القاهرة السينمائي في دورته الـ40:
خطوة إلى الأمام مع نجاحات وإخفاقات
أمير العمري
فيلم "ليلة الاثني عشر عاما" للمخرج ألفارو بريخنر يتوج
بالهرم الذهبي، و "ورد مسموم" المصري يحصد ثلاث جوائز.
بمشاركة أكثر من 160 فيلما من 59 دولة، اختتمت مساء الخميس
فعاليات الدورة الـ40 من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، التي تواصلت على
مدار 10 أيام بدار الأوبرا المصرية في القاهرة، حيث توج فيلم “ليلة الاثني
عشر عاما” للمخرج ألفارو بريخنر بجائزة الهرم الذهبي.
القاهرة -
اختتمت مساء الخميس الدورة الـ40 من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي
بإعلان نتائج المسابقات الأربع، وأهمها بالطبع المسابقة الرسمية، وحصل فيلم
“ليلة الاثني عشر عاما” للمخرج ألفارو بريخنر من أوروغواي على جائزة الهرم
الذهبي.
وأبدى المخرج في الكلمة التي ألقاها عند استلام الجائزة
اعتزازه برسوخ الديمقراطية وحقوق الإنسان في بلده باستثناء 12 عاما خضع
خلالها للدكتاتورية العسكرية، خاصة وأن موضوع فيلمه يدور خلال تلك الحقبة
المؤلمة، ويصور محنة ثلاثة سجناء سياسيين قضوا 12 عاما في السجن في زنزانة
واحدة.
وتدور أحداث الفيلم بين عامي 1973 و1985 عندما اعتقلت
الدكتاتورية العسكرية ثلاثةً من قياديي منظّمة “التوبامارو” اليسارية،
ويُسجن الثلاثة انفراديا طوال فترة اعتقالهم، وينتقل المخرج بحساسية عالية
بين القمع المرعب الذي يتعرّضون له في السجن، وبين أحلامهم الإنسانية
البسيطة.
تتويجات الدورة
حصل فيلم “مانتاراي” من تايلاند مناصفة مع فيلم “دونباس”
الأوكراني على جائزة الهرم الفضي لأحسن إخراج، بينما ذهبت جائزة أحسن عمل
أول للفيلم البريطاني الممتاز “أطع”
Obey،
الذي يتناول موضوع العنصرية، وفاز بجائزة أفضل ممثل المصري شريف دسوقي عن
دوره في فيلم “ليل-خارجي”، أما جائزة أفضل ممثلة ففازت بها صوفيا تانوتشي
من المجر عن دورها في فيلم “ذات يوم”.
ومنحت لجنة التحكيم التي ترأسها المخرج الدنماركي بيللي
أوغوست، جائزة أفضل إسهام فني لفيلم “الزوجة الثالثة” من فيتنام، وجائزة
أفضل سيناريو (جائزة نجيب محفوظ) للفيلم الكولومبي الممتاز “طيور الممر”.
وقد فاجأ رئيس المهرجان الجمهور بإعلانه إلغاء جائزة
الجمهور التي خصص لها مبلغ 20 ألف دولار بسبب ما ذكر أنه مشاكل شابت عملية
الاقتراع، علما بأنني شخصيا لم ألمح ولا مرة واحدة، توزيع بطاقات التصويت
قبل بدء العروض كما تفعل المهرجانات التي تخصص مثل هذه الجائزة، وكانت
المفاجأة ذهاب قيمة الجائزة إلى الهرم الذهبي.
وفي مسابقة آفاق السينما العربية، حصد الفيلم التونسي
“فتوى” لمحمود بن محمود جائزة أفضل فيلم عربي (جائزة سعدالدين وهبة)، بينما
فاز فيلم “ورد مسموم” المصري بجائزة صلاح أبوسيف (جائزة لجنة التحكيم
الخاصة)، كما فاز أيضا بجائزة أحسن فيلم عربي، مقدمة من شركة “تيك تيوك”
بقيمة 15 ألف دولار.
وفي مسابقة ”سينما الغد” للأفلام القصيرة، فاز فيلم “هي” من
إنتاج كوسفو وفرنسا بجائزة لجنة التحكيم الخاصة، كما فاز بها أيضا فيلم
“إخوان” من إنتاج كندا وتونس والسويد.
