ماذا ينقص السينمائي المصري لكي يسمو إلي مستوي
الظرف التاريخي الاستثنائي الذي عشناه ونعيشه خلال "عواصف الربيع
الغربي" ولا أقول العربي؟.. ولا تسألني لماذا الغربي وليس العربي
لأن الإجابة معروفة. وإن كانت وثيقة الصلة بالسياسات "العالمية"
التي يعرفها متخصصون في هذا الشأن. ولكن ربما تشير "الغربي" كما
يتبادر إلي الذهن في هذا السياق إلي جنسية السلاح الذي عصف
بالمنطقة العربية شعوباً وآثاراً وبني تحتية.
أعني سلاح القناصة في الميادين الثائرة والميليشيات
المتوحشة والجماعات التكفيرية الإرهابية والمخربون و...... إلـخ
وكلها بالمناسبة نقلتها الصور في الإعلام وفي وسائل التواصل
المرئية. وفي السينما الوطنية وسوريا نموذج مثالي: لاستخدام الفيلم
في تخليد جانب مما جري.
اتساءل مجدداً ماذا ينقص السينمائي المصري سليل
هوليود الشرق وابن الصناعة الأكبر والأقدم والأكثر أو التي كانت
أكثر تأثيراً في المنطقة العربية حتي وقت قريب.
اطرح السؤال بقدر غير قليل من الرفض والغضب لحالة
البلادة واللامبالاة التي تجعل مهرجاناً باسم القاهرة تخلو مسابقته
الرسمية من فيلم مصري يليق بالصناعة الأكبر والعاصمة العربية
الأهم؟؟!
حسب قناعاتي الخاصة أن هذه الحالة المزرية تعود في
جانب منها إلي حالة "الفصل" ومن ثم غياب الوازع الشعوري والانفصال
المزمن بين الشأن العام الوطني والقومي المحلي والعربي وبين الطموح
الذاتي لصانع الفيلم وتلك سمة تفرض نفسها علي حصيلة ما يتم انتاجه
حول القضايا المصيرية الكبري مثل الحرب حيث الحروب الثلاثة المهمة
بما فيها "العبور" ولا يوجد عمل سينمائي قديم يضاهي أو يحكي عما
جري فيها.
هناك أيضا حالة "فصام" نفسي وشرخ أخلاقي يحول دون
فريضة الالتزام بالمسئولية. أعني مسئولية الفنان في مجال السينما..
تأملوا مثلاً حالة الحزن العارم الذي أصاب الناس برحيل شادية "أم
الصابرين" والتي استقرت معزتها في الضمير والوجدان الجمعي.
لدينا حالة من التردي السينمائي بسبب الافراط في
"اللهو" الفارغ والترفيه الهروبي العاجز عن تحقيق الغرض منه وتوجد
منه نماذج قليلة في التظاهرات الموازية "افاق السينما العربية" في
"القاهرة 39".
نماذج من الانتاج الحديث جداً تؤكد معني الغياب حيث
صانع الفيلم المصري وبالذات الشباب حريص علي التواصل مع مهرجانات
العالم البعيد. يهرول بعمله من مهرجان لآخر حاملاً "شهادة" تتناسب
مع ذائقة "الجمهور" في هذا البلد أو تلك المنظمة للمهرجان حتي يعود
بوثيقة تمنحه صفة "الحضور" علي الخريطة بعمل محمل بما يشهد بأنه
ابن عالم غريب متخلف يمتليء بالكدمات الاجتماعية والنفسية. ويلوح
بالكليشيهات المكرورة وفاقدة المعني من فرط التكرار وسوء الاستخدام
مثل "حرية التعبير" و"الاستبداد" والحكم "الديكتاتوري" و... إلـخ
شعارات هذه المجموعة الشاردة التي تمثل في جوهرها
كدمة في مسيرة مصر في مواجهة القوي العاتية التي تتربص علي حدودها.
سوريا وجوائزها
إجابة السؤال الذي طرحته في بداية المقال تجيب عليه
النجاحات التي تحققها السينما السورية الحاضرة في مهرجانات
الإسكندرية والقاهرة ودبي وسائر المهرجانات الخاصة بالفيلم العربي.
