افتتحت مساء الخميس الدورة الـ67
من
مهرجان برلين السينمائي الدولي التي تستمر إلى
19
فبراير
الجاري، بعرض الفيلم الفرنسي
“جانغو”
وهو
الفيلم الأول الذي يخرجه كاتب السيناريو إتيين كومار.
ويقوم
الممثل الفرنسي
-من
أصل جزائري-
رضا
كاتب بدور عازف القيثارة والموسيقار ذي الأصول الغجرية، جانغو
رنهارت، الذي تعرض للاضطهاد أثناء الاحتلال النازي لفرنسا، واضطر
إلى الفرار من باريس عام
1943.
يروي
الفيلم الفرنسي
“جانغو”
الذي
افتتح الخميس الدورة الـ67
من
مهرجان برلين السينمائي الدولي علاقة جانغو رنهارت الذي يعتبر أمهر
عازفي القيثارة في العالم في عصره، بأسرته، وبعشيقته الفرنسية لويز
التي تعمل سرا مع المقاومة الفرنسية، ولكنها تقيم علاقات مع كبار
الضباط الألمان وتلعب دورا بارزا في التدخل لإنقاذ حياة جانغو.
الفيلم
مصاغ في سياق السرد التقليدي الذي يبدأ في باريس عام
1943،
ثم اضطرار جانغو للفرار مع أسرته إلى بلدة قرب الحدود السويسرية:
أي مع
والدته العجوز وزوجته الحامل وأفراد فرقته الموسيقية، بينما يبقى
شقيقه، وذلك لكي يفلت من أمر ألماني بتقديم حفل موسيقي أمام كبار
القادة الألمان وعلى رأسهم غوبلز في برلين، وهناك ينتظر تهريبه إلى
سويسرا بمعاونة رجال المقاومة، لكن الأمر يطول، ويتعرض الغجر
اللاجئون إلى تلك المنطقة للتنكيل والقتل والاستيلاء على منازلهم
وحرق ممتلكاتهم، ويروي أحدهم أنه كان شاهد عيان على إرسالهم إلى
معسكر اعتقال تمهيدا للتخلص منهم طبقا لسياسة هتلر المعروفة
بمعاداة الغجر.
ورغم
كل ما يمر به جانغو يظل وفيا للموسيقى، قادرا في كل الأوقات وتحت
شتى الضغوط على العزف والأداء بحيث يسلب ألباب المستمعين، بل إنه
يجعل قائدا نازيا يفقد صوابه بعد أن رأى التأثير الكبير للموسيقى
على الضباط بما يتناقض مع التزمت النازي المعروف.
أداء
رائع للممثل رضا كاتب في الدور الرئيسي، وحرفية عالية في التصوير
تتجلى في مشاهد الليل والمشاهد الخارجية بوجه خاص، ومزج بديع بين
الموسيقى والدراما، بحيث يمكن اعتبار الفيلم رغم موضوعه القاسي،
عملا موسيقيا ممتعا في حد ذاته.
ولا شك
أن الاهتمام الألماني بالفيلم نابع من كونه يلقي الضوء على حقبة
مهمة من تاريخ الغجر الحديث وكيف كان يتم اضطهادهم، كما أن الفيلم
من الأفلام القليلة التي تتناول هذا الموضوع المسكوت عنه طويلا
لحساب التركيز الدائم على ما وقع لليهود فقط.
في قسم
"المنتدى"
يعرض
الفيلم التونسي
"جسد
غريب"،
وهو الفيلم الروائي الطويل الثالث للمخرجة رجاء عماري
فيلم
الافتتاح الفرنسي هو أحد
18
فيلما
في المسابقة الرسمية للأفلام الطويلة، التي تتنافس على جائزة الدب
الذهبي لأحسن فيلم، وغيرها من الجوائز كجائزة لجنة التحكيم الخاصة،
وأحسن إخراج وأحسن تمثيل وأحسن سيناريو.
وتخصيص
فيلم مشارك في المسابقة لجعله فيلم الافتتاح هو تقليد ابتدع منذ
سنوات في عدد من المهرجانات الدولية، وهو تقليد يشي بشبهة التفضيل،
أي إحاطة فيلم ما بالأضواء أكثر من غيره، ما يتناقض مع مبدأ
التنافس الذي يجب أن يساوي بين الأفلام المتسابقة.
