إذ تنتهي أعمال الدورة 39 من مهرجان القاهرة
السينمائي الدولي اليوم، فإن إلقاء نظرة فاحصة على هذا الحدث يكشف
عن أنه يحتاج إلى تغييرات عدة لا ليستمر فقط، بل لكي يستطيع التقدم
في الاتجاه الصحيح ويرتفع عن مستوياته العادية المتكررة.
استمرارية
ليس أنه مهرجان بلا حسنات. هناك جهود رائعة تبذل
فيه وله عاماً بعد عام، وعلى أكثر من صعيد بدءاً من إدارته ومروراً
بخدماته الصحافية ووصولاً إلى تلبيته نهم المشاهد الذي ينتظر هذا
الحدث سنة بعد سنة. هناك إصرار وزارة الثقافة على دعمه وهناك رئاسة
المهرجان التي تحاول دوماً اجترار المعجزات لأجله.
ثم هناك مدينة القاهرة التي تستطيع، لو أتيح
للمهرجان التغلب على مشكلاته، أن تكون عامل جذب مهماً للمدعوين
والسينمائيين الأجانب. إنّها مدينة لديها اسم بحجمها توارث اهتمام
قطاعات مختلفة ولا ينقصها سوى تثبيت استقرارها واستقرار الوطن
المصري بكامله وهذا سيأتي وسيتم.
والواقع أن القائمين على المهرجان والإعلام ونجوم
الفن في مصر حاولوا تأكيد أهمية هذا المهرجان، وبذلك لعب دور
المروج والجاذب له. لكن الكلمات المختارة أصبحت «أكليشيهات»،
كالقول بأنّه يقام في «أرض الحضارة» (جزء من شعار المهرجان هذا
العام)، وما ورد في إحدى الخطب بأنّه «أهم مهرجانات العالم»، وهذا
غير صحيح على الإطلاق، ثم ما تفرع عن هذين القولين من تصريحات
مشابهة تدخل نطاق الحماس وتعلن عن حب الوطن، لكنها تبقى كلمات
وليست أفعالاً.
الحال أن المهرجان بحاجة إلى معالجة جذرية لكي ينهض
من واقعه الحالي. الحال أيضاً أنه ليس من أهم المهرجانات ولا
أقواها ولا مصدر الاهتمام الأول بينها. حتى يحقق هذه المعادلات
الإيجابية فإن المعالجة الجذرية له يجب أن تشمل منحه دوراً جديداً
ومميزاً يجعله أكثر من مجرد مهرجان بين المهرجانات العالمية
المنتشرة.
ولكي لا يبقى الكلام نظرياً، هناك خمسة أمور على
المهرجان القيام بها لكي يستطيع، لا الاستمرار بنجاح فقط، بل
ليتقدم كل سنة خطوة إلى الأمام. الاستمرار بحد ذاته صعب، لكن
الارتقاء هو الفعل الأصعب وغير المستحيل في الوقت ذاته.
أولاً: التخلص من «فياف»
- «فياف»
مؤسسة فرنسية أُسّست قبل أكثر من 50 سنة تعني، بين ما تعنيه،
الاهتمام بتنظيم العلاقات بين المهرجانات وتوزيع مهامها. نعم
مهرجان القاهرة هو العربي الوحيد بينها، لكنّ ذلك لا يقدّم كثيراً
أو يؤخر. ها هو مهرجان دبي يتصدر المهرجانات العربية من دون أن
يكون منضوياً تحت تلك المؤسسة.
بالتالي، كل ما سمعناه عن أهمية الانتماء لتلك
المؤسسة لا يعني شيئاً فعلياً بالنسبة للمهرجان، فها هو يحافظ على
مشكلاته سنة بعد سنة. بالخروج منه، يستطيع المهرجان المصري التمتع
بحرية اختياراته الأفلام عوض ارتباطه بشروط المؤسسة في ذلك،
ويستطيع أن يغيّر من وقت إقامته إذا شاء.
