«17 شارع قصر النيل»، فى تلك البناية العريقة التى
ارتبط اسمها بالفاعلية السينمائية الأبرز فى مصر، وتحديداً فى إحدى
الغرف التى زينت جدرانها أفيشات المهرجان الذى يبلغ عامه الأربعين
بعد أيام، يجلس الشاب الأصغر سناً والأكثر تميزاً على مقعد سبقه
إليه أسماء كبيرة فى عالم السينما ما بين مثقفين، سينمائيين،
وفنانين، ليكون التحدى أصعب أمام المنتج محمد حفظى، الذى يقود
الدورة المقبلة من مهرجان القاهرة السينمائى فى دورته الأربعين
التى تنطلق فى الفترة من 20 إلى 29 نوفمبر الحالى. وخلال الحوار
يتطرق محمد حفظى، رئيس مهرجان القاهرة السينمائى، للحديث عن
التحديات التى واجهته فى الإعداد للدورة المقبلة، والأحداث التى
يشهدها المهرجان للمرة الأولى، فضلاً عن أزمة المخرج الفرنسى كلود
لولوش.
·
أنت منتج سينمائى وسيناريست ناجح، ما الذى شجعك على
قبول تولى إدارة مهرجان القاهرة فى ظل المشكلات التى يعانيها؟
- أنا مطلع على المهرجانات بشكل عام، ومقدر الدور
الذى تلعبه فى عرض الأفلام ومساعدتها على الانتشار والتسويق خارج
بلادها، كما تلعب دوراً مهماً فى التواصل وفهم الآخر، ورئاسة
المهرجان بالنسبة لى فرصة، وتحدٍ فى الوقت نفسه، فالتجربة تضيف لى
على المستوى الشخصى والأدبى والمهنى، لكن بالطبع قلق بسبب المعوقات
التى قد تقف أمام تحقيق رؤيتى للمهرجان.
اخترنا «Green
Book»
بدلاً من «Rome»
لافتتاح المهرجان بسبب عنصر الجذب الجماهيرى
·
وما هذه المعوقات؟
- الميزانية العائق الأكبر أمام أى شخص يملك حداً
من الطموح، ويرغب فى الوصول بشكل وفعاليات المهرجان إلى مستوى لا
يقل عن مهرجانات سينمائية أخرى تقام فى المنطقة نفسها، التى جذبت
الضوء إليها الفترة الأخيرة، فضلاً عن الروتين، خاصة أنى غير معتاد
على العمل الإدارى الحكومى، وبعيد كل البعد عن الروتين
والبيروقراطية، وأراها من الأمور التى تعوق العمل الإبداعى،
والحقيقة كنت متخوفاً من هذه النقطة، وأحياناً أعانى من ذلك، لكن
الزملاء سواء بوزارة الثقافة أو فريق المهرجان يحاولون المساعدة
طوال الوقت، لسير العمل بشكل سريع وصحيح من ناحية الإجراءات
الورقية.
·
خفوت بريق «القاهرة السينمائى» فى الخارج من أبرز
المشكلات التى يعانى منها المهرجان، كيف تعاملت مع ذلك؟
- للأسف المهرجان لم يعد يتمتع بالصورة التى كان
عليها سابقاً، ولا يراه صناع السينما فى الدول الأجنبية الأبرز فى
المنطقة العربية حالياً، أى إنه لم يعد يحظى بالتأثير نفسه الذى
كان عليه منذ 25 عاماً، لذا كان من الضرورى وجوده فى المهرجانات
والفعاليات السينمائية الكبرى، وبذلنا مجهوداً فى الإعلان عن
«القاهرة السينمائى» دولياً بعدد من المجلات منها «فارايتى»، وتصدر
أفيشه غلاف المجلة فى اليوم الأول لمهرجان «فينيسيا» السينمائى،
وأعتقد أن ذلك حقق تأثيراً كبيراً، كما طرحنا أكثر من إعلان فى
مهرجانات أخرى، نوضح فيها عدداً من التفاصيل منها فتح باب التقديم
للمشاركة بالأفلام، وحجم الجوائز والرعاة، بهدف جذب أنظار العالم
وصناع الأفلام إلى مهرجان القاهرة، وخطواتنا كان لها تأثير إيجابى،
إذ للمرة الأولى يتلقى المهرجان 2300 فيلم، منها 1300 قصير، وما
يقرب من 900 فيلم روائى طويل.