ولا أشير إلي الأفلام والجوائز وآخرها جائزة أحسن
ممثلة التي حصلت عليها الممثلة السورية "دياماند بوعبود" بطلة فيلم
"في سوريا" التي قدمت دوراً شديد القوة. بالغ التأثير هز قلوب جميع
من كان في صالة العرض وحركت شهية بعضهم للكلام العاكس لمدي تأثرهم
بقوة الفيلم الذي يرسم صورة مثيرة ومحزنة للغاية ومحملة بالدلالات
التي تؤرق الضمير العربي والعالمي
المذهل أن فيلم "في سوريا" أو "الحالة السورية" من
إخراج مخرج بلجيكي وصل انفعاله وتأثره بما جري في سوريا وانعكس علي
الإنسان السوري والأسرة السورية بفعل الإرهاب الأسود الذي تمارسه
جماعات تجردت بالكامل من إنسانيتها.. الفيلم للمخرج فيليب فاندليو
لا يقترب من السياسة ويصلح لكل مكان يعاني من الحرب ولا يثير ما
يغضب النظام "الديكتاتوري" ولا قوي "الاستبداد" العربية. ولا
يتنافي بأي حال مع حرية التعبير وإنما يؤكد وبالدليل القاطع أن
فنانة كبيرة وقوية مثل "هيام عباس" الممثلة الفلسطينية بدورها في
هذا الفيلم كأم عربية استطاعت بمنتهي الحزم والإرادة والثبات
النفسي أن تصمد أمام القوة التي تريد أن تغتصب البيت والعرض
وإنسانية أفراد الأسرة عموماً.
وهذا الدور يمكن أن يتجاوز بتأثيره عشرات المقالات
والخطب ويتصدي للقوي المناوئة.
أتذكر في هذا السياق قول مخرج مصري شاب أرعن وعديم
الكياسة وهو يصرخ في أحد المهرجانات الأوروبية بأنه غير سعيد
بجنسيته المصرية ولأمثاله أقول "الباب يفوت جمل" مثل هذا النموذج
التافه بغض النظر عن موهبته أو مهاراته كصانع للفيلم يعتبر نموذجاً
مرفوضاً لحالة الفصام وعدم الانتماء وأمثاله هنا من التيار الشارد
ليسوا قليلين وهم بكل أسف يمثلون خيطاً رفيعاً أسود وسط حالة
الغياب وعدم المسئولية لصناعة السينما الوطنية.
وفي نفس المهرجان "القاهرة 39" شاهدنا فيلماً
سورياً رومانسياً رفيعاً ورائعاً وظريفاً يمزج بين الحب والحرب
ويعتبر الأول "الحب" خط الدفاع الأساسي في مواجهة الحرب ويمثل
الالتزام الوطني واكسير حياة في مواجهة ويلات وتداعيات الصراعات
والتمزقات واللجوء الجماعي. أنه فيلم كوميدي "!!" مليء بالرسائل
الجادة وفي قالب مسل يخاطب المشاعر بلغة إنسانية تلمس الإنسان في
أي مكان أشير إلي فيلم "طريق النحل" للمخرج السوري الكبير
عبداللطيف عبدالحميد.
فالالتزام الإنساني والوطني والتوظيف الناجح للقوة
الناعمة التي تمثلها السينما والفنون عموماً لا يعني المباشرة ولا
الحرمان من جماليات الفن. فلكل نوعية من الأفلام قوالبها الجمالية
المتنوعة وأطرها الفنية التي يزخر بها تاريخ الفن السينمائي ومنها
أفلام الحرب والمقاومة وحصيلة الأفلام السورية التي وفرها مهرجان
الإسكندرية منذ شهور والقاهرة الذي انتهي منذ أيام تؤكد أن الصراع
الدموي التدميري الذي شهدته سوريا والمأساة الإنسانية المخيفة التي
أصابت الناس والمدن السورية الرائعة مثل حمص وحلب وغيرها.. هذه
الحالة المفزعة التي عاشها الشعب السوري وأدت إلي هجرة الملايين من
أبنائه أفرزت سينما قوية وممتعة بالمناسبة. وأقوي من حيث المستوي
الفني والتأثير من كثير من الأفلام التي شاركت في المهرجانات
السينمائية قبل الحرب علي سوريا.
