أُسدل الستار على فعاليات مهرجان القاهرة السينمائى الدولى،
الذى انطلق 20 نوفمبر واستمر حتى 29 من الشهر الحالى، وسط تطور ملحوظ شهدته
الدورة الحالية مقارنة بسابقاتها لأسباب متعددة، أبرزها زيادة ميزانية
الدورة الحالية، إذ بلغت نحو 40 مليون جنيه، ونجاح الإدارة فى استقطاب عدد
كبير من الأفلام للعرض الأول بالمسابقات المختلفة، إضافة إلى استحداث
فعاليات عدة كان لها أثر طيب فى استعادة المهرجان بعضاً من بريقه، لكن
الإشادات الكثيرة التى انهالت على إدارة الدورة الأربعين لا تنفى بروز بعض
المشكلات على مدار أيامه العشرة، على رأسها الجانب التنظيمى، الذى شابته
بعض السلبيات، فضلاً عن الانقسام حول مستوى الأفلام فى بعض المسابقات،
«الوطن» استطلعت آراء عدد من النقاد وصناع السينما المشاركين فى الفعاليات.
سينمائيون ونقاد يرصدون نجاحات وعيوب الدورة الـ«40»
المخرج العالمى بيل أوجست، رئيس لجنة تحكيم المسابقة
الدولية، قال إن الدورة الأربعين من الحدث العالمى مهمة لما تحويه من أفلام
جيدة متنوعة من كل دول العالم، ما يسهم فى معرفة الثقافات الأخرى، وتمثل
ذلك تحديداً خلال المسابقة الدولية التى ضمت 16 عملاً مميزاً ناقشت قضايا
مهمة بشكل مركز.
وأضاف «أوجست»: «رغم أننى شاركت فى مهرجانات عالمية أخرى،
فإن (القاهرة السينمائى) يتمتع ببريق خاص وجذاب، لأنه يجمع بين أفلام
لمخرجى التجارب الأولى وأخرى حصلت على جوائز عدة من مهرجانات كبرى»،
موضحاً: «أتمنى من القائمين على الدورات المقبلة استقطاب أفلام أكثر جودة
توصل رسالة أكبر للجمهور، ما يعطى مصداقية أكبر للمشاهد، ويجتذب عدداً
كبيراً من صناع الأفلام سواء فى مصر أو الدول العربية الأخرى».
بينما قال المخرج الفلسطينى محمد قبلاوى، مؤسس ورئيس مهرجان
«مالمو للسينما العربية»، إن القائمين على الدورة الحالية نجحوا فى الدمج
بين العراقة وروح الشباب اعتباراً من اليوم الأول للمهرجان، واصفاً الدورة
الأربعين بـ«المتميزة رغم قيادة شاب لفريق العمل»، على حد تعبيره، مثنياً
على اهتمام إدارة «القاهرة السينمائى» بإعطائهم لمحة عن الأفلام والضيوف
والبرامج الخاصة بالحدث قبيل مجيئهم للقاهرة، ما سهل عليهم التعاطى مع
الحدث العالمى، معتبراً أن استحداث برنامج «ريد كاربت» يومياً قبيل عرض
الأفلام العالمية «شىء مميز يحسب لإدارة المهرجان».
وأضاف «قبلاوى»: «دائماً نحاول إمداد مهرجان مالمو بكل ما
هو جديد ومميز فى مهرجان القاهرة، صاحب التاريخ والعراقة والتميز، وبالفعل
وجدنا تفاصيل جيدة أتمنى أن نتعاون معهم لنقلها، وحتى الآن لا توجد رؤية
واضحة بشأن التعاون المشترك فى هذه التفاصيل، لكن كل الآفاق مفتوحة خاصة فى
ظل وجود (ملتقى القاهرة السينمائى)، باعتباره حدثاً مهماً يجمع بين عدد
كبير من خبراء ونقاد ومسئولين عن السينما والأفلام فى مكان واحد؛ لتبادل
الثقافات بينهم».