وفاز الفيلم المصري “ورد مسموم” لأحمد فوزي صالح بجائزة
ثالثة هي جائزة صندوق الأمم المتحدة للشباب، وهو رغم تميزه الشكلي من ناحية
الصورة يعاني من الترهل والتكرار.
المخرج ألفارو بريخنر يعتبر أن فيلمه المتوج بالهرم الذهبي،
هو في حد ذاته تتويج للديمقراطية وحقوق الإنسان في بلده الأوروغواي
ومنح الاتحاد الدولي للصحافة السينمائية (فيبريسي) جائزته
لفيلم “ليلة الاثني عشر عاما” الفائز بالهرم الذهبي أيضا، أما جائزة “أسبوع
النقاد” ففاز بها فيلم “أغا” البلغاري كأحسن فيلم، واعتبر فيلم “رحلة
الصعود إلى المرئي” اللبناني كأحسن إنجاز فني.
وشاب حفل الختام بعض الاضطراب، خاصة مع غياب الغالبية
العظمى من مخرجي الأفلام الفائزة أو أي ممثل عن الفيلم، مما أدى إلى تسليم
الجوائز لأعضاء البعثات الدبلوماسية أو النقاد القادمين من تلك البلدان،
وهو أمر يؤسف له ويجب أن ينصب اهتمام المهرجان مستقبلا على دعوة جميع مخرجي
الأفلام المشاركة في المسابقة الرسمية وضمان حضورهم قبل قبول أفلامهم في
المسابقة.
ورغم ذلك، يمكن القول إن هذه الدورة أفضل كثيرا من دورات
سابقة، فقد كان هناك شعور بوجود إمكانيات أكبر، وطموحات أكبر، وحرية أكبر
في الحركة بدليل أن رئيس المهرجان محمد حفظي تمكن من إقناع عدد من كبار
الشخصيات السينمائية في العالم بالحضور إلى القاهرة مثل رئيس لجنة التحكيم
المخرج الدنماركي الشهير بيللي أوغوست، ومدير مهرجان فينيسيا أعرق مهرجانات
السينما في العالم ألبرتو باربيرا، والممثل والمخرج البريطاني المرموق ريف
فاينز، والناقد الألماني أمين عام الاتحاد الدولي للصحافة السينمائية كلاوس
إيدير، والمخرج الفلبيني بريانتي ميندوزا، وغيرهم كثيرون.
وقد ألقى هؤلاء جميعا دروسا سينمائية وعقدوا ندوات حضرها
عدد لا بأس به من المهتمين والسينمائيين، كما حضر إلى المهرجان عدد كبير من
نقاد السينما والصحافيين العرب والأجانب المعروفين.
وكان من أهم الأحداث تكريم المخرج البريطاني بيتر غريناواي
الذي قدم أيضا “درس السينما”، وقد أعلن المهرجان عن تكريمه قبيل الافتتاح
مباشرة، وكان وجوده ليصبح أكثر فعالية ويكتسب قيمة أكبر لو كان المهرجان قد
نظم عروضا استرجاعية (ريتروسبكتيف) لكل أفلامه في تظاهرة خاصة أو على الأقل
عرض عددا من أهم أفلامه التي تعتبر مدرسة في حد ذاتها في سينما الفن.
جائزة أفضل ممثل فاز بها المصري شريف دسوقي، فيما ذهبت
جائزة أفضل ممثلة للدور الـ40 لصوفيا تانوتشي من المجر
وقد نجح المدير الفني للمهرجان، الناقد المخضرم يوسف شريف
رزق الله، في الحصول على عدد كبير من أهم الأفلام التي عرضت في العالم مثل
“روما” المكسيكي الفائز بجائزة “الأسد الذهبي” في مهرجان فينيسيا، و”رجل
الكوكلوكس كلان الأسود” للمخرج الأميركي سبايك لي الفائز بالجائزة الكبرى
للجنة التحكيم في مهرجان كان، و”طيور الممر” وهو أحد أفضل أفلام المسابقة،
و”حرب خاصة” الذي يصور حياة المراسلة الصحافية البريطانية ماري كولفين،
و”كتاب الصور” لجان لوك غودار، و”أطع” البريطاني وهو عمل مدهش بمستواه
الفني ووضوح رؤيته السياسية الاجتماعية.