لقد شاهدنا من الأفلام السورية أيضا فيلم "مطر حمص"
من انتاج 2017 للمخرج جود سعيد من مواليد دمشق 1980 وأيضا من
تأليفه ومثل جميع الأفلام السورية التي صورت أثناء الأزمة الطاحنة
والتي مازالت قائمة وتشكل وثيقة بصرية لمدينة حمص القديمة التي
باتت مسرحاً لصراع دموي رهيب من أجل البقاء و في نفس الوقت شهادة
حية لمدينة تاريخية تحولت إلي أطلال وبقايا وفخاخ قاتلة لمن تبقي
يبحث عن أشلاء من سقطوا تحت جدرانها وبرغم هذا كله تظل حافظة
لذكريات جميلة تجدد الرغبة في الحياة.
الفيلم من انتاج المؤسسة العامة للسينما التي كانت
وراء تمويل معظم الأفلام السورية وقد شاهدنا لهذا المخرج نفسه
فيلماً بعنوان "رجل وثلاثة أيام" في مهرجان الإسكندرية "2017" ولا
يعني ذلك إن الفنان المعارض للنظام غريب أو عاجز عن التعبير عن
هموم الجماعة.
ولا يقتصر الانتاج السوري علي الأفلام الروائية
الطويلة التي سوف تدخل التاريخ كوثائق للأجيال القادمة وشهادات علي
بشاعة الحروب وتواطؤ القوي السياسية الكبري الحاكمة وقتلها بقلب
ميت للشعوب وبالذات في منطقتنا العربية.
وهناك أيضا العديد من الأفلام التسجيلية المهمة
التي شاركت في المهرجانات الدولية وتصور المعاناة الهائلة التي
عاشها الشعب العربي في هذا البلد التاريخي العربي والحضاري العظيم.
أذكر من هذه الأفلام التي انتجت عن سنوات الحرب
فيلم "علي حافة الحياة" للمخرج ياسر قصاب الذي حصل علي جائزة أفضل
فيلم طويل في مهرجان "سينما الواقع" "سينما دورييل". وفيلم "العودة
إلي حمص" للمخرج طلال ديركي الذي يتناول سيرة حياة عبدالباسط
الساروت حارس منتخب سوريا وكان ضحية للإرهاب.
وشاركت السينما السورية التسجيلية كذلك بثلاثة
أعمال في مهرجان "إدفا" الهولندي وهم "آباء وأبناء" لنفس مخرج فيلم
"العودة إلي حمص" مما يؤكد الإلتزام الأدبي والفني والأخلاقي بدور
السينما بكل تجلياتها في رصد الواقع المعاش خصوصاً في ظل الظروف
الاستثنائية كالحرب وانعكاساتها علي الأجيال وعلي الصغار بصفة خاصة
وعلي الأسرة العربية عموماً أنها مهمة يحرص عليها صناع السينما
السورية.
هذا الانتاج السوري بتنويعاته لا شك يخضع لرؤية
وتوجه صائب للفن كسلاح في الحروب وشهادات التاريخ وتخليد لوقائع
التاريخ وانعكاساتها علي الجماعات الإنسانية وعلي الآثار التاريخية
التي تم تدمير الكثير منها في سوريا والعراق.
المهرجانات السينمائية تشكل وعاء جامعاً للتجارب
الإنسانية وكيانات ثقافية تتضمن دلالات كاشفة عن حجم الاسهام
الثقافي للفيلم السينمائي وعن الحالة الصحية لهذا "المنتج" في
الدولة التي يقيمها المهرجان.. وحين يغيب دور ""الفيلم" المصري
ويختصر في تظاهرات موازية علي عدة تجارب مسلية ولاهية وبعيدة عن
قضايانا المصيرية. إذن الأمر يشير إلي خلل وانيميا فنية جعلت وجه
الصناعة باهتاً وهزيلاً.
####
سينما 2017
يحرره: تقدمها: خيرية البشلاوى
مهرجان القاهرة "39"..
