها يهدد بقطع المنح التي يقتات منها. وفي رحلته
عبر ماكينة الإدارة الجهنمية، يلقى بطل الفيلم بعض السند عند إحدى
جاراته السود وهي امرأة تربي طفليها بمفردها، وكلاهما ضحيتان لنفس
النوع من الظلم.
بُنى الفيلم على شخصية دانيال بليك، التي استخلصها السينارست بول
لافيرتي بعد بحث لأسابيع ومقابلات مع أشخاص في المنظمات الخيرية
التي ترعى المعوقين والعاطلين عن العمل وزيارات ميدانية لبنوك
الطعام، التي تقدم خدماتها للمشردين والمعدمين، فضلا عن أحاديث مع
السكان في مجتمع مدينة نيوكاسل البريطانية.
موقع البي بي سي ناقش مضامين هذا الفلم مشيرا الى النهج الواقعي
الذي دأب عليه كاتب السيناريو لافيرتي في معظم سيناريوهاته التي
تبنى على تجربة واقعية وبحث ميداني فتكاد تقترب في الغالب من
الدراما الوثائقية (ديكو دراما)، وبات الشريك المفضل للوتش في
أعماله الاخيرة منذ تعاونهما في فيلم "أغنية كلارا" عام 1996 الذي
بني على تجربة لافيرتي في العمل في منظمات حقوقية في نيكاراغوا
ووسط أمريكا اللاتينية في ثمانينات القرن الماضي. أذ درس لافيرتي
الفلسفة والقانون وعمل في المحاماة قبل أن يتحول إلى كتابة
السيناريو مع لوتش.
وبليك (ديف جونز) هو نجار من مدينة نيوكاسل في الـ 59 من عمره،
يبلغه الأطباء بأن حالته الطبية لا تسمح بعودته إلى العمل بسبب مرض
في القلب، فيتحول إلى تلقي مساعدة الرعاية الاجتماعية، لكنه يواجه
تعنت النسق البيروقراطي في جهاز قطاع عام مترهل يحاول جاهدا حماية
نفسه بدرع من القوانين الصارمة والاستعانة بشركات خاصة.
وكما نلاحظ في استهلال الفيلم في الحوار الصوتي بين بليك وموظفة لا
نراها تسأله أسئلة عامة عن قدرته على العمل، وعند اجابته عليها
بصراحة تقلل من نقاط تقييم عجزه ومن دون أن تذهب مباشرة الى مشكلة
القلب التي يعانيها. ونفهم من كلام بليك معها أنها من شركة أمريكية
تعمل لحساب نظام الرعاية الاجتماعية.
وهنا يضعنا لوتش في قلب مشكلة فيلمه، وهي التناقض بين نظام أفرز من
اختصوا بالتحايل عليه وابتزازه ويجاهد لاصلاح نفسه، ونموذج لعامل
مكافح ومواطن صادق يعيش حياته بإخلاص ونزاهة ويمكن أن يستحيل إلى
ضحية لاختلالات هذا النظام.
ويرسم لنا لوتش صورة بليك العامل المخلص في عمله الذي يحب مساعدة
الاخرين والحنو عليهم، الذي قضى حياته في مهنته غير ملتفت لتلك
التحولات المتسارعة في الواقع المحيط به، فنراه لا يجيد استخدام
الكومبيوتر، ويكتب بالقلم الرصاص، ولا يجيد كتابه سيرته الذاتية
للتقدم إلى عمل جديد.
ونراه يكافح مع الجهاز البيروقراطي الذي يعيد تقييم حالته ويجبره
على التحول إلى باحث عن عمل كي يستمر في تلقي المعونات الاجتماعية،
ويدخله في دوامة كافكاوية من المراسلات عبر الانترنت أو المراجعات
يتيه وسطها وتدفعه إلى تحدي تعقيداتها التي ترفض الاستماع ببساطة
شديدة إلى مرضه.
وخلال هذه التجربة يتعرف على كاتي (الممثلة هيلي سكوايرز) شابة
اضطرت إلى الانتقال من لندن إلى نيوكاسل مع طفليها لكي تحظى بسكن
من الدولة، لكنها تظل بلا عمل وعاجزة عن اطعام طفليها، فيحنو بليك
عليها ويتحول بمثابة أب لهذه الشابة وراع لطفليها.
ويقدم لوتش عبر هذا العلاقة مشاهد رائعة مفعمة بالإنسانية تصل
ذروتها في المشهد الذي يأخذ فيه كاتي إلى أحد بنوك الطعام لتلقي
مساعدات، فتضطر لجوعها الى فتح علبة فاصوليا والتهامها قبل ان
تنهار باكية وسط الناس.