ثانياً: الهوية
-
ما هو المرغوب من هذا المهرجان؟ أن يستمر كعارض
لأفلام المهرجانات؟ (حتى المسابقة عرضت أفلاماً سبق عرضها في
المهرجانات الأخرى) أو أن يقدم القاهرة كمكان حاضن لمهرجان سينمائي
أسوة بعواصم عالمية أخرى؟
39
دورة أكدت أن ذلك لا يكفي، بل وربما ليس ضرورياً. الأفضل هو تشكيل
هوية خاصة بالمهرجان تنبع من أقسام جديدة وتوجهات مختلفة. أن يكون
لديه جانب واحد على الأقل هو أكثر التصاقاً به من سواه. جانب حاد
كاشف عن اهتمام بجانب من العمل السينمائي ليس منتشراً بما فيه
الكفاية. نقطة جذب أكيدة للسينمائيين الغربيين تجعلهم يفكرون جدياً
بعرض أفلامهم على المهرجان عوض أن يطلبها المهرجان منهم.
ثالثاً: إعادة رسم خريطة البرامج
-
هل يهم فعلاً أن يكون هناك قسم باسم «مهرجان المهرجانات» وآخر باسم
«بانوراما» خصوصاً إذا ما كانت أفلام البانوراما هي أيضاً ممن سبق
عرضه في المهرجانات الأخرى.
بالإضافة، اسم «مهرجان المهرجانات» عتيق تخلص منه
كل مهرجان تقدم بخطواته. أطلقه مهرجان تورنتو على نفسه في
الثمانينات والتسعينات ثم نبذه. أطلقه مهرجان لندن على نفسه طويلاً
ثم توقف عن ذلك لأنه يعني تماماً ما يوحي به: جامع أفلام من
مهرجانات أخرى.
لقد ثبت أن الجمهور يرغب هنا بمشاهدة أفلام
المسابقة وأفلام «آفاق السينما العربية» وصولاً إلى «بانوراما
الأفلام المصرية الجديدة». الباقي تفاوت كثيراً من فيلم لآخر. حتى
يدرك الهاوي أي فيلم عليه أن يراه، وذلك تبعاً لرغبته، على القسم
أن يكشف عن تخصصه. لم لا يكون هناك قسم لأفلام الأنيميشن؟ للأفلام
التسجيلية؟ لأفلام بارزة في مجال التصوير السينمائي أو موسيقى
الأفلام؟ لم لا يكون هناك قسم لكلاسيكيات السينما؟
رابعاً: إدارة قوية
دورة وراء أخرى تبرهن على أن الدورات الأكثر نجاحاً
وتنظيماً هي تلك التي أقيمت في ظل إدارات قوية. لقد مرت مرحلة
ناجحة في هذا الشأن، عندما قام الراحل سعد الدين وهبة بإدارته
بقبضة قوية بحيث أن الأخطاء التي وجدها متكررة في مطلع ولايته،
التي استمرت لعدة أعوام، تمكن من إزالتها. هناك تنظيم جيد في هذه
الدورة من حيث علاقة المهرجان بضيوفه، لكن الأخطاء والهفوات ما
زالت واقعة، فهناك أفلام استبدلت وأفلام تأخر عرضها وأخرى لم يكن
الصوت فيها جيداً. وهذه هفوات يمكن تصحيحها بمجرد وضع الموظفين تحت
سقف المسؤولية والمحاسبة.
ثم هل يمكن منع استخدام الهواتف الجوالة خلال العرض
بالطلب من موظفي الصالات ممارسة دور المانع بالتنبيه على الأقل؟
خامساً: الميزانية
ميزانية المهرجان هذه السنة أعلى مما كانت عليه.
ليست مثالية ولا هي كافية لتحقيق كامل ما يصبو المهرجان إليه. لكن
هل هناك حاجة لاستقبال أكثر من 180 فيلماً؟ لماذا لا يخصّص جزء من
الميزانية لاستقطاب إعلاميين عالميين؟ تعيين مستشار له خبرته
الطويلة والمنفصلة (وبالتالي المختلفة) للإسهام في وضع وتنفيذ
الخطط الصحيحة؟
وماذا عن صالات السينما؟ لكي يسترد المهرجان جزءاً
من ميزانيته على أفلامه أن تعرض في قاعات منتشرة في كل القاهرة
وربما سواها لجانب تطوير تلك التي تعرض فيها أفلامه الحالية.
إرضاء
كل ما سبق، له علاقة بإذا ما كان القائمون على
مهرجان القاهرة لديهم النية للتغيير الكامل. لتثبيت رؤية مغايرة،
تنظر إلى الخلف وتقول، كفى وتبدأ من جديد بأهداف جديدة.