فيلم "قتل عيسي" .. "الثأر" في أخطر مدن العالم
يمكننا القول إننا شاهدنا مجموعة من الأفلام الجيدة
وفرها مهرجان القاهرة السينمائي الدولي للمشاهد المتابع لفاعلياته.
والجودة هنا نسبية بالطبع وتعتمد علي مدي قدرة الجهة المنظمة علي
اختيار واستحضار أفضل الأعمال من بين الإنتاج العالمي للسينما التي
تتفق مع شروط الاشتراك. وهذه القدرة نفسها مقيدة بعناصر كثيرة
أهمها الميزانية المتاحة حيث لم يعد من الممكن الحصول علي الأفلام
مجانا مثلما كان يحدث في سنوات سابقة. كما أصبح شبه المستحيل أن
يحصل المهرجان علي عروض أولي لأعمال كبيرة لم يسبق لها المشاركة
لأسباب لا داعي لتكرارها. أضف إليها أن مهرجان القاهرة لا يمثل
بالتأكيد الاختيار الأولي للمخرجين العالميين الكبار. المهرجانات
الكبري تمتلك هذا الامتياز ولم يعد "القاهرة" منها حتي بالنسبة
للمخرجين المصريين الذين باتت طموحاتهم تتجاوز حدود القاهرة. خاصة
بعد كثير من أشكال القصور الخاص بالإمكانيات اللوجيستية المرتبطة
بإمكانيات دور العرض التقنية وما جري لفيلم الافتتاح "الجبل بيننا"
دليل!
لا أحد يستطيع الزعم بأنه ليس بالإمكان أفضل مما هو جار الآن. لان
المهرجان يخفت بريقه. وإن كنت أعتقد أنه بإمكان الدولة استعادة هذا
البريق وقد بدأ التلويح بذلك في حفل الختام. ولا ننسي وجود منافسين
لـ "القاهرة" في المنطقة ولديهم الإمكانيات مفتوحة والتنظيم أقوي
وفريق العمل أكثر احترافية من الفريق الموجود حاليًا.
وليس معني ما تقدم أن المهرجان السينمائي في هذه
الدورة لم يوفر كالعادة فرصًا ذهبية لعشاق السينما كفن بأعمال تضيف
إلي معرفته ومداركه وتحديث وعيه بالسينما ودورها في مد الجسور بين
الثقافات باعتبار مشاريع فنية جماعية كاشفة لأحوال هذه الصناعة
وارتباطها بالواقع في بلاد العالم المختلفة.
فمن يريد الاستفادة بهذا الحدث الثقافي الفني
الكبير سيجد أمامه مساحة خصبة مزروعة بالتجارب الفيلمية الحديثة قد
لا يتسع وقته أن يلم بها جميعا وهي شهادة علي الجهد الذي تم بذله
لتحقيق ذلك. وقد يجد في نفس الوقت صعوبة أثناء الهرولة من قاعة إلي
أخري. أضف إلي ذلك الندوات العديدة التي تحمل عناوين كبيرة صارت
موضة في "أدبيات" الإعلام المرئي والمكتوب. وهي في رأيي "لا تقدم
ولا تؤخر ولا تحل ولا تربط" كما تقول الأمثال الشعبية. عشرات
الندوات السابقة في الدورات التسعة والثلاثين حملت عناوين براقة
وبلا تأثير فعلي أو عملي. ولكن لعل الندوة الأقرب إلي الفعل الطيب
وتستحق الإشارة تلك التي تحمل التحية والاعتراف بالأهمية والدور
الإيجابي للأعزاء الذين فقدناهم نقاد وأساتذة ومخرجين في هذه السنة
الكبيسة 2017. وهم لا شك تركوا فراغا كبيرا معنويا وإنسانيا
وثقافيا.
فالمهرجان مثل أي كائن حي ينمو ويكبر ويستمد طاقته
من البيئة الثقافية والظروف الاجتماعية والسياسية التي يقام فيها.
ولا أحد ينكر التراجع الذي أصاب ذائقة الناس وجمهور السينما منهم.
