سباق الدب الذهبي
(1):
"عن
الجسد والروح"
في صدارة تقييم أفلام مسابقة مهرجان برلين
أحمد شوقي
ثمانية عشر فيلماً تتنافس هذا العام على جوائز الدب
الذهبي لمهرجان برلين السينمائي الدولي السابع والستين.
ثمانية
عشر فيلماً سيتغير مصير بعضها في نهاية المهرجان عندما تمنحه لجنة
المخرج الهولندي بول فيرهوفن جائزة تزيد من فرص توزيعه وعرضه في كل
مكان حول العالم.
وسنقوم
خلال أيام المهرجان برصد هذا السباق ومنح تقييمنا الخاص للأفلام
المتنافسة.
جانجو Django -
إيتيان
كومار
(فرنسا)
المحتوى الموسيقي للفيلم يكفي وحده كي يمكن اعتباره عملاً ممتعاً.
اختيار
إدارة البرليناله كان مختلفاً عن المعتاد بافتتاح الدورة بفيلم هو
العمل الأول لمخرجه بدون نجوم كبار في أدوار البطولة، لكن الأقرب
للمنطق أن مشاهد الموسيقى مع أداء بطل الفيلم رضا كاتب كانا أهم
عناصر الاحتفاء بالفيلم، الذي يروي حكاية عازف الجيتار الغجري
بلجيكي المولد جانجو راينهارت.
جانجو
عاش في باريس وقت احتلال النازي لفرنسا، حمته موهبته من التنكيل
بالغجر، حتى طُلب منه القيام بجولة موسيقية في ألمانيا يحضرها
جوبلز نفسه، فتحتم عليه أن يهرب كي لا ينصاع للطلب.
ذكاء
النصف الأول من الفيلم يتمثل في عدم إظهار جانجو بصورة البطل على
الإطلاق، هو مجرد فنان بوهيمي لا يجد نفسه إلى على خشبة المسرح،
يريد أن يلعب الموسيقى ويعيش حياة آمنة بغض النظر عن تداعيات
السياسة.
لكن مع
تغير مساره في النصف الثاني ينحو الفيلم أكثر نحو الكليشيه في كل
عناصره، ويفقد الكثير من جودته، وإن ظل محتفظاً بإمتاعه الموسيقي
حتى النهاية.
التقييم:
ستة
درجات من عشرة
عن الجسد والروح
On Body and Soul -
إلديكو
إنيدي
(المجر)
مفاجأة
البرليناله وتحفته الحقيقية خلال الثلث الأول من المسابقة.
المخرجة المجرية المخضرمة فاجأت الجميع بمعالجة بالغة الرهافة لقصة
حب تدور جنباتها في أغرب مكان يمكن أن يحضن لقاءً رومانسياً بين
شخصيتين أبعد ما تكونان عن التصورات النمطية حول أبطال قصص الحب:
حكاية
حب ينشأ في مجزر آلي بين فتاة مصابة بحالة من التوحد ورجل يعاني من
شلل في ذراعه.
الحب
هنا أكبر من مجرد مشاعر متبادلة بين شخصين، لكنه وسيلة لكسر القيود
والتغلب على العوائق الذاتية.
خصم
البطلين الأول بل الأوحد هو شخصهما، الجسد والروح.
في
الحالتين العائق مرضي خارج عن الإرادة، لكنه ملموس وواضح ومؤلم،
يكاد يجعل الإنسان مثل حيوانات المجزر، تتحرك في دورة حياة
ميكانيكية نهايتها المحتومة هي الذبح ووضع علامة لتقييم الجودة.
غير أن
تجاوز هذا المصير لا تأتي إلا بإيجاد الآخر.
أمر
ليس بالهين بل هو طريق وعر مليء بالعثرات والخوف والتحفظ، لكن
ولأنه يبدأ بحلم يحلمه الاثنان في ذات الوقت، لابد وأن يصل لنقطة
ارتكاز مهما كلف هذا من ثمن.
التقييم:
تسعة
درجات من عشرة
العشاء
The Dinner -
أورين
موفرمان
(الولايات
المتحدة)
نظرياً
يمكن تفهم رغبة المخرج في صناعة فيلم انقباضي، يقوم بالكامل على
حالة من التوتر والشد العصبي المستمر على مدار ساعتين هما زمن
الفيلم، تبدأن بحفل عشاء في مطعم فخم يقبل رجل حضوره على مضض مع
زوجته ليقابلا فيه شقيقه رجل السياسة وزوجته، لتتكشف خلال الساعتين
موجات من الحقائق حول طبيعة العلاقة بين الشقيقين، وحول الكارثة
الأسرية التي تم تنظيم هذا العشاء من أجل البحث عن حل لها.
