بتقلبات داخلية: «الكروازيت» يستقبل النسخة الـ71
لـ «كان السينمائي»
كان ـ «سينماتوغراف»: مها عبد العظيم
تستعد “الكروازيت” في مدينة كان جنوب فرنسا الليلة
لانطلاق فعاليات المهرجان السينمائي الدولي في نسخته الـ71. فما
قديم وجديد مهرجان كان 2018 الذي تخترقه دائما تقلبات داخلية كما
تؤثر فيه تغيرات عصرنا ومجتمعاتنا؟.
يفتتح مهرجان كان 2018 مساء الثلاثاء 8 أيار/ مايو
ويستمر لغاية 22 من نفس الشهر، في حفل يقدمه الممثل والمنتج
والمخرج الفرنسي إدوار بار وبعرض فيلم “الجميع يعلم” وهو فيلم ناطق
بالإسبانية، للمخرج الإيراني أصغر فرهادي ومن بطولة النجمين
بينيلوبي كروز وخافيير بارديم.
الجميع على أهبة في المدينة الساحلية، منظمون
وصحافيون، لانطلاق العرس السينمائي. فوضع البساط الأحمر على درج
قصر المهرجانات ورفع الملصق الرسمي على واجهته.
ويظهر الملصق الرسمي أحد أبرز مشاهد فيلم “بييرو
المجنون” (1965) للمخرج السويسري الفرنسي جان لوك غودار وهو من
أعمدة سينما الموجة الجديدة. وفي الصورة قبلة بين الممثل جان بول
بلموندو والممثلة آنا كارينا، وألحق المهرجان الملصق ببعض التفاصيل
على غرار هذه الجملة “رجل وامرأة يتبادلان قبلة…” أليس في ذلك
تاريخ السينما برمته؟ تاريخ الحب والسحر.. بطل الفيلم يسأم حياته
اليومية فيلتقي حبيبته القديمة ويهربان معا في رحلة مثيرة إلى
الريفييرا الفرنسية.
ويعتبر هذا الاختيار سابقة من نوعها، فقد استوحى
أيضا مهرجان كان في 2016 لملصقه الرسمي مشهدا من فيلم آخر لجان لوك
غودار! هو فيلم “الاحتقار” (1963) الشهير. وتمثل الملصق في صورة
صفراء فاقعة تظهر لحظة صعود الممثل ميشال بيكولي درج فيلا فخمة في
طور البناء. وهذا الديكور الذي صور فيه “الاحتقار”، على غرار ملصق
2018، يجمع كامل الخيال المحيط بالكروازيت. إذ قال عنه المنظمون
“كل شيء هنا، الدرج والبحر والسماء: صعود رجل نحو حلمه في حرارة
نور [البحر] المتوسط الذي يتحول ذهبا”.
هذا الاختيار المزدوج يكرم أيضا التصوير في
السينما، فملصق 2018 للمصور الفوتوغرافي بيير جورج، الذي عمل في
بلاتوهات كبار المخرجين على غرار لوي مال وجاك ريفات وأندري وجدا
وساهم في الاعتراف بهذه المهنة. هكذا ما يجمع عادة مهرجان كان في
ملصقه الرسمي عديد الدلالات التي تحتفي بوجوه مختلفة لعالم الفن
السابع الذي يبقى الرحلة الأساسية والأكثر إثارة.
وفي اختيار جان لوك غودار مفارقة “من النوع
اليوناني” كما صرح المخرج ليصف سبب منعه يوماً من حضور مهرجان كان،
وفي ذلك إيحاء بأنه مشكل فلسفي. ففي علاقة غودار بكان كر وفر،
ثورات وهزائم. فهو في بحث مستمر لعلاقة السينما بالسياسة، عبر
كتابة بصرية تتغير باستمرار وتأثر في مثقفي عصره وتتخللها أحيانا
قطيعة راديكالية مع ما سبق أن أنتجه. ومنذ سنوات يتغيب غودار عن
مهرجان كان لكن أفلامه موجودة بانتظام، فكما قال في نهاية فيلم
“وداعا للغة” (جائزة لجنة التحكيم عام 2014) بعد رفضه الاستضافة
الرسمية “من يدري متى سأعود لكم؟”… يعود غودار حيث لا نتوقعه، عبر
فيلم أو ملصق، وحتى من خلال شخصية رئيسية على غرار فيلم “المهيب”
لميشال هازنافيسيوس المشارك في المسابقة الرسمية للنسخة 70.