·
هل تعتمد على الصحافة الأجنبية كوسيلة أساسية فى
الترويج للمهرجان دولياً؟
- نهتم جداً بالجزء المتعلق بالصحافة الأجنبية،
فكان أمامنا تحدٍ يتعلق بالوصول إلى العالم بشكل أكبر، وبالتالى
كان يجب دعوة الصحفيين المهمين المتخصصين فى السينما فى العالم
كله، لتشكيل وسيلة لعرض المهرجان.
شكل محدد لرعاية «dmc»
الفعاليات.. والأفلام المصرية المشاركة «مستقلة»
·
أرى أن هناك اهتماماً بالصحفيين الأجانب أكثر من
النجوم العالميين، هل هذا صحيح؟
- العمل فى الدورة الـ40 تم على محورين، وهما
الفنانون والصحفيون، فهناك عدد من الدوائر يجب أن تكون متصلة
ببعضها البعض، إذ إن النجم لن يأتى إلا فى حالة وجود صحافة دولية
تغطى الحدث، والصحافة لن تهتم إلا فى حالة وجود أفلام جيدة،
ولإقناع النجوم بالمشاركة فى المهرجان يجب أن يروا أنه يضيف لهم،
سواء بالترويج لأسمائهم أو أفلامهم، وليس مجرد زيارة لمشاهدة
الأهرامات فقط، لذلك حرصنا على دعوة نجوم مرتبطين بأفلام، مثل
تكريم الممثل الإنجليزى ريف فاينز، وطوال الوقت نعمل على أن يكون
حضور النجوم العالميين مرتبطاً بأعمالهم لعرضها ومناقشتها.
·
ما شكل الرعاية التى تقدمها شبكة قنوات
dmc
للمهرجان فى الدورة المقبلة؟
- الرعاية تأخذ شكلاً محدداً العالم الحالى، إذ
تتضمن حقوق العرض الحصرى لحفلى الافتتاح والختام، مقابل مبلغ مالى
دفعته الشبكة لرعاية المهرجان دون تدخل إدارى فى إقامة الفعاليات،
فتنظيم حفل الافتتاح مسئولية المهرجان بالكامل، بخلاف ما حدث العام
الماضى، الذى شهد تنظيم «dmc»
حفلى الافتتاح والختام، وتحمل المسئولية عن
الدعوات، تصميم البوستر ودعوة النجوم الأجانب، ما ظهر وكأن شبكة
القنوات تقيم الجزء الأكبر من المهرجان، والإدارة لم تكن مهتمة سوى
بالجزء الخاص بالأفلام فقط، لكن العام الحالى فضلنا التعامل بشكل
مختلف، حتى العبء المادى الملقى عليها أقل بكثير من العام الماضى،
وبالتالى الأمر مصلحة متبادلة ومكسب للطرفين.
·
ما سبب عودة تنظيم حفلى افتتاح وختام «القاهرة
السينمائى» إلى دار الأوبرا؟
- أراها المكان الأنسب لذلك، لأن القاعة تستوعب ما
يزيد على ألف شخص، وسابقاً لم تكن مجهزة للعرض السينمائى لكن العام
الحالى أُعدت لذلك، إذ تعاقدنا على شراء معدات وشاشات، وتحملنا
تكلفتها من خلال الرعاة، ومن المقرر أن تصل مصر خلال الأيام
المقبلة، ولأول مرة لن يضطر المهرجان لتأجير الأجهزة فستكون مملوكة
له، وقررنا إهداءها للأوبرا لاستخدامها كل عام، حتى لا نضطر للبحث
عن مورد سنوى لتأجير الأجهزة، ومن المقرر تجهيز قاعتى المسرحين
الكبير والصغير بالمعدات الحديثة لعرض أفلام المهرجان.
·
يعرض المهرجان 15 فيلماً للمرة الأولى عالمياً، هل
يمنحه ذلك ميزة تنافسية؟
- لم ندع أفلاماً جديدة، هى وصلتنا بعد الإعلان عن
المهرجان، ووجدنا أنها جديدة ونسبة كبيرة منها لم تعرض إلا فى
دولها، ومنها أفلام لم تعرض على الإطلاق، والـ15 فيلماً روائية
طويلة فقط، وأيضاً هناك أفلام قصيرة تعرض للمرة الأولى، وإن كنت
أرى أن العدد لا يعنى أفضلية المهرجان لكن المقياس جودة الأفلام
المعروضة، وبالنسبة لى إذا خيرت بين فيلم عرض عالمى أول متوسط
المستوى وآخر عرض أكثر من مرة ومستواه أفضل، سوف أختار الأفضل، لكن
المهرجانات تفضل دائماً تقديم أعمال جديدة، خاصة لو أنه مهرجان له
الريادة فى المنطقة، لذلك يجب أن تكون هناك فرصة لاستقطاب أفلام
جديدة تعرض لأول مرة.