يحتاج المهرجان أن يبدأ البحث عن مكان فريد تحت
الشمس. للتفكير بكيف يمكن للسينمائي العالمي البدء بتفضيل هذا
المهرجان على بعض سواه. وما سبق لا يصلح للعمل جزئياً. إنها معالجة
شاملة ومتوحدة يمكن بعدها البدء في الارتقاء بهذا المهرجان الذي
عليه أن يستمر خارج نطاق تنفيذه لأنه مطلوب. عليه أساساً أن يجد
دوراً كبيراً وطموحاً وجديداً لكي يلعبه.
ولا يفيد مطلقاً الاكتفاء باستخدام العبارات
الطنانة. هذه قد ترضي الذات، لكنها لا تصنع مهرجانات ناجحة.
####
سنوات السينما
ميرامار(1969) شادية ورجال نجيب محفوظ
يمكن للمرء أن يذهب إلى القول، وعلى نحو قابل
للنقاش، إن روايته «ميرامار» هي أكثر ما كتب دفاعاً عن المرأة التي
نجدها حاضرة في كثير من أعماله الأخرى. هي مكتوبة على نحو مذكرات
لعدد من شخصيات بنسيون باسم «ميرامار»، حول الفتاة زهرة التي تصل
إلى الإسكندرية آتية من الريف وتقصد المكان، لكي تعمل عند صاحبته
ماريانا. وهذه تستقبلها بترحاب.
سكان هذا النزل يزدادون عدداً بالتدريج في الرواية
وفي الفيلم. هناك اثنان من جيل ما قبل ثورة 1952، هما عامر (عماد
حمدي) و(الساخر دوماً) طلبة (يوسف وهبي). ثم ينضمّ سرحان (يوسف
شعبان) الشاب الذي يعمل محاسباً في شركة نسيج وعضو إحدى النقابات
الاشتراكية الذي يسعى لكسب حب زهرة، بينما يتقرب من امرأة أخرى
للزواج بها. أيضاً هناك حسني (أبو بكر عزت) الذي فلت من القرارات
الاشتراكية وأخيراً منصور (عبد الرحمن علي) وهو شقيق لأخيه الضابط.
كل هؤلاء، يُضاف إليهم بائع الصحف محمود (عبد
المنعم إبراهيم)، يحلقون حول زهرة. البعض خوفاً عليها (كما حال
عامر ومحمود)، والبعض الآخر استغلالاً لها (كما سرحان وحسني). هناك
نيات حسنة، وأخرى سيئة، وثالثة حيادية، لأن عاطفتها مشغولة بحب
بعيد.
في الفيلم نجد زهرة (شادية) هي المحور، كما في
الكتاب. لكن كاتب السيناريو ممدوح الليثي ينزع عن النص شكل
المذكرات والكثير من الأحداث ويخص النزل بمعظم المواقف. لكن
كالرواية، النزل يصبح المجتمع المصري والشخصيات هي التي تتنازعها،
بينما زهرة هي بمثابة مصر التي ترفض، في النهاية، الهزيمة التي
يتسبب بها المستغلون والفاسدون.
مثال الفيلم الأنصع عن هذا الفساد نجده في شخصية
سرحان الذي علاوة على خداعه زهرة يوافق على الاشتراك بعملية تهريب
لبضائع من الميناء لتحسين وضعه المادي، عاصفاً بأدراج الرياح كل
مقولاته حول الاشتراكية وشكاوى العمال. في المقابل، هناك الوفديون
والخاسرون لأمجاد الأمس والذين آلوا إلى البطالة أو الذين يعيشون
على الحافة بين الفريقين. النموذج الواضح هنا هو مصر / زهرة
المتنازع عليها بين الاتجاهات.
خط واحد
بذلك هو فيلم رسالة شائكة حُقّقت في الفترة التي
انتمت إلى حكم الرئيس جمال عبد الناصر وبذلك كان آنذاك، وربما
اليوم، من الغرابة بمكان كيف سُمح بتحقيق فيلم ناقد لما آلت إليه
الثورة. الغالب أنّ حرب 1967 الخاسرة ساعدت على السماح بتحقيق هذا
الفيلم بعد عامين من وقوعها.