ولن تقتصر طلة غودار هذا العام على الملصق إذ ينافس
فيلمه “كتاب الصور” على السعفة الذهبية، وهي ثامن مرة يشارك فيها
أحد أعماله في سباق الجائزة الأعلى لمهرجان كان. ويقال إن هذا
الفيلم الأخير هو تفكير حول العالم العربي، وأشار المندوب العام
للمهرجان تيري فريمو أنه من صنف الأفلام “النظرية ” لغودار وأن
المخرج “على عكس ما يمكن أن نتصور ليس من رواد المهرجان وإن كان قد
أحرز جائزة عام 2014.
لطالما واكب هذا المهرجان منذ نشأته آخر المستجدات
ولم تغب عنه جدالات الساعة، بل وكان مسرحا ومنبرا لها أحيانا، فكان
غودار من أولئك الذين ساهموا في إلغاء الفعاليات عام 1968 عندما
اجتاحت فرنسا الاحتجاجات الطلابية!
واستبعد فيلم “هيروشيما مون أمور” من المسابقة سنة
1959 بسبب ضغوط أمريكية، في حين منحت السعفة الذهبية عام 2004 لـ
“فارنهايت 11/9” لمايكل مور والذي تضمن نقدا لاذعا لإدارة الرئيس
الأمريكي السابق جورج بوش.
وبقطع النظر عن فيلم غودار الذي سيتناول وضع العالم
العربي، يشارك في المسابقة الرسمية هذا العام مخرجان عربيان،
اللبنانية نادين لبكي بفيلم “كفر ناحوم” والمصري أبو بكر شوقي
بفيلم “يوم الدين”، وهو أمر استثنائي.
ومن الأفلام الأخرى التي يتردد فيها صدى الأزمات
التي تعصف بعالمنا، فيلم “بنات الشمس” للمخرجة الفرنسية إيفا أوسون
حول مقاتلات كرديات من بطولة النجمة الإيرانية غلشيفته فرهاني
والفرنسية إيمانويل بيركو.
خارج المسابقة الرسمية، لكن ضمن اختيارات المهرجان،
يشارك لأول مرة في كان فيلم كيني وذلك في قسم “نظرة ما”، لكن أعلنت
كينيا أن هذا الشريط الذي يحمل عنوان “رفيقي” لن يعرض في البلاد
بسبب تناوله مسألة المثلية الجنسية. وقد يصل عقاب “المثلية
الجنسية” في كينيا إلى 14 سنة سجنا.
كما سيشارك فيلمان عربيان أيضا خارج المسابقة
الرسمية، لكن ضمن اختيارات المهرجان، في قسم “نظرة ما” وهما
“صوفيا” للمغربية مريم بن مبارك و”قماشتي المفضلة” للسورية غايا
جيجي. وفي قسم “أسبوعا المخرجين” الموازي سيعرض فيلم “ولدي”
للتونسي محمد بن عطية، إضافة إلى سلسلة أفلام قصيرة تحت برنامج
“المصنع التونسي”.
وستكون للسعودية، التي افتتحت هذا العام أولى دور
السينما منذ عقود وتنتهج سياسة انفتاح ثقافي جديدة، مشاركة رمزية
(خارج المسابقات والاختيارات) مع عرض تسعة أفلام قصيرة وتنظيم
لقاءات مهنية.
ولأول مرة تشارك فلسطين بجناح خاص في مهرجان كان
هذا العام بالشراكة مع القنصلية الفرنسية بالقدس ومؤسسة الفيلم
الفلسطيني، وسيسلط الضوء على النشاط البارز للسينما الفلسطينية
وإنجازاتها خلال العقود الماضية.
أما في فرنسا التي تكاد تقدس تقاليد ارتياد قاعات
السينما، ألقت العام الماضي قضية “نتفليكس” بظلالها على مهرجان كان
لأن الأفلام التي قدمتها ضمن الفعاليات لم تكن لتوزع في الصالات بل
فقط على منصة الشركة. لذلك قررت “نتفليكس” هذا العام سحب كل
أفلامها من المهرجان بعد أن منع المنظمون خوض أفلام الشركة
مسابقاته لرفضها عرضها في دور السينما. وقال تيد ساراندوس مدير
المحتوى في “نتفليكس” إن عرض الأفلام خارج المسابقات لا معنى له.
وفي محاولة لاحتواء ظواهر أخرى غيرت نسق حياتنا
العصرية، أعلن المفوض العام لمهرجان كان السينمائي عن تغييرات
لافتة لدورة العام الحالي. وتشمل منع التقاط الصور الذاتية “سيلفي”
على البساط الأحمر والاستغناء عن العروض الأولى للصحافيين وفتح
النقاش بشأن مكانة النساء في السينما.