يتميز
مهرجان برلين عن سائر المهرجانات الدولية، ببدعة أخرى متكررة، تسبب
الكثير من الارتباك للصحافيين والنقاد غير المعتادين على تقاليد
هذا المهرجان، تتمثل في الإعلان عما يطلق عليه المنظمون
“المسابقة
الرسمية”
التي
أعلنوا أنها تضم هذا العام
24
فيلما،
بينما الحقيقة أن المقصود هو
“البرنامج
الرسمي”،
لأنه ببعض التدقيق هناك
6
أفلام
من بين الـ24
فيلما
تقع
“خارج
المسابقة”
أي لا
تنافس على الذهب أو الفضة، وليس هناك من سبب لتكرار هذا الأمر الذي
يخرج عن التقاليد المعروفة التي تحصر المسابقة في الأفلام
المتنافسة على الجوائز، فلا يصح أن يكون هناك فيلم ما داخل
المسابقة وخارجها في وقت واحد، وليس مفهوما غياب الدقة الألمانية
الشهيرة هنا!
الملاحظة الأولى على البرنامج الرسمي أن
22
فيلما
من بين الأفلام الـ24
هي
أفلام تعرض للمرة الأولى عالميا في مهرجان برلين قبل أن تنطلق
للعرض على شاشات العالم، وهناك فيلمان من الأفلام الأولى لمخرجيهما.
أما
الأفلام الـ18
المتسابقة فهي تمثل
25
دولة
(مع
ملاحظة اشتراك أكثر من دولة في إنتاج الفيلم الواحد أحيانا)
ومعظم
هذه الأفلام من القارة الأوروبية، مع أفلام من الصين واليابان
والبرازيل وشيلي وكوريا، ويوجد اسم لبنان كطرف مشارك في إنتاج فيلم
“سعادة”
الفرنسي للمخرج السنغالي الأصل آلان غوميز، وهو من الإنتاج المشترك
بين فرنسا وبلجيكا وألمانيا والسنغال، وينطق في جزء منه باللغة
العربية.
من بين
أفلام المسابقة فيلم تسجيلي طويل هو الفيلم الألماني
“بيوز”
الذي
يتناول حياة وأعمال الفنان الألماني جوزيف بويز
(1921-1986)
الذي
التحق رغم أعماله وكتاباته الفلسفية الكثيرة المنحازة للإنسان،
بالشبيبة الهتلرية ثم بسلاح الطيران الألماني تحت قيادة غورنغ عام
1941.
وفي
المسابقة فيلم من أفلام التحريك هو الفيلم الصيني
“يوما
سعيدا”
للمخرج
ليو جيان.
الملاحظ أن الدولة المضيفة، ألمانيا، تشارك في إنتاج في ثمانية من
أفلام المسابقة، وهو أمر طبيعي، فالدولة التي تقيم المهرجان تريد
دائما أن تبرز مساهماتها السينمائية الجديدة حتى لو كانت من إخراج
مخرجين من خارجها، فهنا على سبيل المثال، لدينا الفيلم الجديد
للمخرج الفنلندي الشهير أكي كوريسماكي
(نشرنا
عنه في
“العرب”
منذ
فترة قريبة، مقالا شاملا)
وهو
بعنوان
“الجانب
الآخر من الأمل”.
ويعود
المخرج سباستيان ليليو
(من
شيلي)
بفيلم
جديد
(بتمويل
ألماني)
هو
فيلم
“امرأة
رائعة”،
وكانت باولينا غراثيا بطلة فيلمه
“غلوريا”
قد
حصلت على جائزة أحسن ممثلة في مهرجان برلين
2013.
ومن
الإنتاج الألماني المشترك مع أيرلندا وفرنسا، يعود المخرج الألماني
المرموق فولكر شلوندورف
(حائز
السعفة الذهبية والأوسكار عن
“الطبلة
الصفيح”
عام
1979)
بفيلمه
الجديد
“العودة
إلى مونتوك”،
وهو الأول منذ فيلمه البديع السابق
“دبلوماسية”
الذي
شاهدناه في الدورة الـ64
من
المهرجان.
وتدور
أحداث الفيلم الجديد في نيويورك، ويروي قصة البحث عن الحب في منتصف
العمر وأزمة التحقق الإبداعي.
في
المسابقة أيضا فيلم
“اقتفاء
الأثر”
للمخرجة البولندية المخضرمة أنيسكا هولاند
(68
سنة)،
أما المخرجة الثانية المرموقة من بين مخرجي المهرجان فهي
البريطانية سالي بوتر
(67
عاما)
التي
ستعرض في المسابقة فيلمها الجديد
“الحفل”،
بطولة كل من باتريشيا كلاركسون وإيميلي مورتيمر وبرونو غانز
وكريستين سكوت توماس، ومن النمسا يعرض في المسابقة الفيلم الأول
للمخرج جوسيف هادر
“الفأر
المتوحش”.