وشهد المهرجان أيضا عرض مجموعة من الأفلام المصرية الجديدة
(خمسة أفلام منها فيلم تسجيلي طويل)، كما عُرض أكثر من 30 فيلما جديدا من
العالم العربي، وعدد آخر ضمن تظاهرة الاحتفاء بأعمال المخرجات العربيات،
وهكذا تحقق التكامل بين العالمي والإقليمي والمصري المحلي.
وقد يتراوح مستوى هذه الأفلام ويتباين، لكن هذه هي طبيعة
الأمور، فالمهرجانات تحرص على أن تعرض الجديد، خاصة من الإنتاج المحلي بغض
النظر عن مستواها، وبذلك أتيحت فرصة جيدة للضيوف الأجانب، للتعرف عن قرب
على مختارات من السينما المصرية والعربية، وهذا هو ما يثير اهتمامهم في
المقام الأول أكثر من مشاهدة الأفلام الأوروبية والأميركية التي تعرض في
بلادهم دون قيود.
مشاكل إدارية
المشاكل التي واجهها المهرجان ترجع في شق منها إلى إدارة
المهرجان، وفي شق آخر إلى إدارة الأوبرا التي يقام المهرجان أساسا في نطاق
منشآتها وقاعاتها، كان هناك أولا إهمال واضح للدعاية للمهرجان في مدينة
القاهرة بشكل عام، وهي مسألة يجب أن توليها الإدارة اهتماما أكبر، بحيث
تتفق مع بعض الرعاة على وضع إعلانات في محطات مترو الأنفاق والحافلات
العامة ولوحات الدعاية الموجودة في الشوارع والساحات العامة، وعبر قنوات
التلفزيون الرسمية.
إدارة المهرجان تحسب لها إتاحتها الفرصة للضيوف الأجانب
للتعرف عن قرب على مختارات من السينما المصرية والعربية
من جهتها كان يجب أن تفرض إدارة المهرجان بالتعاون مع إدارة
الأوبرا، على قنوات التلفزيون التي جاءت لتصوير مقابلات مع الضيوف في القسم
المخصص لها، عدم نشر الأسلاك الكهربائية والمعدات والأخشاب على الأرض على
نحو عشوائي، ووضع الكاميرات وأجهزة الصوت في أماكن مرور الجمهور، بحيث
أعاقت حرية الانتقال والسير من جانب الأفراد مما تسبب مرارا في عرقلة
الكثيرين وسقوطهم، بل وحدوث بعض الإصابات كما كان يمكن أن يتسبب في وقوع
كوارث في حالة نشوب حريق، خاصة بعد سقوط الأمطار في اليوم الثالث من
المهرجان!
صحيح أن حفل الافتتاح ليس هو المهرجان، لكن يجب الاعتناء
بإخراجه في صيغة مقبولة تناسب مهرجانا دوليا، أي يجب الابتعاد عن ممارسة
“الاستظراف” من جانب نجوم السينما المصرية، والابتعاد عن تبادل المجاملات
والقفشات والتعليقات اللفظية بين نجوم السينما المصرية.
من جهة أخرى كانت العروض الاحتفالية
(Gala)
تتأخر كثيرا، ما يقرب من نصف ساعة عن موعد عرضها الرسمي المعلن في السادسة
والنصف، بدعوى الاضطرار إلى انتظار سير النجوم وطاقم الفيلم على البساط
الأحمر والتصوير.. إلخ. وهو تبرير غير مقبول على الإطلاق، فكل مهرجانات
العالم الكبرى تقيم مثل هذه العروض الاحتفالية، لكنها تضبط الوقت بحيث تبدأ
العروض في مواعيدها.