وأكد منظمو المهرجان أن خطوة منع الجمهور من التقاط
صور السيلفي عند صعود درج قصر المهرجانات المغطى بالبساط الأحمر
الشهير تهدف إلى تفادي “الفوضى العارمة” التي يثيرها هذا الأمر.
وكان المنظمون قد قاموا بنفس الإعلان عام 2015 قبل تعديل الموقف
عبر حصره بالطلب من المدعوين الحد من هذه الممارسة “السخيفة
والمسيئة”. فهل سيتمكنون في هذه الدورة من حظر ظاهرة يصعب تأطيرها
ليحولوا الأنظار من شاشات الهواتف إلى شاشات السينما، ومن وضع
قضايا الساعة في مركز الاهتمام الذي ابتلعته النرجسيات الصغيرة؟
يبدو بذلك أن البلبلة لن تجتاح في هذه النسخة
البساط الأحمر، لكنها طرأت بموجب القرارات الجديدة، في صفوف
الصحافيين الذين سيكتشفون الأفلام المشاركة في المسابقة الرسمية في
الوقت عينه لعرضها الأول وليس قبل ذلك كما جرت العادة، وذلك بهدف
أن يكون “التشويق على أشده” وفق فريمو.
وبعد قضية المنتج الهوليوودي النافذ هارفي واينستين
المتهم بارتكاب عشرات الاعتداءات الجنسية، وحركة #أنا_أيضا التي
أعقبتها مع ما حملته من نقاشات بشأن مكانة النساء في قطاع السينما،
قرر مهرجان كان بالتعاون مع وزارة شؤون المساواة بين الجنسين في
فرنسا تسخير خط هاتفي للإبلاغ عن التحرش الجنسي.
وستوزع بطاقات ومناشير تحمل هذا الرقم الخاص إضافة
إلى عدة تحذيرات ونصائح، للتذكير بالتبعات القضائية التي قد
يواجهها معتدون مفترضون. ويسعى مهرجان كان بذلك إلى إنهاء فضيحة
واينستين الذي كان من أهم رواده. ويشار أن لجنة تحكيم هذه الدورة
تترأسها الممثلة الأسترالية كايت بلانشيت الملتزمة بالقضايا
النسوية.
####
دعوات «كان السينمائي» للتضامن مع مخرج إيراني «تحت
المراقبة»
كان ـ «سينماتوغراف»
رأى المخرج الإيراني، أصغر فرهادي، أن عرض مهرجان
كان السينمائي لأفلام مخرجين تضعهم سلطات بلدهم تحت المراقبة، مثل
جعفر بناهي، أمر مفيد لهم “كسينمائيين” حتى وإن لم يكن ذا أثر على
“وضعهم الشخصي”.
وقال فرهادي لوكالة فرانس برس: “ينبغي المحاولة،
يجب اتخاذ الإجراءات التي يمكن اتخاذها للتعبير عن المساندة والعمل
على جعله قادراً على المجيء، لكن يجب ألا ننسى الشيء الأساسي له
ولأي مخرج، وهو أن يشاهد الناس فيلمه”.
وتفتتح الدورة الحادية والسبعون لمهرجان كان، مساء
الثلاثاء، مع فيلم “الكل يعلم” لأصغر فرهادي.
ويحضر جعفر بناهي في المهرجان مع فيلم “ثلاثة وجوه”
المرشح للسعفة الذهبية، لكن يُتوقّع ألا يحضر بشخصه إذ يُمنع عليه
مغادرة إيران.
و قال المندوب العام للمهرجان، تييري فريمو، إنه
غير متفائل كثيراً بإمكانية حضور بناهي الذي سيعرض فيلمه السبت.
وصرح فرهادي لوكالة فرانس برس: “لست متفائلاً
كثيراً حتى الآن، لأنه ليس هناك أي مؤشر للانفراج”، مضيفاً: “لكن
ما يُسعدني هو أن أرى أنه رغم القيود المفروضة عليه والوضع الذي
يعيش فيه منذ سنوات، لم يستسلم ولم يصبح شخصاً معزولاً ومكتئباً،
بل ما زال يواصل العمل”.
وكانت السلطات الإيرانية قد حكمت على جعفر بناهي في
العام 2011 بالسجن ستة أعوام، ومنعته من صنع الأفلام لمدة 20
عاماً، كما منعته من السفر والمقابلات الإعلامية، وذلك لإدانته
بترويج “دعاية ضد النظام” بعدما ساند التظاهرات الاحتجاجية في
العام 2009.
وبعد توقيف استمر ستة أشهر، نال إطلاق سراح بشروط،
إلا أنه واصل عمله وحصل في العام 2015 على جائزة الدب الذهبي في
مهرجان برلين عن فيلم “تاكسي طهران”، الذي صوّره خلسة في بلده. |