تكريم
داخل
المسابقة يشارك الفيلم الروماني
“أنا..
حبيبتي”
للمخرج
كالين بيتر نيتزر الذي حصل فيلمه
“موضع
طفل”
على
“الدب
الذهبي”
في
مهرجان برلين عام
2013.
والفيلم الجديد من الإنتاج المشترك مع فرنسا وألمانيا، كما يعرض
فيلم
“البورتريه
الأخير”
للمخرج
والممثل الأميركي ستانلي توسي
(من
الإنتاج الفرنسي البريطاني المشترك)،
ويقوم بأدوار البطولة فيه أرمي هامر وكليمنس بويسي إلى جانب
الأسترالي جيوفري راش الذي يكرمه المهرجان هذا العام بمنحه جائزة
“الدب
الذهبي”
الشرفية عن مجمل مساهماته في السينما.
البرنامج الرسمي لمهرجان برلين السينمائي الدولي يعرض
22
فيلما
من بين الأفلام الـ24
في أول
عروضها عالميا
وإلى
جانب راش يتم أيضا تكريم مصممة الملابس الإيطالية ميلينا كانونيرو،
التي عملت مع كبار المخرجين مثل كوبريك وكوبولا وسيدني بولاك وورين
بيتي وبولانسكي وسودربرغ ولوي مال، ومن أشهر الأفلام التي صممت
الملابس لأبطالها
“باري
ليندون”
و”البرتقالة
الآلية”
و”عربات
النار”
و”الأب
الروحي
3”
و”خارج
أفريقيا”
و”فندق
بودابست الكبير”.
لا
تشارك السينما الأميركية التي تعد السينما الأكبر والأهم في النصف
الغربي من العالم، سوى بفيلم واحد في المسابقة هو
“الغذاء”
للمخرج
الإسرائيلي-الأميركي
أورين أوفرمان، وهو من بطولة ريتشارد غير وستيف كوغان وربيكا هول
ولاورا ليني.
ويعرض
خارج المسابقة الفيلم الأميركي
“لوغان”
للمخرج
جيمس مانغولد، الذي يقوم ببطولته هيو هاكمان وباتريك ستيوارت
وريتشارد غرانت، وهو الحلقة الأخيرة من سلسلة أفلام
“رجال
إكس”
الخيالية.
خارج
المسابقة أيضا وضمن البرنامج الرسمي يعود المخرج البريطاني المثير
للجدل
“داني
بويل”
(مليونير
العشوائيات)
بفيلم
جديد هو
“رصد
القطارات
2”،
حيث يعود فيه إلى أبطال الفيلم الذي كان وراء شهرته وقدمه للمرة
الأولى للعالم، وهو فيلم
“رصد
القطارات”
(1996)،
أي بعد مضي عشرين عاما، ويقوم ببطولته إيوان ماكريغور وروبرت
كارليل وإيوان بريمن وجوني لي ميللر، وهم نفس أبطال الفيلم القديم،
والآن نراهم يتأملون حياتهم ويتطلعون إلى ما كانوا عليه في الماضي.
ومن
الأفلام المعروضة خارج المسابقة أيضا الفيلم الفرنسي
“المولدة”،
إخراج مارتن بروفوست وبطولة كاترين دينيف.
السينما العربية حاضرة في مهرجان برلين هذا العام، ولكن في أقسام
أخرى خارج المسابقة الرسمية، ففي قسم
“المنتدى”
يعرض
الفيلم التونسي
“جسد
غريب”،
وهو الفيلم الروائي الطويل الثالث للمخرجة التونسية رجاء عماري،
صورته في فرنسا، ويناقش مشاكل الهجرة، ولكن من وجهة نظر فتاة
تونسية مهاجرة بطريقة غير قانونية، وما تواجهه من مشاكل في المجتمع
الجديد.
والفيلم من إنتاج الشركة التي تملكها المنتجة درة بوشوشة ومن
الإنتاج المشترك مع فرنسا، ولا شك أن علاقة بوشوشة بالمهرجان تساهم
في تمهيد الطريق أمام مشاركة الأفلام التونسية
(التي
تنتجها بوشوشة تحديدا)،
وهي تشارك أيضا في عضوية لجنة التحكيم الدولية التي يرأسها المخرج
الهولندي بول فيهوفن، ومن أعضائها الممثلة الأميركية ماغي غلينهال،
والممثلة الألمانية جوليا ينتش، والمخرج المكسيكي دييغو لونا،
والمخرج الصيني وانغ كوان.