«أوجست»: حظيت ببريق خاص.. والأفلام ليست بالجودة المطلوبة
و«قبلاوى»: نجح فى الدمج بين الشباب والمخضرمين.. والإقبال الجماهيرى
مبهر.. و«فارس»: تنوع الأفلام مميز.. وسوء التنظيم وضيق الوقت أهم مشكلاته
و«هبة»: كل شىء كان أفضل مما ينبغى.. و«شفيعى»: متطورة عن سابقتها
وأوضح: «من المميز أيضاً هذا العام أن المهرجان جمع فى لجان
تحكيمه بين الشباب وأصحاب الخبرة المخضرمين، فكل شخص فى وضع مسئول لديه
وجهات نظر مختلفة، حتى لا تكون لجنة التحكيم صاحبة ضوء واحد، وأرى أنه من
المفيد أن يغزو الشباب لجان التحكيم ويضخوا دماء جديدة فيها».
وتحدث المخرج الفلسطينى عن الحضور الجماهيرى لعروض الأفلام
المشاركة بفعاليات المهرجان، قائلاً: «أيضاً من الأمور المبهرة فى الدورة
الحالية وجود إقبال جماهيرى كبير على العروض فى السينما سواء كانت أفلاماً
عربية أو غيرها»، متمنياً من إدارة المهرجان فى الدورات المقبلة الحفاظ على
النجاح الذى حققته الدورة الأربعون: «فهذا يعتبر نجاحاً كبيراً»، على حد
تعبيره.
وقال علاء خالد، مخرج فيلم «التجربة آسف»، المُشارك فى
مسابقة «سينما الغد» للأفلام القصيرة ضمن فعاليات المهرجان، إن هذه تعد
المرة الأولى التى يشارك بها فى «القاهرة السينمائى» رغم مشاركته فى عدد من
المهرجانات العالمية الخاصة بالأفلام القصيرة، مشيداً بمستوى الأفلام
المشاركة فى هذه الدورة وتميزها.
كما أشاد «خالد» بفعاليات برنامج «أيام القاهرة لصناعة
السينما»، الذى يقام ضمن فعاليات المهرجان العالمى للمرة الأولى، قائلاً:
«كنت حريصاً على حضور البرنامج للاستفادة منه، وبالفعل حققت معدل استفادة
كبيرة، إذ أتاح فرصاً للتعرف على تجارب وأفكار صُناع السينما من مختلف
الدول حول العالم»، مثنياً على الندوات والفعاليات التى أقيمت على هامش
الحدث الدولى، موضحاً: «بشكلٍ عام، أعتقد أنه بات هناك اهتمام واضح بحجم
الندوات والفعاليات التى تُعقد ضمن المهرجان، بجانب عروض الأفلام».
فيما أشاد أبوبكر شوقى، مخرج فيلم «يوم الدين»، المشارك ضمن
برنامج «بانوراما السينما المصرية الجديدة» بالمهرجان، بمستوى الدورة الـ40
من «القاهرة السينمائى»، قائلاً: «قوية لتمتعها بروح ودماء جديدة»، مثنياً
على الناحية التنظيمية للفعالية الدولية، موضحاً: «تنظيمياً، شىء مميز
ومحسوب بالدقيقة».
وأضاف مخرج الفيلم الحائز على جوائز عدة بمهرجانات شهيرة،
آخرها «التانيت الفضى» بمهرجان أيام قرطاج السينمائية، أن عروض الأفلام
شهدت إقبالاً جماهيرياً كبيراً، ما يعد مؤشراً على وجود اهتمام واضح
بمشاركة الجمهور وجذبه لحضور العروض، مشيداً باختيارات الأفلام المشاركة
بالدورة الأربعين، قائلاً: «الأفلام المعروضة للجمهور مميزة وتحوى تنوعاً
كبيراً بين الرعب والأكشن والاجتماعى والدرامى».
وأوضح «شوقى»: «أتاح مهرجان القاهرة فرصة أمامنا لمشاهدة
أفلام عربية وأخرى من الشرق الأوسط، وقدم لنا مخرجين جدداً جيدين»، متمنياً
ازدهار «القاهرة السينمائى» واستمراره على هذه الوتيرة، للحفاظ على مكانته
الدولية، واستقطاب عروض تسهم فى جذب الجمهور لحضور الأعمال المختلفة
والتعرف على الثقافات الأخرى، مشيداً بمستوى «ملتقى القاهرة» هذا العام،
قائلاً: «منح الشباب فرصة التعرف على منتجين جدد، ما يساعد فى خروج
مشاريعهم إلى النور بشكل مشرف».