أرفض تسييس «تكريم لولوش».. والمخرج الفرنسى تقبل
التراجع بمنتهى الرقى
·
مشاركة هذا الكم من الأعمال التى تعرض عالمياً
للمرة الأولى هل سببها إلغاء الدورة المقبلة من «دبى السينمائى»؟
- لا أعتقد أن الفرصة كانت ستتاح لنا بالحصول على
هذا الكم من الأعمال فى حال وجود مهرجان دبى، وأرى أن ذلك منحنا
فرصة للتنفس فى الدورة الحالية، وإن كان مهرجان «مراكش» زاحمنا،
فهناك فيلمان كنا نرغب فى عرضهما لكنهما ذهبا إليه، خاصة أن أحدهما
مغربى، فضلاً عن أنه أصبح يقدم نفسه بشكل جيد كمهرجان منفتح بشكل
أكبر على الصناعة والعالم العربى.
·
يشارك فى المهرجان 5 أفلام مصرية تعرض للمرة
الأولى، هل ترى أن ذلك مؤشر جيد للصناعة؟
- معظمها أفلام مستقلة وصناعها هم مخرجوها، وأرى أن
هذه الدورة متصلة بالشباب والسينما المستقلة بشكل جيد، سواء فى
الأفلام أو لجان التحكيم والمشاريع، كما أن الندوات تشهد حضوراً
شبابياً لممثلى هذا التيار فى مصر، وتأتى بعد عامين من أزمة
استبعاد المخرج تامر السعيد من المهرجان دون إعلان الأسباب،
ومقاطعة بعض السينمائيين المستقلين له، فنحن نحاول إصلاح العلاقة
وإعادتهم إلى حضن المهرجان مرة أخرى.
·
بعض الانتقادات طالت إدارة المهرجان بسبب الاستعانة
بسينمائيين شباب فى لجان التحكيم، كيف ترى الأمر؟
- اختيار الأسماء المشاركة فى لجان التحكيم يرجع
إلى إنجازاتهم السينمائية، فما حققه المخرج أبوبكر شوقى فى أول
أفلامه إنجاز يساوى الكثير، لم يستطيع مخرجون رصيدهم يتجاوز عشرات
الأفلام فعله، أو المخرج محمد حماد إذ حصد فيلمه الأول ما يجاوز 20
جائزة، وشارك فى عدد كبير من المهرجانات، واختاره الناقد اللبنانى
إبراهيم العريس ضمن قائمة أهم 100 فيلم فى تاريخ السينما العربية.
·
هل تعتبر أن أزمة المخرج الفرنسى كلود لولوش
مفتعلة؟
- أنا وإدارة المهرجان واللجنة الاستشارية ضد
التطبيع، والوضع السياسى الراهن يفرض علينا مقاطعة ثقافية مع
إسرائيل، وبالتالى لن نستضيف فيلماً أو سينمائياً إسرائيلياً، وهذا
أمر لا يحتاج مناقشة، لكن فى الوقت نفسه نحن نتحدث عن مخرج فرنسى
عالمى بحجم كلود لولوش، يرى البعض أنه غير مرغوب فيه بالقاهرة،
بسبب زياراته لتل أبيب وتكريمه هناك، وبعض التصريحات التى أصدرها
عن شعوره الإيجابى تجاه شعبها، التى قد لا تتعدى المجاملات
الاجتماعية، لكن فى النهاية هو لم يعلن أبداً أنه ضد القضية
الفلسطينية أو لديه موقف سلبى من العرب أو المسلمين، ولا أعتقد أن
ما حدث يصب فى صالح المهرجان، بل يعزلنا أكثر عن العالم، ويجعلنا
نخاطب أنفسنا فقط بعيداً عن العالم.
·
إذاً أُلغى التكريم لاحتواء الأزمة؟
- اختيار تكريم لولوش جاء من منطلق أنه فنان ومن
أبرز صناع السينما فى العالم، دون النظر إلى آرائه أو معتقداته،
وبالطبع لو كان أساء للعرب أو هاجم القضية الفلسطينية سيكون الأمر
مرفوضاً، فهناك خط فاصل، لكن شعوره بالانتماء إلى إسرائيل يمكن
تفسيره فى إطار المجاملة الاجتماعية أو تأييد فعلى للكيان
الإسرائيلى، ولكن بشكل فعلى لا يوجد شىء يؤكد أنه «صهيونى» ضد
العرب والمسلمين، وفى الحقيقة لم أكن مؤيداً لإلغاء التكريم أو
تسييس الأمر، لكن بعد تكريمه فى إسرائيل ظهر اتجاه داخل لجنة
المهرجان لإعادة النظر فى الموضوع، والآراء التى طالبتنى بعدم
الإلغاء باللجنة لا تقل عن التى طالبت بالإلغاء، كما تلقيت مكالمات
هاتفية من مثقفين وشخصيات عامة يطالبونى بعدم التراجع، لكن فى
النهاية ألغى التكريم.