وقد تم إفساده منذ سنوات بأفلام التوليفة التجارية الاستهلاكية
المتدنية ثقافيا وفنيا. ويبدو هذا التراجع في العدد الضئيل الذي
يتبقي من الجمهور المتزاحم في بدايات حفلي الافتتاح والختام
لمشاهدة فيلم الافتتاح وهو المفروض المكسب الأهم الذي ننتظره.
هذه الظاهرة المؤسفة مازالت تحدث بعد 39 دورة
وأسبابها تحتاج إلي ندوة سنوية موسعة تتخذ من وقائع الحفل الأخير
عينة للدراسة. وفي هذه الدورة الأخيرة لم يستطع مخرج الافتتاح أن
يداري غضبه أمام العدد القليل جدا الذي انتظر عرض فيلمه ثم ما جري
للفيلم جعله يوقف العرض.. وليكن عنوان الندوة "لماذا"؟؟
شارك في المسابقة الرسمية في دورة "القاهرة 39" 16
فيلما. ليس من بينها كما سبق أن أشرت فيلما مصريا واحدا ولهذا
دلالته الذي لم يستطع المخرج المصري سمير سيف الإشارة إليها عندما
استوقفته إنجي علي مذيعة النايل سينما أثناء دخوله فوق السجادة
الحمراء في حفل الختام.. فالرجل وهو عضو نشط في الكيان السينمائي
القائم وبالتأكيد لديه ما يقوله ولم يقل شيئا فليس كل ما يدركه
المرء يقوله ومن عدم الكياسة أن يجاهر به في ليلة عرس احتفالية
بالسينما والقاعة المهيبة تستقبل ثلاث نجوم أمريكيين كبارًا من
حملة الأوسكار وتخضع لحراسة أمنية مشددة مطلوبة وتفرض مراعاة
الظروف الاستثنائية التي لابد أن تطول كل شيء. ومن الصعب بل
المستحيل أن تقول لـ "الأعور انت أعور في عينه".
تضم المسابقة فيلمًا عربيًا وحيدًا من تونس إنتاجًا
مشتركًا مع فرنسا. حصل بطله "رءوف بن عمر" علي جائزة أفضل ممثل.
الفيلم بعنوان "تونس في الليل" وتضمنت فيلما آخر من سوريا. ليس
سوريا وإنما إنتاج مشترك بلجيكي فرنسي لبناني ولكن بأبطال سوريين
وموضوع في صميم الحالة السورية وقد حصلت بطلته اللبنانية علي جائزة
أحسن ممثلة والعملان مهمان وكاشفان عن جزء من الصورة المركبة جدا
والمحزنة للغاية لواقع عربي في بلدين كبيرين "سوريا وتونس".
أفلام المسابقة مثلت بعض بلدان من آسيا وأمريكا
اللاتينية ودول شرق وشمال وغرب أوروبا في غياب المملكة المتحدة
وأمريكا.
ومعظم هذه الأفلام يتراوح مستواها بين الجيد وفوق
المتوسط وليس من بينها "روائع". هذه النوعية ربما تجد لها تمثيلا
في التظاهرات الموازية مثل "مهرجان المهرجانات" وينطبق ذلك حتي علي
الأفلام الحائزة علي الجوائز. ومنها الفيلم الذي يضع خطوطًا بارزة
تحت المثل الذي يقول "من شاف مصائب غيره هانت عليه مصيبته".
أشير إلي فيلم "قتل عيسي"
"Killing Jesus)
الحاصل علي جائزة الهرم الفني وجائزة "الفيبرسي" "النقاد". والذي
يرسم صورة لواقع اجتماعي رهيب لأكثر مدن العالم خطورة. مدينة
يحكمها ملوك الجريمة المنظمة ويتحول نسبة من شبابها الصغير إلي
ماكينات أجيرة للقتل..و والفيلم إنتاج مشترك بين كولومبيا
والأرجنتين ويعتبر العمل الروائي الأول لمخرجته "لورا مور". وهو من
بطولة شابين صغيرين يقومان بأول أدوارهما السينمائية وهما ناتاشا
جاراميللو التي لعبت دور "لورا". وجيوفاني رودريجور الذي لعب دور
"عيسي"
"Jesus).