«خالد»: «أيام القاهرة» أتاح فرصة التعرف على أفكار صناع
السينما فى العالم.. و«شوقى»: التنظيم«محسوب بالدقيقة»
ورأى عصام فارس، بطل الفيلم القصير «الفراشات المضيئة»،
المُشارك فى مسابقة «سينما الغد» للأفلام القصيرة، أن أهم ما يُميز هذه
الدورة تنوع الأفلام من حيث الدول المشاركة والقصص المطروحة، فضلاً عن
تنظيم العروض الخاصة لبعض الأفلام يومياً؛ ما سهل تعرف الضيوف على بعضهم
البعض وقرب مسافات النقاش وتبادل وجهات النظر.
وتحدث «فارس» عن أبرز السلبيات التى شهدتها الدورة
الأربعون، موضحاً أنها تكمن فى وجود بعض المشكلات التنظيمية، والتى ظهرت
بشكل واضح فى حفل الافتتاح، على حد قوله، فضلاً عن ضيق حجم قاعة سينما
الهناجر التى استضافت مسابقة «سينما الغد»، مضيفاً: «أغلب ندوات المسابقة
لم تكن منظمة بشكلٍ كبير، كما أن بعض الأفلام لم تعقد ندوات على هامش
عرضها، بسبب ضيق الوقت».
بينما أشادت هبة خالد، مخرجة الفيلم السورى «سكان الأرض
اليباب»، المُشارك فى مسابقة «سينما الغد» للأفلام القصيرة، بتفاصيل الدورة
الأربعين كافة، بداية من التنظيم، مروراً بالأفلام المشاركة وكذلك الندوات،
موضحة: «المهرجان قدم عدداً كبيراً من الأفلام القوية، ما ولد لدى رغبة فى
مشاهدتها جميعها، لكن للأسف الوقت لم يسمح بذلك».
وأثنت مخرجة الفيلم السورى على اهتمام القائمين على الدورة
الأربعين بجميع التفاصيل لتخرج بشكل مشرف، قائلة: «كل شىء كان أفضل مما
ينبغى أن يكون»، موجهة الشكر للمنظمين بسبب جهودهم المبذولة هذا العام،
متمنية أن تُشارك فى دورات مُقبلة من «القاهرة السينمائى» وتكون بالمستوى
نفسه من التميز.
ورأى الموسيقار نبيل على ماهر، بطل فيلم «التجربة آسف»،
المُشارك فى مسابقة «سينما الغد»، أن هذه الدورة شهدت تحسناً كبيراً على
مختلف المستويات مقارنة بسابقاتها، سواء على مستوى التنظيم أو اختيار
الأفلام، موضحاً: «تميز المهرجان هذا العالم بوجود تنوع كبير فى اختيار
الأعمال المشاركة، وكذلك حرص محمد حفظى، رئيس الدورة، على حضور أغلب
الفعاليات على مدار اليوم». واعتبر «ماهر» أن اختيار الفيلم الأمريكى «Green
Book»
لافتتاح الحدث الدولى «رائع وموفق للغاية»، معرباً عن
تفاؤله بمستوى المهرجان مستقبلاً، قائلاً: «بشكلٍ عام، متفائل جداً بجهود
الشباب فى الدورات المُقبلة»، مشيراً إلى أن المشكلة الأبرز خلال «القاهرة
السينمائى» تكمن فى عدم إتاحة الترجمة للضيوف الأجانب، خاصة خلال أحاديث
الفنانين المصريين الذين صعدوا على خشبة المسرح بمختلف الندوات والتكريمات.
بينما قال الناقد عصام زكريا إن الدورة الأربعين ضمت نشاطات
وفعاليات بارزة ومهمة، على رأسها عروض الأفلام والتنظيمات الخاصة بالندوات،
مشيراً إلى وجود دعم ملحوظ لميزانية المهرجان مقارنة بالدورات السابقة، ما
أسهم بشكل واضح فى جذب أفلام عالمية وعرضها للمرة الأولى ضمن «القاهرة
السينمائى»، على حد تعبيره، مضيفاً: «هذه الدورة شهدت حضور ضيوف مهمين
ومميزين من دول العالم العربى بأكمله، فضلاً عن استقطاب عدد مميز من
الأعمال الفنية وطرحها أمام المشاهدين».