مع
تقسيم الفيلم إلى فصول حسب قوائم الطعام:
مقبلات
-
فاتحات
شهية
-
طبق
رئيسي وهكذا.
إلا أن
النظرية شيء والتطبيق شيء آخر، ففي مساره كي يكمل البناء الذي وضعه
الخرج موفرمان، يدخل الفيلم مساحات متكررة من الثرثرة والتكرار
والتصاعدات غير المنطقية للأحداث؛ لتصير شخصيات الأبطال متخبطة
البناء، مثيرة للأعصاب بإقدامها على تصرفات وأفعال ليست فقط مبالغ
فيها، لكن من العسير وضعها داخل إطار يُفهم من خلاله مسار كل شخصية
(وعلى
رأسها شخصية الشقيق الأصغر)،
لتكون المحصلة هي أضعف فيلم عُرض حتى الآن من أفلام المسابقة
الدولية.
التقييم:
أربع
درجات من عشرة
فيليسيتيه
Felicite -
آلان
جوميس
(السنغال)
مفاجأة سارة تأتي من المخرج السنغالي الفرنسي الآن جوميس، الذي
يزور كينشاسا عاصمة الكونغو الديمقراطية ليروي فيها حكاية من جزأين
عن فيليسيته، المرأة القوية التي تعمل مغنية في إحدى الحانات
المحلية، والتي تنقلب حياتها رأساً على عقب عندما يأتيها خبر تعرض
ابنها الوحيد لحادث مروع يحتاج مبلغ طائل كي يعالج من تبعاته.
الجزء
الأول من فيلم جوميس تشويقي استكشافي، تتنقل فيه البطلة في المدينة
طارقة كل الأبواب الممكنة من أجل إنقاذ وحيدها، في رحلة لاستكشاف
كينشاسا كمدينة قاسية على سكانها بما تضمه من فساد ومعيشة صعبة
وهموم لا تنته.
قبل أن
يتغير شكل السرد في النصف الثاني ليصير أكثر شعرية وأخف ظلاً،
بعدما يعود الصبي إلى المنزل تزامناً مع تقرب رجل لفيليسيتيه
ومحاولته أن يكسر الحاجز النفسي الذي ضربه الصبي حول نفسه بعد
الحادث.
جوميس صنع فيلمه بإحكام تقني تفتقده الغالبية العظمي من الأفلام
الأفريقية، مقدماً هو الآخر مجموعة ممتعة من الأغاني والرقصات
الأفريقية في ثاني فيلم من المسابقة تكون البطولة فيه لشخصية آتية
من عالم الموسيقى.
التقييم:
سبع
درجات من عشرة
الفأر البري
Wild Mouse -
جوزيف
هادر
(النمسا)
أكثر
أفلام المسابقة انتزاعاً للضحكات حتى الآن، فالعرض الصحفي شهد
ضحكاً مستمراً تجاوب خلاله الحضور مع الفيلم الأول الذي يقوم
الكوميديان النمساوي جوزيف هادر بتأليف وإخراجه وبطولته.
حكاية
عبثية عن ناقد موسيقي مخضرم معروف بكتاباته القاسية، يفاجأ ذات
صباح قرار استغناء الجريدة عنه، ليدخل في سلسلة متلاحقة من المواقف
العبثية التي يواجه فيها زوجته والمدير الذي قام بطرده، وغيرهم من
الشخصيات التي يقابلها خلال الأيام التي جعلته يلامس حافة الجنون
مع اكتشافه أن حياته أوهن بكثير مما كان يتصور.
السيناريو كُتب بإيقاع متصاعد لاهث، مليء بالمواقف الكوميدية
المحبوكة بعناية، مع أداء جيد من هادر الذي جعلنا ـ وهو إنجاز
حقيقي ـ نتجاوب بالضحك مع شخصية ناقد نمساوي!
غير أن
التساؤل بعد الاستمتاع بالحكاية يظل حول قيمة الفيلم الفنية، وهل
يستحق بالفعل الوجود داخل أحد أرفع منافسات العالم؟ أم إن عرضه في
سياق أكثر جماهيرية قد يكون هو الأنسب لنوع الفيلم ومحتواه؟ شخصياً
أميل إلى الرأي الأخير.
التقييم:
ست درجات من عشرة |