وأحداث الفيلم تدور في المدينة الكولومبية "ميدللين" التي تضم
أمراء للجريمة مثل أمراء "داعش". الأول يدينون بالمسيحية. والثاني
بـ "الإسلام". و"الممالك" التي يسيطرون عليها يعتمدون "القتل"
وسيلة لبسط النفوذ.
ولكن المدينة اللاتينية التي تعالج موضوع "الثأر"
تمثل الجريمة جزءا عضويا لا يتجزأ من كيانها وتصميمها الديموجرافي
والمخرجة تعالج "الثأر" هنا من خلال قصة الشابين "لورا" و"عيسي".
الأولي من الطبقة المتوسطة. والثاني من الفئات الفقيرة بل المفرطة
في الفقر. والد لورا أستاذ في العلوم السياسية وناشط في مجال حقوق
الإنسان. وقد تم اغتياله علي يد "عيسي" الذي تلمحه لورا بسرعة
أثناء تنفيذه لقتل أبيها. وتلجأ إلي الانتقام منه بعد يأس وغضب
شديدين من التحقيقات المتباطئة واللا مبالية من قبل الشرطة.
ثم تأتي الفكرة بعد أن تلتقي بهذا الشاب القاتل
مصادفة. وتسعي لتنفيذها باختلاق مناسبة للقائه. وبالفعل تعقد معه
صداقة شكلية وتطالبه بأن يوفر لها سلاحًا وأن يعلمها طريقة
استخدامه. وإلي جانب هذا الموضوع الدارج "الثأر" تمدنا الكاميرا
بشريط بصري يصور واقع المكان والبيئة التي يعيش فيها السكان
والأجواء التي تفرضها. تنقل الكاميرا شخصية المكان والطبيعة
الجبلية الوعرة المفتوحة التي يشق جوفها دروب ضيقة وبيوت أقرب إلي
الأوكار وشباب من نوع "عيسي" يتحولون بفعل الظروف المهلكة لإنسانية
الإنسان إلي "آلة" للقتل يتم تأجيرها وتكليفها بالأمر المطاع لقتل
من يقفون أو يتصدون أو يتعاونون ضد أمراء الجريمة المنظمة التي
يتحول بعضهم إلي نجوم يتمتعون بشعبية جارفة وسط الأوساط الفقيرة
والتجار الصغار من مروجي المخدرات وأصحاب بيوت الدعارة. ولا يملك
أي شاب الرفض. لأن في ذلك هلاكه.. والشاب نفسه لا يعرف ولا يتذكر
الضحايا الذين يغتالهم. وهذا يكشف عن نفسه في مشهد مهم من مشاهد
الفيلم حين تضيق "لورا" الخناق عليه عندما تشرع في قتله. ثم في
اللحظات الأخيرة تتخلص من السلاح بعد أن تتركه لمصيره.. في لحظة
تنويرية تكتشف فيها أنه مثلها ضحية فهو قاتل ومقتول معا وجلاد
وضحية في نفس الوقت ومصيره محتوم لا فكاك. "فالموت" أصبح حدثًا
عاديًا مثل الأكل والشراب و"القتل"
وظيفة بدونها لا مأكل ولا مشرب ولا حياة"!!".
رسالة الفيلم واضحة تدين الواقع الاجتماعي المسئول
عن ضحاياه وعن "ملوك" الجريمة التي أصبحت أقوي من الشرطة وبعيدا عن
عدالة القضاء أهم سمات هذا الفيلم مصداقيته ونقله الأمين للواقع
فهو مستوحي من حادثة حقيقية والغرض منه إدانة الجهل والفقر والدور
الغائب لمؤسسات الدولة.
####
رنات
دعاية بمليون دولار
بقلم: خيرية البشلاوى
إذا كانت شركات العلاقات العامة في أوروبا وأمريكا
تتقاضي مبالغ طائلة من الدول التي تلجأ إليها لتحسين الصورة أو
تشويهها حسب ما تطلبه ووفقاً للغرض الذي تريد أن تحققه من خلال
استخدام أساليب الدعاية وتوجيهها صوب الهدف. وتصنيع صور ذهنية
مزيفة أو جميلة حسب المطلوب فإن القوة الناعمة التي تملكها الدول
بإمكانها أن تلعب دوراً مشابهاً وإن تم ذلك بأسلوب منافي تماماً
وذلك من خلال المؤتمرات الدولية والمهرجانات الفنية جيدة الاعداد
والتنظيم.