كأفلام المخرج كمال الشيخ الأخرى، هناك إلمام جيد
بشروط تنفيذ فيلم عليه أن يلخص حكاية كبيرة الحجم والمفادات، ولو
أنّ الفيلم، مقارنة مع أعمال أخرى لهذا المخرج المهم، مثل «اللص
والكلاب» (أول تعاون له مع الراحلة شادية، 1962) و«الشيطان الصغير»
(1963) و - لاحقاً - «الهارب» (1975) و«على من نطلق الرصاص»
(1976)، ليس بالعمل الجيد من دون شوائب. أما تمثيل شادية فهو يبقى
على خط واحد من البذل وعلى نحو قابل للتصديق من دون تكلف. في
الرواية هي أصغر سناً. في الفيلم كان لا بد من الاستعانة بممثلة
ذات اسم كبير (اسمها جاء الأول في العناوين)، وهذا الاسم كان
شادية. كان الفيلم يستطيع التأكيد على محورية زهرة أكثر مما فعل.
اللجوء إلى مد خطوط موازية تقع خارج النزل وبعيداً عن زهرة يشتت
قليلاً من التركيز على زهرة وما تواجهه. بذلك لا يبقى سوى الشرح
اللفظي أو التمثيل المباشر لما تطرحه الشخصيات من مواقف.
بداية الفيلم (زهرة في الحافلة التي تصل إلى
الإسكندرية) تختلف عن مطلع الرواية، لكنّ نهاية الفيلم (عامر وجدي
يتابع زهرة التي خرجت من التجربة بقوة ثم بصوته وهو يقرأ من «سورة
الرحمن») تقترب.
####
شاشة الناقد
>
الفيلم:
Açúcar («سكّر»)
-
>
إخراج: سيرجيو أوليفييرا،
-
ريناتا بنايرو -
>
النوع: دراما | البرازيل (2017)
-
>
تقييم: *** (من خمسة)
يتعامل هذا الاشتراك الرسمي في مهرجان ريو دي
جانيرو الأخير، ومسألة العلاقة غير الودية التي ما زالت قائمة بين
العرقين البرازيلي الأبيض والبرازيلي الأسود، ذلك الذي تم استيراده
قبل قرون من أفريقيا.
حكاية باثانيا (ماييف جنكنغز) العائدة من المدينة
إلى الريف حيث وُلدت قبل 40 سنة. هي رحلة طويلة من العاصمة إلى
مزرعة السكر التي ورثتها باثانيا في الشمال الشرقي من البلاد.
القارب الذي نقلها من محطة الوصول إلى الأدغال القريبة شق طريقه
بين أوراق الشجر. الكاميرا من بعيد والقارب (المفترض) بين الأوراق،
لكنّه يسبر سطح الماء كما لو كان مسحوباً بحبل. ونحن لا نرى القارب
كاملاً، مما يدفع للاعتقاد بأنّه ليس موجوداً في الأصل.
ننسى ذلك بعد قليل. حال وصولها إلى منزل العائلة
المهجور تبدأ تلك باثانيا بفحص محيطها الجديد. البيت بلا إنارة
والغبار يعلوه وكل شيء يئن من سنوات العزلة. ستقوم بإعادته إلى ما
كان عليه سابقاً، لكنها في خلال ذلك ستلتقي بالأفريقيين الذين
جلبهم البرتغاليون إلى تلك البلاد قبل مئات السنين وتركوهم بلا
مستقبل أو معين وما زالوا.
هي حكاية عنصرين إذن: بيض وسود. وباثانيا، وقد غدت
في منتصف العمر، ليست مستعدة لتجاوز مرجعيتها العنصرية حيال
العاملين في الحقل وفي مقدمتهم «زَ» (جوزي ماريا ألڤيز) الذي
يساعدها في إعادة تأهيل المنزل للسكن وأليساندرا (داندارا د موراس)
الخادمة التي ستحاول باثانيا لاحقاً تعنيفها. تستطيع أن ترى عدم
رغبة المرأتين في كسب ود متبادل. تحدٍ ينتشر تحت الجلد وبما أنّ
الدراما تتمحور حول باثانيا، فإنّ التهمة موجهة إليها أصلاً وستبقى
معها إلى أن تقرر أنها لا تريد البقاء في البيت فتغادره (في ذلك
المركب الملتقط شراعه من بعيد).