ويكابر بليك للاحتفاظ بكرامته فنراه يبيع أثاث بيته كي يحصل على
بعض المال يصرفه على احتياجاته اليومية.
وفي مشهد آخر، يقدم نقدا قاسيا لازدواجية النظام، عندما تضطر كاتي
لسرقة حفاظات نسائية فيقوم رجل الأمن في مركز التسوق بالأمساك بها،
لكنه يقدم لها تلفونه لاحقا بحجة مساعدتها، وعندما تلجأ إليه
يقدمها إلى شبكة تعمل في الدعارة، فيحاول بليك انقاذها بالدخول
وكأنه زبون إلى منزل الدعارة.
وبليك مواطن يعيش في حدود بقعته الجغرافية، ليس مثل جارة الشاب
الأسود الذي يستخدم عنوانه لتلقي بضائع رخيصة بماركات شهيرة من
الصين ويربح من فرق اسعار بيعها، وفي مشهد طريف يقدم لنا لوتش اثر
العولمة التي نقلت العمالة خارج حدود الدول، مع الشاب الصيني الذي
يعمل في مصنع ينتج أحذية لشركة بريطانية في الصين، والذي نراه
متابعا لدوري كرة القدم الانكليزي وعارفا بلاعبيه أكثر من بليك
نفسه.
وفي نهاية يمكن توقعها منذ بداية مسار الاحداث، ينتهي بليك إلى
العيش على الكفاف في شقة خالية، وعندما تحاول كاتي مساعدته ومتابعة
الشكوى ضد التقييم الخاطئ لحالته، يموت بليك بأزمة قلبية في دائرة
الرعاية الاجتماعية التي اقتنعت لجنتها اخيرا للأخذ بالاعتبار
حالته المرضية.
لقد غاص لوتش ولافيرتي في تلك المنطقة الرمادية ليكشفا عن التناقض
القيمي بين قيم النظام وبيروقراطيته وقيم التضامن والصدق والعمل،
على الرغم من اشتراكهما رسميا في الاستناد إلى قيم انسانية عامة.
لقد قدم بليك لطبقات "السيستم" المترهلة كل ما يساعدها على الشك به
والاصطدام بنظامه القيمي وبالمقابل مارست طبقات البيروقراطية أقصى
حيلها التي يسمح بها القانون لإذلال من يتمرد عليها.
يحرص لوتش على أن يعامل الفيلم كوسيط لحمل رسالة في فضاء كفاح
اجتماعي، لذا تتركز دربته السينمائية على إبعاد كل ما يشوش على هذه
الرسالة، مركزا على اكتشاف جماليات تقوم على الايجاز والوضوح
والبساطة، من دون افتعال أي ألعاب جمالية خالصة.
فنراه يسعى مترسما خطى الواقعية الجديدة إلى تقديم مشاهد تشبه
الحياة في جريانها وبساطتها وقسوتها ورثاثتها احيانا، ومن هنا حرصه
على التصوير في الأماكن الواقعية وبالإنارة الطبيعية في المشاهد
الخارجية
.
وقال كين لوتش خلال المؤتمر الصحفي بعد تسلمه الجائزة"إنها وضعية
صادمة فهذه المشكلة لا تمس فقط بلادي بل كل أوروبا". وندد لوتش
بمشروع "الليبيرالية الجديدة" الذي يعتمده الاتحاد الأوروبي.
لكن محرر صحيفة الغارديان ومعه الكثير من النقاد اعتبروا قرار
لجنة التحكيم بالمفاجئ حيث انتقد عدم منح الجائزة لعدة افلام
تستحقها في مقدمتها فلم انتوني اردمان للمخرجة الالمانية مارين
آدي،لكنه عاد واكد استحقاق فلم (انا دانيال بلاك) للسعفة الذهبية.
أما الجائزة الكبرى وهي ثاني أهم جوائز المهرجان فكانت من نصيب
الشاب الكندي كزافييه دولان عن فيلم "قط نهاية العالم". وكان
العبقري دولان قد أحرز رغم صغر سنه جائزة لجنة التحكيم في مهرجان
كان لعام 2014 عن فيلم "أمي" وكان في عام 2015 عضوا في لجنة تحكيم
المسابقة الرسمية،استلهم دولان شريط "فقط نهاية العالم" من مسرحية
تحمل نفس العنوان كتبها جان لوك لاغارس عام 1990 بعد أن علم أنه
مصاب بالإيدز. فيروي الفيلم قصة كاتب مشهور ومثلي الجنس يعود إلى
عائلته بعد غياب دام أكثر من عشر سنوات ليخبرهم بأن أيامه صارت
معدودة بسبب مرض خبيث. وقال دولان باكيا عند تسلم الجائزة إنه يصنع
أفلاما "لكي أحب ولكي يتقبلني الناس".