ولكن حتي القوة الناعمة تحتاج إلي تكلفة عالية
واعداد ولكنها تصبح سلاحاً ضرورياً جداً في حالات المواجهة ومع
وجود قوي معادية متربصة لا تتواني عن استخدام جميع الوسائل للنيل
ممن تعتبرهم أعداءها.
أقول ذلك بمناسبة التأثير الإيجابي القوي لحفل ختام
مهرجان القاهرة السينمائي في دورته الـ 39 والذي حضره ثلاثة نجوم
أمريكيون من الوزن الثقيل والتأثير العالمي الكبير وهم نيكولاس
كيدج وهيلاري سوانك وادريان أودي.. فلا شك أن وجود الثلاثة من شأنه
أن يبث للعالم رسائل إيجابية تتصدي للدعايات المناهضة التي تبثها
أدوات الدعاية الفاسدة للجماعة الارهابية التي تمولها وتغدق عليها
بسخاء دول معادية لمصر.
لقد وقف النجوم الثلاثة في قاعة الاحتفالات الأنيقة
فعلاً "المنارة" وقد بدا عليهم التأثر عندما صعد كل منهم ليقول
كلمة قصيرة للجمهور في الصالة بعد أن علموا بالضرورة بردود الفعل
ومشاعر الحزن التي لونت الكلمات التي تذكر بالحادث الارهابي البشع
الذي أودي بحياة عشرات المصلين في مسجد الروضة بالعريش وتطالب
الحاضرين بدقيقة حداد علي روح الراحلة شادية وصورها التي زينت
المسرح.
لقد امتلأت الصحف المحلية والعربية والعالمية بصور
النجوم الأمريكيين وبثت كلماتهم المتعاطفة مع الحوادث المأساوية
وقد حرص كل منهم علي أن ينطق بتحية السلام وبلغة عربية.
وأعتقد أن الكلمة الحماسية التي ألقاها نيكولاس
كيدج بطل العديد من الأفلام التي جعلته قريباً من الجمهور المصري
العاشق لأفلام الحركة والإثارة الأمريكية. أعتقد أنها أحدثت مفعول
السحر. والمعروف أن كيدج سبق له زيارة مصر بدعوة من مهرجان القاهرة
أيضاً.
أيضاً كلمة ادريان أودي الذي اصطحب والديه في هذه
الزيارة وكانا ضمن الحاضرين في الحفل وكذلك بدت هيلاري سوانك
بطلتها المريحة وجمالها الهاديء بمنتهي المودة في كلمتها..
والثلاثة من الكبار الذين يوصفون بأنهم نجوم يمكن للبنوك أن تضمن
أفلامهم لأنهم نجوم سوبر وفوق مستوي العادة.
وفي ذكاء ولباقة لافتة أشار نيكولاس كيدج إلي
التشابه بين الحوادث الارهابية في أمريكا وبالتحديد في مدينة لاس
فيجاس عندما حصد أحد الارهابيين أرواح عشرات المواطنين أثناء
احتفالهم في احدي ساحات مدينة البهجة والمال. وبين ما جري للمصلين
في مسجد الروضة في العريش مندداً بالارهاب ويؤكد اصراره علي الحضور
إلي القاهرة وبلا خوف.
الأمريكيون الثلاثة داخل قاعة الاحتفالات وفي أثناء
رحلتهم إلي الأهرامات شكلوا حدثا هاما ومثيرا علي المستويين
الإعلامي والجماهيري وكانوا من أفضل الرسائل التي يمكن أن تتحقق من
خلال احتفالية فنية تستضيف فيها عشرات الضيوف الأجانب.
وأيا كانت تكلفة استضافتهم والاستعدادات الأمنية
التي تحافظ علي سلامتهم. إلي جانب الحفاوة وكرم الضيافة والروح
الودودة جداً التي غمرتهم بالدفء وجعلتهم يشعرون بجوهر هذا الشعب
الذي لا يستحق ابداً ما يصيبه ويصيب أبناءه بسبب الارهاب. |