معالجة كل من المخرجَين سيرجيو أوليفييرا وريناتا
بنايرو تفرز شغفاً بالحالة الماثلة ولو أنّ الكاميرا تحافظ على
مستوى واحد من التعامل مع المكان ومع الشخصية. اللقطات غير قريبة
وحانية، وعندما تقترب فهي لالتقاط مشاعر نمت على الأوجه قبل أن
تتحرك كاشفة التفاصيل عبر الحركة الكلية.
يتداخل في موقف بطلة الفيلم ذلك القدر من الرغبة
المكبوتة التي تكشف لا عن احتدام صراع عاطفي فقط بل عن آخر نفسي.
لكن مشهد تعنيف الخادمة بمصادرة راتبها ثم ضربها يأتي ليفصح الكثير
عن المرجعية المتحكمة في باثانيا والتي تمنعها من قبول التعامل مع
الخادمة بإنصاف وبمساواة.
الكتابة محدودة. ليس هناك الكثير من الشخصيات وليس
هناك الكثير من الأحداث. لكنها، في الوقت ذاته، تتيح كل ما يلزم
لفيلم يشرح أزمة امرأة مع عواطفها المكبوتة وتلك المعلنة. تصوير
مناسب من فرناندور لوكَت يحفظ وحشة المكان ويؤطر كادراته على نحو
ثاقب من دون تحميل المشهد ما لا لزوم له من زوائد.
####
المشهد
فجأة نتذكر وفجأة ننسى
>
نحن لا نعرف الكثير عن كيفية الاحتفاء بفنانينا
خلال وجودهم بيننا، فكيف لنا تقديرهم والاحتفاء بهم بعد وفاتهم؟
>
الحاصل هو أنّنا ننتظر دخول فنان ما إلى المستشفى، فنكتشف أنّه لا
يزال حياً وأنّه ذو تاريخ طويل فنتابع حالته. حين يموت ننفرد
بالكتابة عنه. نحتفي بموته كما لو كان وضعاً طارئاً. نكتب المقالات
التي تشيد به ونتبارى في استخدام كلمات التوديع المناسبة. ثم،
وخلال أيام قليلة فقط، نتدرج سريعاً في النسيان بانتظار رحيل آخر.
>
ليس من الضروري أن يرحل المرء لكي نتذكره ثم ننساه. في اليوم الذي
فارقت الممثلة والمطربة شادية (قابلتها مرّة واحدة في حياتي في سن
السادسة عشرة)، مر نقيب الممثلين أشرف زكي بمقهى فوجد الممثلة آمال
فريد تجلس وحدها بحالة رثة. هذه كانت من نجمات الخمسينات
والستينات. كانت صغيرة عندما بدأت التمثيل بفيلم «موعد مع السعادة»
وترعرعت في الستينات فقادت البطولة النسائية لأكثر من فيلم معروف
من بينها «الابن المفقود» و«جزيرة العشاق».
>....
ثم اعتزلت. أو ربما قرفت وطواها ٍالنسيان إلى أن اكتُشف وجودها
مهملة ومنسية وفي حال تثير الحزن. فجأة تذكرتها المواقع الشجاعة
وكتّابها. كما سبق وتذكروا الكثير من ممثلي ومخرجي السينما المصرية
بعد فوات الأوان.
>
لا يزال في الجوار كثير من السينمائيين الذين شاركوا في صناعة
الفيلم المصري وأسهموا في نجاحه. مهملون ومنسيون وفقط عند موتهم أو
قرب وفاتهم سيتذكرهم أهل الفن والإعلام ويسارعون بكتابة الرثاء
وآيات التمجيد. فعلوا ذلك مع كل راحل من قبل.
>
وتلفزيونياً، الفعل ذاته. خبر من هنا وخبر من هناك ثم لا شيء. تلك
المحطات المتخصصة بعروض الأفلام تختار بعض الأفلام التي لديها
وتعرضها. لكن لا شيء منظم ولا شيء يؤكد أن المحطة الواحدة كانت
وضعت في البال تأبيناً أفضل وأهم.
>
وعلى ذكر محطات الأفلام تجد أنّ ما تعرضه من أفلام عربية (وأجنبية
أيضاً)، دائماً ما هو عشوائي. لا نظام ولا تنظيم. ولا روح تقف وراء
المختارات. وإلى أن يصبح لدينا محطة مثل
TMC
فإنها لا تستحق الاهتمام. |