السينما الايرانية: حصة الاسد
وكانت حصة الأسد في هذه الدورة من نصيب فيلم "البائع" للإيراني
أصغر فرهادي إذ أحرز عنه المخرج جائزة أحسن سيناريو ونال الممثل
شهاب حسيني جائزة أحسن ممثل عن دور البطولة".
يعـد فرهادي صاحب الأوسكار والسيزار والدب الذهبي من أبرع
السينمائيين الإيرانيين. وقد عاد ليصور فيلمه الأخير "البائع" في
بلاده، بعد أن دارت أحداث فيلمه السابق "الماضي" في فرنسا مع
الممثلة برينيس بيجو والممثل الفرنسي من أصل جزائر طاهر رحيمي .
وكان فيلم "الماضي" قد شارك في المسابقة الرسمية لمهرجان كان 2013،
ونالت بيجو في تلك النسخة جائزة أفضل ممثلة. ويستمر فرهادي مع
"البائع" في تشريح العلاقات الزوجية التي صار معلما في سبر طياتها.
البطلان عماد (شهاب حسيني) ورنا هما ممثلان في مسرح بطهران، تتعرض
رنا للاعتداء الجنسي على يد مجهول في شقتهما الجديدة، ويتحول سعي
زوجها إلى الانتقام من المسؤول إلى لوحة فلسفية وفنية عن مسائل
الشرف والذنب والغفران.
وبالتساوي فاز فيلم "المتسوقة الشخصية" للفرنسي أوليفييه آساياس
و"باكالوريا" للروماني كريستيان مونجيو بجائزة أحسن إخراج. وكان
كريستيان مونجيو قد فاز بالسعفة الذهبية للمرة الأولى عام 2007،
ويروي "باكالوريا" تخلي أب عن كل القيم التي لقنها لابنته من أجل
حلم، وهو أن يراها تدرس في جامعة إنكليزية.
أما آساياس فقد كان قد شارك عام 2014 بفيلم "سيلس ماريا" في
المسابقة الرسمية لكن فيلم "المتسوقة الشخصية" فقد لاقى استياء
كبيرا في صفوف النقاد هذا العام إلى حد أن دوى صفير الاستهجان في
نهاية العرض المخصص للصحافيين. وتقمصت في الفيلم النجمة الأمريكية
كريستان ستيوارت وتتقمص ستيارت دور مورين وهي فتاة أمريكية مهنتها
شراء ثياب فاخرة ومجوهرات ومختلف الأشياء لحساب شخصية من عالم
الموضة في باريس. في نفس الوقت مورين متأكدة من قدرتها على فك شفرة
عالم الغيب فتحاول التواصل مع أخيها التوأم المتوفى.
من جهتها فازت البريطانية أندريا أرنولد بجائزة لجنة التحكيم للمرة
الثالثة وكانت الأخريين عام 2006 و2009. ويجمع فيلمها الفائز
"العسل الأمريكي" الشريط بين أفلام الرحلة وأفلام المراهقين حيث
تتقفى المخرجة طواف مجموعة من الشباب يوزعون المجلات عبر الوسط
الغربي الأمريكي الذي تجهله الإعلانات السياحية، وسط قصص حب وسكر.
افلام تنتقد الظلم الاجتماعي في كان 2016
بعيدا عن اجواء الجوائز فان مهرجان هذا العام تميز بمشاركة ثلاثة
افلام وجهت النقد للنظام الرأسمالي عبر تقديم معاناة افراد تلك
المجتمعات في ظل تفشي الفساد وسلطة المال،فبالاضافة الى فلم (انا
دانيال بلاك) الذي فاز بالسعفة الذهبية كان هناك فلمان يتناولان
هذا الموضوع ،فلم (اكواريوس)من البرازيل وفلم (ما روزا)من الفلبين.
خلق عرض فيلم "أكواريوس"
Aquarius
للبرازيلي كليبر ميندونسا فيليو (39 عاما)، وهو الفيلم الطويل
الثاني للمخرج بعد "ضجيج ريسيفي" (مدينة برازيلية) الذي لاقى
ترحيبا واسعا عام 2012 في قسم "أسبوعي المخرجين" بمهرجان كان،
ديناميكية في الكروازيت التي خيبتها العديد من الأفلام المشاركة في
المسابقة الرسمية هذه السنة.