في قسم
“البانوراما
الخاصة”
يعرض
الفيلم المغربي الجديد
“ضربة
في الرأس”
للمخرج
هشام العسري، وهي المرة الثالثة التي يشارك فيها العسري في برلين
بعد أن شارك من قبل بفيلميه
“البحر
من ورائكم”
و”جوّع
كلبك”.
ويقيم
المهرجان بالتعاون مع المركز السينمائي المغربي، احتفالية خاصة
بتاريخ السينما المغربية يعرض خلالها مختارات من أعمال عدد من
المخرجين المؤسسين والمعاصرين في قسم
“المنتدى”،
مثل
“وشمة”
(1970)
لحميد
بناني، و”حلاق
درب الفقراء”
(1982)
لمحمد
الركاب، و”السراب”
(1980)
لأحمد
البوعناني، و”الأيام..
الأيام”
(1978)
لأحمد
المعنوني، و”عبور
الباب السابع”
لعلي
الصافي، وتعرض أربعة أفلام قصيرة لأحمد البوعناني، وفيلم
“البراق”
(1970)
لعبدالمجيد رشيش.
في قسم
“المنتدى
الممتد”
يعرض
الفيلم التسجيلي
“سكون
السلحفاة”
(من
التمويل القطري)
للمخرجة اللبنانية روان نصيف التي سبق أن أخرجت عددا من الأفلام
القصيرة، وهي تقيم حاليا في قطر.
ويعود
المخرج الفلسطيني رائد أنضوني الذي قدم قبل ثماني سنوات فيلمه
التسجيلي الطويل وكان أول أفلامه وهو فيلم
“صداع”،
بفيلم روائي طويل هو
“اصطياد
أشباح”
من
الإنتاج المشترك بين فلسطين، فرنسا، سويسرا وقطر.
وفي
“المنتدى
الممتد”
يعرض
فيلمان تسجيليان من مصر، الأول هو
“صيف
تجريبي”
للمصور
محمود لطفي الذي اتجه للإخراج، ويقع الفيلم في
69
دقيقة،
ويصور بحث شاب وفتاة عن أول فيلم مستقل أنتج في مصر عام
1980
وصادرته السلطات حسب ما تقول المعلومات المتوفرة عن الفيلم، وإن لم
يكن مفهوما المقصود بكلمة
“المستقل”
حتى
يمكن
القطع بكونه أول فيلم من هذا النوع فعلا، بل ولا الجهة التي صادرته
والتي يذكر الملخص المنشور أنها
“وكالة
السينما الحكومية”.
والفيلم الثاني بعنوان
“واحد
+
واحد
كيكة شيكولاتة فرعونية”
(37
دقيقة)
من
إخراج مروان عمارة وإسلام كمال، ويصور تجربة شاب مغرم بالموسيقى من
مصر وموسيقية شابة من سويسرا، يسعيان لتقديم موسيقى مشتركة.
تحقيق في الجنة
يعرض
بقسم
“البانوراما
التسجيلية”
الفيلم
التسجيلي الطويل
“تحقيق
في الجنة”
(من
الإنتاج الفرنسي)
للمخرج
الجزائري مرزاق علواش، وهو يصور تحقيقا صحافيا تجريه صحافية
جزائرية حول مفهوم الجنة عند الأصوليين الإسلاميين وكيف يستخدمونه
لتجنيد الشباب في الحركات الجهادية.
ويشارك
المخرج العراقي-السويسري
سمير جمال الدين
(صاحب
“انسى
بغداد”
و”أوديسة
عراقية”)
في
عضوية لجنة التحكيم التي تمنح جائزة أحسن فيلم تسجيلي، كما يشارك
المخرج السعودي محمود الصباغ
(الذي
عرض فيلمه
“بركة
يقابل بركة”
في
الدورة الماضية من مهرجان برلين)
في
عضوية لجنة التحكيم التي تمنح جائزة لأفضل عمل أول.
ويكرم
المهرجان ثلاث شخصيات أسهمت في دعم سينما بلادها عبر السنين من
بينها الناقد السينمائي المصري سمير فريد
(74
سنة)
الذي
سيمنح جائزة الكاميرا الذهبية الشرفية، كما سيقام حفل خاص على شرفه
يحضره مدير المهرجان ورئيس الاتحاد الدولي للنقاد ولفيف من
الصحافيين والنقاد والسينمائيين العرب والأجانب.
ناقد سينمائي من مصر |