ومن ناحية إدارة الأوبرا، كان لا بد من إعادة تهيئة المكان
بالكامل حتى يليق بمهرجان دولي كبير يحضره الكثير من الأجانب، فدار أوبرا
القاهرة التي كانت في الماضي من أعرق وأجمل دور الأوبرا في العالم والتي
احترقت في أوائل السبعينات، كان لا بد وأن يعاد لها الاعتبار في مقرها
الجديد، فمقاعد المسرح الكبير والمسرح الصغير غير مريحة، ولا بد أنها مصممة
لتناسب أجسام اليابانيين الذين قاموا بإنشائها، مما أصبح يستدعي إعادة
تصميمها والاستعانة بمقاعد جديدة تكون وثيرة ومريحة، على أن يتم استخدام
السجاد الجيد في الأرضيات، كما يجب إعادة تصميم المسرح الصغير بحيث يصلح
كقاعة للعروض السينمائية.
أما المسرح الكبير فقد بات محتما إغلاق الطابقين العلويين
ومنع استخدامهما تماما في عروض الأفلام السينمائية، بسبب عدم ملاءمتهما
للمشاهدة حيث تظهر الصورة منقوصة كما تتنافى زاوية الرؤية مع فكرة العرض
السينمائي والفرجة، ولم يكن مفهوما ذلك الإصرار العجيب من جانب المشرفين
على القاعات، على تشغيل نظام تكييف الهواء البارد في فصل الشتاء في بلد
يعاني أصلا من أزمة في الطاقة.
موضوع الرقابة
مرة أخرى تتسبب البيروقراطية المصرية والرقابة التي لا تريد
الإعلان عن نفسها بوضوح، في مشكلة أثارت الكثير من اللغط، بل والغضب أيضا.
والمقصود تحديدا ما وقع للفيلم السويدي “الحد الفاصل”
Border
الذي أعلن المهرجان عن عرضه وضمه إلى برنامجه، وفي اليوم المحدد لعرضه في
إحدى قاعات الأوبرا ذهب حاملو التذاكر لمشاهدته، إلاّ أنهم أُبلغوا بأن
العرض قد ألغي بسبب عدم ملاءمة النسخة، علما بأنها عبارة عن خرطوشة
“دي.سي.بي” الرقمية التي ليس من الممكن أن تتلف ولو بعد مئة سنة، كما أن
إدارة المهرجان لا بد وأن تكون قد فحصت النسخة قبل عرضها وتأكدت من
صلاحيتها.
"ورد
مسموم" فيلم مصري عن المهمشين
ورغم ذلك فقد خصصت إدارة المهرجان عرضا آخر للفيلم في سينما
الزمالك الحديثة قصرته على النقاد والصحافيين، وقامت بتوزيع التذاكر الخاصة
بالعرض، ومرة أخرى يتوجه الجميع لمشاهدة الفيلم لكنهم يجدون أنه لن يعرض
لنفس السبب المضحك.
وهي مشكلة يجب أن تتعامل معها إدارة المهرجان مستقبلا بحزم
وحسم، فأفلام المهرجانات لا يجب أن تتعرض للرقابة بحكم الطبيعة الخاصة
لجمهورها المثقف.
حضور الجمهور
مما يُحسب للمهرجان والقائمين عليه أنه رغم قلة الدعاية،
إلاّ أن الجمهور جاء وحضر وشاهد وناقش، وقد شهدت بنفسي تدافعا ولهفة على
مشاهدة روائع الأفلام من الشرق والغرب وكان الجمهور يتحمل في صبر الجلوس
لساعات فوق تلك المقاعد غير المريحة لمشاهدة الأفلام، كما لوحظ أيضا تحسن
العروض من الناحية التقنية كثيرا عن السنوات السابقة، مع الاستعانة بأجهزة
عرض حديثة جيدة وشاشات جديدة مع التوسع الواضح في استخدام الترجمة العربية
المصاحبة للأفلام.
بشكل عام يمكن القول إن البيروقراطية لم تتمكن رغم كل شيء
في نهاية المطاف، من هزيمة الطموحات الفنية الأساسية للمهرجان: عروض
الأفلام الجيدة، وجود الأسماء اللامعة من الضيوف، حضور الجمهور، تحسن
العروض، الندوات النوعية ودروس السينما. وهذا ما يهم في النهاية.
كاتب وناقد سينمائي مصري |