وكان فريق الفيلم قد رفع على البساط الأحمر للمهرجان لافتات موجهة
لوسائل الإعلام من كامل العالم من أجل لفت الانتباه إلى "انقلاب
وقع في البرازيل" (إشارة إلى عملية إقالة الرئيسة البرازيلية ديلما
روسيف)، في حركة قوية بدت على نقيض فعل البطلة كلارا "البارد"
وصمودها في وجه شركة التطوير العقاري للحفاظ على الشقة التي قضت
فيها عمرها.
فريق فيلم "أكواريوس" على البساط الأحمر
كل الجيران باعوا منازلهم إلا كلارا التي تواجه بمفردها بطش مستثمر
عقاري يسعى للاستحواذ على بناية "أكواريوس التي شيدت عام 1940.
كلارا في الستين من العمر وهي ناقدة موسيقية، تتقمص دورها الفنانة
العظيمة سنية براغا التي تكهن لها العديد بجائزة التمثيل في هذه
الدورة.
عبرعين تجمع بين تقنيات المعمار والكتابة الموسيقية وجمالية
الأفلام الملتزمة، يبسط ميندنوسا فيليو بفرادة وبراعة نظرة بلا
رحمة على أزمات البرازيل. فعالم الفوضى الذي تعبره البطلة تعبير
مجازي عن المجتمع. فنغرق مع كلارا في متاهات من الأوراق: ملفات
جارية وأخرى منسية، رخص بناء وإجراءات ترحيل، شكاوى قضائية أجهضت
أو ضاعت، كل الوثائق الجديرة بالكشف عن سنوات من الفساد تتراكم
وتتوارى عن الأنظار في مخازن الأرشيف. ولا أشجع الشجعان صمد أمام
هذه الغياهب الكفاكائية التي تتوسع مع تعاقب الحكومات والزمان، ولا
وجود للقوة والصبر للبحث عن البراهين التي تساعده في إثبات حقوقه،
عدا الفيلم...
ويقول كليبر ميندونسا فيليو إن "السوق عنيفة وتريد إجبار الناس على
شراء ما لا يرغبون فيه، فحتى قبل الأزمة الاقتصادية كانت شركات
التطوير العقاري تتصرف وكأنها وحوش جائعة" ويضيف أن "باليه
الجرارات والجرافات الذي كنت شاهدا عليه في مدينة ريسيفي كان محزنا
ومبهرا في آن". وأكد أنه حضر على تحطيم العديد من المنازل بما
تحمله من ذكريات خلال بضع ساعات لتقام مكانها مبان حديثة. والمؤثر
في فيلم ميندوسا هو تناوله لهذه القضية عبر زاوية شخصية، فتدرك
كلارا تدريجيا مخلفات العالم الخارجي وغزوه لحياتها الحميمية.
فدون مغالاة عاطفية، يبحث الشريط مسألة الذاكرة والموروث الجماعي،
وكأن المخرج يصنع وثيقة نادرة تشهد عبر قصة بطلته على قلب
المستثمرين العقاريين للمشهد البرازيلي لفائدة الأغنياء وسحقهم
للطبقة الاجتماعية المتوسطة والمثقفة. يظن العديد وحتى أقرب الناس
إليها أن كلارا مهووسة ومجنونة فلا تتزعزع فيها روح المثابرة
المقاومة لليبيرالية. فإلى جانب إقالة روسيف، يلفت الفيلم إلى
الانقلاب الليبيرالي الذي يشكل تهديدا للديمقراطية والثقافة،
وعلمنا أثناء هذا الأسبوع أن أولى قرارات الحكومة البرازيلية
الجديدة كانت إلغاء وزارة الثقافة (وإلحاقها بالتعليم).
اما الفلم الفلبيني (ما روزا) أي وردتي هو اسم متجر صغير تعيش فيه
عائلة "رياس" التي تحاول أن تكسب قوتها بكل السبل، ولو احتاج الأمر
أحيانا إلى الاتجار بأكياس المخدرات الصغيرة. ويغتنم المخرج يوم
اعتقال الوالدين داخل مركز شرطة، ليبسط أمامنا بأسلوب وثائقي
الحياة اليومية الصاخبة في أحياء القصدير حيث تزدحم بالسيارات
ويكثر العنف وتزدهر شؤون الدعارة وحانات الكراوكي والباعة
المتجولين ... في حين يستوي الجميع أمام البؤس حتى الشرطيين الذين
يفضح المخرج فسادهم.
عن: الغارديان وبي بي سي وفرانس 24n |