وأثنى «زكريا» على عرض أفلام كثيرة مميزة خلال الدورة
الحالية تستحق المشاهدة، مشيداً بنجاح إدارة المهرجان فى استقطاب الجمهور،
قائلاً: «الإقبال الجماهيرى كبير هذا العام»، معتبراً أن زيادة عدد الأعمال
المشاركة أدت إلى تشتيت انتباه المشاهدين، موضحاً أنه «رغم عرض عدد كبير من
الأفلام فإنها لم تحظ جميعها بمستوى جيد، إذ تنوع المعروض بين الجيد
والسيئ»، على حد وصفه، مستنكراً حجز الجمهور تذاكر المهرجان لمشاهدة أفلام
دون المستوى.
وتابع: «المشاركة المصرية هذا العام إيجابية، وأرى أن هذا
يصب فى صالح المهرجان، خاصة أن لجان المشاهدة بذلت كثيراً من الجهد والوقت
للحصول على تلك الأفلام، واختارتها بعناية للمشاركة فى فعاليات هذا الحدث
الدولى»، متمنياً حفاظ «القاهرة السينمائى» على استمراريته ودعمه للمخرجين
والتجارب الأولى، ما يعطى دافعاً كبيراً لإنتاج أعمال مهمة مستقبلاً.
وتحدث ياسر شفيعى، مخرج فيلم «التدريبات القصوى لتحسين
الأداء»، المُشارك فى مسابقة «سينما الغد»، عن التطور الذى شهده العام
الحالى، قائلاً: «هذه الدورة شهدت تطوراً كبيراً مقارنة بالدورة الماضية،
لا سيما من الناحية التنظيمية»، مُشيداً بمستوى اختيار الأفلام المصرية،
مضيفاً: «تمتعت بدرجة عالية من الجودة وتنوّع الأفكار». وأوضح «شفيعى» أن
هناك أزمة فى كتابة السيناريوهات خلال الفترة الأخيرة، ليس على مستوى
السينما المصرية فحسب، وإنما السينما العالمية أيضاً، معتبراً أن مستوى
الأفلام الجيدة انكمش، قائلاً: «المهرجان بشكلٍ عام ظهر بشكلٍ جيد،
والأفلام ذات تقنية عالية»، مُشيداً ببرنامج «أيام صناعة السينما»، مضيفاً:
«حقق إفادة لصُنّاعها، من خلال تقديم طرق عرض الأفلام وتسويقها». وأشار إلى
أنه «كان من المُفترض إقامة المخرجين المصريين مع الضيوف الأجانب فى
الفنادق، حتى تكون هناك حالة من التواصل والإفادة وتبادل الخبرات، فمثلاً
أنا لم ألتق أى مخرج منافس لى فى مسابقة (سينما الغد)»، لافتاً إلى الأزمة
المُتعلقة بانتهاء تذاكر العديد من الأفلام، رغم وجود عدد كبير من المقاعد
فارغة.
واعتبر الناقد المغربى كاظم السلوم أن الدورة الأربعين من
«القاهرة السينمائى» تحمل كثيراً من الإنجازات، أبرزها عرض كثير من الأفلام
الجيدة متعددة الجنسيات من أمريكا وشرق آسيا وأفريقيا، فضلاً عن الإقبال
الجماهيرى «فالصالات كانت ممتلئة»، موضحاً أن «هذا الزخم الفنى يتيح التعرف
على ثقافات الشعوب الأخرى».
وقال «السلوم»: «من وجهة نظرى، هناك عدد كبير من الأعمال
تستحق العرض بمهرجان القاهرة، منها الفيلم التونسى (فتوى) الذى يناقش
الإرهاب والتطرف بشكل منطقى، و(ورد مسموم) لفت نظرى كثيراً»، موضحاً أن
المهرجان يحتاج دعماً مادياً أكبر باعتباره المهرجان الأهم فى مصر، ويكفى
أنه يحمل اسم القاهرة.
وعن السلبيات التى أخذها على الحدث الدولى، قال: «توقيت عرض
الأفلام المهمة فى وقت واحد، لأن هذا يبعدنا عن مشاهدة معظم الأعمال
المهمة». |