·
كلود لولوش شخصية بارزة فى المجتمع الفرنسى كيف
استقبل إلغاء تكريمه بمهرجان القاهرة السينمائى؟
- تواصلنا معه وأطلعناه على ما يحدث، واستقبل الأمر
بمنتهى الرقى، خاصة أنه كبير فى السن وكان مشغولاً بمونتاج آخر
أفلامه، وموافقته على الحضور إلى مصر حباً فى البلد خاصة أنه لم
يزرها من قبل، لذا كان متحمساً للأمر رغبة فى التعرف على شعبها،
ومقابلة مخرجين شباب والدخول فى مناقشات معهم حول السينما
والصناعة.
·
إذاً تكريم الإنجليزى ريف فاينز خطة بديلة لإلغاء
تكريم «لولوش»؟
- لا، اسم ريف فاينز كان مطروحاً للتكريم قبل أزمة
كلود لولوش، ولم نواجه صعوبة فى الاتفاق معه، إذ كان مرحباً جداً
بالدعوة، لكن الصعوبة كانت فى تحديد الأيام بسبب انشغاله، وتوصلنا
معه لاتفاق أن يكون موجوداً بالقاهرة لمدة 3 أيام، من 25 إلى 28
نوفمبر، وأود أن أشير إلى أن اختياره للتكريم جاء بعد مشاهدة فيلم
«The
White Crow»،
الذى أرى أنه من أهم الأفلام التى عرضت فى العام الحالى بمهرجان
«تيلورايد» السينمائى.
·
المهرجان يمنح جائزة التميز كل عام لسينمائيين أو
نجوم، هل منحها للموسيقى هشام نزيه بمثابة إرساء تقليد جديد؟
- لم نسع فى التكريمات إلى النجومية بقدر البحث عن
القيمة، وهو أمر مقصود، فنحن لا نبحث طوال الوقت عن «سوبر ستارز»،
لكن نقيم ما قدمه الشخص للسينما وهل يستحق التكريم أم لا، وهشام
نزيه ينطبق عليه ذلك.
·
لا يضم قسم البانوراما المصرية سوى 5 أفلام، وهذا
عدد ضئيل بالنسبة للأعمال المنتجة هذا العام، ما رأيك؟
- القسم ليس مخصصاً للجمهور المصرى، لأن تلك
الأفلام عرضت فى السينمات أو مهرجانات أخرى، ونعرضها لضيوف
«القاهرة السينمائى»، وليس من المنطقى أن يشاهدوا 10 أفلام، وإذا
تمكنوا من مشاهدة اثنين أو ثلاثة فهذا أمر جيد، لذلك ركزنا على
أبرز ما عرض فى مصر وشارك فى المهرجانات، واكتفينا بـ5 أفلام
باعتباره عدداً مناسباً.
·
المهرجان طالته الانتقادات بسبب افتتاح فعالياته
بعرض فيلم أمريكى على غرار ما يحدث السنوات الماضية؟
- لم نحسب الأمر بهذه الطريقة، العام الماضى افتتحت
الفعاليات بـ«The
Mountain Between Us»
لوجود المخرج هانى أبوأسعد، لكن «Green
Book»
من أهم أفلام 2018، وحصد مجموعة من الجوائز، أهمها جائزة الجمهور
من مهرجان تورنتو السينمائى، وهناك مؤشر قوى لحصد العمل جائزة
أوسكار أفضل فيلم هذا العام، فضلاً عن موضوعه وأهميته، كلها عناصر
أهلته ليكون فيلم الافتتاح، والاختيار كان محصوراً بينه وبين «Rome»
الحاصل على الأسد الذهبى فى مهرجان فينيسيا، الذى يعتبر أهم فيلم
فى 2018، لكن «Green
Book»
يتمتع بعنصر جذب جماهيرى بالنسبة لغير المتخصصين فى
السينما، خاصة أن جمهور فيلم الافتتاح ليس سينمائياً بنسبة 100%.
https://www.youtube.com/watch?v=8w2KMfvY9Uc |